باب صفة إبليس وجنده
3276- حدثنا يحيى بن بكير: حدثنا الليث، عن عقيل، عن ابن شهابٍ قال: أخبرني عروة بن الزبير: قال أبو هريرة : قال رسول الله ﷺ: يأتي الشيطان أحدكم فيقول: مَن خلق كذا؟ مَن خلق كذا؟ حتى يقول: مَن خلق ربك؟ فإذا بلغه فليستعذ بالله ولينتهِ.
3277- حدثنا يحيى بن بكير: حدثنا الليث، قال: حدثني عقيل، عن ابن شهابٍ قال: حدثني ابن أبي أنس -مولى التيميين- أن أباه حدَّثه: أنه سمع أبا هريرة يقول: قال رسول الله ﷺ: إذا دخل رمضان فُتحت أبواب الجنة، وغُلِّقت أبواب جهنم، وسُلسلت الشياطين.
الشيخ: في الحديث الأول بيان حرص الشيطان على إضلال بني آدم وإغوائهم، والله سبحانه يقول: إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا إِنَّمَا يَدْعُو حِزْبَهُ لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحَابِ السَّعِيرِ [فاطر:6]، أَلَا إِنَّ حِزْبَ الشَّيْطَانِ هُمُ الْخَاسِرُونَ [المجادلة:19]، فكل ما يقع في قلبك من الإلمامات والوساوس المخالفة للشرع فاعرف أنها من الشيطان: الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُمْ بِالْفَحْشَاءِ [البقرة:268]، فله لـمَّات، وللملك لـمَّات، فلمَّات الشيطان تكذيبٌ بالحق، وإيعادٌ بالفقر، فليحذر المؤمن؛ ولهذا يأتي ويقول: هذا الله خلق هذه الأشياء، فمَن خلق الله؟ الله خلق السماوات، وخلق الأرض، وخلق كل شيءٍ، لكن مَن خلق الله؟ حتى يُشككه.
فالجواب أن يقول: آمنتُ بالله ورسله، أعوذ بالله من الشيطان. ولينتهِ، يقول: آمنتُ بالله ورسله. أو قال له: الجنة والنار أيش يُدريك أنها موجودةٌ؟ هذا أمرٌ فيه شكٌّ. أو أخبار يوم القيامة، أو أخبار الرسل الماضين، أو ما أشبه ذلك، فليقل: آمنتُ بالله ورسله. وليستعذ بالله، ولينتهِ.
وهذه قاعدةٌ فيما يأتي من التشكيك في الأمور العظيمة، وعلاجه دائمًا في كل شيءٍ بالتعوذ: وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ [الأعراف:200]، فكل نزغٍ يُخالف الشرع فهو من الشيطان، فاستعذ بالله من الشيطان.
والمؤمن يجب أن يهتم بهذا الأمر، يجب أن يحرص حتى يعتصم بالشرع الذي أمره الله بالاعتصام به، وحتى يلجأ إلى ما شرع الله له، وحتى يُراغم هذا العدو المبين، ولا يتساهل حتى ولو في الصلاة، إذا أكثر عليه -ولو في الصلاة- يتعوَّذ بالله من الشيطان الرجيم، ولو في الصلاة، كما في قصة عثمان بن أبي العاص، قال: يا رسول الله، إن الشيطان لبَّس عليَّ صلاتي. قال له: ذاك شيطانٌ يُقال له: خنزب، فإذا أحسست به فانفث عن يسارك ثلاث مراتٍ، وقل: أعوذ بالله من الشيطان، ثلاثًا، قال: ففعلتُ ذلك فأذهب الله عني ما أجد.
كل إنسانٍ معه ملكٌ وشيطانٌ، فالملك يعده بالخير، ويحثه على الخير، والشيطان بضد ذلك، فليكن منك على بالٍ، اجعل هذا على بالك دائمًا، كلما أحسستَ بشيءٍ من الميل إلى الباطل فاعرف أنه من الشيطان، وقل: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، وإذا أحسست بخيرٍ فاحمد الله، واسأله التوفيق، واستعن به ، واعلم أن هذا من لـمَّات الملك، نعم.
س: الاستعاذة منه والتَّفل عليه في صلاة الفرض أم النفل؟
ج: في الجميع، نعم.
س: الشيطان يجري من ابن آدم مجرى الدم؟
ج: نعم، هكذا قال النبي ﷺ، نعم.
س: قول بعض الناس: معك الرحمن؟
ج: هذا ما فيه مانعٌ، هو مع العباد كلهم: وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ [الحديد:4]، لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا [التوبة:40] يعني: معهم بتوفيقه وتأييده وحفظه، وهو فوق العرش جلَّ وعلا: الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى [طه:5].
س: إذا قلت له: تفضل معنا، أو شيئًا، قال: معك الرحمن؟
ج: الأمر سهلٌ، ما أعلم فيه شيئًا، معه بالتوفيق والتيسير والتأييد والنصر والهداية، ما هو في الأكل، الله لا يَطعم، غنيٌّ عن الطعام والشراب، يُطْعِم ولا يَطعم سبحانه، لكن معه بالتوفيق، إذا قصد هذا لا بأس، أما في الأكل لا، ما يصلح، نعم.
مداخلة: اليهود غلوا في الدين، والنصارى جفوا الدين، ونحن صرنا أمةً وسطًا: لا للغلو، ولا للجفاء: وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا [البقرة:143].
الشيخ: نسأل الله وإياكم الثبات، نسأل الله الثبات، نعم.
3278- حدثنا الحميدي: حدثنا سفيان: حدثنا عمرو، قال: أخبرني سعيد بن جبير، قال: قلتُ لابن عباسٍ، فقال: حدثنا أبي بن كعب: أنه سمع رسول الله ﷺ يقول: إن موسى قال لفتاه: آتِنَا غَدَاءَنَا [الكهف:62]، قَالَ أَرَأَيْتَ إِذْ أَوَيْنَا إِلَى الصَّخْرَةِ فَإِنِّي نَسِيتُ الْحُوتَ وَمَا أَنْسَانِيهُ إِلَّا الشَّيْطَانُ أَنْ أَذْكُرَهُ [الكهف:63]، ولم يجد موسى النَّصَب حتى جاوز المكان الذي أمر الله به.
3279- حدثنا عبدالله بن مسلمة، عن مالك، عن عبدالله بن دينار، عن عبدالله بن عمر رضي الله عنهما قال: رأيت رسول الله ﷺ يُشير إلى المشرق، فقال: ها إن الفتنة هاهنا، إن الفتنة هاهنا، من حيث يطلع قرن الشيطان.
الشيخ: يعني: مطلع الشيطان؛ لأن غالب الشرور جاءت من جهة الشرق: فتنة الجهمية، والمعتزلة، والرافضة، والشيوعية، كلها من جهة الشرق، والفتنة التي وقعت في عهد الصحابة من الشرق؛ فتنة مضر وربيعة ومُسيلمة الكذَّاب شرق المدينة، كلها جاءت من الشرق، أدناها الشرق الأدنى، وأقصاها الشرق الأقصى، لكن ما يمنع ذلك وجود الخير، فجاء الخير العظيم من خراسان، والعلماء منهم، المؤلف رحمه الله البخاري من خراسان، الشرق الأقصى، ومسلم رحمه الله كذلك، وغيرهما، ومن بغداد ..... من العلماء والأخيار، والبصرة، والكوفة.
فالشر موجودٌ في الشرق، جاء من الشرق، ولكن مع ذلك فيه الخير، جاء الخير أيضًا، ومكة والمدينة وسط البلاد، وأم البلاد، وظهر فيها من الشر ما ظهر: من المنافقين أعداء الله ورسوله ﷺ، ومن صناديد قريش الذين آذوا الله ورسوله ﷺ، والله جلَّ وعلا أعان عليهم، نعم.
س: أحسن الله إليك، نجد التي قال عنها النبي ﷺ: من حيث يطلع قرن الشيطان، هل هي نجد المعروفة؟
ج: جهة المشرق يطلع معها الشيطان، يطلع الشيطان مع قرن الشمس من المشرق، نعم.
3280- حدثنا يحيى بن جعفر: حدثنا محمد بن عبدالله الأنصاري: حدثنا ابن جريج، قال: أخبرني عطاء، عن جابرٍ ، عن النبي ﷺ قال: إذا استجنح الليل -أو قال: جنح الليل- فكفُّوا صبيانكم؛ فإن الشياطين تنتشر حينئذٍ، فإذا ذهب ساعةٌ من العشاء فخلوهم، وأغلق بابك واذكر اسم الله، وأطفئ مصباحك واذكر اسم الله، وأوكِ سقاءك واذكر اسم الله، وخمِّر إناءك واذكر اسم الله، ولو تعرض عليه شيئًا.
الشيخ: كل هذا فيه الاعتصام بالله، والثقة بالله، وكفّ الصبيان عند غروب الشمس حتى يمضي وقتٌ من الليل؛ لغالب قوله ﷺ في انتشار الشياطين، هذا من الأمور المشروعة: إغلاق الباب، ولو [أن] الأمور بيد الله، الأمور بيد الله، لكن تأخذ بالأسباب: تُغلق الأبواب عن السُّرَّاق وغير السُّرَّاق، وتُوكئ الإناء حتى لا يخرج ما فيه، وتُغطي الإناء ولو بأن تعرض عليه عودًا، يعني: تأخذ بالأسباب: تبيع وتشتري، وتزرع وتغرس، وتُؤجر، وتُسافر للمصلحة وتُقيم، يعني: خذ بالأسباب، لا تقل: الأشياء مُقدَّرة فقط، الله قدَّر الأشياء بأسبابها، فأنت خذ بالأسباب الشرعية، مثلما أن الله أوجب عليك الصلاة، خذ بها وصلِّ، لا تقل: إذا ..... أنت اسعَ، أوجب عليك، اسعَ، وزَكِّ، الصيام صُمْ، حج، جاهد، مُرْ بالمعروف، وانهَ عن المنكر، ولو أنه شيءٌ مُقدَّرٌ، كلها مُقدَّرةٌ، لكن أنت مأمورٌ بالفعل، تجنب المعاصي، وأنت مأمورٌ باجتنابها، والمقدر كذلك خذ بالأسباب النافعة: الدينية والدنيوية، ولا تقل: إن كان مُقدَّرًا وقع. وتجلس، لا، خذ بالأسباب واعمل: وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ [التوبة:105]، اعملوا فكلٌّ مُيَسَّرٌ لما خُلِقَ له، كُلْ واشرب، والبس وتصدق في غير إسرافٍ، ولا مخيلةٍ: وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا [الأعراف:31]، فالأقدار الماضية لا تُنافي الأسباب: لا الأسباب الشرعية، ولا الأسباب الحسية، نعم.
س: ولو تعرض عليه شيئًا؟
ج: عودٌ يعني.
س: المصابيح المقصود ما كانت في السابق من نارٍ أو .....؟
ج: المصابيح السُّرج، حتى اللَّمبات سُرج، نعم.
س: الحكم يشمل اللَّمبات؟
ج: نعم يشمل.
الشيخ: وفي هذا فوائد:
منها: شرعية الاعتكاف، وأنه سنةٌ في المساجد.
ومنها: أنه لا بأس بزيارة المعتكف، يزوره أهله، أو بعض إخوانه لا بأس أن يزوره في المعتكف.
ومنها: تواضعه ﷺ، وحُسن خلقه، وأنه قام معها لما قامت من محل الاعتكاف، قام معها يقلبها إلى الباب؛ إلى باب المسجد، صفية زوجته، صفية من اليهود، من سبايا خيبر، أعتقها النبي وتزوجها عليه الصلاة والسلام، فقام معها يقلبها، هذا من مكارم الأخلاق: أن المضيف يقوم مع الضيف يقلبه إذا استحسن ذلك، يمشي معه إلى الباب بعد العشاء، أو بعد الغداء، أو بعد القهوة، إذا كانت له أهميةٌ يقوم معه، هذا من مكارم الأخلاق، ولو كان المضيف كبيرًا، عظيمًا، إذا قام مع الضيف فهو من مكارم الأخلاق، ومن التواضع.
وفيه من الفوائد: أن الإنسان يدفع عن نفسه خشية التهمة، إذا صار في مكة يخشى التهمة يدفع عن نفسه، لما مرَّ الأنصاريان والنبي ﷺ معها عند الباب -باب المسجد- أسرعا، فدعاهما وقال: على رسلكما؛ إنها صفية بنت حيي، يعني: لا تظنوا أنها امرأةٌ أجنبيةٌ، إنها صفية بنت حيي، قالا: سبحان الله يا رسول الله! ما أنت بمحل تهمةٍ، قال: إن الشيطان يجري من ابن آدم مجرى الدم يعني: أن الشيطان حريصٌ على إدخال الشر على ابن آدم؛ ولهذا يجري منه مجرى الدم: وإني خشيتُ أن يقذف في قلوبكما شرًّا فتهلكا تهمةً، يعني.
وفيه من الفوائد: جواز نكاح القرشي للأعجمية، والعربي للأعجمية، لا بأس أن يتناكح العرب والعجم؛ لأنها أعجميةٌ، من اليهود، وهو سيد قريشٍ عليه الصلاة والسلام.
وفيه من الفوائد: أن الاعتكاف محله المسجد: وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ [البقرة:187]، محل الاعتكاف هو المسجد، نعم.
س: قول الصحابة: حجبها؛ فهي من نسائه؟
ج: حجبها وصارت من نسائه؛ لأن الإماء ما يُحجبن، يعني: جعلها محجوبةً مستورةً.
س: بوجهها؟
ج: نعم، كل شيءٍ: الوجه وغيره.
س: كانت مستورةً، أحسن الله إليك؟
ج: ..... كان يحجب الحرائر، والإماء أمرهن أوسع، إلا إذا كانت جميلةً يُخشى منها فتنةٌ فتُحجب.
س: تصير من أمهات المؤمنين؟
ج: نعم.
الشيخ: وهذا فيه إرشاده ﷺ إلى أن من أسباب إطفاء الغضب: التعوذ بالله من الشيطان، لما رأى شخصين تخاصما وانتفخت أوداج أحدهما قال: إني لأعلم كلمةً لو قالها لذهب عنه ما يجد: أعوذ بالله من الشيطان، فهذا يدل على أن هذا من علاج الغضب، من علاج الغضب: التعوذ بالله من الشيطان الرجيم، يُكررها حتى يهدأ، ومن علاجه: الوضوء والصلاة، ومن علاجه: الجلوس إذا كان قائمًا، والاضطجاع إذا كان قاعدًا، أو الخروج من المكان، يعني: يفعل الأشياء التي تُبعده عن خطر الغضب؛ لأن الغضبان قد يفعل ما لا ينبغي، الغضب قد يكون من جنس الجنون، قد يشتد به الغضب حتى يبطش ويقتل ويضرب، فالمشروع له عند وجود أسباب الغضب أن يتعوذ بالله، ويُكرر التعوذ بالله من الشيطان الرجيم؛ عملًا بإرشاده ﷺ: إني لأعلم كلمةً لو قالها لذهب عنه ما يجد، يقولها مؤمنًا بما شرع الله عن إيمانٍ ويُكررها، نعم.
س: شرعية الاعتكاف خاصةٌ بمسجد جمعةٍ، أو عامَّةٌ في جميع المساجد؟
ج: في جميع المساجد: وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ [البقرة:187]، ما قال: مسجد جمعةٍ.
س: رد الرجل، قوله: وهل بي جنونٌ؟
ج: هذا من جملة الغضب، ما بعد رجع إليه عقله.
س: يضمن الغاضب؟
ج: يضمن، لو بطش يضمن، حتى المجنون يضمن، حتى المعتوه يضمن، لو أتلف المجنون لأحدٍ شيئًا يغرمه من ماله، ولو مجنون، الإتلافات أمرها أوسع.
س: إسلام صفية هل ورد أنها أسلمت، أم بقيت على يهوديتها؟
ج: صفية زوجة النبي ﷺ مُسلمة، ومن أمهات المؤمنين، زوجة النبي اللهم صلِّ عليه وسلم.
س: مَن غضب فتوضأ فلم ينطفئ غضبه، هل يُشرع له إعادة الوضوء؟
ج: يُعيده، ويُعيد الصلاة، ويُعيد التعوذ، ويُكرر؛ ثقةً بما شرعه الله، ومُراغمةً لعدو الله الشيطان، مُراغمة.
3283- حدثنا آدم: حدثنا شعبة: حدثنا منصور، عن سالم بن أبي الجعد، عن كريب، عن ابن عباسٍ قال: قال النبي ﷺ: لو أن أحدكم إذا أتى أهله قال: جنبني الشيطان، وجنب الشيطان ما رزقتني، فإن كان بينهما ولدٌ لم يضره الشيطان، ولم يُسلط عليه.
قال: وحدثنا الأعمش، عن سالم، عن كريب، عن ابن عباسٍ مثله.
الشيخ: تقدم هذا، وأن السنة للمؤمن عند الجماع أن يقول: "بسم الله، اللهم جنبنا الشيطان، وجنب الشيطان ما رزقتنا"، يُشرع للمؤمن أن يُلاحظ هذا عند الجماع، نعم.
الشيخ: عدو الله ما يُخلي أحدًا حتى النبي ﷺ؛ لخُبثه وحرصه على الإيذاء حتى مع النبي ﷺ، فإذا كان هذا مع النبي ﷺ، فكيف بغير النبي ﷺ؟ كيف بالإنسان؟ يعني: يطمع أن يسلم من شرِّه وهمزاته، وفي اللفظ الآخر: أنه أتى بشعلةٍ من النار، أتى بشعلةٍ للنبي ﷺ ليحرقه بها، شعلة من النار! انظر الخبث العظيم من عدو الله! قال: فأعانني الله عليه..... أمسكه، خنقه النبي ﷺ حتى سال لعابه بين أصابعه، وهَمَّ أن يربطه في ساريةٍ من سواري المسجد حتى يلعب به صبيان المدينة، قال: ثم ذكرتُ قوله تعالى في قصة سليمان: وَهَبْ لِي مُلْكًا لَا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ مِنْ بَعْدِي [ص:35]، فأطلقه.
المقصود أن الشيطان حريصٌ على كل أذًى مع المسلمين، ولكن العصمة في هذا: الثقة بالله، والاستعانة به جلَّ وعلا، والقوة قوة الإيمان، والتعوذ بالله من الشيطان، والحذر من وسائل تسليطه؛ لأن الإقدام على المعاصي ومجالسة أهل المعاصي من أسباب تشجيعه عليه، والثقة بالله، والتَّحرز بالله من شرِّه، والاستقامة على الدين من أسباب العافية من بلائه.
وهذه دار امتحانٍ، الله أنظره وذُريته، هذه الأمة الكبيرة من الشياطين ابتلاءٌ وامتحانٌ ليتميز الصالح من الطالح، ويتميز المجتهد من المتساهل، ويتميز القوي من الضعيف؛ قوي الإيمان من ضعيف الإيمان، ويتميز أولياء الله من أعدائه.
هذه دار الامتحان، دار الابتلاء، وهذه الدار: لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا [هود:7]، وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً [الأنبياء:35]، وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّى نَعْلَمَ الْمُجَاهِدِينَ مِنْكُمْ وَالصَّابِرِينَ وَنَبْلُوَ أَخْبَارَكُمْ [محمد:31]، لَتُبْلَوُنَّ فِي أَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ وَلَتَسْمَعُنَّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا أَذًى كَثِيرًا وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ [آل عمران:186]، وفي سورة آل عمران: وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا لَا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئًا [آل عمران:120]، كيد الكفرة -والشيطان رأسهم- مَن صبر واتَّقى لا يضره كيده، ولا كيد الكفار، بشرطين: صبرٌ وتقوى؛ صبرٌ على الحق، وتقوى بفعل الأوامر، وترك النواهي، شرطان: التقوى والصبر: إِنَّهُ مَنْ يَتَّقِ وَيَصْبِرْ فَإِنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ [يوسف:90]، وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا لَا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئًا، وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ، إِنْ تَتَّقُوا اللَّهَ يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقَانًا وَيُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ [الأنفال:29]، وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ [الطلاق:2، 3]، وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْرًا [الطلاق:4]، إلى غير هذا من الآيات.
س: دعاء: "اللهم جنبنا الشيطان، وجنب الشيطان ما رزقتنا" هل هو عند كل جماعٍ، أم عند إرادة الولد؟
ج: عند كل جماعٍ، نعم.
الشيخ: بركة، سمِّ، أعوذ بالله منه.
س: عند قوله عزَّ وجلَّ: لَنْ يَضُرُّوكُمْ إِلَّا أَذًى [آل عمران:111]، المثبت في "أذى" أذية البدن ونحوه؟
ج: أنواع الأذى، نعم.
س: إبليس في القول الصحيح هل هو من الملائكة، أو من الجن؟
ج: من طائفةٍ يُقال لهم: الجن، الجن معروفون، ما هو من الملائكة، لكن كان مع الملائكة، وقال بعضهم -بعض أهل العلم-: إنه طائفةٌ من الملائكة يُقال لهم: الجن، وهو منهم. ولكن الصواب أنه ليس منهم.
س: طائفةٌ يعني: سكنت مع الملائكة؟
ج: بعض السلف يقول: إنها طائفةٌ يُقال لهم: الجن. ولكن الصواب أنهم ليسوا من الملائكة بالكلية.
س: فتكون هذه الطائفة ..... في السماء، يعني: مع الملائكة، وليست منهم؟
ج: الملائكة خُلقوا من نورٍ، والشيطان خُلق من مارجٍ من نارٍ، ليس منهم بالكلية، عنصره غير عنصرهم، عنصره النار –الخبث-، وعنصرهم النور.
س: لكن -أحسن الله إليك- هذه الطائفة سكنت مع الملائكة في السماوات وليست منهم؟
ج: إيه، نعم، فعمَّه الأمر.