فَصْلٌ
وَكَانَ مِنْ هَدْيِهِ ﷺ أَنْ يُدْرِكَهُ الْفَجْرُ وَهُوَ جُنُبٌ مِنْ أَهْلِهِ، فَيَغْتَسِلُ بَعْدَ الْفَجْرِ وَيَصُومُ.
وهذا قد يُشكل على بعض الناس فيظنّ أنه يخلّ بالصوم، فإذا جامع الرجلُ أهلَه في الليل، ثم اشتغل بالسحور ولم يغتسل حتى طلع الفجر، فلا يضرّه ذلك، هنا أخَّر الغسل فلم يغتسل إلا بعد طلوع الفجر، فلا يضرّ؛ ولهذا أخبرت عائشةُ وأم سلمة رضي الله عنهما: أن النبي ﷺ كان يُدركه الفجر جنبًا ثم يغتسل ويصوم عليه الصلاة والسلام، أما حديث أبي هريرة وحديث الفضل بن عباس ..... كان هذا في أول الإسلام، ثم نُسخ واستقرت الشَّريعة على أن تأخير الغسل لا يضرّ.
وَكَانَ يُقَبِّلُ بَعْضَ أَزْوَاجِهِ وَهُوَ صَائِمٌ فِي رَمَضَانَ، وَشَبَّهَ قُبْلَةَ الصَّائِمِ بِالْمَضْمَضَةِ بِالْمَاءِ.
وَأَمَّا مَا رَوَاهُ أبو داود عَنْ مصدع بن يحيى، عَنْ عائشة رضي الله عنها: أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ كَانَ يُقَبِّلُهَا وَهُوَ صَائِمٌ، وَيَمُصُّ لِسَانَهَا.
فَهَذَا الْحَدِيثُ قَدِ اخْتُلِفَ فِيهِ: فَضَعَّفَهُ طَائِفَةٌ بمصدع هَذَا، وَهُوَ مُخْتَلَفٌ فِيهِ، قَالَ السّعدي: زَائِغٌ، جَائِرٌ عَنِ الطَّرِيقِ.
وَحَسَّنَهُ طَائِفَةٌ وَقَالُوا: هُوَ ثِقَةٌ صَدُوقٌ، رَوَى لَهُ مسلم فِي "صَحِيحِهِ".
وَفِي إِسْنَادِهِ محمد بن دينار الطاحي البصري، مُخْتَلَفٌ فِيهِ أَيْضًا، قَالَ يحيى: ضَعِيفٌ. وَفِي رِوَايَةٍ عَنْهُ: لَيْسَ بِهِ بَأْسٌ. وَقَالَ غَيْرُهُ: صَدُوقٌ.
وَقَالَ ابْنُ عَدِيٍّ: قَوْلُهُ: "وَيَمُصُّ لِسَانَهَا" لَا يَقُولُهُ إِلَّا مُحَمَّدُ بْنُ دِينَارٍ، وَهُوَ الَّذِي رَوَاهُ، وَفِي إِسْنَادِهِ أَيْضًا سعد بن أوس، مُخْتَلَفٌ فِيهِ أَيْضًا، قَالَ يحيى: بَصْرِيٌّ ضَعِيفٌ. وَقَالَ غَيْرُهُ: ثِقَةٌ. وَذَكَرَهُ ابْنُ حِبَّانَ فِي "الثِّقَاتِ".
الطالب: أخرجه أبو داود، وابن خزيمة، وسنده ضعيف؛ فيه محمد بن دينار، وسعد بن أوس، وكلاهما فيه مقال، وضعَّفه أبو داود وابن حجر وغيرهما.
الشيخ: ثم أيضًا متنه مُنكر؛ لأنَّ مصَّ اللسان قد يتضمن شيئًا من الريق، من ريقها، وهو ريق اللِّسان، معفو عنه، ريق الإنسان نفسه معفو عنه، لكن كونه يأخذ ريقَها إليه هذا شيء .....، المقصود أنَّ الحديث ليس بصحيحٍ لهذه العلل الثلاثة، والسعدي هو الجوزجاني: إبراهيم بن يعقوب الجوزجاني السّعدي، المقصود فيه العلل الثلاثة: ضعف سعد بن عوف، ومحمد بن دينار، والاختلاف في توثيق مصدق.
فالحاصل أنه ليس بصحيحٍ، لكن التَّقبيل لا بأس به، كونه يُقبل لا بأس، لكن كونه يمصّ لسانها وهو صائم لا.
س: .............؟
ج: هذا يرجع إلى الصناعة؛ إن كان السند جيدًا، والتعليل ضعيفًا، والجرح غير مُفسَّرٍ، أو الضَّعف غير مفسرٍ يعتمد، لكن إذا كان الجرحُ مُفسَّرًا مُبينًا أو مخالفًا للقواعد الشَّرعية والأصول الشرعية يُعتبر شاذًّا مخالفًا للقواعد والأصول.
س: .............؟
ج: قد يكون مصدع بن يحيى هو أبو يحيى، قد يُكنى بأبيه، يراجع "التهذيب".
الشيخ: انظر "التقريب": أبو يزيد.
الطالب: ...........
الشيخ: الظبي؟ وأنت عندك: الضني؟
الطالب: نعم.
طالب آخر: أبو يزيد الضني -بكسر المعجمة وتشديد النون- مجهول، من الرابعة. (س، ق).
الشيخ: طيب، صلح الذي عندك.
وَقَالَ الْبُخَارِيُّ: هَذَا لَا أُحَدِّثُ بِهِ، هَذَا حَدِيثٌ مُنْكَرٌ، وأبو يزيد رَجُلٌ مَجْهُولٌ.
وَلَا يَصِحُّ عَنْهُ ﷺ التَّفْرِيقُ بَيْنَ الشَّابِّ وَالشَّيْخِ، وَلَمْ يَجِئْ مِنْ وَجْهٍ يَثْبُتُ، وَأَجْوَدُ مَا فِيهِ حَدِيثُ أبي داود، عَنْ نصر بن علي، عَنْ أَبِي أَحْمَدَ الزُّبَيْرِيِّ: حَدَّثَنَا إسرائيل، عَنْ أبي العنبس، عَنِ الأغرّ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ.
الطالب: عن الأعرج، عن أبي هريرة.
الشيخ: أيش عندك؟
الطالب: حَدَّثَنَا إسرائيل، عَنْ أبي العنبس، عَنِ الأغرّ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ.
الشيخ: .........
أَنَّ رَجُلًا سَأَلَ النَّبِيَّ ﷺ عَنِ الْمُبَاشَرَةِ لِلصَّائِمِ، فَرَخَّصَ لَهُ، وَأَتَاهُ آخَرُ فَسَأَلَهُ فَنَهَاهُ، فَإِذَا الَّذِي رَخَّصَ لَهُ شَيْخٌ، وَإِذَا الَّذِي نَهَاهُ شَابٌّ.
وإسرائيل وَإِنْ كَانَ الْبُخَارِيُّ ومسلم قَدِ احْتَجَّا بِهِ، وَبَقِيَّةُ السِّتَّةِ، فَعِلَّةُ هَذَا الْحَدِيثِ أَنَّ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الأغرِّ فِيهِ أبا العنبس العدوي الكوفي، واسمه: الحارث بن عبيد، سَكَتُوا عَنْهُ.
الطالب: في الحاشية: في كلام المؤلف نظر؛ فإننا لم نجد أحدًا من أئمة الجرح والتَّعديل طعن فيه، وقد وثَّقه ابنُ حبان، وروى عنه شعبة ومسعر وإسرائيل وأبو عوانة وغيرهم، فهو حسن الحديث.
الشيخ: انظر أبا العنبس في "التقريب".
والخلاصة في هذا أنَّ القُبلة للصائم والمباشرة للصائم هي مُشبهة بالمضمضة، لكن إذا كان يخشى يُكره له ذلك، وعلى هذا يُحمل الحديث، كونه نهى شخصًا، ورخَّص لشخصٍ، فالذي نهاه عنها هو الذي يخشى عليه أن يسبقه الماء، سواء كان شابًّا أو غير شابٍّ، إذا كان سريع الدّفق إذا مسَّ زوجته أو قبَّلها فليجتنب ذلك، وإن كان لا، يعرف من نفسه أنه يُقبل ويُباشر ولكن لا يُنزل؛ فلا مانع منه، كما فعل النبيُّ ﷺ؛ ولهذا قالت عائشةُ: "ولكنه كان أملككم لإربه".
س: ..............؟
ج: مبنيٌّ على تجريح أبي العنبس، والمعروف أنَّ السند لا بأس به كما قال شُعيب، أيش قال عندك؟
الطالب: أبو العنبس الكوفي العدوي، صاحب أبي العدبس، قيل: اسمه الحارث بن عبيد، مقبول، من السادسة. (د، ق).
وفي آخر: أبو العنبس الكوفي، قيل: اسمه عبدالله بن مروان، يروي عن أبي الشَّعثاء، مقبول، من السادسة أيضًا. (د، س).
أبو العنبس الكوفي الملائي، وهو الأصغر، اسمه: سعيد بن كثير بن عبيد، تقدم.
أبو العنبس الكوفي النَّخعي، اسمه: عمرو بن مروان، صدوق، من السادسة أيضًا. (تمييز).
الشيخ: هذا ما هو، غيره، الرابع.
الطالب: أبو العنبس الثَّقفي، اسمه: محمد بن عبدالله، أو ابن عبدالرحمن بن قارب، مقبول، من الرابعة. (بخ).
الشيخ: هو الأول فقط، نعم.
الطالب: الحارث بن عبيد ألا يكون الحديث .....؟
الشيخ: مُقارب، لكن يعضده في المعنى؛ ولهذا سكت عنه أبو داود؛ لأنه مُقارب، يقول أبو داود فيما ذكر في سنده:
وما به وهمٌ شديدٌ قلتُه | وحيث لا فصالح خرجتُه |
إذا رأى فيه وهمًا شديدًا بيَّنه، وإلا يسكت، والسكوت عنه معناه أنه يرى أنه صالح، فينبغي للمؤمن أن يحتاط لدينه.
س: ..............؟
ج: عندك: عن الأعرج، عن أبي هريرة، أيش عندك؟
الطالب: عن الأغرِّ، عن أبي هريرة.
الشيخ: بدل: الأعرج؟
الطالب: نعم.
الشيخ: تراجع السنن، تراجع "سنن أبي داود".
فَصْلٌ
وَكَانَ مِنْ هَدْيِهِ ﷺ إِسْقَاطُ الْقَضَاءِ عَمَّنْ أَكَلَ وَشَرِبَ نَاسِيًا، وَأَنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ هُوَ الَّذِي أَطْعَمَهُ وَسَقَاهُ، فَلَيْسَ هَذَا الْأَكْلُ وَالشُّرْبُ يُضَافُ إِلَيْهِ فَيُفْطِرُ بِهِ، فَإِنَّمَا يُفْطِرُ بِمَا فَعَلَهُ.
الشيخ: هذا من رحمة الله؛ لأنَّ الناس ينسون، الناس ينسون في الصوم، فمن رحمة الله أنَّ العبد إذا شرب أو أكل ناسيًا فصومه صحيح، وهكذا لو جامع ناسيًا فصومه صحيح، فإنه لا يُفطر بذلك: رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا [البقرة:286]، قال الله: قد فعلتُ، وفي رواية الحاكم وجماعة: مَن أفطر في رمضان ناسيًا فلا قضاءَ عليه ولا كفَّارة، ورواية الحاكم وغيره لا بأس بها، وهو من أحاديث "البلوغ".
س: ..............؟
ج: يُنبَّه، إذا كنتَ عنده وهو صائم وأنت تعرف أنه صائم تُنبهه، مثلما تُنبهه إذا أراد أن يفعل شيئًا ما يجوز، مثل ..... ماء نجس: هذا نجس، ماء نجس. يريد أن يأكل طعامًا مسمومًا تقول: هذا ما يجوز، هذا طعام مسموم، هذا كذا. تُنبهه على ما يخفى عليه مما يضرُّه.
س: مَن قال أنه لا يُنبَّه؛ لأنَّ هذا رزقٌ ساقه الله إليه؟
ج: لا، الأكل في رمضان ممنوع، والشرب ممنوع، منكر، إذا أراد أن يأكل ويشرب يُنكر عليه ما أراد أن يفعله وهو ممنوع، أنت ما أنت ناسٍ، أنت ذاكر.
س: لكن نفس الآكل ليس ممنوعًا من ذلك؟
ج: لو كان ما عنده أحد ما يُخالف، لكن ما دام عنده أحد يُنبهونه، من باب النَّصيحة، ومن باب إنكار المنكر، هذا منكر ظاهر، وأنت ما تعلم القلوب، هذا منكر ظاهر.
س: ..............؟
ج: كان النبيُّ يُقبل وهو صائم، وهو أورع الناس.
س: ..............؟
ج: ولو قالت عائشة، الله قال: لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ [الأحزاب:21].
............
إذا احتلم وهو صائم ما يضرّ؛ لأنه ليس باختياره، هكذا لو قاء وهو صائم بغير اختياره ما يضرّ صومه، فإذا احتلم في النَّهار فصومه صحيح.
فَصْلٌ
وَالَّذِي صَحَّ عَنْهُ ﷺ أَنَّ الَّذِي يَفْطُرُ بِهِ الصَّائِمُ: الْأَكْلُ وَالشُّرْبُ وَالْحِجَامَةُ وَالْقَيْءُ، وَالْقُرْآنُ دَالٌّ عَلَى أَنَّ الْجِمَاعَ مُفْطِرٌ كَالْأَكْلِ وَالشُّرْبِ، لَا يُعْرَفُ فِيهِ خِلَافٌ، وَلَا يَصِحُّ عَنْهُ فِي الْكُحْلِ شَيْءٌ.
وَصَحَّ عَنْهُ أَنَّهُ كَانَ يَسْتَاكُ وَهُوَ صَائِمٌ.
وَذَكَرَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ عَنْهُ أَنَّهُ كَانَ يَصُبُّ الْمَاءَ عَلَى رَأْسِهِ وَهُوَ صَائِمٌ.
وَكَانَ يَتَمَضْمَضُ وَيَسْتَنْشِقُ وَهُوَ صَائِمٌ، وَمَنَعَ الصَّائِمَ مِنَ الْمُبَالَغَةِ فِي الِاسْتِنْشَاقِ.
وَلَا يَصِحُّ عَنْهُ أَنَّهُ احْتَجَمَ وَهُوَ صَائِمٌ، قَالَهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ.
الشيخ: ..... الأربع، لكن الحجامة والقيء، يعني: الاستقاء، كونه يجذب القيء، يطلبه، أما إذا غلبه فلا يُفطر بذلك، كما في الحديث عن عائشةَ أنه قال: مَن ذرعه القيء فلا قضاءَ، ومَن استقاء فعليه القضاء، أما الكحل فلم يصحّ فيه شيء، وجاءت فيه عدةُ أخبار أنه اكتحل، كما كان بعضُ الصحابة يفعل ذلك؛ يكتحل وهو صائم، فالكحل ليس من جنس الأكل والشرب، وليس مما يُفطر الصائم، فليس له شبه بالأكل والشرب؛ ولهذا الصحيح أنه لا يُفطر به الصائم، لكن إذا استعمله في الليل يكون هذا أسلم؛ وخروجًا من خلاف العلماء.
وقال بعضُ أهل العلم: إنَّ مَن فعله ووجد طعمَه في الحلق وأثره في الحلق أفطر.
والصحيح أنه لا يُفطر بذلك؛ لأنَّ العين ليست منفذًا عاديًّا كالأكل والشرب، ونحو ذلك كالأنف، ولكن قد يوجد أثرُ الكحل في الحلق، فلا يُؤثر ذلك إفطارًا، ولكن كونه يجعله في الليل من باب: دع ما يريبك إلى ما لا يريبك، وأما الحجامة ففيها الحديث الصحيح: أفطر الحاجمُ والمحجوم.
وقول أحمد رحمه الله: "لم يصحّ أنه احتجم وهو صائم" فيه نظر؛ لأنه روى البخاري في "الصحيح" أنه احتجم وهو صائم، فهذا عند أهل العلم محمولٌ على أنه كان قبل النَّهي عن الحجامة للصائم، أو كان في نافلةٍ فأفطر، أو في السفر، والمسافر أمير نفسه: إن شاء صام، وإن شاء أفطر، أو لمرضٍ، والمريض له أن يُفطر كما قال ابنُ القيم رحمه الله فيما يأتي.
...........
الكفَّارة إن كان في رمضان، أما الوطء في القضاء، أو في أي صومٍ -كالنَّذر والكفَّارة- ما فيه كفَّارة، فيه قضاء مع التوبة، إنما الكفَّارة فيما إذا جامع في رمضان نفسه بغير عذرٍ، هذا هو الذي عليه الكفَّارة، أما لو جامع في رمضان في السفر، أو وهو مريض ويجوز له الفطر؛ فلا كفَّارةَ عليه.
س: .............؟
ج: القول الصحيح أنها تبقى في ذمَّته، النبي ﷺ قال له رجلٌ: ما في المدينة أحوج إليه مني. قال: أطعمه أهلك، ولم يأمره بالقضاء.
س: .............؟
ج: الإثم عليها، هي التي عليها الامتناع، وعليها كفَّارة .....
س: .............؟
ج: يأثم، وليس عليه كفَّارة، عليه قضاء، فسد صومه.
س: .............؟
ج: ليس بصحيحٍ.
س: القطرة في الأذن والعين؟
ج: مثل الكحل، لكن تركها في الليل أحوط.
س: والإبر؟
ج: والإبر كذلك، إلا المغذية تُفطر، الإبر المغذية من جنس الأكل والشرب، أما ما كان لتسكين آلام في وريد، أو في عضل، لا يُفطر، هذا الصواب: ما كان لتسكين الآلام ليس للتَّغذية لا يُفطر.
س: ..............؟
ج: ثبت في البخاري أنه احتجم وهو صائم، لكن ما هو في رمضان، رواه البخاري، حمله العلماءُ على أنه كان قبل النَّهي، أو أنه كان معذورًا: إما بالسفر، أو بالمرض، أو في النَّافلة قبل أن يقول: أفطر الحاجمُ والمحجوم.
س: ..............؟
ج: الأنف طريق الفطر؛ ولهذا قال ﷺ: وبالغ في الاستنشاق إلا أن تكون صائمًا، فلا يقطر في الأنف وهو صائم.
س: ..............؟
ج: الذي يُغذَّى بالدم: سواء من طريق الإبر، أو من طريق ..... يفطر، نعم.
س: ..............؟
ج: هذا يُسمَّى: التحليل، ما يُفطر.
س: ..............؟
ج: هذا إذا كان ..... من باب الاحتياط؛ لأنه ليس من جنس الحجامة من كل الوجوه، قد تكون للحجامة حكمةٌ أخرى، لكن إذا خرج دمٌ كثيرٌ وقضى من باب الاحتياط إلحاقًا لها بالحجامة هذا وجيه ..... القضاء أحوط؛ لأنه شيء كثير يُشبه الحجامة، أو أكثر من الحجامة.
الطالب: المحشي علَّق على قوله: "والحجامة" تعليقًا طويلًا، فيه: حديث أبي سعيدٍ، قال: إسناده صحيح، ودلَّ على نسخ الفطر بالحجامة، فوجب الأخذُ به؛ لأنَّ الرخصة إنما تكون بعد العزيمة، فدلَّ على نسخ الفطر بالحجامة.
الشيخ: نعم.
الطالب: ما رأيكم في هذا الكلام؟
الشيخ: أيش يقول؟
الطالب: أخرج الشافعي وأبو داود والدَّارمي وعبدُالرزاق وابنُ ماجه والحاكم والطحاوي والبيهقي من حديث شداد بن أوس قال: كنا مع النبي ﷺ زمان الفتح، فرأى رجلًا يحتجم لثمان عشرة خلت من رمضان، فقال وهو آخذٌ بيدي: أفطر الحاجمُ والمحجوم، وإسناده صحيح، وصححه غير واحدٍ من الأئمة، وفي الباب عن رافع بن خديج عند عبدالرزاق والترمذي .....
الشيخ: أفطر الحاجم والمحجوم حديث صحيح .....
الطالب: سيأتي التَّكميل أحسن الله إليك.
الشيخ: نعم، نعم.
الطالب: والبيهقي، وقال الترمذي: حسن صحيح. وصحَّحه ابنُ حبان والحاكم، وعن ثوبان عند أبي داود وابن ماجه والدَّارمي والطحاوي وابن الجارود والبيهقي وعبدالرزاق، وصححه ابنُ حبان والحاكم والبخاري وعلي بن المديني والنووي، لكن ثبت عن النبي ﷺ نسخ ذلك، وقد قال ابنُ حزم فيما نقله الحافظُ في "الفتح": صحَّ حديثُ أفطر الحاجمُ والمحجوم بلا ريبٍ، لكن وجدنا من حديث أبي سعيدٍ الخدري: أرخص النبي ﷺ في الحجامة للصائم. وإسناده صحيح، فوجب الأخذ به؛ لأنَّ الرخصة إنما تكون بعد العزيمة، فدلَّ على نسخ الفِطر بالحجامة، سواء كان حجَّامًا أو محجومًا.
والحديث المذكور أخرجه النَّسائي وابن خزيمة والدَّارقطني، ورجاله ثقات، وسنده صحيح، وله شاهدٌ من حديث أنسٍ أخرجه الدَّارقطني، ولفظه: أول ما كرهت الحجامةُ للصائم أنَّ جعفر بن أبي طالبٍ احتجم وهو صائم، فمرَّ به رسولُ الله ﷺ فقال: أفطر هذانِ، ثم رخَّص النبيُّ ﷺ بعد بالحجامة للصَّائم.
الشيخ: ...........
الطالب: وكان أنسٌ يحتجم وهو صائم، ورواته كلهم ثقات، ورجاله رجال البخاري، إلا أنَّ في المتن ما يُنكر؛ لأنَّ فيه أنَّ ذلك كان في الفتح، وجعفر كان قد استشهد قبل ذلك.
الشيخ: محل نظرٍ، المعروف من الأحاديث التي في عدم إفطار الحاجم والمحجوم: إما منسوخة، وإما غير صحيحةٍ، قد استقرَّت الشريعةُ على تفطير الحاجم والمحجوم، والجمهور والأكثرون ذهبوا إلى أنَّ الحجامةَ لا تُفطر؛ لأنها من الخارج، لا من الداخل؛ للأحاديث التي فيها، وكون النبي ﷺ احتجم وهو صائم؛ ولهذه الأشياء المذكورة يحتاج إلى مزيد تحقيقٍ، يحتاج إلى جمعٍ للأحاديث كلها والعناية بها من كل الوجوه، فالمعروف الثابت عندنا أنَّ ما جاء في احتجام الصَّائم أنه منسوخٌ، أو لعذرٍ شرعي كالمرض وغيره، وأنَّ المستقرَّ في الشريعة كما قال أحمدُ رحمه الله والبخاري وغيره: أفطر الحاجمُ والمحجوم، كان الأخير، هذا آخر الأمرين.
............
.........
قَالَ مُهَنَّا: وَسَأَلْتُ أحمد عَنْ حَدِيثِ حَبِيبِ بْنِ الشَّهِيدِ، عَنْ مَيْمُونِ بْنِ مِهْرَانَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ احْتَجَمَ وَهُوَ صَائِمٌ مُحْرِمٌ. فَقَالَ: لَيْسَ بِصَحِيحٍ، قَدْ أَنْكَرَهُ يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ الْأَنْصَارِيُّ، إِنَّمَا كَانَتْ أَحَادِيثُ مَيْمُونِ بْنِ مِهْرَانَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ نَحْوَ خَمْسَةَ عَشَرَ حَدِيثًا.
وَقَالَ الأثرمُ: سَمِعْتُ أبا عبدالله ذَكَرَ هَذَا الْحَدِيثَ فَضَعَّفَهُ.
وَقَالَ مُهَنَّا: سَأَلْتُ أحمد عَنْ حَدِيثِ قبيصة، عَنْ سفيان، عَنْ حماد، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: "احْتَجَمَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ صَائِمًا مُحْرِمًا"، فَقَالَ: هُوَ خَطَأٌ مِنْ قِبَلِ قبيصة. وَسَأَلْتُ يحيى عَنْ قَبِيصَةَ بْنِ عُقْبَةَ، فَقَالَ: رَجُلُ صِدْقٍ، وَالْحَدِيثُ الَّذِي يُحَدِّثُ بِهِ عَنْ سفيان، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ خَطَأٌ مِنْ قِبَلِهِ.
قَالَ أحمدُ فِي كِتَابِ الأشجعي: عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ مُرْسَلًا: أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ احْتَجَمَ وَهُوَ مُحْرِمٌ. وَلَا يَذْكُرُ فِيهِ: صَائِمًا.
قَالَ مُهَنَّا: وَسَأَلْتُ أحمد عَنْ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ: أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ احْتَجَمَ وَهُوَ صَائِمٌ مُحْرِمٌ. فَقَالَ: لَيْسَ فِيهِ "صَائِمٌ"، إِنَّمَا هُوَ "مُحْرِمٌ"، ذَكَرَهُ سفيان، عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ، عَنْ طَاوُوسٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: احْتَجَمَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ عَلَى رَأْسِهِ وَهُوَ مُحْرِمٌ.
وَرَوَاهُ عبدُالرزاق، عَنْ معمر، عَنِ ابن خثيم، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: احْتَجَمَ النَّبِيُّ ﷺ وَهُوَ مُحْرِمٌ.
وروح، عَنْ زَكَرِيَّا بْنِ إِسْحَاقَ، عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ، عَنْ عطاء وطاووسٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ احْتَجَمَ وَهُوَ مُحْرِمٌ.
وَهَؤُلَاءِ أَصْحَابُ ابْنِ عَبَّاسٍ لَا يَذْكُرُونَ: "صَائِمًا".
وَقَالَ حنبل: حَدَّثَنَا أبو عبدالله: حَدَّثَنَا وَكِيعٌ، عَنْ ياسين الزيات، عَنْ رَجُلٍ، عَنْ أنسٍ: أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ احْتَجَمَ فِي رَمَضَانَ بَعْدَمَا قَالَ: أَفْطَرَ الْحَاجِمُ وَالْمَحْجُومُ، قَالَ أبو عبدالله: الرَّجُلُ أُرَاهُ أبان ابن أبي عياش، يَعْنِي: وَلَا يُحْتَجُّ بِهِ.
وَقَالَ الأثرمُ: قُلْتُ لأبي عبدالله: رَوَى محمد بن معاوية النَّيسابوري، عَنْ أبي عوانة، عَنِ السُّدِّيِّ، عَنْ أنسٍ: أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ احْتَجَمَ وَهُوَ صَائِمٌ. فَأَنْكَرَ هَذَا، ثُمَّ قَالَ: السُّدِّيُّ عَنْ أنسٍ؟ قُلْتُ: نَعَمْ، فَعَجِبَ مِنْ هَذَا.
قَالَ أحمدُ: وَفِي قَوْلِهِ: أَفْطَرَ الْحَاجِمُ وَالْمَحْجُومُ غَيْرُ حَدِيثِ ثابتٍ.
وَقَالَ إسحاقُ: قَدْ ثَبَتَ هَذَا مِنْ خَمْسَةِ أَوْجُهٍ عَنِ النَّبِيِّ ﷺ.
وَالْمَقْصُودُ أَنَّهُ لَمْ يَصِحَّ عَنْهُ ﷺ أَنَّهُ احْتَجَمَ وَهُوَ صَائِمٌ، وَلَا صَحَّ عَنْهُ أَنَّهُ نَهَى الصَّائِمَ عَنِ السِّوَاكِ أَوَّلَ النَّهَارِ وَلَا آخِرَهُ، بَلْ قَدْ رُوِيَ عَنْهُ خِلَافُهُ، وَيُذْكَرُ عَنْهُ: مِنْ خَيْرِ خِصَالِ الصَّائِمِ: السِّوَاكُ، رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ مِنْ حَدِيثِ مجالد، وَفِيهِ ضَعْفٌ.
الشيخ: والسِّواك سنة مُطلقًا للصائم في أول النهار وآخره، كما قال ﷺ: السِّواك مُطهرة للفم، مرضاة للرب، وقال عليه الصلاة والسلام: لولا أن أشقَّ على أمتي لأمرتهم بالسِّواك مع كل وضوءٍ، وفي اللَّفظ الآخر: مع كل صلاةٍ، هذا يشمل صلاةَ الظهر وصلاةَ العصر للصائم وغيره، فالسِّواك مستحبٌّ للجميع، في أول النهار وآخره، هذا هو الصواب، ومَن كرهه آخر النهار فقد غلط .....
هذا قول أحمد رحمه الله، هذا رأيه واجتهاده، وقد ثبت أنه احتجم وهو صائم، لكن مثلما قال ابنُ القيم وغيره: أنَّ هذا محمولٌ على أنه كان قبل النَّهي، احتجم قبل أن ينهى عن الحجامة، أو كان في حال النَّفل، والمتنفِّل له أن يُفطر بالحجامة وغيرها، أو كان في حال السَّفر، أو في حال المرض، قال ابنُ القيم رحمه الله: لا يتم الاحتجاجُ على عدم تفطير الصَّائم بالحجامة؛ لحديث: "احتجم وهو صائم" إلا بعد ..... أربعة أمورٍ:
الأمر الأول: أن يكون احتجامُه وهو صائم بعد النَّهي.
الأمر الثاني: يكون في فرضٍ.
الأمر الثالث: ألا يكون في سفرٍ.
الأمر الرابع: أن تكون له علة مرضٍ تسمح له بالإفطار.
فإن تمهدت هذه الأمور الأربعة أمكن الاحتجاجُ به على عدم إفطار الصائم بالحجامة .....
فَصْلٌ
وَرُوِيَ عَنْهُ ﷺ أَنَّهُ اكْتَحَلَ وَهُوَ صَائِمٌ.
الطالب: عفا الله عنك، الحديث السابق في "سنن أبي داود"، حديث أبي هريرة: أنَّ رجلًا سأل النبيَّ ﷺ عن المباشرة للصَّائم، فرخَّص له، وأتاه آخرُ فسأله فنهاه، فإذا الذي رخَّص له شيخٌ، وإذا الذي نهاه شابٌّ. في السند عن الأغرِّ، وبعضهم قال في نسخةٍ: "عن الأعرج"، وراجعتُ "سنن أبي داود" فإذا هو عن الأغرِّ.
الشيخ: حدثنا؟
الطالب: عن نصر بن عليٍّ، عن أبي أحمد الزبيري: حدثنا إسرائيل، عن أبي العنبس، عن الأغرِّ، عن أبي هريرة .
الشيخ: طيب، إذا كان الإنسانُ سريعَ الشَّهوة فإنه لا يُباشر، وإذا كان لا يحصل شيء فلا بأس، فعله النبيُّ ﷺ .....
س: غسل الدَّم وإعادة الدَّم في الكُلى للصَّائم إذا كان يتحمَّل الصيام ولا يُريد أن يُفطر؟
ج: في الغالب أنَّ هذا يقضي؛ لأنه يُفطر الصائم؛ لأنهم يزودون الدَّم خارجًا .....
س: بخاخات الرَّبو؟
ج: هذا يُعفا عنه؛ لأنه يضطر إليه، فإذا اضطرَّ إليه فلا حيلةَ في القضاء، فهو يُعفا عنه؛ لأنه نوعٌ من النَّفخ الخفيف الذي لا يلحق بالأكل والشرب، إنما ينفس عنه.
فَصْلٌ
وَرُوِيَ عَنْهُ ﷺ أَنَّهُ اكْتَحَلَ وَهُوَ صَائِمٌ.
وَرُوِيَ عَنْهُ أَنَّهُ خَرَجَ عَلَيْهِمْ فِي رَمَضَانَ وَعَيْنَاهُ مَمْلُوءَتَانِ مِنَ الْإِثْمِدِ. وَلَا يَصِحُّ.
وَرُوِيَ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ فِي الْإِثْمِدِ: لِيَتَّقِهِ الصَّائِمُ، وَلَا يَصِحُّ.
قَالَ أبو داود: قَالَ لِي يَحْيَى بْنُ مَعِينٍ: هُوَ حَدِيثٌ مُنْكَرٌ.
الشيخ: والمعنى أنه لم يثبت في الكُحل شيءٌ عن الصائم، لا في فعله، ولا النَّهي عنه، وفعله بعضُ الصحابة: اكتحل وهو صائم، وهو لا يضرّ .....، وإذا جعله ليلًا من باب الاحتياط؛ خروجًا من الخلاف فحسنٌ.
س: ثبت عن عمر فعله؟
ج: ثبت عن بعض الصحابة، اثنين من الصحابة أو أكثر، ما أذكر عمرَ.
س: هل يُسنّ الاكتحال؟
ج: نعم؛ لفعل النبي ﷺ .....