04 فصل في شرح معاني أسمائه صلى الله عليه وسلم

وَأَمَّا نَبِيُّ التَّوْبَةِ: فَهُوَ الَّذِي فَتَحَ اللَّهُ بِهِ بَابَ التَّوْبَةِ عَلَى أَهْلِ الْأَرْضِ، فَتَابَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ تَوْبَةً لَمْ يَحْصُلْ مِثْلُهَا لِأَهْلِ الْأَرْضِ قَبْلَهُ.

وَكَانَ ﷺ أَكْثَرَ النَّاسِ اسْتِغْفَارًا وَتَوْبَةً، حَتَّى كَانُوا يَعُدُّونَ لَهُ فِي الْمَجْلِسِ الْوَاحِدِ مِئَةَ مَرَّةٍ: رَبِّ اغْفِرْ لِي وَتُبْ عَلَيَّ، إِنَّكَ أَنْتَ التَّوَّابُ الْغَفُورُ.

الشيخ: وهذا من أسمائه عليه الصلاة والسلام: نبي التوبة؛ لأنَّ الله جلَّ وعلا فتح به على الأمة أبوابًا عظيمةً من التَّوبة، وشرع الله على يديه التوبةَ من جميع الذنوب، ويسَّر ذلك سبحانه بالنَّدم على الذنوب الماضية، والإقلاع منها، والعزم الصَّادق على عدم العود إليها، فإذا جاءت التوبةُ النَّصوح محا الله بها الذنوب.

وكان ﷺ كثير التوبة، كثير الاستغفار عليه الصلاة والسلام؛ لذا قال ابنُ عمر : كنا نعدُّ للنبي ﷺ في المجلس الواحد مئة مرة يقول: ربِّ اغفر لي وتُبْ عليَّ، إنك أنت التواب الرحيم.

وكان يستغفر الله كثيرًا عليه الصلاة والسلام ويقول: إني والله أستغفر الله في اليوم والليلة أكثر من سبعين مرة، وفي لفظٍ يقول: يا أيها الناس، توبوا إلى ربكم، فإني أتوب إليه في اليوم مئة مرةٍ، فكان يُكثر التوبةَ والاستغفارَ في مجالسه، وفي أيامه ولياليه عليه الصلاة والسلام، وهذا الذي ينبغي للمؤمن: التأسي بالنبي ﷺ في الإكثار من التوبة والاستغفار، فالإنسان خطَّاء، فإذا حاسب نفسَه وجد ذنوبًا كثيرةً، فينبغي له أن يُكثر من التوبة والاستغفار في أوقاته كلها، والحديث: كل بني آدم خطَّاء، وخير الخطَّائين التَّوابون، والله يقول جلَّ وعلا: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَصُوحًا [التحريم:8]، ويقول: وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَ الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُون [النور:31]، ويقول سبحانه: وَاسْتَغْفِرُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيم [البقرة:199]، ويقول: أَفَلَا يَتُوبُونَ إِلَى اللَّهِ وَيَسْتَغْفِرُونَهُ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ [المائدة:74].

علَّق عليه؟

الطالب: نعم.

الشيخ: المعروف في الرواية: التواب الرحيم، عندك الغفور؟

الطالب: نعم.

الشيخ: أيش قال المحشي؟

الطالب: أخرجه الترمذي: الدَّعوات، باب ما يقول إذا قام من مجلسه. وأبو داود في الصلاة: باب الاستغفار ..... من حديث عبدالله بن عمر، وإسناده صحيح، وصحَّحه ابن حبان، وقال الترمذي: حديث حسن صحيح.

الشيخ: ما نبَّه على: غفور رحيم.

الطالب: لا.

الشيخ: نعم، فيما أذكر: التواب الرحيم.

وَكَانَ يَقُولُ: يَا أَيُّهَا النَّاسُ، تُوبُوا إِلَى اللَّهِ رَبِّكُمْ، فَإِنِّي أَتُوبُ إِلَى اللَّهِ فِي الْيَوْمِ مِئَةَ مَرَّةٍ، وَكَذَلِكَ تَوْبَةُ أُمَّتِهِ أَكْمَلُ مِنْ تَوْبَةِ سَائِرِ الْأُمَمِ، وَأَسْرَعُ قَبُولًا، وَأَسْهَلُ تَنَاوُلًا، وَكَانَتْ تَوْبَةُ مَنْ قَبْلَهُمْ مِنْ أَصْعَبِ الْأَشْيَاءِ، حَتَّى كَانَ مِنْ تَوْبَةِ بَنِي إِسْرَائِيلَ مِنْ عِبَادَةِ الْعِجْلِ: قَتْلُ أَنْفُسِهِمْ، وَأَمَّا هَذِهِ الْأُمَّةُ فَلِكَرَامَتِهَا عَلَى اللَّهِ تَعَالَى جَعَلَ تَوْبَتَهَا النَّدَمَ وَالْإِقْلَاعَ.

الشيخ: النَّدم والإقلاع والعزم على عدم العودة، عدم الإصرار.

وَأَمَّا نَبِيُّ الْمَلْحَمَةِ: فَهُوَ الَّذِي بُعِثَ بِجِهَادِ أَعْدَاءِ اللَّهِ، فَلَمْ يُجَاهِدْ نَبِيٌّ وَأُمَّتُهُ قَطُّ مَا جَاهَدَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ وَأُمَّتُهُ، وَالْمَلَاحِمُ الْكِبَارُ الَّتِي وَقَعَتْ وَتَقَعُ بَيْنَ أُمَّتِهِ وَبَيْنَ الْكُفَّارِ لَمْ يُعْهَدْ مِثْلُهَا قَبْلَهُ؛ فَإِنَّ أُمَّتَهُ يَقْتُلُونَ الْكُفَّارَ فِي أَقْطَارِ الْأَرْضِ عَلَى تَعَاقُبِ الْأَعْصَارِ، وَقَدْ أَوْقَعُوا بِهِمْ مِنَ الْمَلَاحِمِ مَا لَمْ تَفْعَلْهُ أُمَّةٌ سِوَاهُمْ.

وَأَمَّا نَبِيُّ الرَّحْمَةِ: فَهُوَ الَّذِي أَرْسَلَهُ اللَّهُ رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ، فَرُحِمَ بِهِ أَهْلُ الْأَرْضِ كُلُّهُمْ: مُؤْمِنُهُمْ وَكَافِرُهُمْ، أَمَّا الْمُؤْمِنُونَ فَنَالُوا النَّصِيبَ الْأَوْفَرَ مِنَ الرَّحْمَةِ، وَأَمَّا الْكُفَّارُ فَأَهْلُ الْكِتَابِ مِنْهُمْ عَاشُوا فِي ظِلِّهِ وَتَحْتَ حَبْلِهِ وَعَهْدِهِ، وَأَمَّا مَنْ قَتَلَهُ مِنْهُمْ هُوَ وَأُمَّتُهُ فَإِنَّهُمْ عَجَّلُوا بِهِ إِلَى النَّارِ، وَأَرَاحُوهُ مِنَ الْحَيَاةِ الطَّوِيلَةِ الَّتِي لَا يَزْدَادُ بِهَا إِلَّا شِدَّةَ الْعَذَابِ فِي الْآخِرَةِ.

الشيخ: ولهذا قال سبحانه: وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ [الأنبياء:107]، عمَّم: وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ، والمسلمون رحمهم الله به؛ لأنهم دخلوا في الإسلام، وسلموا من عذاب الله، وأهل الكتاب حُقنت دماؤهم بالجزية، وهكذا المجوس، وهكذا مَن تُقبل منه الجزية على القول الآخر، فقد عاشوا في راحةٍ وطمأنينةٍ في عهد المسلمين بسبب الجزية.

ومَن قُتل منهم لامتناعه من الجزية، أو لكونه لا تُؤخذ منهم الجزية: كسائر الكفرة، فقد عجَّلوا به إلى النار؛ لأن الكافر كلما زادت حياتُه زاد عذابُه، فجهاده حتى يُسلم أو يُقتل خيرٌ له من بقائه على الكفر بالله، فإن أسلم فاز بالرحمة العظيمة، وإن قُتل على كفره استراح من مزيد العذاب الذي يناله عند طول الحياة على الكفر والضَّلال، نسأل الله العافية.

وَأَمَّا الْفَاتِحُ: فَهُوَ الَّذِي فَتَحَ اللَّهُ بِهِ بَابَ الْهُدَى بَعْدَ أَنْ كَانَ مُرْتَجًّا، وَفَتَحَ بِهِ الْأَعْيُنَ الْعُمْيَ، وَالْآذَانَ الصُّمَّ، وَالْقُلُوبَ الْغُلْفَ، وَفَتَحَ اللَّهُ بِهِ أَمْصَارَ الْكُفَّارِ، وَفَتَحَ بِهِ أَبْوَابَ الْجَنَّةِ، وَفَتَحَ بِهِ طُرُقَ الْعِلْمِ النَّافِعِ، وَالْعَمَلِ الصَّالِحِ، فَفَتَحَ بِهِ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةَ، وَالْقُلُوبَ وَالْأَسْمَاعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَمْصَارَ.

وَأَمَّا الْأَمِينُ: فَهُوَ أَحَقُّ الْعَالَمِينَ بِهَذَا الِاسْمِ، فَهُوَ أَمِينُ اللَّهِ عَلَى وَحْيِهِ وَدِينِهِ، وَهُوَ أَمِينُ مَنْ فِي السَّمَاءِ، وَأَمِينُ مَنْ فِي الْأَرْضِ؛ وَلِهَذَا كَانُوا يُسَمُّونَهُ قَبْلَ النُّبُوَّةِ: الْأَمِينَ.

الشيخ: ولما عتب عليه بعضُ الناس بعضَ القسمة قال: ألا تأمنوني وأنا أمينُ مَن في السَّماء؟! يأتيني خبرُ السَّماء صباحًا ومساءً، فهو أمين أهل الأرض، وأكملهم أمانةً، وأكملهم بلاغًا، وأكملهم نصحًا للأمة عليه الصلاة والسلام، حتى كان من أخلاقه العظيمة: أنه كان يُسمَّى بالأمين قبل أن يُوحى إليه، قريش وغيرها ممن يتَّصل بها يُسمونه: الأمين؛ لما عرفوا من أمانته وصدقه، وما جعل الله فيه من البركة عليه الصلاة والسَّلام.

وَأَمَّا الضَّحُوكُ الْقَتَّالُ: فَاسْمَانِ مُزْدَوَجَانِ، لَا يُفْرَدُ أَحَدُهُمَا عَنِ الْآخَرِ، فَإِنَّهُ ضَحُوكٌ فِي وُجُوهِ الْمُؤْمِنِينَ، غَيْرُ عَابِسٍ، وَلَا مُقَطِّبٍ، وَلَا غَضُوبٍ، وَلَا فَظٍّ. قَتَّالٌ لِأَعْدَاءِ اللَّهِ، لَا تَأْخُذُهُ فِيهِمْ لَوْمَةُ لَائِمٍ.

وَأَمَّا الْبَشِيرُ: فَهُوَ الْمُبَشِّرُ لِمَنْ أَطَاعَهُ بِالثَّوَابِ، وَالنَّذِيرُ: الْمُنْذِرُ لِمَنْ عَصَاهُ بِالْعِقَابِ، وَقَدْ سَمَّاهُ اللَّهُ عَبْدَهُ فِي مَوَاضِعَ مِنْ كِتَابِهِ: مِنْهَا قَوْلُهُ: وَأَنَّهُ لَمَّا قَامَ عَبْدُ اللَّهِ يَدْعُوهُ [الجن:19]، وَقَوْلُهُ: تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ [الفرقان:1]، وَقَوْلُهُ: فَأَوْحَى إِلَى عَبْدِهِ مَا أَوْحَى [النجم:10]، وَقَوْلُهُ: وَإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا [البقرة:23].

وَثَبَتَ عَنْهُ فِي "الصَّحِيحِ" أَنَّهُ قَالَ: أَنَا سَيِّدُ وَلَدِ آدَمَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَلَا فَخْرَ، وَسَمَّاهُ اللَّهُ: سِرَاجًا مُنِيرًا، وَسَمَّى الشَّمْسَ: سِرَاجًا وَهَّاجًا.

وَالْمُنِيرُ: هُوَ الَّذِي يُنِيرُ مِنْ غَيْرِ إِحْرَاقٍ، بِخِلَافِ الْوَهَّاجِ؛ فَإِنَّ فِيهِ نَوْعَ إِحْرَاقٍ وَتَوَهُّجٍ.

الشيخ: يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا ۝ وَدَاعِيًا إِلَى اللَّهِ بِإِذْنِهِ وَسِرَاجًا مُنِيرًا [الأحزاب:45- 46]، فهو أنار للعالم طرقَ الهدى، وسبيل السَّعادة، حتى سلكوا في طريقهم إلى الله على بصيرةٍ بسبب دعوته لهم، وبيانه لهم، وهدايته لهم عليه الصلاة والسلام، وهو السِّراج المنير الذي أنار اللهُ به طريقَ الهدى، وأوضح به سبيل النَّجاة والسَّعادة، وهو عبدالله ورسوله، وهو أعظم العبيد وأفضلهم وأكملهم عبادةً، كما قال جلَّ وعلا: وَأَنَّهُ لَمَّا قَامَ عَبْدُ اللَّهِ يَدْعُوهُ كَادُوا يَكُونُونَ عَلَيْهِ لِبَدًا [الجن:19]، وقال سبحانه: سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى [الإسراء:1]، الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَى عَبْدِهِ الْكِتَابَ وَلَمْ يَجْعَلْ لَهُ عِوَجًا [الكهف:1]، فهو عليه الصلاة والسلام عبدالله ورسوله، سمَّاه الله: عبدًا؛ لكمال عبوديته وطاعته لله ، ورسولًا لأنه أرسله إلى الناس عامَّة، يدعو إلى توحيده وطاعته عليه الصلاة والسلام، فله كمال العبودية، وكمال الرسالة عليه الصلاة والسَّلام.

فَصْلٌ

فِي ذِكْرَى الْهِجْرَتَيْنِ الْأُولَى وَالثَّانِيَةِ

لَمَّا كَثُرَ الْمُسْلِمُونَ، وَخَافَ مِنْهُمُ الْكُفَّارُ؛ اشْتَدَّ أَذَاهُمْ لَهُ ﷺ، وَفِتْنَتُهُمْ إِيَّاهُمْ، فَأَذِنَ لَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ فِي الْهِجْرَةِ إِلَى الْحَبَشَةِ، وَقَالَ: إِنَّ بِهَا مَلِكًا لَا يُظْلَمُ النَّاسُ عِنْدَهُ، فَهَاجَرَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ اثْنَا عَشَرَ رَجُلًا وَأَرْبَعُ نِسْوَةٍ، مِنْهُمْ عُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ، وَهُوَ أَوَّلُ مَنْ خَرَجَ وَمَعَهُ زَوْجَتُهُ رقية بِنْتُ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ، فَأَقَامُوا فِي الْحَبَشَةِ فِي أَحْسَنِ جِوَارٍ، فَبَلَغَهُمْ أَنَّ قُرَيْشًا أَسْلَمَتْ -وَكَانَ هَذَا الْخَبَرُ كَذِبًا- فَرَجَعُوا إِلَى مَكَّةَ، فَلَمَّا بَلَغَهُمْ أَنَّ الْأَمْرَ أَشَدُّ مِمَّا كَانَ رَجَعَ مِنْهُمْ مَنْ رَجَعَ، وَدَخَلَ جَمَاعَةٌ، فَلَقُوا مِنْ قُرَيْشٍ أَذًى شَدِيدًا، وَكَانَ مِمَّنْ دَخَلَ عَبْدُاللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ.

ثُمَّ أَذِنَ لَهُمْ فِي الْهِجْرَةِ ثَانِيًا إِلَى الْحَبَشَةِ، فَهَاجَرَ مِنَ الرِّجَالِ ثَلَاثَةٌ وَثَمَانُونَ رَجُلًا، إِنْ كَانَ فِيهِمْ عمَّار، فَإِنَّهُ يُشَكُّ فِيهِ، وَمِنَ النِّسَاءِ ثَمَانِ عَشْرَةَ امْرَأَةً، فَأَقَامُوا عِنْدَ النَّجَاشِيِّ عَلَى أَحْسَنِ حَالٍ.

الشيخ: يعني: على هذا يكونون مئةً: اثنين وثمانين رجلًا، وثمانية عشرة امرأة، فالجميع مئة، وإن كان معهم عمَّار فهم مئة وواحد.

وهذه الهجرة الثانية، وإنما حملهم على هذا إذلال قريش لهم، وظلمهم إياهم؛ فلهذا أذن لهم النبيُّ بالهجرة؛ ليستريحوا من أذى قريش، وليثبت لهم إيمانهم؛ لأنَّ العذاب قد يُسبب مشاكل، وفيه أخطار، فالهجرة فيها خير عظيم، وبُعدٌ عن أسباب الشَّر.

فَبَلَغَ ذَلِكَ قُرَيْشًا، فَأَرْسَلُوا عَمْرَو بْنَ الْعَاصِ، وعبدالله ابن أبي ربيعة فِي جَمَاعَةٍ؛ لِيَكِيدُوهُمْ عِنْدَ النَّجَاشِيِّ، فَرَدَّ اللَّهُ كَيْدَهُمْ فِي نُحُورِهِمْ، فَاشْتَدَّ أَذَاهُمْ لِرَسُولِ اللَّهِ ﷺ، فَحَصَرُوهُ وَأَهْلَ بَيْتِهِ فِي الشِّعْبِ -شِعْبِ أبي طالب- ثَلَاثَ سِنِينَ، وَقِيلَ: سَنَتَيْنِ، وَخَرَجَ مِنَ الْحَصْرِ وَلَهُ تِسْعٌ وَأَرْبَعُونَ سَنَةً، وَقِيلَ: ثَمَانٍ وَأَرْبَعُونَ سَنَةً.

وَبَعْدَ ذَلِكَ بِأَشْهُرٍ مَاتَ عَمُّهُ أبو طالب وَلَهُ سَبْعٌ وَثَمَانُونَ سَنَةً -وَفِي الشِّعْبِ وُلِدَ عَبْدُاللَّهِ بْنُ عَبَّاسٍ- فَنَالَ الْكُفَّارُ مِنْهُ أَذًى شَدِيدًا.

ثُمَّ مَاتَتْ خديجةُ بَعْدَ ذَلِكَ بِيَسِيرٍ، فَاشْتَدَّ أَذَى الْكُفَّارِ لَهُ، فَخَرَجَ إِلَى الطَّائِفِ هُوَ وَزَيْدُ بْنُ حَارِثَةَ يَدْعُو إِلَى اللَّهِ تَعَالَى، وَأَقَامَ بِهِ أَيَّامًا فَلَمْ يُجِيبُوهُ، وَآذَوْهُ، وَأَخْرَجُوهُ، وَقَامُوا لَهُ سِمَاطَيْنِ فَرَجَمُوهُ بِالْحِجَارَةِ حَتَّى أَدْمَوْا كَعْبَيْهِ.

الشيخ: سماطين، يعني: سفهاؤهم قاموا له سماطين في سطرين من الجانبين يرمونه بالحجارة ويستهزئون، حتى أظهره الله بعد ذلك، وقد صبر عليهم كثيرًا، وهكذا الرسل تصبر على الأذى، وكان أصبرهم عليه الصلاة والسلام.

فَانْصَرَفَ عَنْهُمْ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ رَاجِعًا إِلَى مَكَّةَ، وَفِي طَرِيقِهِ لَقِيَ عداسًا النصراني، فَآمَنَ بِهِ وَصَدَّقَهُ.

وَفِي طَرِيقِهِ أَيْضًا بِنَخْلَةَ صُرِفَ إِلَيْهِ نَفَرٌ مِنَ الْجِنِّ -سَبْعَةٌ مِنْ أَهْلِ نَصِيبِينَ- فَاسْتَمَعُوا الْقُرْآنَ وَأَسْلَمُوا.

وَفِي طَرِيقِهِ تِلْكَ أَرْسَلَ اللَّهُ إِلَيْهِ مَلَكَ الْجِبَالِ يَأْمُرُهُ بِطَاعَتِهِ، وَأَنْ يُطْبِقَ عَلَى قَوْمِهِ أَخْشَبَيْ مَكَّةَ -وَهُمَا جَبَلَاهَا- إِنْ أَرَادَ، فَقَالَ: لَا، بَلْ أَسْتَأْنِي بِهِمْ، لَعَلَّ اللَّهَ يُخْرِجُ مِنْ أَصْلَابِهِمْ مَنْ يَعْبُدُهُ، لَا يُشْرِكُ بِهِ شَيْئًا.

الشيخ: وكان هذا مما جبله الله عليه من الرحمة والعطف وحُسن الخلق والصبر عليه الصلاة والسلام، وقد حقق الله رجاءَه فأخرج منهم أمةً كبيرةً دخلوا في دين الله، وأسلم ..... بعد ذلك.

................

وَفِي طَرِيقِهِ دَعَا بِذَلِكَ الدُّعَاءِ الْمَشْهُورِ: اللَّهُمَّ إِلَيْكَ أَشْكُو ضَعْفَ قُوَّتِي، وَقِلَّةَ حِيلَتِي ... الْحَدِيثَ.

الشيخ: علق عليه؟

الطالب: نعم، وقد سمَّاه بعضُهم: دعاء ..... بتمامه: اللهُم إلَيْك أَشْكُو ضَعْفَ قُوَّتِي، وَقِلّةَ حِيلَتِي، وَهَوَانِي عَلَى النّاسِ، يَا أَرْحَمَ الرّاحِمِينَ، أَنْتَ رَبُّ الْمُسْتَضْعَفِينَ، وَأَنْتَ رَبّي، إلَى مَنْ تَكِلُنِي؟ إلَى بَعِيدٍ يَتَجَهّمُنِي؟ أَمْ إلَى عَدُوٍّ مَلَّكْتَهُ أَمْرِي؟ إنْ لَمْ يَكُنْ بِكَ عَلَيَّ غَضَبٌ فَلَا أُبَالِي، وَلَكِنَّ عَافِيَتَك هِيَ أَوْسَعُ لِي، أَعُوذُ بِنُورِ وَجْهِك الّذِي أضاءت له السَّماوات، وأَشْرَقَتْ لَهُ الظّلُمَاتُ، وَصَلُحَ عَلَيْهِ أَمْرُ الدّنْيَا وَالْآخِرَةِ أَنْ تُنْزِلَ بِي غَضَبَك، أَوْ يَحِلّ عَلَيَّ سخطُكَ، لَك الْعُتْبَى حَتَّى تَرْضَى، وَلَا حَوْلَ وَلَا قُوّةَ إلّا بِك أخرجه الطبراني من حديث عبدالله بن جعفر، كما في "المجمع"، ورجاله ثقات، إلا أنَّ فيه تدليسَ ابن إسحاق.

الشيخ: يعني: عنعنة، ومُقتضى هذا أن يكون مضعفًا؛ لأنَّ العنعنة علَّة، لكنه مشهور عن أئمة النَّقل، وأئمة السيرة، ابن إسحاق إذا عنعن يُخشى من تدليسه، وقد يكون دلَّس، وقد لا يكون دلَّس، العنعنة مظنة التَّدليس.

س: .............؟

ج: محل نظرٍ، إذا كان ما جاء إلا من هذا الطريق يكون ضعيفًا؛ لأنَّ العنعنة يضعف بها الخبر إذا كانت من مُدَلِّسٍ، وهو خبر مشهور عند أهل السيرة، دعاء مشهور.

ثُمَّ دَخَلَ مَكَّةَ فِي جِوَارِ المطعم بن عدي، ثُمَّ أُسْرِيَ بِرُوحِهِ وَجَسَدِهِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى، ثُمَّ عُرِجَ بِهِ إِلَى فَوْقِ السَّمَاوَاتِ بِجَسَدِهِ وَرُوحِهِ إِلَى اللَّهِ ، فَخَاطَبَهُ وَفَرَضَ عَلَيْهِ الصَّلَوَاتِ، وَكَانَ ذَلِكَ مَرَّةً وَاحِدَةً، هَذَا أَصَحُّ الْأَقْوَالِ.

وَقِيلَ: كَانَ ذَلِكَ مَنَامًا.

الشيخ: يعني: أصح الأقوال أنَّ الإسراء والمعراج مرة واحدة، لا مرات، أُسري به مرة واحدة إلى بيت المقدس، كما هو معلوم، وكما هو نصّ القرآن الكريم، وعرج به إلى السَّماء كذلك مرة واحدة.

وبعض الناس إذا تعددت عليه الرِّوايات ورأى شيئًا من الاختلاف ظنَّ أنَّ ذلك من تعدد القصة؛ ليجمع بين الرِّوايات، هذا يسلكه مَن ضعف باعه في الحديث، وقلَّت بصيرته في الجمع بين الروايات، فيسلك هذا المسلك في مواضع كثيرةٍ، وأما أهل العلم والبصيرة فإنهم يجمعون بين الروايات بالطرق الأخرى ..... بتعدد الواقعة، بل لأنَّ النصوص أو الطرق الأخرى غير ..... قول لا أساسَ له.

وَقِيلَ: بَلْ يُقَالُ: أُسْرِيَ بِهِ، وَلَا يُقَالُ: يَقَظَةً وَلَا مَنَامًا.

وَقِيلَ: كَانَ الْإِسْرَاءُ إِلَى بَيْتِ الْمَقْدِسِ يَقَظَةً، وَإِلَى السَّمَاءِ مَنَامًا.

وَقِيلَ: كَانَ الْإِسْرَاءُ مَرَّتَيْنِ: مَرَّةً يَقَظَةً، وَمَرَّةً مَنَامًا.

وَقِيلَ: بَلْ أُسْرِيَ بِهِ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ، وَكَانَ ذَلِكَ بَعْدَ الْمَبْعَثِ بِالِاتِّفَاقِ.

وَأَمَّا مَا وَقَعَ فِي حَدِيثِ شريك: أَنَّ ذَلِكَ كَانَ قَبْلَ أَنْ يُوحَى إِلَيْهِ.

الشيخ: والحق عند أهل العلم والذي عليه جمهورهم، وهو كالإجماع منهم: أن الإسراء والمعراج كلاهما كان يقظةً، وأُوحي إليه في السَّماء عليه الصلاة والسلام، هذا هو الحق، وهو الذي عليه عامَّة أهل العلم، وهو كالإجماع منهم: أنه أُسري به يقظةً؛ ولهذا أنكرته قريش، لو كان منامًا ما يُنكر، المنام يحصل إلى أبعد من بيت المقدس، لكن المقصود أنه يقظةً بروحه وجسده ﷺ، ثم رُدَّ إلى مكة ..... هو الدَّابة المعروفة بالبراق، ثم عُرج به إلى السَّماء تلك الليلة، وفرض اللهُ عليه الصَّلوات الخمس، إلى آخر ما جاء في قصة المعراج، كلاهما يقظةً، لا منامًا، بالروح والجسد جميعًا.

فَهَذَا مِمَّا عُدَّ مِنْ أَغْلَاطِ شريك الثَّمَانِيَةِ وَسُوءِ حِفْظِهِ لِحَدِيثِ الْإِسْرَاءِ.

وَقِيلَ: إِنَّ هَذَا كَانَ إِسْرَاءَ الْمَنَامِ قَبْلَ الْوَحْيِ، وَأَمَّا إِسْرَاءُ الْيَقَظَةِ فَبَعْدَ النُّبُوَّةِ.

وَقِيلَ: بَلِ الْوَحْيُ هَاهُنَا مُقَيَّدٌ، وَلَيْسَ بِالْوَحْيِ الْمُطْلَقِ الَّذِي هُوَ مَبْدَأُ النُّبُوَّةِ، وَالْمُرَادُ: قَبْلَ أَنْ يُوحَى إِلَيْهِ فِي شَأْنِ الْإِسْرَاءِ، فَأُسْرِيَ بِهِ فَجْأَةً مِنْ غَيْرِ تَقَدُّمِ إِعْلَامٍ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

الشيخ: يعني: هذه توجيهات من روايات شريك بن عبدالله .....، وتقدم أنَّ الصواب خلافُ ذلك، وأنَّ هذه من أوهام شريك، وله عدة أغلاط، هذه منها، والصواب أنه بعد الوحي بمدةٍ: كتسع سنين، أو عشر سنين، أو تزيد قليلًا كان الإسراء والمعراج.

فَأَقَامَ ﷺ بِمَكَّةَ مَا أَقَامَ يَدْعُو الْقَبَائِلَ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى، وَيَعْرِضُ نَفْسَهُ عَلَيْهِمْ فِي كُلِّ مَوْسِمٍ: أَنْ يُؤْوُوهُ حَتَّى يُبَلِّغَ رِسَالَةَ رَبِّهِ وَلَهُمُ الْجَنَّةُ، فَلَمْ تَسْتَجِبْ لَهُ قَبِيلَةٌ، وَادَّخَرَ اللَّهُ ذَلِكَ كَرَامَةً لِلْأَنْصَارِ، فَلَمَّا أَرَادَ اللَّهُ تَعَالَى إِظْهَارَ دِينِهِ، وَإِنْجَازَ وَعْدِهِ، وَنَصْرَ نَبِيِّهِ، وَإِعْلَاءَ كَلِمَتِهِ، وَالِانْتِقَامَ مِنْ أَعْدَائِهِ، سَاقَهُ إِلَى الْأَنْصَارِ؛ لِمَا أَرَادَ بِهِمْ مِنَ الْكَرَامَةِ، فَانْتَهَى إِلَى نَفَرٍ مِنْهُمْ سِتَّةٍ، وَقِيلَ: ثَمَانِيَةٍ، وَهُمْ يَحْلِقُونَ رُؤُوسَهُمْ عِنْدَ عَقَبَةِ مِنًى فِي الْمَوْسِمِ، فَجَلَسَ إِلَيْهِمْ وَدَعَاهُمْ إِلَى اللَّهِ، وَقَرَأَ عَلَيْهِمُ الْقُرْآنَ، فَاسْتَجَابُوا لِلَّهِ وَرَسُولِهِ، وَرَجَعُوا إِلَى الْمَدِينَةِ، فَدَعَوْا قَوْمَهُمْ إِلَى الْإِسْلَامِ حَتَّى فَشَا فِيهِمْ، وَلَمْ يَبْقَ دَارٌ مِنْ دُورِ الْأَنْصَارِ إِلَّا وَفِيهَا ذِكْرٌ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ.

فَأَوَّلُ مَسْجِدٍ قُرِئَ فِيهِ الْقُرْآنُ بِالْمَدِينَةِ: مَسْجِدُ بَنِي زُرَيْقٍ، ثُمَّ قَدِمَ مَكَّةَ فِي الْعَامِ الْقَابِلِ اثْنَا عَشَرَ رَجُلًا مِنَ الْأَنْصَارِ، مِنْهُمْ خَمْسَةٌ مِنَ السِّتَّةِ الْأَوَّلِينَ، فَبَايَعُوا رَسُولَ اللَّهِ ﷺ عَلَى بَيْعَةِ النِّسَاءِ عِنْدَ الْعَقَبَةِ، ثُمَّ انْصَرَفُوا إِلَى الْمَدِينَةِ، فَقَدِمَ عَلَيْهِ فِي الْعَامِ الْقَابِلِ مِنْهُمْ ثَلَاثَةٌ وَسَبْعُونَ رَجُلًا وَامْرَأَتَانِ، وَهُمْ أَهْلُ الْعَقَبَةِ الْأَخِيرَةِ، فَبَايَعُوا رَسُولَ اللَّهِ ﷺ عَلَى أَنْ يَمْنَعُوهُ مِمَّا يَمْنَعُونَ مِنْهُ نِسَاءَهُمْ وَأَبْنَاءَهُمْ وَأَنْفُسَهُمْ، فَتَرَحَّلَ هُوَ وَأَصْحَابُهُ إِلَيْهِمْ.

وَاخْتَارَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ مِنْهُمُ اثْنَيْ عَشَرَ نَقِيبًا، وَأَذِنَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ لِأَصْحَابِهِ فِي الْهِجْرَةِ إِلَى الْمَدِينَةِ، فَخَرَجُوا أَرْسَالًا مُتَسَلِّلِينَ، أَوَّلُهُمْ فِيمَا قِيلَ: أَبُو سَلَمَةَ ابْنُ عَبْدِ الْأَسَدِ الْمَخْزُومِيُّ، وَقِيلَ: مُصْعَبُ بْنُ عُمَيْرٍ، فَقَدِمُوا عَلَى الْأَنْصَارِ فِي دُورِهِمْ، فَآوَوْهُمْ، وَنَصَرُوهُمْ، وَفَشَا الْإِسْلَامُ بِالْمَدِينَةِ، ثُمَّ أَذِنَ اللَّهُ لِرَسُولِ اللَّهِ ﷺ فِي الْهِجْرَةِ.

.............

ثُمَّ أَذِنَ اللَّهُ لِرَسُولِ اللَّهِ ﷺ فِي الْهِجْرَةِ، فَخَرَجَ مِنْ مَكَّةَ يَوْمَ الِاثْنَيْنِ فِي شَهْرِ رَبِيعٍ الْأَوَّلِ.

الطالب: قال الحافظ: وقوله: "قبل أن يُوحى إليه" أنكرها الخطابيُّ، وابن حزم، وعبدالحقِّ، والقاضي عياض، والنَّووي، وعبارة النووي: "وقع في رواية شريك -يعني هذه- أوهام أنكرها العلماءُ: أحدها قوله: "قبل أن يُوحى إليه"، وهو غلط لم يُوافَق عليه، وأجمع العلماءُ أنَّ فرض الصلاة كان ليلة الإسراء، فكيف يكون قبل الوحي .....

ثُمَّ أَذِنَ اللَّهُ لرسوله ﷺ فِي الْهِجْرَةِ، فَخَرَجَ مِنْ مَكَّةَ يَوْمَ الِاثْنَيْنِ فِي شَهْرِ رَبِيعٍ الْأَوَّلِ، وَقِيلَ: فِي صَفَرٍ، وَلَهُ إِذْ ذَاكَ ثَلَاثٌ وَخَمْسُونَ سَنَةً، وَمَعَهُ أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ، وعامر بن فُهيرة مَوْلَى أبي بكر، وَدَلِيلُهُمْ عبدالله بن الأريقط الليثي.

فَدَخَلَ غَارَ ثَوْرٍ هُوَ وأبو بكر، فَأَقَامَا فِيهِ ثَلَاثًا، ثُمَّ أَخَذَا عَلَى طَرِيقِ السَّاحِلِ، فَلَمَّا انْتَهَوْا إِلَى الْمَدِينَةِ -وَذَلِكَ يَوْم الِاثْنَيْنِ لِاثْنَتَيْ عَشْرَةَ لَيْلَةً خَلَتْ مِنْ شَهْرِ رَبِيعٍ الْأَوَّلِ، وَقِيلَ غَيْرُ ذَلِكَ- نَزَلَ بِقُبَاءَ فِي أَعْلَى الْمَدِينَةِ عَلَى بَنِي عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ، وَقِيلَ: نَزَلَ عَلَى كُلْثُومِ بْنِ الهدْمِ. وَقِيلَ: عَلَى سَعْدِ بْنِ خَيْثَمَةَ. وَالْأَوَّلُ أَشْهَرُ، فَأَقَامَ عِنْدَهُمْ أَرْبَعَةَ عَشَرَ يَوْمًا، وَأَسَّسَ مَسْجِدَ قُبَاءَ.

ثُمَّ خَرَجَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ فَأَدْرَكَتْهُ الْجُمُعَةُ فِي بَنِي سَالِمٍ، فَجَمَعَ بِهِمْ بِمَنْ كَانَ مَعَهُ مِنَ الْمُسْلِمِينَ، وَهُمْ مِئَةٌ، ثُمَّ رَكِبَ نَاقَتَهُ وَسَارَ، وَجَعَلَ النَّاسُ يُكَلِّمُونَهُ فِي النُّزُولِ عَلَيْهِمْ، وَيَأْخُذُونَ بِخِطَامِ النَّاقَةِ، فَيَقُولُ: خَلُّوا سَبِيلَهَا؛ فَإِنَّهَا مَأْمُورَةٌ، فَبَرَكَتْ عِنْدَ مَسْجِدِهِ الْيَوْمَ، وَكَانَ مِرْبَدًا لسهل وسُهيل، غُلَامَيْنِ مِنْ بَنِي النَّجَّارِ، فَنَزَلَ عَنْهَا عَلَى أَبِي أَيُّوبَ الْأَنْصَارِيِّ.

ثُمَّ بَنَى مَسْجِدَهُ مَوْضِعَ الْمِرْبَدِ بِيَدِهِ هُوَ وَأَصْحَابُهُ بِالْجَرِيدِ وَاللَّبِنِ، ثُمَّ بَنَى مَسْكَنَهُ وَمَسَاكِنَ أَزْوَاجِهِ إِلَى جَنْبِهِ، وَأَقْرَبُهَا إِلَيْهِ مَسْكَنُ عائشةَ، ثُمَّ تَحَوَّلَ بَعْدَ سَبْعَةِ أَشْهُرٍ مِنْ دَارِ أبي أيوبَ إِلَيْهَا.

وَبَلَغَ أَصْحَابَهُ بِالْحَبَشَةِ هِجْرَتُهُ إِلَى الْمَدِينَةِ، فَرَجَعَ مِنْهُمْ ثَلَاثَةٌ وَثَلَاثُونَ رَجُلًا، فَحُبِسَ مِنْهُمْ بِمَكَّةَ سَبْعَةٌ، وَانْتَهَى بَقِيَّتُهُمْ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ ﷺ بِالْمَدِينَةِ، ثُمَّ هَاجَرَ بَقِيَّتُهُمْ فِي السَّفِينَةِ عَامَ خَيْبَرَ سَنَةَ سَبْعٍ.

س: .............؟

ج: أُوحي إليه أن تُترك حتى تنيخ عند المكان الذي أُمرت به، هذا من أمر الله حتى يكون أطيبَ للنفوس؛ لأنه إذا اختار بعضَهم على بعضٍ ربما جاء في النفوس شيء، فلما صار الأمرُ إلى الله ، وصارت إناختها عند بيت أبي أيوب صار معذورًا إذا .....، نعم. تكلم عليه المحشي؟

الطالب: أخرجه البيهقي في «الدلائل» من حديث أنسٍ، قال: قدم رسولُ الله ﷺ المدينةَ، فلما دخلنا جاء الأنصارُ ..... فقالوا: إلينا رسول الله، فقال: دعوا النَّاقةَ؛ فإنها مأمورة، فبركت على باب أبي أيوب. إلى آخره، وفي سنده إبراهيم ..... ضعَّفه الدَّارقطني وغيره، وكذَّبه ابنُ معين، وقال ابنُ عدي: عامَّة حديثه منكر السند والمتن.

وأخرج البيهقي في «الدلائل» فيما ذكره ابن كثيرٍ في البداية من طريق سعيد بن منصور: حدثنا عطاف بن خالد: حدثنا صديق بن موسى، عن عبدالله بن الزبير: أنَّ رسول الله ﷺ قدم المدينة، فاستناخت به راحلته بين دار جعفر بن محمد بن علي، ودار الحسن بن زيد، فأتاه الناسُ فقالوا: يا رسول الله، الْمَنْزِلَ. فَانْبَعَثَتْ بِهِ رَاحِلَتُهُ، فقال: دعوها؛ فإنها مأمورة، ثم خرجت به حتى جاءت موضع المنبر فاستناخت، ثم تحللت، وَثَمَّ عَرِيشٌ كَانُوا يَرُشُّونَهُ وَيُعَمِّرُونَهُ وَيَتَبَرَّدُونَ فِيهِ، فَنَزَلَ رَسُولُ اللهِ ﷺ عن رَاحِلَتِهِ فيه، فَآوَى إِلَى الظِّلِّ، فَأَتَاهُ أَبُو أَيُّوبَ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنَّ مَنْزِلِي أَقْرَبُ الْمَنَازِلِ إِلَيْكَ، فَانْقُلْ رَحْلَكَ إِلَيَّ، فَقَالَ: نَعَمْ، فَذَهَبَ بِرَحْلِهِ إِلَى الْمَنْزِلِ، ثُمَّ أَتَاهُ رَجُلٌ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، أَيْنَ تَحُلُّ؟ قَالَ: إِنَّ الرَّجُلَ مَعَ رَحْلِهِ حَيْثُ كَانَ.

..........

الطالب: أحسن الله إليك، عمرو بن مالك الهمداني، أبو عليٍّ الجنبي -بفتح الجيم، وسكون النون، بعدها مُوحدة- مصري، ثقة، من الثالثة، مات سنة ثلاثٍ ومئة، ويقال: سنة اثنتين. (البخاري – التاريخ - جزء 4).

الشيخ: نعم.

فَصْلٌ

فِي أَوْلَادِهِ ﷺ

أَوَّلُهُمُ القاسم، وَبِهِ كَانَ يُكْنَى، مَاتَ طِفْلًا، وَقِيلَ: عَاشَ إِلَى أَنْ رَكِبَ الدَّابَّةَ وَسَارَ عَلَى النَّجِيبَةِ.

ثُمَّ زينب، وَقِيلَ: هِيَ أَسَنُّ مِنَ القاسم، ثُمَّ رقية، وأم كلثوم، وفاطمة، وَقَدْ قِيلَ فِي كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ: إِنَّهَا أَسَنُّ مِنْ أُخْتَيْهَا. وَقَدْ ذُكِرَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: أَنَّ رقية أَسَنُّ الثَّلَاثِ، وأم كلثوم أَصْغَرُهُنَّ.

ثُمَّ وُلِدَ لَهُ عبدالله، وَهَلْ وُلِدَ بَعْدَ النُّبُوَّةِ أَوْ قَبْلَهَا؟ فِيهِ اخْتِلَافٌ، وَصَحَّحَ بَعْضُهُمْ أَنَّهُ وُلِدَ بَعْدَ النُّبُوَّةِ.

وَهَلْ هُوَ الطيب والطاهر، أَوْ هُمَا غَيْرُهُ؟

عَلَى قَوْلَيْنِ، وَالصَّحِيحُ أَنَّهُمَا لَقَبَانِ لَهُ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

وَهَؤُلَاءِ كُلُّهُمْ مِنْ خديجة، وَلَمْ يُولَدْ لَهُ مِنْ زَوْجَةٍ غَيْرِهَا.

ثُمَّ وُلِدَ لَهُ إبراهيم بِالْمَدِينَةِ مِنْ سُرِّيَّتِهِ مارية القبطية سَنَةَ ثَمَانٍ مِنَ الْهِجْرَةِ، وَبَشَّرَهُ بِهِ أبو رافع مَوْلَاهُ، فَوَهَبَ لَهُ عَبْدًا، وَمَاتَ طِفْلًا قَبْلَ الْفِطَامِ، وَاخْتُلِفَ: هَلْ صَلَّى عَلَيْهِ أَمْ لَا؟ عَلَى قَوْلَيْنِ.

وَكُلُّ أَوْلَادِهِ تُوُفِّيَ قَبْلَهُ إِلَّا فاطمة، فَإِنَّهَا تَأَخَّرَتْ بَعْدَهُ بِسِتَّةِ أَشْهُرٍ، فَرَفَعَ اللَّهُ لَهَا بِصَبْرِهَا وَاحْتِسَابِهَا مِنَ الدَّرَجَاتِ مَا فُضِّلَتْ بِهِ عَلَى نِسَاءِ الْعَالَمِينَ.

وفاطمة أَفْضَلُ بَنَاتِهِ عَلَى الْإِطْلَاقِ، وَقِيلَ: إِنَّهَا أَفْضَلُ نِسَاءِ الْعَالَمِينَ. وَقِيلَ: بَلْ أُمُّهَا خديجة. وَقِيلَ: بَلْ عائشة. وَقِيلَ: بَلْ بِالْوَقْفِ فِي ذَلِكَ.

الشيخ: والخلاصة أنه مثلما تقدم: أن أفضل نساء العالمين هن هؤلاء الخمس: خديجة، وعائشة، وفاطمة، ومريم بنت عمران -أم عيسى عليه الصلاة والسلام- وآسيا بنت مُزاحم -امرأة فرعون.

فهؤلاء الخمس هن أفضل النِّساء على الإطلاق، أفضل النساء في العالمين جميعًا هؤلاء الخمس.

واختُلف في أيِّهن أفضل؟ على أقوالٍ، لكنَّهن أفضل نساء العالمين: خديجة رضي الله عنها أم أكثر أولاده، والتي آزرته في حال الشدة، وعائشة بنت الصديق، وابنته فاطمة التي قال فيها: إنها سيدة نساء العالمين، وآسيا بنت مزاحم امرأة فرعون التي صبرت على فرعون، وآمنت، وخالفت زوجها، حتى جرى عليها ما جرى من إذلالٍ، ومريم ابنة عمران التي أحصنت فرجها، ورزقها الله هذا الولد العظيم النبي الكريم عليه الصلاة والسلام.

الطالب: ..............

الشيخ: الطيب والطاهر لقبان لعبدالله، المحفوظ: القاسم، وعبدالله، وإبراهيم، والبنات أربع، سبع، هذا المحفوظ، أما الزائد على هذا فليس بمحفوظٍ ......، ولدان: الطيب والطاهر، فليس بمحفوظٍ، والمحفوظ أنَّ أولاده سبعة فقط: القاسم، وعبدالله، وإبراهيم، والبنات: زينب، ورقية، وأم كلثوم، وفاطمة رضي الله عن الجميع.

س: ..............؟

ج: الله أعلم، قد يُقال والله أعلم أنه لو بقي لربما غلا فيه الناس، زادوا في تعظيمه، وربما وقعوا بسبب ذلك في الشرك، أو فيما دونه من البدع والشُّرور، ويحتمل أنَّ هناك حِكَمًا أخرى، لكن هذا والله أعلم مما هو غريب.

س: ..............؟

ج: لا، ضعيف، هذا لأنه لا نبيَّ بعده، الرسول ﷺ خاتم الأنبياء.

س: ضعيف أو موضوع؟

ج: ما أتذكر حاله، لكن ما هو بصحيحٍ.

فَصْلٌ

فِي أَعْمَامِهِ وَعَمَّاتِهِ ﷺ

فَمِنْهُمْ أَسَدُ اللَّهِ، وَأَسَدُ رَسُولِهِ، سَيِّدُ الشُّهَدَاءِ: حَمْزَةُ بْنُ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، والعباس، وأبو طالب واسمه: عبد مناف، وأبو لهب واسمه: عبد العزى، والزبير، وعبد الكعبة، والمقوم، وضرار، وقثم، والمغيرة ولقبه: حجل، والغيداق واسمه: مصعب، وَقِيلَ: نوفل، وَزَادَ بَعْضُهُمُ: العوَّام، وَلَمْ يُسْلِمْ مِنْهُمْ إِلَّا حمزة، والعباس.

الشيخ: أحد عشر عمًّا، أو اثنا عشر عمًّا له ﷺ، أسلم منهم اثنان: الحمزة والعباس، والبقية ماتوا على الجاهلية، وأشرهم وأخبثهم أبو لهب، نسأل الله العافية.

...............

وَأَمَّا عَمَّاتُهُ: فصفية أُمُّ الزُّبَيْرِ بْنِ الْعَوَّامِ، وعاتكة، وبرَّة، وأروى، وأميمة، وأم حكيم البيضاء.

أَسْلَمَ مِنْهُنَّ صفية، وَاخْتُلِفَ فِي إِسْلَامِ عاتكة وأروى، وَصَحَّحَ بَعْضُهُمْ إِسْلَامَ أروى.

وَأَسَنُّ أَعْمَامِهِ: الحارث، وَأَصْغَرُهُمْ سِنًّا: العباس، وَعَقَبَ مِنْهُ حَتَّى مَلَأَ أَوْلَادُهُ الْأَرْضَ. وَقِيلَ: أُحْصُوا فِي زَمَنِ الْمَأْمُونِ فَبَلَغُوا سِتَّمِئَةِ أَلْفٍ، وَفِي ذَلِكَ بُعْدٌ لَا يَخْفَى.

وَكَذَلِكَ أَعْقَبَ أبو طالب وَأَكْثَرَ، والحارث، وأبو لهب، وَجَعَلَ بَعْضُهُمُ الحارث والمقوم وَاحِدًا، وَبَعْضُهُمُ الغيداق وحجلًا وَاحِدًا.

فَصْلٌ

فِي أَزْوَاجِهِ ﷺ

أُولَاهُنَّ: خديجة بنت خويلد القرشية الأسدية، تَزَوَّجَهَا قَبْلَ النُّبُوَّةِ، وَلَهَا أَرْبَعُونَ سَنَةً، وَلَمْ يَتَزَوَّجْ عَلَيْهَا حَتَّى مَاتَتْ، وَأَوْلَادُهُ كُلُّهُمْ مِنْهَا إِلَّا إبراهيم، وَهِيَ الَّتِي آزَرَتْهُ عَلَى النُّبُوَّةِ، وَجَاهَدَتْ مَعَهُ وَوَاسَتْهُ بِنَفْسِهَا وَمَالِهَا، وَأَرْسَلَ اللَّهُ إِلَيْهَا السَّلَامَ مَعَ جِبْرِيلَ، وَهَذِهِ خَاصَّةٌ لَا تُعْرَفُ لِامْرَأَةٍ سِوَاهَا، وَمَاتَتْ قَبْلَ الْهِجْرَةِ بِثَلَاثِ سِنِينَ.

ثُمَّ تَزَوَّجَ بَعْدَ مَوْتِهَا بِأَيَّامٍ سودة بنت زمعة القرشية، وَهِيَ الَّتِي وَهَبَتْ يَوْمَهَا لعائشة.

ثُمَّ تَزَوَّجَ بَعْدَهَا أُمَّ عَبْدِاللَّهِ عائشة الصِّديقة بنت الصديق، الْمُبَرَّأَة مِنْ فَوْقِ سَبْعِ سَمَاوَاتٍ، حَبِيبَة رَسُولِ اللَّهِ ﷺ، عائشة بنت أبي بكر الصديق، وَعَرَضَهَا عَلَيْهِ الْمَلَكُ قَبْلَ نِكَاحِهَا فِي سَرَقَةٍ مِنْ حَرِيرٍ، وَقَالَ: هَذِهِ زَوْجَتُكَ، تَزَوَّجَ بِهَا فِي شَوَّالٍ وَعُمْرُهَا سِتُّ سِنِينَ، وَبَنَى بِهَا فِي شَوَّالٍ فِي السَّنَةِ الْأُولَى مِنَ الْهِجْرَةِ وَعُمْرُهَا تِسْعُ سِنِينَ، وَلَمْ يَتَزَوَّجْ بِكْرًا غَيْرَهَا، وَمَا نَزَلَ عَلَيْهِ الْوَحْيُ فِي لِحَافِ امْرَأَةٍ غَيْرَهَا، وَكَانَتْ أَحَبَّ الْخَلْقِ إِلَيْهِ، وَنَزَلَ عُذْرُهَا مِنَ السَّمَاءِ، وَاتَّفَقَتِ الْأُمَّةُ عَلَى كُفْرِ قَاذِفِهَا.

الشيخ: أحب الخلق إليه من النساء.

وَهِيَ أَفْقَهُ نِسَائِهِ وَأَعْلَمُهُنَّ، بَلْ أَفْقَهُ نِسَاءِ الْأُمَّةِ وَأَعْلَمُهُنَّ عَلَى الْإِطْلَاقِ، وَكَانَ الْأَكَابِرُ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ ﷺ يَرْجِعُونَ إِلَى قَوْلِهَا وَيَسْتَفْتُونَهَا.

وَقِيلَ: إِنَّهَا أَسْقَطَتْ مِنَ النَّبِيِّ ﷺ سِقْطًا، وَلَمْ يَثْبُتْ.

ثُمَّ تَزَوَّجَ حفصة بنت عمر بن الخطاب ، وَذَكَرَ أبو داود أَنَّهُ طَلَّقَهَا ثُمَّ رَاجَعَهَا.

ثُمَّ تَزَوَّجَ زينب بنت خزيمة بن الحارث القيسية، مِنْ بَنِي هِلَالِ بْنِ عَامِرٍ، وَتُوُفِّيَتْ عِنْدَهُ بَعْدَ ضَمِّهِ لَهَا بِشَهْرَيْنِ.

ثُمَّ تَزَوَّجَ أمَّ سلمة هند بنت أبي أمية القرشية المخزومية، وَاسْمُ أبي أمية حذيفة بن المغيرة، وَهِيَ آخِرُ نِسَائِهِ مَوْتًا. وَقِيلَ: آخِرُهُنَّ مَوْتًا صفية.

وَاخْتُلِفَ فِيمَنْ وَلِيَ تَزْوِيجَهَا مِنْهُ: فَقَالَ ابنُ سعدٍ فِي "الطَّبَقَاتِ": وَلِيَ تَزْوِيجَهَا مِنْهُ سَلَمَةُ ابْنُ أَبِي سَلَمَةَ، دُونَ غَيْرِهِ مِنْ أَهْلِ بَيْتِهَا، وَلَمَّا زَوَّجَ النَّبِيُّ ﷺ سَلَمَةَ ابْنَ أَبِي سَلَمَةَ أُمامة بنت حمزة الَّتِي اخْتَصَمَ فِيهَا علي، وجعفر، وزيد، قَالَ: هَلْ جَزَيْتُ سلمة؟ يَقُولُ ذَلِكَ لِأَنَّ سلمةَ هُوَ الَّذِي تَوَلَّى تَزْوِيجَهُ دُونَ غَيْرِهِ مِنْ أَهْلِهَا. ذُكِرَ هَذَا فِي تَرْجَمَةِ سلمة.

ثُمَّ ذُكِرَ فِي تَرْجَمَةِ أم سلمة عَنِ الْوَاقِدِيِّ: حَدَّثَنِي مجمع بن يعقوب، عَنْ أبي بكر ابن محمد بن عمر ابن أبي سلمة، عَنْ أَبِيهِ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ خَطَبَ أم سلمة إِلَى ابْنِهَا عُمَرَ ابْنِ أَبِي سَلَمَةَ، فَزَوَّجَهَا رَسُولَ اللَّهِ ﷺ وَهُوَ يَوْمَئِذٍ غُلَامٌ صَغِيرٌ.

وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ فِي "الْمُسْنَدِ": حَدَّثَنَا عفان: حَدَّثَنَا حماد ابن أبي سلمة: حَدَّثَنَا ثابت، قَالَ: حَدَّثَنِي ابن عمر ابن أبي سلمة، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أم سلمة: أَنَّهَا لَمَّا انْقَضَتْ عِدَّتُهَا مِنْ أبي سلمة، بَعَثَ إِلَيْهَا رَسُولُ اللَّهِ ﷺ، فَقَالَتْ: مَرْحَبًا بِرَسُولِ اللَّهِ ﷺ، إِنِّي امْرَأَةٌ غَيْرَى، وَإِنِّي مُصْبِيَةٌ، وَلَيْسَ أَحَدٌ مِنْ أَوْلِيَائِي حَاضِرًا ... الْحَدِيثَ، وَفِيهِ: فَقَالَتْ لِابْنِهَا عمر: قُمْ فَزَوِّجْ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ، فَزَوَّجَهُ.

وَفِي هَذَا نَظَرٌ؛ فَإِنَّ عمر هَذَا كَانَ سِنُّهُ لَمَّا تُوُفِّيَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ تِسْعَ سِنِينَ، ذَكَرَهُ ابنُ سعدٍ، وَتَزَوَّجَهَا رَسُولُ اللَّهِ ﷺ فِي شَوَّالٍ سَنَةَ أَرْبَعٍ، فَيَكُونُ لَهُ مِنَ الْعُمُرِ حِينَئِذٍ ثَلَاثُ سِنِينَ، وَمِثْلُ هَذَا لَا يُزَوِّجُ، قَالَ ذَلِكَ ابنُ سعدٍ وَغَيْرُهُ، وَلَمَّا قِيلَ ذَلِكَ لِلْإِمَامِ أَحْمَدَ، قَالَ: مَنْ يَقُولُ: إِنَّ عمر كَانَ صَغِيرًا؟

الشيخ: وقد تقدمت في هذا أفهام، وما ثبت أنَّ عمر هذا كان كبيرًا، وهو الذي سأل النبيَّ ﷺ عن الرجل يُجامع ثم يكسل هل يغتسل؟ وهو الذي سأل الرسول عن تقبيل المرأة: إذا قبَّل الرجلُ امرأتَه وهو صائم، فقال له ﷺ: لا حرج، فقال: يا رسول الله، لسنا مثلك؛ قد غفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخَّر، فقال: إني لأخشاكم لله، وأتقاكم له، وهو يدل على أنه رجل كبير؛ لأنَّ هذا السؤال إنما يقع من الكبار، وقد قال له النبي ﷺ وكانت تطيش يده في الصحفة: يا غلام، سمِّ الله، وكُلْ بيمينك، وكُلْ مما يليك.

والظاهر أنه في أول الهجرة كان صغيرًا، وفي أيام موت أبيه، ولكنه قبل موت أبيه بأيامٍ أول الهجرة، قد يكون هذا بعد موت أبيه في سنة أربعٍ، كان قد بلغ الحلم، ومثل هذا يُقال له وهو ابن عشرة واثنا عشر: يا غلام، سمِّ الله .. يُعلَّم، فلا منافاةَ بين كونه صغيرًا، قال له: يا غلام، سمِّ الله، وكُلْ بيمينك، وكُلْ مما يليك، وبين كونه تولى النكاح؛ فإنه قد يكون ابن ستة عشر أو سبعة عشر حين زوَّج النبي ﷺ، ويحتمل أنه زوَّجه ..... كما تقدم.

قَالَ أَبُو الْفَرَجِ ابْنُ الْجَوْزِيِّ: وَلَعَلَّ أحمد قَالَ هَذَا قَبْلَ أَنْ يَقِفَ عَلَى مِقْدَارِ سِنِّهِ، وَقَدْ ذَكَرَ مِقْدَارَ سِنِّهِ جَمَاعَةٌ مِنَ الْمُؤَرِّخِينَ: ابن سعد وَغَيْرُهُ.

وَقَدْ قِيلَ: إِنَّ الَّذِي زَوَّجَهَا مِنْ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ ابْنُ عَمِّهَا عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ، وَالْحَدِيثُ: "قُمْ يَا عمر فَزَوِّجْ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ"، وَنَسَبُ عمر وَنَسَبُ أم سلمة يَلْتَقِيَانِ فِي كعب، فَإِنَّهُ عمر بن الخطاب بن نفيل بن عبد العزى بن رياح بن عبدالله بن قرط بن رزاح بن عدي بن كعب، وأم سلمة بنت أبي أمية ابن المغيرة بن عبدالله بن عمر بن مخزوم بن يقظة بن مرة بن كعب، فَوَافَقَ اسْمُ ابْنِهَا عمر اسْمَهُ، فَقَالَتْ: "قُمْ يَا عمر فَزَوِّجْ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ"، فَظَنَّ بَعْضُ الرُّوَاةِ أَنَّهُ ابْنُهَا؛ فَرَوَاهُ بِالْمَعْنَى، وَقَالَ: فَقَالَتْ لِابْنِهَا. وَذُهِلَ عَنْ تَعَذُّرِ ذَلِكَ عَلَيْهِ لِصِغَرِ سِنِّهِ.

وَنَظِيرُ هَذَا وَهْمُ بَعْضِ الْفُقَهَاءِ فِي هَذَا الْحَدِيثِ وَرِوَايَتِهِمْ لَهُ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: قُمْ يَا غُلَامُ فَزَوِّجْ أُمَّكَ.

قَالَ أَبُو الْفَرَجِ ابْنُ الْجَوْزِيِّ: وَمَا عَرَفْنَا هَذَا فِي هَذَا الْحَدِيثِ، قَالَ: وَإِنْ ثَبَتَ فَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ قَالَهُ عَلَى وَجْهِ الْمُدَاعَبَةِ لِلصَّغِيرِ؛ إِذْ كَانَ لَهُ مِنَ الْعُمُرِ يَوْمَئِذٍ ثَلَاثُ سِنِينَ؛ لِأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ تَزَوَّجَهَا فِي سَنَةِ أَرْبَعٍ، وَمَاتَ وَلِعُمَرَ تِسْعُ سِنِينَ، وَرَسُولُ اللَّهِ ﷺ لَا يَفْتَقِرُ نِكَاحُهُ إِلَى وَلِيٍّ.

وَقَالَ ابنُ عقيل: ظَاهِرُ كَلَامِ أحمد أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ لَا يُشْتَرَطُ فِي نِكَاحِهِ الْوَلِيُّ، وَأَنَّ ذَلِكَ مِنْ خَصَائِصِهِ.

س: ...............؟

ج: غيرة، يعني: فيها غيرة، تخشى أن يكون منها شيء مع ضرائرها -زوجاته الأخرى- لأنَّ عندها غيرة تخشى أن يقع منها شيء مما لا ينبغي بسبب غيرتها من النساء .....، وأما الغيرة فدعا الله لها أن يُذهب عنها الغيرة.

.............

ثُمَّ تَزَوَّجَ زينب بنت جحش، مِنْ بَنِي أَسَدِ بْنِ خُزَيْمَةَ، وَهِيَ ابْنَةُ عَمَّتِهِ أميمة، وَفِيهَا نَزَلَ قَوْلُهُ تَعَالَى: فَلَمَّا قَضَى زَيْدٌ مِنْهَا وَطَرًا زَوَّجْنَاكَهَا [الأحزاب:37]، وَبِذَلِكَ كَانَتْ تَفْتَخِرُ عَلَى نِسَاءِ النَّبِيِّ ﷺ وَتَقُولُ: "زَوَّجَكُنَّ أَهَالِيكُنَّ، وَزَوَّجَنِي اللَّهُ مِنْ فَوْقِ سَبْعِ سَمَاوَاتٍ".

وَمِنْ خَوَاصِّهَا أَنَّ اللَّهَ كَانَ هُوَ وَلِيَّهَا الَّذِي زَوَّجَهَا لِرَسُولِهِ مِنْ فَوْقِ سَمَاوَاتِهِ، وَتُوُفِّيَتْ فِي أَوَّلِ خِلَافَةِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ.

الشيخ: أيش قال المحشي؟ حطّ عليه إشارة، المعروف في آخرها. "التقريب" عندك؟ انظر زينب بنت جحش.

وَكَانَتْ أَوَّلًا عِنْدَ زَيْدِ بْنِ حَارِثَةَ، وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ تَبَنَّاهُ، فَلَمَّا طَلَّقَهَا زيدٌ زَوَّجَهُ اللَّهُ تَعَالَى إِيَّاهَا؛ لِتَتَأَسَّى بِهِ أُمَّتُهُ فِي نِكَاحِ أَزْوَاجِ مَنْ تَبَنَّوْهُ.

الشيخ: ولهذا قال: لِكَيْ لَا يَكُونَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ حَرَجٌ فِي أَزْوَاجِ أَدْعِيَائِهِمْ إِذَا قَضَوْا مِنْهُنَّ وَطَرًا [الأحزاب:37]، الله جلَّ وعلا قال: ادْعُوهُمْ لِآبَائِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِنْدَ اللَّهِ فَإِنْ لَمْ تَعْلَمُوا آبَاءَهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ وَمَوَالِيكُمْ [الأحزاب:5].

وَتَزَوَّجَ ﷺ جويرية بنت الحارث ابن أبي ضرار المصطلقية، وَكَانَتْ مِنْ سَبَايَا بَنِي الْمُصْطَلِقِ، فَجَاءَتْهُ تَسْتَعِينُ بِهِ عَلَى كِتَابَتِهَا، فَأَدَّى عَنْهَا كِتَابَتَهَا وَتَزَوَّجَهَا.

ثُمَّ تَزَوَّجَ أم حبيبة، واسمها: رملة بنت أبي سفيان صخر بن حرب، القرشية، الأموية. وَقِيلَ: اسْمُهَا هند، تَزَوَّجَهَا وَهِيَ بِبِلَادِ الْحَبَشَةِ مُهَاجِرَةً، وَأَصْدَقَهَا عَنْهُ النَّجَاشِيُّ أَرْبَعَمِئَةِ دِينَارٍ، وَسِيقَتْ إِلَيْهِ مِنْ هُنَاكَ، وَمَاتَتْ فِي أَيَّامِ أَخِيهَا معاوية.

هَذَا هُوَ الْمَعْرُوفُ الْمُتَوَاتِرُ عِنْدَ أَهْلِ السِّيَرِ وَالتَّوَارِيخِ، وَهُوَ عِنْدَهُمْ بِمَنْزِلَةِ نِكَاحِهِ لخديجة بِمَكَّةَ، ولحفصة بِالْمَدِينَةِ، ولصفية بَعْدَ خَيْبَرَ.

وَأَمَّا حَدِيثُ عِكْرِمَةَ بْنِ عَمَّارٍ، عَنْ أبي زميل، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: أَنَّ أبا سفيان قَالَ لِلنَّبِيِّ ﷺ: "أَسْأَلُكَ ثَلَاثًا"، فَأَعْطَاهُ إِيَّاهُنَّ، مِنْهَا: "وَعِنْدِي أَجْمَلُ الْعَرَبِ: أم حبيبة، أُزَوِّجُكَ إِيَّاهَا".

فَهَذَا الْحَدِيثُ غَلَطٌ لَا خَفَاءَ بِهِ، قَالَ أَبُو مُحَمَّدِ ابْنُ حَزْمٍ: وَهُوَ مَوْضُوعٌ بِلَا شَكٍّ، كَذَبَهُ عِكْرِمَةُ بْنُ عَمَّارٍ. وَقَالَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ فِي هَذَا الْحَدِيثِ: هُوَ وَهْمٌ مِنْ بَعْضِ الرُّوَاةِ، لَا شَكَّ فِيهِ وَلَا تَرَدُّدَ.

الشيخ: ..... والفتح: وهم وهمًا، وهم يهم وهمًا، معناه: غلط، أما قول ابن حزم في هذا مبالغة، لكن مثلما قال ابن الجوزي: وقع فيه وهم وغلط: أزوجك، عندي فلانة أزوجك إياها، قد تكون امرأةً أخرى عنده غير أم حبيبة، أما هذه فقد تزوجها قبل ذلك، قبل إسلام أبيها، قد يكون في هذا كلمة وهم فيها عكرمة أو غيره.

س: ..............؟

ج: تُسكن وتُفتح، يقال: وَهْم، ووَهَم. الفتح مصدر، وهم بالكسر يعني: غلط، والوهم: وهم، يهم، وهمًا، بعضهم فرَّق بينهما بأنَّ ما يتوهمه الإنسانُ يبدو له، وهو ليس بصحيحٍ، هذا في التَّشكيل مصدر: وهم، يهم، وهمًا، وما كان غلطًا وإن لم يشعر به فهو الوهم بالتَّحريك، مصدر: وهم، يعني: غلط ..... معًا، يحتاج إلى بعض العناية من أئمة اللغة.

الطالب: زينب بنت جحش، ابن رباب، ابن يعمر الأسدية، أم المؤمنين، أمها أميمة بنت عبد المطلب، يقال: ماتت سنة عشرين في خلافة عمر (ع).

الشيخ: هذا المشهور: في آخر خلافته سنة عشرين، نعم.

.............

وَقَالَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ فِي هَذَا الْحَدِيثِ: هُوَ وَهْمٌ مِنْ بَعْضِ الرُّوَاةِ، لَا شَكَّ فِيهِ وَلَا تَرَدُّدَ، وَقَدِ اتَّهَمُوا بِهِ عِكْرِمَةَ بْنَ عَمَّارٍ؛ لِأَنَّ أَهْلَ التَّارِيخِ أَجْمَعُوا عَلَى أَنَّ أم حبيبة كَانَتْ تَحْتَ عبدالله بن جحش، وَوَلَدَتْ لَهُ، وَهَاجَرَ بِهَا وَهُمَا مُسْلِمَانِ إِلَى أَرْضِ الْحَبَشَةِ، ثُمَّ تَنَصَّرَ، وَثَبَتَتْ أمُّ حبيبة عَلَى إِسْلَامِهَا، فَبَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ إِلَى النَّجَاشِيِّ يَخْطُبُهَا عَلَيْهِ، فَزَوَّجَهُ إِيَّاهَا.

الشيخ: من باب "نَصَرَ"، الماضي والمضارع واحد في الموعظة، نقول: خطبة ..... مصدر، الموعظة: خُطبة، وفي خِطبة النساء بالكسر، أما الماضي والمضارع فواحد.

فَبَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ إِلَى النَّجَاشِيِّ يَخْطُبُهَا عَلَيْهِ، فَزَوَّجَهُ إِيَّاهَا، وَأَصْدَقَهَا عَنْهُ صَدَاقًا، وَذَلِكَ فِي سَنَةِ سَبْعٍ مِنَ الْهِجْرَةِ، وَجَاءَ أبو سفيان فِي زَمَنِ الْهُدْنَةِ فَدَخَلَ عَلَيْهَا، فَثَنَتْ فِرَاشَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ حَتَّى لَا يَجْلِسَ عَلَيْهِ، وَلَا خِلَافَ أَنَّ أبا سفيان ومعاوية أَسْلَمَا فِي فَتْحِ مَكَّةَ سَنَةَ ثَمَانٍ.

وَأَيْضًا فَفِي هَذَا الْحَدِيثِ أَنَّهُ قَالَ لَهُ: "وَتُؤَمِّرُنِي حَتَّى أُقَاتِلَ الْكُفَّارَ كَمَا كُنْتُ أُقَاتِلُ الْمُسْلِمِينَ"، قَالَ: نَعَمْ، وَلَا يُعْرَفُ أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ أَمَّرَ أبا سفيان الْبَتَّةَ.

وَقَدْ أَكْثَرَ النَّاسُ الْكَلَامَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ، وَتَعَدَّدَتْ طُرُقُهُمْ فِي وَجْهِهِ؛ فَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ: الصَّحِيحُ أَنَّهُ تَزَوَّجَهَا بَعْدَ الْفَتْحِ؛ لِهَذَا الْحَدِيثِ، قَالَ: وَلَا يُرَدُّ هَذَا بِنَقْلِ الْمُؤَرِّخِينَ، وَهَذِهِ الطَّرِيقَةُ بَاطِلَةٌ عِنْدَ مَنْ لَهُ أَدْنَى عِلْمٍ بِالسِّيرَةِ وَتَوَارِيخِ مَا قَدْ كَانَ.

الشيخ: وقد بسط الكلام في هذا المؤلفُ في "جلاء الأفهام"، وذكر أقوال الناس، وردَّ على غيرهم، وانتهى إلى أنه وهم في الرواية، وهم في الحديث في اسم أم حبيبة.

وَقَالَتْ طَائِفَةٌ: بَلْ سَأَلَهُ أَنْ يُجَدِّدَ لَهُ الْعَقْدَ تَطْيِيبًا لِقَلْبِهِ، فَإِنَّهُ كَانَ قَدْ تَزَوَّجَهَا بِغَيْرِ اخْتِيَارِهِ.

وَهَذَا بَاطِلٌ لَا يُظَنُّ بِالنَّبِيِّ ﷺ، وَلَا يَلِيقُ بِعَقْلِ أبي سفيان، وَلَمْ يَكُنْ مِنْ ذَلِكَ شَيْءٌ.

وَقَالَتْ طَائِفَةٌ -مِنْهُمُ البيهقي والمنذري- يَحْتَمِلُ أَنْ تَكُونَ هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ مِنْ أبي سفيان وَقَعَتْ فِي بَعْضِ خرجَاتِهِ إِلَى الْمَدِينَةِ وَهُوَ كَافِرٌ، حِينَ سَمِعَ نَعْيَ زَوْجِ أم حبيبة بِالْحَبَشَةِ، فَلَمَّا وَرَدَ عَلَى هَؤُلَاءِ مَا لَا حِيلَةَ لَهُمْ فِي دَفْعِهِ مِنْ سُؤَالِهِ أَنْ يُؤَمِّرَهُ حَتَّى يُقَاتِلَ الْكُفَّارَ، وَأَنْ يَتَّخِذَ ابْنَهُ كَاتِبًا، قَالُوا: لَعَلَّ هَاتَيْنِ الْمَسْأَلَتَيْنِ وَقَعَتَا مِنْهُ بَعْدَ الْفَتْحِ، فَجَمَعَ الرَّاوِي ذَلِكَ كُلَّهُ فِي حَدِيثٍ وَاحِدٍ.

وَالتَّعَسُّفُ وَالتَّكَلُّفُ الشَّدِيدُ الَّذِي فِي هَذَا الْكَلَامِ يُغْنِي عَنْ رَدِّهِ.

وَقَالَتْ طَائِفَةٌ: لِلْحَدِيثِ مَحْمَلٌ آخَرُ صَحِيحٌ، وَهُوَ أَنْ يَكُونَ الْمَعْنَى: أَرْضَى أَنْ تَكُونَ زَوْجَتَكَ الْآنَ، فَإِنِّي قَبْلُ لَمْ أَكُنْ رَاضِيًا، وَالْآنَ فَإِنِّي قَدْ رَضِيتُ، فَأَسْأَلُكَ أَنْ تَكُونَ زَوْجَتَكَ.

وَهَذَا وَأَمْثَالُهُ لَوْ لَمْ يَكُنْ قَدْ سُوِّدَتْ بِهِ الْأَوْرَاقُ، وَصُنِّفَتْ فِيهِ الْكُتُبُ، وَحَمَلَهُ النَّاسُ؛ لَكَانَ الْأَوْلَى بِنَا الرَّغْبَةَ عَنْهُ؛ لِضِيقِ الزَّمَانِ عَنْ كِتَابَتِهِ وَسَمَاعِهِ، وَالِاشْتِغَالِ بِهِ، فَإِنَّهُ مِنْ رُبْدِ الصُّدُورِ، لَا مِنْ زُبْدِهَا.

وَقَالَتْ طَائِفَةٌ: لَمَّا سَمِعَ أبو سفيان أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ طَلَّقَ نِسَاءَهُ لَمَّا آلَى مِنْهُنَّ، أَقْبَلَ إِلَى الْمَدِينَةِ، وَقَالَ لِلنَّبِيِّ ﷺ مَا قَالَ؛ ظَنًّا مِنْهُ أَنَّهُ قَدْ طَلَّقَهَا فِيمَنْ طَلَّقَ. وَهَذَا مِنْ جِنْسِ مَا قَبْلَهُ.

وَقَالَتْ طَائِفَةٌ: بَلِ الْحَدِيثُ صَحِيحٌ، وَلَكِنْ وَقَعَ الْغَلَطُ وَالْوَهْمُ مِنْ أَحَدِ الرُّوَاةِ فِي تَسْمِيَةِ أم حبيبة، وَإِنَّمَا سَأَلَ أَنْ يُزَوِّجَهُ أُخْتَهَا رملة، وَلَا يَبْعُدُ خَفَاءُ التَّحْرِيمِ لِلْجَمْعِ عَلَيْهِ؛ فَقَدْ خَفِيَ ذَلِكَ عَلَى ابْنَتِهِ وَهِيَ أَفْقَهُ مِنْهُ وَأَعْلَمُ حِينَ قَالَتْ لِرَسُولِ اللَّهِ ﷺ: هَلْ لَكَ فِي أُخْتِي بِنْتِ أبي سفيان؟ فَقَالَ: أَفْعَلُ مَاذَا؟ قَالَتْ: تَنْكِحُهَا، قَالَ: أَوَتُحِبِّينَ ذَلِكَ؟ قَالَتْ: لَسْتُ لَكَ بِمُخْلِيَةٍ، وَأَحَبُّ مَنْ شَرِكَنِي فِي الْخَيْرِ أُخْتِي، قَالَ: فَإِنَّهَا لَا تَحِلُّ لِي، فَهَذِهِ هِيَ الَّتِي عَرَضَهَا أبو سفيان عَلَى النَّبِيِّ ﷺ، فَسَمَّاهَا الرَّاوِي مِنْ عِنْدِهِ: أم حبيبة.

الشيخ: وهذا يرده أنَّ الرسول قال: نعم، والرسول لا يخفى عليه، وإن خفي على أبي سفيان تحريم الجمع، فالرسول لا يخفى عليه تحريم الجمع، نزل القرآن بذلك: وَأَنْ تَجْمَعُوا بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ [النساء:23]، فيكون هذا الجوابُ باطلًا كما أوضح ذلك المؤلفُ في "جلاء الأفهام"، وغفل عنه هنا.

وَقِيلَ: بَلْ كَانَتْ كُنْيَتُهَا أَيْضًا: أم حبيبة.

وَهَذَا الْجَوَابُ حَسَنٌ لَوْلَا قَوْلُهُ فِي الْحَدِيثِ: فَأَعْطَاهُ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ مَا سَأَلَ. فَيُقَالُ حِينَئِذٍ: هَذِهِ اللَّفْظَةُ وَهْمٌ مِنَ الرَّاوِي؛ فَإِنَّهُ أَعْطَاهُ بَعْضَ مَا سَأَلَ، فَقَالَ الرَّاوِي: أَعْطَاهُ مَا سَأَلَ، أَوْ أَطْلَقَهَا اتِّكَالًا عَلَى فَهْمِ الْمُخَاطَبِ أَنَّهُ أَعْطَاهُ مَا يَجُوزُ إِعْطَاؤُهُ مِمَّا سَأَلَ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

الشيخ: المقصود أنَّ هذا هو الأرجح: أنَّ الحديث صحيح في نفسه، ولكن وقع فيه وهم، كما قد تقع في الحديث أوهامٌ من بعض الرواة.

س: ................؟

ج: نعم، ولكن وقع فيه وهم.

س: ................؟

ج: الوهم في مسألة أم حبيبة.

وَتَزَوَّجَ ﷺ صفية بنت حُيي بن أخطب، سَيِّدِ بَنِي النَّضِيرِ، مِنْ وَلَدِ هَارُونَ بْنِ عِمْرَانَ، أَخِي مُوسَى، فَهِيَ ابْنَةُ نَبِيٍّ، وَزَوْجَةُ نَبِيٍّ، وَكَانَتْ مِنْ أَجْمَلِ نِسَاءِ الْعَالَمِينَ، وَكَانَتْ قَدْ صَارَتْ لَهُ مِنَ الصَّفِيِّ أَمَةً، فَأَعْتَقَهَا، وَجَعَلَ عِتْقَهَا صَدَاقَهَا، فَصَارَ ذَلِكَ سُنَّةً لِلْأُمَّةِ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ: أَنْ يَعْتِقَ الرَّجُلُ أَمَتَهُ، وَيَجْعَلَ عِتْقَهَا صَدَاقَهَا، فَتَصِيرَ زَوْجَتَهُ بِذَلِكَ، فَإِذَا قَالَ: أَعْتَقْتُ أَمَتِي، وَجَعَلْتُ عِتْقَهَا صَدَاقَهَا، أَوْ قَالَ: جَعَلْتُ عِتْقَ أَمَتِي صَدَاقَهَا، صَحَّ الْعِتْقُ وَالنِّكَاحُ، وَصَارَتْ زَوْجَتَهُ مِنْ غَيْرِ احْتِيَاجٍ إِلَى تَجْدِيدِ عَقْدٍ وَلَا وَلِيٍّ، وَهُوَ ظَاهِرُ مَذْهَبِ أحمد وَكَثِيرٍ مِنْ أَهْلِ الْحَدِيثِ.

وَقَالَتْ طَائِفَةٌ: هَذَا خَاصٌّ بِالنَّبِيِّ ﷺ.

س: وصارت زوجته من غير احتياجٍ إلى تجديد عقدٍ ولا وليٍّ؟

ج: ..... أن الرسول له أن يصطفي من الغنائم شيئًا، وله أن يخصّ عليه الصلاة والسلام.

وَقَالَتْ طَائِفَةٌ: هَذَا خَاصٌّ بِالنَّبِيِّ ﷺ، وَهُوَ مِمَّا خَصَّهُ اللَّهُ بِهِ فِي النِّكَاحِ دُونَ الْأُمَّةِ. وَهَذَا قَوْلُ الْأَئِمَّةِ الثَّلَاثَةِ وَمَنْ وَافَقَهُمْ. وَالصَّحِيحُ الْقَوْلُ الْأَوَّلُ.

الشيخ: وهو الصحيح: أنه ليس بخاصٍّ؛ لأنَّ الأصل في أعماله وفي أقواله عدم الخصوصية، وأنَّ الأمة تتأسَّى به في ذلك؛ لأنَّ الله يقول سبحانه: لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ [الأحزاب:21]، وقال ﷺ: مَن رغب عن سنتي فليس مني، وقال: صلوا كما رأيتُموني أُصلي، فالأمة تتأسَّى به في كل شيءٍ، إلا ما نصَّ على أنه خاصٌّ به، وهذه المسألة لم ينص أنه خاصٌّ به، بل قال: ..... وجعلت عتقها صداقها. ولم يقل: هذا خاصٌّ به. فدل ذلك على أنه تشريع عامّ لفعله عليه الصلاة والسلام، فإذا أعتق الرجلُ أمتَه، وجعل عتقَها صداقَها؛ صارت زوجته، كما كانت صفيةُ زوجةً للنبي عليه الصلاة والسلام؛ لهذا هذا هو الصواب، وإن خالفه الأكثرون.

وَالصَّحِيحُ الْقَوْلُ الْأَوَّلُ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ الِاخْتِصَاصِ حَتَّى يَقُومَ عَلَيْهِ دَلِيلٌ، وَاللَّهُ سُبْحَانَهُ لَمَّا خَصَّهُ بِنِكَاحِ الْمَوْهُوبَةِ لَهُ قَالَ فِيهَا: خَالِصَةً لَكَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ [الأحزاب:50]، وَلَمْ يَقُلْ هَذَا فِي الْمُعْتَقَةِ، وَلَا قَالَهُ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ؛ لِيَقْطَعَ تَأَسِّي الْأُمَّة بِهِ فِي ذَلِكَ، فَاللَّهُ سُبْحَانَهُ أَبَاحَ لَهُ نِكَاحَ امْرَأَةِ مَنْ تَبَنَّاهُ؛ لِئَلَّا يَكُونَ عَلَى الْأُمَّةِ حَرَجٌ فِي نِكَاحِ أَزْوَاجِ مَنْ تَبَنَّوْهُ، فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُ إِذَا نَكَحَ نِكَاحًا فَلِأُمَّتِهِ التَّأَسِّي بِهِ فِيهِ مَا لَمْ يَأْتِ عَنِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ نَصٌّ بِالِاخْتِصَاصِ وَقَطْعِ التَّأَسِّي، وَهَذَا ظَاهِرٌ.

وَلِتَقْرِيرِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَبَسْطِ الْحِجَاجِ فِيهَا، وَتَقْرِيرِ أَنَّ جَوَازَ مِثْلِ هَذَا هُوَ مُقْتَضَى الْأُصُولِ وَالْقِيَاسِ؛ مَوْضِعٌ آخَرُ، وَإِنَّمَا نَبَّهْنَا عَلَيْهِ تَنْبِيهًا.

الشيخ: وهذا الذي ذكره المؤلفُ كافٍ.

ثُمَّ تَزَوَّجَ ميمونة بنت الحارث الهلالية، وَهِيَ آخِرُ مَنْ تَزَوَّجَ بِهَا، تَزَوَّجَهَا بِمَكَّةَ فِي عُمْرَةِ الْقَضَاءِ بَعْدَ أَنْ حَلَّ مِنْهَا عَلَى الصَّحِيحِ.

وَقِيلَ: قَبْلَ إِحْلَالِهِ. هَذَا قَوْلُ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَوَهِمَ ؛ فَإِنَّ السَّفِيرَ بَيْنَهُمَا بِالنِّكَاحِ أَعْلَمُ الْخَلْقِ بِالْقِصَّةِ، وَهُوَ أبو رافع، وَقَدْ أَخْبَرَ أَنَّهُ تَزَوَّجَهَا حَلَالًا، وَقَالَ: كُنْتُ أَنَا السَّفِيرَ بَيْنَهُمَا، وَابْنُ عَبَّاسٍ إِذْ ذَاكَ لَهُ نَحْوُ الْعَشْرِ سِنِينَ أَوْ فَوْقَهَا، وَكَانَ غَائِبًا عَنِ الْقِصَّةِ لَمْ يَحْضُرْهَا، وأبو رافع رَجُلٌ بَالِغٌ، وَعَلَى يَدِهِ دَارَتِ الْقِصَّةُ، وَهُوَ أَعْلَمُ بِهَا، وَلَا يَخْفَى أَنَّ مِثْلَ هَذَا التَّرْجِيحِ مُوجِبٌ لِلتَّقْدِيمِ.

الشيخ: وأيضًا ثبت عنها رضي الله عنها هي نفسها قالت: "تزوَّجني وهو حلال"، كما رواه مسلم عنها، عن ميمونة نفسها قالت: "تزوَّجني رسول الله وهو حلال"، ..... قال: كانت خالتي كما كانت خالة ابن عباس، وقد تزوَّجها النبيُّ وهو حلال. وهذا مُطابق لقوله ﷺ: لا يَنكح المحرمُ، ولا يُنكح، قد نهى عن نكاح المحرم، وهو لا يفعل ما ينهى عنه إلا بخصوصيةٍ، ولم ترد خصوصية، فدلَّ ذلك على أنه ﷺ تزوَّجها في حال حلِّه في سرف قرب مكة، في عمرة القضاء، وماتت في مكانها في سرف، ماتت في المكان الذي تزوَّجها فيه سنة خمسين، ودُفنت هناك رضي الله عنها.

وَمَاتَتْ فِي أَيَّامِ معاوية، وَقَبْرُهَا بِـ"سَرِفَ".

قِيلَ: وَمِنْ أَزْوَاجِهِ: ريحانة بنت زيد النّضرية. وَقِيلَ: الْقُرَظِيَّةُ، سُبِيَتْ يَوْمَ بَنِي قُرَيْظَةَ، فَكَانَتْ صَفِيَّ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ، فَأَعْتَقَهَا وَتَزَوَّجَهَا، ثُمَّ طَلَّقَهَا تَطْلِيقَةً، ثُمَّ رَاجَعَهَا.

وَقَالَتْ طَائِفَةٌ: بَلْ كَانَتْ أَمَتَهُ، وَكَانَ يَطَؤُهَا بِمِلْكِ الْيَمِينِ حَتَّى تُوُفِّيَ عَنْهَا.

الشيخ: وهذا هو المشهور والمعروف: أنَّ ريحانة لم تزل سريةً -أمةً- وهكذا مارية أم إبراهيم، كانتا سريتين .....، ولم تكونا زوجاته ﷺ، والمحفوظ أنَّ زوجاته تسعٌ فقط، وليس منهن مارية، ولا ريحانة، وإنما مارية وريحانة من ملك اليمين.

فَهِيَ مَعْدُودَةٌ فِي السَّرَارِيِّ، لَا فِي الزَّوْجَاتِ.

وَالْقَوْلُ الْأَوَّلُ اخْتِيَارُ الْوَاقِدِيِّ، وَوَافَقَهُ عَلَيْهِ شرفُ الدين الدمياطي، وَقَالَ: هُوَ الْأَثْبَتُ عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ. وَفِيمَا قَالَهُ نَظَرٌ؛ فَإِنَّ الْمَعْرُوفَ أَنَّهَا مِنْ سَرَارِيِّهِ وَإِمَائِهِ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

الشيخ: هذا هو المعتمد.

فَهَؤُلَاءِ نِسَاؤُهُ الْمَعْرُوفَاتُ اللَّاتِي دَخَلَ بِهِنَّ، وَأَمَّا مَنْ خَطَبَهَا وَلَمْ يَتَزَوَّجْهَا.

الشيخ: كأنَّ المؤلف غفل عن مارية، تقدَّمت؟ ومارية أيضًا من سراريه رضي الله عنها، وهي أم إبراهيم، تقدمت؟ ذكرها فيما مضى أو ما ذكرها؟

الطالب: في الفصل الذي بعده.

الشيخ: يأتي؟ لكن المناسب عند ذكر ريحانة.

وَمَنْ وَهَبَتْ نَفْسَهَا لَهُ وَلَمْ يَتَزَوَّجْهَا فَنَحْوُ أَرْبَعٍ أَوْ خَمْسٍ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: هُنَّ ثَلَاثُونَ امْرَأَةً، وَأَهْلُ الْعِلْمِ بِسِيرَتِهِ وَأَحْوَالِهِ ﷺ لَا يَعْرِفُونَ هَذَا، بَلْ يُنْكِرُونَهُ، وَالْمَعْرُوفُ عِنْدَهُمْ أَنَّهُ بَعَثَ إِلَى الجونية لِيَتَزَوَّجَهَا، فَدَخَلَ عَلَيْهَا لِيَخْطُبَهَا، فَاسْتَعَاذَتْ مِنْهُ، فَأَعَاذَهَا وَلَمْ يَتَزَوَّجْهَا، وَكَذَلِكَ الكلبية، وَكَذَلِكَ الَّتِي رَأَى بِكَشْحِهَا بَيَاضًا.

الشيخ: الحديث هذا غير صحيحٍ، الحديث هذا ضعيف.

فَلَمْ يَدْخُلْ بِهَا، وَالَّتِي وَهَبَتْ نَفْسَهَا لَهُ فَزَوَّجَهَا غَيْرَهُ عَلَى سُوَرٍ مِنَ الْقُرْآنِ، هَذَا هُوَ الْمَحْفُوظُ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

وَلَا خِلَافَ أَنَّهُ ﷺ تُوُفِّيَ عَنْ تِسْعٍ، وَكَانَ يَقْسِمُ مِنْهُنَّ لِثَمَانٍ: عائشة، وحفصة، وزينب بنت جحش، وأم سلمة، وصفية، وأم حبيبة، وميمونة، وسودة، وجويرية.

وَأَوَّلُ نِسَائِهِ لُحُوقًا بِهِ بَعْدَ وَفَاتِهِ ﷺ: زينب بنت جحشٍ سَنَةَ عِشْرِينَ، وَآخِرُهُنَّ مَوْتًا أم سلمة سَنَةَ اثْنَتَيْنِ وَسِتِّينَ فِي خِلَافَةِ يزيد، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

فَصْلٌ

فِي سَرَارِيِّهِ ﷺ

قَالَ أبو عبيدة: كَانَ لَهُ أَرْبَعٌ.

الشيخ: هكذا: أبو عبيدة؟

الطالب: نعم.

الشيخ: أخشى أن يكون أبا عبيد القاسم بن سلام؛ لأنه هو الذي يعتني بهذه المسائل، وأبو عبيدة رجل لغةٍ، ليس رجل أحكام، يُراجع الأصل، حطّ على أبي عبيدة إشارة.

مارية، وَهِيَ أُمُّ وَلَدِهِ إبراهيم. وريحانة، وَجَارِيَةٌ أُخْرَى جَمِيلَةٌ أَصَابَهَا فِي بَعْضِ السَّبْيِ، وَجَارِيَةٌ وَهَبَتْهَا لَهُ زينب بنت جحشٍ.

فَصْلٌ

فِي مَوَالِيهِ ﷺ

فَمِنْهُمْ زَيْدُ بْنُ حَارِثَةَ بْنِ شَرَاحِيلَ، حِبُّ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ، أَعْتَقَهُ وَزَوَّجَهُ مَوْلَاتَهُ: أم أيمن، فَوَلَدَتْ لَهُ أسامة.

وَمِنْهُمْ أسلم، وأبو رافع، وثوبان، وأبو كبشة سليم، وشقران، واسمه: صالح، ورباح، نوبي، ويسار، نوبي أَيْضًا، وَهُوَ قَتِيلُ الْعُرَنِيِّينَ، ومدعم، وكركرة، نوبي أَيْضًا، وَكَانَ عَلَى ثَقَلِهِ ﷺ، وَكَانَ يُمْسِكُ رَاحِلَتَهُ عِنْدَ الْقِتَالِ يَوْمَ خَيْبَرَ.

وَفِي "صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ" أَنَّهُ الَّذِي غَلَّ الشَّمْلَةَ ذَلِكَ الْيَوْمَ فَقُتِلَ، فَقَالَ النَّبِيُّ ﷺ: إِنَّهَا لَتَلْتَهِبُ عَلَيْهِ نَارًا، وَفِي "الْمُوَطَّأ" أَنَّ الَّذِي غَلَّهَا مدعم، وَكِلَاهُمَا قُتِلَ بِخَيْبَرَ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

وَمِنْهُمْ أنجشة الحادي، وسفينة بن فروخ، واسمه: مهران، وَسَمَّاهُ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: سَفِينَةَ؛ لِأَنَّهُمْ كَانُوا يُحَمِّلُونَهُ فِي السَّفَرِ مَتَاعَهُمْ، فَقَالَ: أَنْتَ سَفِينَةُ.

قَالَ أبو حاتم: أَعْتَقَهُ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ. وَقَالَ غَيْرُهُ: أَعْتَقَتْهُ أمُّ سلمة.

وَمِنْهُمْ أنسة، ويُكنى: أبا مشرح، وأفلح، وعبيد، وطهمان وهو كيسان، وذكوان، ومهران، ومروان، وَقِيلَ: هَذَا خِلَافٌ فِي اسْمِ طهمان، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

وَمِنْهُمْ حنين، وسندر، وفضالة، يماني، ومابور، خصي، وواقد، وأبو واقد، وقسام، وأبو عسيب، وأبو مُويهبة.

وَمِنَ النِّسَاءِ: سلمى أم رافع، وميمونة بنت سعد، وخضرة، ورضوى، ورزينة، وأم ضميرة، وميمونة بنت أبي عسيب، ومارية، وريحانة.