وَكَانَ ﷺ إِذَا أَتَمَّ التَّكْبِيرَ أَخَذَ فِي الْقِرَاءَةِ، فَقَرَأَ فَاتِحَةَ الْكِتَابِ، ثُمَّ قَرَأَ بَعْدَهَا: ق وَالْقُرْآنِ الْمَجِيدِ [ق] فِي إِحْدَى الرَّكْعَتَيْنِ، وَفِي الْأُخْرَى: اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانْشَقَّ الْقَمَرُ [القمر].
وَرُبَّمَا قَرَأَ فِيهِمَا: سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى [الأعلى] وَهَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ الْغَاشِيَةِ [الغاشية]، صَحَّ عَنْهُ هَذَا وَهَذَا، وَلَمْ يَصِحَّ عَنْهُ غَيْرُ ذَلِكَ.
الشيخ: قوله: "إذا أتم التَّكبير" فيه نقص، يعني والاستفتاح، فإنه يُكبر ثم يستفتح ثم يقرأ كما تقدم، ما علَّق عليه؟ ما نبَّه؟
الطالب: ما نبَّه؟
الشيخ: ما نبَّه، نبّه، حطّ عليه إشارة.
س: .............؟
ج: ما أعلم فيه، لكن ما هو ببعيدٍ، إن كبَّر فلا بأس؛ قياسًا على قيامه من الثانية، ما هو ببعيدٍ أن يُقاس هذا على هذا من جهة العبادة، وإن ترك فلا حرج، لا أعلم في هذا شيئًا، أقول: لا أذكر في هذا شيئًا، يحتاج إلى تأمُّلٍ.
ومَن قاله ..... قاسه على قيامه من التَّشهد الأول.
الشيخ: وهذا الذي ذكره المؤلفُ هو المحفوظ: أنه يُكبر سبعًا، منها تكبيرة الإحرام في الأولى، وخمسًا سوى تكبيرة النقل ..... الثانية، والقراءة بعدهما كلتيهما في العيد والاستسقاء كذلك.
وَقَدْ رَوَى الترمذي مِنْ حَدِيثِ كثير بن عبدالله بن عمرو بن عوف، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ كَبَّرَ فِي الْعِيدَيْنِ فِي الْأُولَى سَبْعًا قَبْلَ الْقِرَاءَةِ، وَفِي الْآخِرَةِ خَمْسًا قَبْلَ الْقِرَاءَةِ.
قَالَ الترمذي: سَأَلْتُ مُحَمَّدًا -يَعْنِي الْبُخَارِيَّ- عَنْ هَذَا الْحَدِيثِ، قَالَ: لَيْسَ فِي الْبَابِ شَيْءٌ أَصَحَّ مِنْ هَذَا، وَبِهِ أَقُولُ.
الشيخ: وأقول يعني لأنه موافق للرواية الأولى الصحيحة، وإلا فكثير لا يعتمد عليه، كثير بن عبدالله هذا ضعيف عندهم، لكنه موافق للرواية الصحيحة، والضعيف قد يأتي بالروايات التي تُوافق الرواية الصَّحيحة.
وَقَالَ: وَحَدِيثُ عبدالله بن عبدالرحمن الطائفي، عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ فِي هَذَا الْبَابِ هُوَ صَحِيحٌ أَيْضًا.
قُلْتُ: يُرِيدُ حَدِيثَهُ أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ كَبَّرَ فِي عِيدٍ ثِنْتَيْ عَشْرَةَ تَكْبِيرَةً: سَبْعًا فِي الْأُولَى، وَخَمْسًا فِي الْآخِرَةِ، وَلَمْ يُصَلِّ قَبْلَهَا وَلَا بَعْدَهَا.
قَالَ أحمد: وَأَنَا أَذْهَبُ إِلَى هَذَا.
قُلْتُ: وكثير بن عبدالله بن عمرو هَذَا ضَرَبَ أحمد عَلَى حَدِيثِهِ فِي "الْمُسْنَدِ" وَقَالَ: لَا يُسَاوِي حَدِيثُهُ شَيْئًا.
وَالتِّرْمِذِيُّ تَارَةً يُصَحِّحُ حَدِيثَهُ، وَتَارَةً يُحَسِّنُهُ، وَقَدْ صَرَّحَ الْبُخَارِيُّ بِأَنَّهُ أَصَحُّ شَيْءٍ فِي الْبَابِ، مَعَ حُكْمِهِ بِصِحَّةِ حَدِيثِ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ، وَأَخْبَرَ أَنَّهُ يَذْهَبُ إِلَيْهِ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
وَكَانَ ﷺ إِذَا أَكْمَلَ الصَّلَاةَ انْصَرَفَ، فَقَامَ مُقَابِلَ النَّاسِ، وَالنَّاسُ جُلُوسٌ عَلَى صُفُوفِهِمْ، فَيَعِظُهُمْ وَيُوصِيهِمْ، وَيَأْمُرُهُمْ وَيَنْهَاهُمْ، وَإِنْ كَانَ يُرِيدُ أَنْ يَقْطَعَ بَعْثًا قَطَعَهُ، أَوْ يَأْمُرَ بِشَيْءٍ أَمَرَ بِهِ.
وَلَمْ يَكُنْ هُنَالِكَ مِنْبَرٌ يَرْقَى عَلَيْهِ، وَلَمْ يَكُنْ يُخْرِجُ مِنْبَرَ الْمَدِينَةِ، وَإِنَّمَا كَانَ يَخْطُبُهُمْ قَائِمًا عَلَى الْأَرْضِ، قَالَ جابر: "شَهِدْتُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ الصَّلَاةَ يَوْمَ الْعِيدِ، فَبَدَأَ بِالصَّلَاةِ قَبْلَ الْخُطْبَةِ، بِلَا أَذَانٍ، وَلَا إِقَامَةٍ، ثُمَّ قَامَ مُتَوَكِّئًا عَلَى بِلَالٍ، فَأَمَرَ بِتَقْوَى اللَّهِ، وَحَثَّ عَلَى طَاعَتِهِ، وَوَعَظَ النَّاسَ وَذَكَّرَهُمْ، ثُمَّ مَضَى حَتَّى أَتَى النِّسَاءَ فَوَعَظَهُنَّ وَذَكَّرَهُنَّ". مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
وَقَالَ أَبُو سَعِيدٍ الْخُدْرِيُّ: كَانَ النَّبِيُّ ﷺ يَخْرُجُ يَوْمَ الْفِطْرِ وَالْأَضْحَى إِلَى الْمُصَلَّى، فَأَوَّلُ مَا يَبْدَأُ بِهِ الصَّلَاةُ، ثُمَّ يَنْصَرِفُ فَيَقُومُ مُقَابِلَ النَّاسِ، وَالنَّاسُ جُلُوسٌ عَلَى صُفُوفِهِمْ ... الْحَدِيثَ. رَوَاهُ مسلم.
وَذَكَرَ أَبُو سَعِيدٍ الْخُدْرِيُّ: أَنَّهُ ﷺ كَانَ يَخْرُجُ يَوْمَ الْعِيدِ فَيُصَلِّي بِالنَّاسِ رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ يُسَلِّمُ فَيَقِفُ عَلَى رَاحِلَتِهِ مُسْتَقْبِلَ النَّاسِ، وَهُمْ صُفُوفٌ جُلُوسٌ، فَيَقُولُ: تَصَدَّقُوا، فَأَكْثَرُ مَنْ يَتَصَدَّقُ النِّسَاءُ بِالْقُرْطِ وَالْخَاتَمِ وَالشَّيْءِ، فَإِنْ كَانَتْ لَهُ حَاجَةٌ يُرِيدُ أَنْ يَبْعَثَ بَعْثًا يَذْكُرُهُ لَهُمْ، وَإِلَّا انْصَرَفَ.
وَقَدْ كَانَ يَقَعُ لِي أَنَّ هَذَا وَهْمٌ، فَإِنَّ النَّبِيَّ ﷺ إِنَّمَا كَانَ يَخْرُجُ إِلَى الْعِيدِ مَاشِيًا، وَالْعَنَزَةُ بَيْنَ يَدَيْهِ، وَإِنَّمَا خَطَبَ عَلَى رَاحِلَتِهِ يَوْمَ النَّحْرِ بِمِنًى، إِلَى أَنْ رَأَيْتُ بَقِيَّ بْنَ مَخْلَدٍ.
الشيخ: يوم النحر بمنى، وهكذا في عرفة خطب على راحلته بعرفة أيضًا، أما في العيد فكان يخطب على الأرض، يكون أمام الناس، ويخطبهم عليه الصلاة والسلام، لمن عزاه؟ رواية أبي سعيدٍ هذه المحشي عزاها؟
الطالب: قال: إسناده صحيح، وسيذكر ..... رجال السند بعد قليلٍ.
وَقَدْ كَانَ يَقَعُ لِي أَنَّ هَذَا وَهْمٌ، فَإِنَّ النَّبِيَّ ﷺ إِنَّمَا كَانَ يَخْرُجُ إِلَى الْعِيدِ مَاشِيًا، وَالْعَنَزَةُ بَيْنَ يَدَيْهِ، وَإِنَّمَا خَطَبَ عَلَى رَاحِلَتِهِ يَوْمَ النَّحْرِ بِمِنًى، إِلَى أَنْ رَأَيْتُ بَقِيَّ بْنَ مَخْلَدٍ الْحَافِظَ قَدْ ذَكَرَ هَذَا الْحَدِيثَ فِي "مُسْنَدِهِ" عَنْ أَبِي بَكْرِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ: حَدَّثَنَا عَبْدُاللَّهِ بْنُ نُمَيْرٍ: حَدَّثَنَا داود بن قيس: حَدَّثَنَا عِيَاضُ بْنُ عَبْدِاللَّهِ بْنِ سَعْدِ ابْنِ أَبِي سَرْحٍ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ يَخْرُجُ يَوْمَ الْعِيدِ مِنْ يَوْمِ الْفِطْرِ فَيُصَلِّي بِالنَّاسِ تَيْنِكَ الرَّكْعَتَيْنِ، ثُمَّ يُسَلِّمُ، فَيَسْتَقْبِلُ النَّاسُ، فَيَقُولُ: تَصَدَّقُوا، وَكَانَ أَكْثَرُ مَنْ يَتَصَدَّقُ النِّسَاءَ. وَذَكَرَ الْحَدِيثَ.
ثُمَّ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ ابْنُ خَلَّادٍ: حَدَّثَنَا أبو عامر: حَدَّثَنَا داود، عَنْ عياض، عَنْ أبي سعيدٍ: كَانَ النَّبِيُّ ﷺ يَخْرُجُ فِي يَوْمِ الْفِطْرِ فَيُصَلِّي بِالنَّاسِ، فَيَبْدَأُ بِالرَّكْعَتَيْنِ، ثُمَّ يَسْتَقْبِلُهُمْ وَهُمْ جُلُوسٌ، فَيَقُولُ: تَصَدَّقُوا، فَذَكَرَ مِثْلَهُ، وَهَذَا إِسْنَادُ ابْنِ مَاجَهْ، إِلَّا أَنَّهُ رَوَاهُ عَنْ أبي كريب، عَنْ أبي أسامة، عَنْ داود.
وَلَعَلَّهُ: ثُمَّ يَقُومُ عَلَى رِجْلَيْهِ، كَمَا قَالَ جابر: قَامَ مُتَوَكِّئًا عَلَى بلالٍ. فَتَصَحَّفَ عَلَى الْكَاتِبِ: بِرَاحِلَتِهِ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
فَإِنْ قِيلَ: فَقَدْ أَخْرَجَا فِي "الصَّحِيحَيْنِ" عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: "شَهِدْتُ صَلَاةَ الْفِطْرِ مَعَ نَبِيِّ اللَّهِ ﷺ وأبي بكر وعمر وعثمان ، فَكُلُّهُمْ يُصَلِّيهَا قَبْلَ الْخُطْبَةِ، ثُمَّ يَخْطُبُ، قَالَ: فَنَزَلَ نَبِيُّ اللَّهِ ﷺ كَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَيْهِ حِينَ يَجْلِسُ الرِّجَالُ بِيَدِهِ، ثُمَّ أَقْبَلَ يَشُقُّهُمْ حَتَّى جَاءَ إِلَى النِّسَاءِ وَمَعَهُ بِلَالٌ، فَقَالَ: يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا جَاءَكَ الْمُؤْمِنَاتُ يُبَايِعْنَكَ عَلَى أَنْ لَا يُشْرِكْنَ بِاللَّهِ شَيْئًا [الممتحنة:12]، فَتَلَا الْآيَةَ حَتَّى فَرَغَ مِنْهَا. الْحَدِيثَ.
وَفِي "الصَّحِيحَيْنِ" أَيْضًا عَنْ جابرٍ: أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ قَامَ فَبَدَأَ بِالصَّلَاةِ، ثُمَّ خَطَبَ النَّاسَ بَعْدُ، فَلَمَّا فَرَغَ نَبِيُّ اللَّهِ ﷺ نَزَلَ فَأَتَى النِّسَاءَ فَذَكَّرَهُنَّ. الْحَدِيثَ.
وَهُوَ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ كَانَ يَخْطُبُ عَلَى مِنْبَرٍ، أَوْ عَلَى رَاحِلَتِهِ، وَلَعَلَّهُ كَانَ قَدْ بُنِيَ لَهُ مِنْبَرٌ مِنْ لَبِنٍ أَوْ طِينٍ أَوْ نَحْوِهِ.
قِيلَ: لَا رَيْبَ فِي صِحَّةِ هَذَيْنِ الْحَدِيثَيْنِ، وَلَا رَيْبَ أَنَّ الْمِنْبَرَ لَمْ يَكُنْ يَخْرُجُ مِنَ الْمَسْجِدِ، وَأَوَّلُ مَنْ أَخْرَجَهُ مَرْوَانُ بْنُ الْحَكَمِ، فَأُنْكِرَ عَلَيْهِ، وَأَمَّا مِنْبَرُ اللَّبِنِ وَالطِّينِ فَأَوَّلُ مَنْ بَنَاهُ كثير بن الصلت فِي إِمَارَةِ مروان عَلَى الْمَدِينَةِ، كَمَا هُوَ فِي "الصَّحِيحَيْنِ"، فَلَعَلَّهُ ﷺ كَانَ يَقُومُ فِي الْمُصَلَّى عَلَى مَكَانٍ مُرْتَفِعٍ أَوْ دُكَّانٍ، وَهِيَ الَّتِي تُسَمَّى: مِصْطَبَةً، ثُمَّ يَنْحَدِرُ مِنْهُ إِلَى النِّسَاءِ فَيَقِفُ عَلَيْهِنَّ فَيَخْطُبُهُنَّ، فَيَعِظُهُنَّ، وَيُذَكِّرُهُنَّ. وَاللهُ أَعْلَمُ.
الشيخ: وبكل حالٍ فقوله: "نزل" يُشعر أنه كان على شيءٍ مرتفعٍ: إما شيء وُضع له فارتفع عليه، أو بُني له وارتفع عليه؛ لأنَّ ذلك أندى في الصَّوت وأبلغ، فالمنبر والشيء المرتفع أندى للصوت؛ ولهذا صنع المنبر في الجمعة لهذا الأمر، فإذا كان يوم العيد فيوم العيد أكثر حاجة؛ لكثرة الناس، فيُشرع أن يكون على شيءٍ مرتفعٍ حتى يبلغ الناس، أما اليوم فقد تيسرت هذه المكبرات، وصار الصوتُ يُسمع ولو لم يكن على محلٍّ مرتفعٍ.
س: .............؟
ج: ما كان يركب الراحلة في العيدين، كان يمشي، ما كان يركب الراحلة، إنما فعل هذا في الحجِّ؛ لأنَّ الراحلة معه، ولم يذكر أحدٌ الراحلة إلا هذه الرواية، يقال: فيها تفصيل ..... ما هو مشهور أنه كان يأتي على دابَّةٍ يوم العيد، والعيد قريب عند المسجد، ما هو ببعيدٍ، المصلَّى ما هو ببعيدٍ .....
س: العيد خطبة أو خطبتان؟
ج: المشهور عند العلماء خطبتان، وفي الروايات: ما رأينا إلا خطبة واحدة. لكن العلماء قاسوه على خطبة الجمعة؛ لأنه عيد السنة، والجمعة عيد الأسبوع، جاء في روايةٍ ضعيفةٍ خطبتان، والمشهور في الأحاديث الصَّحيحة خطبة.
س: هو صحيح؟
ج: كأن العلماء ألحقوا العيد بالجمعة فجعلوه خطبتين كالجمعة؛ لأنه عيد السنة، وهو الذي عليه جمهور أهل العلم: أنه خطبتان كالجمعة.
س: يُعمل بقول الجمهور؟
ج: هو الظاهر.
س: لو خطب خطبةً عليه شيء؟
ج: ما نعلم فيه شيئًا، المقصود تبليغ الناس ووعظهم وتذكيرهم، والرواية التي فيها خطبتان فيها ضعف.
س: الذي يستمر على خطبةٍ واحدةٍ؟
ج: ما نعلم فيه شيئًا، أقول: ما نعلم في هذا شيئًا.
س: صلاة الاستسقاء خطبة واحدة؟
ج: الاستسقاء كذلك مثل العيد، خطب فيه مثل العيد سواء بسواء، ما نعرف فيه إلا خطبة واحدة، لكن الذين جعلوه خطبتين في الاستسقاء جعلوه كالعيد، والعيد جعلوه كالجمعة، من باب القياس على الجمعة؛ لأنه عيد الأسبوع، وهذا عيد السنة، وتأثروا أيضًا بحديثٍ ضعيفٍ من رواية إبراهيم ابن أبي يحيى الأسلمي، معروف، الضعيف.
وقد يُقال: إنَّ رواية الضَّعيف لما اعتبرت بالعمل المتوارث قويت بهذا، لكني لا أعلم في هذا شيئًا عن الصحابة رضي الله عنهم وأرضاهم، أما الأحاديث الصَّحيحة فليس فيها إلا خطبة واحدة، وأما عن الصحابة فلا أذكر شيئًا الآن، فيحتاج إلى تأملٍ، يحتاج إلى جمع ما ورد في هذا الشَّيء.
س: .............؟
ج: هو مثل العيد سواء بسواء، النبي خطب فيه كما خطب في العيد.
س: ماذا ترى في المسألة؟
ج: تحتاج إلى مزيد عنايةٍ.
الشيخ: علَّق على رواية سعد؟
الطالب: رواه ابن ماجه في "إقامة الصلاة" باب "ما جاء في الخطبة في العيدين"، وفي سنده عبدالرحمن بن سعد بن عمار بن سعد المؤذن، وهو ضعيف، وسعد بن عمار مجهول.
الشيخ: في أثر مرسل عن عبيدالله بن عبدالله بن عتبة أنه كان يبدأ -مرسل- عند خطبة العيد بالتكبير، لكنه مرسل، والمرسل لا حُجَّةَ فيه.
وَقَدِ اخْتَلَفَ النَّاسُ فِي افْتِتَاحِ خُطْبَةِ الْعِيدَيْنِ وَالِاسْتِسْقَاءِ: فَقِيلَ: يُفْتَتَحَانِ بِالتَّكْبِيرِ. وَقِيلَ: تُفْتَتَحُ خُطْبَةُ الِاسْتِسْقَاءِ بِالِاسْتِغْفَارِ. وَقِيلَ: يُفْتَتَحَانِ بِالْحَمْدِ. قَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ ابْنُ تَيْمِيَّةَ: وَهُوَ الصَّوَابُ؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ ﷺ قَالَ: كَلُّ أَمْرٍ ذِي بَالٍ لَا يُبْدَأُ فِيهِ بِحَمْدِ اللَّهِ فَهُوَ أَجْذَمُ.
وَكَانَ يَفْتَتِحُ خُطَبَهُ كُلَّهَا بِالْحَمْدِ لِلَّهِ.
وَرَخَّصَ ﷺ لِمَنْ شَهِدَ الْعِيدَ أَنْ يَجْلِسَ لِلْخُطْبَةِ، وَأَنْ يَذْهَبَ، وَرَخَّصَ لَهُمْ إِذَا وَقَعَ الْعِيدُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ أَنْ يَجْتَزِئُوا بِصَلَاةِ الْعِيدِ عَنْ حُضُورِ الْجُمُعَةِ.
وَكَانَ ﷺ يُخَالِفُ الطَّرِيقَ يَوْمَ الْعِيدِ، فَيَذْهَبُ فِي طَرِيقٍ، وَيَرْجِعُ فِي آخَرَ، فَقِيلَ: لِيُسَلِّمَ عَلَى أَهْلِ الطَّرِيقَيْنِ.
الشيخ: ورخَّص أيش؟
الطالب: وَرَخَّصَ ﷺ لِمَنْ شَهِدَ الْعِيدَ أَنْ يَجْلِسَ لِلْخُطْبَةِ.
الشيخ: قف على هذا.
س: ............؟
ج: له طرق يشدّ بعضها بعضًا، فيكون من الحسن لغيره ..... يُصلي ظهرًا، لكن الأئمة يُقيمون الجمعة في مساجدهم، لكن إن صلَّى طيب، لا يتعبه، وإذا صلَّى ظهرًا صحَّت إن كان حضر العيد.
س: البدء بالخطبة الأحسن والأولى الحمد أو التَّكبير؟
ج: البدء بالحمد، المحفوظ الحمد مثلما قال المؤلفُ.
الشيخ: ما تكلم المحشي على: ورخَّص؟
الطالب: الأول ما تكلم، ما تكلم على الأول، تكلم على الثاني.
الشيخ: نعم.
الطالب: رواه أبو داود في "الصلاة" باب "إذا وافق يوم الجمعة يوم عيد".
الشيخ: هذا معروف، نعم.
س: .............؟
ج: صحيح، نعم.
الشيخ: هذا الذي قاله المؤلفُ أولى؛ يعمّ هذه الحِكَم وغيرها، الشارع لا يشرع شيئًا عبثًا، وإنما يشرعه لحكمٍ وأسرارٍ، فكونه يخرج من طريقٍ ويرجع من آخر شُرع لحكمٍ وأسرارٍ، منها ما ذُكر وغير ذلك من الفوائد: إظهار شعائر الإسلام، وتعدد البقاع، والسلام على أهل الطريقين؛ ولإغاظة المنافقين، وغير هذا من الفوائد في مخالفة الطريق.
س: .............؟
ج: ولو في السيارات ..... وإظهار الشعائر كله حاصل.
الشيخ: هذا يُسمَّى: التكبير المقيد عقب الصلوات، يبدأ من صلاة الفجر يوم عرفة، إلى نهاية أيام التَّشريق، خمسة أيام، وهذا محفوظ عن الصحابة. وأما الحديث المرفوع ففيه ضعف، لكن المحفوظ عن الصحابة أنهم كانوا يُكبرون بعد هذه الأوقات: التاسع، والعاشر، والحادي عشر، والثاني عشر، والثالث عشر، تكبيرًا مطلقًا ومُقيدًا، وبعد الصَّلوات، وفي غير ذلك، فيكون الذكر مُزدوجًا في هذه الخمسة أيام: بعد الصَّلوات، وفي بقية الأوقات، أما في الثامن وما قبله من أول الشهر هذا تكبير مُطلق، من أول يومٍ في ذي الحجّة إلى الثامن هذا مُطلق، ليس فيه التكبير عقب الصَّلوات، بل مُطلق، فإذا جاء يومُ التاسع بدأ المقيد من يوم عرفة، مع المطلق جميعًا، فيكون التكبيرُ ثلاثة عشر يومًا: منذ أول يومٍ إلى نهاية أيام التَّشريق، للحجاج وغير الحجاج، للجميع، لكن في الخمسة أيام الأخيرة يجتمع المقيدُ -أدبار الصلوات- والمطلق، ويستمر في الأولى فيها المطلق.
س: التكبير للمُقيد بالنسبة للحاجِّ؟
ج: يبدأ من ظهر يوم النحر؛ لأنه مشغول بالتلبية، إذا أحرم بالحجِّ مشغول بالتلبية، فيشتغل بالتلبية أفضل، وإن كبَّر فلا بأس، قال أنسٌ في "الصحيحين": كان يُهلُّ منا المهلُّ ولا يُنكر عليه، ويُكبر المكبر فلا يُنكر عليه. حين توجَّهوا إلى عرفات مع النبي ﷺ، لكن التَّلبية أولى في هذا؛ لأنها شعار الحجِّ.
س: التكبير له صيغة خاصَّة؟
ج: هذه صيغته: "الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله، الله أكبر، الله أكبر، ولله الحمد" شفعًا، وبعض الصحابة يُكبر وترًا: "الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله، الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، ولله الحمد"، ومنها: "الله أكبر كبيرًا، والحمد لله كثيرًا، وسبحان الله بكرةً وأصيلًا"، هذه الألفاظ أفضل.
س: .............؟
ج: لو قال: "سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر" كله طيب.
س: .............؟
ج: نعم، عقب الصلاة -صلاة الفجر- مع المطلق.
س: .............؟
ج: لا، ما هو بداخلٍ.
س: .............؟
ج: المقيد يبدأ من يوم عرفة.
س: .............؟
ج: يُكبر أدبار الصَّلوات، وبعد ذلك يُكبر في الطريق وفي كل مكانٍ.
س: .............؟
ج: ..... ما قبله مُطلق، ما فيه أدبار الصَّلوات، والمقيد أدبار الصَّلوات.
س: .............؟
ج: نعم، يُسمع مَن حوله في الأسواق، كذلك شعار ظاهر في المسجد، كان عمر يُكبر في مُصلاه حتى يسمع أهل السوق تكبيره، حتى يرتجَّ منى بتكبيره.
س: .............؟
ج: هذا يُكبر، وهذا يُكبر حتى ترتفع الأصوات، وإن ما قصدوا ما يكون مقصودًا.
فَصْلٌ
فِي هَدْيِهِ ﷺ فِي صَلَاةِ الْكُسُوفِ
لَمَّا كَسَفَتِ الشَّمْسُ خَرَجَ ﷺ إِلَى الْمَسْجِدِ مُسْرِعًا فَزِعًا يَجُرُّ رِدَاءَهُ، وَكَانَ كُسُوفُهَا فِي أَوَّلِ النَّهَارِ عَلَى مِقْدَارِ رُمْحَيْنِ أَوْ ثَلَاثَةٍ مِنْ طُلُوعِهَا، فَتَقَدَّمَ فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ: قَرَأَ فِي الْأُولَى بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ، وَسُورَةٍ طَوِيلَةٍ، جَهَرَ بِالْقِرَاءَةِ، ثُمَّ رَكَعَ فَأَطَالَ الرُّكُوعَ، ثُمَّ رَفَعَ رَأْسَهُ مِنَ الرُّكُوعِ فَأَطَالَ الْقِيَامَ، وَهُوَ دُونَ الْقِيَامِ الْأَوَّلِ، وَقَالَ لَمَّا رَفَعَ رَأْسَهُ: سَمِعَ اللهُ لِمَنْ حَمِدَهُ، رَبَّنَا لَكَ الْحَمْدُ، ثُمَّ أَخَذَ فِي الْقِرَاءَةِ، ثُمَّ رَكَعَ فَأَطَالَ الرُّكُوعَ، وَهُوَ دُونَ الرُّكُوعِ الْأَوَّلِ.
س: يُفهم من هذا أنه ما يزيد على "سمع الله لمن حمده، ربنا ولك الحمد"؟
ج: هذا اللَّفظ المطلق ..... هنا، ولا مانع فيما يظهر من إكماله التَّحميد المعروف في النصوص الأخرى، وإن اقتصر على "ربنا ولك الحمد"، ثم قرأ على ظاهر النصِّ فلا بأس بذلك؛ لأنَّ النص ظاهر في هذا، إن قال: "ربنا ولك الحمد" ثم قرأ بعد ذلك بعد الركوع الأول، أما الركوع الثاني فليس بعده قراءة على الصحيح، بل بعده السجود بعدما يُكمل الثناء على الله ؛ لأنه ما بعده قراءة، أما على قول مَن قال: إنه يُصلي ثلاث ركوعات، أو أربع ركوعات، أو خمس ركوعات، فحكم الركوع الثالث كالركوع الثاني، وهكذا، لكن الصحيح أنهما ركعتان بأربع ركوعات، وأربع سجدات، هذا هو الأفضل، وهو الأصح الثابت عن رسول الله ﷺ: يقرأ قراءتين، ويركع ركوعين، ويسجد سجدتين، وهكذا في الثانية.
س: يعني إن اقتصر على هذا فلا بأس، وإن زاد؟
ج: إن زاد على القاعدة المعروفة، كما في الثناء على الله بعد الركوع.
س: ..............؟
ج: الفاتحة.
س: ..............؟
ج: الفاتحة في الأول، وفي الثاني، ثم القراءة بعدها.
ثُمَّ رَفَعَ رَأْسَهُ مِنَ الرُّكُوعِ، ثُمَّ سَجَدَ سَجْدَةً طَوِيلَةً فَأَطَالَ السُّجُودَ، ثُمَّ فَعَلَ فِي الرَّكْعَةِ الْأُخْرَى مِثْلَمَا فَعَلَ فِي الْأُولَى، فَكَانَ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ رُكُوعَانِ وَسُجُودَانِ، فَاسْتَكْمَلَ فِي الرَّكْعَتَيْنِ أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ، وَأَرْبَعَ سَجَدَاتٍ.
وَرَأَى فِي صَلَاتِهِ تِلْكَ الْجَنَّةَ وَالنَّارَ، وَهَمَّ أَنْ يَأْخُذَ عُنْقُودًا مِنَ الْجَنَّةِ فَيُرِيَهُمْ إِيَّاهُ، وَرَأَى أَهْلَ الْعَذَابِ فِي النَّارِ، فَرَأَى امْرَأَةً تَخْدِشُهَا هِرَّةٌ رَبَطَتْهَا حَتَّى مَاتَتْ جُوعًا وَعَطَشًا، وَرَأَى عمرو بن مالك يَجُرُّ أَمْعَاءَهُ فِي النَّارِ، وَكَانَ أَوَّلَ مَنْ غَيَّرَ دِينَ إِبْرَاهِيمَ، وَرَأَى فِيهَا سَارِقَ الْحَاجِّ يُعَذَّبُ، ثُمَّ انْصَرَفَ فَخَطَبَ بِهِمْ خُطْبَةً بَلِيغَةً.
الشيخ: وهذا هو الذي ثبت في الصحاح ..... صلاة الكسوف أنَّ الله جلَّ وعلا أراه فيها الجنةَ والنارَ، وأنه لما رأى الجنةَ تقدم، وتقدمت الصفوف، وجعل يتناول، فلما سُئل بعد ذلك قال: إنَّ الجنةَ عُرضت عليه، فجعل يتناول عنقودًا منها، قال: ولو أخذتُه لأكلتُم منه ما بقيت الدنيا، لكن لم يُقدر له ذلك، ثم عُرضت عليه النار، وجعل يتأخَّر وتتأخر الصفوف.
فهذا من آيات الله ، ومن إقامة الحجَّة على الناس؛ ليحذروا ما حرَّم الله، ويُؤدوا ما أوجب الله، ويعلموا أنَّ الجنة حقٌّ، والنار حقٌّ، كما أنهم ..... ليوم القيامة، فهو قادر على أن يُريهم إياها في هذه الدار بواسطة نبيه عليه الصلاة والسلام، ثم أراهم بعض مَن يُعذَّب فيها؛ حتى يكون هذا أقربَ إلى الارتداع والحذر، وأنَّ ما وُعدوا به أُريه نبيّهم ﷺ حتى أخبرهم به: من جهة التي ربطت الهرَّة وحبستها، رآها تُعذَّب في النار، رأى الهرةَ تخدشها وتنهشها؛ جزاءً لها على تعذيبها لها، فهي تُعذَّب بها.
ورأى سارق الحاجِّ يُعذَّب بمحجنه، وكان شخصًا يسرق الحجيج بمحجنه، يجرّ من أمتعتهم بمشعابه، فإن فطنوا قال: ما قصدتُ، تعلَّق بمحجني. فإن لم يفطنوا له أخذه وذهب به، رآه يُعذَّب في النار بنفس العصا التي كان يسرق بها الحجيج.
ورأى فيها عمرو بن لحي الخزاعي الذي كان أميرًا في مكة، تولى على مكة في عهد خُزاعة، وكان رئيسًا لهم، وكان أول مَن سيَّب السَّوائب للأصنام، وغيَّر دين إبراهيم، ونصب لهم الأصنام ليعبدوها، وبحث عن ودٍّ وسواع ويغوث حتى وجدها، فبثَّها في العرب، وهي التي كان يعبدها قومُ نوح، فعبدها العربُ بعد ذلك، وهذا من عمله الخبيث؛ ولهذا رآه النبي يجرّ قصبَه في النار، يعني: أمعاءه في النار بسبب عمله الخبيث.
المقصود من هذا التَّحذير من معاصي الله، والحثّ على التقرب إلى الله بأنواع الطاعة، فإنَّ كلًّا يجد ما يُقدم: مَن قدَّم خيرًا وجده في دار الكرامة، ومَن قدَّم شرًّا وجده في دار الهوان، نسأل الله السلامة.
س: وصف خطبة رسول الله ﷺ بقوله: خطبةً بليغةً؟
ج: يعني عظيمة، بالغ فيها ﷺ، يعني: حمد الله، وأثنى عليه، وذكَّر الناس، وبالغ في تذكيرهم؛ ليحذروا نقمةَ الله.
والبليغة هي التي اشتملت على الوعظ والتَّذكير والتَّحذير بألفاظٍ واضحةٍ وبينةٍ، مع الشدة في ذلك وإظهار الخوف عليهم والحذر عليهم.
وكان إذا خطب اشتدَّ غضبُه، وعلا صوته عليه الصلاة السلام، واحمرَّت عيناه كأنه مُنذر جيشٍ، يقول: صبَّحكم ومسَّاكم، ليست خطبةً ميتةً ضعيفةً، بعض الناس إذا خطب كلامه ضعيف، وكلامه ميت لا يُؤثر في القلوب، بخلاف مَن خطب بقوةٍ وبلاغةٍ، وإيجاد الألفاظ المؤثرة، والصوت المؤثر الذي ..... اختيار الألفاظ المؤثرة، وإظهار الحزن والخوف على المخاطبين.
وَاللَّهِ مَا أَحَدٌ أَغْيَرَ مِنَ اللَّهِ أَنْ يَزْنِيَ عَبْدُهُ، أَوْ تَزْنِيَ أَمَتُهُ، يَا أُمَّةَ مُحَمَّدٍ، وَاللَّهِ لَوْ تَعْلَمُونَ مَا أَعْلَمُ لَضَحِكْتُمْ قَلِيلًا، وَلَبَكَيْتُمْ كَثِيرًا.
وَقَالَ: لَقَدْ رَأَيْتُ فِي مَقَامِي هَذَا كُلَّ شَيْءٍ وُعِدْتُمْ بِهِ، حَتَّى لَقَدْ رَأَيْتُنِي أُرِيدُ أَنْ آخُذَ قِطْفًا مِنَ الْجَنَّةِ حِينَ رَأَيْتُمُونِي أَتَقَدَّمُ، وَلَقَدْ رَأَيْتُ جَهَنَّمَ يَحْطِمُ بَعْضُهَا بَعْضًا حِينَ رَأَيْتُمُونِي تَأَخَّرْتُ.
وَفِي لَفْظٍ: وَرَأَيْتُ النَّارَ، فَلَمْ أَرَ كَالْيَوْمِ مَنْظَرًا قَطُّ أَفْظَعَ مِنْهَا، وَرَأَيْتُ أَكْثَرَ أَهْلِ النَّارِ النِّسَاءَ، قَالُوا: وَبِمَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: بِكُفْرِهِنَّ، قِيلَ: أَيَكْفُرْنَ بِاللَّهِ؟ قَالَ: يَكْفُرْنَ الْعَشِيرَ، وَيَكْفُرْنَ الْإِحْسَانَ، لَوْ أَحْسَنْتَ إِلَى إِحْدَاهُنَّ الدَّهْرَ كُلَّهُ ثُمَّ رَأَتْ مِنْكَ شَيْئًا قَالَتْ: مَا رَأَيْتُ مِنْكَ خَيْرًا قَطُّ.
الشيخ: يعني هذا هو الغالب عليهنَّ: ينسين المعروف السابق كله عند زلَّةٍ يزل بها الرجل، وعند تقصيره عليها تنسى إحسانه الكثير الذي مضى عليه السنوات الكثيرة والدهر الطويل، حتى تقول: "ما رأيتُ منك خيرًا قطّ"، وهذا فيه كفرٌ للعشير، هو كفر الزوج، وكفر الإحسان. وفي اللفظ الآخر: ويكثرن اللَّعن، يكفرن العشير ويكثرن اللَّعن: السَّبُّ والشتم والكلام البذيء. وهذا يدل على أنَّ كفران العشير، وأنَّ السَّبَّ والبذاء من أسباب دخول النار، يعني: إنكار النِّعَم، وكفر النعم، وجحد المعروف، وإطلاق اللسان بالسَّبِّ والشتم، هذه خصال ذميمة تُوجب النار، نسأل الله العافية.
س: .............؟
ج: صلاة العيد، نعم، نعم، سنة.
.......
وَمِنْهَا: وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّكُمْ تُفْتَنُونَ فِي الْقُبُورِ مِثْلَ أَوْ قَرِيبًا مِنْ فِتْنَةِ الدَّجَّالِ، يُؤْتَى أَحَدُكُمْ فَيُقَالُ لَهُ: مَا عِلْمُكَ بِهَذَا الرَّجُلِ؟ فَأَمَّا الْمُؤْمِنُ -أَوْ قَالَ: الْمُوقِنُ- فَيَقُولُ: مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ، جَاءَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى، فَأَجَبْنَا وَآمَنَّا وَاتَّبَعْنَا، فَيُقَالُ لَهُ: نَمْ صَالِحًا، فَقَدْ عَلِمْنَا إِنْ كُنْتَ لَمُؤْمِنًا. وَأَمَّا الْمُنَافِقُ -أَوْ قَالَ: الْمُرْتَابُ- فَيَقُولُ: لَا أَدْرِي، سَمِعْتُ النَّاسَ يَقُولُونَ شَيْئًا فَقُلْتُهُ.
وَفِي طَرِيقٍ أُخْرَى لِأَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ رَحِمَهُ اللَّهُ: أَنَّهُ ﷺ لَمَّا سَلَّمَ حَمِدَ اللَّهَ، وَأَثْنَى عَلَيْهِ، وَشَهِدَ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَأَنَّهُ عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، ثُمَّ قَالَ: أَيُّهَا النَّاسُ، أُنْشِدُكُمْ بِاللَّهِ، هَلْ تَعْلَمُونَ أَنِّي قَصَّرْتُ فِي شَيْءٍ مِنْ تَبْلِيغِ رِسَالَاتِ رَبِّي لَمَّا أَخْبَرْتُمُونِي بِذَلِكَ؟ فَقَامَ رَجُلٌ فَقَالَ: نَشْهَدُ أَنَّكَ قَدْ بَلَّغْتَ رِسَالَاتِ رَبِّكَ، وَنَصَحْتَ لِأُمَّتِكَ، وَقَضَيْتَ الَّذِي عَلَيْكَ. ثُمَّ قَالَ: أَمَّا بَعْدُ، فَإِنَّ رِجَالًا يَزْعُمُونَ أَنَّ كُسُوفَ هَذِهِ الشَّمْسِ وَكُسُوفَ هَذَا الْقَمَرِ، وَزَوَالَ هَذِهِ النُّجُومِ عَنْ مَطَالِعِهَا لِمَوْتِ رِجَالٍ عُظَمَاءَ مِنْ أَهْلِ الْأَرْضِ، وَإِنَّهُمْ قَدْ كَذَبُوا، وَلَكِنَّهَا آيَاتٌ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى، يَعْتَبِرُ بِهَا عِبَادُهُ، فَيَنْظُر مَنْ يُحْدِثُ مِنْهُمْ تَوْبَةً.
الشيخ: "يعتبر" كذا عندك بالعين؟
الطالب: نعم.
طالب آخر: أنا أحفظها يا شيخ هكذا: "يختبر بها عباده".
الشيخ: راجعته؟
الطالب: لا، ما راجعتُه: "يختبر بها عباده".
الشيخ: نعم.
الشيخ: تُراجع رواية أحمد هذه.
الشيخ: كذا عندكم: تحي؟
الطالب: نعم.
الشيخ: حطّ عليه إشارة.
الطالب: ..........
الشيخ: يُراجع، حطّ عليه إشارة.
الطالب: علَّق عليه: أخرجه أحمد، وفي سنده ثعلبة بن عباد العبدي، لم يُوثقه غير ابن حبان، وباقي رجاله ثقات، وأخرجه مُختصرًا أبو داود والنَّسائي.
الشيخ: في بعض ألفاظه غرابة، إن كان مداره على هذا ما يكون مُعتمدًا فيما قاله الجمهور.
.......
س: خطبة الكسوف يُشرع لها الوقوف؟
ج: في بعض الروايات أنه صعد المنبر وخطبهم، والأمر فيها واسع: إذا صعد المنبر، أو وقف، أو خطبهم وهو جالس، الأمر فيها واسع، المهم تذكيرهم.
س: لو خطب وهو جالس؟
ج: الظاهر أنه يحصل المقصود، ولا سيما إذا كانوا قليلين ما في حاجة للمنبر، أما إذا كان في حاجة للمنبر أو هناك مُكبر يكفي، حصل المقصود.
الشيخ: وفي هذا رواية أُخرى: كل ركعةٍ بخمس ركوعات أيضًا، كأن المؤلف نسيها.
وَلَكِنْ كِبَارَ الْأَئِمَّةِ لَا يُصَحِّحُونَ ذَلِكَ: كَالْإِمَامِ أَحْمَدَ، وَالْبُخَارِيِّ، وَالشَّافِعِيِّ، وَيَرَوْنَهُ غَلَطًا.
قَالَ الشَّافِعِيُّ وَقَدْ سَأَلَهُ سَائِلٌ فَقَالَ: رَوَى بَعْضُهُمْ أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ صَلَّى بِثَلَاثِ رَكَعَاتٍ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ، قَالَ الشَّافِعِيُّ: فَقُلْتُ لَهُ: أَتَقُولُ بِهِ أَنْتَ؟ قَالَ: لَا، وَلَكِنْ لِمَ لَمْ تَقُلْ بِهِ أَنْتَ وَهُوَ زِيَادَةٌ عَلَى حَدِيثِكُمْ؟! يَعْنِي: حَدِيثَ الرُّكُوعَيْنِ فِي الرَّكْعَةِ، فَقُلْتُ: هُوَ مِنْ وَجْهٍ مُنْقَطِعٍ، وَنَحْنُ لَا نُثْبِتُ الْمُنْقَطِعَ عَلَى الِانْفِرَادِ وَوَجْهٍ نَرَاهُ -وَاللَّهُ أَعْلَمُ- غَلَطًا.
قَالَ البيهقي: أَرَادَ بِالْمُنْقَطِعِ قَوْلَ عُبَيْدِ بْنِ عُمَيْرٍ: حَدَّثَنِي مَنْ أُصَدِّقُ. قَالَ عطاء: حَسِبْتُهُ يُرِيدُ عائشة. الْحَدِيثَ، وَفِيهِ: فَرَكَعَ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ ثَلَاثَ رُكُوعَاتٍ وَأَرْبَعَ سَجَدَاتٍ.
وَقَالَ قتادة: عَنْ عطاء، عَنْ عُبَيْدِ بْنِ عُمَيْرٍ، عَنْهَا: سِتَّ رَكَعَاتٍ فِي أَرْبَعِ سَجَدَاتٍ.
فَعَطَاءٌ إِنَّمَا أَسْنَدَهُ عَنْ عائشة بِالظَّنِّ وَالْحُسْبَانِ، لَا بِالْيَقِينِ، وَكَيْفَ يَكُونُ ذَلِكَ مَحْفُوظًا عَنْ عائشة وَقَدْ ثَبَتَ عَنْ عروة وعمرة، عَنْ عائشة خِلَافُهُ؟! وعروة وعمرة أَخَصُّ بعائشة، وَأَلْزَمُ لَهَا مِنْ عُبَيْدِ بْنِ عُمَيْرٍ، وَهُمَا اثْنَانِ، فَرِوَايَتُهُمَا أَوْلَى أَنْ تَكُونَ هِيَ الْمَحْفُوظَةُ.
قَالَ: وَأَمَّا الَّذِي يَرَاهُ الشَّافِعِيُّ غَلَطًا فَأَحْسَبُهُ حَدِيثَ عطاء، عَنْ جابرٍ: انْكَسَفَتِ الشَّمْسُ فِي عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ يَوْمَ مَاتَ إبراهيمُ ابن رسول الله ﷺ، فَقَالَ النَّاسُ: إِنَّمَا انْكَسَفَتِ الشَّمْسُ لِمَوْتِ إبراهيم، فَقَامَ النَّبِيُّ ﷺ فَصَلَّى بِالنَّاسِ سِتَّ رَكَعَاتٍ فِي أَرْبَعِ سَجَدَاتٍ. الْحَدِيثَ.
قَالَ البيهقي: مَنْ نَظَرَ فِي قِصَّةِ هَذَا الْحَدِيثِ وَقِصَّةِ حَدِيثِ أبي الزبير عَلِمَ أَنَّهُمَا قِصَّةٌ وَاحِدَةٌ، وَأَنَّ الصَّلَاةَ الَّتِي أَخْبَرَ عَنْهَا إِنَّمَا فَعَلَهَا مَرَّةً وَاحِدَةً، وَذَلِكَ فِي يَوْمِ تُوُفِّيَ ابْنُهُ إبراهيم عَلَيْهِ السَّلَامُ.
قَالَ: ثُمَّ وَقَعَ الْخِلَافُ بَيْنَ عَبْدِالْمَلِكِ، يَعْنِي: ابْنَ أَبِي سُلَيْمَانَ، عَنْ عطاء، عَنْ جابر. وَبَيْنَ هِشَامٍ الدَّسْتُوَائِيِّ، عَنْ أبي الزبير، عَنْ جابرٍ فِي عَدَدِ الرُّكُوعِ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ، فَوَجَدْنَا رِوَايَةَ هشام أَوْلَى، يَعْنِي أَنَّ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ رُكُوعَيْنِ فَقَطْ؛ لِكَوْنِهِ مَعَ أبي الزبير أَحْفَظَ مِنْ عبدالملك؛ وَلِمُوَافَقَةِ رِوَايَتِهِ فِي عَدَدِ الرُّكُوعِ.
الشيخ: هكذا مع؟
الطالب: مع.
الشيخ: النُّسخ الأخرى كذلك؟
الطالب: لِكَوْنِهِ مَعَ أبي الزبير أَحْفَظَ مِنْ عبدالملك، وَلِمُوَافَقَةِ رِوَايَتِهِ.
الشيخ: حطّ مع أبي الزبير، لعله: عن أبي الزبير.
........
وَلِمُوَافَقَةِ رِوَايَتِهِ فِي عَدَدِ الرُّكُوعِ رِوَايَةَ عمرة وعروة، عَنْ عائشة، وَرِوَايَةَ كَثِيرِ بْنِ عَبَّاسٍ، وَعَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَرِوَايَةَ أبي سلمة، عَنْ عَبْدِاللَّهِ بْنِ عَمْرٍو، ثُمَّ رِوَايَةَ يَحْيَى بْنِ سُلَيْمٍ وَغَيْرِهِ.
وَقَدْ خُولِفَ عبدالملك فِي رِوَايَتِهِ عَنْ عطاء: فَرَوَاهُ ابْنُ جُرَيْجٍ وقتادة، عَنْ عطاء، عَنْ عُبَيْدِ بْنِ عُمَيْرٍ: سِتَّ رَكَعَاتٍ فِي أَرْبَعِ سَجَدَاتٍ، فَرِوَايَةُ هشام، عَنْ أبي الزبير، عَنْ جابرٍ الَّتِي لَمْ يَقَعْ فِيهَا الْخِلَافُ، وَيُوَافِقُهَا عَدَدٌ كَثِيرٌ؛ أَوْلَى مِنْ رِوَايَتَيْ عطاء اللَّتَيْنِ إِنَّمَا إِسْنَادُ أَحَدِهِمَا بِالتَّوَهُّمِ، وَالْأُخْرَى يَتَفَرَّدُ بِهَا عَنْهُ عَبْدُالْمَلِكِ ابْنُ أَبِي سُلَيْمَانَ الَّذِي قَدْ أُخِذَ عَلَيْهِ الْغَلَطُ فِي غَيْرِ حَدِيثٍ.
قَالَ: وَأَمَّا حَدِيثُ حَبِيبِ ابْنِ أَبِي ثَابِتٍ، عَنْ طَاوُوسٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، عَنِ النَّبِيِّ ﷺ: أَنَّهُ صَلَّى فِي كُسُوفٍ فَقَرَأَ، ثُمَّ رَكَعَ، ثُمَّ قَرَأَ، ثُمَّ رَكَعَ، ثُمَّ قَرَأَ، ثُمَّ رَكَعَ، ثُمَّ قَرَأَ، ثُمَّ رَكَعَ، ثُمَّ سَجَدَ.
قَالَ: وَالْأُخْرَى مِثْلُهَا، فَرَوَاهُ مسلم فِي "صَحِيحِهِ"، وَهُوَ مِمَّا تَفَرَّدَ بِهِ حَبِيبُ ابْنُ أَبِي ثَابِتٍ، وحبيب وَإِنْ كَانَ ثِقَةً، فَكَانَ يُدَلِّسُ، وَلَمْ يُبَيِّنْ فِيهِ سَمَاعَهُ مِنْ طَاوُوسٍ، فَيُشْبِهُ أَنْ يَكُونَ حَمَلَهُ عَنْ غَيْرِ مَوْثُوقٍ بِهِ، وَقَدْ خَالَفَهُ فِي رَفْعِهِ وَمَتْنِهِ سليمان المكي الأحول: فَرَوَاهُ عَنْ طَاوُوسٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ مِنْ فِعْلِهِ ثَلَاثَ رَكَعَاتٍ فِي رَكْعَةٍ.
وَقَدْ خُولِفَ سليمان أَيْضًا فِي عَدَدِ الرُّكُوعِ: فَرَوَاهُ جَمَاعَةٌ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ مِنْ فِعْلِهِ، كَمَا رَوَاهُ عَطَاءُ بْنُ يَسَارٍ وَغَيْرُهُ عَنْهُ، عَنِ النَّبِيِّ ﷺ، يَعْنِي: فِي كُلِّ رَكْعَةٍ رُكُوعَانِ.
قَالَ: وَقَدْ أَعْرَضَ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ الْبُخَارِيُّ عَنْ هَذِهِ الرِّوَايَاتِ الثَّلَاثِ فَلَمْ يُخَرِّجْ شَيْئًا مِنْهَا فِي "الصَّحِيحِ"؛ لِمُخَالَفَتِهِنَّ مَا هُوَ أَصَحُّ إِسْنَادًا، وَأَكْثَرُ عَدَدًا، وَأَوْثَقُ رِجَالًا، وَقَالَ الْبُخَارِيُّ فِي رِوَايَةِ أَبِي عِيسَى التِّرْمِذِيِّ عَنْهُ: أَصَحُّ الرِّوَايَاتِ عِنْدِي فِي صَلَاةِ الْكُسُوفِ أَرْبَعُ رَكَعَاتٍ فِي أَرْبَعِ سَجَدَاتٍ.
قَالَ البيهقي: وَرُوِيَ عَنْ حُذيفة مَرْفُوعًا: أَرْبَعُ رَكَعَاتٍ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ، وَإِسْنَادُهُ ضَعِيفٌ.
وَرُوِيَ عَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ مَرْفُوعًا: خَمْسُ رُكُوعَاتٍ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ.
وَصَاحِبَا الصَّحِيحِ لَمْ يَحْتَجَّا بِمِثْلِ إِسْنَادِ حَدِيثِهِ.
قَالَ: وَذَهَبَ جَمَاعَةٌ مِنْ أَهْلِ الْحَدِيثِ إِلَى تَصْحِيحِ الرِّوَايَاتِ فِي عَدَدِ الرَّكَعَاتِ، وَحَمَلُوهَا عَلَى أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ فَعَلَهَا مِرَارًا، وَأَنَّ الْجَمِيعَ جَائِزٌ، فَمِمَّنْ ذَهَبَ إِلَيْهِ إِسْحَاقُ بْنُ رَاهَوَيْهِ، وَمُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ بْنِ خُزَيْمَةَ، وأبو بكر ابن إسحاق الضبعي، وَأَبُو سُلَيْمَانَ الْخَطَّابِيُّ، وَاسْتَحْسَنَهُ ابنُ المنذر.
وَالَّذِي ذَهَبَ إِلَيْهِ الْبُخَارِيُّ وَالشَّافِعِيُّ مِنْ تَرْجِيحِ الْأَخْبَارِ أَوْلَى لِمَا ذَكَرْنَا مِنْ رُجُوعِ الْأَخْبَارِ إِلَى حِكَايَةِ صَلَاتِهِ ﷺ يَوْمَ تُوُفِّيَ ابْنُهُ.
قُلْتُ: وَالْمَنْصُوصُ عَنْ أحمد أَيْضًا أَخْذُهُ بِحَدِيثِ عائشةَ وَحْدَهُ: فِي كُلِّ رَكْعَةٍ رُكُوعَانِ وَسُجُودَانِ.
قَالَ فِي رِوَايَةِ المروذي: وَأَذْهَبُ إِلَى أَنَّ صَلَاةَ الْكُسُوفِ أَرْبَعُ رَكَعَاتٍ، وَأَرْبَعُ سَجَدَاتٍ، فِي كُلِّ رَكْعَةٍ رَكْعَتَانِ وَسَجْدَتَانِ، وَأَذْهَبُ إِلَى حَدِيثِ عائشة، أَكْثَرُ الْأَحَادِيثِ عَلَى هَذَا.
وَهَذَا اخْتِيَارُ أبي بكر وَقُدَمَاءِ الْأَصْحَابِ، وَهُوَ اخْتِيَارُ شَيْخِنَا أبي العباس ابن تيمية، وَكَانَ يُضَعِّفُ كُلَّ مَا خَالَفَهُ مِنَ الْأَحَادِيثِ، وَيَقُولُ: هِيَ غَلَطٌ، وَإِنَّمَا صَلَّى النَّبِيُّ ﷺ الْكُسُوفَ مَرَّةً وَاحِدَةً يَوْمَ مَاتَ ابْنُهُ إبراهيم. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
وَأَمَرَ ﷺ فِي الْكُسُوفِ بِذِكْرِ اللَّهِ وَالصَّلَاةِ.
الشيخ: الذي قاله ابنُ القيم وحكاه عمَّن ذكر هو الصواب، الصواب أنَّ المحفوظ ركعتان، في كل ركعةٍ ركوعان، وفي كل ركعةٍ سجدتان، وأما رواية "ثلاث ركوعات، وأربع ركوعات، وخمس ركوعات" فيها، وهي قضية واحدة يوم مات إبراهيم، هي قضية واحدة، وهذه الرواية معلولة، ما عدا أنه صلَّى ركعتين بركوعين وسجدتين وقراءتين، هذا المحفوظ عند الشيخين من رواية ابن عباس، ومن رواية عائشة، ولها شواهد، فهي التي يجب أن تعتمد، وما سواها فهو شاذٌّ مخالفٌ للأحاديث الصَّحيحة، وهم فيه أصحابه، كما ذكر البيهقي رحمه الله؛ ولهذا ما روى عنها أبو عبدالله البخاري لم يروه في كتابه، وقال بتصحيح هذه الرواية مَن قال من الأئمة رحمة الله عليهم.
فالحاصل قول مَن قال بأنَّ المحفوظ ركوعان وقراءتان وسجدتان في كل ركعةٍ، هذا هو الصواب، وما سوى ذلك فهو شاذٌّ؛ لأنها قضية واحدة، لو كانت قضية متعددة لأمكن، لكنها قضية واحدة يوم مات إبراهيم، كل يقول في روايته: يوم مات إبراهيم .....
الشيخ: كما قال المؤلفُ رحمه الله: أمر في الكسوف بالصَّدقة، وذكر الله جلَّ وعلا، والاستغفار، والعتاقة، والصلاة، جاء في هذا: "فافزعوا إلى ذكره ودعائه واستغفاره"، أمرهم بالتَّكبير، وأمرهم بالعتق، وأمرهم بالصَّدقة، كل هذا مطلوب، فينبغي للمسلمين وقت الكسوف العمل على هذا كله، مع الصلاة: الاستغفار، والصَّدقات على الفقراء، وتعظيم الله، وتكبيره، وذكره ، وعتق الرقاب، مع الصلاة.
س: .............؟
ج: ما عُرف عنه إلا مرة واحدة، نعم، يوم مات إبراهيم، نعم.
الطالب: في الدرس السابق: آية من آيات الله تبارك وتعالى يعتبر .....؟
الشيخ: أيش العبارة؟
الطالب: ولكنها آية من آيات الله تبارك وتعالى يعتبر بها عباده.
.......
الشيخ: الظاهر أنها تصحيف: "يختبر"، من باب الابتلاء والاختبار.
س: ............؟
ج: يحتمل؛ لأنه قال: فَاعْتَبِرُوا يَا أُولِي الْأَبْصَارِ [الحشر:2].
فَصْلٌ
فِي هَدْيِهِ ﷺ فِي الِاسْتِسْقَاءِ
ثَبَتَ عَنْهُ ﷺ أَنَّهُ اسْتَسْقَى عَلَى وُجُوهٍ:
أَحَدُهَا: يَوْمُ الْجُمُعَةِ عَلَى الْمِنْبَرِ فِي أَثْنَاءِ خُطْبَتِهِ، وَقَالَ: اللَّهُمَّ أَغِثْنَا، اللَّهُمَّ أَغِثْنَا، اللَّهُمَّ أَغِثْنَا، اللَّهُمَّ اسْقِنَا، اللَّهُمَّ اسْقِنَا، اللَّهُمَّ اسْقِنَا.
الْوَجْهُ الثَّانِي: أَنَّهُ ﷺ وَعَدَ النَّاسَ يَوْمًا يَخْرُجُونَ فِيهِ إِلَى الْمُصَلَّى، فَخَرَجَ لَمَّا طَلَعَتِ الشَّمْسُ مُتَوَاضِعًا، مُتَبَذِّلًا، مُتَخَشِّعًا، مُتَرَسِّلًا، مُتَضَرِّعًا، فَلَمَّا وَافَى الْمُصَلَّى صَعِدَ الْمِنْبَرَ -إِنْ صَحَّ، وَإِلَّا فَفِي الْقَلْبِ مِنْهُ شَيْءٌ- فَحَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ وَكَبَّرَهُ.
وَكَانَ مِمَّا حُفِظَ مِنْ خُطْبَتِهِ وَدُعَائِهِ: الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ، لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ يَفْعَلُ مَا يُرِيدُ، اللَّهُمَّ أَنْتَ اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ تَفْعَلُ مَا تُرِيدُ، اللَّهُمَّ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ، أَنْتَ الْغَنِيُّ، وَنَحْنُ الْفُقَرَاءُ، أَنْزِلْ عَلَيْنَا الْغَيْثَ، وَاجْعَلْ مَا أَنْزَلْتَهُ عَلَيْنَا قُوَّةً لَنَا، وَبَلَاغًا إِلَى حِينٍ، ثُمَّ رَفَعَ يَدَيْهِ، وَأَخَذَ فِي التَّضَرُّعِ وَالِابْتِهَالِ وَالدُّعَاءِ، وَبَالَغَ فِي الرَّفْعِ حَتَّى بَدَا بَيَاضُ إِبْطَيْهِ، ثُمَّ حَوَّلَ إِلَى النَّاسِ ظَهْرَهُ، وَاسْتَقْبَلَ الْقِبْلَةَ، وَحَوَّلَ إِذْ ذَاكَ رِدَاءَهُ وَهُوَ مُسْتَقْبِلٌ الْقِبْلَةَ، فَجَعَلَ الْأَيْمَنَ عَلَى الْأَيْسَرِ، وَالْأَيْسَرَ عَلَى الْأَيْمَنِ، وَظَهْرَ الرِّدَاءِ لِبَطْنِهِ، وَبَطْنَهُ لِظَهْرِهِ، وَكَانَ الرِّدَاءُ خَمِيصَةً سَوْدَاءَ.
الشيخ: حطّ عليه إشارة، ما علَّق عليه؟
الطالب: ما علَّق.
الشيخ: الظاهر أنَّ الذي جعل عليه رداءً ليس خميصةً، رداء، وضع على كتفيه وحوله عليه الصلاة والسلام.
الشيخ: وهذا عنه ﷺ، صلاته للاستسقاء، ثابت في "الصحيحين" أنه خرج يستسقي، وصلَّى ركعتين، ثم ذكَّر الناسَ ووعظهم، ودعا واستغاث، في روايةٍ أخرى أنه دعا واستسقى، ثم صلَّى بعد ذلك، جاء عنه تقديم الصلاة، وجاء عنه تقديم الخطبة، أما في العيد فصلَّى ثم خطب، أما في الاستسقاء فجاء عنه هذا وهذا، واستسقى في الجمعة، في خطبة الجمعة عليه الصلاة والسلام رفع يديه وهو في الخطبة لما سأله بعضُ الأعراب قال: يا رسول الله، هلكت الأموال، وانقطعت السبل، فادعُ الله يُغيثنا. فرفع يديه ﷺ وقال: اللهم أغثنا، اللهم أغثنا، وكرر ذلك، ورفع الناس أيديهم، فأنشأ الله تعالى سحابةً في الحال، ثم اتسعت في السَّماء، ثم أمطرت، وخرج الناسُ والمطر يسكب، كل تهمُّه نفسه أن يصل إلى بيته بعد صلاة الجمعة.
وفي بعض الأحيان خرج إلى الصَّحراء لما طلبوا منه أن يستسقي لهم عليه الصلاة والسلام، فخرج وصلَّى ركعتين وخطب الناس، وبدأها بقوله: الحمد لله ربِّ العالمين، الرحمن الرحيم، مالك يوم الدين، لا إله إلا الله يفعل ما يشاء، ويحكم ما يريد، ثم دعا ربَّه وهو رافعٌ يديه، واستغاثه ، وألحَّ في الدعاء.
وفي حديث عبدالله بن زيد بن عاصم المازني: أنه توجَّه ..... يدعو وهو رافعٌ يديه، فهذا السنة، وهو في الدعاء ينحرف إلى القبلة، ويرفع يديه، ويُحول رداءه عند انحرافه، فجعل ما على الأيمن على الأيسر، والعكس، والناس كذلك.
قال أبو جعفر ..... تفاؤلًا بتحول القحط، قال: وحوَّل رداءه ليتحول القحط؛ تفاؤلًا بأنَّ الله يُغير الحال من الشدة إلى الرخاء، ومن الجدب إلى الخصب. وهنا ذكر الجدب يقع في عهد النبي ﷺ، وهو أفضل العهود، وأفضل الزمان، فلا يُستغرب أن يقع فيما بعد ذلك.
وفيه تذكيرٌ من الرب لعباده؛ ليضرعوا إليه، وليستغيثوا به، وليعلموا فاقتهم إليه، وحاجتهم إليه ، في عهد النبوة في أفضل عصرٍ وقع الجدبُ غير مرةٍ في عهده ﷺ، كما وقع في عهد أصحابه: في عهد عمر رضي الله عنه وأرضاه وقع عام شديد سُمِّي: عام الرمادة، اشتدَّ به الجدب والقحط، واستسقى عمر والناس، وسقاهم الله .
فالله سبحانه يبتلي عباده بالشدة والرخاء، كما يبتليهم بالسَّراء والنِّعمة، يبتلي بالشدة تارةً، وبالرخاء تارةً؛ ليُنيبوا إليه في الرخاء ويشكروه، ويضرعوا إليه في الشدة ويُظهرون فاقتهم وحاجتهم، ويعلموا أنهم فقراء إليه سبحانه، وإن كانوا أفضل الناس.
ومن أعظم أسباب الجدب والقحط: وجود المنكرات والمعاصي، وعدم رحمة الفقراء والمساكين والمحاويج، فيستعتب الله عباده ويُذكرهم؛ لينتبهوا، وليتوبوا إليه، وليعودوا إليه بالتوبة والاستقامة.
الطالب: علَّق عليه: انظر "سنن ابن ماجه" في "إقامة الصلاة" باب "ما جاء في الدعاء في الاستسقاء".
س: مدى صحّة هذا؟
ج: ما أذكر سنده.
س: ............؟
ج: مثل العيد، نعم، كما صلَّى العيد: سبعًا في الأولى، وخمسًا في الأُخرى.
س: ............؟
ج: فيما تيسر، ما لها يوم معين: في السبت، في الأحد، في الاثنين، في الثلاثاء، في الأربعاء، في الخميس، في الجمعة، كلها.
س: رفع اليدين حال الخطبة يوم الجمعة؟
ج: نعم يرفع يديه، ويرفع الناس أيديهم، كما فعل النبيُّ ﷺ، وفعل الناس، كما جاء في "صحيح البخاري" رحمه الله في حال الاستسقاء.
س: .............؟
ج: إذا كان ما عليه إلا هي، لعله يحصل به المقصود، وإن كانت عليه عباءة غير العباءة.
الطالب: رواه أبو داود في "الصلاة" باب "رفع اليدين في الاستسقاء"، والبيهقي من حديث جابر بن عبدالله، وإسناده صحيح، وصححه الحاكم، ووافقه الذهبي. وقوله: مريعًا أي: ذا مراعة وخصب، يقال: أمرعت البلاد، إذا أخصبت. ويُروى: "مربعًا" بالباء، أي: مُنبتًا للضَّريع.
الطالب: رواه أبو داود في "الصلاة" باب "رفع اليدين في الاستسقاء"، وأحمد، عن عمير مولى آبي اللحم، وسنده صحيح، وصححه الحاكم، ووافقه الذهبي، ورواه النَّسائي والترمذي عن عمير مولى آبي اللحم، عن آبي اللحم، وهو وهم من أحد رواته.
الشيخ: ..... عن مولى آبي اللحم، مرسل، معنى هذا أنه مرسل، رواية أحمد وأبي داود مرسلة.
الطالب: رواية أبي داود وأحمد عن المولى.
الشيخ: عن مولى أيش؟
الطالب: عن عمير مولى آبي اللحم فقط.
الشيخ: معناه مرسل.
الطالب: وفي النَّسائي والترمذي: عن المولى، عن السيد.
الشيخ: الذي أحفظ من رواية أحمد كذلك عن عمير، عن آبي اللحم.
..............
الشيخ: حطّ عليه إشارة.
س: عمير من الصحابة؟
ج: ما أظنه.
س: في "التقريب": صحابي؟
ج: يُنظر فيه، الذي أذكر أنه رواية عن آبي اللحم ..... وكُني "آبي اللحم" لأنه كان ما يأكل لحوم الجاهلية في الجاهلية، يأباها، آبي اللحم الذي أباها، يمتنع منها.
الْوَجْهُ السَّادِسُ: أَنَّهُ ﷺ اسْتَسْقَى فِي بَعْضِ غَزَوَاتِهِ لَمَّا سَبَقَهُ الْمُشْرِكُونَ إِلَى الْمَاءِ، فَأَصَابَ الْمُسْلِمِينَ الْعَطَشُ، فَشَكَوْا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ ﷺ، وَقَالَ بَعْضُ الْمُنَافِقِينَ: لَوْ كَانَ نَبِيًّا لَاسْتَسْقَى لِقَوْمِهِ كَمَا اسْتَسْقَى مُوسَى لِقَوْمِهِ. فَبَلَغَ ذَلِكَ النَّبِيَّ ﷺ؛ فَقَالَ: أَوَقَدْ قَالُوهَا؟! عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يَسْقِيَكُمْ، ثُمَّ بَسَطَ يَدَيْهِ وَدَعَا، فَمَا رَدَّ يَدَيْهِ مِنْ دُعَائِهِ حَتَّى أَظَلَّهُمُ السَّحَابُ وَأُمْطِرُوا، فَأَفْعَمَ السَّيْلُ الْوَادِيَ، فَشَرِبَ النَّاسُ فَارْتَوَوْا.
وَحُفِظَ مِنْ دُعَائِهِ فِي الِاسْتِسْقَاءِ: اللَّهُمَّ اسْقِ عِبَادَكَ وَبَهَائِمَكَ، وَانْشُرْ رَحْمَتَكَ، وَأَحْيِ بَلَدَكَ الْمَيِّتَ، اللَّهُمَّ اسْقِنَا غَيْثًا مُغِيثًا، مَرِيئًا، مَرِيعًا، نَافِعًا، غَيْرَ ضَارٍّ، عَاجِلًا، غَيْرَ آجِلٍ، وَأُغِيثَ ﷺ فِي كُلِّ مَرَّةٍ اسْتَسْقَى فِيهَا.
وَاسْتَسْقَى مَرَّةً فَقَامَ إِلَيْهِ أبو لبابة فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّ التَّمْرَ فِي الْمَرَابِدِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: اللَّهُمَّ اسْقِنَا حَتَّى يَقُومَ أبو لبابة عُرْيَانًا، فَيَسُدَّ ثَعْلَبَ مِرْبَدِهِ بِإِزَارِهِ، فَأَمْطَرَتْ، فَاجْتَمَعُوا إِلَى أبي لبابة فَقَالُوا: إِنَّهَا لَنْ تُقْلِعَ حَتَّى تَقُومَ عُرْيَانًا فَتَسُدَّ ثَعْلَبَ مِرْبَدِكَ بِإِزَارِكَ كَمَا قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ، فَفَعَلَ، فَاسْتَهَلَّتِ السَّمَاءُ.
الطالب: ذكره الهيثمي في "مجمع الزوائد"، وقال: رواه الطبراني في "الصغير"، وفيه مَن لا يُعرف، وثعلب مربده ..... يسير .....، والمربد: موضع يُجفف فيه السّمن.
الشيخ: ..... في السيل، وهذا محل نظرٍ، فهو ﷺ ..... هذا ..... ليدل الأمة على أنَّ الاستسقاء ليس خاصًّا بمثل صلاة العيد، متى استسقى المسلمون في صلاةٍ، أو في خطبةٍ، أو في أي مكانٍ، أو في أي مجلسٍ فهو مطلوب: إذا دعوا الله في بيوتهم، في مجالسهم، اجتمعوا في المسجد ودعوا ربَّهم جلَّ وعلا، ودعا لهم إمامُهم، كل ذلك جائز، الأمر فيه سعة، المقصود الضَّراعة إلى الله ودعاؤه أن يسقيهم ..... دعا في الجمّة، فهذا سنة، كما فعله النبيُّ ﷺ، وإن خرج وصلَّى بهم كما فعل النبيُّ ﷺ، وإن دعوا على اجتماعهم وسألوا الله واستغاثوا به فهو سنة.
س: المتن هذا منكر؟
ج: ما أعرف له أصلًا، ذكر روايته عند الهيثمي، رواية الأخير.
الشيخ: وهذا مثلما تقدم منكر؛ لأنَّ المتن منكر؛ لأنَّ الإزار تُستر به العورة، والرسول لا يأمره أن يمشي عريانًا، ومعنى ..... المطر إذا سقط على ..... المرابد، المرابد: أحواش التمر، يعني ..... محل تجفيفه التمر يضرّها ويُفسدها على الناس؛ ولهذا خاف أبو لبابة، يعني معناه أنه قال: يُؤجل طلب الاستسقاء حتى الناس يدخلون تمورهم في منازلهم، ويُخرجونها من المرابد بعد تجفيفها؛ حتى لا تفسد بنزول المطر.
س: ..............؟
ج: هذا وهذا، أما مسألة النَّكارة فهي من جهة العريان، وإلا قد تكون الحاجةُ شديدةً، ولو كان التَّمر أصابه ما أصابه يستطيعون إدخاله إذا كانوا يخافون من المطر، أما قيامه عريانًا فهو محل النَّكارة.
وَلَمَّا كَثُرَ الْمَطَرُ سَأَلُوهُ الِاسْتِصْحَاءَ، فَاسْتَصْحَى لَهُمْ، وَقَالَ: اللَّهُمَّ حَوَالَيْنَا، وَلَا عَلَيْنَا، اللَّهُمَّ عَلَى الْآكَامِ، وَالْجِبَالِ، وَالظِّرَابِ، وَبُطُونِ الْأَوْدِيَةِ، وَمَنَابِتِ الشَّجَرِ.
وَكَانَ ﷺ إِذَا رَأَى مَطَرًا قَالَ: اللَّهُمَّ صَيِّبًا نَافِعًا.
وَكَانَ يُحْسِرُ ثَوْبَهُ حَتَّى يُصِيبَهُ مِنَ الْمَطَرِ، فَسُئِلَ عَنْ ذَلِكَ فَقَالَ: لِأَنَّهُ حَدِيثُ عَهْدٍ بِرَبِّهِ.
الشيخ: وهذا رواه مسلم من حديث أنسٍ.
الطالب: رواه الشافعي في "الأم" في "الاستسقاء"، والبيهقي في "السنن الكبرى"، قال البيهقي: هذا منقطع. ورُوي فيه عن عمر، وإسناده منقطع؛ فإنَّ يزيد بن عبدالله بن الهاد لم يروِ عن رسول الله ﷺ.
الشيخ: تكلم على الحاشية عندك؟
الطالب: ورُوي فيه عن عمر، وإسناده منقطع؛ فإنَّ يزيد بن عبدالله بن الهاد لم يروِ عن رسول الله ﷺ.
الشيخ: وهكذا إسحاق لم يُدرك عمر، إسحاق بن عبدالله ابن أبي طلحة.
وَكَانَ ﷺ إِذَا رَأَى الْغَيْمَ وَالرِّيحَ عُرِفَ ذَلِكَ فِي وَجْهِهِ، فَأَقْبَلَ وَأَدْبَرَ، فَإِذَا أَمْطَرَتْ سُرِّيَ عَنْهُ، وَذَهَبَ عَنْهُ ذَلِكَ، وَكَانَ يَخْشَى أَنْ يَكُونَ فِيهِ الْعَذَابُ.
قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَرُوِيَ عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِاللَّهِ، عَنْ أَبِيهِ مَرْفُوعًا: أَنَّهُ كَانَ إِذَا اسْتَسْقَى قَالَ: اللَّهُمَّ اسْقِنَا غَيْثًا مُغِيثًا، هَنِيئًا، مَرِيئًا.
الشيخ: وهذا لكمال إيمانه عليه الصلاة والسلام، وخشيته من الله ، مع ما أعطاه الله من الإيمان العظيم، إذا رأى الغيمَ أقبل وأدبر، وظهر عليه التَّغير حتى يمطر، فإذا أمطرت سُري عنه؛ لأنَّ قومًا رأوا الغيمَ فظنُّوا أنه نعمة، وأنه رحمة، فصار عذابًا لهم، قوم عاد، نسأل الله العافية.
الطالب: هو في "الأم"، وفيه انقطاع بين الشافعي وسالم بن عبدالله.
طالب آخر: .........
الشيخ: ما أدركه، ما أدركه.
س: ..............؟
ج: يعني ما فيها من البركات التي يُنزلها الله.
س: .............؟
ج: يعني الله ، هذه عدالة السَّماء يعني ..... من الله، مثل: شريعة السماء، حكم السماء، يعني: حكم الله ، يتساهل بعضُ الناس في النُّطق.
قَالَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ: وَأُحِبُّ أَنْ يَدْعُوَ الْإِمَامُ بِهَذَا.
قَالَ: وَبَلَغَنِي أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ كَانَ إِذَا دَعَا فِي الِاسْتِسْقَاءِ رَفَعَ يَدَيْهِ، وَبَلَغَنَا أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ كَانَ يَتَمَطَّرُ فِي أَوَّلِ مَطَرَةٍ حَتَّى يُصِيبَ جَسَدَهُ.
قَالَ: وَبَلَغَنِي أَنَّ بَعْضَ أَصْحَابِ النَّبِيِّ ﷺ كَانَ إِذَا أَصْبَحَ وَقَدْ مُطِرَ النَّاسُ قَالَ: "مُطِرْنَا بِنَوْءِ الْفَتْحِ"، ثُمَّ يَقْرَأُ: مَا يَفْتَحِ اللَّهُ لِلنَّاسِ مِنْ رَحْمَةٍ فَلَا مُمْسِكَ لَهَا [فاطر:2].
الشيخ: ..... بفتح الله ورحمته، مثل: "مُطرنا بفضل الله ورحمته"، هذا بفتح الله ورحمته وإحسانه جلَّ وعلا، وأن الأفضل أن يقول مثلما قال النبيُّ ﷺ: مُطرنا بفضل الله ورحمته؛ حتى لا يكون اشتباه، ولو صحَّ ما نُقل عن بعض الصحابة معناه: نوء الفتح، نوء نصر الله، سموه: نوءًا، بدلًا من قول أهل الجاهلية، يعني: بفتح الله ورحمته .
الشيخ: هذا مرسل، أيش قال المحشي عليه؟
الطالب: رواه الشَّافعي في "الأم" في "الاستسقاء" باب "طلب الإجابة في الدعاء"، وهو مرسل؛ لأنَّ مكحولًا لم يُدرك النبيَّ ﷺ.
الشيخ: وشيخ الشافعي أيضًا مجهول، قوله: "مَن لا أتَّهم" مجهول، ولو أبهم بلفظ التَّعديل الصحيح عند أئمة الحديث، لا يُقبل المبهم ولو بلفظ التَّعديل؛ لأنه قد يكون مُعدلًا عند صاحب الكتاب، ومجروحًا عند غيره؛ ولهذا قال الحافظُ في "النخبة": ولا يُقبل المبهم ولو أُبهم بلفظ التَّعديل على الأصح. ولو قال: حدَّثني الثِّقة، حدَّثني مَن لا أتَّهم، فقول الشافعي هنا قد يكون عنده ثقة، ولكنه عند غيره مجروح.
وَقَدْ حَفِظْتُ عَنْ غَيْرِ وَاحِدٍ طَلَبَ الْإِجَابَةِ عِنْدَ نُزُولِ الْغَيْثِ، وَإِقَامَةِ الصَّلَاةِ.
قَالَ البيهقي: وَقَدْ رَوَيْنَا فِي حَدِيثٍ مَوْصُولٍ عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ، عَنِ النَّبِيِّ ﷺ: الدُّعَاءُ لَا يُرَدُّ عِنْدَ النِّدَاءِ، وَعِنْدَ الْبَأْسِ، وَتَحْتَ الْمَطَرِ.
الشيخ: هذا عند النِّداء له شاهد صحيح من حديث أنسٍ: بين الأذان والإقامة الدُّعاء لا يُرد، وعند البأس: عند الحرب، هذا له شواهد أيضًا، وعند المطر له شاهد في المتقدم، أيش قال المحشي عليه؟
الطالب: رواه أبو داود في "الجهاد" باب "الدعاء عند اللقاء"، والبيهقي بلفظ: ثنتان لا تردّان، أو قلما تردّان: الدعاء عند النِّداء، وعند البأس حين يلحم بعضُهم بعضًا، وسنده حسن، وصححه ابن حبان، وأما لفظة: "وتحت المطر" فهي عند أبي داود والبيهقي بسندٍ فيه مجهول.
الطالب: رواه البيهقي، وفي سنده: عفير بن معدان، وهو ضعيف.