2- من حديث (حج عن أبيك واعتمر)

714- وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا: أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ لَقِيَ رَكْبًا بِالرَّوْحَاءِ فَقَالَ: مَنِ الْقَوْمُ؟ فقَالُوا: الْمُسْلِمُونَ، وقَالُوا: مَنْ أَنْتَ؟ فقَالَ: رَسُولُ اللَّهِ، فَرَفَعَتْ إِلَيْهِ امْرَأَةٌ صَبِيًّا فَقَالَتْ: أَلِهَذَا حَجٌّ؟ قَالَ: نَعَمْ، وَلَكِ أَجْرٌ. رَوَاهُ مُسْلِمٌ.

715- وَعَنْهُ قَالَ: كَانَ الْفَضْلُ بْنُ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما رَدِيفَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ، فَجَاءَتِ امْرَأَةٌ مَنْ خَثْعَمَ، فَجَعَلَ الْفَضْلُ يَنْظُرُ إِلَيْهَا، وَتَنْظُرُ إِلَيْهِ، وَجَعَلَ النَّبِيُّ ﷺ يَصْرِفُ وَجْهَ الْفَضْلِ إِلَى الشِّقِّ الْآخَرِ، فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّ فَرِيضَةَ اللَّهِ عَلَى عِبَادِهِ فِي الْحَجِّ أَدْرَكَتْ أَبِي شَيْخًا كَبِيرًا لَا يَثْبُتُ عَلَى الرَّاحِلَةِ، أَفَأَحُجُّ عَنْهُ؟ قَالَ: نَعَمْ، وَذَلِكَ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ، وَاللَّفْظُ لِلْبُخَارِيِّ.

716– وَعَنْهُ : أَنَّ امْرَأَةً مِنْ جُهَيْنَةَ جَاءَتْ إِلَى النَّبِيِّ ﷺ فَقَالَتْ: إِنَّ أُمِّي نَذَرَتْ أَنْ تَحُجَّ، فَلَمْ تَحُجَّ حَتَّى مَاتَتْ، أَفَأَحُجُّ عَنْهَا؟ قَالَ: نَعَمْ، حُجِّي عَنْهَا، أَرَأَيْتِ لَوْ كَانَ عَلَى أُمِّكِ دَيْنٌ، أَكُنْتِ قَاضِيَتَهُ؟ اقْضُوا اللَّهَ، فَاللَّهُ أَحَقُّ بِالْوَفَاءِ. رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ.

الشيخ: الحمد لله، وصلى الله وسلم على رسول الله، وعلى آله وأصحابه ومَن اهتدى بهداه.

أما بعد: فهذه الأحاديث الثلاثة كلها تتعلق بالحجِّ: حج الصبي، والحج عن كبير السن، والحج عن الميت، وتدل الأحاديث على صحَّة الحج من الصبي الصغير، ويكون نافلةً، كما يأتي، وعلى صحَّة الحج عن الشيخ الكبير العاجز إذا حجَّ عنه ابنُه أو ابنتُه أو غيرُهما، وهكذا الحج عن الميت، إذا كان الحجُّ دَينًا، أو حجَّ فريضةٍ يحجّ عنه أيضًا.

الحديث الأول: أن النبي ﷺ لقي ركبًا من الروحاء، والروحاء: موضعٌ في طريق المدينة من مكة، لقيهم النبيُّ ﷺ هناك، فقال لهم: مَن القوم؟ يسألهم، فقالوا: نحن المسلمون، فقالوا: مَن أنتَ؟ قال: رسول الله، فرفعت إليه امرأةٌ صبيًّا فقالت: ألهذا حجٌّ؟ قال: نعم، ولكِ أجرٌ، هذا يدل على أنه لا بأس بالحجِّ عن الصبي، تحجّ عنه أمه أو أبوه، مَن يتولَّاه، الذي هو معه إذا حجَّ عنه فلا بأس، وله أجرٌ، للصبي أجرٌ، وللذي يحجّ به أجر، ولكنه نافلة.

وفيه أنه لا مانع أن يحجّ عن الصبي أمُّه أو أبوه أو غيرُهما ممن يتولى شأنه.

وفي "صحيح البخاري" عن السائب بن يزيد الكندي رضي الله عنه قال: "حُجَّ بي مع النبي ﷺ وأنا ابن سبع سنين"، وابن عباس حجَّ مع النبي ﷺ حجَّة الوداع ولم يبلغ، قال: "وقد ناهزتُ الاحتلام" يعني: لم يبلغ، فدلَّ ذلك على أنَّ حج الصبي الذي لم يبلغ لا بأس به، يكون نافلةً كما يأتي في آخر الباب: أيما صبيّ حجَّ ولم يبلغ الحنثَ فعليه أن يحجَّ حجةً أخرى، تكون نافلةً.

الحديث الثاني حديث ابن عباس: أنَّ الفضل بن عباس أخوه، وهو أكبر من عبدالله، هو أكبر أولاد العباس، وله عدة أولاد، منهم: عبدالله وقثم، وكثير، هم جماعة، والفضل أكبرهم، كان يُكنى: بأبي الفضل، يُقال للعباس: أبا الفضل، كان ردف النبيِّ ﷺ في حجَّة الوداع من مُزدلفة إلى منى، فسألته امرأةٌ فقالت: إنَّ أبي شيخٌ كبيرٌ. وتنظر إليه، فجعل النبيُّ ﷺ يصرف وجه الفضل إلى الشقِّ الآخر، هذا فيه جواز الحجّ عن الشيخ الكبير العاجز، لا بأس أن يحجَّ عنه ابنُه أو ابنتُه؛ لأنه كالميت عاجز، فيُحجّ عنه.

ومثل حديث أبي رزين العقيلي قال: قلتُ: يا رسول الله، إنَّ أبي شيخٌ كبيرٌ لا يستطيع الحجَّ ولا الظعنَ، أفأحج عنه؟ قال: حُجَّ عن أبيك واعتمر.

وفي هذا أنَّ ولي الشاب يُلاحظه عن الوقوع فيما لا ينبغي؛ ولهذا جاء عن النبي ﷺ أنه يصرف وجهَ الفضل إلى الشقِّ الآخر؛ لئلا يُفتن بها.

قال بعضُهم: هذا دليلٌ على أنها كانت سافرةً، وأنه لا بأس بالسُّفور في الحجِّ.

ومن حديث ابن عمر: قال رسولُ الله ﷺ: لا تنتقب المرأةُ، ولا تلبس القُفَّازين يعني: في الإحرام، قالوا: هذا يدل على جواز السّفور في الإحرام، وأنها لا تستر وجهها، لا بالنقاب، ولا بغيره.

وقال آخرون: إنما يحرم النِّقاب، وهو اللباس المخصوص بالوجه، الذي يكون فيه نقبان للعينين، أو نقبٌ واحدٌ للعينين، أما ستره بشيءٍ آخر عن الفتنة فلا حرج؛ لقول عائشة: "كنا مع النبي ﷺ حُجَّاجًا في حجَّة الوداع، وكنا إذا دنا منا الركبان سدلت إحدانا جلبابها -أو قالت: خمارها- على وجهها، فإذا بعدوا كشفناه".

يُحتمل أنَّ المرأة هذه جعلت تنظر إليه مع كونها مُختمرة، وخاف النبيُّ ﷺ عليهما من هذه المقابلة: من نصبها وجهها إليه، ونصب وجهه إليها ينظر ويسمع صوتها، يحتمل هذا، ويحتمل أنها كانت سافرةً، ولكن ثبت بنصِّ القرآن قوله جلَّ وعلا: وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعًا فَاسْأَلُوهُنَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ [الأحزاب:53]، والعمل بحديث عائشة أوضح وأحوط، وحديث الفضل محتمل، وحديث عائشة في ستر المرأة لغير النقاب أولى؛ لأنه موافقٌ لظاهر القرآن، وفيه حيطة لمنع أسباب الفتنة.

وحديث ابن عباس الثالث: يدل على أن المرأة إذا كان عليها دَينٌ واجبٌ أو الرجل يُحَجُّ عنه: أن أمها نذرت أن تحجَّ، فلم تحج حتى ماتت، فقال: حُجِّي عن أمك، أرأيتِ لو كان عليها دَيْنٌ، أكُنْتِ قاضيته؟ اقضوا الله، فالله أحق بالوفاء، هذا يدل على أن الدَّين إذا كان حجًّا أو عمرةً يُقضى، كالدراهم والدَّنانير، والحج فريضة، يحج عنه.

وفَّق الله الجميع.

 

الأسئلة:

س: إذا كان نذر على نفسه الحجَّ ولم يوجد ... هل يكون القضاء استحبابًا أم وجوبًا؟

ج: إن تيسر للورثة أن يعطوا عنه فلا مانع، مثل: الدَّين، إن قضوا عنه جزاهم الله خيرًا، مثلما يقضون عنه دَينه من المال، إذا سمحوا، وإلا ما يلزمهم إذا كان ما رضي الورثة ..

س: إذا كان النائبُ عمَّن نذر الحجَّ في بلدٍ أخرى غير بلد النائب، أقرب من بلد النائب نفسه، هل يلزمه أن يأتي بالحج من بلد النائب؟

ج: لا، لو أتى من مكة كفى، العمدة على المجيء إلى الحجِّ، لو أنَّ إنسانًا حيٌّ موجودٌ عليه الحج، فرض عليه، وتوجه إلى مكة للتِّجارة، فصادفه الحج وهو في مكة، ما نوى الحج، ألا يلزمه الحجّ في مكة؟

الطالب: بلى.

ج: فلا يحتاج إلى أن يرجع إلى بلده، المهم أنه يُحرم بالحج والحمد لله.

س: حديث جابر: "حججنا مع الرسول ﷺ، لبَّيْنَا عن الصبيان، ورمينا عنهم"، هل يصحّ هذا الحديث؟

ج: في سنده بعض المقال، لكن الرمي عن الصبيان وعن العاجزين لا بأس به؛ لأنَّ الصحابة رموا عن الصبيان، وهكذا المرأة العاجزة، والرجل العاجز يُرمى عنهم.

س: الحج عن الميت ولو كان يعني مُتساهلًا، ما كان ينوي الحجَّ مثلًا؟

ج: ولو، إذا كان مسلمًا يُحجّ عنه، أما إذا كان كافرًا فلا.

س: بالنسبة للصبي: هل يُشترط أن يكون مُميزًا؟

ج: لا، ما هو بشرطٍ، ولو ما هو مميزٌ، يطوف به وليُّه، ويسعى به وليه، ويرمي عنه، وهكذا.

س: إذا كان وليُّه في منتصف الحج توقّف.

ج: لا، ما يتوقّف، يلزمه، ما دام أحرم عنه يلزمه أن يُكمل، هو الذي أدخل نفسه، ما دام أحرم عنه يلزمه أن يُكمل.

س: هل تُشترط نية الصبي؟

ج: إذا كان دون السابعة ما له نية، أما إذا كان فوق ينوي، يقول له ينوي، والصبي هو الذي يُحرم.

س: نيَّة الولي؟

ج: يُعلمه الولي، يُعلمه ويقول: أحرم بكذا، سَوِّ كذا، وافعل كذا، يكون هو المسؤول -الصبي.

س: بالنسبة للمرأة المسلمة البالغة إذا كشفت وجهها، هل كشف وجهها حرامٌ عليها؟

ج: الأحوط تغطيته خروجًا من الخلاف، تُغطيه بغير النِّقاب: بخمارٍ، بجلبابٍ، لا تُغطيه بشيءٍ مصنوع للوجه.

س: إذا كشفت تأثم؟

ج: يُخشى عليها من الإثم إذا كشفته في الحجِّ يعني، أما في غير الحجِّ فيلزمها الحجاب.

س: الصبي إذا فاته المبيتُ في مُزدلفة هل عليه هديٌ؟

ج: ... ما دام دخل فيه.

س: على ولي أمره أو عليه هو؟

ج: ... عند العلماء أنَّ ولي أمره الذي أدخله في الحج، وإن أخرج من ماله فلا بأس إن شاء الله.

س: ولو كان يتيمًا؟

ج: ولو كان يتيمًا؛ لأنه من مصلحته، الأجر له، لكن إذا أخرج الوليُّ من ماله يكون أحوط؛ لأنه الذي أدخله في الحجِّ.

س: بالنسبة للقادمين من السودان: بعض العلماء يُفتونهم بأن ميقاتهم جدة؟

ج: على حسب الطريق، إن كان طريقُهم يمرّ من ميقات الجحفة لزمهم أن يُحاذوا الجحفة، وإن كان طريقُهم ما يمرّ من الجحفة فأول ميقاتٍ يأتيه جدة، أحرم من جدة.

س: ..............؟

ج: لا، كونه صلحه للوجه مثلما يمنع القفاز على اليد، وتُغطى اليد بغير القفاز، ويُغطى البدن بالرداء والإزار، ولا يُغطى بالفانلة، ولا يُغطى بالسراويل، ... في حقِّ المحرم، أما لو غطَّى بدنه بالرداء والإزار فهذا هو المأمور به، وهكذا المرأة تُغطي يديها ووجهها بغير قفازين وبغير النقاب، ولا تُغطيهما بالنقاب، ولا بالقفازين، المخيط الذي يصلح هو الممنوع، فإذا غطَّت يديها بجلبابها ووجهها بجلبابها فلا حرج، وهكذا الرجل إذا غطَّى يديه وبدنه بلحافٍ تلحَّف به عليه من البرد أو بالرداء فلا بأس، لكن لا يُغطِّي رأسه، ممنوع.

س: هل يجوز للمرأة لبس الشّراب؟

ج: لا بأس، المرأة ما هي ممنوعة، ممنوعة في يديها فقط القفازين، أما أن تلبس مثل الشراب أو الخفّ للمرأة لا بأس.

س: إذا كان الشابُّ قادرًا على أن يحجَّ، وأخَّر الحجَّ إلى أن يتزوج أو يكبر في السن، هل يأثم أحسن الله إليك؟

ج: يأثم، إذا استطاع يأثم، إذا بلغ وهو يستطيع يأثم، يجب عليه البدار، مَن يضمن؟ قد يموت قبل ذلك: وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا [آل عمران:97]، إذا بلغ وجب عليه الحج.

س: المرأة في أعمال الحج يا شيخ قد تستعمل أشياء بيدها، وتكشف عن يدها، تستعمل القفازين للضَّرورة؟

ج: تُغطيها بغير القفازين.

س: تعمل الحجّ، قد تعمل بيديها؟

ج: تُغطيها بغير القفازين.

س: لو لبست في يديها كيسًا؟

ج: أعظم من القفازين.

س: مثل الرمي لا بد من ..؟

ج: بعض أهل العلم يرى أنها ما هي عورة -اليد للرمي- ولكن إذا غطَّتها بشيءٍ عند الرمي فحسنٌ، وإلا فلا حرج إن شاء الله.

س: القف الذي تلبسه النساء؟

ج: هذا يُسمَّى: خمارًا.

س: تشدّ حول الرأس هل هذه؟

ج: هذا يُسمَّى: الخمار، لا بأس، لا بأس.

س: مثل النِّقاب يعني؟

ج: لا، ما هو مثل النقاب، لا بأس، النقاب: خرقة تُصنع للوجه، ويكون فيه نقبٌ أو نقبان للعين على مقدار الوجه، يُسمونها: برقع: الآن بعضُهم يُسميه: برقعًا.

س: مَن جاء إلى جدة ميقاتًا خاصةً ..؟

ج: ميقاتًا لأهلها، لا، ما هي ميقات للناس.

س: مطلقًا؟

ج: ميقاتٌ لأهلها فقط، سُكَّانها، والمقيم فيها.

س: ........... بعض القادرين من خارج المملكة، وإذا وصلوا جدة يقولون لهم: اجلسوا ثلاثة أيام في جدة، ثم نُحرم من الميقات؟

ج: يلزمهم أن يعودوا إلى الميقات، ويُحرمون من الميقات وهم جاؤون للحج والعمرة، يلزمهم أن يعودوا ليُحرموا من الميقات، لا يجوز لهم جواز الميقات، الرسول ﷺ قال: هنَّ لهنَّ ولمن أتى عليهنَّ من غير أهلهنَّ لمن أراد الحجَّ أو العمرة، لا بدّ إن مرُّوا من الميقات وهم قاصدون الحجَّ أو العمرة أن يُحرموا منه، فإن تجاوزوه يعودوا له، فإن أبوا ولم يعودوا لزمهم دمٌ.

 

717– وَعَن ابن عباسٍ رضي الله عنهما قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: أَيُّمَا صَبِيٍّ حَجَّ، ثُمَّ بَلَغَ الْحِنْثَ، فَعَلَيْهِ أَنْ يَحُجَّ حَجَّةً أُخْرَى، وَأَيُّمَا عَبْدٍ حَجَّ، ثُمَّ أُعْتِقَ، فَعَلَيْهِ أَنْ يَحُجَّ حَجَّةً أُخْرَى.

رَوَاهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ، وَالْبَيْهَقِيُّ، وَرِجَالُهُ ثِقَاتٌ، إِلَّا أَنَّهُ اخْتُلِفَ فِي رَفْعِهِ، وَالْمَحْفُوظُ أَنَّهُ مَوْقُوفٌ.

718– وَعَنْهُ : سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ يَخْطُبُ يَقُولُ: لَا يَخْلُوَنَّ رَجُلٌ بِامْرَأَةٍ إِلَّا وَمَعَهَا ذُو مَحْرَمٍ، وَلَا تُسَافِرُ الْمَرْأَةُ إِلَّا مَعَ ذِي مَحْرَمٍ، فَقَامَ رَجُلٌ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّ امْرَأَتِي خَرَجَتْ حَاجَّةً، وَإِنِّي اكْتُتِبْتُ فِي غَزْوَةِ كَذَا وَكَذَا، فقَالَ: انْطَلِقْ، فَحُجَّ مَعَ امْرَأَتِكَ. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ، وَاللَّفْظُ لِمُسْلِمٍ.

719– وَعَنْهُ : أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ سَمِعَ رَجُلًا يَقُولُ: لَبَّيْكَ عَنْ شُبْرُمَةَ، قَالَ: مَنْ شُبْرُمَةُ؟ قَالَ: أَخٌ لِي، أَوْ: قَرِيبٌ لِي، فقَالَ: حَجَجْتَ عَنْ نَفْسِكَ؟ قَالَ: لَا، قَالَ: حُجَّ عَنْ نَفْسِكَ، ثُمَّ حُجَّ عَنْ شُبْرُمَةَ.

رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ، وَابْنُ مَاجَهْ، وَصَحَّحَهُ ابْنُ حِبَّانَ، وَالرَّاجِحُ عِنْدَ أَحْمَدَ وَقْفُهُ.

720- وَعَنْهُ قَالَ: خَطَبَنَا رَسُولُ اللَّهِ ﷺ فَقَالَ: إِنَّ اللَّهَ كَتَبَ عَلَيْكُمُ الْحَجَّ، فَقَامَ الْأَقْرَعُ بْنُ حَابِسٍ فَقَالَ: أَفِي كُلِّ عَامٍ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: لَوْ قُلْتُهَا لَوَجَبَتْ، الْحَجُّ مَرَّة، فَمَا زَادَ فَهُوَ تَطَوُّعٌ. رَوَاهُ الْخَمْسَةُ غَيْرَ التِّرْمِذِيِّ.

721- وَأَصْلُهُ فِي مُسْلِمٍ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ.

الشيخ: الحمد لله، وصلَّى الله وسلم على رسول الله، وعلى آله وأصحابه ومَن اهتدى بهداه.

أما بعد: فهذه الأحاديث الخمسة كلها في أحكام الحج:

الحديث الأول فيما يتعلق بحجِّ الصبي والرقيق: دلَّ الحديثُ على أنَّ حجَّ الصبي والرقيق يُعتبر نافلةً، كما تقدَّم في المرأة التي قالت: ألهذا حجٌّ؟ قال: نعم، ولكِ أجرٌ، وقال السائب بن يزيد: "حجَّ بي مع النبي ﷺ وأنا ابن سبع سنين"، فالحج قبل التَّكليف يُعتبر نافلةً، فإذا بلغ الصبيُّ واستطاع وجب عليه الحجُّ، وإذا أُعتق العبد واستطاع وجب عليه الحج –الفريضة- وهذا من لطف الله ورحمته؛ لأن الصغار لم تستحمل عقولهم إدراك الأحكام والمعاني المطلوبة، ومن رحمة الله أن أسقط عنهم التَّكاليف والصلاة والحج والصيام حتى يبلغوا، والعبد في حكم غيره، منافعه مملوكة لغيره، ومن رحمة الله أن أسقط عنه تكاليف الحجِّ؛ لأنه يحتاج إلى مالٍ، ويحتاج إلى أوقاتٍ، فأسقطه عنه، بخلاف الصلاة فإنها ميسرة بحمد الله، فلهذا وجبت على الجميع، فإذا عتق واستطاع وجب عليه الحج.

والحديث الثاني حديث ابن عباس: يقول النبيُّ ﷺ: لا يخلونَّ رجلٌ بامرأةٍ إلا ومعها ذو محرمٍ، ولا تُسافر المرأةُ إلا مع ذي محرمٍ، فقال رجلٌ: يا رسول الله، إني اكتُتبتُ في غزوة كذا وكذا، وإن امرأتي خرجت حاجَّة، فقال: انطلق فحجَّ مع امرأتك، هذا يدل على أنه تحرم الخلوة بالأجنبية.

وفي "مسند أحمد" بإسنادٍ صحيحٍ عن عمر ، عن النبي ﷺ أنه قال: لا يخلونَّ رجلٌ بامرأةٍ، فإنَّ الشيطان ثالثهما، فلا تجوز الخلوة بها من الرجل غير المحرم، أما إذا كانوا ثلاثةً فأكثر فلا حرج، لا تُسمَّى: خلوة، أو معهم امرأة لا تُسمَّى: خلوة، ولهذا قال: فإنَّ الشيطان ثالثهما، وفي الحديث الصَّحيح: لا يدخلنَّ أحدُكم على مغيبةٍ إلا ومعه رجلٌ أو رجلان؛ إبعادًا للخلوة والفتنة.

وهكذا السفر: ليس لها أن تُسافر إلا مع ذي محرمٍ، لا للحجِّ، ولا لغيره.

وفي هذا أنَّ سفره معها للحج مُقدَّمٌ على غزوه في سبيل الله؛ حفاظًا عليها، وحرصًا على سلامتها.

وفي هذا الحديث إطلاق السفر، وأما ما جاء في بعض الروايات: ثلاثة أيام، يومان، يوم وليلة، فهذا اختلف بحسب الأسئلة، فقد تعددت الوقائع، وتعدد الجواب بناءً على كلام السائل وسُؤالات السائلين، والجامع للجميع السفر، ما كان يُسمَّى: سفرًا حرم عليها إلا بمحرمٍ، وما ليس بسفرٍ فلا حرج: كالانتقال من أطراف البلد إلى أطراف البلد، أو الخروج إلى السوق، أو إلى المستشفى، ما يحتاج محرمًا، إذا خرجت وحدها وهي آمنة، أو مع أخواتها، أو مع جاراتها، لا بأس، إنما المحرم يُحتاج في السفر.

الحديث الثالث: حديث أنَّ النبي ﷺ سمع رجلًا يقول: لبيك عن شبرمة، فقال له النبيُّ ﷺ: ومَن شبرمة؟ قال: أخٌ لي، أو: قريبٌ لي، قال: حججتَ عن نفسك؟ قال: لا، قال: حُجَّ عن نفسك، ثم حجَّ عن شبرمة، وفي روايةٍ: اجعل هذه عن نفسك، ثم حجَّ عن شبرمة.

والحديث اختُلف في وقفه، وهو مرفوعٌ صحيحٌ، والموقوف شاهدٌ للمرفوع؛ لأنَّ هذا لا يُقال من جهة الرأي، فالموقوف يُنسب للمرفوع، فليس لأحدٍ أن يحجَّ عن الغير حتى يحجَّ عن نفسه؛ لأنَّ الله قال: وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا [آل عمران:97]، يبدأ بنفسه، ثم إذا أراد أن يحجَّ عن أبيه أو غيره فلا بأس بعد ذلك.

وفي حديث ابن عباس الأخير يقول ﷺ: إنَّ الله كتب عليكم الحجَّ فحجُّوا، وفي حديث أبي هريرة عند مسلم: إنَّ الله أوجب عليكم الحجَّ فحجُّوا فقيل: يا رسول الله، أفي كل عامٍ؟ قال: لو قلتُها لوجبت، الحج مرة، وما زاد فهو تطوع، هذا من لطف الله، ومن رحمة الله، لما كان الحجُّ يحتاج إلى مؤنةٍ، وإلى كُلفةٍ، وإلى قطع مسافات، قد يكون الإنسانُ في بلادٍ بعيدةٍ، فمن رحمة الله أن جعله فرضًا في العمر، مرةً واحدةً في العمر، بخلاف الصلاة والزكاة والصيام، فإنَّ الصلاة تتكرر في اليوم خمس مرات، في اليوم والليلة، والزكاة في كل عامٍ، والصوم في كل عامٍ، أما الحج فمرة في العمر، ولو عمَّر ألف عامٍ فليس عليه إلا حجّة واحدة، والباقي تطوع، وهذا من لطفه وإحسانه وجوده وكرمه على عباده؛ أن خفَّف عنهم ويسَّر سبحانه وتعالى.

وفَّق الله الجميع.

 

الأسئلة:

س: شرط المُحرم للمرأة في الحج للوجوب؟

ج: نعم، لا يجب عليها الحج إلا بمحرم، ولا يجوز لها السفر إلا بذلك.

س: يعني: شرطًا للوجوب أو شرطًا للأداء؟

ج: شرطًا للوجوب.

س: لو جمعوا مجموعةً من الخادمات في سيارةٍ واحدةٍ، ويذهبون بهنَّ إلى الحج، هل يأثمون أحسن الله إليك؟

ج: الصواب أنهم يأثمون إلا بمحرمٍ، ما عليهنَّ حجٌّ، بعض الفقهاء رخَّص إذا كانوا جماعةً مأمونين، ولكن ما عليه دليل.

س: يأثم الكثير؟

ج: هذا الظَّاهر.

س: الحديث الأخير ألا يدل على عدم وجوب العمرة؟

ج: الأدلة تتنوع، الحج والعمرة لها أدلتها.

س: ما الدليل على أنَّ وجود امرأةٍ ثالثةٍ لا يُسقط الخلوة وهنَّ كلهنَّ نساء؟

ج: فإنَّ الشيطان ثالثهما، فإذا صارت معهما امرأةٌ أخرى صار رابعًا، ما صار ثالثًا؛ يعني: الغالب أنها تزول الشُّبهة، قد تكون الواحدةُ قد يُسِرُّ إليها ويطلب منها، فإذا كانوا ثلاثةً زالت التُّهمة.

س: ...........؟

ج: لا، أنت عندك في بيتٍ زوجةُ أخيك، أو زوجة عمك، يحرم عليك أن تبقى معك في بيتٍ وأنت ما عندك إلا امرأة، الناس يحتاجون إلى هذا ...

س: لكن توسَّع الناسُ في ...، وإذا حاججتَهم بهذا قالوا ...؟

ج: لا بأس، إلا إذا اتُّهم، إذا كان متَّهمًا يمنع.

س: البلوغ إذا كان في الحجِّ ...؟

ج: إذا بلغ قبل عرفة، أما بعد عرفة فزال الحجُّ، لكن إذا بلغ عرفة أجزأه إذا أدرك عرفة وهو قد بلغه الحمد لله ...

س: مَن حجَّ عن أبيه ثم غيَّره إلى الأفضل: إلى والديه ...؟

ج: لا، بعدما أحرم ما يُغيِّر.

س: حديث الفضل الذي قرأناه أمس، الرسول ﷺ ما كان ينظر لها؟

ج: محتمل أنها مُتسترة بجلبابٍ أو بخمارٍ، ما هو بالنقاب، محتمل أنها نصبت وجهها إليه تنظره، ولا يلزم من ذلك الكشف؛ لما في حديث عائشة: "كنا مع النبي ﷺ إذا دنا منا الرجالُ سدلت إحدانا خمارَها على وجهها -أو قالت: جلبابها على وجهها- فإذا بعدوا كشفنا"، وبعضُهم قال: هذا خاصٌّ بالإحرام فقط، والحجاب إنما يجب عليها خارج الإحرام من جهة الوجه، والأقرب أنه يجب عليها الحجاب مطلقًا، لكن بغير البرقع، تحتجب بغير البرقع.

س: هل يُستثنى الرسولُ ﷺ بجواز نظره إلى النِّساء؟

ج: ما نظر، ما يلزم، ما هو صريح أنها مكشوفة، قد يكون نظر كونها قابلته تنظر إليه من دون الجلباب، من دون الخمار.

س: ألا يُقال أنه كان مشغولًا بالفضل بن العباس وهو ينظر إليها؟

ج: بعض الناس يحتجُّ بهذا على الكشف، وما هو صريح على الكشف، قد تنظر بدون كشفٍ.

س: ... القول الثاني بأنها كانت ... وجهها في المحراب، فهل هذا يدل على جواز النظر إلى المرأة إذا أمنت الفتنة؟

ج: لا، لا، النبي صرفه عن ذلك، والنبي ما كان ينظر إليها، مَن قال أنه ينظر إليها؟ النبي أجابها، وما يلزم من إجابته أنه نظر إليها، قد يكون غضَّ بصره عليه الصلاة والسلام إن قدرنا أنها كاشفة، ما هو بلازمٍ.

س: في الحديث ما في دليل أنها كاشفة؟

ج: ما هو صريح.

س: ما يُتوقع أنها تتحدث من خلفٍ، يعني: كانت خلفه؟

ج: لا، ما يحتاج التَّكلف، النصوص المحكمة تقضي على المشتبه: هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ [آل عمران:7]، هذا من المتشابهات، يقضي عليه المحكم: وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعًا فَاسْأَلُوهُنَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ [الأحزاب:53].