بسم الله الرحمن الرحيم
كتاب بدء الخلق
باب ما جاء في قول الله تعالى: وَهُوَ الَّذِي يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ [الروم:27]
قال الربيع بن خثيم والحسن: كلٌّ عليه هيِّنٌ.
هَيْنٌ وهَيِّنٌ مثل: لَيْنٍ ولَيِّنٍ، ومَيْتٍ ومَيِّتٍ، وضَيْقٍ وضَيِّقٍ.
أَفَعَيِينَا [ق:15] أَفَأَعْيَا علينا حين أنشأكم وأنشأ خلقكم؟!
لُغُوبٍ [ق:38] النصب.
أَطْوَارًا [نوح:14] طورًا كذا، وطورًا كذا، عدا طوره، أي: قدره.
3190- حدثنا محمد بن كثير: أخبرنا سفيان، عن جامع بن شداد، عن صفوان بن محرز، عن عمران بن حصين رضي الله عنهما قال: جاء نفرٌ من بني تميم إلى النبي ﷺ، فقال: يا بني تميم، أبشروا، قالوا: بشرتنا فأعطنا. فتغير وجهه، فجاءه أهل اليمن، فقال: يا أهل اليمن، اقبلوا البُشرى إذ لم يقبلها بنو تميم، قالوا: قبلنا. فأخذ النبي ﷺ يُحدث بدء الخلق والعرش، فجاء رجلٌ فقال: يا عمران، راحلتك تفلتت. ليتني لم أقم.
3191- حدثنا عمر بن حفص بن غياث: حدثنا أبي: حدثنا الأعمش: حدثنا جامع بن شداد، عن صفوان بن محرز: أنه حدَّثه عن عمران بن حصين رضي الله عنهما، قال: دخلتُ على النبي ﷺ، وعقلت ناقتي بالباب، فأتاه ناسٌ من بني تميم، فقال: اقبلوا البشرى يا بني تميم، قالوا: قد بشرتنا فأعطنا. مرتين، ثم دخل عليه ناسٌ من أهل اليمن، فقال: اقبلوا البشرى يا أهل اليمن إذ لم يقبلها بنو تميم، قالوا: قد قبلنا يا رسول الله. قالوا: جئناك نسألك عن هذا الأمر. قال: كان الله ولم يكن شيءٌ غيره، وكان عرشه على الماء، وكتب في الذكر كل شيءٍ، وخلق السماوات والأرض، فنادى منادٍ: ذهبت ناقتك يا ابن الحصين. فانطلقت، فإذا هي يقطع دونها السراب، فوالله لوددتُ أني كنت تركتها.
3192- وروى عيسى، عن رقبة، عن قيس بن مسلم، عن طارق بن شهاب قال: سمعت عمر يقول: قام فينا النبي ﷺ مقامًا، فأخبرنا عن بدء الخلق حتى دخل أهل الجنة منازلهم، وأهل النار منازلهم، حفظ ذلك من حفظه، ونسيه من نسيه.
الشيخ: وهذا يبين أنه ﷺ كان يتعاهدهم بالمواعظ والتذكير والبيان، وربما أطال، وربما اختصر، على حسب الأحوال، وبيَّن لما جاءه وفد بني تميم وبشَّرهم، ثم جاء وفد اليمن وبشَّرهم، ثم بيَّن ﷺ مبدأ خلق السماوات والأرض، وأن الله جلَّ وعلا هو الخالق لكل شيءٍ، وأنه خلق السماوات، وخلق الأرض، وعرشه على الماء جلَّ وعلا، وأنه كتب في الذكر كل شيءٍ.
وكذا أثر عمر، وهو حديثٌ جزم به المؤلف مُعلَّقًا: أنه ﷺ خطبهم ذات يومٍ، وذكر بدء الخلق حتى دخل أهل الجنة منازلهم، وأهل النار منازلهم، وذكر لهم كل ما وقع من بدء الخلق: خلق السماوات، وخلق الأرض، والكرسي، والعرش، وما جرى بعد ذلك من إرسال الأنبياء والرسل، وما جرى على الأمم من العقوبات والنقمات، وما يجري يوم القيامة من الأهوال حتى يدخل أهل الجنة منازلهم، وأهل النار منازلهم.
والقرآن فيه هذا القصص كله، القرآن الكريم فيه هذا القصص، قد قصَّ الله في القرآن كل هذه الأشياء، وبيَّنها للأمة، فالقرآن كله من أوله إلى آخره يقص علينا أسماء ربنا، وصفاته، وأفعاله، وأعماله، وخلقه، وإيجاده، وما جرى على الأمم والرسل من الحوادث والعجائب والعقوبات لأعداء الله، والنصر لأولياء الله، وما يكون يوم القيامة من الأهوال، وما يكون من توزيع الكتب، وأخذ الكتب باليمين والشمال، وما يقع من نصب الموازين، وثقل موازين قومٍ، وخفَّة آخرين، وما يقع بعد ذلك من انقسام الناس إلى فريقٍ في الجنة، وفريقٍ في السعير، وأن هؤلاء يدخلون دارهم النار، ويُساقون إليها سوقًا عنيفًا، وهؤلاء يفدون إلى الجنة وفدًا مُكرَّمًا عظيمًا، كل هذا في كتاب الله .
فجديرٌ بأهل الإيمان وجديرٌ بأهل الإسلام أن يتدبروا القرآن، وأن يعنوا به غاية العناية، ففيه نبأ ما قبلهم، وخبر ما بعدهم، فيه الماضي والحاضر، فيه كل شيءٍ، وفيه المستقبل والنهاية: وَهُوَ الَّذِي يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ [الروم:27]، كله عليه هيِّنٌ، لكن الإعادة أسهل من البدء، الذي قدر على البدء، وأوجد المخلوق من العدم، من باب أولى أن يُعيده سبحانه كما بدأه، ويُجازيه بأعماله: بخيرها، وشرها.
فإذا تذكر العبد هذه الأمور، وصارت على باله، وكان هذا من أسباب انشراح صدره للحق، وقيامه به، ونشاطه فيه، ومواظبته عليه، ومحافظته عليه عن ذكرى، وعن خشوعٍ، وعن رهبةٍ ورغبةٍ، بخلاف الغافل المعرِض؛ فإنه تثقل عليه الأعمال، ويخفّ عليه الباطل، لكن مع التذكر والعناية بالماضي والمستقبل يقوى العبد على محاربة الشيطان والهوى والكسل، ويقوى على أداء ما أوجب الله عليه، وما شرع الله له، ويقوى على ترك الباطل والحذر منه؛ لما وقع في قلبه من الإيمان والرغبة والرهبة والبصيرة، قال جلَّ وعلا: إِنَّ الَّذِينَ هُمْ مِنْ خَشْيَةِ رَبِّهِمْ مُشْفِقُونَ وَالَّذِينَ هُمْ بِآيَاتِ رَبِّهِمْ يُؤْمِنُونَ وَالَّذِينَ هُمْ بِرَبِّهِمْ لَا يُشْرِكُونَ وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوْا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلَى رَبِّهِمْ رَاجِعُونَ أُولَئِكَ يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَهُمْ لَهَا سَابِقُونَ [المؤمنون:57- 61].
بسبب هذا الإيمان، وهذه المشاهدة، وخوفهم ووجلهم من الله، وإيمانهم بأنهم إليه راجعون، بهذا الاستحضار وهذه المشاهدة وهذا الخوف وهذه الشفقة سارعوا إلى الخيرات، سارعوا وسبقوا.
فالإنسان متى استحضر عظمة الله، ونِعمَه العظيمة، وخلقه لهذا العالم، وخلقه الجنة والنار، وإرساله الرسل، وإنزاله الكتب، وما شرع من الأعمال، وما أعدَّ للمُطيعين من الثواب والخير العظيم، وما أعدَّ لأعدائه العاصين من العقاب الأليم، متى استحضر هذه الأمور وكانت على باله كان ذلك أنشط له في العمل، وأشجع له في العمل على بصيرةٍ، وعلى رغبةٍ ورهبةٍ، وكان في ذلك ممن يُسارع في الخيرات، وممن يُسابق إليها، بخلاف الغافل المعرِض؛ فإنه بضد ذلك؛ ولهذا وصف الله الكفرة بالإعراض فقال: وَالَّذِينَ كَفَرُوا عَمَّا أُنْذِرُوا مُعْرِضُونَ [الأحقاف:3]، وقال سبحانه: وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ ذُكِّرَ بِآيَاتِ رَبِّهِ فَأَعْرَضَ عَنْهَا وَنَسِيَ مَا قَدَّمَتْ يَدَاهُ [الكهف:57]، وقال : أَمْ تَحْسَبُ أَنَّ أَكْثَرَهُمْ يَسْمَعُونَ أَوْ يَعْقِلُونَ إِنْ هُمْ إِلَّا كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلًا [الفرقان:44]، وقال جلَّ وعلا: وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيرًا مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لَا يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لَا يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لَا يَسْمَعُونَ بِهَا أُولَئِكَ كَالْأَنْعَامِ [الأعراف:179]، ما استفادوا من هذه الحواس، ما استفادوا: أُولَئِكَ كَالْأَنْعَامِ الإبل والبقر والغنم، بَلْ هُمْ أَضَلُّ [الأعراف:179]، أردى من الأنعام، أضلّ من الأنعام، فالأنعام تنتفع وترعى وتذهب إلى مراعيها وترجع، وتُجيب الراعي، ولها إحساسٌ، ولها فهمٌ يليق بها، لكن هؤلاء أضلّ منهم، ذُكِّروا، ووُعِظوا، وبُيِّن لهم، ومع هذا أعرضوا؛ ولهذا قال جلَّ وعلا: بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُولَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ [الأعراف:179]، هؤلاء هم الغافلون الذين أُعطوا السمع والبصر والعقول، ثم لم يستعملوها، وتابعوا الهوى والشهوات، وأعرضوا عن طاعة الذي خلقهم وأوجدهم، ويسر لهم النِّعَم، هؤلاء هم الغافلون، هم الهالكون، هم المعرِضون، نعم.
س: أحسن الله عملك يا شيخ، اقبلوا البُشرى، ما هي البُشرى؟
ج: يعني: الجنة والكرامة والسعادة التي وعد الله بها المسلمين المؤمنين، مَن دخل في الإسلام، لكن استعجلوا يُريدون الدنيا: بشَّرتنا فأعطنا. استعجلوا.
الشيخ: هذا فيه دلالةٌ على أنه وصف الله بما لا يليق به: شتم، يُسمَّى: شتمًا قوله: إنه اتَّخذ ولدًا، أو أنه لا صفات له، ولا أسماء، وأنه لن يُعيد الناس، هذا كالتكذيب، فإذا لم يصفه بصفاته العظيمة فهو شتمٌ له، وإذا أنكر ما أخبر به فهو تكذيبٌ.
فالواجب على أهل الإسلام أن يُصدقوا الله بما أخبر عن نفسه من صفاته وأسمائه: من استوائه على العرش، وكونه يسمع ويُبصر ويعلم كل شيءٍ، وهو القادر على كل شيءٍ، وهو الحكيم العليم، إلى غير هذا من أسمائه وصفاته، وتصديقه فيما أخبر عن الرسل والأنبياء، والجنة والنار، والبعث بعد الموت، فمَن أنكر شيئًا من صفات الله فقد سبَّ ربه، ومَن كذَّب بشيءٍ مما أخبر الله به فقد كذَّب ربه، ولا يليق به ذلك، بل اللائق بالعبد والواجب عليه أن يُصدق الله، وأن يصفه بما هو أهله من صفات الحق من أسمائه الحسنى وصفاته العلا، وأن يُخبر بما أخبر به من الجنة والنار، والميزان والجزاء والحساب، وألَّا يُكذب بشيءٍ من ذلك. نعم.
الشيخ: فجوده وكرمه ورحمته وإحسانه أوسع؛ ولهذا قال: رحمتي غلبت غضبي، وفي اللفظ الآخر: سبقت غضبي، وهو سبحانه أجود الأجودين، وأرحم الراحمين.
فالواجب على المكلف أن يتخذ أسباب هذه الرحمة، وأن يجتهد فيها بالطاعة والاستقامة والرحمة لعباد الله، والإحسان إليهم، وتوجيههم إلى الخير، وإعانة المظلوم ونصره، وردع الظالم، إلى غير هذا مما فيه ..... من الأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، ودعوة الجاهل وتعليمه، وإرشاد الناس إلى الخير، فرحمته سبقت غضبه، ومَن سارع إلى أسباب الرحمة شملته الرحمة، وعمَّته الرحمة، وفاز بها، قال جلَّ وعلا: إِنَّ رَحْمَتَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ [الأعراف:56]، وقال: وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَالَّذِينَ هُمْ بِآيَاتِنَا يُؤْمِنُونَ [الأعراف:156]، نعم.
س: قوله: كتب في كتابه .....؟
ج: عندكم الضمير: كتابه، أو: كتاب؟
القارئ: بالهاء.
الشيخ: وماذا قال الشارح عليه؟
القارئ: قال: قوله: كتب في كتابه أي: أمر القلم أن يكتب في اللوح المحفوظ، وقد تقدم في حديث عبادة بن الصامت قريبًا: فقال للقلم: اكتب، فجرى بما هو كائنٌ.
ويحتمل أن يكون المراد بالكتاب اللفظ الذي قضاه، وهو كقوله تعالى: كَتَبَ اللَّهُ لَأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي [المجادلة:21].
الشيخ: المقصود أنه كتابٌ عنده فوق العرش ذكر فيه: أن رحمتي سبقت غضبي. نعم.
س: والكتابة أمره للقلم؟
ج: نعم، قال: اكتب، فكتب.
س: الألواح التي لموسى كتبها الله بيده؟
ج: نعم، وأيش المانع؟ لا مانع أن يكتب بيده، ولا مانع أن يأمر القلم، فهو على كل شيءٍ قديرٌ .
س: لكن ما هو ظاهره: كتب في كتابه أنه كتب بنفسه ؟
ج: أمر القلم أن يكتب كل شيءٍ إلى يوم القيامة، فأمره للقلم أن يكتب كل شيءٍ لا يمنع أن يكتب هو ، ومَن يمنعه؟
س: لكن ما يكون هذا صرف اللفظ عن ظاهره: كتب في كتابه أي: أمر القلم، أو لأجل الحديث الآخر؟
ج: لا مانع من هذا وهذا: وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ وَالْعَيْنَ بِالْعَيْنِ [المائدة:45] في التوراة، كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ [الأنعام:54]، إلى آخره، وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ [الأعراف:156]، لا مانع أن يكتب بيده، ويكتب بأمره سبحانه للقلم.
باب ما جاء في سبع أرضين
وقول الله تعالى: اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ وَمِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَّ يَتَنَزَّلُ الْأَمْرُ بَيْنَهُنَّ لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وَأَنَّ اللَّهَ قَدْ أَحَاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْمًا [الطلاق:12].
وَالسَّقْفِ الْمَرْفُوعِ [الطور:5] السماء.
سَمْكَهَا [النازعات:28] بناءها.
الْحُبُكِ [الذاريات:7] استواؤها وحسنها.
وَأَذِنَتْ [الانشقاق:2] سمعت وأطاعت.
وَأَلْقَتْ [الانشقاق:4] أخرجت، مَا فِيهَا [الانشقاق:4] من الموتى، وَتَخَلَّتْ [الانشقاق:4] عنهم.
طَحَاهَا [الشمس:6] دحاها.
بِالسَّاهِرَةِ [النازعات:14] وجه الأرض، كان فيها الحيوان: نومهم وسهرهم.
3195- حدثنا علي بن عبدالله: أخبرنا ابن عُلية، عن علي بن المبارك: حدثنا يحيى بن أبي كثير، عن محمد بن إبراهيم بن الحارث، عن أبي سلمة بن عبدالرحمن، وكانت بينه وبين أناسٍ خصومةٌ في أرضٍ، فدخل على عائشة فذكر لها ذلك، فقالت: يا أبا سلمة، اجتنب الأرض، فإن رسول الله ﷺ قال: مَن ظلم قيد شبرٍ طوقه من سبع أرضين.
3196- حدثنا بشر بن محمد: أخبرنا عبدالله، عن موسى بن عقبة، عن سالم، عن أبيه قال: قال النبي ﷺ: مَن أخذ شيئًا من الأرض بغير حقه خُسف به يوم القيامة إلى سبع أرضين.
الشيخ: وهذا فيه التحذير من الظلم: ظلم الأراضي، والظلم كله: اتَّقوا الظلم، فإن الظلم ظُلماتٌ يوم القيامة، وَمَنْ يَظْلِمْ مِنْكُمْ نُذِقْهُ عَذَابًا كَبِيرًا [الفرقان:19]، وَالظَّالِمُونَ مَا لَهُمْ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا نَصِيرٍ [الشورى:8]، وأما ظلم الأرض فيُطوقه صاحبه من سبع أراضين، يعني: الطبقة الأولى ثم ما تحتها؛ عقوبةً له، نسأل الله العافية.
س: إذا أخذ أرضًا ما لها أحدٌ؟
ج: يعني: ميتة؟
س: سبع سنواتٍ ما له منازعٌ فيها.
ج: ميتة؟
س: يزرعها .....؟
ج: إذا أحياها فهو أحق بها، مَن أحيا أرضًا فهي له، مَن أعمر أرضًا ليست لأحدٍ فهو أحق بها، لكن الحكومة نظَّمت أشياء لأجل عدم اختلاف الناس وعدم تنازعهم، فلا بد أن يُراعي الأشياء التي قُررت، ويستأذن، إذا خطط أرضًا يستأذن فيها؛ حتى لا يكون سبقه إليها أحدٌ، أو أُعطيت أحدًا.
س: معنى: طُوقه من سبع أرضين؟
ج: يجعل طوقًا له، يحملها.
س: الأرضين السبع مثل السماء، كل أرضٍ فيها سكان؟
ج: الله أعلم.
س: الرواية الثانية ما هو تفسيره للتطويق والخسف؟
ج: هذا هو المعنى، الخسف يعني ..... يجعل طوقًا له، يعني: خسف في الأرض، وتُجعل له طوقًا، مثلما قال جلَّ وعلا: وَلَا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ بِمَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ هُوَ خَيْرًا لَهُمْ بَلْ هُوَ شَرٌّ لَهُمْ سَيُطَوَّقُونَ مَا بَخِلُوا بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ [آل عمران:180]، مثلما يُطوق بماله الذي بخل به، نسأل الله العافية.
الشيخ: هذا خطب به النبي ﷺ في حجة الوداع يوم النحر، خطب الناس بهذا، وصادف حجه استدارة الزمان، وأنه كهيئته يوم خلق الله السماوات والأرض.
كانت العرب تعمل بالنسيء، فيجعلون محرمًا صفرًا، وصفرًا محرمًا، ويُغيرون في الشهور على أهوائهم، فصادف حجة الوداع استدارة الزمان كهيئته يوم خلقه الله: ذو الحجة ذو الحجة، ومحرم محرم، وصفر صفر، على حاله، نعم.
س: الأشهر الحرم منسوخةٌ؟
ج: الجمهور يرون أنها منسوخةٌ، وبعض أهل العلم لا يراها منسوخةً.
س: والصواب؟
ج: محل نظرٍ ..... يعني: من جهة القتال.
س: بعض الجهال يتشاءمون بصفر؛ فلا يتزوج فيه؟
ج: هذا غلطٌ، هذا غلطٌ، ما فيه تشاؤم، لا صفر، ولا غيره، وبعضهم يتشاءم بشوال، وبعضهم بيوم الأربعاء، كل هذا غلطٌ، النبي ﷺ قال: الشؤم في ثلاثةٍ، وفي اللفظ الآخر: إن كان الشؤم ففي ثلاثةٍ: البيت، والدابة، والمرأة فقط؛ لأن البيت قد لا يناسبه، والفرس قد لا تناسبه –الدابة-، والمرأة قد لا تناسبه.
س: فيه دلالةٌ على وجوب التقيد بالأشهر العربية؟
ج: هذا هو الأولى، الذي درج عليه السلف، السلف درجوا على هذه الأشهر العربية الهجرية، لكن إذا دعت الحاجة إلى الشهر الآخر يوضع معها، إذا دعت الحاجة إلى ذلك لا يهمل، لكن تُجعل الشهور العربية، ويُجعل الشهر الآخر، أما أن يُستبدل لا، ما ينبغي، هذا ظاهرٌ من الأدلة الشرعية أنه لا يجوز، عدولٌ عما درج عليه المسلمون وما رسمه الله لعباده وشرعه لهم إلى شهورٍ أعجميةٍ لم يُرتب عليها الأحكام ، إنما رتب الأحكام على الشهور العربية القمرية، نعم.
3198- حدثني عبيد بن إسماعيل: حدثنا أبو أسامة، عن هشام، عن أبيه، عن سعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل: أنه خاصمته أروى في حقٍّ زعمت أنه انتقصه لها إلى مروان، فقال سعيد: أنا أنتقص من حقِّها شيئًا؟! أشهد لسمعتُ رسول الله ﷺ يقول: مَن أخذ شبرًا من الأرض ظلمًا فإنه يُطوقه يوم القيامة من سبع أرضين.
قال ابن أبي الزناد: عن هشام، عن أبيه قال: قال لي سعيد بن زيد: دخلت على النبي ﷺ.
الشيخ: جاء في بعض الروايات أنه قال: "اللهم إن كانت كاذبةً فأعمِ بصرها، واقتلها في أرضها"، فعمي بصرها، وسقطت في حفرةٍ في أرضها فماتت، نسأل الله العافية.
مداخلة: عندنا نسخة: عن هشام، عن أبيه سعيد.
الشيخ: عن أبيه، عن سعيد. عن أبيه عروة، يعني: هشام بن عروة، عن أبيه، عن سعيد بن زيد.