فَصْلٌ
فِي هَدْيِهِ ﷺ فِي سَفَرِهِ وَعِبَادَتِهِ فِيهِ
كَانَتْ أَسْفَارُهُ ﷺ دَائِرَةً بَيْنَ أَرْبَعَةِ أَسْفَارٍ: سَفَرُهُ لِهِجْرَتِهِ، وَسَفَرُهُ لِلْجِهَادِ -وَهُوَ أَكْثَرُهَا- وَسَفَرُهُ لِلْعُمْرَةِ، وَسَفَرُهُ لِلْحَجِّ.
وَكَانَ إِذَا أَرَادَ سَفَرًا أَقْرَعَ بَيْنَ نِسَائِهِ، فَأَيَّتُهُنَّ خَرَجَ سَهْمُهَا سَافَرَ بِهَا مَعَهُ، وَلَمَّا حَجَّ سَافَرَ بِهِنَّ جَمِيعًا.
وَكَانَ إِذَا سَافَرَ خَرَجَ مِنْ أَوَّلِ النَّهَارِ، وَكَانَ يَسْتَحِبُّ الْخُرُوجَ يَوْمَ الْخَمِيسِ، وَدَعَا اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى أَنْ يُبَارِكَ لِأُمَّتِهِ فِي بُكُورِهَا.
الشيخ: وهذا في الأغلب، وقد يخرج آخر النهار كما فعل في حجّة الوداع، فإنه خرج في حجّة الوداع بعد الظهر، وصلَّى العصر في ذي الحُليفة، وصلَّى الظهر في المدينة، توجَّه من المدينة بين الظهر والعصر، وكان يستحبّ البكور في أول النهار إذا تيسر ذلك، وهكذا يوم الخميس كان يستحبّ ذلك، وربما خرج في غير يوم الخميس أيضًا كما في حجّة الوداع، فإنه خرج يوم السبت.
س: .............؟
ج: صحيح، لا بأس به: اللهم بارك لأمَّتي في بكورها، وفي بعض الروايات: بُورك لأمتي.
س: ..............؟
ج: لا بأس به، قبل الزوال لا بأس به.
س: ..............؟
ج: بعد النِّداء.
س: ..............؟
ج: لا ينبغي إلا الدَّعوة إلى الله، إذا كان قصد الدَّعوة إلى الله، أما مجرد السياحة تركها أولى، ما لها أصل، إلا إذا كان للدَّعوة إلى الله، أو للاعتبار، بتأويل قوله تعالى: أَوَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ [الروم:9] للاعتبار وطلب قوة الإيمان والبصيرة على وجهٍ لا يضره، ما هو في بلاد الكفار، في بلاد المسلمين، أما بلاد الكفار لا، إذا كان عالمًا ذا بصيرةٍ وعلى هدى، المقصد الحسن الدَّعوة إلى الله، وتوجيه الناس إلى الخير.
..............
الطالب: وكان يستحبّ الخروج يوم الخميس، أخرجه البخاري في "الجهاد" باب "مَن أراد غزوةً فورَّى بغيرها، ومَن أحبَّ الخروج إلى السفر يوم الخميس"، من حديث كعب بن مالك.
حديث صحيح: أخرجه الدارمي وأبو داود والترمذي وابن ماجه وأحمد، من حديث يعلى بن عطاء، عن عمارة بن .....، عن صخر الغامدي، وله شواهد: منها حديث علي عند عبدالله ابن الإمام أحمد، وحديث أبي هريرة وابن عمر عند ابن ماجه، وفي الباب عن ابن مسعودٍ وبُريدة وابن عباس وجابر وعبدالله بن سلام والنَّواس بن سمعان وعمران بن حصين ، وكلها ضِعاف، لكن بمجموعها يصحّ الحديث.
الشيخ: يعني: يقوى حديث صخر، حديث صخر صحيح نعم، الغامدي، نعم.
أخرجه أبو داود، ومن حديث أبي هريرة، وسنده حسن.
روى البخاري والترمذي من حديث ابن عمر مرفوعًا: لو أنَّ الناس يعلمون ما في الوحدة ما أعلم ما سار راكبٌ بليلٍ وحده.
رواه مالك في "الموطأ" في "الاستئذان" باب "ما جاء في الوحدة في السفر للرجال والنِّساء"، والترمذي في "الجهاد" باب "ما جاء في كراهية أن يُسافر الرجلُ وحده"، وأبو داود في "الجهاد" باب "في الرجل يُسافر وحده"، وإسناده حسن، وصححه ابن خُزيمة والحاكم.
س: إذا كان الرجلُ يريد السفر ولم يجد رُفقةً؟
ج: الظاهر للضَّرورة، لا حرج إن شاء الله، وإلا فليلتمس، إن كان ضرورةً فلا بأس؛ لأنَّ الضَّرورات لها أحكامها.
س: ..............؟
ج: هذا ما يُخالف، ما هو وحده، معه أمة.
س: ..............؟
ج: لوحده، لوحده.
الطالب: رواه ابن السني في "عمل اليوم والليلة"، وفي سنده عمرو بن .....، وهو ضعيف، وقال الحافظ في "تخريج الأذكار": هذا حديث غريب.
الشيخ: ولضعفه قال: وذكر عنه بصيغة التَّمريض.
الطالب: رواه الترمذي في "الدعوات" باب "ما جاء ما يقول إذا ركب دابَّةً"، وأبو داود في "الجهاد" باب "ما يقول الرجلُ إذا ركب"، وسنده حسن، وصححه ابن حبان والحاكم.
الشيخ: وفي روايةٍ: ساجدون، هذا ثابت من حديث ابن عمر وغيره عند مسلم وغيره. تكلم على الأخير؟ ما نبَّه على ساجدون؟
الطالب: رواه مسلم في "الحج" باب "ما يقول إذا ركب إلى سفر الحجِّ وغيره"، والترمذي في "الدعوات" باب "ما جاء ما يقول إذا ركب دابَّةً"، وأبو داود في "الجهاد" باب "ما يقول الرجلُ إذا سافر"، من حديث ابن عمر.
س: الحديث هذا والذي قبله هل هو خاصٌّ بالسفر، أو إذا ركب أيَّ مركوبٍ؟
ج: المشهور في السفر، المشهور في الروايات في السَّفر.
س: ..............؟
ج: جاء هذا وهذا، الظاهر أنه روايتان.
س: ما يُستحبّ إذا ركب السيارةَ أن يقول هذا الدُّعاء؟
ج: إلى السفر، مثل: المطية.
س: داخل البلاد مثلًا؟
ج: ما أذكر في هذا، المعروف في السَّفر.
س: إذا ركب دابَّةً؟
ج: لكن في روايةٍ أخرى: "عند سفره"، عند السفر يعني.
الشيخ: والحكمة في ذلك أنَّ الهبوط نوعُ تسفُّلٍ، فيُقال: "سبحان الله" يعني: تنزيهًا له عن الانخفاض والسُّفول، والارتفاع علو، فناسب فيه التكبير: "الله أكبر"، يعني: الله أكبر من كل عظيمٍ، وأكبر من كل كبيرٍ ؛ ولهذا في الركوع: "سبحان ربي العظيم"، وفي السجود: "سبحان ربي الأعلى".
الطالب: أخرجه ابن السني في "عمل اليوم والليلة"، وابن حبان، والحاكم، من حديث صهيب، وسنده حسن، وصححه الحاكم، ووافقه الذَّهبي، وحسَّنه الحافظ في "أنواع الأذكار".
الطالب: رواه ابن السني في "عمل اليوم والليلة" عن عائشةَ رضي الله عنها، قال الحافظ: في سنده ضعف، لكنه يعتضد بحديث ابن عمر رضي الله عنهما. وساق سنده إليه، ثم قال: وفي سنده مَن ضعف، لكن تُوبع: فرواه مبارك بن حسان، عن نافع، عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: كنا نُسافر مع رسول الله ﷺ، فإذا رأى قريةً يريد دخولها قال: اللهم بارك لنا فيها ثلاث مرات، اللهم ارزقنا جناها، وجنبنا وباها، وذكر بقية الحديث مثل حديث عائشة رضي الله عنها، وفي مبارك أيضًا مقال، لكن يعضد بعضها هذه الطرق بعضًا.
س: .............؟
ج: الصالحين، نعم.
الشيخ: اللهم حببنا إلى أهلها كونهم يُحبون المسلمين هذا ..... يمنع، لكن كون المسلمين يُحبونهم إنما يُحب الصالح: حبب صالحي أهلها إلينا، ولم يقل: اللهم حببنا إلى صالح أهلها، يقال: اللهم حببنا إلى أهلها؛ لأنَّ هذا ينفع، والحديث في سنده ضعف من طرقه، لكن من باب الدعاء، وباب التَّرغيب أسهل.
إِلَى أَنْ يَرْجِعَ إِلَى الْمَدِينَةِ، وَلَمْ يَثْبُتْ عَنْهُ أَنَّهُ أَتَمَّ الرُّبَاعِيَّةَ فِي سَفَرِهِ الْبَتَّةَ.
وَأَمَّا حَدِيثُ عائشة: أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ كَانَ يَقْصُرُ فِي السَّفَرِ وَيُتِمُّ، وَيُفْطِرُ وَيَصُومُ. فَلَا يَصِحّ.
وَسَمِعْتُ شَيْخَ الْإِسْلَامِ ابْنَ تَيْمِيَّةَ يَقُولُ: هُوَ كَذِبٌ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ ﷺ. انْتَهَى.
وَقَدْ رُوِيَ: كَانَ يَقْصُرُ وَتُتِمُّ. الْأَوَّلُ بِالْيَاءِ آخِرِ الْحُرُوفِ، وَالثَّانِي بِالتَّاءِ الْمُثَنَّاةِ مِنْ فَوْقٍ.
وَكَذَلِكَ: يُفْطِرُ وَتَصُومُ، أَيْ: تَأْخُذُ هِيَ بِالْعَزِيمَةِ فِي الْمَوْضِعَيْنِ.
قَالَ شَيْخُنَا ابنُ تيمية: وَهَذَا بَاطِلٌ، مَا كَانَتْ أُمُّ الْمُؤْمِنِينَ لِتُخَالِفَ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ وَجَمِيعَ أَصْحَابِهِ، فَتُصَلِّيَ خِلَافَ صَلَاتِهِمْ.
الشيخ: ولكنَّها ثبت عنها أخيرًا أنها كانت تتمّ، وتقول: "إنه لا يشقّ عليَّ"، ثبت عنها من فعلها، كما فعل عثمان، كانت تتم في السَّفر وتقول: "إنه لا يشقّ عليَّ".
والشيخ تقي الدين أنكر وجود هذا في حياته ﷺ وهي معه، هذا الذي أراده شيخُ الإسلام، يعني: أنها حين كانت معه ما كانت لتُخالفه فتتمّ وهو يقصر، وتصوم وهو يُفطر، لكنَّها بعد وفاته ﷺ اجتهدت، وكانت تصوم في السَّفر، وتتمّ في السفر وتقول: إنه لا يشقّ عليها. أيش قال المحشي عليه؟
الطالب: الماضي ما عليه شيء.
الشيخ: على حديث عائشة؟
الطالب: أما حديث عائشة: ذكره الهيثمي في "مجمع الزوائد" من حديث عائشة، وقال: رواه البزار، وفيه المغيرة بن ذياب، واختُلف في الاحتجاج به: وقال أحمد: ضعيف الحديث، له مناكير. وقال النَّسائي: ليس بالقوي. وقال أبو أحمد الحاكم: ليس بالمتين عندهم. وروى الشَّافعي والدَّارقطني والبيهقي عن عائشةَ رضي الله عنها قالت: "كل ذلك قد فعل رسولُ الله ﷺ: قصر الصلاة، وأتم"، وفي سنده طلحة بن عمرو المكي، وهو متروك، وأخرجه الدَّارقطني من طريقٍ أخرى عن عائشةَ، وفيه سعيد بن محمد بن ثواب، وهو مجهول.
س: إذا أمَّ المسافرُ بالمقيمين، وكان بعضُهم لا يُحسنون، فهل يتمّ أو يقصر؟
ج: إذا أتم فلا بأس، مثلما أتم عثمان، وأتم الصحابةُ، فلا حرج ..... وأتم بهم، لا بأس.
س: ..............؟
ج: إذا أتمَّ فلا بأس، وإن قصر يقول لهم: "أتموا"، مثلما رُوي عن النبي ﷺ أنه قال لأهل مكة يوم الفتح، وهو مُخيَّر، وإذا تيسر أنه يقصر ويتمّون هذا هو الأفضل، وإن رأى في ذلك شيئًا من المشقة عليهم، أو أنَّ ذلك قد يعظم على كثيرٍ من المأمومين يقول: كيف أمَّنا وما خلَّى واحدًا منا يؤمّنا؟! إذا أتمَّ فلا بأس، مثلما فعل عثمان .
س: إن كانوا جماعةً في سفرٍ .....؟
ج: هم بالخيار: إن صلّوا وحدهم قصروا، وإن صلّوا مع الناس أتمّوا.
س: ..............؟
ج: لهم أن يقصروا، ولهم أن يُتموا مع الناس، لكن مثل المغرب والفجر يُصلونها مع الناس؛ لأنها ما فيها قصر، إذا ما جمعوا.
س: طيب، إذا كان وحده المسافر؟
ج: لا، يلزمه أن يُصلي مع الناس، لا يُصلي وحده.
كَيْفَ وَالصَّحِيحُ عَنْهَا أَنَّهَا قَالَتْ: "إِنَّ اللَّهَ فَرَضَ الصَّلَاةَ رَكْعَتَيْنِ، رَكْعَتَيْنِ، فَلَمَّا هَاجَرَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ إِلَى الْمَدِينَةِ زِيدَ فِي صَلَاةِ الْحَضَرِ، وَأُقِرَّتْ صَلَاةُ السَّفَرِ"؟! فَكَيْفَ يُظَنُّ بِهَا مَعَ ذَلِكَ أَنْ تُصَلِّيَ بِخِلَافِ صَلَاةِ النَّبِيِّ ﷺ وَالْمُسْلِمِينَ مَعَهُ؟!
قُلْتُ: وَقَدْ أَتَمَّتْ عائشةُ بَعْدَ مَوْتِ النَّبِيِّ ﷺ، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَغَيْرُهُ: إِنَّهَا تَأَوَّلَتْ كَمَا تَأَوَّلَ عثمانُ، وَإِنَّ النَّبِيَّ ﷺ كَانَ يَقْصُرُ دَائِمًا، فَرَكَّبَ بَعْضُ الرُّوَاةِ مِنَ الْحَدِيثَيْنِ حَدِيثًا، وَقَالَ: فَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ يَقْصُرُ وَتُتِمُّ هِيَ. فَغَلِطَ بَعْضُ الرُّوَاةِ فَقَالَ: كَانَ يَقْصُرُ وَيُتِمُّ، أَيْ هُوَ.
وَالتَّأْوِيلُ الَّذِي تَأَوَّلَتْهُ قَدِ اخْتُلِفَ فِيهِ: فَقِيلَ: ظَنَّتْ أَنَّ الْقَصْرَ مَشْرُوطٌ بِالْخَوْفِ فِي السَّفَرِ، فَإِذَا زَالَ الْخَوْفُ زَالَ سَبَبُ الْقَصْرِ، وَهَذَا التَّأْوِيلُ غَيْرُ صَحِيحٍ؛ فَإِنَّ النَّبِيَّ ﷺ سَافَرَ آمِنًا، وَكَانَ يَقْصُرُ الصَّلَاةَ، وَالْآيَةُ قَدْ أُشْكِلَتْ عَلَى عمر وَعَلَى غَيْرِهِ، فَسَأَلَ عَنْهَا رَسُولَ اللَّهِ ﷺ فَأَجَابَهُ بِالشِّفَاءِ، وَأَنَّ هَذَا صَدَقَةٌ مِنَ اللَّهِ، وَشَرْعٌ شَرَعَهُ لِلْأُمَّةِ، وَكَانَ هَذَا بَيَانَ أَنَّ حُكْمَ الْمَفْهُومِ غَيْرُ مُرَادٍ، وَأَنَّ الْجُنَاحَ مُرْتَفِعٌ فِي قَصْرِ الصَّلَاةِ عَنِ الْآمِنِ وَالْخَائِفِ، وَغَايَتُهُ أَنَّهُ نَوْعُ تَخْصِيصٍ لِلْمَفْهُومِ أَوْ رَفْعٍ لَهُ.
وَقَدْ يُقَالُ: إِنَّ الْآيَةَ اقْتَضَتْ قَصْرًا يَتَنَاوَلُ قَصْرَ الْأَرْكَانِ بِالتَّخْفِيفِ، وَقَصْرَ الْعَدَدِ بِنُقْصَانِ رَكْعَتَيْنِ، وَقُيِّدَ ذَلِكَ بِأَمْرَيْنِ: الضَّرْبِ فِي الْأَرْضِ، وَالْخَوْفِ، فَإِذَا وُجِدَ الْأَمْرَانِ أُبِيحَ الْقَصْرَانِ، فَيُصَلُّونَ صَلَاةَ الْخَوْفِ مَقْصُورَةً عَدَدُهَا وَأَرْكَانُهَا، وَإِنِ انْتَفَى الْأَمْرَانِ فَكَانُوا آمِنِينَ مُقِيمِينَ؛ انْتَفَى الْقَصْرَانِ، فَيُصَلُّونَ صَلَاةً تَامَّةً كَامِلَةً، وَإِنْ وُجِدَ أَحَدُ السَّبَبَيْنِ تَرَتَّبَ عَلَيْهِ قَصْرُهُ وَحْدَهُ.
الشيخ: والصواب الأول: أنها .....، ثم جعلها اللهُ صدقةً على المسلمين، وجعل القصرَ مطلقًا في الأمن والخوف، إذا ضربوا في الأرض قصروا مطلقًا، وفي هذا لما سُئل النبيُّ عن ذلك قال: هي صدقة من الله تصدَّق بها عليكم.
س: أهل مكة في منى هل يقصرون أو يُتمُّون؟
ج: مع الناس، إذا حجُّوا مع الناس، يصلون صلاةَ الناس.
فَإِذَا وُجِدَ الْخَوْفُ وَالْإِقَامَةُ قُصِرَتِ الْأَرْكَانُ، وَاسْتُوفِيَ الْعَدَدُ، وَهَذَا نَوْعُ قَصْرٍ، وَلَيْسَ بِالْقَصْرِ الْمُطْلَقِ فِي الْآيَةِ، فَإِنْ وُجِدَ السَّفَرُ وَالْأَمْنُ قُصِرَ الْعَدَدُ، وَاسْتُوفِيَ الْأَرْكَانُ، وَسُمِّيَتْ: صَلَاةَ أَمْنٍ، وَهَذَا نَوْعُ قَصْرٍ، وَلَيْسَ بِالْقَصْرِ الْمُطْلَقِ، وَقَدْ تُسَمَّى هَذِهِ الصَّلَاةُ: مَقْصُورَةً، بِاعْتِبَارِ نُقْصَانِ الْعَدَدِ، وَقَدْ تُسَمَّى: تَامَّةً، بِاعْتِبَارِ إِتْمَامِ أَرْكَانِهَا، وَأَنَّهَا لَمْ تَدْخُلْ فِي قَصْرِ الْآيَةِ.
وَالْأَوَّلُ اصْطِلَاحُ كَثِيرٍ مِنَ الْفُقَهَاءِ الْمُتَأَخِّرِينَ، وَالثَّانِي يَدُلُّ عَلَيْهِ كَلَامُ الصَّحَابَةِ: كعائشة، وَابْنِ عَبَّاسٍ، وَغَيْرِهِمَا، قَالَتْ عائشة: "فُرِضَتِ الصَّلَاةُ رَكْعَتَيْنِ، رَكْعَتَيْنِ، فَلَمَّا هَاجَرَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ إِلَى الْمَدِينَةِ زِيدَ فِي صَلَاةِ الْحَضَرِ، وَأُقِرَّتْ صَلَاةُ السَّفَرِ".
فَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ صَلَاةَ السَّفَرِ عِنْدَهَا غَيْرُ مَقْصُورَةٍ مِنْ أَرْبَعٍ، وَإِنَّمَا هِيَ مَفْرُوضَةٌ كَذَلِكَ، وَأَنَّ فَرْضَ الْمُسَافِرِ رَكْعَتَانِ.
وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: "فَرَضَ اللَّهُ الصَّلَاةَ عَلَى لِسَانِ نَبِيِّكُمْ: فِي الْحَضَرِ أَرْبَعًا، وَفِي السَّفَرِ رَكْعَتَيْنِ، وَفِي الْخَوْفِ رَكْعَةً". مُتَّفَقٌ عَلَى حَدِيثِ عائشة، وَانْفَرَدَ مسلمٌ بِحَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ.
وَقَالَ عمرُ : "صَلَاةُ السَّفَرِ رَكْعَتَانِ، وَالْجُمُعَةِ رَكْعَتَانِ، وَالْعِيدِ رَكْعَتَانِ، تَمَامٌ غَيْرُ قَصْرٍ، عَلَى لِسَانِ مُحَمَّدٍ ﷺ، وَقَدْ خَابَ مَنِ افْتَرَى".
وَهَذَا ثَابِتٌ عَنْ عمر ، وَهُوَ الَّذِي سَأَلَ النَّبِيَّ ﷺ: مَا بَالُنَا نَقْصُرُ وَقَدْ أَمِنَّا؟ فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: صَدَقَةٌ تَصَدَّقَ بِهَا اللَّهُ عَلَيْكُمْ، فَاقْبَلُوا صَدَقَتَهُ.
وَلَا تَنَاقُضَ بَيْنَ حَدِيثَيْهِ؛ فَإِنَّ النَّبِيَّ ﷺ لَمَّا أَجَابَهُ بِأَنَّ هَذِهِ صَدَقَةُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ، وَدِينُهُ الْيُسْرُ السَّمْحُ، عَلِمَ عمرُ أَنَّهُ لَيْسَ الْمُرَادُ مِنَ الْآيَةِ قَصْرَ الْعَدَدِ كَمَا فَهِمَهُ كَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ، فَقَالَ: "صَلَاةُ السَّفَرِ رَكْعَتَانِ، تَمَامٌ، غَيْرُ قَصْرٍ".
وَعَلَى هَذَا فَلَا دِلَالَةَ فِي الْآيَةِ عَلَى أَنَّ قَصْرَ الْعَدَدِ مُبَاحٌ مَنْفِيٌّ عَنْهُ الْجُنَاحُ، فَإِنْ شَاءَ الْمُصَلِّي فَعَلَهُ، وَإِنْ شَاءَ أَتَمَّ.
س: .............؟
ج: إن قال: قبل، وإن قال: بعد، الأمر واسع، لكن إذا قال: قبل، أوضح لهم حتى لا يسلموا.
س: .............؟
ج: الحديث فيه ضعف .....، والذي يظهر فيه، الذي يغلب على ظني أنه قاله بعدما سلَّم، ولكن فيه بعض الضعف، والأمر فيه واسع: إن علمهم قبل، أو علمهم حين يُسلم مباشرةً، فالأمر واسع.
س: في غزوة الفتح؟
ج: غزوة الفتح نعم.
س: فيه ضعف الحديث؟
ج: حديث عمران نعم.
س: جاء عن عمر أنه قال: "أتموا"؟
ج: الكلام في النبي ﷺ في حديث عمران بن حصين في يوم الفتح.
س: .............؟
ج: أحد أنواعها ركعة، صلاة الخوف أنواع كثيرة: منها صلاة ركعة.
س: .............؟
ج: المشهور عند الأكثر: يوم وليلة، مسافة يوم وليلة بالمطية والمشي -مشي الأقدام- أما بالكيلو: سبعين كيلو، ثمانين كيلو تقريبًا، مقدار اليوم والليلة يعني، بالمطية يعني.
س: المسافر إذا أتمَّ في السفر، أو صام في السفر، ولم يكن عليه مشقَّة، هل عليه إثم؟
ج: لا، ما عليه إثم، لكن الفطر أفضل، والقصر أفضل.
س: القصر ليس بواجبٍ؟
ج: ما هو بواجبٍ، لا، لكنه السنة، فلو أتم فصلاته صحيحة، كما أتم عثمان بالصحابة في حجات كثيرةٍ، وأتمت عائشةُ رضي الله عنها.
س: ...............؟
ج: هذا حسبما ظهر له، الأحاديث واضحة في أنه قصر، قال: أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلَاةِ إِنْ خِفْتُمْ [النساء:101].
س: من الرياض إلى .....؟
ج: لا شكَّ سفر: ثمانين كيلو.
وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ يُوَاظِبُ فِي أَسْفَارِهِ عَلَى رَكْعَتَيْنِ رَكْعَتَيْنِ، وَلَمْ يُرَبِّعْ قَطُّ إِلَّا شَيْئًا فَعَلَهُ فِي بَعْضِ صَلَاةِ الْخَوْفِ، كَمَا سَنَذْكُرُهُ هُنَاكَ، وَنُبَيِّنُ مَا فِيهِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.
وَقَالَ أنس: "خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ مِنَ الْمَدِينَةِ إِلَى مَكَّةَ، فَكَانَ يُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ رَكْعَتَيْنِ حَتَّى رَجَعْنَا إِلَى الْمَدِينَةِ". مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
وَلَمَّا بَلَغَ عَبْدَاللَّهِ بْنَ مَسْعُودٍ أَنَّ عُثْمَانَ بْنَ عَفَّانَ صَلَّى بِمِنًى أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ قَالَ: "إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ، صَلَّيْتُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ بِمِنًى رَكْعَتَيْنِ، وَصَلَّيْتُ مَعَ أبي بكر بِمِنًى رَكْعَتَيْنِ، وَصَلَّيْتُ مَعَ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ بِمِنًى رَكْعَتَيْنِ، فَلَيْتَ حَظِّي مِنْ أَرْبَعِ رَكَعَاتٍ رَكْعَتَانِ مُتَقَبَّلَتَانِ". مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
وَلَمْ يَكُنِ ابْنُ مَسْعُودٍ لِيَسْتَرْجِعَ مِنْ فِعْلِ عثمان أَحَدَ الْجَائِزَيْنِ الْمُخَيَّرِ بَيْنَهُمَا، بَلِ الْأَوْلَى عَلَى قَوْلٍ، وَإِنَّمَا اسْتَرْجَعَ لِمَا شَاهَدَهُ مِنْ مُدَاوَمَةِ النَّبِيِّ ﷺ وَخُلَفَائِهِ عَلَى صَلَاةِ رَكْعَتَيْنِ فِي السَّفَرِ.
الشيخ: وهذا يُفيد أنَّ ترك السنة من المصائب، ترك السنة المؤكدة من المصائب التي يسترجع عند فقدها من الناس، أو عند تعاطي ما يُخالفها، كما قال ابنُ مسعودٍ .
وَفِي "صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ" عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: "صَحِبْتُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ، فَكَانَ فِي السَّفَرِ لَا يَزِيدُ عَلَى رَكْعَتَيْنِ، وأبا بكر وعمر وعثمان". يَعْنِي: فِي صَدْرِ خِلَافَةِ عثمان، وَإِلَّا فعثمان قَدْ أَتَمَّ فِي آخِرِ خِلَافَتِهِ، وَكَانَ ذَلِكَ أَحَدَ الْأَسْبَابِ الَّتِي أُنْكِرَتْ عَلَيْهِ، وَقَدْ خَرَجَ لِفِعْلِهِ تَأْوِيلَاتٌ:
أَحَدُهَا: أَنَّ الْأَعْرَابَ كَانُوا قَدْ حَجُّوا تِلْكَ السَّنَةَ، فَأَرَادَ أَنْ يُعَلِّمَهُمْ أَنَّ فَرْضَ الصَّلَاةِ أَرْبَعٌ؛ لِئَلَّا يَتَوَهَّمُوا أَنَّهَا رَكْعَتَانِ فِي الْحَضَرِ وَالسَّفَرِ.
وَرُدَّ هَذَا التَّأْوِيلُ بِأَنَّهُمْ كَانُوا أَحْرَى بِذَلِكَ فِي حَجِّ النَّبِيِّ ﷺ، فَكَانُوا حَدِيثِي عَهْدٍ بِالْإِسْلَامِ، وَالْعَهْدُ بِالصَّلَاةِ قَرِيبٌ، وَمَعَ هَذَا فَلَمْ يُرَبِّعْ بِهِمُ النَّبِيُّ ﷺ.
التَّأْوِيلُ الثَّانِي: أَنَّهُ كَانَ إِمَامًا لِلنَّاسِ، وَالْإِمَامُ حَيْثُ نَزَلَ فَهُوَ عَمَلُهُ وَمَحَلُّ وِلَايَتِهِ، فَكَأَنَّهُ وَطَنُهُ.
وَرُدَّ هَذَا التَّأْوِيلُ بِأَنَّ إِمَامَ الْخَلَائِقِ عَلَى الْإِطْلَاقِ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ كَانَ هُوَ أَوْلَى بِذَلِكَ، وَكَانَ هُوَ الْإِمَامَ الْمُطْلَقَ وَلَمْ يُرَبِّعْ.
التَّأْوِيلُ الثَّالِثُ: أَنَّ مِنًى كَانَتْ قَدْ بُنِيَتْ وَصَارَتْ قَرْيَةً كَثُرَ فِيهَا الْمَسَاكِنُ فِي عَهْدِهِ، وَلَمْ يَكُنْ ذَلِكَ فِي عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ، بَلْ كَانَتْ فَضَاءً؛ وَلِهَذَا قِيلَ لَهُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَلَا نَبْنِي لَكَ بِمِنًى بَيْتًا يُظِلُّكَ مِنَ الْحَرِّ؟ فَقَالَ: لَا، مِنًى مُنَاخُ مَنْ سَبَقَ. فَتَأَوَّلَ عثمانُ أَنَّ الْقَصْرَ إِنَّمَا يَكُونُ فِي حَالِ السَّفَرِ.
الطالب: رواه الترمذي في "الحج" باب "ما جاء في أنَّ منًى مُناخ مَن سبق"، وأبو داود في "المناسك" باب "تحريم حرم مكة"، وابن ماجه في "المناسك" باب "النزول بمنى"، والحاكم، والدَّارمي، وأحمد، كلهم من حديث إبراهيم بن المهاجر، عن يوسف بن ماهك، عن أمه مُسيكة، عن عائشةَ. وإبراهيم بن المهاجر لين الحفظ، ومسيكة أم يوسف لا يُعرف حالها، ولا يُعرف روى عنها غير ابنها، ومع ذلك فقد صححه الحاكمُ، ووافقه الذهبي، وحسنه الترمذي.
الشيخ: ..... الذهبي قد يتساهل فيما يُصححه الحاكم، والحديث بهذا السند ضعيف، لكن معناه صحيح: أنَّ منًى مُناخ مَن سبق، وأنَّ الواجب إخلاؤها من المباني، ومَن سبق إليها أيام الحجِّ ..... حيث شاء؛ حتى لا يضيق على الناس بالمباني، وهكذا مُزدلفة، وهكذا عرفات، كلها مناخ مَن سبق.
س: .............؟
ج: تحت الصَّحيح، الغالب أنه تحت الصحيح لموافقته، أما إذا ما صحَّ شيء، سكت، ما يُقال: صحَّ، سكت، فيذكر ثلاثة أحوال: حالة يُصححه ويُوافقه، وحالة يعترض عليه، وحالة يسكت إن كان اشتبه عليه.
فَتَأَوَّلَ عثمانُ أَنَّ الْقَصْرَ إِنَّمَا يَكُونُ فِي حَالِ السَّفَرِ.
وَرُدَّ هَذَا التَّأْوِيلُ بِأَنَّ النَّبِيَّ ﷺ أَقَامَ بِمَكَّةَ عَشْرًا يَقْصُرُ الصَّلَاةَ.
التَّأْوِيلُ الرَّابِعُ: أَنَّهُ أَقَامَ بِهَا ثَلَاثًا، وَقَدْ قَالَ النَّبِيُّ ﷺ: يُقِيمُ الْمُهَاجِرُ بَعْدَ قَضَاءِ نُسُكِهِ ثَلَاثًا، فَسَمَّاهُ: مُقِيمًا، وَالْمُقِيمُ غَيْرُ مُسَافِرٍ.
وَرُدَّ هَذَا التَّأْوِيلُ بِأَنَّ هَذِهِ إِقَامَةٌ مُقَيَّدَةٌ فِي أَثْنَاءِ السَّفَرِ، لَيْسَتْ بِالْإِقَامَةِ الَّتِي هِيَ قَسِيمُ السَّفَرِ، وَقَدْ أَقَامَ ﷺ بِمَكَّةَ عَشْرًا يَقْصُرُ الصَّلَاةَ.
الشيخ: يعني في حجّة الوداع في إقامته بمنًى وعرفات، أما في الفتح فكانت إقامته تسعة عشر يومًا.
وَأَقَامَ بِمِنًى بَعْدَ نُسُكِهِ أَيَّامَ الْجِمَارِ الثَّلَاثِ يَقْصُرُ الصَّلَاةَ.
التَّأْوِيلُ الْخَامِسُ: أَنَّهُ كَانَ قَدْ عَزَمَ عَلَى الْإِقَامَةِ وَالِاسْتِيطَانِ بِمِنًى، وَاتِّخَاذِهَا دَارَ الْخِلَافَةِ؛ فَلِهَذَا أَتَمَّ، ثُمَّ بَدَا لَهُ أَنْ يَرْجِعَ إِلَى الْمَدِينَةِ.
وَهَذَا التَّأْوِيلُ أَيْضًا مِمَّا لَا يَقْوَى؛ فَإِنَّ عثمان مِنَ الْمُهَاجِرِينَ الْأَوَّلِينَ، وَقَدْ مَنَعَ ﷺ الْمُهَاجِرِينَ مِنَ الْإِقَامَةِ بِمَكَّةَ بَعْدَ نُسُكِهِمْ، وَرَخَّصَ لَهُمْ فِيهَا ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ فَقَطْ، فَلَمْ يَكُنْ عثمانُ لِيُقِيمَ بِهَا وَقَدْ مَنَعَ النَّبِيُّ ﷺ مِنْ ذَلِكَ، وَإِنَّمَا رَخَّصَ فِيهَا ثَلَاثًا؛ وَذَلِكَ لِأَنَّهُمْ تَرَكُوهَا لِلَّهِ، وَمَا تُرِكَ لِلَّهِ فَإِنَّهُ لَا يُعَادُ فِيهِ وَلَا يُسْتَرْجَعُ؛ وَلِهَذَا مَنَعَ النَّبِيُّ ﷺ مِنْ شِرَاءِ الْمُتَصَدِّقِ لِصَدَقَتِهِ، وَقَالَ لعمر: لَا تَشْتَرِهَا، وَلَا تَعُدْ فِي صَدَقَتِكَ، فَجَعَلَهُ عَائِدًا فِي صَدَقَتِهِ مَعَ أَخْذِهَا بِالثَّمَنِ.
التَّأْوِيلُ السَّادِسُ: أَنَّهُ كَانَ قَدْ تَأَهَّلَ بِمِنًى، وَالْمُسَافِرُ إِذَا أَقَامَ فِي مَوْضِعٍ وَتَزَوَّجَ فِيهِ، أَوْ كَانَ لَهُ بِهِ زَوْجَةٌ أَتَمَّ، وَيُرْوَى فِي ذَلِكَ حَدِيثٌ مَرْفُوعٌ عَنِ النَّبِيِّ ﷺ.
فَرَوَى عكرمة بن إبراهيم الأزدي، عَنِ ابن أبي ذباب، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: صَلَّى عثمانُ بِأَهْلِ مِنًى أَرْبَعًا، وَقَالَ: يَا أَيُّهَا النَّاسُ، لَمَّا قَدِمْتُ تَأَهَّلْتُ بِهَا، وَإِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ يَقُولُ: إِذَا تَأَهَّلَ الرَّجُلُ بِبَلْدَةٍ فَإِنَّهُ يُصَلِّي بِهَا صَلَاةَ مُقِيمٍ. رَوَاهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي "مُسْنَدِهِ"، وَعَبْدُاللَّهِ بْنُ الزُّبَيْرِ الْحُمَيْدِيُّ فِي "مُسْنَدِهِ" أَيْضًا، وَقَدْ أَعَلَّهُ البيهقي بِانْقِطَاعِهِ، وَتَضْعِيفِهِ عكرمة بن إبراهيم.
قَالَ أَبُو الْبَرَكَاتِ ابْنُ تَيْمِيَّةَ: وَيُمْكِنُ الْمُطَالَبَةُ بِسَبَبِ الضَّعْفِ، فَإِنَّ الْبُخَارِيَّ ذَكَرَهُ فِي "تَارِيخِهِ" وَلَمْ يَطْعَنْ فِيهِ، وَعَادَتُهُ ذِكْرُ الْجَرْحِ وَالْمَجْرُوحِينَ، وَقَدْ نَصَّ أحمدُ وَابْنُ عَبَّاسٍ قَبْلَهُ أَنَّ الْمُسَافِرَ إِذَا تَزَوَّجَ لَزِمَهُ الْإِتْمَامُ، وَهَذَا قَوْلُ أبي حنيفة ومالك وَأَصْحَابِهِمَا، وَهَذَا أَحْسَنُ مَا اعْتُذِرَ بِهِ عَنْ عثمان.
الشيخ: لو صحَّ الحديثُ، لكنه ضعيف، ثم التَّزود للمُسافر على حالين: تارة يتزود على نية الإقامة في البلد، فهذا يكون تأهَّل، وتكون وطنًا له. وتارةً يتزود فيها ليحملها معه إلى بلاده، فهذا غير متأهِّلٍ، وليس بمُستوطنٍ، كما لو تزود في البر، فهو مسافر، ولو تزود يقصر، بخلاف الذي تزود ليُقيم، يريد أن يجعلها سكنًا له في بلدٍ، فإذا جاء إليها أتمَّ كما يُتم في بلده، يجعل له زوجةً في مكة، وزوجةً في المدينة؛ أتمَّ في المدينة وفي مكة؛ لأنها وطن له؛ لأنَّ البلدتين صارتا وطنًا له، وهكذا لو جعل زوجةً في الرياض، وزوجةً في القصيم كذلك، وزوجةً في مصر، وزوجةً في الشام كذلك، أما إنسان عارض، تزوج في الطريق وهو في البلد؛ ليحملها معه، هذا ليست بلدًا له، ولا يمنعه من القصر.
س: كذلك إذا قدم بلدةً له فيها زوجة، ولا يريد الإقامة؟
ج: نعم، متأهل، يُتمّ؛ لأنها وطنه.
س: ما يريد الإقامة؟
ج: ما دامت أقامت فيها جعلها سكنًا لها فيها، ولو ما نوى الإقامة، مثل: لو مرَّ بوطنه عابرُ سبيلٍ يروح زيارةً للأسرة، ما دام في وطنه يُتمُّ.
س: وإذا لم تكن وطنَه؟
ج: إذا كان جعلها فيها ..... له سكنًا له، ولو أنه ما أقام عندها إلا أيامًا.
س: وإذا كان وطنه بلدةً أخرى؟
ج: ولو؛ لأنها صارت وطنًا هذه البلدة، فالمرء مع أهله، مع رحله.
س: .............؟
ج: لا، مسافر، مسافر يُريد والده أو أخيه ما يصير .....؛ بخلاف الأهل، الزوجة.
وَقَدِ اعْتُذِرَ عَنْ عائشةَ أَنَّهَا كَانَتْ أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ، فَحَيْثُ نَزَلَتْ كَانَ وَطَنَهَا، وَهُوَ أَيْضًا اعْتِذَارٌ ضَعِيفٌ؛ فَإِنَّ النَّبِيَّ ﷺ أَبُو الْمُؤْمِنِينَ أَيْضًا، وَأُمُومَةُ أَزْوَاجِهِ فَرْعٌ عَنْ أُبُوَّتِهِ، وَلَمْ يَكُنْ يُتِمُّ لِهَذَا السَّبَبِ.
وَقَدْ رَوَى هِشَامُ بْنُ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ: أَنَّهَا كَانَتْ تُصَلِّي فِي السَّفَرِ أَرْبَعًا، فَقُلْتُ لَهَا: لَوْ صَلَّيْتِ رَكْعَتَيْنِ؟ فَقَالَتْ: يَا ابْنَ أُخْتِي، إِنَّهُ لَا يَشُقُّ عَلَيَّ.
الشيخ: هذا معناه تأويل، أنها تأوَّلت أنَّ القصر لأجل دفع المشقّة .....، فلما رأت أنه لا مشقَّة عليها أتمَّت، والصواب أنَّ العلة ليست هذه، السفر مظنة: وُجدت المشقة أو لم تُوجد، القصر سنة في السفر، وهكذا الفطر وإن لم توجد مشقّة، لكنها تأوَّلت هذا التأويل: أنه لا يشقّ عليها فأتمَّت رضي الله عنها.
س: .............؟
ج: إذا كانت بعيدةً تُسمَّى: سفرًا، يقصر.
س: ولو كانت بلده؟
ج: المقصود أنه يزور والديه فقط، وإلا .....
س: البلد بلده، يعني قريته التي وُلد فيها؟
ج: وانتقل عنها واستوطن في .....
س: انتقل عنها واستوطن في المدينة؟
ج: طيب، النبي ﷺ مكة بلده، وإلا ما هي ببلده؟
س: بلى.
ج: ويوم انتقل إلى المدينة صارت محلَّ سفرٍ، قصر فيها وإلا ما قصر؟
س: قصر.
ج: فقط هذا هو: إذا انتقل عنها الإنسانُ ما صارت بلده.
س: قوله: إنَّ النبي ﷺ أبو المؤمنين؟
ج: نعم.
س: الله يقول: مَا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِنْ رِجَالِكُمْ [الأحزاب:40]؟
ج: يعني من جهة نفي التَّبني: ادْعُوهُمْ لِآبَائِهِمْ [الأحزاب:5]؛ لهذا في قراءة بعض القُراء قوله جلَّ وعلا: النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ [الأحزاب:6]، قرأ بعضُهم: وهو أبوهم من حيث التربية، أبوة التربية والتَّوجيه، لا أبوة التَّبني، المنفية أبوة التَّبني؛ ولهذا كان يقول لبعض أصحابه: يا بني.
قَالَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ: لَوْ كَانَ فَرْضُ الْمُسَافِرِ رَكْعَتَيْنِ لَمَا أَتَمَّهَا عثمان، وَلَا عائشة، وَلَا ابْنُ مَسْعُودٍ، وَلَمْ يَجُزْ أَنْ يُتِمَّهَا مُسَافِرٌ مَعَ مُقِيمٍ، وَقَدْ قَالَتْ عائشةُ: كُلُّ ذَلِكَ قَدْ فَعَلَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: أَتَمَّ وَقَصَرَ.
ثُمَّ رَوَى عَنْ إبراهيم بن محمد، عَنْ طلحة بن عمرو، عَنْ عَطَاءِ ابْنِ أَبِي رَبَاحٍ، عَنْ عائشةَ قَالَتْ: "كُلُّ ذَلِكَ فَعَلَ النَّبِيُّ ﷺ: قَصَرَ الصَّلَاةَ فِي السَّفَرِ وَأَتَمَّ".
قَالَ البيهقي: وَكَذَلِكَ رَوَاهُ الْمُغِيرَةُ بْنُ زِيَادٍ، عَنْ عطاءٍ، وَأَصَحُّ إِسْنَادٍ فِيهِ مَا أَخْبَرَنَا أبو بكر الحارثي، عَنِ الدَّارَقُطْنِيِّ، عَنِ المحاملي: حَدَّثَنَا سعيد بن محمد بن ثواب: حَدَّثَنَا أبو عاصم: حَدَّثَنَا عمر بن سعيد، عَنْ عطاء، عَنْ عائشةَ: أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ كَانَ يَقْصُرُ فِي الصَّلَاةِ وَيُتِمُّ، وَيُفْطِرُ وَيَصُومُ.
الشيخ: حطّ عليه إشارة، يُراجع البيهقي، لعله صوابه: في السَّفر.
س: ابن مسعودٍ ثبت أنه أتمَّ في السَّفر؟
ج: لا أعلم ذلك.
س: ذكره عن الشافعي قال: لَوْ كَانَ فَرْضُ الْمُسَافِرِ رَكْعَتَيْنِ لَمَا أَتَمَّهَا عثمانُ، وَلَا عائشة، وَلَا ابْنُ مَسْعُودٍ؟
ج: ابن مسعود مع عثمان حين أتمَّ عثمانُ؛ لأنَّ الصحابة أتمُّوا مع عثمان، الذين مع عثمان أتموا كلهم، ما خالفوا عثمان؛ ولهذا احتجَّ به على أنَّ الإتمام جائزٌ، والقصر هو السُّنة.
س: تأويل عثمان ؟
ج: أحسن ما يُقال فيه: أنه رآه أنه جائز، وأنه استحسن أن يُتمَّ بالناس اجتهادًا منه، وإلا كل التآويل التي ذكروا ليست بشيءٍ.
قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ: وَهَذَا إِسْنَادٌ صَحِيحٌ.
ثُمَّ سَاقَ مِنْ طَرِيقِ أبي بكر النيسابوري، عَنْ عَبَّاسٍ الدُّورِيِّ: أَنْبَأَنَا أبو نعيم: حَدَّثَنَا العلاء بن زهير: حَدَّثَنِي عَبْدُالرَّحْمَنِ بْنُ الْأَسْوَدِ، عَنْ عائشةَ: أَنَّهَا اعْتَمَرَتْ مَعَ النَّبِيِّ ﷺ مِنَ الْمَدِينَةِ إِلَى مَكَّةَ، حَتَّى إِذَا قَدِمَتْ مَكَّةَ قَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، بِأَبِي أَنْتَ وَأُمِّي، قَصَرْتَ وَأَتْمَمْتُ، وَصُمْتَ وَأَفْطَرْتُ؟ قَالَ: أَحْسَنْتِ يَا عائشة.
وَسَمِعْتُ شَيْخَ الْإِسْلَامِ ابْنَ تَيْمِيَّةَ يَقُولُ: هَذَا الْحَدِيثُ كَذِبٌ عَلَى عائشة، وَلَمْ تَكُنْ عائشةُ لِتُصَلِّيَ بِخِلَافِ صَلَاةِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ وَسَائِرِ الصَّحَابَةِ، وَهِيَ تُشَاهِدُهُمْ يَقْصُرُونَ، ثُمَّ تُتِمُّ هِيَ وَحْدَهَا بِلَا مُوجِبٍ. كَيْفَ وَهِيَ الْقَائِلَةُ: "فُرِضَتِ الصَّلَاةُ رَكْعَتَيْنِ، رَكْعَتَيْنِ، فَزِيدَ فِي صَلَاةِ الْحَضَرِ، وَأُقِرَّتْ صَلَاةُ السَّفَرِ"؟! فَكَيْفَ يُظَنُّ أَنَّهَا تَزِيدُ عَلَى مَا فَرَضَ اللَّهُ، وَتُخَالِفُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ وَأَصْحَابَهُ؟!
الشيخ: كلام الشيخ هذا فيه نظر؛ لأنَّ الحكم على الأحاديث بالكذب بدون دليلٍ ما هو بواضحٍ، هي ثبت الإسناد عنها كما في الرواية الأخرى، فلا وجهَ للإنكار، فإنها اجتهدت، قالت: إنه لا يشقّ عليَّ. فكونها تفعل شيئًا رأته باجتهادها بعد النبي ﷺ لا يمنع أن تكون فعلته في عهد النبي ﷺ، المحفوظ أنها فعلته بعد النبي ﷺ، وكون الصلاة ..... ركعتين، ثم أتمت لا يمنع؛ لأنَّ صلاة الظهر أربع، والعصر أربع، والعشاء أربع، استقرت الشريعةُ على هذا، ثم قيل: في السفر تقصر؛ لأنَّ الشريعة استقرت على أربعٍ، وقصرت في السفر إلى ركعتين، وإتمام عثمان والصحابة معه في هذا من أدلة صحة ذلك، وأنَّ هذا لا يخفى على الجميع، لكنَّهم أجمعوا في المعنى على أنَّ الأفضل هو القصر؛ ولهذا استرجع ابنُ مسعودٍ.
س: .............؟
ج: محل نظرٍ، العبرة بالأسانيد، إذا صحَّ الإسناد.
قَالَ الزُّهْرِيُّ لعروة لَمَّا حَدَّثَهُ عَنْهَا بِذَلِكَ: فَمَا شَأْنُهَا كَانَتْ تُتِمُّ الصَّلَاةَ؟! فَقَالَ: تَأَوَّلَتْ كَمَا تَأَوَّلَ عثمانُ.
فَإِذَا كَانَ النَّبِيُّ ﷺ قَدْ حَسَّنَ فِعْلَهَا وَأَقَرَّهَا عَلَيْهِ، فَمَا لِلتَّأْوِيلِ حِينَئِذٍ وَجْهٌ، وَلَا يَصِحُّ أَنْ يُضَافَ إِتْمَامُهَا إِلَى التَّأْوِيلِ عَلَى هَذَا التَّقْدِيرِ، وَقَدْ أَخْبَرَ ابْنُ عُمَرَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ لَمْ يَكُنْ يَزِيدُ فِي السَّفَرِ عَلَى رَكْعَتَيْنِ، وَلَا أبو بكر، وَلَا عمر. أَفَيُظَنُّ بعائشةَ أم المؤمنين مُخَالَفَتُهُمْ وَهِيَ تَرَاهُمْ يَقْصُرُونَ؟!
وَأَمَّا بَعْدَ مَوْتِهِ ﷺ فَإِنَّهَا أَتَمَّتْ كَمَا أَتَمَّ عثمان، وَكِلَاهُمَا تَأَوَّلَ تَأْوِيلًا، وَالْحُجَّةُ فِي رِوَايَتِهِمْ، لَا فِي تَأْوِيلِ الْوَاحِدِ مِنْهُمْ مَعَ مُخَالَفَةِ غَيْرِهِ لَهُ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
الطالب: رواه البيهقي والدَّارقطني، وصحح إسناده، كما نقله عنه المصنفُ، ما زاد شيئًا.
س: ............؟
ج: مثلما سمعت.
الطالب: قال: أحسنتِ يا عائشة، رواه البيهقي والدَّارقطني، وإسناده صحيح.
وَقَدْ قَالَ أمية بن خالد لِعَبْدِاللَّهِ بْنِ عُمَرَ: إِنَّا نَجِدُ صَلَاةَ الْحَضَرِ وَصَلَاةَ الْخَوْفِ فِي الْقُرْآنِ، وَلَا نَجِدُ صَلَاةَ السَّفَرِ فِي الْقُرْآنِ؟ فَقَالَ لَهُ ابْنُ عُمَرَ: يَا أَخِي، إِنَّ اللَّهَ بَعَثَ مُحَمَّدًا ﷺ وَلَا نَعْلَمُ شَيْئًا، فَإِنَّمَا نَفْعَلُ كَمَا رَأَيْنَا مُحَمَّدًا ﷺ يَفْعَلُ.
وَقَدْ قَالَ أنسٌ: خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ إِلَى مَكَّةَ، فَكَانَ يُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ، رَكْعَتَيْنِ، حَتَّى رَجَعْنَا إِلَى الْمَدِينَةِ.
وَقَالَ ابْنُ عُمَرَ: صَحِبْتُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ، فَكَانَ لَا يَزِيدُ فِي السَّفَرِ عَلَى رَكْعَتَيْنِ، وأبا بكر، وعمر، وعثمان .
وَهَذِهِ كُلُّهَا أَحَادِيثُ صَحِيحَةٌ.
...........
فَصْلٌ
وَكَانَ مِنْ هَدْيِهِ ﷺ فِي سَفَرِهِ الِاقْتِصَارُ عَلَى الْفَرْضِ، وَلَمْ يُحْفَظْ عَنْهُ أَنَّهُ صَلَّى سُنَّةَ الصَّلَاةِ قَبْلَهَا وَلَا بَعْدَهَا.
الشيخ: أما استنباط بعضهم عدم القصر في السفر في حقِّ العاصي من الآية فليس بواضحٍ؛ لأنَّ هذا شأن، وهذا شأن، هذا له حكم، وهذا له حكم، فإنَّ كونه يقصر في السَّفر يأخذ أحكامَ السفر للعموم: قد يكون من أسباب رجوعه إلى الحقِّ، وتأثره برحمة الله وإحسانه الذي أحسن إليه، فكيف يُقابل هذه النِّعمة بالمعصية؟
الشيخ: لم يكن ليدعهما عندك؟
الطالب: نعم.
الشيخ: لم يكن يدعهما، الخبر عنه عليه الصلاة والسلام.
س: ..............؟
ج: يأكل ما حرم عليه إذا اضطر إليه، سواء حمار أو كلب، الذي تيسر، المضطر لا يخلي نفسه يموت.
الشيخ: يعني يُصلي السّبحة، وهي النافلة، والمراد الرواتب: سنة الظهر، والمغرب، والعشاء، أما غير الرَّواتب: كصلاة الضحى، والتهجد في الليل، فكان يُصلي النَّوافل عليه الصلاة والسلام: صلَّى يوم الفتح ضحى ثمان ركعات عليه الصلاة والسلام.
س: ..............؟
ج: وذوات الأسباب كذلك، إذا توضأ صلَّى سنةَ الوضوء، مثل: إذا كسفت الشمسُ وهم في البرِّ يُصلي صلاة الكسوف.
س: ..............؟
ج: لا، ظاهر هذا ما هو بداخلٍ في الحديث، هي أشبه بالرَّواتب.
وَقَالَ اللَّهُ : لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ [الأحزاب:21].
وَمُرَادُهُ بِالتَّسْبِيحِ: السُّنَّةُ الرَّاتِبَةُ، وَإِلَّا فَقَدْ صَحَّ عَنْهُ ﷺ أَنَّهُ كَانَ يُسَبِّحُ عَلَى ظَهْرِ رَاحِلَتِهِ حَيْثُ كَانَ وَجْهُهُ.
وَفِي "الصَّحِيحَيْنِ" عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ يُصَلِّي فِي السَّفَرِ عَلَى رَاحِلَتِهِ حَيْثُ تَوَجَّهَتْ -يُومِئُ إِيمَاءً- صَلَاةَ اللَّيْلِ، إِلَّا الْفَرَائِضَ، وَيُوتِرُ عَلَى رَاحِلَتِهِ.
قَالَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ: وَثَبَتَ عَنِ النَّبِيِّ ﷺ أَنَّهُ كَانَ يَتَنَفَّلُ لَيْلًا وَهُوَ يَقْصُرُ، وَفِي "الصَّحِيحَيْنِ" عَنْ عَامِرِ بْنِ رَبِيعَةَ: أَنَّهُ رَأَى النَّبِيَّ ﷺ يُصَلِّي السُّبْحَةَ بِاللَّيْلِ فِي السَّفَرِ عَلَى ظَهْرِ رَاحِلَتِهِ. فَهَذَا قِيَامُ اللَّيْلِ.
وَسُئِلَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ رَحِمَهُ اللَّهُ عَنِ التَّطَوُّعِ فِي السَّفَرِ، فَقَالَ: أَرْجُو أَنْ لَا يَكُونَ بِالتَّطَوُّعِ فِي السَّفَرِ بَأْسٌ.
الشيخ: هذا التَّطوع المطلق غير المقيد، بخلاف المقيد: سنة الظهر، والمغرب، والعشاء، هذا هو الذي شُرع لنا تركه، كما تركه النبيُّ عليه الصلاة والسلام.
س: .............؟
ج: ما نعلم في هذا شيئًا، يُصلي على حسب حاله، يُطول إذا تيسر، أو يُخفف، الأمر فيها واسع.
س: .............؟
ج: كذلك يُصلي ما شاء.
الطالب: هو مرسل؛ لأنَّ الحسن لم يُدرك رسول الله ﷺ.
الشيخ: ما أخبر عن النبي، أخبر عن الصحابة، هذا ما يُسمَّى: مرسلًا، هذا خبر عن الصحابة، هذا ذهول من المحشي، قال: كان أصحابُ رسول الله، المرسل ما يرويه التَّابعي عن الرسول ﷺ، أو ما يرويه أتباع التابعين كذلك، هذا رواه عن الصحابة قال: كان أصحابُ النبي. يعني: مَن أدرك منهم، هو أدرك جماعةً كثيرةً، ولعلهم -إن صحَّ الحديثُ- فهموا من فعل النبي ﷺ أن ترك ذلك أفضل، وأنَّ مَن قوي عليه وفعله فلا بأس، إن صحَّ ما ذكره الحسن، وإلا فالأفضل التَّرك فيما ترك عليه الصلاة والسلام، ومَن فعله منهم فهو اجتهاد منه؛ ولهذا قال ابن عمر: "لو كنتُ مُتنفِّلًا لأتممتُ"، كان يترك كما ترك النبيُّ عليه الصلاة والسلام.
س: .............؟
ج: لا بأس به.
س: .............؟
ج: الظاهر أنه يُصلي الرَّواتب إذا أتمَّ؛ لأنه صلَّى صلاةَ مقيمٍ، مثلما قال ابنُ عمر: "لو كنتُ مُتنفلًا لأتممتُ؛ لأنه شرع القصر للتَّخفيف عليه، فلما أتمَّ شُرع له أن يُصلي الرَّواتب؛ لأنَّ الصلاة صلاة المقيمين.
وَرُوِيَ هَذَا عَنْ عمر، وعليٍّ، وَابْنِ مَسْعُودٍ، وجابر، وأنسٍ، وَابْنِ عَبَّاسٍ، وأبي ذرٍّ.
وَأَمَّا ابْنُ عُمَرَ فَكَانَ لَا يَتَطَوَّعُ قَبْلَ الْفَرِيضَةِ وَلَا بَعْدَهَا إِلَّا مِنْ جَوْفِ اللَّيْلِ مَعَ الْوِتْرِ، وَهَذَا هُوَ الظَّاهِرُ مِنْ هَدْيِ النَّبِيِّ ﷺ: أَنَّهُ كَانَ لَا يُصَلِّي قَبْلَ الْفَرِيضَةِ الْمَقْصُورَةِ وَلَا بَعْدَهَا شَيْئًا، وَلَكِنْ لَمْ يَكُنْ يَمْنَعُ مِنَ التَّطَوُّعِ قَبْلَهَا وَلَا بَعْدَهَا، فَهُوَ كَالتَّطَوُّعِ الْمُطْلَقِ، لَا أَنَّهُ سُنَّةٌ رَاتِبَةٌ لِلصَّلَاةِ: كَسُنَّةِ صَلَاةِ الْإِقَامَةِ.
الشيخ: يعني: لم ينهَ عن ذلك، ولكنه ترك، دلَّ على أنَّ الأفضل التَّرك، ومَن فعل فلا حرج، هذا مقصوده، يعني: ما فعله الصحابةُ عن اجتهادهم؛ لأنَّ الرسول لم ينهَ عن ذلك، وإنما ترك، فالترك أفضل كما ترك، ومَن فعل فلا شيءَ عليه.
وَيُؤَيِّدُ هَذَا أَنَّ الرُّبَاعِيَّةَ قَدْ خُفِّفَتْ إِلَى رَكْعَتَيْنِ تَخْفِيفًا عَلَى الْمُسَافِرِ، فَكَيْفَ يُجْعَلُ لَهَا سُنَّةٌ رَاتِبَةٌ يُحَافَظُ عَلَيْهَا وَقَدْ خُفِّفَ الْفَرْضُ إِلَى رَكْعَتَيْنِ؟! فَلَوْلَا قَصْدُ التَّخْفِيفِ عَلَى الْمُسَافِرِ، وَإِلَّا كَانَ الْإِتْمَامُ أَوْلَى بِهِ؛ وَلِهَذَا قَالَ عبدُالله بن عمر: "لَوْ كُنْتُ مُسَبِّحًا لَأَتْمَمْتُ".
وَقَدْ ثَبَتَ عَنْهُ ﷺ أَنَّهُ صَلَّى يَوْمَ الْفَتْحِ ثَمَانِ رَكَعَاتٍ ضُحًى، وَهُوَ إِذْ ذَاكَ مُسَافِرٌ.
وَأَمَّا مَا رَوَاهُ أبو داود وَالتِّرْمِذِيُّ فِي السُّنَنِ مِنْ حَدِيثِ الليث، عَنْ صَفْوَانَ بْنِ سُلَيْمٍ، عَنْ أبي بسرة الغفاري، عَنِ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ قَالَ: سَافَرْتُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ ثَمَانِيَةَ عَشَرَ سَفَرًا، فَلَمْ أَرَهُ تَرَكَ رَكْعَتَيْنِ عِنْدَ زَيْغِ الشَّمْسِ قَبْلَ الظُّهْرِ.
قَالَ الترمذي: هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ. قَالَ: وَسَأَلْتُ محمدًا عَنْهُ فَلَمْ يَعْرِفْهُ إِلَّا مِنْ حَدِيثِ اللَّيْثِ بْنِ سَعْدٍ، وَلَمْ يَعْرِفِ اسْمَ أبي بسرة، وَرَآهُ حَسَنًا. وَبُسْرَةُ: بِالْبَاءِ الْمُوَحَّدَةِ الْمَضْمُومَةِ، وَسُكُونِ السِّينِ الْمُهْمَلَةِ.
الشيخ: لأنَّ هناك أبا بسرة غير هذا، صحابي، أبو بسرة الغفاري صحابي معروف، انظر "التقريب".
الطالب: أبو بُسرة بضم أوله، وسكون المهملة، الغفاري، مقبول، من الرابعة. أبو داود والترمذي.
الشيخ: المقبول عنده هو الذي لم يثبت فيه جرحٌ، ووثَّقه بعضُ الأئمة، يُقال له: مقبول.
الطالب: الحاشية: رواه أبو داود في "الصلاة" باب "التطوع في الصلاة"، والترمذي في "الصلاة" باب "ما جاء في التطوع في السفر"، وفي سنده أبو بسرة الغفاري، وثَّقه العجلي، وذكره ابن حبان في "الثقات"، وباقي رجاله ثقات، وفي الباب عن ابن عمر رضي الله عنهما عند الترمذي وحسَّنه.
الشيخ: حديث أبي بسرة هذا عن أبي ذرٍّ يظهر منه شرعية الركعتين عند زيغ الشيطان، إذا زاغت الشمس، ولو في السفر، يعني: توثيق العجلي له وابن حبان يجعله صالحًا للاعتماد، فيكون من باب الحسن، ويكون هذا خاصًّا بهذه الركعتين، لها خصوصية في الحضر، يُستحب له أن يُصلي أربعًا قبل الظهر، تدخل فيها الركعتان، وفي السفر ركعتان فقط بعد زيغ الشمس للمُسافر، وليست راتبةً، وإنما هي استقبال للمساء بهاتين الركعتين، فإنَّ الزوال مبتدأ العشي، ذهب أول النهار، وجاء آخر النهار؛ لأنَّ النهار قسمان: بكرة، وعشي، البكرة تنتهي بالزوال، والعشي يبدأ بالزوال، كما بدأ الفجر بركعتي الفجر، يبدأ الزوال -وهو أول المساء- بركعتين خاصتين عند الزوال، وفي الحضر الأفضل أن تكون أربعًا قبل الظهر.
س: .............؟
ج: ظاهر كلام المؤلف أنه لا يزال في حكم المقبول، لكن المؤلف له في هذا بعض الاختلاف رحمه الله: قد يتساهل ويُسميه: مقبولًا، وقد يتساهل ويُسميه: صدوقًا، مَن تتبع "التَّقريب" يجد أشياء فيها بعض الاختلاف، قد يُسميه: مقبولًا، وصدوقًا، وهو ثقة عند الأئمة في مواضع، يعني: قد تستدرك على المؤلف رحمه الله هذا لو قال فيه: صدوق، أو ثقة، أو نحو ذلك؛ اعتمادًا على موثقين لم يكن بعيدًا.
س: ..............؟
ج: ما في شك.
س: ..............؟
ج: الأصل عدم الخصوصية، هي سنة للجميع، لكن تكون هذه بعد زيغ الشمس حضرًا وسفرًا، في السفر ثنتان، وفي الحضر الأفضل أربع للظهر، راتبة للظهر، داخل فيها الركعتان بعد زيغ الشمس.
س: ..............؟
ج: ما أتذكر شيئًا في هذا.
س: ..............؟
ج: لا، ابن عمر حكى ما علم.
س: ..............؟
ج: هذا ما يُخالف؛ لأنه خاصٌّ بزيغ الشمس إن صحَّ عن ابن عمر.
فَصْلٌ
وَكَانَ مِنْ هَدْيِهِ ﷺ صَلَاةُ التَّطَوُّعِ عَلَى رَاحِلَتِهِ حَيْثُ تَوَجَّهَتْ بِهِ، وَكَانَ يُومِئُ إِيمَاءً بِرَأْسِهِ فِي رُكُوعِهِ، وَسُجُودِهِ، وَسُجُودُهُ أَخْفَضُ مِنْ رُكُوعِهِ.
الشيخ: وهذا فيه الإرشاد إلى الاستكثار من الخير في السفر والحضر؛ ولهذا كان يُصلي على بعيره عليه الصلاة والسلام استكثارًا من الخير في الليل وفي النهار في النافلة، ويُومئ بالركوع والسجود، ويجعل السجودَ أخفض من الركوع، وأما في الفريضة فكان ينزل ويُصلي على الأرض عليه الصلاة والسلام في أسفاره عليه الصلاة والسلام.
الشيخ: الأحاديث الصحيحة كلها ما فيها استقبال القبلة عند الإحرام، لكن إذا فعلها المؤمنُ -إذا فعله احتياطًا عند الإحرام- فحسن، ثم يخلي راحلته حيث كان وجهها.
الشيخ: وهكذا حديث أنسٍ الآخر ليس فيه استقبال القبلة، الذي في الصحيح، أيش قال ..... بعده؟ تكلم؟
الطالب: رواه أحمد في "المسند"، وأبو داود في "الصلاة" باب "التطوع على الراحلة والوتر"، وإسناده حسن، وحسَّنه المنذر، وصححه غير واحدٍ.
الشيخ: ..... الحافظ في "البلوغ"، لكن مع هذا كله لا يرتقي إلى درجة تلك الأحاديث العظيمة، إلا أنه من باب الاحتياط يكون خاصًّا، وتلك عامَّة، والقاعدة أنَّ الخاصَّ يقضي على العام، فإذا استقبل بناقته القبلةَ أو بسيارته -إذا كان في السيارة- عند الإحرام كان هذا أحوط وأحسن، وأقلّ أحواله يكون مُستحبًّا، نعم.
س: ..............؟
ج: الخلاصة أنه كان يُصلي حيث كان وجهه، ما كان .....
س: ..............؟
ج: محل نظرٍ ..... فيه يعني مخالفة لها، ومن فعله عليه الصلاة والسلام ليس فيه أمرٌ، فيكون من باب الأفضلية.
س: في الحضر يُصلي الناس على الدابَّة؟
ج: لا، في السفر.
الطالب: أخرجه مسلم في "صلاة المسافرين" باب "جواز صلاة النافلة على الدابة" عن مالك، عن عمرو بن يحيى المازني، عن سعيد بن يسار، عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: رأيتُ رسولَ الله ﷺ على حمارٍ وهو مُوجه إلى خيبر.
قال الدَّارقطني وغيره: هذا غلط من عمرو بن يحيى المازني. قالوا: وإنما المعروف في صلاة النبي ﷺ على راحلةٍ، أو على البعير، والصواب أنَّ الصلاة على الحمار من فعل أنسٍ ، كما ذكره مسلم.
الشيخ: إذا جاز على البعير، جاز على الحمار، كله واحد؛ لأنَّ الصحيح طهارته -طهارة الظاهر- وعلى القول بعدم طهارته يمكن أن تكون عليه البردعة، ويكون عليه شيء آخر على ظهره، فيُصلي عليه، ما يضرّ؛ ولهذا صلَّى أنسٌ على الحمار رضي الله عنه وأرضاه، وهكذا في حديث ابن عمر، وعمرو بن يحيى ثقة، فلا وجهَ لتغليطه، فقول الدَّارقطني أنه غلط ليس بجيدٍ؛ فإنَّ عمرو بن يحيى ثقة، من رجال "الصحيحين"، والأصل عدم غلط الثِّقة، كيف وحديث أنس يعضده ويدل عليه؟ وعموم الراحلة: الراحلة تكون من البعير، وتكون من الحمار، راحلة. انظر عمرو بن يحيى.
الطالب: عمرو بن يحيى بن عمارة ابن أبي الحسن، المازني، المدين، ثقة، من السادسة، مات بعد الثلاثين. الجماعة.
الشيخ: ما ذكر عنه شيئًا: أنَّ له أوهامًا، أو له كذا. المقصود أنَّ قول الدَّارقطني ليس بجيدٍ.
س: ..............؟
ج: المعروف أنَّ أنسًا كان يُصلي على حمارٍ، وقابله أنس بن سيرين وغيره، ووجده يُصلي على الحمار، وهو قادم من البصرة، أو متَّجه إليها . وهذا يدل على أنَّ أنسًا رأى أنَّ الحمار مثل البعير، كونه يُصلي على الحمار أو البغل أو البعير أو في السيارة كله طيب، النَّوافل أمرها واسع ..... الترغيب في الخير وكثرة العبادة.
الشيخ: الحديث ضعيف في هذا، لكن الحاجة إذا دعت إلى ذلك مثلما قال جلَّ وعلا: وَقَدْ فَصَّلَ لَكُمْ مَا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ إِلَّا مَا اضْطُرِرْتُمْ إِلَيْهِ [الأنعام:119]، إذا اضطر الناسُ للصلاة على البعير في الفريضة: كالخائف الملحوم، وكالمريض الذي لا يستطيع النزول، وكالمريض في المطر، الأرض كلها مطر، ولا يستطيع أن يُصلي على الراحلة، ويُومئ إيماءً.
س: ..............؟
ج: يُوجهها إلى القبلة، نعم، يُوقفها ويُوجهها إلى القبلة.
س: ..............؟
ج: واقفة نعم، أو ماشية إلى القبلة وهو يُصلي، ما في بأس.
س: .............؟
ج: ما يصحّ، الفريضة لا بدّ من القبلة.
س: في الحضر على الدابَّة؟
ج: على الدابة لا، يُصلي على الأرض، يركع ويسجد، النافلة ما هو محتاجًا، لا، في الحضر ما هو محتاجًا.
س: .............؟
ج: لا، لا، الصلاة على الدابة في السفر فقط.
وَقَدْ رَوَاهُ أحمد، وَالتِّرْمِذِيُّ، وَالنَّسَائِيُّ: أَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ انْتَهَى إِلَى مَضِيقٍ هُوَ وَأَصْحَابُهُ، وَهُوَ عَلَى رَاحِلَتِهِ، وَالسَّمَاءُ مِنْ فَوْقِهِمْ، وَالْبِلَّةُ مِنْ أَسْفَلَ مِنْهُمْ، فَحَضَرَتِ الصَّلَاةُ، فَأَمَرَ الْمُؤَذِّنَ فَأَذَّنَ وَأَقَامَ، ثُمَّ تَقَدَّمَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ عَلَى رَاحِلَتِهِ فَصَلَّى بِهِمْ، يُومِئُ إِيمَاءً، فَجَعَلَ السُّجُودَ أَخْفَضَ مِنَ الرُّكُوعِ.
قَالَ الترمذي: حَدِيثٌ غَرِيبٌ تَفَرَّدَ بِهِ عمر بن الرماح، وَثَبَتَ ذَلِكَ عَنْ أنسٍ مِنْ فِعْلِهِ.
الطالب: رواه أحمد، والترمذي في "الصلاة" باب "ما جاء في الصلاة على الدابة في الطين والمطر"، وفي سنده عمرو بن عثمان بن يعلى بن مرة، وهو مستور، وأبوه عثمان بن يعلى مجهول، كما قال الحافظ في "التقريب"، فقال الترمذي: هذا حديث غريب، تفرد به عمرو بن الرماح البلخي، لا يعرف إلا من حديثه، وقد روى عنه غيرُ واحدٍ من أهل العلم.
وكذا رُوي عن أنس بن مالك: أنه صلَّى في ماءٍ وطينٍ على دابته، والعمل على هذا عند أهل العلم، وبه يقول أحمد وإسحاق.
وقال أبو بكر ابن العربي: حديث يعلى ضعيف السند، صحيح المعنى. قال: الصلاة على الدابَّة بالإيماء صحيحة إذا خاف من خروج الوقت، ولم يقدر على النزول لضيق الموضع، أو لأنه عليه الطين والماء.
الشيخ: مثلما قال ابنُ العربي: الحديث ضعيف، لكن معناه صحيح، المعنى صحيح، إذا دعت الحاجةُ إلى ذلك ..... في الطين، أو أسباب أخرى منعت من الطين: كالمريض الذي لا يستطيع أن ينزل، يجلس على الدابة ويجعلها إلى القبلة، أو الأسير الذي على الدابة لا يستطيع أن ينزل.
.............
الشيخ: هذا ضعيف ولو حسَّنه الترمذي لأمرين:
الأمر الأول: أنَّ ابن أبي ليلى ضعيف، سيئ الحفظ، والسند الأول فيه حجاج بن أرطاة، وعطية ضعيف، ضعفاء.
وأيضًا مخالف للأحاديث الصَّحيحة التي رواها ابن عمر: أن النبي ما كان يزيد في السفر على ركعتين، نفسه ابن عمر في "الصحيحين" يقول: ..... كان يُصلي ركعتين، ولا يُصلي بعدها شيئًا، ولا قبلها شيئًا، ويقول: "لو كنتُ مُتنفلًا لأتممتُ"، هكذا في "الصحيحين" من حديث ابن عمر، هذا غلط من ابن أبي ليلى، ومن الحجاج، وعطية لا يُلتفت إليه، الصواب أنه لا يُصلي بعدها شيئًا، هذا الأفضل.
س: ..............؟
ج: البخاري، نعم.
س: لو صلَّى الفريضة إلى غير القبلة جاهلًا، وبعد انتهاء الصلاة جاء واحدٌ وقال له؟
ج: وهو مُجتهد؟
س: هو مجتهد.
ج: في البرية، في الصَّحراء؟
س: نعم.
ج: لا يُعيد، مثلما صلَّى المسلمون في مسجد قباء بعدما .....، إذا اجتهد ما فيه شيء.
س: ليس عليه إعادة؟
ج: ليس عليه إعادة، لكن لو نبّه فيها استدار.
.............