باب ما جاء في صفة الجنة وأنها مخلوقةٌ
3242- حدثنا سعيد بن أبي مريم: حدثنا الليث، قال: حدثني عقيل، عن ابن شهابٍ قال: أخبرني سعيد بن المسيب: أن أبا هريرة قال: بينا نحن عند رسول الله ﷺ إذ قال: بينا أنا نائمٌ رأيتني في الجنة، فإذا امرأةٌ تتوضأ إلى جانب قصرٍ، فقلت: لمن هذا القصر؟ فقالوا: لعمر بن الخطاب، فذكرت غيرته فوليت مُدبرًا، فبكى عمر وقال: أعليك أغار يا رسول الله؟!
الشيخ: في هذا الحديث منقبةٌ كبيرةٌ لعمر، وشهادةٌ له بالجنة ، والإيمان بالجنة داخلٌ في الإيمان باليوم الآخر، فإن من أصول أهل السنة والجماعة: الإيمان باليوم الآخر، ويدخل في ذلك: الإيمان بالبعث والنشور، والحساب والجزاء، والكتب والميزان، والجنة والنار، وغير ذلك من شؤون الآخرة.
وعمر من جملة العشرة المشهود لهم بالجنة، وهو ثانيهم، وفي هذا شهادة النبي ﷺ أنه رأى له قصرًا في الجنة، رضي الله عنه وأرضاه، نعم.
والجنة موجودةٌ، والنار موجودةٌ، كلاهما موجودةٌ، فالجنة مُعدَّةٌ لأهل التقوى والإيمان، والنار مُعدَّةٌ لأهل الكفر والعصيان، وكلاهما يُزاد فيها: الجنة يُزاد في نعيمها، وفي قصورها وبساتينها، والنار يُزاد في عذابها ونكالها حتى يرد إليها أهلها.
فلا بد من الإيمان بهاتين: الجنة والنار، ولا بد من الإعداد، فالعاقل هو الذي يعد العدة لهذا اليوم العظيم بطاعة الله ورسوله ﷺ، والقيام بأمر الله، والتواصي بحق الله، والحذر من سخط الله، وبذل الدعوة إلى الله، والأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر.
كل هذه أسبابٌ للفوز بالجنة، والنجاة من النار، وهي التي درج عليها الرسل عليهم الصلاة والسلام وأتباعهم بإحسانٍ: توحيد الله وطاعته، والاستقامة على دينه، والتواصي بحقه، والتناهي عما نهى عنه، والتآمر بما أمر به، والجد في ذلك، والصبر والمصابرة، وعدم الغفلة.
س: عمر ما سلك طريقًا إلا سلك الشيطان طريقًا غيره، يحرقه بقوة إيمانه؟
ج: في الحديث الصحيح: ما سلكتَ فَجًّا إلا سلك الشيطان فَجًّا غير فجك، .
3243- حدثنا حجاج بن منهال: حدثنا همام، قال: سمعت أبا عمران الجوني يُحدث عن أبي بكر بن عبدالله بن قيس الأشعري، عن أبيه: أن النبي ﷺ قال: الخيمة درةٌ مُجوفةٌ، طولها في السماء ثلاثون ميلًا، في كل زاويةٍ منها للمؤمن أهلٌ لا يراهم الآخرون.
قال أبو عبدالصمد والحارث بن عبيد: عن أبي عمران: ستون ميلًا.
3244- حدثني الحميدي: حدثنا سفيان: حدثنا أبو الزناد، عن الأعرج، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله ﷺ: قال الله: أعددتُ لعبادي الصالحين ما لا عينٌ رأت، ولا أذنٌ سمعت، ولا خطر على قلب بشرٍ.
الشيخ: وهذا المعنى أشار إليه سبحانه بقوله جلَّ وعلا: تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفًا وَطَمَعًا وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ [السجدة:16، 17].
وفي هذا الحديث الصحيح يقول ﷺ: يقول الله : أعددتُ لعبادي الصالحين -في الجنة- ما لا عينٌ رأت، ولا أذنٌ سمعت، ولا خطر على قلب بشرٍ، واقرؤوا إن شئتم قوله تعالى: فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ.
وفي هذا أن من أعمال هؤلاء الأخيار: التهجد بالليل، ومن أعمالهم: الإنفاق في سبيل الله من الزكاة وغيرها، يُنفقون من أموالهم في سبيل الله، هذه من أعمال الأخيار السابقين الذين أعدَّ الله لهم في الجنة ما لا عينٌ رأت، ولا أذنٌ سمعت، ولا خطر على قلب بشرٍ، وهم عباد الرحمن الذين قال فيهم سبحانه: وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْنًا وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلَامًا وَالَّذِينَ يَبِيتُونَ لِرَبِّهِمْ سُجَّدًا وَقِيَامًا وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا اصْرِفْ عَنَّا عَذَابَ جَهَنَّمَ إِنَّ عَذَابَهَا كَانَ غَرَامًا إِنَّهَا سَاءَتْ مُسْتَقَرًّا وَمُقَامًا [الفرقان:63-66].
وهذه الدار دار المجاهدة، دار العمل: وَمَنْ جَاهَدَ فَإِنَّمَا يُجَاهِدُ لِنَفْسِهِ [العنكبوت:6]، والله سبحانه يقول: وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا [العنكبوت:69]، جاهدوا فينا، حذف المفعول، ما قال: جاهدوا أنفسهم، ولا كذا، أطلق، يعني: جاهدوا الجميع: جاهدوا النفس، والشيطان، والكفار، والعصاة.
فالمؤمن في جهادٍ لنفسه، وشيطانه، وأعدائه حتى يهجم عليه الأجل، حتى يُفارق هذا العالم فهو في جهادٍ، لا يضع السلاح مع نفسه وهواها وميولها الباطلة، ومع شيطانه الذي يدعوه إلى كل شرٍّ، ومع الكفار والعصاة بالجهاد في سبيل الله إذا تيسر ذلك، وبالأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، والدعوة إلى الله، كله جهادٌ.
وأنت إذا جاهدت إنما تُجاهد لنفسك، لا للناس: إِنْ أَحْسَنْتُمْ أَحْسَنْتُمْ لِأَنْفُسِكُمْ وَإِنْ أَسَأْتُمْ فَلَهَا [الإسراء:7]، فجهادك ينفعك، وفيه خلاصك، مع نفع غيرك، ومع بذل الوسع في صلاح غيرك، فيكون ذلك من أعمالك الطيبة: أن تسعى في صلاح غيرك بالدعوة، والجهاد، والتوجيه، والأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، والإنفاق، كل هذا من أعمال الخير التي تُدخر لك، وهي من جهادك، نعم.
فاقرؤوا إن شئتم: فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ.
3245- حدثنا محمد بن مقاتل: أخبرنا عبدالله: أخبرنا معمر، عن همام بن منبه، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله ﷺ: أول زمرةٍ تلج الجنة صورتهم على صورة القمر ليلة البدر، لا يبصقون فيها، ولا يمتخطون، ولا يتغوطون، آنيتهم فيها الذهب، أمشاطهم من الذهب والفضة، ومجامرهم الألوة، ورشحهم المسك، ولكل واحدٍ منهم زوجتان، يرى مخ سوقهما من وراء اللحم من الحُسن، لا اختلافَ بينهم ولا تباغض، قلوبهم قلبٌ واحدٌ، يُسبحون الله بُكرةً وعشيًّا.
الشيخ: هذه من صفات أهل الجنة: أول زمرةٍ تدخل الجنة على صورة القمر ليلة البدر، والذين يلونهم على أضوأ كوكبٍ دُريٍّ في السماء، وهم طبقات على حسب أعمالهم، لا يبولون، ولا يمتخطون، ولا يتغوطون، أمشاطهم الذهب، ورشحهم المسك، وقلوبهم قلب رجلٍ واحدٍ، لا اختلاف بينهم ولا تباغض، قلوبٌ صافيةٌ، سليمةٌ، لا اختلاف فيها، ولا تباغض، ينزع منها كل غِلٍّ: وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ إِخْوَانًا عَلَى سُرُرٍ مُتَقَابِلِينَ [الحجر:47].
وهذا الطعام الذي يأكلون، والشراب الذي يشربون، وأنواع النعيم لا يترتب عليه بولٌ، ولا غائطٌ، ولا مُخاطٌ، ولا بصاقٌ، هذه من آيات الله العظيمة، نعيمٌ عظيمٌ، ولا بول، ولا غائط، ولا مخاط، ولا بصاق، ولا أذى، جشاء، ورشح، يتبخر هذا الطعام العظيم جشاءً ورشحًا، فلا بول، ولا غائط، ولكنها الرائحة الطيبة، والسلامة من أذاه، نعم.
س: أحسن الله إليك، وجود مجامر الألوة؟
ج: العود الطيب، يعني: يتطيبون من العود الطيب، ما يلزم من ذلك نارٌ، يطيبون بما يسَّر الله لهم من أنواع الطيب: بخور، وغير البخور؛ لأن ما في الجنة لا يُقاس بما في الدنيا، نعم.
س: سلَّمك الله، الزوجتان أقل ما لكل واحدٍ من أهل الجنة؟
ج: نعم، نعم، هذا من الحور العين، غير الزوجات من الدنيا، وغير ما يحبو الله بعضهم من الزوجات الكثيرات؛ ولهذا النساء في الجنة أكثر؛ لكثرة الحور العين، وفي النار أكثر من نساء الدنيا؛ لأعمالهن المنحرفة، لكل رجلٍ زوجتان من الحور العين، غير زوجاته من الدنيا، وغير ما يُعطى من الزوجات الزائدات، نعم.
س: يعني: الزوجتان هاتان أقلّ؟
ج: أقل واحدة، نعم.
س: معنى قوله تعالى: وَأُتُوا بِهِ مُتَشَابِهًا [البقرة:25]؟
ج: يعني: متشابهًا في الألوان، لكن في الطعوم والمنافع غير، الرمان مُتشابه، والتين متشابه، والعنب، والتمر، وغير ذلك، لكن الطعوم مختلفةٌ، الطعوم بينها البون، نعم.
س: الذي يكتم الحق شيطانٌ أخرس؟
ج: مثلما قال بعض السلف: مَن نطق بالباطل شيطانٌ ناطقٌ، ومَن سكت عن الحق شيطانٌ أخرس، هذا ليس بحديثٍ، لكن من كلام بعض السلف، نعم.
3246- حدثنا أبو اليمان: أخبرنا شعيب: حدثنا أبو الزناد، عن الأعرج، عن أبي هريرة : أن رسول الله ﷺ قال: أول زمرةٍ تدخل الجنة على صورة القمر ليلة البدر، والذين على إثرهم كأشد كوكبٍ إضاءةً، قلوبهم على قلب رجلٍ واحدٍ، لا اختلاف بينهم ولا تباغض، لكل امرئٍ منهم زوجتان، كل واحدةٍ منهما يرى مخ ساقها من وراء لحمها من الحُسن، يُسبحون الله بُكرةً وعشيًّا، لا يسقمون، ولا يمتخطون، ولا يبصقون، آنيتهم الذهب والفضة، وأمشاطهم الذهب، ووقود مجامرهم الألوة قال أبو اليمان: يعني: العود، ورشحهم المسك.
وقال مجاهد: الإبكار: أول الفجر، والعشي: ميل الشمس إلى أن –أراه- تغرب.
الشيخ: وهذا من نِعم الله عليهم: التسبيح، والتهليل، والتكبير من جملة النعيم، يتلذذون بتسبيح الله، وتكبيره، وتعظيمه، من جملة نعيمهم في دار الكرامة، نعم.
أيش قال؟ تكلم على لكل واحدٍ زوجتان العيني أو الحافظ؟
الطالب: قال: قوله: ولكل واحدٍ منهم زوجتان أي: من نساء الدنيا، فقد روى أحمد من وجهٍ آخر عن أبي هريرة مرفوعًا في صفة أدنى أهل الجنة منزلةً: وإن له من الحور العين لاثنتين وسبعين زوجة، سوى أزواجه من الدنيا، وفي سنده: شهر بن حوشب، وفيه مقال.
ولأبي يعلى في حديث الصور الطويل من وجهٍ آخر عن أبي هريرة في حديثٍ مرفوعٍ: فيدخل الرجل على ثنتين وسبعين زوجة مما يُنشئ الله، وزوجتين من ولد آدم.
وأخرجه الترمذي من حديث أبي سعيدٍ –رفعه-: إن أدنى أهل الجنة الذي له ثمانون ألف خادمٍ، وثنتان وسبعون زوجة، وقال: غريبٌ.
ومن حديث المقدام بن معديكرب عنده: للشهيد ست خصالٍ ... الحديث، وفيه: ويتزوج ثنتين وسبعين زوجة من الحور العين.
وفي حديث أبي أمامة عند ابن ماجه والدارمي –رفعه-: ما أحدٌ يدخل الجنة إلا زوَّجه الله ثنتين وسبعين من الحور العين، وسبعين وثنتين من أهل الدنيا، وسنده ضعيفٌ جدًّا.
وأكثر ما وقفت عليه من ذلك: ما أخرج أبو الشيخ في "العظمة"، والبيهقي في "البعث" من حديث عبدالله بن أبي أوفى –رفعه-: إن الرجل من أهل الجنة ليُزوج خمسمئة حوراء، أو: إنه ليُفضي إلى أربعة آلاف بكر، وثمانية آلاف ثيب، وفيه راوٍ لم يُسمَّ.
الشيخ: يكفي في هذا قوله جلَّ وعلا: إِنَّ أَصْحَابَ الْجَنَّةِ الْيَوْمَ فِي شُغُلٍ فَاكِهُونَ هُمْ وَأَزْوَاجُهُمْ فِي ظِلَالٍ عَلَى الْأَرَائِكِ مُتَّكِئُونَ لَهُمْ فِيهَا فَاكِهَةٌ وَلَهُمْ مَا يَدَّعُونَ [يس:55-57]، كل ما يطلبون.
وفي الآية الأخرى: أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ نَحْنُ أَوْلِيَاؤُكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَشْتَهِي أَنْفُسُكُمْ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَدَّعُونَ [فصلت:30-31]، فأهل الجنة لهم فيها من النعيم ما يطلبون وما يريدون، نعم.
الطالب: وفي الطبراني من حديث ابن عباسٍ: إن الرجل من أهل الجنة ليُفضي إلى مئة عذراء.
وقال ابن القيم: ليس في الأحاديث الصحيحة زيادةٌ على زوجتين سوى ما في حديث أبي موسى: إن في الجنة للمؤمن لخيمةً من لؤلؤةٍ، له فيها أهلون يطوف عليهم.
قلت: الحديث الأخير صححه الضياء.
وفي حديث أبي سعيدٍ عند مسلمٍ في صفة أدنى أهل الجنة: ثم يدخل عليه زوجتاه.
والذي يظهر أن المراد أن أقلَّ ما لكل واحدٍ منهم زوجتان.
وقد أجاب بعضهم باحتمال أن تكون التثنية تنظيرًا لقوله: "جنتان وعينان" ونحو ذلك، أو المراد تثنية التكثير والتعظيم، نحو: "لبيك وسعديك"، ولا يخفى ما فيه.
واستدل أبو هريرة بهذا الحديث على أن النساء في الجنة أكثر من الرجال، كما أخرجه مسلمٌ من طريق ابن سيرين عنه، وهو واضحٌ، لكن يُعارضه قوله ﷺ في حديث الكسوف المتقدم: رأيتكن أكثر أهل النار.
ويُجاب بأنه لا يلزم من أكثريتهن في النار نفي أكثريتهن في الجنة، لكن يُشكل على ذلك قوله ﷺ في الحديث الآخر: اطلعت في الجنة فرأيت أقلَّ ساكنها النساء.
ويحتمل أن يكون الراوي رواه بالمعنى الذي فهمه من أن كونهن أكثر ساكني النار يلزم منه أن يكن أقلَّ ساكني الجنة، وليس ذلك بلازمٍ لما قدمته.
ويحتمل أن يكون ذلك في أول الأمر قبل خروج العصاة من النار بالشفاعة، والله أعلم.
تنبيه: قال النووي: كذا وقع "زوجتان" بتاء التأنيث، وهي لغة تكررت في الحديث، والأكثر خلافها، وبه جاء القرآن.
وذكر أبو حاتم السجستاني: أن الأصمعي كان يُنكر "زوجة"، ويقول: إنما هي زوج. قال: فأنشدناه قول الفرزدق:
وإن الذي يسعى ليُفسد زوجتي | لساعٍ إلى أسد الشَّرى يستنيلها |
قال: فسكت، ثم ذكر له شواهد أخرى.
الشيخ: والصواب أنه يجوز، يقال: زوجة، وزوج، لكن الأفصح: "زوج" للرجل والمرأة، ويقال للمرأة: زوجة، كما في حديث معاوية بن حيدة: ما حق زوجة أحدنا عليه، وهو حديثٌ جيدٌ لا بأس به، فأنَّثها، والأكثر في اللغة "زوج" للجميع.
وقد بيَّن ابن القيم -رحمه الله- في "حادي الأرواح" ما يتعلق بهذا الحديث، وذكر الأحاديث: لكل واحدٍ زوجتان يعني: من الحور العين، وبهذا تجتمع الأحاديث وتلتئم؛ فأهل الجنة أكثرهم النساء لسبب ما فيه من الحور العين، وأكثر أهل النار النساء بسبب مُخالفتهن وعصيانهن، وأما نهاية ما يُعطاه المؤمن في الجنة من الزوجات فلا يعلمه إلا الله على حسب أحوالهم وطبقاتهم في الجنة، فأقل واحدٍ له زوجتان من الحور العين، وكلٌّ له نصيبٌ مما أعطاه الله من زوجات الدنيا وزوجات الحور سوى الثنتين، نعم.
س: أحسن الله إليك، كون الرجل يُعطى قوة مئة رجلٍ في الشهوة ما يُفهم منه أنه يُعطى .....؟
ج: ما هو على كل حالٍ، ما يلزم؛ لأنه قد تتحمل الزوجة من الحور العين مع زوجاته من الدنيا، يتحملن، ما يلزم ذلك، نعم.
س: .....؟ يسأل عن: عُرُبًا أَتْرَابًا [الواقعة:37].
ج: هذا في الطبقة الثانية من أهل الجنة، يُنشئ الله لهم أزواجًا عربًا أترابًا مُتحببات إلى أزواجهن، بعد العجز والكبر يُعيدهن الله أبكارًا في الجنة، نعم.
س: ما ورد أن خازن الجنة اسمه: رضوان؟
ج: ورد هذا في بعض الأحاديث، نعم، إذا دخلت الجنة عرفت -إن شاء الله- محل نظرٍ، يحتاج إلى مراجعة إسناده.
س: الطبقة الثانية من الجنة؟
ج: إِنَّا أَنْشَأْنَاهُنَّ إِنْشَاءً فَجَعَلْنَاهُنَّ أَبْكَارًا عُرُبًا أَتْرَابًا لِأَصْحَابِ الْيَمِينِ [الواقعة:35-38]، هم الطبقة الثانية: أصحاب اليمين، والطبقة الأولى: المقربون، السابقون، والطبقة الثالثة: الظالم لنفسه، كما قال جلَّ وعلا: ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ [فاطر:32]، هذه الطبقة الأولى في الدنيا، ثم أرفع منها: أصحاب اليمين، ثم أرفع من الجميع: السابقون، المقربون.
وهم طبقاتٌ، كلهم هذه الطبقات الثلاث، هي بنفسها إلى طبقاتٍ.
الشيخ: الله يجعلنا وإياكم منهم، اللهم اجعلنا منهم.
الشيخ: وهذا فيه منقبةٌ وفضلٌ لسعد بن معاذ ، سيد الأوس، قُتل يوم الأحزاب، أصابه سهمٌ، ثم انتقض عليه بعد هذه الوقعة، وتوفي في آخر السنة الخامسة من الهجرة.
هذا فيه منقبةٌ له، وأنه من أهل الجنة، وأن مناديله التي يتمسح بها عما يحصل من العرق تكون خيرًا من هذه الجبة التي رآها المسلمون وأُعجبوا منها ومن الحرير، نعم.
3249- حدثنا مسدد: حدثنا يحيى بن سعيد، عن سفيان قال: حدثني أبو إسحاق، قال: سمعت البراء بن عازب رضي الله عنهما قال: أُتي رسول الله ﷺ بثوبٍ من حريرٍ، فجعلوا يعجبون من حُسنه ولينه، فقال رسول الله ﷺ: لمناديل سعد بن معاذ في الجنة أفضل من هذا.
3250- حدثنا علي بن عبدالله: حدثنا سفيان، عن أبي حازم، عن سهل بن سعد الساعدي قال: قال رسول الله ﷺ: موضع سوطٍ في الجنة خيرٌ من الدنيا وما فيها.
الشيخ: في هذا الحديث: رباط يومٍ في سبيل الله خيرٌ من الدنيا وما فيها، وموضع سوط أحدكم في الجنة خيرٌ من الدنيا وما فيها، والروحة يروحها العبد في سبيل الله أو الغدوة خيرٌ من الدنيا وما فيها، الدنيا زائلةٌ، ولو أُعطي فيها أنواع النعيم، لكن نعيم الجنة يدوم، [وهو] خيرٌ من الدنيا وما عليها؛ ولهذا قال: موضع سوط أحدكم في الجنة خيرٌ من الدنيا وما فيها.
فجديرٌ بالعاقل وجديرٌ بمَن تعزّ عليه نفسه أن يعد العدة لهذه الدار، ولهذا اليوم، وألا يغفل، فالله جلَّ وعلا منحك العقل والعلم حتى تعد العُدة لهذا اليوم، فهذا العلم عندك: كتاب الله، وسنة رسوله عليه الصلاة والسلام، فيهما الهدى والنور، فعليك أن تعد العدة، وأن تتأسى بالأخيار، وقصَّ الله عليك الأخبار: أخبار المؤمنين الصادقين، والمسابقين، وذكر لك أعمالهم، اقرأ القرآن وتأمل، اقرأ وتأمل، وخذ بأعمال الأخيار، وسِرْ على أعمال الأخيار، واحذر أعمال الأشرار، وإذا زلَّت قدمك في شيءٍ فبادر بالتوبة والإصلاح، والله يتوب على التائبين.
الشيخ: هذه من آيات الله العظيمة، شجرة مئة عامٍ! كيف تكون هذه الشجرة؟! مئة عامٍ لا يقطعها! الله أكبر! آياتٌ عظيمةٌ في هذه الجنة، الله أكبر!
3252- حدثنا محمد بن سنان: حدثنا فليح بن سليمان: حدثنا هلال بن علي، عن عبدالرحمن بن أبي عمرة، عن أبي هريرة ، عن النبي ﷺ قال: إن في الجنة لشجرةً يسير الراكب في ظلها مئة سنة، واقرؤوا إن شئتم: وَظِلٍّ مَمْدُودٍ [الواقعة:30].
3253- ولقاب قوس أحدكم في الجنة خيرٌ مما طلعت عليه الشمس أو تغرب.
3254- حدثنا إبراهيم بن المنذر: حدثنا محمد بن فليح: حدثنا أبي، عن هلال، عن عبدالرحمن بن أبي عمرة، عن أبي هريرة ، عن النبي ﷺ: أول زمرةٍ تدخل الجنة على صورة القمر ليلة البدر، والذين على آثارهم كأحسن كوكبٍ دري في السماء إضاءةً، قلوبهم على قلب رجلٍ واحدٍ، لا تباغض بينهم، ولا تحاسد، لكل امرئٍ زوجتان من الحور العين، يرى مخ سوقهن من وراء العظم واللحم.
الشيخ: وهذا صريحٌ مثلما تقدم، لكن العجب من المؤلف الشارح: كيف لم ينتبه لهذا الأمر: بأن زوجتين من نساء الدنيا؟! سبحان الله! نص الحديث: من الحور العين، ما تعرض له هنا؟ أعد السند.
الشيخ: صفحة كم؟
القارئ: 320.
الشيخ: الجزء السادس؟
القارئ: نعم، السادس.
الشيخ: نعم.
الشيخ: ابن النبي ﷺ مات في الرضاع، نعم.
الشيخ: هذا كله واضحٌ في أنهم طبقات وأقسام على حسب أعمالهم الطيبة في دورهم ومنازلهم وما يحبوهم الله من الخيرات، كلهم طبقات على حسب منازلهم، وهكذا في النار أهل النار على حسب أعمالهم، نسأل الله السلامة.
س: ..............؟
ج: على ظاهره، نعم.
س: هذا في البرزخ -أحسن الله إليك- له مُرضعٌ في الجنة قبل يوم القيامة، يعني: في البرزخ؟
ج: محتمل، الأقرب -والله أعلم- أنه ..... يعني: الروح؛ لأن أرواح المؤمنين تُنقل إلى الجنة، وإن كانت الأجساد في الأرض، الأرواح تُنقل إلى الجنة، كل أرواح المؤمنين، كما في الحديث الصحيح: روح المؤمن طائرٌ يعلق في شجر الجنة حتى يرده الله إلى جسده، والله أعلم بمراد نبيه ﷺ، لكن هذا هو الأقرب، والله أعلم.
لكن قد يكون قصده بذلك في البرزخ: أن هذه الروح تُنقل إلى هناك؛ لأنهم إذا بُعثوا يُبعثون على أكمل وجهٍ في سنِّ الثالثة والثلاثين، يعني: شبابًا في غاية الكمال، ما فيه صغار، ولا فيه عجائز، ولا فيه كبار شيوخ، أهل الجنة كلهم يُبعثون ويدخلونها في صورة الشباب في غاية النشاط والقوة: رجالًا ونساءً، نعم.
الشيخ: بركة، تكلم على: له مرضعٌ في الجنة؟ تكلم الشارح؟
القارئ: نعم، قال: الحديث الخامس عشر حديث البراء: لما مات إبراهيم –يعني: ابن النبي ﷺ- قال النبي ﷺ: إن له مرضعًا في الجنة، وقد تقدم الكلام عليه في "الجنائز".
الشيخ: فقط؟
القارئ: ما زاد على هذا.
الشيخ: يُراجع الجنائز، تُراجعونه يوم الأحد أو الاثنين.
س: هل يقرأ القرآن في الجنة، يقرأه المؤمنون؟
ج: وأيش المانع؟! لا أعلم مانعًا؛ لأنهم يتلذذون بالذكر، فالذكر نعيمٌ لهم في الجنة، وقراءة القرآن من أعظم النعيم.
...........
قال الإمام البخاري -رحمه الله تعالى-: "باب ما قيل في أولاد المسلمين"، ثم ذكر حديثًا، وبعده:
قوله: "لما توفي إبراهيم" زاد الإسماعيلي من طريق عمرو بن مرزوق، عن شعبة بسنده، عن رسول الله ﷺ. وله من طريق معاذ، عن شعبة بسنده، عن النبي ﷺ: "توفي ابنه إبراهيم".
قوله: إن له مُرضعًا في الجنة قال ابن التين: يقال: "امرأة مرضع" بلا هاء، مثل: حائض، وقد أرضعت، فهي مرضعة؛ إذا بُني من الفعل، قال الله تعالى: تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ [الحج:2]. قال: ورُوي "مَرضعًا" بفتح الميم، أي: إرضاعًا. انتهى.
وقد سبق إلى حكاية هذا الوجه الخطابي، والأول رواية الجمهور، وفي رواية عمرو المذكورة: مرضعًا تُرضعه في الجنة، وقد تقدم الكلام على قصة موت إبراهيم مستوفًى في باب قول النبي ﷺ: إنا بك لمحزونون، وإيراد البخاري له في هذا الباب يُشعر باختيار القول الصائر إلى أنهم في الجنة، فكأنه توقف فيه أولًا ثم جزم به.
الشيخ: الله المستعان، ما تعرض للموضوع بشيءٍ، والأقرب هو ما تقدم: روحه في الجنة تمثل، ويُرضع هناك، كما مثلت للأنبياء في السماء، نعم، كما أخبر النبي ﷺ: أن أرواح الشهداء تسرح في الجنة حيث شاءت، ثم تأوي إلى قناديل مُعلَّقةٍ في أجواف طيرٍ خُضْرٍ، وهكذا أرواح المؤمنين تسرح في الجنة حيث شاءت حتى يردها الله إلى أجسادها، ولا مانع أن تكون روحه في الجنة في جوف شيءٍ: في جوف طيرٍ أو غيره، أو تجسد؛ حتى يحصل له الرضاع. الله أعلم، نعم.
الطالب: قال: في باب قول النبي ﷺ: إن بك لمحزونون.
الشيخ: أيش فيه؟
الطالب: أحاله.
الشيخ: ذكر زيادةً يعني؟ تأمل، إن كانت فيه زيادةٌ.
الطالب: قال: وإن له لظئرين يُكملان رضاعه في الجنة.
قوله: إن العين تدمع ... إلخ، في حديث عبدالرحمن بن عوف ومحمود بن لبيد: ولا نقول ما يُسخط الرب، وزاد في حديث عبدالرحمن في آخره: لولا أنه أمر حقٍّ، ووعد صدقٍ، وسبيلٌ نأتيه، وأن آخرنا سيلحق بأولنا؛ لحزنا عليك حزنًا هو أشد من هذا، ونحوه في حديث أسماء بنت يزيد، ومرسل مكحول، وزاد في آخره: وفصل رضاعه في الجنة، وفي آخر حديث محمود بن لبيد: وقال: إن له مرضعًا في الجنة، ومات وهو ابن ثمانية عشر شهرًا.
وذكر الرضاع وقع في آخر حديث أنسٍ عند مسلمٍ من طريق عمرو بن سعيد، عنه، إلا أن ظاهر سياقه الإرسال، فلفظه: قال عمرو: فلما توفي إبراهيم قال رسول الله ﷺ: إن إبراهيم ابني، وإنه مات في الثدي، وإن له لظئرين يُكملان رضاعه في الجنة، وسيأتي في أواخر "الجنائز" حديث البراء: إن لإبراهيم لمرضعًا في الجنة.
الشيخ: نعم.