باب ما ذُكر عن بني إسرائيل
3453- حدثني بشر بن محمد: أخبرنا عبدالله: أخبرني معمر ويونس، عن الزهري قال: أخبرني عبيدالله بن عبدالله: أن عائشة وابن عباسٍ قالا: لما نزل برسول الله ﷺ طفق يطرح خميصةً على وجهه، فإذا اغتمَّ كشفها عن وجهه، فقال وهو كذلك: لعنة الله على اليهود والنصارى؛ اتَّخذوا قبور أنبيائهم مساجد يُحذِّر ما صنعوا.
الشيخ: وما ذاك إلا لأنه عرف قُرب الأجل والموت، فخاف أن تفعل أمته فعل بني إسرائيل من اتِّخاذ قبره مسجدًا عليه الصلاة والسلام، وحذَّر من ذلك: لعن الله اليهود والنصارى؛ اتَّخذوا قبور أنبيائهم مساجد يعني: يُصلون إليها، ويدعونها، ويستغيثون بها، وينذرون لها، إلى غير ذلك؛ فلهذا رأى الصحابة أن يدفنوه في بيته؛ خشية أن يتخذ مسجدًا إذا دُفن في البقيع، وجعلوه في حجرةٍ صيانةً له عن هذا العمل، فلما تولى الوليد بن عبدالملك على رأس المئة الأولى قام بتوسيع المسجد بالحجر التي حوله، فأدخل الحجرة في المسجد مع الحجر الأخرى للتوسعة.
وأهل العلم ما رأوا ذلك، لكنه اجتهد في التوسعة، وجعل الحجرة من داخلٍ مصونةً، محفوظةً، وظن بعض الناس أن هذا يدل على جواز اتِّخاذ المساجد على القبور، وكثر في الناس بناء المساجد على القبور في أمصارٍ كثيرةٍ، وكل هذا من الجهل والمخالفة لما حذَّر منه ﷺ، والوقوع فيما نهى عنه؛ لأن اتِّخاذ المساجد على القبور وسيلةٌ إلى أن تُعبد من دون الله، وأن يُستغاث بها، ويُنذر لها، كما قد وقع الآن في الشام ومصر والعراق، وفي كل مكانٍ بنوا على قبور الصالحين، واتَّخذوا عليها مساجد؛ فعُبدت، نسأل الله السلامة.
س: "يُحذِّر ما صنعوا" من لفظ الحديث؟
ج: من كلام عائشة، مُدرج، نعم.
س: بعض الناس يُورد شبهةً، يقول: الصديق وعمر كذلك مدفونان مع النبي ﷺ؟
ج: في حجرة النبي ﷺ صاحباه؛ لأنه كان يقول: كنت أنا وأبو بكر وعمر، وذهبت أنا وأبو بكر وعمر؛ لئلا تُتخذ قبورهم مساجد أيضًا؛ لأنهم هم أفضل الصحابة.
س: ما ورد أن في الحجرة قبرًا رابعًا لعيسى عليه السلام؟
ج: يُقال أن فيها سعةً، يقول بعض أهل العلم: فيها سعةٌ ليُقبر فيها عيسى .....، والله أعلم.
الشيخ: وهذا هو الواجب: أن يُعطوا حقوقهم، وأن الله جلَّ وعلا سائلهم عما استرعاهم، ومن حقوقهم: النصيحة، والتوجيه، والأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر بالحكمة، وهذا واجب العلماء، هم خلفاء الرسل، ذهب الرسل، وبقي العلماء، هم خلفاء الرسل، عليهم أن يسوسوا الناس بالتوجيه، والتعليم، والإرشاد، والنصيحة، وأن يسوسوا ولاة الأمور بالنصيحة والتوجيه؛ حتى يستقيموا على الطريق السَّوي؛ لأن العلماء هم خلفاء الرسل في كل زمانٍ، فإن انحرفوا هلك الناس؛ ولهذا قال ﷺ: وإنما أخاف على أمتي الأئمة المضلين.
فالواجب على أهل العلم أن يسوسوا الناس بالشرع، يسوسوهم بقال الله، وقال رسوله، وأن يُعلموهم، ويُرشدوهم، وأن يُساعدوا ولاة الأمور بالحق، وفي الحق بالتوجيه، والإرشاد، والنصيحة، والتعليم؛ حتى تسير الأمور على أهدى الطرق وخيرها.
س: حديث: لا طاعةَ لمخلوقٍ في معصية الخالق؟
ج: صحيحٌ، يُعلِّمونهم، ويرشدونهم، ويُوجهونهم، ولا يُطيعونهم في المعاصي، يُطيعونهم في طاعة الله، ويعصونهم في معصية الله، هذا هو الواجب على العلماء وعلى الرعية جميعًا.
الشيخ: أبو غسان، أبو غسان.
حدثنا أبو غسان، قال: حدثني زيد بن أسلم، عن عطاء بن يسار، عن أبي سعيدٍ : أن النبي ﷺ قال: لتتبعنَّ سنن مَن قبلكم، شبرًا بشبرٍ، وذراعًا بذراعٍ، حتى لو سلكوا جُحر ضَبٍّ لسلكتموه، قلنا: يا رسول الله، اليهود والنصارى؟ قال: فمَن؟.
3457- حدثنا عمران بن ميسرة: حدثنا عبدالوارث: حدثنا خالد، عن أبي قلابة، عن أنسٍ قال: ذكروا النار والناقوس، فذكروا اليهود والنصارى، فأُمِرَ بلالٌ أن يشفع الأذان، وأن يُوتر الإقامة.
3458- حدثنا محمد بن يوسف: حدثنا سفيان، عن الأعمش، عن أبي الضحى، عن مسروقٍ، عن عائشة رضي الله عنها: كانت تكره أن يجعل يده في خاصرته، وتقول: إن اليهود تفعله. تابعه شعبة، عن الأعمش.
الشيخ: يعني: في الصلاة؛ لئلا يتشبه باليهود، هكذا، وهكذا، السنة أن يضع اليمنى على اليسرى على صدره حال وقوفه في الصلاة، لا على الخاصرة، نعم.
س: في غير وقت الصلاة؟
ج: لا، المقصود الصلاة.
س: من المكروهات، أو من المحرمات؟
ج: الأصل في النهي التحريم.
س: موقوفٌ عليها؟
ج: لا، الصواب: نهى الرسول ﷺ أن يُصلي الرجل مُختصرًا. مرفوعًا، مُصرَّحًا به. أعد: عن عائشة.
الشيخ: انظر الشارح، جاء مُصرَّحًا به: نهى رسول الله ﷺ أن يُصلي الرجل مُختصرًا.
القارئ: الحديث السادس حديث عائشة: كانت تكره أن يجعل المصلي يده في خاصرته، وتقول: إن اليهود تفعله. في رواية أبي نعيم من طريق أحمد بن الفرات، عن محمد بن يوسف -شيخ البخاري فيه- بلفظ: إنها كرهت الاختصار في الصلاة، وقالت: إنما يفعل ذلك اليهود.
ووقع عند الإسماعيلي من طريق يزيد بن هارون، عن سفيان -وهو الثوري- بهذا الإسناد، يعني: وضع اليد على الخاصرة في الصلاة، وقد تقدم البحث في هذه المسألة في أواخر الصلاة في الكلام على حديث أبي هريرة: نهى عن الخصر في الصلاة.
الشيخ: نعم، في "البلوغ" في كتاب "الصلاة": نهى رسول الله ﷺ أن يُصلي الرجل مختصرًا .....
الشيخ: هذا من فضل الله جلَّ وعلا، من فضله وجوده وكرمه ضاعف الأجر لهذه الأمة: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَآمِنُوا بِرَسُولِهِ يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِنْ رَحْمَتِهِ وَيَجْعَلْ لَكُمْ نُورًا تَمْشُونَ بِهِ [الحديد:28]، الله أكبر، نعم.
الشيخ: هذا فضله : ضاعف لهذه الأمة الأجر، فهي خير أمةٍ أُخرجت للناس، فأعطاها الله أجرها مرتين، كما في قوله في سورة الحديد: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَآمِنُوا بِرَسُولِهِ يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِنْ رَحْمَتِهِ وَيَجْعَلْ لَكُمْ نُورًا تَمْشُونَ بِهِ، فضله سبحانه وجوده وكرمه.
لو أن الإنسان استعمل عمالًا، لو أن إنسانًا من بني آدم استعمل عمالًا من الفجر إلى الظهر على قيراطٍ، ومن الظهر إلى العصر على قيراطٍ، واستعمل آخرين ما بين العصر إلى غروب الشمس على قيراطين، أيش المانع؟ كلٌّ باختياره، نعم.
3460- حدثنا علي بن عبدالله: حدثنا سفيان، عن عمرو، عن طاووس، عن ابن عباسٍ قال: سمعت عمر يقول: قاتل الله فلانًا! ألم يعلم أن النبي ﷺ قال: لعن الله اليهود؛ حُرِّمت عليهم الشحوم فجملوها، فباعوها؟!
تابعه جابر وأبو هريرة، عن النبي ﷺ.
3461- حدثنا أبو عاصم الضحاك بن مخلد: أخبرنا الأوزاعي: حدثنا حسان بن عطية، عن أبي كبشة، عن عبدالله بن عمرو: أن النبي ﷺ قال: بلِّغوا عني ولو آية، وحدِّثوا عن بني إسرائيل ولا حرج، ومَن كذب عليَّ متعمدًا فليتبوأ مقعده من النار.
الشيخ: وفيه التحذير من الكذب عليه، والأمر بالتبليغ عنه عليه الصلاة والسلام؛ لأن الواجب على أهل العلم أن يُبلغوا عن الله ورسوله، يُبلغوا العلم وينشروه في العالم من طريق الخطب والمحاضرات، ومن طريق الكتب، وبكل طريقٍ من طرق التعليم الخاص؛ حتى يتصل العلم بالناس ويكثر، وتقوم الحجة؛ ولهذا قال جلَّ وعلا: وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ [فصلت:33]، وقال سبحانه: ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ [النحل:125]، وقال جلَّ وعلا: وَادْعُ إِلَى رَبِّكَ [الحج:67]، وقال سبحانه: قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي [يوسف:108].
فالواجب على أهل العلم أن يُبلغوا على حسب القدرة: بلِّغوا عني ولو آية.
فيه إجازته التحديث عن بني إسرائيل ولا حرج؛ لأن عندهم الأعاجيب والغرائب، فالحديث عنهم فيه مواعظ وذكرى، والحديث عنهم كما قال أهل العلم: كابن كثيرٍ، وابن جرير، وشيخ الإسلام، وغيرهم؛ الحديث عنهم على ثلاثة أقسامٍ:
قسمٌ يعرف به الشرع أنه غير صحيحٍ، فيبين أنه باطلٌ.
وقسمٌ يعرف أنه حقٌّ، فيبين أنه حقٌّ.
وقسمٌ لا يعرف أنه حقٌّ أو باطلٌ، فيُحدث به؛ لإطلاقه، وهذا هو الداخل في قوله: حدِّثوا عن بني إسرائيل ولا حرج فيما لا يُعلم بطلانه، وله وجوهٌ، أما ما عُلم وجوبه وجب الأخذ به، وجب الحديث به.
وكذلك فيه التحذير من الكذب على النبي ﷺ، وأن الواجب التوقي والحذر، وعدم التساهل في نسبة الأحاديث إلى النبي ﷺ، يقول: مَن قال عليَّ ما لم أقل فليتبوأ مقعده من النار، وفي روايةٍ: يرى أنه كذبٌ فهو أحد الكاذبين، فالواجب التوقي والحذر، وإذا كان ولا بد فليقل: يُذكر، ويُروى، حتى يجزم، حتى يعلم أنه يقينًا صدر عن النبي ﷺ، نعم.
س: مَن أراد أن يعظ الناس فيقول هذه ..... الإسرائيليات، ويُعرض عن الأحاديث الصحيحة .....؟
ج: لا، يعتني بالآيات القرآنية والأحاديث الصحيحة، لكن إذا رأى شيئًا ..... من أخبار بني إسرائيل فيه العظة والذكرى فلا بأس، لكن يكون العمدة على قال الله وقال رسوله ﷺ، يُذكِّر بالقرآن: فَذَكِّرْ بِالْقُرْآنِ مَنْ يَخَافُ وَعِيدِ [ق:45]، يُذكِّر بكتاب الله، وبسنة رسوله ﷺ، نعم.
ولا بد أن يكون عنده علمٌ، لا يتكلم ولا يُحدِّث الناس إلا مَن عنده علمٌ بكتاب الله وسنة رسوله ﷺ؛ حتى يكون على بصيرةٍ، نعم.
س: في حديث ..... في حجة الوداع: إن دماءكم وأموالكم وأعراضكم عليكم حرامٌ كيومكم هذا، كشهركم هذا .....، ألا بلَّغتُ؟ اللهم فاشهد هذا حديثٌ صحيحٌ؟
ج: نعم، كل المسلم على المسلم حرامٌ: دمه، وماله، وعِرضه، قاله في حجة الوداع، وفي غير حجة الوداع.
الشيخ: السنة صبغ اللحية وصبغ الرأس، نعم، صبغ الشَّيب، لكن بغير السَّواد.
الشيخ: نسأل الله العافية.
مداخلة: أحسن الله إليك، باب "الخصر في الصلاة"، ذكر المؤلف حديث: نهى عن الخصر في الصلاة، نهى أن يُصلي الرجل مُختصرًا.
الشيخ: نعم.
الطالب: تكلم عليه الحافظ.
الشيخ: الذي أشار له في السابق.
الطالب: نعم.
الشيخ: اقرأه.
الطالب: حدثنا أبو النعمان: حدثنا حماد، عن أيوب، عن محمدٍ، عن أبي هريرة قال: نُهي عن الخصر في الصلاة.
وقال هشام وأبو هلال: عن ابن سيرين، عن أبي هريرة، عن النبي ﷺ.
حدثنا عمرو بن علي: حدثنا يحيى: حدثنا هشام: حدثنا محمد، عن أبي هريرة قال: نهى النبي ﷺ أن يُصلي الرجل مُختصرًا.
الشيخ: أيش قال عليه؟
الطالب: قوله: "باب الخصر في الصلاة" بفتح المعجمة، وسكون المهملة، أي: حكم الخصر، والمراد وضع اليدين عليه في الصلاة.
قوله: "حدثنا حماد" هو ابن زيد، ومحمد هو ابن سيرين.
قوله "نُهي" بضم النون على البناء للمجهول، وفاعل ذلك النبي ﷺ كما في رواية هشام.
قوله: "وقال هشام" يعني: ابن حسان، "وأبو هلال" يعني: الراسبي، عن ابن سيرين ... إلخ.
الشيخ: بعده: نُهي أن يُصلي الرجل مُختصرًا. المتن.
الطالب: لكن وقع في رواية أبي ذرٍّ عن الحموي والمستملي: "نهى" على البناء للفاعل، ولم يُسمِّه، وسمَّاه الكشميهني في روايته، وقد رواه مسلم والترمذي من طريق أبي أسامة، عن هشامٍ بلفظ: نهى النبي ﷺ أن يُصلي الرجل مُختصرًا.
وكذا رواه أبو داود من طريق محمد بن سلمة، عن هشامٍ كذلك، وبلفظ: "عن الخصر في الصلاة".
وأما رواية أبي هلال فوصلها الدارقطني في "الأفراد" من طريق عمرو بن مرزوق عنه بلفظ: "عن الاختصار في الصلاة".
قوله: "نُهي" بالضم على البناء للمفعول، وفي رواية الكشميهني: نهى النبي ﷺ.
الشيخ: الفائدة من هذا: أن الحديث ثابتٌ عن النبي ﷺ مرفوعًا، وكون عائشة كرهت ذلك مقصودها العمل بهذا الحديث .....، وعائشة ..... بهذا لأجل الحديث الذي سمعته من النبي ﷺ.
الطالب: قوله: "مُتخصرًا" في رواية الكشميهني: "مخصّرًا" بتشديد الصاد، وللنسائي: "مختصرًا" بزيادة المثناة، وللإسماعيلي من طريق سليمان بن حرب: حدثنا حماد بن زيد، قال: قيل لأيوب: إن هشامًا روى عن محمدٍ، عن أبي هريرة قال: نُهي عن الاختصار في الصلاة. فقال: إنما قال: التخصر.
وكأن سبب إنكار أيوب لفظ "الاختصار" لكونه يُفهم معنًى آخر غير التَّخصر كما سيأتي، وقد فسره ابن أبي شيبة، عن أبي أسامة بالسند المذكور.
الشيخ: يكفي.