فَصْلٌ
فِي هَدْيِهِ ﷺ فِي صَلَاةِ الضُّحَى
رَوَى الْبُخَارِيُّ فِي "صَحِيحِهِ" عَنْ عائشةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ: "مَا رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ يُصَلِّي سُبْحَةَ الضُّحَى، وَإِنِّي لَأُسَبِّحُهَا".
وَرَوَى أَيْضًا مِنْ حَدِيثِ مُوَرِّقٍ الْعِجْلِيِّ: قُلْتُ لِابْنِ عُمَرَ: أَتُصَلِّي الضُّحَى؟ قَالَ: لَا، قُلْتُ: فعمر؟ قَالَ: لَا، قُلْتُ: فأبو بكر؟ قَالَ: لَا، قُلْتُ: فَالنَّبِيُّ ﷺ؟ قَالَ: لَا إِخَالُهُ.
وَذُكِرَ عَنِ ابْنِ أَبِي لَيْلَى قَالَ: مَا حَدّثَنَا أَحَدٌ أَنَّهُ رَأَى النَّبِيَّ ﷺ يُصَلِّي الضُّحَى غَيْرَ أم هانئ، فَإِنَّهَا قَالَتْ: إِنَّ النَّبِيَّ ﷺ دَخَلَ بَيْتَهَا يَوْمَ فَتْحِ مَكَّةَ، فَاغْتَسَلَ، وَصَلَّى ثَمَان رَكَعَاتٍ، فَلَمْ أَرَ صَلَاةً قَطُّ أَخَفَّ مِنْهَا، غَيْرَ أَنَّهُ يُتِمُّ الرُّكُوعَ وَالسُّجُودَ.
وَفِي "صَحِيحِ مسلم" عَنْ عبدالله بن شقيق قَالَ: سَأَلْتُ عائشةَ: هَلْ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ يُصَلِّي الضُّحَى؟ قَالَتْ: لَا، إِلَّا أَنْ يَجِيءَ مِنْ مَغِيبِهِ.
قُلْتُ: هَلْ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ يَقْرُنُ بَيْنَ السُّوَرِ؟ قَالَتْ: مِنَ الْمُفَصَّلِ.
الشيخ: هذا حسب علمها رضي الله عنها، فإنَّ الروايات عنها اضطربت: فتارةً قالت: لم تره يُصلِّي سبحة الضحى، ومرة قالت: كان يُصلي الضُّحى أربعًا، ويزيد ما شاء الله، ومرة قالت: إلا أن يجيء من مغيبةٍ.
كذلك قرن السور في المفصل، قرن أيضًا من غير المفصل، وقد صلَّى في بعض الليالي بالبقرة والنساء وآل عمران جميعًا، كما روى حُذيفة في الصحيح، لكنها لم تعلم هذا رضي الله عنها.
............
الشيخ: أيش قبل هذه الكلمة؟
وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ يُسِرُّ بِالْقِرَاءَةِ فِي صَلَاةِ اللَّيْلِ تَارَةً، وَيَجْهَرُ بِهَا تَارَةً، وَيُطِيلُ الْقِيَامَ تَارَةً، وَيُخَفِّفُهُ تَارَةً، وَيُوتِرُ آخِرَ اللَّيْلِ -وَهُوَ الْأَكْثَرُ- وَأَوَّلَهُ تَارَةً، وَأَوْسَطَهُ تَارَةً.
وَكَانَ يُصَلِّي التَّطَوُّعَ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ عَلَى رَاحِلَتِهِ فِي السَّفَرِ قِبَلَ أَيِّ جِهَةٍ تَوَجَّهَتْ بِهِ، فَيَرْكَعُ وَيَسْجُدُ عَلَيْهَا إِيمَاءً، وَيَجْعَلُ سُجُودَهُ أَخْفَضَ مِنْ رُكُوعِهِ.
وَقَدْ رَوَى أحمد وأبو داود عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: "كَانَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ إِذَا أَرَادَ أَنْ يُصَلِّي عَلَى رَاحِلَتِهِ تَطَوُّعًا اسْتَقْبَلَ الْقِبْلَةَ، فَكَبَّرَ لِلصَّلَاةِ، ثُمَّ خَلَّى عَنْ رَاحِلَتِهِ، ثُمَّ صَلَّى أَيْنَمَا تَوَجَّهَتْ بِهِ".
فَاخْتَلَفَ الرُّوَاةُ عَنْ أحمد: هَلْ يَلْزَمُهُ أَنْ يَفْعَلَ ذَلِكَ إِذَا قَدَرَ عَلَيْهِ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ.
الشيخ: المحشي تكلم على حديث أنسٍ هذا؟
الطالب: رواه أحمد في "المسند"، وأبو داود في "الصلاة" باب "التطوع على الراحلة والوتر"، وإسناده قوي.
الشيخ: حسَّنه الحافظ في "البلوغ"، نعم، وهذا أحوط في السفر: يستقبل القبلةَ عند الإحرام إذا تيسر، ثم يُصلي حيث كان وجه ركابه، أما الأحاديث الصَّحيحة الكثيرة فليس فيها ذكر الاستقبال: حديث عامر بن ربيعة، وحديث أنس المخرج في "الصحيحين"، وأحاديث ابن عمر، وغيرها، كلها ما فيها ذكر أنه كان يستقبل القبلة، بل كان يُصلي على راحلته حيث توجَّهت به من غير أن يذكر استقبال القبلة، ولكن ذكر القبلة في حديث أنسٍ هذا عند أبي داود وأحمد، هذا شيء مفصل، إذا استعمله كان أحوط، من باب الأخذ بالحيطة، أولًا يُكبر، ثم بعد هذا يتركها إلى جهة سيرها شرقًا وغربًا في النافلة خاصة، أما في الفرض فلا بدّ من النزول لأجل أن يسجد في الأرض، لا بدّ من استقبال القبلة إلا من عذرٍ، إذا كان عذر شرعي، إذا كانت الأرضُ مثلًا فيها سيول، أو يخشى إن نزل من العدو، أو ما عنده أحد ينزله ..... لا يستطيع أن ينزل ويركب؛ فمعذور، يُصلي عليها، يُوقفها إن استطاع ويُصلي إلى القبلة، ولا يحتاج أن ينزل، بالإيماء، يُصلي بالإيماء، هكذا في السيارة والطائرة يُصلي بالإيماء إذا لم يستطع السجود في الأرض أو الوقوف، أما إذا استطاع في الطائرة أو السيارة ..... ووجود مكان صلَّى قائمًا، مثل: السفينة سواء، يُصلي قائمًا، ويركع ويسجد إذا تيسر له ذلك، ويستقبل القبلة في الفريضة.
فَاخْتَلَفَ الرُّوَاةُ عَنْ أحمد: هَلْ يَلْزَمُهُ أَنْ يَفْعَلَ ذَلِكَ إِذَا قَدَرَ عَلَيْهِ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ: فَإِنْ أَمْكَنَهُ الِاسْتِدَارَةُ إِلَى الْقِبْلَةِ فِي صَلَاتِهِ كُلِّهَا، مِثْلَ أَنْ يَكُونَ فِي مَحْمِلٍ أَوْ عِمَارِيَّةٍ وَنَحْوِهَا، فَهَلْ يَلْزَمُهُ؟ أَوْ يَجُوزُ لَهُ أَنْ يُصَلِّيَ حَيْثُ تَوَجَّهَتْ بِهِ الرَّاحِلَةُ؟
فَرَوَى محمد بن الحكم عَنْ أحمد فِيمَنْ صَلَّى فِي مَحْمِلٍ: أَنَّهُ لَا يُجْزِئُهُ إِلَّا أَنْ يَسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةَ؛ لِأَنَّهُ يُمْكِنُهُ أَنْ يَدُورَ، وَصَاحِبُ الرَّاحِلَةِ وَالدَّابَّةِ لَا يُمْكِنُهُ.
وَرَوَى عَنْهُ أبو طالب أَنَّهُ قَالَ: الِاسْتِدَارَةُ فِي الْمَحْمِلِ شَدِيدَةٌ، يُصَلِّي حَيْثُ كَانَ وَجْهُهُ.
وَاخْتَلَفَتِ الرِّوَايَةُ عَنْهُ فِي السُّجُودِ فِي الْمَحْمِلِ: فَرَوَى عَنْهُ ابْنُهُ عبدالله أَنَّهُ قَالَ: وَإِنْ كَانَ مَحْمِلًا فَقَدَرَ أَنْ يَسْجُدَ فِي الْمَحْمِلِ فَيَسْجُدُ.
وَرَوَى عَنْهُ الميموني: إِذَا صَلَّى فِي الْمَحْمِلِ أَحَبُّ إِلَيَّ أَنْ يَسْجُدَ؛ لِأَنَّهُ يُمْكِنُهُ.
وَرَوَى عَنْهُ الفضل بن زياد: يَسْجُدُ فِي الْمَحْمِلِ إِذَا أَمْكَنَهُ.
وَرَوَى عَنْهُ جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدٍ: السُّجُودُ عَلَى الْمِرْفَقَةِ إِذَا كَانَ فِي الْمَحْمِلِ، وَرُبَّمَا أَسْنَدَ عَلَى الْبَعِيرِ، وَلَكِنْ يُومِئُ وَيَجْعَلُ السُّجُودَ أَخْفَضَ مِنَ الرُّكوعِ. وَكَذَا رَوَى عَنْهُ أبو داود.
الشيخ: الأظهر والله أعلم أنه يتسامح في هذا في النافلة؛ لأنه قد تشقّ استدارته، وقد لا يتمكن من ذلك، فإن تيسر بسهولةٍ فلا بأس، وأما الفريضة فيُؤجلها إن أمكن، وإلا يُتابع القبلة، يدور مع الطائرة، ويدور مع السَّفينة، ومع الباخرة إلى القبلة، ويسجد في أرض الطائرة، وأرض السيارة، وأرض الباخرة إذا تيسر، وإن لم يتيسر ذلك فعل مثل النافلة: يُومئ إيماءً، ويدور مع الراحلة، ومع الطائرة، ومع السيارة، ومع السفينة والباخرة، يدور معها إلى القبلة، أما السجود فإن أمكن ذلك سجد وإلا أومأ.
س: إن لم يتبين له؟
ج: يجتهد، يجتهد: فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ [التغابن:16] .....
فَصْلٌ
فِي هَدْيِهِ ﷺ فِي صَلَاةِ الضُّحَى
رَوَى الْبُخَارِيُّ فِي "صَحِيحِهِ" عَنْ عائشةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ: "مَا رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ يُصَلِّي سُبْحَةَ الضُّحَى، وَإِنِّي لَأُسَبِّحُهَا".
وَرَوَى أَيْضًا مِنْ حَدِيثِ مُوَرِّقٍ الْعِجْلِيِّ: قُلْتُ لِابْنِ عُمَرَ: أَتُصَلِّي الضُّحَى؟ قَالَ: لَا، قُلْتُ: فعمر؟ قَالَ: لَا، قُلْتُ: فأبو بكر؟ قَالَ: لَا، قُلْتُ: فَالنَّبِيُّ ﷺ؟ قَالَ: لَا إِخَالُهُ.
الشيخ: يعني: لا أظنّه.
وَذُكِرَ عَنِ ابْنِ أَبِي لَيْلَى قَالَ: مَا حَدّثَنَا أَحَدٌ أَنَّهُ رَأَى النَّبِيَّ ﷺ يُصَلِّي الضُّحَى غَيْرَ أم هانئ، فَإِنَّهَا قَالَتْ: إِنَّ النَّبِيَّ ﷺ دَخَلَ بَيْتَهَا يَوْمَ فَتْحِ مَكَّةَ، فَاغْتَسَلَ، وَصَلَّى ثَمَان رَكَعَاتٍ، فَلَمْ أَرَ صَلَاةً قَطُّ أَخَفَّ مِنْهَا، غَيْرَ أَنَّهُ يُتِمُّ الرُّكُوعَ وَالسُّجُودَ.
وَفِي "صَحِيحِ مسلمٍ" عَنْ عبدالله بن شقيق قَالَ: سَأَلْتُ عائشةَ: هَلْ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ يُصَلِّي الضُّحَى؟ قَالَتْ: لَا، إِلَّا أَنْ يَجِيءَ مِنْ مَغِيبِهِ. قُلْتُ: هَلْ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ يَقْرُنُ بَيْنَ السُّوَرِ؟ قَالَتْ: مِنَ الْمُفَصَّلِ.
الشيخ: وهذا مثلما تقدم على حسب علمها، وقد ثبت عنه ﷺ أنه أوصى أبا الدَّرداء، وأوصى أبا هريرة بصلاة الضحى، وهذا ثابت في "الصحيحين" من حديث أبي هريرة قال: "أوصاني رسولُ الله بثلاثٍ: بصلاة الضحى، وصيام ثلاثة أيام من كل شهرٍ، وأن أُوتر قبل النوم".
وهكذا روى مسلم في "الصحيح" عن أبي الدَّرداء أنه أوصاه بذلك، وثبت في "صحيح مسلم" أيضًا أنه قال في حديث أبي ذرٍّ: على كل سلامى صدقة، فكل تسبيحةٍ صدقة، وكل تهليلةٍ صدقة .. إلى آخره، ثم قال: ويكفي من ذلك ركعتان يركعهما من الضُّحى رواه مسلم.
فسنة الضُّحى سنة مُؤكدة، صلاة الضحى سنة مؤكدة من قول النبي عليه الصلاة والسلام، أما مِن فعله فلم يكن يفعلها ﷺ إلا في بعض الأحيان، وكأنه والله أعلم ترك ذلك لئلا يشقَّ على أمته: إذا واظب عليها واظبوا، كأنه ترك هذا للتَّسهيل على الأمة والتيسير عليهم، مثلما قالت عائشةُ في بعض الروايات: أنه كان يُحب العمل يعمله، فيدعه مخافة أن يشقَّ على أمته.
فسنة الضحى ثابتة من قوله، والقول آكد من الفعل، فهو أوصى بها أبا هريرة، وأبا الدَّرداء.
وكذلك ذكر أن الركعتين تقوم مقام ما يُشرع من الصَّدقات عن السلاميات، فإنه يدل على شرعيتها دائمًا، وأنه يُستحب للمؤمن أن يُصليها دائمًا، وأقلّها ركعتان، فإن زاد وصلَّى أربعًا أو ستًّا أو ثمان أو أكثر فلا بأس.
وَفِي "صَحِيحِ مسلم" عَنْ عائشة قَالَتْ: "كَانَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ يُصَلِّي الضُّحَى أَرْبَعًا، وَيَزِيدُ مَا شَاءَ اللَّهُ".
وَفِي "الصَّحِيحَيْنِ" عَنْ أم هانئ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ صَلَّى يَوْمَ الْفَتْحِ ثَمَان رَكَعَاتٍ، وَذَلِكَ ضُحًى.
وَقَالَ الحاكمُ فِي "الْمُسْتَدْرَكِ": حَدَّثَنَا الأصم: حَدَّثَنَا الصاغاني: حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي مَرْيَمَ: حَدَّثَنَا بَكْرُ بْنُ مُضَرَ: حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ الْحَارِثِ، عَنْ بكر بن الأشجّ، عَنِ الضَّحاك بن عبدالله، عَنْ أنسٍ قَالَ: رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ صَلَّى فِي سَفَرٍ سُبْحَةَ الضُّحَى، صَلَّى ثَمَان رَكَعَاتٍ، فَلَمَّا انْصَرَفَ قَالَ: إِنِّي صَلَّيْتُ صَلَاةَ رَغْبَةٍ وَرَهْبَةٍ، فَسَأَلْتُ رَبِّي ثَلَاثًا، فَأَعْطَانِي اثْنَتَيْنِ، وَمَنَعَنِي وَاحِدَةً، سَأَلْتُهُ أَلَّا يَقْتُلَ أُمَّتِي بِالسِّنِينَ، فَفَعَلَ، وَسَأَلْتُهُ أَلَّا يُظْهِرَ عَلَيْهِمْ عَدُوًّا، فَفَعَلَ، وَسَأَلْتُهُ أَنْ لَا يُلْبِسَهُمْ شِيَعًا، فَأَبَى عَلَيَّ.
قَالَ الحاكمُ: صَحِيحٌ. قُلْتُ: الضَّحاك بن عبدالله هَذَا يُنْظَرُ مَنْ هُوَ؟ وَمَا حَالُهُ؟
الشيخ: أيش قال المحشي؟
الطالب: رواه الحاكم وابن خزيمة وأحمد في "المسند"، ورجاله ثقات خلا الضحاك بن عبدالله فإنه مجهول، ومع ذلك فقد صححه الحاكمُ، ووافقه الذَّهبي.
الشيخ: أصل الدَّعوات الثلاث محفوظة في الأحاديث الصَّحيحة: أُعطي اثنتين، ولم يُجب للثالثة، وهي عدم جعل بأسهم بينهم، هذا واقع، نعم.
س: ..............؟
ج: كذلك ما لم يقتل بعضهم بعضًا، ما لم يختلفوا، مثلما في حديث ثوبان: حتى يكون بعضهم يقتل بعضًا، ويسبي بعضُهم بعضًا، إذا اختلفوا فيما بينهم سلَّط عليهم عدوهم، نسأل الله العافية.
س: .............؟
ج: أيش عندك: حدَّثنا؟
الطالب: وَقَالَ الحاكم فِي "الْمُسْتَدْرَكِ": حَدَّثَنَا الأصم: حَدَّثَنَا الصاغاني: حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي مَرْيَمَ: حَدَّثَنَا بَكْرُ بْنُ مُضَرَ: حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ الْحَارِثِ، عَنْ بكر بن الأشجّ.
الشيخ: بكير بن الأشج هذا مُصغر، نعم، فقط يكفي، أيش بعد هذا؟
الشيخ: قف على هذا.
والخلاصة في هذا أنَّ صلاة الضحى سنة مؤكدة، وأما النبي ﷺ فكان يفعلها تارةً، ويدعها تارةً عليه الصلاة والسلام، ولكن من سنته ﷺ القولية، وهي سنة مؤكدة في جميع الأيام.
س: ............؟
ج: يظهر من حاله ما يقتضي ذلك، وأظن في بعض الروايات أنه حاطب، لكن ما عندي .....
الطالب: سيأتي ذلك، ذكره سيأتي.
الشيخ: نعم، حاطب لا بأس به، من أهل بدر، لكن الشيطان ..... ذاك الوقت، وإلا هذا العمل من زيِّ المنافقين ومن حالتهم.
الشيخ: علَّق عليه؟
الطالب: وفي سنده مَن لا يُعرف.
الشيخ: لكن حديث ابن عمر -وهو لا بأس بإسناده- أنهم قالوا: كنا نعدّ للنبي ﷺ في المجلس الواحد يقول: ربِّ اغفر لي، وتب عليَّ، إنك أنت التواب الرحيم مئة مرة. وهذا يدل على إكثاره من الاستغفار عليه الصلاة والسلام، وفي الحديث الآخر: يا أيها الناس، توبوا إلى ربكم واستغفروه، فإني أتوب إليه في اليوم مئة مرة، وفي اللفظ الآخر: والله لأني لأستغفر الله وأتوب إليه في اليوم أكثر من سبعين مرة، فهو ﷺ كان يُكثر من الاستغفار والتوبة.
هكذا ينبغي للمؤمن أن يُكثر من الاستغفار والتوبة؛ لأنه خطَّاء، كثير الذنوب، كثير الزلات، فينبغي له أن يُكثر من الاستغفار، إذا كان نبيُّ الله، سيد ولد آدم، المغفور له ما تقدم من ذنبه وما تأخَّر يُكثر، فأنت من باب أولى أن تجتهد في هذا الأمر؛ لأنك على خطرٍ، والله المستعان.
............
الشيخ: ..... حديث ابن عمر يشهد لذلك.
س: في الصلاة وإلا خارج الصلاة؟
ج: بعد الصَّلاة.
الطالب: مرسل، وفيه مَن لا يُعرف.
وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا أبو سعيدٍ مولى بني هاشم: حَدَّثَنَا عثمان بن عبدالملك العمري: حَدَّثَتْنَا عائشة بنت سعد، عَنْ أم ذرةٍ قَالَتْ: رَأَيْتُ عائشةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا تُصَلِّي الضُّحَى وَتَقُولُ: "مَا رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ يُصَلِّي إِلَّا أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ".
وَقَالَ الحاكم أَيْضًا: أَخْبَرَنَا أبو أحمد بكر بن محمد المروزي: حَدَّثَنَا أَبُو قِلَابَةَ.
الشيخ: والضحى جاء فيها عدة أحاديث، ومما صح فيها صلاته ﷺ يوم الفتح في "الصحيحين" من حديث أم هانئ: صلى ثمان ركعات. وعند مسلم عن عائشة: كان يصلي الضحى أربعًا، ويزيد ما شاء الله. ومنها ما رواه الشيخان عن أبي هريرة: أن النبي ﷺ أوصاه بركعتي الضحى، وصيام ثلاثة أيام من كل شهر، والوتر قبل النوم. وهكذا في الصحيح من حديث أبي الدَّرداء قال: أوصاني خليلي ﷺ بثلاثٍ: صلاة الضحى، والوتر قبل النوم، وصيام ثلاثة أيام من كل شهرٍ.
غير ما روى مسلم في "الصحيح" في أحاديث السّلاميات: أنَّ على كل مسلمٍ صدقة، كل تسبيحةٍ صدقة، وكل تهليلةٍ صدقة، وكل تحميدةٍ صدقة، وكل تكبيرةٍ صدقة. إلى أن قال: ويكفي من ذلك ركعتان تركعهما من الضُّحى. فهذا يدل على تأكد صلاة الضحى، وأنَّ فيها خيرًا عظيمًا وفضلًا كبيرًا.
س: .............؟
ج: مما شاء: من أوله، أو وسطه، أو آخره، لكن إن تيسرت أيام البيض فهو أفضل: الثالث عشر، والرابع عشر، والخامس عشر.
س: ............؟
ج: بعد ارتفاع الشمس، إلى وقوف الشمس، كله ضحى، بعد ارتفاع الشمس قيد شبرٍ إلى وقوفها عند الزوال، لكن أفضله إذا اشتد الحرُّ، إذا اشتد الضُّحى، يعني: وقت الضحى .....، كما في الحديث الصحيح: صلاة الأوَّابين حين ترمض الفصال رواه مسلم، وهي حين تشتد حرارة الأرض على أولاد الإبل.
وَقَالَ الحاكمُ أَيْضًا: أَخْبَرَنَا أبو أحمد بكر بن محمد المروزي: حَدَّثَنَا أَبُو قِلَابَةَ: حَدَّثَنَا أبو الوليد: حَدَّثَنَا أبو عوانة، عَنْ حصين بن عبدالرحمن، عَنْ عَمْرِو بْنِ مُرَّةَ، عَنْ عمارة بن عمير، عَنِ ابن جبير بن مطعم، عَنْ أَبِيهِ: أَنَّهُ رَأَى رَسُولَ اللَّهِ ﷺ يُصَلِّي صَلَاةَ الضُّحَى.
قَالَ الحاكم أَيْضًا: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ مُحَمَّدٍ: حَدَّثَنَا محمد بن عدي بن كامل: حَدَّثَنَا وَهْبُ بْنُ بَقِيَّةَ الْوَاسِطِيُّ: حَدَّثَنَا خالد بن عبدالله، عَنْ محمد بن قيس، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِاللَّهِ: أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ صَلَّى الضُّحَى سِتَّ رَكَعَاتٍ.
الشيخ: علَّق عليه؟
الطالب: محمد بن قيس لم يُوثقه غير ابن حبان.
الشيخ: علَّق عليه؟
الطالب: عمر بن صبح متروك .....
وَقَالَ الحاكمُ: أَخْبَرَنَا أبو أحمد ابن محمد الصيرفي: حَدَّثَنَا أَبُو قِلَابَةَ الرَّقَاشِيُّ: حَدَّثَنَا أبو الوليد: حَدَّثَنَا شعبة، عَنْ أبي إسحاق، عَنْ عاصم بن ضمرة، عَنْ عليٍّ : أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ كَانَ يُصَلِّي الضُّحَى.
وَبِهِ إِلَى أبي الوليد: حَدَّثَنَا أبو عوانة، عَنْ حصين بن عبدالرحمن، عَنْ عَمْرِو بْنِ مُرَّةَ، عَنْ عمارة بن عمير العبدي، عَنِ ابن جبير بن مطعم، عَنْ أَبِيهِ: أَنَّهُ رَأَى رَسُولَ اللَّهِ ﷺ يُصَلِّي الضُّحَى.
قَالَ الحاكمُ: وَفِي الْبَابِ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ، وَأَبِي ذَرٍّ الْغِفَارِيِّ، وَزَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ، وَأَبِي هُرَيْرَةَ، وبريدة الأسلمي، وَأَبِي الدَّرْدَاءِ، وَعَبْدِاللَّهِ ابْنِ أَبِي أَوْفَى، وعتبان بن مالك، وَأَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، وعتبة بن عبدالله السلمي، ونعيم بن همار الغطفاني، وَأَبِي أُمَامَةَ الْبَاهِلِيِّ .
وَمِنَ النِّسَاءِ: عائشة بنت أبي بكر، وأم هانئ، وأم سلمة رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُنَّ.
كُلُّهُمْ شَهِدُوا أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ كَانَ يُصَلِّيهَا.
وَذَكَرَ الطَّبَرَانِيُّ مِنْ حَدِيثِ عليٍّ، وأنسٍ، وعائشة، وجابر: أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ كَانَ يُصَلِّي الضُّحَى سِتَّ رَكَعَاتٍ.
فَاخْتَلَفَ النَّاسُ فِي هَذِهِ الْأَحَادِيثِ عَلَى طُرُقٍ:
مِنْهُمْ مَنْ رَجَّحَ رِوَايَةَ الْفِعْلِ عَلَى التَّرْكِ بِأَنَّهَا مُثْبِتَةٌ، تَتَضَمَّنُ زِيَادَةَ عِلْمٍ خَفِيَتْ عَلَى النَّافِي.
قَالُوا: وَقَدْ يَجُوزُ أَنْ يَذْهَبَ عِلْمُ مِثْلِ هَذَا عَلَى كَثِيرٍ مِنَ النَّاسِ، وَيُوجَدُ عِنْدَ الْأَقَلِّ.
قَالُوا: وَقَدْ أَخْبَرَتْ عائشةُ، وأنس، وجابر، وأم هانئ، وَعَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ أَنَّهُ صَلَّاهَا.
قَالُوا: وَيُؤَيِّدُ هَذَا الْأَحَادِيثُ الصَّحِيحَةُ الْمُتَضَمِّنَةُ لِلْوَصِيَّةِ بِهَا، وَالْمُحَافَظَةِ عَلَيْهَا، وَمَدْحِ فَاعِلِهَا، وَالثَّنَاءِ عَلَيْهِ. فَفِي "الصَّحِيحَيْنِ" عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: "أَوْصَانِي خَلِيلِي مُحَمَّدٌ ﷺ بِصِيَامِ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ مِنْ كُلِّ شَهْرٍ، وَرَكْعَتَيِ الضُّحَى، وَأَنْ أُوتِرَ قَبْلَ أَنْ أَنَامَ".
وَفِي "صَحِيحِ مسلم" نَحْوُهُ عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ.
وَفِي "صَحِيحِ مسلم" عَنْ أبي ذرٍّ يَرْفَعُهُ قَالَ: يُصْبِحُ عَلَى كُلِّ سُلَامَى مِنْ أَحَدِكُمْ صَدَقَةٌ، فَكُلُّ تَسْبِيحَةٍ صَدَقَةٌ، وَكُلُّ تَحْمِيدَةٍ صَدَقَةٌ، وَكُلُّ تَهْلِيلَةٍ صَدَقَةٌ، وَكُلُّ تَكْبِيرَةٍ صَدَقَةٌ، وَأَمْرٌ بِالْمَعْرُوفِ صَدَقَةٌ، وَنَهْيٌ عَنِ الْمُنْكَرِ صَدَقَةٌ، وَيُجْزِئُ مِنْ ذَلِكَ رَكْعَتَانِ يَرْكَعُهُمَا مِنَ الضُّحَى.
وَفِي "مُسْنَدِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ" عَنْ معاذ بن أنس الجهني: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَالَ: مَنْ قَعَدَ فِي مُصَلَّاهُ حِينَ يَنْصَرِفُ مِنْ صَلَاةِ الصُّبْحِ حَتَّى يُسَبِّحَ رَكْعَتَيِ الضُّحَى لَا يَقُولُ إِلَّا خَيْرًا غَفَرَ اللَّهُ لَهُ خَطَايَاهُ وَإِنْ كَانَتْ مِثْلَ زَبَدِ الْبَحْرِ.
الشيخ: علَّق عليه المحشي؟
الطالب: رواه أحمد في "المسند"، والبيهقي، وفيه ابن لهيعة، وهو سيئ الحفظ .....، وهو ضعيف، وسهل بن معاذ لا بأس به إلا في رواية ..... وهذه منها.
الشيخ: علَّق عليه؟
الطالب: رواه الترمذي في "الصلاة" باب "ما جاء في صلاة الضحى"، وابن ماجه في "إقام الصلاة" باب "ما جاء في صلاة الضحى"، وأحمد في "المسند"، وفي سنده النهاس بن صخر، وهو ضعيف، كما قال الحافظُ في "التقريب".
الشيخ: عليه شيء؟
الطالب: رواه الترمذي في "الصلاة" باب "ما جاء في صلاة الضحى"، وإسناده قوي، ويشهد له الذي قبله.
الشيخ: ويصدق هذا على صلاة الفجر مع راتبتها، فإنها أربع في أول النهار، سنة الفجر مع الفريضة أربع في أول النهار.
الطالب: رواه أحمد في "المسند"، وأبو داود في "الصلاة" باب "صلاة الضحى"، وإسناده صحيح.
الشيخ: هذا حديث مَن؟
الطالب: حديث نعيم بن همار، لكن رواية أحمد تُفسره.
............
الشيخ: تكلَّم عليه؟
الطالب: رواه الترمذي وابن ماجه في "إقام الصلاة" باب "ما جاء في صلاة الضحى"، وفي سنده موسى بن أنس، وهو مجهول.
وَفِي "صَحِيحِ مسلم" عَنْ زَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ: أَنَّهُ رَأَى قَوْمًا يُصَلُّونَ مِنَ الضُّحَى فِي مَسْجِدِ قُبَاء، فَقَالَ: أَمَا لَقَدْ عَلِمُوا أَنَّ الصَّلَاةَ فِي غَيْرِ هَذِهِ السَّاعَةِ أَفْضَلُ؛ إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَالَ: صَلَاةُ الْأَوَّابِينَ حِينَ تَرْمَضُ الْفِصَالُ.
وَقَوْلُهُ: "تَرْمَضُ الْفِصَالُ" أَيْ: يَشْتَدُّ حَرُّ النَّهَارِ، فَتَجِدُ الْفِصَالُ حَرَارَةَ الرَّمْضَاءِ.
وَفِي "الصَّحِيحِ" أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ صَلَّى الضُّحَى فِي بَيْتِ عتبان بن مالك رَكْعَتَيْنِ.
وَفِي "مُسْتَدْرَكِ الحاكم" مِنْ حَدِيثِ خَالِدِ بْنِ عَبْدِاللَّهِ الْوَاسِطِيِّ، عَنْ محمد بن عمرو، عَنْ أبي سلمة، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَالَ: لَا يُحَافِظُ عَلَى صَلَاةِ الضُّحَى إِلَّا أَوَّابٌ، وَقَالَ: هَذَا إِسْنَادٌ قَدِ احْتَجَّ بِمِثْلِهِ مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ، وَأَنَّهُ حَدَّثَ عَنْ شُيُوخِهِ، عَنْ محمد بن عمرو، عَنْ أبي سلمة، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ، عَنِ النَّبِيِّ ﷺ: مَا أَذِنَ اللَّهُ لِشَيْءٍ مَا أَذِنَ لِنَبِيٍّ يَتَغَنَّى بِالْقُرْآنِ، قَالَ: وَلَعَلَّ قَائِلًا يَقُولُ: قَدْ أَرْسَلَهُ حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، وَعَبْدُالْعَزِيزِ بْنُ مُحَمَّدٍ الدَّرَاوَرْدِيُّ، عَنْ محمد بن عمرو. فَيُقَالُ لَهُ: خالد بن عبدالله ثِقَةٌ، وَالزِّيَادَةُ مِنَ الثِّقَةِ مَقْبُولَةٌ.
الشيخ: علَّق بشيءٍ؟
الطالب: رواه الحاكم في "المستدرك"، وابن خزيمة، وسنده حسن، وصححه الحاكم على شرط مسلم، ووافقه الذهبي، مع أنَّ محمد بن علي لم يُخرج له مسلم إلا في المتابعات.
الشيخ: وهذا منها، هذا من المتابعات.
الشيخ: علَّق عليه؟
الطالب: أخرجه الطبراني في "الأوسط"، وسليمان بن داود اليماني قال ابن معين: ليس بشيءٍ. وقال البخاري: منكر الحديث. واصطلاح البخاري أنَّ مَن قال فيه: منكر الحديث، لا تحل الرواية عنه، وقال ..... متروك، ويحيى ابن أبي كثير مُدلس قد عنعن، فالخبر لا يصحّ.
الشيخ: وبكل حالٍ، فالأحاديث كثيرة مُستفيضة عن النبي ﷺ، كلها تدل على شرعية صلاة الضحى، وأنها سنة مؤكدة، وأن فضلها عظيم، وهو وقت يغفل فيه الناس، في الغالب يغفل فيه الناس، فالصلاة فيه لها منزلة، ولها فضل، وقد ثبت هذا عن النبي ﷺ من عدة طرقٍ: من قوله، ومن فعله، ومن تقريره عليه الصلاة والسلام، وأصحّ ذلك ما ثبت من قوله: من حديث أبي هريرة، ومن حديث أبي الدَّرداء، وما ثبت من فعله عام الفتح، مع الأحاديث الأخرى الكثيرة الدالة على فضلها، وأنه لا حصرَ لها، لو صلى: ثنتين، أو أربعًا، أو ستًّا، أو ثمان، أو أكثر من ذلك، ليس لها حدٌّ، لو صلَّى مئة أو أكثر من ذلك.
س: .............؟
ج: سنة، المداومة عليها فيها فضل عظيم، فقد أوصى بها النبي أبا هريرة، وأبا الدَّرداء، وقال في السلاميات: إن المؤمن يكفيه من ذلك ركعتان يركعهما من الضحى، أداء الصَّدقات التي على سلامياته.
............
الشيخ: تصدق على الفجر وسنة الفجر، وتصدق على أربعٍ بعد ارتفاع الشمس، ومَن صلَّى الفجر وسنتها فقد صلَّى أربعًا في أول النهار.
...........
وَقَالَ الترمذي فِي "الْجَامِعِ": حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ مُحَمَّدُ بْنُ الْعَلَاءِ: حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ بُكَيْرٍ، عَنْ محمد بن إسحاق قَالَ: حَدَّثَنِي مُوسَى بْنُ فُلَانٍ، عَنْ عَمِّهِ ثمامة بن أنس بن مالك، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: مَنْ صَلَّى الضُّحَى ثِنْتَيْ عَشْرَةَ رَكْعَةً بَنَى اللَّهُ لَهُ قَصْرًا مِنْ ذَهَبٍ فِي الْجَنَّةِ.
قَالَ الترمذي: حَدِيثٌ غَرِيبٌ لَا نَعْرِفُهُ إِلَّا مِنْ هَذَا الْوَجْهِ، وَكَانَ أحمدُ يَرَى أَصَحَّ شَيْءٍ فِي هَذَا الْبَابِ حَدِيثَ أم هانئ. قُلْتُ: وَمُوسَى ابْنُ فُلَانٍ هَذَا هُوَ موسى بن عبدالله بن المثنى بن أنس بن مالك.
الشيخ: علَّق عليه؟
الطالب: رواه الترمذي في "الصلاة" باب "ما جاء في صلاة الضحى"، وابن ماجه في "إقامة الصلاة" باب "ما جاء في صلاة الضحى"، وموسى بن فلان مجهول كما في "التقريب"، وقد تقدم.
الشيخ: انظر موسى بن عبدالله بن أنس في "التقريب".
وصلاة الضحى فيها أحاديث كثيرة صحيحة عن النبي ﷺ، أما كونها ثنتي عشرة ركعة ففي هذا الحديث الذي في صحته نظر، وقد ثبت في "الصحيحين" أن النبي أوصى بها أبا هريرة، وأوصى بها أبا الدَّرداء، كذلك حديث أبي ذرٍّ عند مسلم لما ذكر الخصالَ التي تُكفر بها ما على السّلاميات من الحقوق قال: ويكفي من ذلك ركعتان تركعهما من الضحى.
وفي الحديث الصحيح -حديث أم هانئ- أن النبي ﷺ صلَّى الضحى ثمان ركعات لما فتح الله عليه مكة.
والمقصود أنَّ صلاة الضحى سنة مؤكدة من قول النبي ﷺ وفعله، وليس فيها حدٌّ محدود، صلَّى ثمانيًا أو عشرًا أو عشرين أو أكثر أو أقلّ، ليس فيها حدٌّ محدود، لكن أقلّها ركعتان.
الشيخ: علَّق عليه؟
الطالب: رواه الترمذي في "الصلاة" باب "ما جاء في صلاة الضحى"، وأحمد في "المسند"، وعطية بن سعد العوفي سيئ الحفظ، فالسند ضعيف.
الشيخ: أيش قال المحشي؟
الطالب: رواه أحمد في "المسند"، وقد حرَّف فيه اسم يحيى بن الحارث الذّماري، إلى يحيى بن خالد الذهاري، وإسناده حسن، ورواه أبو داود مختصرًا بلفظ: ..... كتاب في عليين، وإسناده حسن.
الشيخ: المتن غريب جدًّا، وإسماعيل بن عياش ليس بذاك عن الحجازيين، وعن الشَّاميين لا بأس به بالجملة، انظر كلامه على يحيى بن الحارث.
الطالب: موسى ابن فلان ابن أنس بن مالك، مجهول، من السادسة، ويقال: هو ابن حمزة. (ت، ق).
الشيخ: ما ذكر؟
الطالب: لا، ما ذكر.
الشيخ: انظر يحيى بن الحارث الذماري، ويحيى بن خالد الذهاري.
الشيخ: ومما يدل على نكارة المتن أنَّ الحجَّ لا يكون إلا عن إحرامٍ، لا يكون حجٌّ إلا بإحرامٍ، ما أحد ..... المحرم، ما أحد يحج بغير إحرام، وأيضًا المشي إلى صلاة الضحى فيه نكارة؛ لأنَّ السنة فعلها في البيت، وهي أفضل من الخروج إلى المسجد، كونها تُؤدَّى في البيت هو الأفضل؛ لأنها من صلاة البيوت.
الطالب: يحيى بن الحارث الذماري -بكسر المعجمة وتخفيف الميم- أبو عمرو الشامي القارئ، ثقة، من الخامسة، مات سنة خمسٍ وأربعين، وهو ابن سبعين سنة. (4).
الشيخ: قد تكون رواية إسماعيل عن الشَّاميين لا بأس بها، والقاسم بن عبدالرحمن فيه كلام، لكن لا بأس به إن كان الراوي عنه ثقة، نعم. انظر ذكر يحيى بن خالد الذّهاري.
الطالب: ما ذكره.
الشيخ: والحديث له شواهد، وله طرق تدل على حسنه، وأن فعل هذه الصلاة بعد ارتفاع الشمس لمن جلس في مصلاه في خير عظيم وفضل كبير، أعد سنده، وقال من؟
الطالب: وَقَالَ الحاكم: حَدَّثَنَا أبو العباس: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ الصَّاغَانِيُّ: حَدَّثَنَا أبو المورع محاضر بن المورع: حَدَّثَنَا الأحوص بن حكيم: حَدَّثَنِي عبدالله بن عامر الألهاني، عَنْ منيب بن عيينة بن عبدالله السّلمي، عَنْ أبي أمامة، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ: مَنْ صَلَّى الصُّبْحَ فِي مَسْجِدِ جَمَاعَةٍ، ثُمَّ ثَبَتَ فِيهِ حَتَّى الضُّحَى، ثُمَّ يُصَلِّي سُبْحَةَ الضُّحَى، كَانَ لَهُ كَأَجْرِ حَاجٍّ أَوْ مُعْتَمِرٍ تَامٍّ لَهُ حَجَّتُهُ وَعُمْرَتُهُ.
الشيخ: أيش قال المحشي عليه؟
الطالب: إسناده ضعيف.
الشيخ: جاء من روايات متعددة، وقد جمع طرقَه بعضُ الإخوان، ما أدري من هو الذي جمعه، منذ مدة طويلة جمع طرقه، ولا بأس به.
الشيخ: ابن كثير من طرق: كأجر الحاجِّ والمعتمر بدون "أو"، بالواو، لكن هذه الرواية كأنَّ المحشي ما وجد غيرها.
الشيخ: أيش قال المحشي عليه؟
الطالب: سنده قابل للتَّحسين.
الشيخ: ساق سنده؟
الطالب: نعم.
الشيخ: ورواه؟
الطالب: وَقَالَ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ: حَدَّثَنِي حَاتِمُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، عَنْ حميد بن صخر، عَنِ المقبري.
الشيخ: يكفي.
الطالب: سنده قابل للتَّحسين، وأخرجه ابن حبان من طريق ابن أبي شيبة، وأخرجه المنذري في "الترغيب والترهيب"، وقال: رواه أبو يعلى، ورجاله رجال الصحيح، والبزار. وبيَّن البزار في روايته أنَّ الرجل أبو بكر . وفي الباب عن عبدالله بن عمرو عند أحمد، ورواية ابن لهيعة، والطبراني، بإسنادٍ جيدٍ.
الشيخ: عندك حاتم بن إسماعيل، انظر حاتم بن إسماعيل، وحميد بن صخر.
الطالب: حاتم بن إسماعيل، المدني، أبو إسماعيل، الحارثي مولاهم، أصله من الكوفة، صحيح الكتاب، صدوق، يهم، من الثامنة، مات سنة ستٍّ أو سبعٍ وثمانين. (ع).
الشيخ: ما في إلا هو؟
الطالب: نعم.
الشيخ: انظر حميد بن صخر.
وَفِي الْبَابِ أَحَادِيثُ سِوَى هَذِهِ، لَكِنَّ هَذِهِ أَمْثَلُهَا.
الشيخ: وقد أجاد رحمه الله، وقد بسط المقام في هذا ..... من الأحاديث في صلاة الضحى، ويكفي بعضها في الدلالة على شرعيتها وتأكدها، وهي من قول النبي أثبت من الفعل؛ لوجوه: لأنه ﷺ لم يُداوم العمل عليها فيما رواه الثقات، مثلما قالت عائشة رضي الله عنها، ولكن من قوله ﷺ أثبت، فأوصى بها أبا الدرداء، وأبا هريرة كما تقدم، وثبت من حديث أبي ذرٍّ، وحديث أم هانئ، فأحاديثها كثيرة في الدلالة على شرعيتها وتأكدها، ولا سيما الضحى وقت يغفل فيه الناس، فهذه العبادة في هذه الحال لها مزيتها، والله المستعان.
وهكذا ذكر الله : الإكثار من ذكره في الأحوال التي يغفل فيها الناس يكون فيه مزية وفضل غير الأوقات التي يكثر فيها الذَّاكرون.
الطالب: حميد بن صخر، أبو مودود الخراء، وقيل: إنهما اثنان. صدوق، يهم، من السادسة، مات سنة تسعٍ وثمانين. (بخ، م، د، ت، عس، ق).
الشيخ: ما في غيره أحد؟
الطالب: ما في إلا هو.
وَفِي الْبَابِ أَحَادِيثُ سِوَى هَذِهِ، لَكِنَّ هَذِهِ أَمْثَلُهَا.
قَالَ الحاكمُ: صَحِبْتُ جَمَاعَةً مِنْ أَئِمَّةِ الْحَدِيثِ الْحُفَّاظِ الْأَثْبَاتِ، فَوَجَدْتُهُمْ يَخْتَارُونَ هَذَا الْعَدَدَ، يَعْنِي: أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ، وَيُصَلُّونَ هَذِهِ الصَّلَاةَ أَرْبَعًا؛ لِتَوَاتُرِ الْأَخْبَارِ الصَّحِيحَةِ فِيهِ، وَإِلَيْهِ أَذْهَبُ، وَإِلَيْهِ أَدْعُو؛ اتِّبَاعًا لِلْأَخْبَارِ الْمَأْثُورَةِ، وَاقْتِدَاءً بِمَشَايِخِ الْحَدِيثِ فِيهِ.
الشيخ: تقول عائشةُ رضي الله عنها: "كان النبيُّ ﷺ يُصلي الضحى أربعًا ويزيد ما شاء الله". رواه مسلم، فإذا صلَّاها أربعًا فحسن، وإن صلَّى ثنتين فحسن، وإن صلَّى أكثر من ذلك كله ثابت عنه عليه الصلاة والسلام، والأمر في هذا واسع، وثبت عنه أنه صلَّاها ثمانيًا عليه الصلاة والسلام كما في حديث أم هانئ.
س: ...........؟
ج: ثنتين، بارك الله فيك، صلاة الليل والنهار مثنى، مثنى.
قَالَ ابْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ -وَقَدْ ذَكَرَ الْأَخْبَارَ الْمَرْفُوعَةَ فِي صَلَاةِ الضُّحَى وَاخْتِلَاف عَدَدِهَا- وَلَيْسَ فِي هَذِهِ الْأَحَادِيثِ حَدِيثٌ يدْفَعُ صَاحِبهُ؛ وَذَلِكَ أَنَّ مَنْ حَكَى أَنَّهُ صَلَّى الضُّحَى أَرْبَعًا جَائِزٌ أَنْ يَكُونَ رَآهُ فِي حَالِ فِعْلِهِ ذَلِكَ، وَرَآهُ غَيْرُهُ فِي حَالٍ أُخْرَى صَلَّى رَكْعَتَيْنِ، وَرَآهُ آخَرُ فِي حَالٍ أُخْرَى صَلَّاهَا ثَمَانِيًا، وَسَمِعَهُ آخَرُ يَحُثُّ عَلَى أَنْ يُصَلِّيَ سِتًّا، وَآخَرُ يَحُثُّ عَلَى أَنْ يُصَلِّيَ رَكْعَتَيْنِ، وَآخَرُ عَلَى عَشْرٍ، وَآخَرُ عَلَى ثِنْتَيْ عَشْرَةَ، فَأَخْبَرَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ عَمَّا رَأَى وَسَمِعَ.
قَالَ: وَالدَّلِيلُ عَلَى صِحَّةِ قَوْلِنَا مَا رُوِيَ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ قَالَ: سَمِعْتُ عبدالله بن عمر يَقُولُ لأبي ذرٍّ: أَوْصِنِي يَا عَمِّ، قَالَ: سَأَلْتُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ كَمَا سَأَلْتَنِي، فَقَالَ: مَنْ صَلَّى الضُّحَى رَكْعَتَيْنِ لَمْ يُكْتَبْ مِنَ الْغَافِلِينَ، وَمَنْ صَلَّى أَرْبَعًا كُتِبَ مِنَ الْعَابِدِينَ، وَمَنْ صَلَّى سِتًّا لَمْ يَلْحَقْهُ ذَلِكَ الْيَوْمَ ذَنْبٌ، وَمَنْ صَلَّى ثَمَانِيًا كُتِبَ مِنَ الْقَانِتِينَ، وَمَنْ صَلَّى عَشْرًا بَنَى اللَّهُ لَهُ بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ.
الشيخ: المؤلف ما عزاه؟
الطالب: لا، ما عزاه، قال: رُوي عن زيد بن أسلم.
الشيخ: فقط؟ والمحشي؟
الطالب: رواه البزار، وفي سنده الحسن بن عطاء بن يسار المدني، قال أبو حاتم: منكر الحديث. وقال ابن حبان: لا يجوز أن يحتجّ به إذا انفرد. وأخرجه المنذري في "الترغيب والترهيب" من حديث أبي الدَّرداء، وقال: رواه الطبراني في "الكبير"، ورواته ثقات، وفي موسى بن يعقوب الزمعي خلاف، وقد رُوي عن جماعةٍ من الصحابة، ومن طرقٍ هذه أحسن أسانيده. وانظر: "مجمع الزوائد" و"فتح الباري".
وَقَالَ مجاهد: صَلَّى رَسُولُ اللَّهِ ﷺ يَوْمًا الضُّحَى رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ يَوْمًا أَرْبَعًا، ثُمَّ يَوْمًا سِتًّا، ثُمَّ يَوْمًا ثَمَانِيًا، ثُمَّ تَرَكَ.
فَأَبَانَ هَذَا الْخَبَرُ عَنْ صِحَّةِ مَا قُلْنَا مِنِ احْتِمَالِ خَبَرِ كُلِّ مُخْبِرٍ مِمَّنْ تَقَدَّمَ أَنْ يَكُونَ إِخْبَارُهُ لِمَا أَخْبَرَ عَنْهُ فِي صَلَاةِ الضُّحَى عَلَى قَدْرِ مَا شَاهَدَهُ وَعَايَنَهُ.
وَالصَّوَابُ إِذَا كَانَ الْأَمْرُ كَذَلِكَ: أَنْ يُصَلِّيَهَا مَنْ أَرَادَ عَلَى مَا شَاءَ مِنَ الْعَدَدِ. وَقَدْ رُوِيَ هَذَا عَنْ قَوْمٍ مِنَ السَّلَفِ: حَدَّثَنَا ابن حميد: حَدَّثَنَا جرير، عَنْ إبراهيم: سَأَلَ رَجُلٌ الأسود: كَمْ أُصَلِّي الضُّحَى؟ قَالَ: كَما شِئْتَ.
وَطَائِفَةٌ ثَانِيَةٌ ذَهَبَتْ إِلَى أَحَادِيثِ التَّرْكِ، وَرَجَّحَتْهَا مِنْ جِهَةِ صِحَّةِ إِسْنَادِهَا، وَعَمَلِ الصَّحَابَةِ بِمُوجِبِهَا، فَرَوَى الْبُخَارِيُّ عَنِ ابْنِ عُمَرَ: أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ يُصَلِّيهَا، وَلَا أبو بكر، وَلَا عمر. قُلْتُ: فَالنَّبِيُّ ﷺ؟ قَالَ: لَا إِخَالُهُ.
وَقَالَ وَكِيعٌ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ، عَنْ عاصم بن كليب، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: "مَا رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ صَلَّى صَلَاةَ الضُّحَى إِلَّا يَوْمًا وَاحِدًا".
الشيخ: وهذا سنده لا بأس به مثلما قال المؤلفُ، أخبر عن مُشاهدته، قالت عائشةُ رضي الله عنها: "كان يُصلي الضُّحى أربعًا، ويزيد ما شاء الله"، وفي لفظٍ: أنها ما رأت النبيَّ يُصليها إلا أن يقدم من سفرٍ. وقالت: "ما رأيتُه يُسبحها، وإني لأُسبّحها".
فالمقصود من هذا أنَّ صلاة الضحى سنة قولية من قوله ومن فعله عليه الصلاة والسلام، فمَن لم يُشاهده أخبر عن علمه، ومَن شاهده أخبر عن مُشاهدته وعلمه، ومَن أثبت حُجَّة على مَن نفى، قاعدة: مَن أثبت شيئًا فهو حُجَّة على مَن نفاه.
وقد أخبرت عائشةُ أنه ﷺ صلَّى أربعًا، ويزيد ما شاء الله. وأخبرت أم هانئ أنه صلَّاها ثمانيًا يوم الفتح، وثبت في "الصحيحين" أنه أوصى أبا هريرة وأبا الدَّرداء بصلاة الضحى، وثبت في "صحيح مسلم" أن النبي ﷺ أوصى بركعتي الضحى وقال أنها تكفي عمَّا يتعلق بالسّلاميات، قال: يكفي من ذلك ركعتان تركعهما من الضحى، هذا كافٍ في الدلالة على فضلها، وأنها سنة مؤكدة في كل يومٍ.
الشيخ: فضيل بن فضالة، كذا؟
الطالب: نعم.
الشيخ: علَّق عليه؟
الطالب: قال: وإسناده صحيح.
الشيخ: وقال مَن؟
الشيخ: انظر فضيل بن فضالة في "التقريب".
الشيخ: هذا إن صحَّ على حسب علمه، على حسب علم أبي بكرة .
الطالب: فضيل ابن فضالة -بفتح الفاء والمعجمة الخفيفة- القيسي، البصري، صدوق، من السادسة. (س).
فضيل ابن فضالة الهوزني -بفتح الهاء والزاي بينهما واو ساكنة- الشامي، مقبول، أرسل شيئًا، من الخامسة. (مد، س).
الشيخ: نعم.
وَفِي "الْمُوَطَّأ": عَنْ مالك، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ عروة، عَنْ عائشةَ قَالَتْ: "مَا سَبَّحَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ سُبْحَةَ الضُّحَى قَطُّ، وَإِنِّي لَأُسَبِّحُهَا، وَإِنْ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ لَيَدَعُ الْعَمَلَ وَهُوَ يُحِبُّ أَنْ يَعْمَلَ بِهِ خَشْيَةَ أَنْ يَعْمَلَ بِهِ النَّاسُ فَيُفْرَضَ عَلَيْهِمْ".
وَقَالَ أبو الحسن علي بن بطال: فَأَخَذَ قَوْمٌ مِنَ السَّلَفِ بِحَدِيثِ عائشة، وَلَمْ يَرَوْا صَلَاةَ الضُّحَى. وَقَالَ قَوْمٌ: إِنَّهَا بِدْعَةٌ.
رَوَى الشَّعْبِيُّ، عَنْ قيس بن عبيد قَالَ: كُنْتُ أَخْتَلِفُ إِلَى ابْنِ مَسْعُودٍ السَّنَةَ كُلَّهَا، فَمَا رَأَيْتُهُ مُصَلِّيًا الضُّحَى.
وَرَوَى شعبة، عَنْ سعد بن إبراهيم، عَنْ أَبِيهِ: أَنَّ عَبْدَالرَّحْمَنِ بْنَ عَوْفٍ كَانَ لَا يُصَلِّي الضُّحَى.
وَعَنْ مجاهدٍ قَالَ: دَخَلْتُ أَنَا وَعُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ الْمَسْجِدَ، فَإِذَا ابْنُ عُمَرَ جَالِسٌ عِنْدَ حُجْرَةِ عائشة، وَإِذَا النَّاسُ فِي الْمَسْجِدِ يُصَلُّونَ صَلَاةَ الضُّحَى، فَسَأَلْنَاهُ عَنْ صَلَاتِهِمْ، فَقَالَ: بِدْعَةٌ. وَقَالَ مَرَّةً: وَنِعْمَتِ الْبِدْعَةُ.
وَقَالَ الشَّعْبِيُّ: سَمِعْتُ ابْنَ عُمَرَ يَقُولُ: مَا ابْتَدَعَ الْمُسْلِمُونَ أَفْضَلَ صَلَاةً مِنَ الضُّحَى.
وَسُئِلَ أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ عَنْ صَلَاةِ الضُّحَى فَقَالَ: الصَّلَوَاتُ خَمْسٌ.
وَذَهَبَتْ طَائِفَةٌ ثَالِثَةٌ إِلَى اسْتِحْبَابِ فِعْلِهَا غِبًّا، فَتُصَلَّى فِي بَعْضِ الْأَيَّامِ دُونَ بَعْضٍ. وَهَذَا أَحَدُ الرِّوَايَتَيْنِ عَنْ أحمد، وَحَكَاهُ الطَّبَرِيُّ عَنْ جَمَاعَةٍ، قَالَ: وَاحْتَجُّوا بِمَا رَوَى الجريري، عَنْ عبدالله بن شقيق قَالَ: قُلْتُ لعائشة: أَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ يُصَلِّي الضُّحَى؟ قَالَتْ: "لَا، إِلَّا أَنْ يَجِيءَ مِنْ مَغِيبِهِ".
ثُمَّ ذَكَرَ حَدِيثَ أبي سعيدٍ: "كَانَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ يُصَلِّي الضُّحَى حَتَّى نَقُولَ: لَا يَدَعُهَا، وَيَدَعُهَا حَتَّى نَقُولَ: لَا يُصَلِّيهَا"، وَقَدْ تَقَدَّمَ.
ثُمَّ قَالَ: كَذَا ذَكَرَ مَنْ كَانَ يَفْعَلُ ذَلِكَ مِنَ السَّلَفِ.
وَرَوَى شعبة، عَنْ حَبِيبِ بْنِ الشَّهِيدِ، عَنْ عكرمة قَالَ: كَانَ ابْنُ عَبَّاسٍ يُصَلِّيهَا يَوْمًا، وَيَدَعُهَا عَشَرَةَ أَيَّامٍ. يَعْنِي: صَلَاةَ الضُّحَى.
وَرَوَى شعبة، عَنْ عَبْدِاللَّهِ بْنِ دِينَارٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ: أَنَّهُ كَانَ لَا يُصَلِّي الضُّحَى، فَإِذَا أَتَى مَسْجِدَ قُبَاءٍ صَلَّى، وَكَانَ يَأْتِيهِ كُلَّ سَبْتٍ.
وَرَوَى سفيان، عَنْ منصورٍ قَالَ: كَانُوا يَكْرَهُونَ أَنْ يُحَافِظُوا عَلَيْهَا كَالْمَكْتُوبَةِ، وَيُصَلُّونَ وَيَدَعُونَ. يَعْنِي صَلَاةَ الضُّحَى.
وَعَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ: إِنِّي لَأَدَعُ صَلَاةَ الضُّحَى وَأَنَا أَشْتَهِيهَا مَخَافَةَ أَنْ أَرَاهَا حَتْمًا عَلَيَّ.
وَقَالَ مسروق: كُنَّا نَقْرَأُ فِي الْمَسْجِدِ، فَنَبْقَى بَعْدَ قِيَامِ ابْنِ مَسْعُودٍ، ثُمَّ نَقُومُ، فَنُصَلِّي الضُّحَى، فَبَلَغَ ابْنَ مَسْعُودٍ ذَلِكَ فَقَالَ: "لِمَ تُحَمِّلُونَ عِبَادَ اللَّهِ مَا لَمْ يُحَمِّلْهُمُ اللَّهُ؟! إِنْ كُنْتُمْ لَا بُدَّ فَاعِلِينَ فَفِي بُيُوتِكُمْ".
وَكَانَ أبو مجلز يُصَلِّي الضُّحَى فِي مَنْزِلِهِ.
قَالَ هَؤُلَاءِ: وَهَذَا أَوْلَى؛ لِئَلَّا يَتَوَهَّمَ مُتَوَهِّمٌ وُجُوبَهَا بِالْمُحَافَظَةِ عَلَيْهَا، أَوْ كَوْنَهَا سُنَّةً رَاتِبَةً؛ وَلِهَذَا قَالَتْ عائشةُ: "لَوْ نُشِرَ لِي أَبَوَايَ مَا تَرَكْتُهَا"، فَإِنَّهَا كَانَتْ تُصَلِّيهَا فِي الْبَيْتِ حَيْثُ لَا يَرَاهَا النَّاسُ.
وَذَهَبَتْ طَائِفَةٌ رَابِعَةٌ إِلَى أَنَّهَا تُفْعَلُ بِسَبَبٍ مِنَ الْأَسْبَابِ، وَأَنَّ النَّبِيَّ ﷺ إِنَّمَا فَعَلَهَا بِسَبَبٍ، قَالُوا: وَصَلَاتُهُ ﷺ يَوْمَ الْفَتْحِ ثَمَان رَكَعَاتٍ ضُحًى إِنَّمَا كَانَتْ مِنْ أَجْلِ الْفَتْحِ، وَأَنَّ سُنَّةَ الْفَتْحِ أَنْ تُصَلَّى عِنْدَهُ ثَمَان رَكَعَاتٍ، وَكَانَ الْأُمَرَاءُ يُسَمُّونَهَا: صَلَاةَ الْفَتْحِ.
وَذَكَرَ الطَّبَرِيُّ فِي "تَارِيخِهِ" عَنِ الشَّعْبِيِّ قَالَ: لَمَّا فَتَحَ خَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ الْحِيرَةَ صَلَّى صَلَاةَ الْفَتْحِ ثَمَان رَكَعَاتٍ، لَمْ يُسَلِّمْ فِيهِنَّ، ثُمَّ انْصَرَفَ.
قَالُوا: وَقَوْلُ أم هانئ: "وَذَلِكَ ضُحًى" تُرِيدُ أَنَّ فِعْلَهُ لِهَذِهِ الصَّلَاة كَانَ ضُحًى، لَا أَنَّ الضُّحَى اسْمٌ لِتِلْكَ الصَّلَاةِ.
قَالُوا: وَأَمَّا صَلَاتُهُ فِي بَيْتِ عتبان بن مالك فَإِنَّمَا كَانَتْ لِسَبَبٍ أَيْضًا: فَإِنَّ عتبان قَالَ لَهُ: إِنِّي أَنْكَرْتُ بَصَرِي، وَإِنَّ السُّيُولَ تَحُولُ بَيْنِي وَبَيْنَ مَسْجِدِ قَوْمِي، فَوَدِدْتُ أَنَّكَ جِئْتَ فَصَلَّيْتَ فِي بَيْتِي مَكَانًا أَتَّخِذُهُ مَسْجِدًا، فَقَالَ: أَفْعَلُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى، قَالَ: فَغَدَا عَلَيَّ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ وأبو بكر مَعَهُ بَعْدَمَا اشْتَدَّ النَّهَارُ، فَاسْتَأْذَنَ النَّبِيُّ ﷺ، فَأَذِنْتُ لَهُ، فَلَمْ يَجْلِسْ حَتَّى قَالَ: أَيْنَ تُحِبُّ أَنْ أُصَلِّيَ مِنْ بَيْتِكَ؟ فَأَشَرْتُ إِلَيْهِ مِنَ الْمَكَانِ الَّذِي أُحِبُّ أَنْ يُصَلِّيَ فِيهِ، فَقَامَ وَصَفَفْنَا خَلْفَهُ، وَصَلَّى، ثُمَّ سَلَّمَ، وَسَلَّمْنَا حِينَ سَلَّمَ. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
فَهَذَا أَصْلُ هَذِهِ الصَّلَاةِ وَقِصَّتُهَا، وَلَفْظُ الْبُخَارِيِّ فِيهَا، فَاخْتَصَرَهُ بَعْضُ الرُّوَاةِ عَنْ عتبان فَقَالَ: إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ صَلَّى فِي بَيْتِي سُبْحَةَ الضُّحَى، فَقَامُوا وَرَاءَهُ فَصَلَّوْا.
وَأَمَّا قَوْلُ عائشة: "لَمْ يَكُنْ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ يُصَلِّي الضُّحَى إِلَّا أَنْ يَقْدَمَ مِنْ مَغِيبِهِ"، فَهَذَا مِنْ أَبْيَنِ الْأُمُورِ أَنَّ صَلَاتَهُ لَهَا إِنَّمَا كَانَتْ لِسَبَبٍ، فَإِنَّهُ ﷺ كَانَ إِذَا قَدِمَ مِنْ سَفَرٍ بَدَأَ بِالْمَسْجِدِ، فَصَلَّى فِيهِ رَكْعَتَيْنِ.
فَهَذَا كَانَ هَدْيُهُ، وعائشة أَخْبَرَتْ بِهَذَا وَهَذَا، وَهِيَ الْقَائِلَةُ: "مَا صَلَّى رَسُولُ اللَّهِ ﷺ صَلَاةَ الضُّحَى قَطُّ".
فَالَّذِي أَثْبَتَتْهُ فِعْلهَا بِسَبَبٍ: كَقُدُومِهِ مِنْ سَفَرٍ، وَفَتْحِهِ، وَزِيَارَتِهِ لِقَوْمٍ، وَنَحْوِهِ، وَكَذَلِكَ إِتْيَانُهُ مَسْجِدَ قُبَاء لِلصَّلَاةِ فِيهِ.
وَكَذَلِكَ مَا رَوَاهُ يوسف بن يعقوب: حَدَّثَنَا محمد ابن أبي بكر: حَدَّثْنَا سلمة بن رجاء: حَدَّثَتْنَا الشَّعثاء قَالَتْ: رَأَيْتُ ابْنَ أَبِي أَوْفَى صَلَّى الضُّحَى رَكْعَتَيْنِ يَوْمَ بُشِّرَ بِرَأْسِ أبي جهل.
فَهَذَا إِنْ صَحَّ فَهِيَ صَلَاةُ شُكْرٍ وَقَعَتْ وَقْتَ الضُّحَى: كَشُكْرِ الْفَتْحِ.
وَالَّذِي نَفَتْهُ هُوَ مَا كَانَ يَفْعَلُهُ النَّاسُ: يُصَلُّونَهَا لِغَيْرِ سَبَبٍ، وَهِيَ لَمْ تَقُلْ: إِنَّ ذَلِكَ مَكْرُوهٌ، وَلَا مُخَالِفٌ لِسُنَّتِهِ، وَلَكِنْ لَمْ يَكُنْ مِنْ هَدْيِهِ فِعْلُهَا لِغَيْرِ سَبَبٍ.
وَقَدْ أَوْصَى بِهَا، وَنَدَبَ إِلَيْهَا، وَحَضَّ عَلَيْهَا، وَكَانَ يَسْتَغْنِي عَنْهَا بِقِيَامِ اللَّيْلِ، فَإِنَّ فِيهِ غُنْيَةً عَنْهَا، وَهِيَ كَالْبَدَلِ مِنْهُ، قَالَ تَعَالَى: وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ خِلْفَةً لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يَذَّكَّرَ أَوْ أَرَادَ شُكُورًا [الفرقان:62]، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ، والحسن، وقتادة: عِوَضًا وَخَلَفًا، يَقُومُ أَحَدُهُمَا مَقَامَ صَاحِبِهِ، فَمَنْ فَاتَهُ عَمَلٌ فِي أَحَدِهِمَا قَضَاهُ فِي الْآخَرِ.
قَالَ قتادة: فَأَدُّوا لِلَّهِ مِنْ أَعْمَالِكُمْ خَيْرًا فِي هَذَا اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ، فَإِنَّهُمَا مَطِيَّتَانِ يُقْحِمَانِ النَّاسَ إِلَى آجَالِهِمْ، وَيُقَرِّبَانِ كُلَّ بَعِيدٍ، وَيُبْلِيَانِ كُلَّ جَدِيدٍ، وَيَجِيئَانِ بِكُلِّ مَوْعُودٍ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ.
الشيخ: أطال في هذا كثيرًا رحمه الله.
الشيخ: وهذا من رحمة الله جلَّ وعلا، ومن فضله : أنَّ العبد إذا كان له وردٌ في الليل -عمل في الليل- وفاته لنومٍ أو شغلٍ، أمكنه أن يستدرك في النَّهار ذلك الخير العظيم: من قراءةٍ، وصلاةٍ، ونحو ذلك، وإذا فاته من النهار أعماله العظيمة –عباداته- أمكنه أن يُدركها بالليل، ويجتهد في قراءة الليل، والصلاة في الليل؛ حتى يعتاض في ذلك ما فاته من النَّهار، كما قال : وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ خِلْفَةً لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يَذَّكَّرَ أَوْ أَرَادَ شُكُورًا [الفرقان:62].
قالت عائشةُ رضي الله عنها: "كان النبيُّ ﷺ إذا فاته وردُه من الليل لنومٍ أو مرضٍ صلَّى من النهار ثنتي عشرة ركعة"، يعني: يشفعه بركعةٍ؛ لأنَّ الغالب عليه عليه الصلاة والسلام أنه كان يُوتر بإحدى عشرة، فإذا فاته في الليل ذلك الوردُ الذي اعتاده لأسباب النوم أو المرض، صلَّى من النهار ما يُقابل ذلك، وزاد ركعةً، فتكون صلاتُه في النَّهار شفعًا: ثنتين، ثنتين.
وهذا يُوافق الحديث الذي رواه أهلُ السنن عن ابن عمر رضي الله تعالى عنهما، عن النبي ﷺ أنه قال: صلاة الليل والنهار مثنى مثنى، زاد أهلُ السنن: "والنهار"، ورواه الشيخان بلفظ: صلاة الليل مثنى مثنى.
وهذه الزيادة التي جاءت في هذا الحديث: صلاة الليل والنهار سندها جيد عند أهل السنن، ودلَّ ذلك على أنَّ الأفضل في ورده من النَّهار أن يكون مثل الليل: مثنى مثنى، وهكذا لو كانت له قراءة في الليل فأدَّى حزبه في النهار قبل الظهر، كان كما أدَّاه في الليل، كما جاء في الحديث.
والمقصود من هذا أنه ينبغي للمؤمن أن تكون لياليه وأيامه -نهاره وليله- كلها معمورة بالخير والعمل الصَّالح.
س: .............؟
ج: لا، إلا سنة الفجر إذا فاتت يُصليها بعد الفجر.
قَالُوا: وَفِعْلُ الصَّحَابَةِ يَدُلُّ عَلَى هَذَا، فَإِنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ كَانَ يُصَلِّيهَا يَوْمًا، وَيَدَعُهَا عَشَرَةً، وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ لَا يُصَلِّيهَا، فَإِذَا أَتَى مَسْجِدَ قُبَاء صَلَّاهَا، وَكَانَ يَأْتِيهِ كُلَّ سَبْتٍ.
وَقَالَ سفيان: عَنْ منصور: كَانُوا يَكْرَهُونَ أَنْ يُحَافِظُوا عَلَيْهَا كَالْمَكْتُوبَةِ، وَيُصَلُّونَ وَيَدَعُونَ. قَالُوا: وَمِنْ هَذَا الْحَدِيث الصَّحِيح.
الشيخ: يعني صلاة الضحى، يعني بذلك أنَّ صلاة الضحى -وصدق- أنَّ الصواب أنها سنة مؤكدة دائمًا، صلاة الضحى الصواب فيها أنها سنة مؤكدة في جميع الأيام، هذا هو السنة، وهذا هو الثابت عن المصطفى عليه الصلاة والسلام، وإن لم يُحافظ عليها هو، فقد يترك الشيء وهو يُحب أن يفعله؛ مخافة أن يشقَّ على أمته عليه الصلاة والسلام، ولكنه ثبت عنه في "الصحيحين": أنه أوصى بذلك أبا هريرة وأبا الدَّرداء، أوصاهما بثلاث: صلاة الضحى، وصوم ثلاثة أيام من كل شهرٍ، والوتر قبل النوم.
كما ثبت في "صحيح مسلم" من حديث أبي ذرٍّ: أن النبي ﷺ قال: على كل سُلامى من الناس صدقة، ثم ذكر أنَّ له بكل تسبيحةٍ صدقة، وكل تحميدةٍ صدقة، إلى آخره. ثم قال: ويكفي من ذلك ركعتان تركعهما من الضحى، فهو يدل على شرعية الاستدامة عليها، والثبات عليها كل يوم، وأنَّ الله يُكفّر بها ويُؤدي بها ما على السّلاميات من الصَّدقات.
فعُلم بهذا شرعية صلاة الضحى وتأكدها، وأنها تُشرع كل يومٍ، وقد صلَّاها النبيُّ ﷺ يوم الفتح ثمان ركعات، قالت عائشةُ رضي الله عنها في "صحيح مسلم": "كان يُصلي الضحى أربعًا، ويزيد ما شاء الله"، وجاءت عنها رواية أخرى في هذا الباب فيها بعض الاختلاف، فتُحمل على أنها نسيت بعض ما أخبرت به في بعض الأحاديث، فما ثبت عنها أُخذ به، وما نفته فيثبت المقدم على النَّافي، كما في الرواية الأخرى: "ما رأيتُه يُصليها إلا أن يجيء من مغيبه"، وفي لفظٍ آخر: "ما رأيتُه يُسبحها، وإني لأسبحها"، هذا محمول على أنها نسيت ما أخبرت به سابقًا من كونه يُصليها أربعًا ويزيد ما شاء الله. ويحتمل أيضًا أنَّ مَن أثبت أنَّه صلَّاها أربعًا وما شاء الله أنه قد وهم، ولكن الأصل عدم الوهم، والأصل أنَّ مَن أثبت مُقدم على مَن نفى، وما يُؤيد الإثبات الرواية الأخرى التي فيها إثبات صلاة الضُّحى.
وأما ترك بعض الناس لها فليس في تركهم حُجَّة، الحجَّة فيما قاله الله ورسوله، وفيما ثبت عن الله ورسوله، فإذا ترك بعضُ الصحابة أو بعضُ التابعين ذلك فهذا إما لأنه يريد بذلك ألا يظنّ ظانٌّ أنها واجبة، أو لأنه لم يبلغه ما يدل على المداومة.
قَالُوا: وَمِنْ هَذَا الْحَدِيث الصَّحِيح عَنْ أنسٍ: أَنَّ رَجُلًا مِنَ الْأَنْصَارِ كَانَ ضَخْمًا، فَقَالَ لِلنَّبِيِّ ﷺ: إِنِّي لَا أَسْتَطِيعُ أَنْ أُصَلِّيَ مَعَكَ، فَصَنَعَ لِلنَّبِيِّ ﷺ طَعَامًا، وَدَعَاهُ إِلَى بَيْتِهِ، وَنَضَحَ لَهُ طَرَفَ حَصِيرٍ بِمَاءٍ، فَصَلَّى عَلَيْهِ رَكْعَتَيْنِ. قَالَ أنس: "مَا رَأَيْتُهُ صَلَّى الضُّحَى غَيْرَ ذَلِكَ الْيَوْمِ". رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ.
وَمَنْ تَأَمَّلَ الْأَحَادِيثَ الْمَرْفُوعَةَ وَآثَارَ الصَّحَابَةِ وَجَدَهَا لَا تَدُلُّ إِلَّا عَلَى هَذَا الْقَوْلِ، وَأَمَّا أَحَادِيثُ التَّرْغِيبِ فِيهَا، وَالْوَصِيَّة بِهَا: فَالصَّحِيحُ مِنْهَا -كَحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ وأبي ذرٍّ- لَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهَا سُنَّةٌ رَاتِبَةٌ لِكُلِّ أَحَدٍ، وَإِنَّمَا أَوْصَى أَبَا هُرَيْرَةَ بِذَلِكَ لِأَنَّهُ قَدْ رُوِيَ أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ كَانَ يَخْتَارُ دَرْسَ الْحَدِيثِ بِاللَّيْلِ عَلَى الصَّلَاةِ، فَأَمَرَهُ بِالضُّحَى بَدَلًا مِنْ قِيَامِ اللَّيْلِ؛ وَلِهَذَا أَمَرَهُ أَلَّا يَنَامَ حَتَّى يُوتِرَ، وَلَمْ يَأْمُرْ بِذَلِكَ أبا بكر وعمر وَسَائِرَ الصَّحَابَةِ.
وَعَامَّةُ أَحَادِيثِ الْبَابِ فِي أَسَانِيدِهَا مَقَالٌ، وَبَعْضُهَا مُنْقَطِعٌ، وَبَعْضُهَا مَوْضُوعٌ لَا يَحِلُّ الِاحْتِجَاجُ بِهِ: كَحَدِيثٍ يُرْوَى عَنْ أَنَسٍ مَرْفُوعًا: مَنْ دَاوَمَ عَلَى صَلَاةِ الضُّحَى وَلَمْ يَقْطَعْهَا إِلَّا عَنْ عِلَّةٍ كُنْتُ أَنَا وَهُوَ فِي زَوْرَقٍ مِنْ نُورٍ فِي بَحْرٍ مِنْ نُورٍ، وَضَعَهُ زكريا بن دويد الكندي، عَنْ حميد.
الشيخ: وضعه يعني: كذبه، من الأحاديث المكذوبة يعني، لكن الأحاديث الصَّحيحة كافية عن المكذوبات والضَّعيفات.
الشيخ: المحشي ما علَّق عليه بشيءٍ؟
الطالب: زكريا بن دويد؟
الشيخ: لا، غيره ما ذكره المؤلف.
الطالب: ما علَّق إلا على حديث البخاري ..... رواه البخاري في "صلاة الجماعة" باب "هل يُصلي الإمامُ بمَن حضر وهو يخطب يوم الجمعة بالمطر" .....، ورواه أيضًا أحمد في "المسند".
وعلَّق على زكريا بن دويد: في المطبوع "جريج"، وهو تحريف، قال الذهبي في "الميزان": كذَّاب، ادَّعى السَّماع من مالك والثَّوري والكبار.
الشيخ: يكفي، يكفي.
وَأَمَّا حَدِيثُ يعلى بن أشدق، عَنْ عبدالله بن جراد، عَنِ النَّبِيِّ ﷺ: مَنْ صَلَّى مِنْكُمْ صَلَاةَ الضُّحَى فَلْيُصَلِّهَا مُتَعَبِّدًا، فَإِنَّ الرَّجُلَ لَيُصَلِّيهَا السَّنَةَ مِنَ الدَّهْرِ ثُمَّ يَنْسَاهَا وَيَدَعُهَا، فَتَحِنُّ إِلَيْهِ كَمَا تَحِنُّ النَّاقَةُ إِلَى وَلَدِهَا إِذَا فَقَدَتْهُ.
فَيَا عَجَبًا للحاكم! كَيْفَ يَحْتَجُّ بِهَذَا وَأَمْثَالِهِ؟! فَإِنَّهُ يَرْوِي هَذَا الْحَدِيثَ فِي كِتَابٍ أَفْرَدَهُ لِلضُّحَى، وَهَذِهِ نُسْخَةٌ مَوْضُوعَةٌ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ ﷺ، يَعْنِي: نُسْخَةَ يَعْلَى بْنِ الْأَشْدَقِ.
وَقَالَ ابْنُ عَدِيٍّ: رَوَى يَعْلَى بْنُ الْأَشْدَقِ، عَنْ عَمِّهِ عبدالله بن جراد، عَنِ النَّبِيِّ ﷺ أَحَادِيثَ كَثِيرَةً مُنْكَرَةً، وَهُوَ وَعَمُّهُ غَيْرُ مَعْرُوفَيْنِ، وَبَلَغَنِي عَنْ أَبِي مُسْهِرٍ قَالَ: قُلْتُ ليعلى بن الأشدق: مَا سَمِعَ عَمُّكَ مِنْ حَدِيثِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ؟ فَقَالَ: جَامِعَ سفيان، وَمُوَطَّأَ مالك، وَشَيْئًا مِنَ الْفَوَائِدِ.
وَقَالَ أَبُو حَاتِمِ ابْنُ حِبَّانَ: لَقِيَ يعلى عبدالله بن جراد، فَلَمَّا كَبِرَ اجْتَمَعَ عَلَيْهِ مَنْ لَا دِينَ لَهُ، فَوَضَعُوا لَهُ شُبُهًا بِمِئَتَيْ حَدِيثٍ، فَجَعَلَ يُحَدِّثُ بِهَا وَهُوَ لَا يَدْرِي، وَهُوَ الَّذِي قَالَ لَهُ بَعْضُ مَشَايِخِ أَصْحَابِنَا: أَيُّ شَيْءٍ سَمِعْتَهُ مِنْ عبدالله بن جراد؟ فَقَالَ: هَذِهِ النُّسْخَة وَجَامِع سفيان. لَا تَحِلُّ الرِّوَايَةُ عَنْهُ بِحَالٍ.
وَكَذَلِكَ حَدِيثُ عمر بن صبح، عَنْ مُقَاتِلِ بْنِ حَيَّانَ، حَدِيثُ عائشة الْمُتَقَدِّمُ: "كَانَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ يُصَلِّي الضُّحَى ثِنْتَيْ عَشْرَةَ رَكْعَةً"، وَهُوَ حَدِيثٌ طَوِيلٌ ذَكَرَهُ الحاكم فِي "صَلَاةِ الضُّحَى"، وَهُوَ حَدِيثٌ مَوْضُوعٌ، الْمُتَّهَمُ بِهِ عمر بن صبح، قَالَ الْبُخَارِيُّ: حَدَّثَنِي يحيى، عَنْ علي بن جرير قَالَ: سَمِعْتُ عمر بن صبح يَقُولُ: أَنَا وَضَعْتُ خُطْبَةَ النَّبِيِّ ﷺ. وَقَالَ ابْنُ عَدِيٍّ: مُنْكَرُ الْحَدِيثِ.
وَقَالَ ابْنُ حِبَّانَ: يَضَعُ الْحَدِيثَ عَلَى الثِّقَاتِ، لَا يَحِلُّ كَتْبُ حَدِيثِهِ إِلَّا عَلَى جِهَةِ التَّعَجُّبِ مِنْهُ.
وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ: مَتْرُوكٌ. وَقَالَ الأزدي: كَذَّابٌ.
وَكَذَلِكَ حَدِيثُ عبدالعزيز بن أبان، عَنِ الثَّوْرِيِّ، عَنْ حَجَّاجِ بْنِ فُرَافِصَةَ، عَنْ مكحولٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا: مَنْ حَافَظَ عَلَى سُبْحَةِ الضُّحَى غُفِرَتْ ذُنُوبُهُ وَإِنْ كَانَتْ بِعَدَدِ الْجَرَادِ، وَأَكْثَرَ مِنْ زَبَدِ الْبَحْرِ، ذَكَرَهُ الحاكم أَيْضًا.
وعبدالعزيز هَذَا قَالَ ابْنُ نُمَيْرٍ: هُوَ كَذَّابٌ. وَقَالَ يحيى: لَيْسَ بِشَيْءٍ، كَذَّابٌ، خَبِيثٌ، يَضَعُ الْحَدِيثَ. وَقَالَ الْبُخَارِيُّ، وَالنَّسَائِيُّ، وَالدَّارَقُطْنِيُّ: مَتْرُوكُ الْحَدِيثِ.
وَكَذَلِكَ حَدِيثُ النّهاس بن قهم، عَنْ شداد، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ يَرْفَعُهُ: مَنْ حَافَظَ عَلَى شُفْعَةِ الضُّحَى غُفِرَتْ ذُنُوبُهُ وَإِنْ كَانَتْ أَكْثَرَ مِنْ زَبَدِ الْبَحْرِ.
والنهاس قَالَ يحيى: لَيْسَ بِشَيْءٍ، ضَعِيفٌ؛ كَانَ يَرْوِي عَنْ عطاء، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَشْيَاءَ مُنْكَرَةً.
وَقَالَ النَّسَائِيُّ: ضَعِيفٌ. وَقَالَ ابْنُ عَدِيٍّ: لَا يُسَاوِي شَيْئًا. وَقَالَ ابْنُ حِبَّانَ: كَانَ يَرْوِي الْمَنَاكِيرَ عَنِ الْمَشَاهِيرِ، وَيُخَالِفُ الثِّقَاتِ، لَا يَجُوزُ الِاحْتِجَاجُ بِهِ. وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ: مُضْطَرِبُ الْحَدِيثِ، تَرَكَهُ يَحْيَى الْقَطَّانُ.
وَأَمَّا حَدِيثُ حميد بن صخر، عَنِ المقبري، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ: بَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ بَعْثًا. الْحَدِيثَ، وَقَدْ تَقَدَّمَ.
فحميد هَذَا ضَعَّفَهُ النَّسَائِيُّ، وَيَحْيَى بْنُ مَعِينٍ، وَوَثَّقَهُ آخَرُونَ، وَأُنْكِرَ عَلَيْهِ بَعْضُ حَدِيثِهِ، وَهُوَ مِمَّنْ لَا يُحْتَجُّ بِهِ إِذَا انْفَرَدَ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
وَأَمَّا حَدِيثُ محمد بن إسحاق، عَنْ موسى، عَنْ عبدالله بن المثنى، عَنْ أنسٍ، عَنْ عَمِّهِ ثمامة، عَنْ أنسٍ يَرْفَعُهُ.
الشيخ: موسى بن عبدالله.
الطالب: عن موسى، عن عبدالله.
الشيخ: عن موسى بن عبدالله، لعلها: ابن عبدالله بن المثنى، أيش بعده؟
الطالب: عن أنسٍ، عن عمِّه ثمامة؟
الشيخ: لا، ما يصلح؛ أنس ما يروي عن عمِّه ثمامة، هذا عم موسى بن عبدالله بن المثنى، عن عمه ثمامة، عن أنسٍ. أيش عندكم؟ عن موسى بن عبدالله وإلا عن عبدالله عن موسى؟
الطالب: عن موسى، عن عبدالله.
الشيخ: ابن المثنى أيش بعده؟
الطالب: عن موسى، عن عبدالله بن المثنى، عن أنسٍ، عن عمِّه ثمامة.
الشيخ: لا، غلط، حطّ عليه إشارة، انظر موسى بن عبدالله بن المثنى.
الطالب: ما يكون موسى بن عبدالله بن المثنى بن أنس؟
الشيخ: محتمل، هذا محتمل.
عَنْ أنسٍ يَرْفَعُهُ: مَنْ صَلَّى الضُّحَى بَنَى اللَّهُ لَهُ قَصْرًا فِي الْجَنَّةِ مِنْ ذَهَبٍ، فَمِنَ الْأَحَادِيثِ الْغَرَائِبِ، وَقَالَ الترمذي: غَرِيبٌ، لَا نَعْرِفُهُ إِلَّا مِنْ هَذَا الْوَجْهِ.
وَأَمَّا حَدِيثُ نعيم بن همار: ابْنَ آدَمَ، لَا تَعْجِزْ لِي عَنْ أَرْبَعِ رَكَعَاتٍ فِي أَوَّلِ النَّهَارِ، أَكْفِكَ آخِرَهُ، وَكَذَلِكَ حَدِيثُ أَبِي الدَّرْدَاءِ وأبي ذرٍّ؛ فَسَمِعْتُ شَيْخَ الْإِسْلَامِ ابْنَ تَيْمِيَّةَ يَقُولُ: هَذِهِ الْأَرْبَعُ عِنْدِي هِيَ الْفَجْرُ وَسُنَّتُهَا.
الشيخ: هذا هو الأظهر: "صلِّ أربعًا من أول النهار أكفك آخره" وهو سنة الفجر والفجر؛ لأنها أربع.
الطالب: ............
الشيخ: انظر موسى، وانظر عبدالله بن المثنى.