باب مناقب علي بن أبي طالب، القرشي، الهاشمي، أبي الحسن
وقال النبي ﷺ لعليٍّ: أنت مني، وأنا منك.
وقال عمر: توفي رسول الله ﷺ وهو عنه راضٍ.
3701- حدثنا قتيبة بن سعيد: حدثنا عبدالعزيز، عن أبي حازم، عن سهل بن سعد : أن رسول الله ﷺ قال: لأُعطين الراية غدًا رجلًا يفتح الله على يديه، قال: فبات الناس يدوكون ليلتهم: أيهم يُعطاها؟ فلما أصبح الناس غدوا على رسول الله ﷺ كلهم يرجو أن يُعطاها، فقال: أين علي بن أبي طالب؟ فقالوا: يشتكي عينيه يا رسول الله. قال: فأرسلوا إليه، فأتوني به، فلما جاء بصق في عينيه، ودعا له؛ فبرأ حتى كأن لم يكن به وجعٌ، فأعطاه الراية، فقال علي: يا رسول الله، أقاتلهم حتى يكونوا مثلنا؟ فقال: انفذ على رسلك حتى تنزل بساحتهم، ثم ادعهم إلى الإسلام، وأخبرهم بما يجب عليهم من حق الله فيه، فوالله لأن يهدي الله بك رجلًا واحدًا خيرٌ لك من أن يكون لك حمر النَّعم.
الشيخ: وهذا يوم خيبر، بعثه النبي ﷺ يوم خيبر في آخر السادسة وأول السابعة، وعمره نحو سبعٍ وعشرين سنةً، عمره ذلك الوقت نحو سبعٍ وعشرين سنةً؛ لأنه هاجر وهو ابن إحدى وعشرين سنةً رضي الله عنه وأرضاه، وهو أحد العشرة المشهود لهم بالجنة، وهو رابع الخلفاء الراشدين، مناقبه كثيرةٌ رضي الله عنه وأرضاه، وعلمه جمٌّ .
الشيخ: وهذه منقبةٌ؛ لأنه شهد له بالتنصيص أنه يُحب الله ورسوله، ويُحبه الله ورسوله، هذه منقبةٌ عظيمةٌ له ، وإن كان كل مؤمنٍ يحب الله ورسوله، ويحبه الله ورسوله: فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ [المائدة:54]، المؤمنون كلهم يُحبون الله ورسوله، ويحبهم الله ورسوله، لكن التنصيص من الرسول ﷺ على اسمه منقبةٌ زائدةٌ بالنص، فلا شك أنها منقبةٌ عظيمةٌ.
وفي هذا من الآداب: الذهاب إلى العدو على الرسل والمهل، والتأمل في مكيدة العدو والطرق التي يُرجى فيها النصر عليه، وكون الجيش والسرية على مهلٍ، وعلى تأملٍ، وعلى نظرٍ؛ حتى يقدموا على بصيرةٍ إلا في الأوقات التي تُستثنى، يخاف فيها الفوت، هذا شيءٌ آخر، وإلا فالمشروع للجيش والسرايا الهدوء والتبصر والتمهل؛ حتى يقدموا على بصيرةٍ لقتال عدوهم، ويعرفوا المكيدة.
3703- حدثنا عبدالله بن مسلمة: حدثنا عبدالعزيز بن أبي حازم، عن أبيه: أن رجلًا جاء إلى سهل بن سعد، فقال: هذا فلان -لأمير المدينة- يدعو عليًّا عند المنبر، قال: فيقول ماذا؟ قال: يقول له: أبو تراب. فضحك، قال: والله ما سمَّاه إلا النبي ﷺ، وما كان له اسمٌ أحب إليه منه. فاستطعمت الحديث سهلًا، وقلت: يا أبا عباس، كيف ذلك؟ قال: دخل عليٌّ على فاطمة، ثم خرج فاضطجع في المسجد، فقال النبي ﷺ: أين ابن عمك؟ قالت: في المسجد. فخرج إليه، فوجد رداءه قد سقط عن ظهره، وخلص التراب إلى ظهره، فجعل يمسح التراب عن ظهره، فيقول: اجلس يا أبا تراب مرتين.
3704- حدثنا محمد بن رافع: حدثنا حسين، عن زائدة، عن أبي حصين، عن سعد بن عبيدة قال: جاء رجلٌ إلى ابن عمر فسأله عن عثمان، فذكر عن محاسن عمله، قال: لعل ذاك يسوؤك؟ قال: نعم. قال: فأرغم الله بأنفك. ثم سأله عن عليٍّ، فذكر محاسن عمله، قال: هو ذاك بيته أوسط بيوت النبي ﷺ. ثم قال: لعل ذاك يسوؤك؟ قال: أجل. قال: فأرغم الله بأنفك، انطلق فاجهد عليَّ جهدك.
الشيخ: هذا في قلبه شيءٌ، السائل في قلبه شيءٌ على عثمان، وعلى عليٍّ؛ فلهذا قال له ابن عمر: أرغم الله أنفك.
س: من الخوارج؟
ج: لعله منهم، ظاهر الحال أنه منهم.
الشيخ: وهذا فيه شرعية الإتيان بهذا الذكر عند النوم، كانت فاطمة تسأل أباها خادمًا يُعينها على شغل البيت: من الطحن، والطبخ، والكنس، وغير هذا من شؤون البيت، فلم تجد عنده شيئًا، لم تجد عنده خادمًا، وفي بعض الروايات قال: لا أُعطيكما وأدعُ أهل الصفة تطوى بطونهم، ولكن زارهما في الليل وقد أخذا مضاجعهما، فجلس بينهما، وقال: ألا أدلكما على ما هو خيرٌ لكما من خادمٍ؟ تُسبحان ثلاثًا وثلاثين، وتحمدان ثلاثًا وثلاثين، وتُكبران أربعًا وثلاثين، هذه سنةٌ عند النوم: "سبحان الله" ثلاثًا وثلاثين، و"الحمد لله" ثلاثًا وثلاثين، و"الله أكبر" أربعًا وثلاثين عند النوم، قالت فاطمة: فاستعملت ذلك، فما وجدتُ بعد ذلك تعبًا. لما استعملت هذا الذكر أعطاها الله القوة والنشاط، فما وجدت تعبًا بعد ذلك، ثم إن الرسول ﷺ جاءه سبيٌ بعد ذلك، فأخدمها خادمًا، بعد ذلك جاء سبيٌ فأعطاها خادمًا يُعينها على شؤون البيت.
س: خاصٌّ في حق فاطمة وعليٍّ أو عامٌّ؟
ج: عامٌّ للأمة، قاعدة: إذا علَّم النبي ﷺ واحدًا من الأمة فهو للجميع، ما يختص به الشخص، هو عامٌّ للأمة كلها، يُستحب للرجل والمرأة عند النوم أن يقولا: "سبحان الله" ثلاثًا وثلاثين، و"الحمد لله" ثلاثًا وثلاثين، و"الله أكبر" أربعًا وثلاثين.
وهكذا يُستحب بعد كل صلاةٍ في الفرائض الخمس أن يأتي بهذا الذكر أربعًا وثلاثين: التكبير، وإن شاء أتى بالتكبير ثلاثًا وثلاثين، وختم المئة بـ"لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك، وله الحمد، وهو على كل شيءٍ قديرٌ" بعد الصلوات الخمس، نعم.
الشيخ: يعني: معينًا ومساعدًا وشادًّا للأزر بالدعوة إلى الله ، وإن كان لا نبيَّ بعده، كما في الحديث الآخر: لكنه لا نبيَّ بعدي، نعم.
3707- حدثنا علي بن الجعد: أخبرنا شعبة، عن أيوب، عن ابن سيرين، عن عبيدة، عن عليٍّ قال: اقضوا كما كنتم تقضون، فإني أكره الاختلاف؛ حتى يكون للناس جماعةٌ، أو أموت كما مات أصحابي.
فكان ابن سيرين يرى أن عامَّة ما يُروى عن عليٍّ الكذب.
الشيخ: يعني: أنه أمر القضاة أن يقضوا بما كانوا يقضون به في عهد عمر وعثمان، وقال: إني أكره الخلاف.
ومن ذلك: أنه أراد أن يُرخص في بيع أم الولد، فقال له بعض أصحابه -عبيدة السلماني أو غيره-: يا أمير المؤمنين، إن رأيك في الجماعة مع عمر عدم بيعها أولى من رأيك وحده. فقال: اقضوا كما كنتم تقضون. وكره الخلاف.
ففي هذا الحث على الجماعة والاستقامة، وولي الأمر يحرص على حث الناس على الاجتماع، والحذر من الخلاف والتفرق الذي يُفضي إلى ضعف الحق، وضعف القائمين به، وإلى الفتن، وتسليط الأعداء، فالجماعة فيها الخير والصلاح: وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا [آل عمران:103]، وإذا أشكلت مشكلةٌ تُدرس وتُعالج؛ حتى يرجع أهلها إلى الجماعة، نعم.
س: يعني: عليًّا تنازل عن اجتهاده أخذًا باجتهاد الصحابة من قبله؟
ج: نعم، نعم، قال له عبيدة: رأيك في الجماعة أحب إلينا من رأيك وحدك. فرجع وقال: نعم.
الشيخ: يعني: أخا عليٍّ، وهو أكبر من عليٍّ بعشر سنين، وهم أربعةٌ: طالب، وعقيل، وجعفر، وعلي. طالب أكبرهم مات في الجاهلية على الكفر، ثم عقيل أسلم، ثم جعفر الذي قُتل في مؤتة في الشام، ثم عليٌّ وهو أصغرهم، قالوا: بين كل اثنين عشر سنين.
س: قتل جعفر في غزوة مؤتة؟
ج: نعم، .
وقال له النبي ﷺ: أشبهت خَلْقي وخُلُقي.
3708- حدثنا أحمد بن أبي بكر: حدثنا محمد بن إبراهيم بن دينار أبو عبدالله الجهني، عن ابن أبي ذئب، عن سعيد المقبري، عن أبي هريرة : أن الناس كانوا يقولون: أكثر أبو هريرة، وإني كنت ألزم رسول الله ﷺ بشبع بطني، حتى لا آكل الخمير، ولا ألبس الحبير.
الشيخ: الحبير: المحبر، يعني: المنقش.
الشيخ: وهذا يفيد أنه أصابتهم شدةٌ في المدينة، وكان إسلامه سنة سبعٍ من الهجرة، يوم خيبر، في أول السابعة، وهذا يفيد ما أصاب المسلمين من الشدة والحاجة ، وصبروا صبرًا كثيرًا، ومنهم أبو هريرة، كان من المهاجرين، وأصابته شدةٌ من الحاجة مثلما أشار هنا، وكان يلزم النبي ﷺ، فسمع ما لم يسمعوا، ورأى ما لم يُشاهدوا، نعم.
وكان أخير الناس للمسكين جعفر بن أبي طالب، كان ينقلب بنا فيُطعمنا ما كان في بيته، حتى إن كان ليخرج إلينا العكة التي ليس فيها شيءٌ، فنشقها فنلعق ما فيها.
3709- حدثني عمرو بن علي: حدثنا يزيد بن هارون: أخبرنا إسماعيل بن أبي خالد، عن الشعبي: أن ابن عمر رضي الله عنهما كان إذا سلَّم على ابن جعفر قال: السلام عليك يا ابن ذي الجناحين.
قال أبو عبدالله: الجناحان كل ناحيتين.
الشيخ: أيش قال الشارح؟
القارئ: قوله: "أن ابن عمر كان إذا سلَّم على ابن جعفر" يعني: عبدالله بن جعفر بن أبي طالب، وقع في رواية الإسماعيلي من طريق هشيم، عن إسماعيل بن أبي خالد قال: قلنا للشعبي: كان ابن جعفر يقال له: ابن ذي الجناحين؟ قال: نعم، رأيت ابن عمر أتاه يومًا -أو لقيه- فقال: السلام عليك يا ابن ذي الجناحين، السلام عليك يا ابن ذي الجناحين. كأنه يُشير إلى حديث عبدالله بن جعفر قال: قال لي رسول الله ﷺ: هنيئًا لك، أبوك يطير مع الملائكة في السماء أخرجه الطبراني بإسنادٍ حسنٍ.
وعن أبي هريرة: أن رسول الله ﷺ قال: رأيت جعفر بن أبي طالب يطير مع الملائكة أخرجه الترمذي والحاكم، وفي إسناده ضعفٌ، لكن له شاهدٌ من حديث عليٍّ عند ابن سعد.
وعن أبي هريرة، عن النبي ﷺ قال: مرَّ بي جعفر الليلة في ملأ من الملائكة وهو مُخضب الجناحين بالدم أخرجه الترمذي والحاكم بإسنادٍ على شرط مسلم، وأخرج أيضًا هو والطبراني عن ابن عباسٍ مرفوعًا: دخلت البارحة الجنة فرأيت فيها جعفرًا يطير مع الملائكة.
وفي طريقٍ أخرى عنه: أن جعفرًا يطير مع جبريل وميكائيل، له جناحان، عوَّضه الله من يديه. وإسناد هذه جيدٌ، وطريق أبي هريرة في الثانية قويٌّ، إسناده على شرط مسلم.
وقد ادعى السهيلي: أن الذي يتبادر من ذكر الجناحين والطيران أنهما كجناحي الطائر، لهما ريشٌ، وليس كذلك، وسيأتي بقية القول في ذلك في غزوة مؤتة، إن شاء الله تعالى.
الشيخ: المقصود من هذا أن الله جلَّ وعلا أكرم الشهداء: زيد بن حارثة، وعبدالله بن رواحة، وجعفر بن أبي طالب، هم شهداء في غزوة مؤتة، وهم الأمراء.
وكانت غزوة مؤتة فيها من الآيات العظيمة من آيات الله: جيشٌ قليلٌ -ثلاثة آلاف مقاتل- قابلهم من جيش الروم الجم الغفير، قيل: ستون ألفًا. وقيل: مئةٌ وعشرون ألفًا. ومع هذا نصر الله الجيش، وسلموا، وغنموا، ولم يُقتل منهم إلا اثنا عشر، وفي روايةٍ: ثمانية، منهم الأمراء الثلاثة، وتسعةٌ غيرهم، هذا أكثر ما رُوي في هذه الغزوة مع هذا الجيش العظيم والعدو الكثير، ولكن نصرهم الله جلَّ وعلا.
وثبت أنه ﷺ قال: إن روح المؤمن طائرٌ يعلق في شجر الجنة، جميع المؤمنين أرواحهم يجعلها الله في شبه طيورٍ تعلق في شجر الجنة، تأكل من ثمارها حتى يُرجعها الله إلى أجسامها، إلا أرواح الشهداء؛ فإنها تكون في أجواف طيرٍ خضرٍ، فعوَّضهم الله عن أبدانهم بطيورٍ خضرٍ تحمل تلك الأرواح وتسرح في الجنة حيث شاءت، ثم ترجع إلى قناديل مُعلقة تحت العرش، حتى يردها الله إلى أجسادها يوم البعث.
س: الأرواح تطير؟
ج: نعم.
س: عبدالله بن رواحة وزيد وجعفر؟
ج: نعم، كلهم قُتلوا ، هم الأمراء.
س: وأخذ الراية مَن؟
ج: خالدٌ، أخذها خالدٌ، وفتح الله على يديه.
تنبيهٌ: وقع في رواية النسفي وحده في هذا الموضع: قال أبو عبدالله –يعني: المصنف-: يقال لكل ذي ناحيتين: جناحان، ولعله أراد بهذا حمل الجناحين في قول ابن عمر: "يا ابن ذي الجناحين" على المعنوي دون الحسي، والله أعلم.
باب ذكر العباس بن عبدالمطلب
3710- حدثنا الحسن بن محمد: حدثنا محمد بن عبدالله الأنصاري.
الشيخ: بركة، بركة، سَمِّ.
س: تفضيل عليٍّ على أبي بكر؟
ج: قولٌ باطلٌ، هذا من كلام الشيعة، قولٌ باطلٌ، خلاف إجماع أهل السنة والجماعة، الخلاف فيما بين عليٍّ وعثمان، هذا الخلاف بين أهل السنة، وجمهور أهل السنة على تقديم عثمان ثم علي، أما تقديم عليٍّ على الصديق فهذا من قول الشيعة، وهو قولٌ باطلٌ.
س: يُعتبر كبيرةً؟
ج: على كل حالٍ غلطٌ، وخطأٌ، ومعصيةٌ.