باب صدقة التطوع
- عن أبي هريرة قال: سبعة يُظلُّهم الله في ظلِّه يوم لا ظلَّ إلا ظلُّه .. فذكر الحديث، وفيه: ورجلٌ تصدَّق بصدقةٍ فأخفاها، حتى لا تعلم شمالُه ما تُنفق يمينه. متفقٌ عليه.
- وعن عقبة بن عامر قال: سمعتُ رسولَ الله ﷺ يقول: كل امرئٍ في ظلِّ صدقته حتى يُفصل بين الناس. رواه ابن حبَّان والحاكم.
- وعن أبي سعيدٍ الخدري , عن النبيِّ ﷺ قال: أيُّما مسلمٍ كسا مسلمًا ثوبًا على عُري كساه الله من خضر الجنة, وأيُّما مسلمٍ أطعم مسلمًا على جوعٍ أطعمه الله من ثمار الجنة, وأيُّما مسلمٍ سقى مسلمًا على ظمأ سقاه الله من الرحيق المختوم. رواه أبو داود، وفي إسناده لينٌ.
الشيخ: بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله، وصلَّى الله وسلَّم على رسول الله، وعلى آله وأصحابه ومَن اهتدى بهداه.
أما بعد: فهذه الأحاديث في فضل الصَّدقة، والصدقة فضلها عظيم، وفيها أجر كبير، وعليها أدلة كثيرة، فينبغي للمؤمن الإكثار منها في وجوه البِرِّ والخير:
قال الله جلَّ وعلا: وَأَنْ تَصَدَّقُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ [البقرة:280]، وقال : إِنْ تُبْدُوا الصَّدَقَاتِ فَنِعِمَّا هِيَ وَإِنْ تُخْفُوهَا وَتُؤْتُوهَا الْفُقَرَاءَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَيُكَفِّرُ عَنْكُمْ مِنْ سَيِّئَاتِكُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ [البقرة:271]، وقال سبحانه: الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ سِرًّا وَعَلَانِيَةً فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ [البقرة:274]، وقال جلَّ وعلا: وَمَا تُقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ مِنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِنْدَ اللَّهِ هُوَ خَيْرًا وَأَعْظَمَ أَجْرًا [المزمل:20]، والآيات في هذا كثيرة.
والأحاديث: يقول ﷺ: سبعة يُظلُّهم الله في ظلِّه يوم لا ظلَّ إلَّا ظلُّه: إمام عادل، بدأ به لأن أمره عظيم، فإنه إذا كان عادلًا فله فضلٌ عظيمٌ، ويحصل به خيرٌ كثيرٌ للأمة.
وشابٌّ نشأ في عبادة الله، ورجلٌ قلبه مُعلَّقٌ بالمساجد، ورجلان تحابَّا في الله، اجتمعا عليه، وتفرَّقا عليه، والخامس: ورجلٌ دعته امرأةٌ ذات منصبٍ وجمالٍ فقال: إني أخاف الله، والسادس: ورجلٌ تصدَّق بصدقةٍ فأخفاها، حتى لا تعلم شمالُه ما تُنفق يمينه، والسابع: ورجلٌ ذكر الله خاليًا يعني: ما عنده أحد ففاضت عيناه خوفًا من الله وخشيةً له. رواه الشَّيخان: البخاري ومسلم في "الصحيحين".
وفي حديث عُقبة بن عامر يقول ﷺ: كل امرئٍ في ظلِّ صدقته، يعني: عند حرِّ الشمس وقربها يوم القيامة، فتكون الصدقات ظُلَّة على المؤمن وسترة له دون حرارة الشمس، ويشهد لهذا قوله ﷺ في الحديث الصَّحيح: اتَّقوا النارَ ولو بشِقِّ تمرة، ويقول ﷺ: ما منكم من أحدٍ إلَّا سيُكلِّمه ربُّه، ليس بينه وبينه ترجمان، فينظر عن يمينه فلا يرى إلا ما قدَّم، وينظر عن شماله فلا يرى إلَّا ما قدَّم، وينظر تلقاء وجهه فلا يرى إلا النار، فاتَّقوا النار ولو بشقِّ تمرةٍ، فمَن لم يجد فبكلمةٍ طيبةٍ. رواه الشيخان: البخاري ومسلم في "الصحيحين".
ويقول ﷺ: ما من يوم يُصبح فيه الناس إلَّا وينزل فيه ملكان: أحدهما يقول: اللهم أعطِ مُنْفِقًا خَلَفًا، والثاني يقول: اللهم أَعْطِ مُمْسِكًا تَلَفًا.
وفي الحديث الصَّحيح -حديث الحارث الأشعري- يقول النبيُّ ﷺ: إن الله بعث يحيى بن زكريا بخمس كلماتٍ أمره أن يُبلغها بني إسرائيل، فقال له عيسى: إمَّا أن تبلغها، وإمَّا أن أُبلغها، فقال: يا أخي، إني أخشى إن سبقتني أن يُخسف بي أو أُعذَّب، ثم جمع بني إسرائيل وحدَّثهم بها، وكان منها أن قال لهم: آمركم بالصَّدقة، فإن مثل ذلك مثل رجلٍ أسره العدو وأوثقوا يديه إلى عنقه، فجعل يفتدي منهم من ماله بالقليل والكثير حتى خلَّص نفسه، فهكذا الصدقة يحصل بها الخلاص من عذاب الله، ويحصل بها اتِّقاء النار، فالصَّدقة لها شأنٌ عظيمٌ، يقول ﷺ: والصدقة تُطفئ الخطيئة كما يُطفئ الماءُ النارَ.
والحديث الثالث: حديث مَن كسا مسلمًا على عُري كساه الله من خضر الجنة، يعني: ثوبًا من ثيابها الخضر، وأيُّما مسلمٍ أطعم مسلمًا على جوعٍ أطعمه الله من ثمار الجنة، وأيُّما مسلمٍ سقى مسلمًا من ظمأ سقاه الله من الرحيق المختوم.
هذا وإن كان في سنده لينٌ لكن شواهده كثيرة في الآيات والأحاديث الصَّحيحة الدالة على فضل إطعام المسكين، وكسي العُراة، والصدقة على الفقراء والمساكين، وهذه الآيات والأحاديث لا تُحصى في مثل هذا.
فالإحسان إلى الناس والرأفة بهم والرحمة لهم عاقبتها حميدة: الراحمون يرحمهم الرحمن، مَن لا يرحم لا يُرْحَم، وسبق أن ذكرنا لكم حديثَ عائشة رضي الله عنها: أن امرأةً جاءت إليها ومعها ابنتان تشحذ، قالت عائشة: "فلم أجد إلا ثلاث تمرات في البيت، فدفعتُها إليها، فأعطت كلَّ واحدةٍ من بنتيها تمرةً، ورفعت الثالثة إلى فمها لتأكلها، فاستطعمتها ابنتاها التمرة الثالثة؛ فشقَّتها بينهما نصفين، ولم تأكل شيئًا"، قالت عائشة: "فأعجبني شأنُها، فلما جاء النبيُّ ﷺ أخبرته، فقال: إنَّ الله أوجب لها بها الجنة"، بهذه الرحمة: شقَّت التمرة بينهما.
ومن هذا قوله ﷺ: ما من عبدٍ يتصدق بعدل تمرةٍ من كسبٍ طيبٍ -ولا يقبل الله إلا الطيب- إلَّا تقبَّلها الله بيمينه، فيُربيها لصاحبها حتى تكون مثل الجبل. رواه مسلم في "الصحيح".
الأسئلة:
س: هل حديث: الصدقة تقي مصارع السوء حديث صحيح؟
ج: لا أتذكر حاله، وعلى كلٍّ ففضلها عظيمٌ مثلما سمعتَ.
س: قول الملكان: اللهم أعطِ مُنْفِقًا خلفًا ..، اللهم أعطِ مُمْسِكًا تلفًا في الصَّدقة الواجبة أو التَّطوع؟
ج: الظاهر أنها دعوة على البخلاء.
س: في الواجب أم في التَّطوع؟
ج: في الواجب.
س: إذا كان عنده واحدٌ نائم وفاضت عيناه، هل تكون خلوةً؟
ج: الله أعلم، وربما يدخل في الخلوة؛ لأنَّ النائم كالعدم.
س: ما المقصود بظلِّه في قوله: سبعة يُظلُّهم الله في ظلِّه؟
ج: ظلّ الرب جلَّ وعلا، وقد جاء في روايات أخرى: في ظلِّ العرش، وكلها لا منافاة بينها.
س: في كلِّ كبدٍ رطبةٍ أجر يعني: مثلًا إنسانٌ أعطى زميله أو قريبًا له طعامًا أو شرابًا، فهل هذا الحديث هو نفس الحديث السابق؟
ج: على كل حالٍ، الصدقة طيبة، ولكن يتحرى بها الفقراء والمحاويج، أما غيرهم فتكون هديةً.
س: ما صحَّة حديث الحارث الأشعري؟
ج: صحيح، رواه أحمد، والترمذي، وجماعةٌ بإسنادٍ صحيحٍ.
س: حديث أبي هريرة في السبعة الذين يُظلّهم الله، هل تجتمع في نبيٍّ من الأنبياء، أو في واحدٍ من الصحابة؟
ج: هذا يعمّ الأنبياء وغير الأنبياء، حتى الناس الآخرين.
س: أقصد جميع الصِّفات؟
ج: أقول: يعمّ الجميع، يعم مَن فعل هذه الأفعال، سواء كان رجلًا أو امرأةً، نبيًّا أو غير نبيٍّ، يعمُّ الجميع.
س: حديث أبي بكرٍ : وهل يُدْعَى من جميع هذه الأبواب يا رسول الله؟
ج: عامٌّ، نعم، قال: وإني لأرجو أن تكون منهم.
س: طيب والمرأة يا شيخ دعاها رجلٌ فقالت: إني أخاف الله؟
ج: مثله، نعم.
س: إذا أعطى أحدًا شيئًا وقال: هذه إنسانية، هل يكسب عليها أجرًا أم لا؟
ج: على نيته؛ إذا أراد بها وجهَ الله فهي صدقة، وإن أراد بها الدنيا فهو على نيته، فالأعمال بالنيات، والأسماء لا عبرةَ بها.
س: والرحمة التي يجعلها الله في الأم، مثل حديث الأم، قال النبيُّ ﷺ: إنَّ الله أوجب لها بها الجنة؟
ج: يعني: إذا كانت مسلمةً، هذا هو المراد.
س: الأحاديث التي تحثّ على أن موضع الثوب فوق الكعب هل تُساوي في الأجر نصف الساق أو أنها ..؟
ج: الأمر واسع، كلها مباحة، من باب الإباحة فقط لا ينزل عن الكعب، والتأثيم فيما إذا نزل عن الكعب، أما ما فوقه فهو مستحبٌّ فقط، سواء إلى النصف، أو فوق الكعب، وكان النبي ﷺ في الغالب يُشَمِّر.
س: هل وردت زيادة على هؤلاء السبعة في أحاديث أخرى، أعني الذين يستظلون بظل الله يوم القيامة؟
ج: مَن تتبع الأحاديث يمكن أن يجد، ولا أقدر أن أُحصي شيئًا، ما أذكر شيئًا الآن.
س: الذي يقول أنَّ معنى "في ظلِّ الله" أنه في ظل العرش، ليس من التأويل؟
ج: لا، ما هو بشيءٍ، يُطلق على الذي جاء على ظلِّ العرش على حاله، والذي في ظلِّه على حاله، ولا منافاة، هذا شيءٌ يليق بالله، لا يُشابه خلقه في شيءٍ .
س: بالنسبة للولائم التي تُقام ويُجمع لها كثيرٌ من الناس، ويطعم فيها الناس الجائعون وهم أغنياء، هل يُؤجر صاحبها؟
ج: على حسب نيته؛ إذا كان أقامها على وجهٍ شرعيٍّ –مثل: وليمة العرس- أو أقامها للفقراء، أو وليمة مشروعة أخرى؛ لا بأس، هو على نيته، فإذا أراد أن يُقيمها على أمر الشرع فهو مأجورٌ، سواء أكلها الفقراء أو الأغنياء.
س: إذا قصد بها صلة الرحم؟
ج: أو صلة الرحم لا بأس، أمَّا إذا أقامها للفخر والخيلاء فشأنها شأنٌ آخر.
س: ................؟
ج: من باب صلة الرحم.
س: ولو كان غنيًّا؟
ج: ولو غنيًّا، من باب صلة الرحم، إذا أقامها لهم وهم أغنياء من باب صلة الرحم.
س: أن يقدم على المحتاج؟
ج: صلة الرحم لها حال، والصدقة لها حال، هذه لها حال، وهذه لها حال، يتصدق على الفقراء من ماله، ويصل رحمه من ماله، وصلة الرحم قد تكون بغير المال؛ فقد تكون بالكلام الطيب، والمكاتبة، والزيارة، قد يكونون أغنياء، ما هم محتاجين له، لكن يزورهم، ويُسلِّم عليهم، ويُكاتبهم، ويُكلِّمهم بالهاتف؛ فإنه يُؤْجَر على هذا إذا قصد الخير.
س: ....... صدقة تُعطى للأقرباء أو المُحتاجين؟
ج: الصدقة على القريب صدقة وصلة، وعلى الفقير صدقة فقط، فإذا تصدَّق على قريبه الفقير فله أجران: أجر الصِّلة، وأجر الفقر.
س: الأرحام إذا كانوا مشركين؟
ج: ولو مشركين، إذا لم يكونوا حربًا لنا، في أمانٍ، في معاهدةٍ، مثلما قال ربُّنا جلَّ وعلا: لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ [الممتحنة:8].
س: بعض الأرحام لا يقبلون النَّصيحة ويقولون: لا تأتِ إلينا ولا تنصحنا، ففي مثل هذه الحالة هل يذهب الإنسانُ إليهم؟
ج: ولو قالوا، يحتسب الأجر ويفعل النصح بالأسلوب الحسن، ولو قالوا يدعو لهم بالهداية ويتحمّلهم.
س: المراد في الآية إطعام الأسير وهو حربي؟
ج: الأسير وغير الأسير: مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا [الإنسان:8]، سواء كان مسلمًا أو كافرًا.
س: إذا زار أقرباءه المشركين؟
ج: إذا زارهم للدَّعوة إلى الله أو توجيههم إلى الخير أو تنبيههم على شيءٍ ينفعهم وليس من أجل المحبة والموالاة؛ فلا بأس.
- وعن حكيم بن حزام ، عن النبي ﷺ قال: اليد العُليا خيرٌ من اليد السُّفْلَى, وابدأ بمَن تعول, وخير الصَّدقة ما كان عن ظهر غِنًى, ومَن يستعفف يُعِفَّه الله, ومَن يستغنِ يُغْنِه الله. متَّفقٌ عليه, واللَّفظ للبخاري.
- وعن أبي هريرة قال: قيل: يا رسول الله، أي الصدقة أفضل? قال: جهد المُقلّ, وابدأ بمَن تعول.
أخرجه أحمد, وأبو داود, وصحَّحه ابن خزيمة, وابن حبان, والحاكم.
- وعنه قال: قال رسولُ الله ﷺ: تصدَّقوا، فقال رجلٌ: يا رسول الله, عندي دينار، قال: تصدَّق به على نفسك، قال: عندي آخر, قال: تصدَّق به على ولدك، قال: عندي آخر, قال: تصدَّق به على زوجتك، قال: عندي آخر، قال: تصدَّق به على خادمك، قال: عندي آخر, قال: أنت أبصر به.
رواه أبو داود، والنَّسائي, وصحَّحه ابن حبان، والحاكم.
الشيخ: بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله، وصلَّى الله وسلم على رسول الله، وعلى آله وأصحابه ومَن اهتدى بهداه.
أما بعد: فهذه الأحاديث فيما يتعلق بالصَّدقة، والصدقة تكون واجبةً؛ وهي النفقة على مَن تلزمك نفقته، وتكون مستحبَّةً بالنسبة إلى غيرهم من الفقراء والمساكين، غير صدقة الزكاة.
الحديث الأول: يقول ﷺ: اليد العُليا خيرٌ من اليد السُّفلى، وابدأ بمَن تعول: اليد العليا هي المعطية المنفقة، والسُّفلى هي الآخذة السَّائلة، وابدأ بمَن تعول مَن تعولهم أنت تُنْفِق عليهم: من زوجةٍ، وأولادٍ ووالدين، ونحو ذلك، يبدأ بهم على غيرهم.
ثم قال: وخير الصَّدقة ما كان عن ظهر غنًى أفضلها ما كان بعد تسديد حاجة مَن يمونهم.
ومَن يستعفف يُعِفَّه الله يعني: عن المسألة.
ومَن يستغنِ يُغنه الله هذا فيه حثٌّ على الاستعفاف والاستغناء عن سؤال الناس، وأنَّ الله جلَّ وعلا يجزيه بإعفافه وإغنائه.
وفي حديث أبي هريرة: أفضل الصَّدقة جهد المقل، وهو مُفَسَّر بما في حديث حكيم بن حزام، جهد المقل: هو ما فضل عن حاجته وحاجة أهل بيته، هذا هو جهد المقل.
فيبدأ بأهله وأولاده وخادمه، ثم بعد ذلك يجود على مَن يسَّر الله؛ ولهذا قال: أنت أعلم، تتصدق على ولدك، وعلى زوجتك، وعلى خادمك، ثم قال: أنت أعلم، وفي بعض الرِّوايات بدأ بالزوجة وبالأهل، ثم الولد، فالبدء بالزوجة متعين؛ لأنها معاوضة لابدّ منها، ثم الولد، ثم الوالدين إذا كانت هناك سعة، ثم يجود على الآخرين البعيدين.
المقصود أنه يبدأ بالأقرب فالأقرب، يبدأ بالزوجة؛ لقوله ﷺ في الحديث الصحيح الذي رواه مسلم: لما قيل: يا رسول الله، مَن أبرُّ؟ قال: أمك، قيل له: ثم مَن؟ قال: أمك، قيل: ثم مَن؟ قال: أمك، قيل: ثم مَن؟ قال: أباك، ثم الأقرب فالأقرب، هكذا جاء في عدة أحاديث: الأقرب فالأقرب، فإذا بدأ يبدأ بوالديه -والأم أولًا- أو ولده، ثم الأقرب بعد ذلك من المحتاجين.
أما صدقة التطوع فهي تعمُّ الأقاربَ وغير الأقارب، فيتصدق على الأقارب وعلى غير الأقارب، يقول ﷺ: الصدقة تُطفئ الخطيئة كما يُطفئ الماءُ النارَ، والله يقول: وَأَنْ تَصَدَّقُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ [البقرة:280]، ويقول جلَّ وعلا: الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ سِرًّا وَعَلَانِيَةً فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ [البقرة:274].
ويُروى عنه عليه الصلاة والسلام أنه قال: صدقة السر تُطفئ غضبَ الرب، وتدفع ميتةَ السُّوء.
فالمشروع للمؤمن أن يتحرى في الصَّدقة الأحوج فالأحوج، الأقرب فالأقرب، وأن يبدأ بأهله: أهل بيته ومَن يؤوهم ومَن هم في إعالته، ثم يكون الإحسان بعد ذلك إلى مَن بعد.
وفَّق الله الجميع.
الأسئلة:
س: كيف نُوفق بين ..........؟
ج: سمعتَ الكلام: أن جهد المقل يُفسِّر ما كان عن ظهر غنى، فما زاد على النفقة الواجبة هذا هو جهد المقل، وهو الصَّدقة عن ظهر غنًى.
س: الترتيب: للوالدين، ثم للزوجة، ثم للأولاد؟
ج: الصواب أنَّ الزوجة أولًا.
س: قبل الوالدين؟
ج: نعم؛ لأنها عِوَضٌ، فإمَّا أن يُنفق، أو يُطلِّق، ثم الولد، ثم الوالدان.
س: ما جاء عن أبي بكر الصديق أنه تصدَّق بكلِّ ماله؟
ج: لأنه كان يعمل ويُتاجر ويُنفق من كسب يده.
س: داووا مرضاكم بالصدقة؟
ج: لا أعرف له أصلًا.
س: قوله: ومَن يستعفف يُعِفَّه الله كيف نجمع بينه وكون الرسول قد استدان من يهوديٍّ، فدرعه كانت مرهونةً عند يهوديٍّ؟
ج: هذه ليست صدقة، وإنما هي استدانة، دَينٌ يا ولدي، بيع وشراء، ليس فيها بأس، ما فيها تعفف، التَّعفف يكون عن سؤال الناس، أمَّا الدَّين فليس فيه مِنَّةٌ لأحدٍ، يستدين ويشتري ويبيع لا بأس.
س: التَّحديد بالسُّفلى في الأخذ هل يدل على التَّحريم؟
ج: لا، فيها تفصيل، التَّحريم فيه تفصيل: في حديث قبيصة بن مخارق يقول ﷺ: إنَّ المسألة لا تحل إلا لأحد ثلاثةٍ: رجل تحمَّل حمالةً فحلَّت له حتى يُصيبها ثم يُمسك، ورجل أصابته جائحةٌ اجتاحت ماله فحلَّت له المسألةُ حتى يُصيب قِوامًا من عيشٍ يعني: سدادًا من عيشٍ تسدُّ حاله، ورجل أصابته فاقةٌ يعني: كان عنده مالٌ وعنده سعةٌ ثم أصابته فاقةٌ، فشهد ثلاثةٌ من ذوي الحِجَى من قومه: لقد أصابت فلانًا فاقةٌ؛ فحلَّت له المسألةُ، وما سوى ذلك سحتٌ، يأكله صاحبُه سحتًا.
س: هل تكون تسميتها بالسُّفْلَى مفيدة الكراهة؟
ج: تفيد كراهة السؤال، إلَّا عند الحاجة والضَّرورة.
س: بعض كبار السن يدفعون الصَّدقة ويقولون: هذه دفعة بلاء؟
ج: لا بأس، هي من أسباب دفع البلاء.
س: إذا كان الوالد فقيرًا هل تجوز الصدقة عليه وعلى أبنائه؟
ج: إذا كان يقدر على النفقة عليهم تلزمه النفقة، والنفقة ليست صدقةً، فتلزمه النفقةُ على والديه إذا كانوا محتاجين وهو قادر، فيلزمه أن يُنفق عليهم، كما يُنفق على أولاده وعلى زوجته.
س: إخوانه هل يُعطيهم من الزكاة في هذه الحالة؟
ج: إذا كان يستطيع أن يُنفق عليهم فعليه أن يُنفق عليهم من ماله أحوط؛ خروجًا من الخلاف، ويُعطي الزكاة غيرهم إذا كانت عنده سعة، هذا أحوط؛ لأنَّ بعض أهل العلم يرى أنه تجب عليه النَّفقة عليهم إذا كان مُوسِرًا وهم محتاجون، والصواب أنَّ الصَّدقة تُجزئ في حقِّ الإخوة، لكن إذا احتاط وخرج من الخلاف وأعطاهم من ماله يكون أحوط وأحسن؛ لأنَّ بعض أهل العلم يرى أنه يلزمه ذلك؛ لقوله تعالى: وَعَلَى الْوَارِثِ مِثْلُ ذَلِكَ [البقرة:233]، فحملوه على النَّفقة إذا كان يرثهم، أمَّا إن كان محجوبًا بالوالدين فلا تلزمه النفقة، لكن إذا أعطاهم من ماله وكسبه الطيب يكون أطيب وأحسن، ويجعل الزكاة لغيرهم.
س: لكن إذا أعطاهم من مال الزكاة هل يعود عليه هذا بالنفع؟
ج: هم في بيتهم؟
س: يريد أن يتخلص من نفقتهم؛ لأنَّهم في داره؟
ج: إن كان يُنفق عليهم وهم في بيته، ويأكلون معه؛ فلا يحتاج أن يُعطيهم الزكاة، فالزكاة تكون لمن هم خارج بيته ويحتاجون إليها، فإن أعطاهم من ماله فهو أحوط، وإن أعطاهم من الزكاة فلا بأس إذا كانوا فُقراء.
س: إذا كانوا محجوبين، والمحجوبون فقراء أيضًا؟
ج: إذا كانوا محجوبين زالت الشُّبهة، فيُعطيهم من الزكاة ولا بأس، إذا كان محجوبًا عنهم، لا يرثهم، وهم فقراء.
س: مَن تصدَّق لينال دعوة الملك: ما من يومٍ إلا وينزل ملكان؟
ج: خير إن شاء الله، لا بأس.
س: قوله وابدأ بمَن تعول خاصٌّ بالصَّدقة أو عام؟
ج: الحديث في الصَّدقة، أمَّا عن الشيء الآخر فله ظروفه وله أحواله.
س: الذين لا يجدون كفايتهم ألا يجب على عموم المسلمين كفايتهم؟
ج: هذا محل نظرٍ؛ قد يقال: يجب على بيت المال إذا كان هناك بيت مال، أما إذا لم يكن هناك بيت مال فيلزم مَن يعلم حالهم أن يُنفق عليهم، فالمسلم أخو المسلم، فإذا كان يعلم أنهم محاويج وهو قادرٌ فهو فرض كفايةٍ، مَن قام به كفى، ولا يجوز ترك الفقير بينهم وهم قادرون، فإمَّا أن يعطوه من الزكاة، أو من غير الزكاة إذا كانوا يعرفون حاله، وبيت المال ما يقوم به، فلا ينبغي أن يتركونه، فالمسلمون شيءٌ واحدٌ، جسدٌ واحدٌ.
س: يصدق هذا الكلام على أهل البوسنة؟
ج: نعم، على البوسنة وغيرهم.