028 فصل في حكم الدفن وسنية اللحد

فَصْلٌ

وَكَانَ مِنْ هَدْيِهِ ﷺ أَلَّا يَدْفِنَ الْمَيِّتَ عِنْدَ طُلُوعِ الشَّمْسِ، وَلَا عِنْدَ غُرُوبِهَا، وَلَا حِينَ يَقُومُ قَائِمُ الظَّهِيرَةِ.

وَكَانَ مِنْ هَدْيِهِ اللَّحْدُ وَتَعْمِيقُ الْقَبْرِ وَتَوْسِيعُهُ مِنْ عِنْدِ رَأْسِ الْمَيِّتِ وَرِجْلَيْهِ.

وَيُذْكَرُ عَنْهُ أَنَّهُ كَانَ إِذَا وَضَعَ الْمَيِّتَ فِي الْقَبْرِ قَالَ: بِسْمِ اللَّهِ وَبِاللَّهِ، وَعَلَى مِلَّةِ رَسُولِ اللَّهِ.

وَفِي رِوَايَةٍ: بِسْمِ اللَّهِ، وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ، وَعَلَى مِلَّةِ رَسُولِ اللَّهِ.

الشيخ: ..... وعند ارتفاع الشمس، وعند غروبها، وعند قيامها، فهذا من حديث عقبة بن عامر في "صحيح مسلم": "ثلاث ساعاتٍ كان رسولُ الله ينهانا أن نُصلي فيهن، وأن نقبر فيهن موتانا: حين تطلع الشمس بازغةً حتى ترتفع، وحين يقوم قائمُ الظَّهيرة حتى تزول الشمسُ، وحين تتضيَّف الشمسُ للغروب"، ففي هذه الأوقات الثلاث لا تدفن، أما إذا دفنوها قبل ذلك فإنه يكمل ما وضعوه من لحدٍ ووضعوا عليه اللَّبن فقد دفن.

وجاء في حديث ابن عمر: بسم الله، وعلى ملَّة رسول الله عند الدَّفن موقوفًا ومرفوعًا، والمرفوع جيد، فيُستحبّ أن يُقال: "بسم الله، وعلى ملَّة رسول الله"، أيش قال المحشي عليه؟

الطالب: رواه الترمذي في "الجنائز" باب "ما يقول إذا أُدخل الميت القبر"، وابن ماجه في "الجنائز" باب "ما جاء في إدخال الميت القبر"، وأبو داود في "الجنائز" باب "الدعاء للميت إذا وُضع في قبره"، وأحمد، والبيهقي، عن ابن عمر، وحسَّنه الترمذي، وصححه ابن حبان، والحاكم، ووافقه الذَّهبي، وهو كما قالوا، وله شاهد عند الحاكم من حديث ..... ، وسنده حسن.

.......

وَيُذْكَرُ عَنْهُ أَيْضًا أَنَّهُ كَانَ يَحْثُو التُّرَابَ عَلَى قَبْرِ الْمَيِّتِ إِذَا دُفِنَ مِنْ قِبَلِ رَأْسِهِ ثَلَاثًا.

الشيخ: .........

الطالب: أخرجه ابنُ ماجه من حديث أبي هريرة ، وسنده جيد كما قال النَّووي في "المجموع"، وله شواهد أوردها الحافظُ ابن حجر في "تلخيص الحبير".

........

وَكَانَ إِذَا فَرَغَ مِنْ دَفْنِ الْمَيِّتِ قَامَ عَلَى قَبْرِهِ هُوَ وَأَصْحَابُهُ، وَسَأَلَ لَهُ التَّثْبِيتَ، وَأَمَرَهُمْ أَنْ يَسْأَلُوا لَهُ التَّثْبِيتَ.

........

وَلَمْ يَكُنْ يَجْلِسُ يَقْرَأُ عِنْدَ الْقَبْرِ، وَلَا يُلَقِّنُ الْمَيِّتَ كَمَا يَفْعَلُهُ النَّاسُ الْيَوْمَ.

الشيخ: وهذا لا أصلَ له، كونه يجلس عند القبر لقراءة القرآن، أو للدعاء، أو للتلقين، هذا بدعة، لا أصلَ له.

الطالب: .........؟

الشيخ: لا، ما فيه شيء، الدعاء العام الذي ما فيه شيء من ..... اللهم اغفر له، اللهم ارحمه.

.........

وَأَمَّا الْحَدِيثُ الَّذِي رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي "مُعْجَمِهِ" مِنْ حَدِيثِ أبي أمامة، عَنِ النَّبِيِّ ﷺ: إِذَا مَاتَ أَحَدٌ مِنْ إِخْوَانِكُمْ فَسَوَّيْتُمُ التُّرَابَ عَلَى قَبْرِهِ، فَلْيَقُمْ أَحَدُكُمْ عَلَى رَأْسِ قَبْرِهِ ثُمَّ ليَقُلْ: يَا فُلَانُ، فَإِنَّهُ يَسْمَعُهُ وَلَا يُجِيبُ، ثُمَّ يَقُولُ: يَا فُلَانُ ابْنُ فُلَانَةَ، فَإِنَّهُ يَسْتَوِي قَاعِدًا، ثُمَّ يَقُولُ: يَا فُلَانُ ابْنُ فُلَانَةَ، فَإِنَّهُ يَقُولُ: أَرْشِدْنَا يَرْحَمُكَ اللَّهُ، وَلَكِنْ لَا تَشْعُرُونَ، ثُمَّ يَقُولُ: اذْكُرْ مَا خَرَجْتَ عَلَيْهِ مِنَ الدُّنْيَا: شَهَادَةُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، وَأَنَّكَ رَضِيتَ بِاللَّهِ رَبًّا، وَبِالْإِسْلَامِ دِينًا، وَبِمُحَمَّدٍ نَبِيًّا، وَبِالْقُرْآنِ إِمَامًا، فَإِنَّ مُنْكَرًا وَنَكِيرًا يَأْخُذُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِيَدِ صَاحِبِهِ وَيَقُولُ: انْطَلِقْ بِنَا، مَا نَقْعُدُ عِنْدَ مَنْ لُقِّنَ حُجَّتَهُ، فَيَكُونُ اللَّهُ حَجِيجَهُ دُونَهُمَا، فَقَالَ رَجُلٌ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، فَإِنْ لَمْ يَعْرِفْ أُمَّهُ؟ قَالَ: فَيَنْسِبُهُ إِلَى حواء: يَا فُلَانُ ابْنُ حواء، فَهَذَا حَدِيثٌ لَا يَصِحُّ رَفْعُهُ، وَلَكِنْ قَالَ الأثرمُ: قُلْتُ لأبي عبدالله: فَهَذَا الَّذِي يَصْنَعُونَهُ إِذَا دُفِنَ الْمَيِّتُ؛ يَقِفُ الرَّجُلُ وَيَقُولُ: يَا فُلَانُ ابْنُ فُلَانَةَ، اذْكُرْ مَا فَارَقْتَ عَلَيْهِ الدُّنْيَا: شَهَادَةُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ؟ فَقَالَ: مَا رَأَيْتُ أَحَدًا فَعَلَ هَذَا إِلَّا أَهْلَ الشَّامِ، حِينَ مَاتَ أبو المغيرة جَاءَ إِنْسَانٌ فَقَالَ ذَلِكَ. وَكَانَ أبو المغيرة يَرْوِي فِيهِ عَنْ أَبِي بَكْرِ ابْنِ أَبِي مَرْيَمَ، عَنْ أَشْيَاخِهِمْ: أَنَّهُمْ كَانُوا يَفْعَلُونَهُ، وَكَانَ ابنُ عياشٍ يَرْوِي فِيهِ.

قُلْتُ: يُرِيدُ حَدِيثَ إِسْمَاعِيلَ بْنِ عَيَّاشٍ هَذَا الَّذِي رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ عَنْ أبي أمامة.

وَقَدْ ذَكَرَ سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ فِي "سُنَنِهِ" عَنْ رَاشِدِ بْنِ سَعْدٍ، وضمرة بن حبيب، وحكيم بن عمير، قَالُوا: إِذَا سُوِّيَ عَلَى الْمَيِّتِ قَبْرُهُ، وَانْصَرَفَ النَّاسُ عَنْهُ، فَكَانُوا يَسْتَحِبُّونَ أَنْ يُقَالَ لِلْمَيِّتِ عِنْدَ قَبْرِهِ: يَا فُلَانُ، قُلْ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، ثَلَاثَ مَرَّاتٍ، يَا فُلَانُ، قُلْ: رَبِّيَ اللَّهُ، وَدِينِيَ الْإِسْلَامُ، ونَبِيِّي مُحَمَّدٌ، ثُمَّ يَنْصَرِفُ.

الشيخ: كل هذا لا أصلَ له، كل هذا مما أحدثه بعضُ الناس كما قال أحمدُ عن أهل الشام، والتلقين لا أصلَ له، الحديث هذا موضوعٌ كما قال جمعٌ من أهل العلم: حديث أبي أمامة من غرائبه ومُنكراته -دعوة الرجل إلى أمه- والله يقول: ادْعُوهُمْ لِآبَائِهِمْ [الأحزاب:5].

المقصود أنه خبرٌ موضوعٌ، التلقين بدعة لا أصلَ له، وهكذا القراءة عند القبور، والجلوس عندها للدعاء والقراءة، كل ذلك لا أصلَ له، ولم يكن يفعله النبيُّ ﷺ ولا أصحابه رضي الله عنهم وأرضاهم، وإنما السنة إذا صُلِّي على الميت في قبره يُدعا له بالمغفرة والثبات، كما فعل النبيُّ ﷺ، قال: استغفروا لأخيكم، وسلوا له التَّثبيت؛ فإنه الآن يُسأل، أما التلقين فلا أصلَ له؛ لأنه انتهى، إذا مات الميتُ قد انقطع عمله، وانتهى أمره، هكذا جاء الحديثُ الصَّحيح.

............

فَصْلٌ

وَلَمْ يَكُنْ مِنْ هَدْيِهِ ﷺ تَعْلِيَةُ الْقُبُورِ، وَلَا بِنَاؤُهَا بِآجُرٍّ، وَلَا بِحَجَرٍ وَلَبَنٍ، وَلَا تَشْيِيدُهَا، وَلَا تَطْيِينُهَا، وَلَا بِنَاءُ الْقِبَابِ عَلَيْهَا، فَكُلُّ هَذَا بِدْعَةٌ مَكْرُوهَةٌ، مُخَالِفَةٌ لِهَدْيِهِ ﷺ.

وَقَدْ بَعَثَ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ إِلَى الْيَمَنِ: أَلَّا يَدَعَ تِمْثَالًا إِلَّا طَمَسَهُ، وَلَا قَبْرًا مُشْرِفًا إِلَّا سَوَّاهُ.

فَسُنَّتُهُ ﷺ تَسْوِيَةُ هَذِهِ الْقُبُورِ الْمُشْرِفَةِ كُلِّهَا، وَنَهَى أَنْ يُجَصَّصَ الْقَبْرُ، وَأَنْ يُبْنَى عَلَيْهِ، وَأَنْ يُكْتَبَ عَلَيْهِ.

الشيخ: عن جابرٍ قال: نهى رسولُ الله ﷺ أن يُجصص القبر، وأن يُقعد عليه، وأن يُبنى عليه. وفي اللفظ الآخر: وأن يُكتب عليه، وأن يُزاد عليه من غير ترابه. فلا يجوز أن يُبنى عليها قبَّة أو مسجد، ولا غير ذلك، بل تبقى ضاحية شامسة كما كان ذلك في عهده ﷺ وغيره، ولا يُبنى عليها شيء، بل هذا من الغلو والبدع التي تُسبب الشِّرك.

س: ..............؟

ج: ورد في قصة سعد بن أبي وقاص أنه أمر أن يُسوَّى عليه قبره ويُلحد، كما فُعل بالنبي ﷺ أن يُرفع قدر شبرٍ.

...........

وَنَهَى أَنْ يُجَصَّصَ الْقَبْرُ، وَأَنْ يُبْنَى عَلَيْهِ، وَأَنْ يُكْتَبَ عَلَيْهِ.

وَكَانَتْ قُبُورُ أَصْحَابِهِ لَا مُشْرِفَةً، وَلَا لَاطِئَةً، وَهَكَذَا كَانَ قَبْرُهُ الْكَرِيمُ، وَقَبْرُ صَاحِبَيْهِ، فَقَبْرُهُ ﷺ مُسَنَّمٌ مَبْطُوحٌ بِبَطْحَاءِ الْعَرْصَةِ الْحَمْرَاءِ، لَا مَبْنِيَّ، وَلَا مُطَيَّنَ، وَهَكَذَا كَانَ قَبْرُ صَاحِبَيْهِ.

الشيخ: ..... البطحاء قدر ..... الحصباء الصِّغار بطحاء، نعم.

وَكَانَ يُعَلِّمُ قَبْرَ مَنْ يُرِيدُ تَعَرُّفَ قَبْرِهِ بِصَخْرَةٍ.

الشيخ: حتى ولو بحجرٍ.

س: الكتابة، ذكر تعليقًا يقول: وفي سنده انقطاع .....؟

ج: لا، النَّهي عن الكتابة ثابت، سنده جيد في الترمذي ..... وتتبعناه قديمًا، لا بأس به، أما التَّجصيص والقعود والبناء، هذا رواه مسلم في "الصحيح"، وفيه زيادة البناء والكتابة، وهذا في غير الصحيح، لكن في السنن .....

..........

فَصْلٌ

وَنَهَى رَسُولُ اللَّهِ ﷺ عَنِ اتِّخَاذِ الْقُبُورِ مَسَاجِدَ، وَإِيقَادِ السُّرُجِ عَلَيْهَا، وَاشْتَدَّ نَهْيُهُ فِي ذَلِكَ حَتَّى لَعَنَ فَاعِلَهُ.

وَنَهَى عَنِ الصَّلَاةِ إِلَى الْقُبُورِ، وَنَهَى أُمَّتَهُ أَنْ يَتَّخِذُوا قَبْرَهُ عِيدًا، وَلَعَنَ زَوَّرَاتِ الْقُبُورِ.

وَكَانَ هَدْيُهُ أَنْ لَا تُهَانَ الْقُبُورُ وَتُوطَأَ، وَأَلَّا يُجْلَسَ عَلَيْهَا، وَيُتَّكَأَ عَلَيْهَا.

الشيخ: ..... النَّهي عن الغلو فيها واتِّخاذها آلهةً مع الله، واتِّخاذها مساجد، ونهى عن امتهانها واحتقارها، والجلوس عليها، أو البول عليها، أو وطئها، أو الاتِّكاء عليها، كل هذا منهيٌّ عنه، فالقبور لا يُغلا فيها، ولا تُمتهن، لا هذا، ولا هذا؛ ولهذا لعن رسولُ الله ﷺ مَن اتَّخذ المساجدَ قبورًا، قال: لعن اللهُ اليهودَ والنَّصارى؛ اتَّخذوا قبورَ أنبيائهم مساجد، وقال: ألا وإنَّ مَن كان قبلكم كانوا يتَّخذون قبورَ أنبيائهم وصالحيهم مساجد، ألا فلا تتَّخذوا القبورَ مساجد، فإني أنهاكم عن ذلك، وقال عليه الصلاة والسلام: لا تُصلوا إلى القبور، ولا تجلسوا عليها، ونهى عن تجصيصها والقعود عليها والبناء عليها؛ ولأنَّ البناء عليها والتَّجصيص واتِّخاذها مساجد هذا من أسباب الغلو، من أسباب أن تُعبد من دون الله، وتُتَّخذ آلهةً مع الله، يعني: أصحابها، ويُنهى عن الجلوس عليها والقعود عليها لأنَّه امتهانٌ لها وإذلالٌ واحتقارٌ، فلا هذا، ولا هذا.

..........

الشيخ: هذا كان قبل النَّهي؛ لأنَّ الرسول نهى أولًا على العموم، ثم أذن للعموم، ثم خصَّ النساء بالنَّهي، والخاص يقضي على العام، النهي الخاص للنِّساء يقضي على العام.

س: احتجاجهم بأنَّ عائشة رضي الله عنها إنما روت هذا الكلام بعد وفاة الرسول ﷺ في بيان الحجّة في زيارة النساء للقبور؛ لأنَّ الفتنة بالقبور عظيمة الآن؟

ج: مثلما تقدم، أخبرتْ عن شيءٍ نُسخ بالنَّهي الثاني، سألت النبيَّ: ما أقول إذا أتيتُ القبور؟ قال: قولي كذا وكذا، كان هذا في الإذن العام؛ لأنَّ الرسول قال: كنتُ نهيتُكم عن زيارة القبور فزوروها، والنهي أولًا عام، والزيارة عامَّة، ثم نسخ أمر النِّساء، ولعن زائرات القبور، وصار الإذنُ للرجال خاصَّةً.

س: وزيارتها لقبر أخيها عبدالرحمن؟

ج: هذا اجتهادها.

وَلَا تُعَظَّمَ بِحَيْثُ تُتَّخَذُ مَسَاجِدَ فَيُصَلَّى عِنْدَهَا وَإِلَيْهَا، وَتُتَّخَذَ أَعْيَادًا وَأَوْثَانًا.

فَصْلٌ

فِي هَدْيِهِ ﷺ فِي زِيَارَةِ الْقُبُورِ

كَانَ إِذَا زَارَ قُبُورَ أَصْحَابِهِ يَزُورُهَا لِلدُّعَاءِ لَهُمْ، وَالتَّرَحُّمِ عَلَيْهِمْ، وَالِاسْتِغْفَارِ لَهُمْ، وَهَذِهِ هِيَ الزِّيَارَةُ الَّتِي سَنَّهَا لِأُمَّتِهِ، وَشَرَعَهَا لَهُمْ، وَأَمَرَهُمْ أَنْ يَقُولُوا إِذَا زَارُوهَا: السَّلَامُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الدِّيَارِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُسْلِمِينَ، وَإِنَّا إِنْ شَاءَ اللَّهُ بِكُمْ لَاحِقُونَ، نَسْأَلُ اللَّهَ لَنَا وَلَكُمُ الْعَافِيَةَ.

الشيخ: هذه الزيارة الشَّرعية، النبي ﷺ أمر بزيارة القبور وقال: زوروا القبور؛ فإنها تُذكركم الآخرة، إذا زار المؤمنُ القبرَ تذكَّر الموت، وتذكَّر الآخرة، فهذا من أسباب إعداده للآخرة، ومن أسباب رقَّة قلبه، وتذكره أنه صائر إلى ما صاروا إليه من الموت؛ حتى يستعدَّ للآخرة، ويتأهَّب للقاء ربِّه ؛ ولهذا كان يقول، يُعلم أصحابه إذا زاروا القبورَ، يُعلمهم أن يقولوا: السلام عليكم أهلَ الديار من المؤمنين والمسلمين، وإنا إن شاء الله بكم لاحقون، نسأل الله لنا ولكم العافية، وفي اللَّفظ الآخر: السلام عليكم دارَ قومٍ مؤمنين، وإنا إن شاء الله بكم لاحقون، يرحم الله المستقدمين منا والمستأخرين، وكان يقول: غدًا مُؤجلون، وإنا بكم لاحقون، اللهم اغفر لأهل بقيع الغرقد، وفي حديث ابن عباسٍ: السلام عليكم يا أهلَ القبور، يغفر الله لنا ولكم، أنتم سلفنا ونحن بالأثر.

هذه كلماته وما أشبهها هي التي تُقال في الزيارة مما علَّم النبيُّ أصحابَه، وكما فعله عليه الصلاة والسلام إذا زارهم يقول هذا؛ للإحسان إليهم، والدعاء لهم، والاستغفار لهم ولنفسه معهم، نسأل الله لنا ولكم العافية.

أما مَن يقصدها ليدعوها من دون الله، ويدعو أهلها من دون الله، ويستغيث بهم، هذا هو الشِّرك، نسأل الله العافية، إذا أتى الأموات يقول: يا سيدي، أغثني، أو انصرني، أو اشفِ مريضي. هذا الشِّرك الأكبر، هذا شركٌ بالله لا يجوز.

كذلك يزورها ليجلس عندها للدُّعاء، أو ليقرأ القرآن عندها، هذا بدعة، أو يُصلي عندها بدعة، من وسائل الشرك، وإنما المشروع أن يزورها للدُّعاء لهم، والإحسان إليهم، والاستغفار لهم، وليذكر الآخرة.

.............

الشيخ: ثبت في بعض الأحاديث أنه يسمع، إذا زاره أخوه الذي يعرفه في الدنيا يسمعه ويردّ عليه، كما ثبت عن النبي ﷺ: ما من أحدٍ يُسلم عليَّ إلا ردَّ الله عليَّ روحي حتى أردَّ عليه السلام، جاء في هذا أحاديث بأسانيد جيدةٍ إذا زار أخًا له يعرفه، وجاء في بعضها ما يدل على أنهم يسمعون ولو كان لا يعرفهم؛ لما فيه من السُّرور لهم، والخير لهم، وفي الحديث الصحيح أنه يسمع قرعَ نعالهم إذا وُضع في القبر.

س: ..............؟

ج: لا، ما في إلا السَّماع المقيد حسبما جاء في النصوص فقط.

س: ..............؟

ج: إذا وقف عليها -على السُّور أو على الباب- وسلَّم فحسن.

س: ..............؟

ج: مُخَيَّر: إن شاء سلَّم، وإن شاء انصرف.

س: ..............؟

ج: ..............

تى الأمو

وَكَانَ هَدْيُهُ أَنْ يَقُولَ وَيَفْعَلَ عِنْدَ زِيَارَتِهَا مِنْ جِنْسِ مَا يَقُولُهُ عِنْدَ الصَّلَاةِ عَلَى الْمَيِّتِ: مِنَ الدُّعَاءِ وَالتَّرَحُّمِ وَالِاسْتِغْفَارِ.

فَأَبَى الْمُشْرِكُونَ إِلَّا دُعَاءَ الْمَيِّتِ وَالْإِشْرَاكَ بِهِ، وَالْإِقْسَامَ عَلَى اللَّهِ بِهِ، وَسُؤَالَهُ الْحَوَائِجَ، وَالِاسْتِعَانَةَ بِهِ، وَالتَّوَجُّهَ إِلَيْهِ، بِعَكْسِ هَدْيِهِ ﷺ، فَإِنَّهُ هَدْيُ تَوْحِيدٍ وَإِحْسَانٍ إِلَى الْمَيِّتِ، وَهَدْيُ هَؤُلَاءِ شِرْكٌ وَإِسَاءَةٌ إِلَى نُفُوسِهِمْ، وَإِلَى الْمَيِّتِ، وَهُمْ ثَلَاثَةُ أَقْسَامٍ: إِمَّا أَنْ يَدْعُوا الْمَيِّتَ، أَوْ يَدْعُوا بِهِ، أَوْ عِنْدَهُ. وَيَرَوْنَ الدُّعَاءَ عِنْدَهُ أَوْجَبَ وَأَوْلَى مِنَ الدُّعَاءِ فِي الْمَسَاجِدِ.

الشيخ: هو كما قال المؤلفُ: قسمٌ أشركوا بالموتى الذين توسَّلوا بهم، وقسمٌ اتَّخذوا قبورهم محلًّا للدُّعاء والصلاة والتَّعبد، وكل ذلك ممنوعٌ، لكن القسم الأول هو أكبر وأقبح، وهو الذي أشرك به: مَن دعاهم من غير الله، واستغاث بهم، ونذر لهم، فهؤلاء أشركوا بالله، يعني: دعوا الأموات، واستغاثوا بالأموات، كما يفعلون عند قبر البدوي الآن في مصر، والحسين، وعند قبر النبي في المدينة، بعضُ الجهلة، وعند بعض القبور في المدينة وفي مكة يدعونهم من دون الله، ويستغيثون بهم، فيسألون شفاء المرضى، والنصر على الأعداء، وهذا اتِّخاذ لهم آلهة، وهو شرك أكبر، نعوذ بالله.

والقسم الثاني: توسَّلوا بهم، وهم الذين يسألون بجاه فلان، وحقِّ فلان: بجاه الحسين، بجاه عليّ، بجاه النبي، بحقِّ النبي، بحقِّ فلان، بجاه فلان، يتوسَّلون بهم وبجاههم وحقِّهم، هذا من البدع.

والقسم الثالث: اتَّخذوا المقابرَ محلًّا للدُّعاء، يرون أنه أوجب، وأنه أحرى بالإجابة إذا دعا عند القبور، واستغاث بالله عندها، أو صلَّى عندها، أو قرأ عندها، يظنون أنَّ هذا أفضل، وأنه قربة، فيأتي إليها ليُصلي عندها، أو ليقرأ عندها، أو ليتَّخذها محلًّا للدعاء، هذا هو البدعة ..... ووسيلة من وسائل الشِّرك.

س: ..............؟

ج: من جهتين: من جهة وقوع المعصية عند قبره، ومن جهة أنه يظنّ أنه يُجيز ذلك، أو يُحب ذلك، ولا شكَّ أن ..... يُؤذي به كما يُؤذي الحيّ.

وَمَنْ تَأَمَّلَ هَدْيَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ وَأَصْحَابِهِ تَبَيَّنَ لَهُ الْفَرْقُ بَيْنَ الْأَمْرَيْنِ، وَبِاللَّهِ التَّوْفِيقُ.

فَصْلٌ

وَكَانَ مِنْ هَدْيِهِ ﷺ تَعْزِيَةُ أَهْلِ الْمَيِّتِ، وَلَمْ يَكُنْ مِنْ هَدْيِهِ أَنْ يَجْتَمِعَ لِلْعَزَاءِ، وَيَقْرَأَ لَهُ الْقُرْآنَ، لَا عِنْدَ قَبْرِهِ وَلَا غَيْرِهِ، وَكُلُّ هَذَا بِدْعَةٌ حَادِثَةٌ مَكْرُوهَةٌ.

الشيخ: السنة أن يُعزَّى أهلُ الميت، سواء في الطريق، أو في المقبرة، أو قبل الدَّفن، أو بعد الدَّفن، فالتَّعزية ما لها حدٌّ محدود، يعني: قبل الدفن، أو بعد الدفن، في المسجد، أو في الطريق، أو في المقبرة، أو في بيته، أو في أي مكانٍ، ليس لها حدٌّ محدود، أما اتِّخاذ محلًّا للجلوس للتَّعزية، وصنعة الطعام للناس، واتِّخاذ الاجتماع على القرآن، أو على أشياء أخرى، هذا مما أحدثه الناسُ، من البدع التي أحدثها الناسُ.

س: مدة التَّعزية؟

ج: ليس لها حدٌّ محدود، متى تيسر عزَّاه: في اليوم الأول، أو الثاني، أو الثالث، أو الرابع، حسبما تيسر، والسنة المبادرة بالعزاء من حين يموت الميت.

س: ..............؟

ج: هذا ما له أصل، هذا بدعة، هذا مما ابتدعه الناس، وهكذا صنعة الطعام للناس، وجمع الناس على الطعام، هذا مما ابتدعه الناس.

...........

س: المعانقة عند التَّعزية؟

ج: ليس لها أصلٌ، يكفي المصافحة، النبي ﷺ لما جاء نعيُ جعفر وقف وظهرت عليه آثارُ الحزن، ولم يُعرف أنه فعل شيئًا مما يفعله الناسُ الآن.

..............

س: التَّعزية واجبة أو مُستحبَّة؟

ج: مُستحبَّة.

س: الدَّعوة بجاه الميت بدعة أو مُنكر؟

ج: بدعة، منكر، من وسائل الشِّرك.

وَكَانَ مِنْ هَدْيِهِ: السُّكُونُ وَالرِّضَى بِقَضَاءِ اللَّهِ، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ، وَالِاسْتِرْجَاعُ.

الشيخ: السنة "إنَّا لله وإنَّا إليه راجعون، لله ما أخذ، وله ما أعطى، وكل شيءٍ عنده بأجلٍ مُسمّى"، وعدم الصياح، وعدم شقِّ الثياب، ولطم الخدود، كل هذا من أعمال الجاهلية.

س: كلمة "أحسن الله عزاءكم" عليها دليل؟

ج: يدعو بما تيسر: أحسن الله عزاءكم، أو أعظم الله أجركم، أو جبر الله مُصيبتكم، يعني: كلمات طيبة مناسبة للمقام.

وَيَبْرَأُ مِمَّنْ خَرَقَ لِأَجْلِ الْمُصِيبَةِ ثِيَابَهُ، أَوْ رَفَعَ صَوْتَهُ بِالنَّدْبِ وَالنِّيَاحَةِ، أَوْ حَلَقَ لَهَا شَعْرَهُ.

وَكَانَ مِنْ هَدْيِهِ ﷺ أَنَّ أَهْلَ الْمَيِّتِ لَا يَتَكَلَّفُونَ الطَّعَامَ لِلنَّاسِ، بَلْ أَمَرَ أَنْ يَصْنَعَ النَّاسُ لَهُمْ طَعَامًا يُرْسِلُونَهُ إِلَيْهِمْ، وَهَذَا مِنْ أَعْظَمِ مَكَارِمِ الْأَخْلَاقِ وَالشِّيَمِ، وَالْحَمْلِ عَنْ أَهْلِ الْمَيِّتِ، فَإِنَّهُمْ فِي شُغْلٍ بِمُصَابِهِمْ عَنْ إِطْعَامِ النَّاسِ.

الشيخ: يُؤتى إليهم بالطعام، ولا يُصنع لهم، قال جرير : "كنا نعدّ الاجتماع إلى أهل الميت وصنعة الطعام بعد الدفن من النياحة".

..........

س: التَّحديد بثلاثة أيام؟

ج: هذا التَّحديد في إحداد المرأة على قريبها، تحدّ ثلاثة أيام، إلا على الزوج: أربعة أشهر وعشرًا.

س: أقصد التَّعزية؟

ج: الإحداد ثلاثة أيام، والتَّعزية ما لها حدٌّ.

وَكَانَ مِنْ هَدْيِهِ ﷺ تَرْكُ نَعْيِ الْمَيِّتِ، بَلْ كَانَ يَنْهَى عَنْهُ وَيَقُولُ: هُوَ مِنْ عَمَلِ الْجَاهِلِيَّةِ، وَقَدْ كَرِهَ حُذيفة أَنْ يُعْلِمَ بِهِ أَهْلُهُ النَّاسَ إِذَا مَاتَ، وَقَالَ: "أَخَافُ أَنْ يَكُونَ مِنَ النَّعْيِ".

الشيخ: النَّعي المكروه كونه يُنادي على رؤوس الأشهاد: مات فلان، أو يبعث مناديًا يُنادي في الأسواق، أو كذا، أما إخبار أقاربه ومَن حوله فلا بأس، مثلما أخبر النبيُّ ﷺ لما مات النَّجاشي، أخبرهم وصلَّى عليه عليه الصلاة والسلام، فالنَّعي هو إعلان ذلك في المنارات، أو بعث رسل، أو سيارات تنعاه، أو ما أشبه ذلك، أما إخبار مَن حوله من الجيران أو الأقارب؛ حتى يحضروه لا بأس.

..........

فَصْلٌ

وَكَانَ مِنْ هَدْيِهِ ﷺ فِي صَلَاةِ الْخَوْفِ أَنْ أَبَاحَ اللَّهُ قَصْرَ أَرْكَانِ الصَّلَاةِ وَعَدَدِهَا إِذَا اجْتَمَعَ الْخَوْفُ وَالسَّفَرُ، وَقَصْرُ الْعَدَدِ وَحْدَهُ إِذَا كَانَ سَفَرٌ لَا خَوْفَ مَعَهُ، وَقَصْرُ الْأَرْكَانِ وَحْدَهَا إِذَا كَانَ خَوْفٌ لَا سَفَرَ مَعَهُ، وَهَذَا كَانَ مِنْ هَدْيِهِ ﷺ، وَبِهِ تُعْلَمُ الْحِكْمَةُ فِي تَقْيِيدِ الْقَصْرِ فِي الْآيَةِ بِالضَّرْبِ فِي الْأَرْضِ وَالْخَوْفِ.

وَكَانَ مِنْ هَدْيِهِ ﷺ فِي صَلَاةِ الْخَوْفِ إِذَا كَانَ الْعَدُوُّ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْقِبْلَةِ: أَنْ يَصُفَّ الْمُسْلِمِينَ كُلَّهُمْ خَلْفَهُ، وَيُكَبِّرَ وَيُكَبِّرُونَ جَمِيعًا، ثُمَّ يَرْكَع فَيَرْكَعُونَ جَمِيعًا، ثُمَّ يَرْفَع وَيَرْفَعُونَ جَمِيعًا مَعَهُ، ثُمَّ يَنْحَدِر بِالسُّجُودِ وَالصَّفُّ الَّذِي يَلِيهِ خَاصَّةً، وَيَقُوم الصَّفُّ الْمُؤَخَّرُ مُوَاجِهَ الْعَدُوِّ، فَإِذَا فَرَغَ مِنَ الرَّكْعَةِ الْأُولَى، وَنَهَضَ إِلَى الثَّانِيَةِ، سَجَدَ الصَّفُّ الْمُؤَخَّرُ بَعْدَ قِيَامِهِ سَجْدَتَيْنِ، ثُمَّ قَامُوا، فَتَقَدَّمُوا إِلَى مَكَانِ الصَّفِّ الْأَوَّلِ، وَتَأَخَّرَ الصَّفُّ الْأَوَّلُ مَكَانَهُمْ؛ لِتَحْصُلَ فَضِيلَةُ الصَّفِّ الْأَوَّلِ لِلطَّائِفَتَيْنِ، وَلِيُدْرِكَ الصَّفّ الثَّانِي مَعَ النَّبِيِّ ﷺ السَّجْدَتَيْنِ فِي الرَّكْعَةِ الثَّانِيَةِ، كَمَا أَدْرَكَ الْأَوَّلُ مَعَهُ السَّجْدَتَيْنِ فِي الْأُولَى، فَتَسْتَوِي الطَّائِفَتَانِ فِيمَا أَدْرَكُوا مَعَهُ، وَفِيمَا قَضَوْا لِأَنْفُسِهِمْ، وَذَلِكَ غَايَةُ الْعَدْلِ، فَإِذَا رَكَعَ صَنَعَ الطَّائِفَتَانِ كَمَا صَنَعُوا أَوَّلَ مَرَّةٍ، فَإِذَا جَلَسَ لِلتَّشَهُّدِ سَجَدَ الصَّفُّ الْمُؤَخَّرُ سَجْدَتَيْنِ، وَلَحِقُوهُ فِي التَّشَهُّدِ، فَيُسَلِّمُ بِهِمْ جَمِيعًا.

الشيخ: هذا صحَّت به الأخبار عن رسول الله ﷺ من حديث جابرٍ وغيره، إذا كان العدو في جهة القبلة وتمكَّنوا أن يُصلوا صلّوا هكذا، صفُّوا صفوفًا، إذا كانت الأرضُ واسعةً صفُّوا صفَّين أو أكثر من ذلك، فيُصلي معه الجميعُ قائمين وراكعين، فإذا سجد سجد الصفُّ الأول معه، وقام الصفُّ الذي وراءه ينظر العدو، ويُراقب العدو كالحارس؛ حتى لا يهجم العدو وهم في السجود، فإذا قام الأوَّلون من السَّجدتين صلَّى الصفُّ الذي بعدهم؛ لأن الأولين صاروا ينظرون العدو الآن، ولا خطرَ من هجوهم عليهم؛ لأنهم ينظرون إليه، وهكذا حتى تنتهي الصلاةُ. هذا نوعٌ من أنواع صلاة الخوف.

وقول المؤلف: أنَّ الصلاة تُقصر أركانها وعملها في السفر إذا كان مع الخوف، وعملها في السفر إذا ما كان من أجل الخوف دون أركانها، وأركانها في الخوف إذا كان ما هناك سفر، هذا التَّفصيل ليس بظاهرٍ من النصوص فيما يتعلق بالأركان، والخوف كان شرطًا، ثم تصدَّق اللهُ على العباد فلم يجعله شرطًا في القصر؛ لأنَّ الله قال سبحانه: وَإِذَا ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلَاةِ إِنْ خِفْتُمْ أَنْ يَفْتِنَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا [النساء:101]، فسأله عمر عن ذلك، فقال: هي صدقة من الله، فدلَّ ذلك على أنَّ القصر مشروع في السَّفر، سواء كان هناك خوفٌ، أو ليس بخوفٍ؛ ولهذا قصر النبيُّ ﷺ في حجّة الوداع وليس هناك خوفٌ، إنما هو سفر، والخوف بدون السَّفر تُصلَّى الصلاة على حالها.

ويمكن أن يُقال في هذا ..... رحمه الله أنه إذا اشتدَّ الخوفُ ولو في الحضر جاز أن تُصلَّى ركعة، كما في الحديث ..... ركعةً، ولكن هذا ليس ظاهرًا في سياقه، إنما قصر الأركان ليس بقصر العدد، وهو إنما ذكر قصر الأركان في الخوف.

قصر الأركان: تخفيف الركوع، تخفيف السجود، تخفيف الجلسة بين السَّجدتين، هذا ..... فيه شيء من الأدلة، إنما الوارد قصر العدد؛ فإنه صلَّى أنواعًا من صلاة الخوف: صلَّى ركعتين، بكل طائفةٍ صلَّى ركعةً، ثم قضت لنفسها، وصلَّى ركعتين، وصلَّت كلُّ واحدةٍ ركعةً، ثم قضت لنفسها، ..... ركعة، فهذا قصر العدد، يُسمَّى: قصر العدد، وليس بقصر الأركان، فينظر: هل ورد شيءٌ في قصر الأركان؟ لا أعلم شيئًا ورد في قصر الأركان، ما علَّق المحشي؟

...........

س: صفته إذا قصر الأركان؟

ج: ما أعلم في ذلك، يعني: يُخففها، يعني: يُخفف الركوع والسُّجود، لكن ما أعلم فيه شيئًا من الأدلة، والواقع معروف، كل حروبه ﷺ كانت في السَّفر إلا حرب الخندق، وحرب الخندق لم يُروَ فيها أنه قصر العدد، ولا قصر الأركان، صلَّى أربعًا، والخندق كان بالمدينة، صلوا أربعًا، إنما الذي وقع في قصر العدد في السَّفر: صلَّى ركعتين، وصلَّى ركعةً، أو صلَّى أربعًا: ركعتين لكل طائفةٍ، فصارت الرَّكعتان الأوليان له فرضًا، والأُخريان له نافلةً، وهي لأصحابه فرض في ..... الصِّفات، في إحدى الصِّفات صلَّى أربعًا هو، وصلَّت كلُّ طائفةٍ ركعتين ..... كما صلَّى معاذٌ بأصحابه نافلةً بعلمه ﷺ.

...........

الشيخ: ما هو بلازمٍ، لكن إذا دعت الحاجةُ إلى ذلك يمكن، لكن لا نعلم نصًّا في هذا أنه قصر الأركان، فالطُّمأنينة لا بدَّ منها في الحضر والسفر والخوف والأمان.

س: إذا كان الخوفُ في البلد؟

ج: يُصلي الصلاة على حالها، لكن على وجهٍ لا يدخل فيه الطول الذي يضرّ الجماعة .....

س: قصة عبدالرحمن بن عوف لما طُعن عمر فصلَّى بهم صلاةً خفيفةً؟

ج: لا يلزم منها قصر الأركان، هذا يُسمَّى: تخفيفًا، والأركان لا بدَّ منها.

س: .............؟

ج: يقضونها مثلما فعل يوم الخندق، وصلَّى العصر بعد المغرب عند الضَّرورة، لما ما تمكَّنوا صلَّاها بعد المغرب، لكن الخوف الشَّديد عند المسايفة يُصلونها رجالًا أو رُكبانًا، كما في الآية: فَإِنْ خِفْتُمْ فَرِجَالًا أَوْ رُكْبَانًا [البقرة:239].

..............

وَإِنْ كَانَ الْعَدُوُّ فِي غَيْرِ جِهَةِ الْقِبْلَةِ، فَإِنَّهُ كَانَ تَارَةً يَجْعَلُهُمْ فِرْقَتَيْنِ: فِرْقَةً بِإِزَاءِ الْعَدُوِّ، وَفِرْقَةً تُصَلِّي مَعَهُ، فَتُصَلِّي مَعَهُ إِحْدَى الْفِرْقَتَيْنِ رَكْعَةً، ثُمَّ تَنْصَرِفُ فِي صَلَاتِهَا إِلَى مَكَانِ الْفِرْقَةِ الْأُخْرَى، وَتَجِيءُ الْأُخْرَى إِلَى مَكَانِ هَذِهِ فَتُصَلِّي مَعَهُ الرَّكْعَةَ الثَّانِيَةَ، ثُمَّ تُسَلِّمُ، وَتَقْضِي كُلُّ طَائِفَةٍ رَكْعَةً رَكْعَةً بَعْدَ سَلَامِ الْإِمَامِ.

وَتَارَةً كَانَ يُصَلِّي بِإِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ رَكْعَةً، ثُمَّ يَقُومُ إِلَى الثَّانِيَةِ، وَتَقْضِي هِيَ رَكْعَةً وَهُوَ وَاقِفٌ، وَتُسَلِّمُ قَبْلَ رُكُوعِهِ، وَتَأْتِي الطَّائِفَةُ الْأُخْرَى فَتُصَلِّي مَعَهُ الرَّكْعَةَ الثَّانِيَةَ، فَإِذَا جَلَسَ فِي التَّشَهُّدِ قَامَتْ فَقَضَتْ رَكْعَةً وَهُوَ يَنْتَظِرُهَا فِي التَّشَهُّدِ، فَإِذَا تَشَهَّدَتْ يُسَلِّمُ بِهِمْ.

وَتَارَةً كَانَ يُصَلِّي بِإِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ رَكْعَتَيْنِ، فَتُسَلِّمُ قَبْلَهُ، وَتَأْتِي الطَّائِفَةُ الْأُخْرَى، فَيُصَلِّي بِهِمُ الرَّكْعَتَيْنِ الْأَخِيرَتَيْنِ، وَيُسَلِّمُ بِهِمْ، فَتَكُونُ لَهُ أَرْبَعًا، وَلَهُمْ رَكْعَتَيْنِ رَكْعَتَيْنِ.

وَتَارَةً كَانَ يُصَلِّي بِإِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ رَكْعَتَيْنِ وَيُسَلِّمُ بِهِمْ، وَتَأْتِي الْأُخْرَى فَيُصَلِّي بِهِمْ رَكْعَتَيْنِ وَيُسَلِّمُ، فَيَكُونُ قَدْ صَلَّى بِهِمْ بِكُلِّ طَائِفَةٍ صَلَاةً.

وَتَارَةً كَانَ يُصَلِّي بِإِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ رَكْعَةً، فَتَذْهَبُ وَلَا تَقْضِي شَيْئًا، وَتَجِيءُ الْأُخْرَى فَيُصَلِّي بِهِمْ رَكْعَةً، وَلَا تَقْضِي شَيْئًا، فَيَكُونُ لَهُ رَكْعَتَانِ، وَلَهُمْ رَكْعَةٌ رَكْعَةٌ.

وَهَذِهِ الْأَوْجُهُ كُلُّهَا تَجُوزُ الصَّلَاةُ بِهَا.

قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: كُلُّ حَدِيثٍ يُرْوَى فِي أَبْوَابِ صَلَاةِ الْخَوْفِ فَالْعَمَلُ بِهِ جَائِزٌ.

الشيخ: يعني: يُروى على وجهٍ صحيحٍ، كل حديثٍ يُروى، يعني: على وجهٍ صحيحٍ.

وَقَالَ: سِتَّةُ أَوْجُهٍ أَوْ سَبْعَةٌ تُرْوَى فِيهَا، كُلُّهَا جَائِزَةٌ.

وَقَالَ الأثرمُ: قُلْتُ لأبي عبدالله: تَقُولُ بِالْأَحَادِيثِ كُلِّهَا، كُلِّ حَدِيثٍ فِي مَوْضِعِهِ، أَوْ تَخْتَارُ وَاحِدًا مِنْهَا؟

قَالَ: أَنَا أَقُولُ: مَنْ ذَهَبَ إِلَيْهَا كُلِّهَا فَحَسَنٌ.

وَظَاهِرُ هَذَا أَنَّهُ جَوَّزَ أَنْ تُصَلِّيَ كُلُّ طَائِفَةٍ مَعَهُ رَكْعَةً رَكْعَةً، وَلَا تَقْضِي شَيْئًا، وَهَذَا مَذْهَبُ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَجَابِرِ بْنِ عَبْدِاللَّهِ، وطاووس، ومجاهد، والحسن، وقتادة، والحكم، وَإِسْحَاقَ بْنِ رَاهَوَيْهِ.

قَالَ صَاحِبُ "الْمُغْنِي": وَعُمُومُ كَلَامِ أحمد يَقْتَضِي جَوَازَ ذَلِكَ، وَأَصْحَابُنَا يُنْكِرُونَهُ.

الشيخ: والصواب ما قاله أحمد، الحديث ثابت في ذلك، ثبت في ذلك أنه صلَّى بكل طائفةٍ ركعةً ركعةً، وقال: الصلاة خلفي ركعة، فهذا واضحٌ في الدلالة.

وَقَدْ رُوِيَ عَنْهُ ﷺ فِي صَلَاةِ الْخَوْفِ صِفَاتٌ أُخَرُ تَرْجِعُ كُلُّهَا إِلَى هَذِهِ، وَهَذِهِ أُصُولُهَا، وَرُبَّمَا اخْتَلَفَ بَعْضُ أَلْفَاظِهَا، وَقَدْ ذَكَرَهَا بَعْضُهُمْ عَشْرَ صِفَاتٍ، وَذَكَرَهَا أَبُو مُحَمَّدِ ابْنُ حَزْمٍ نَحْوَ خَمْسَ عَشْرَةَ صِفَةً، وَالصَّحِيحُ مَا ذَكَرْنَاهُ أَوَّلًا، وَهَؤُلَاءِ كُلَّمَا رَأَوُا اخْتِلَافَ الرُّوَاةِ فِي قِصَّةٍ جَعَلُوا ذَلِكَ وُجُوهًا مِنْ فِعْلِ النَّبِيِّ ﷺ، وَإِنَّمَا هُوَ مِنِ اخْتِلَافِ الرُّوَاةِ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

الشيخ: ذكر صفةً ما أذكرها الآن، لكن تحتاج إلى التَّدبر، وهي كونه صلَّى أربعًا ولم يُسلم بعد الثِّنتين، صلَّى أربعًا: ثنتين بواحدةٍ، وثنتين بواحدةٍ، المعروف أنه سلَّم من الثِّنتين، ثم صلَّى بالطائفة الأخرى ثنتين مُستقلتين نافلةً له.

الطالب: علَّق على هذا: وتارةً كان يُصلي بإحدى الطَّائفتين ركعتين ويُسلم بهم، وتأتي الأخرى ويُصلي بهم ركعتين ويُسلم، فيكون قد صلَّى بهم بكل طائفةٍ صلاةً. أخرجه النَّسائي والدَّارقطني والبيهقي من حديث جابرٍ ، ورجاله ثقات.

............

الطالب: هذا متنه يا شيخ؟

الشيخ: الذي صلَّى بهم ولا سلَّم.

الطالب: وتارةً كان يُصلي بإحدى الطائفتين ركعتين، فتُسلم قبله، وتأتي الطائفةُ الأخرى فيُصلي بهم الركعتين الأخيرتين ويُسلم بهم، فتكون له أربعًا، ولهم ركعتين ركعتين، هذا ..؟

الشيخ: نعم.

الطالب: أخرجه البخاري في "المغازي" باب "غزوة ذات الرقاع" تعليقًا، وأخرجه مسلم في "صلاة المسافرين" باب "صلاة الخوف" موصولًا، وهو في مسند ..... من حديث جابر بن عبدالله قال: أقبلنا مع رسول الله ﷺ حتى إذا كنا بذات الرقاع قال: كنا إذا أتينا على شجرةٍ ظليلةٍ تركناها لرسول الله ﷺ، فجاء رجلٌ من المشركين وسيف رسول الله ﷺ مُعلَّق بشجرةٍ، فأخذ سيفَ نبي الله ﷺ فاخترطه، فقال لرسول الله ﷺ: أتخافني؟ قال: لا، قال: فمَن يمنعك مني؟ قال: الله يمنعني منك، قال: ..... أصحاب رسول الله ﷺ، فأخمد السَّيف وعلَّقه، قال: فنُودي بالصلاة، فصلَّى بطائفةٍ ركعتين، ثم تأخَّروا، فصلَّى بالطائفة الأخرى ركعتين، قال: فكانت لرسول الله ﷺ أربع ركعاتٍ، وللقوم ركعتان.

الشيخ: أيش بعده في الحاشية؟

الطالب: وتارةً كان يُصلي بإحدى الطَّائفتين ركعتين ويُسلم بهم، وتأتي الأخرى فيُصلي بهم ركعتين ويُسلم، فيكون قد صلَّى بهم بكل طائفةٍ صلاةً. أخرجه النَّسائي، والدَّارقطني، والبيهقي، من حديث جابر بن عبدالله ، ورجاله ثقات، إلا أنَّ فيه عنعنةَ الحسن.

الشيخ: يحتاج إلى تأمُّلٍ: هل هي صفتان أو صفة واحدة؟

س: هل هناك صفة أفضل من الأخرى في صلاة الخوف؟

ج: محل نظرٍ، والظاهر أنه يرجع إلى اجتهاد الإمام، إلا إذا كانوا إلى القبلة فالصِّفة واحدة، إذا كانوا في القبلة مثلما تقدم في حديث جابر في "الصحيحين" يُصلون جميعًا، ويسجد الأول قبل سجود الثاني، أما إذا كانت إلى غير جهة القبلة فهو محل الاجتهاد.

س: ..............؟

ج: الأقرب إلى ظاهر القرآن الصفة التي فعلها النبيُّ ﷺ في الطَّائفتين: صلَّى بهذه ركعة، وبهذه ركعة، سواء قضت بالحال، أو تأخَّر قضاؤها، فإنه ظاهر القرآن الكريم.

س: ..............؟

ج: نعم، أمير الجيش –يعني- إذا كان أهلًا لذلك، وإلا يستنيب.

...........

س: لما صلَّى بهم النبيُّ ركعةً هل معنى هذا أنهم أتمُّوا لأنفسهم، أو بقوا على ركعةٍ واحدةٍ؟

ج: أنواع كما سمعت، في بعضها أتمُّوا، وفي بعضها اكتفوا بواحدةٍ.