باب قول الله تعالى: وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا لِلَّذِينَ آمَنُوا امْرَأَتَ فِرْعَوْنَ إلى قوله: وَكَانَتْ مِنَ الْقَانِتِينَ [التحريم:11، 12]
3411- حدثنا يحيى بن جعفر: حدثنا وكيع، عن شعبة، عن عمرو بن مرة، عن مرة الهمداني، عن أبي موسى قال: قال رسول الله ﷺ: كمل من الرجال كثيرٌ، ولم يكمل من النساء إلا آسيا امرأة فرعون، ومريم بنت عمران، وإن فضل عائشة على النساء كفضل الثريد على سائر الطعام.
الشيخ: وهذا يدل على أن الفضل في الرجال كثيرٌ، الذين استقاموا على دين الله كمل منهم كثيرٌ في طاعة الله ورسوله، والاستقامة على دين الله من أتباع الرسل عليهم الصلاة والسلام ومن هذه الأمة، ولم يكمل من النساء إلا القليل كما في الحديث: ناقصات عقلٍ ودينٍ، لو أحسنتَ إلى إحداهن الدهر ثم رأت منك شيئًا قالت: ما رأيت منك خيرًا قط.
ولم يكمل من النساء إلا آسيا امرأة فرعون آسيا بنت مزاحم، ومريم بنت عمران، وفضل عائشة على النساء كفضل الثَّريد على سائر الطعام، الثريد: لحمٌ مع الخبز يُقال له: ثريد.
وجاء أيضًا في فضل خديجة وفاطمة بنت النبي ﷺ، هؤلاء الخمس هن أفضل النساء، هؤلاء الخمس: عائشة، وخديجة، وفاطمة، وآسيا، ومريم، رحمة الله عليهن.
س: مَن أفضل هؤلاء الخمسة؟
ج: ظاهر الحديث: عائشة، ظاهر الحديث: عائشة.
باب إِنَّ قَارُونَ كَانَ مِنْ قَوْمِ مُوسَى الآية [القصص:76]
لَتَنُوءُ [القصص:76] لتثقل.
قال ابن عباسٍ: أُولِي الْقُوَّةِ [القصص:76] لا يرفعها العصبة من الرجال.
يقال: الْفَرِحِينَ [القصص:76] المرحين.
وَيْكَأَنَّ اللَّهَ [القصص:82] مثل: ألم تر أن الله يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَقْدِرُ [الرعد:26] ويُوسع عليه ويُضيق.
باب قول الله تعالى وَإِلَى مَدْيَنَ أَخَاهُمْ شُعَيْبًا [الأعراف:85]
إلى أهل مدين؛ لأن مدين بلدٌ، ومثله: وَاسْأَلِ الْقَرْيَةَ [يوسف:82]، واسأل الْعِيرَ [يوسف:82] يعني: أهل القرية، وأهل العير.
وَرَاءَكُمْ ظِهْرِيًّا [هود:92] لم يلتفتوا إليه، يقال إذا لم يقضِ حاجته: ظهرت حاجتي وجعلتني ظهريًّا.
قال: الظهري: أن تأخذ معك دابَّةً أو وعاءً تستظهر به، مكانتهم ومكانهم واحدٌ.
يَغْنَوْا [الأعراف:92]: يعيشوا.
تَأْسَ [المائدة:26] تحزن.
آسَى [الأعراف:93] أحزن.
وقال الحسن: إِنَّكَ لَأَنْتَ الْحَلِيمُ [هود:87] يستهزئون به.
وقال مجاهد: "ليكة" الأيكة.
يَوْمِ الظُّلَّةِ [الشعراء:189] إظلال الغمام العذاب عليهم.
باب قول الله تعالى: وَإِنَّ يُونُسَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ إلى قوله: وَهُوَ مُلِيمٌ [الصافات:139- 142]
قال مجاهد: مُذنب.
الْمَشْحُونِ [الصافات:140] الموقر.
فَلَوْلَا أَنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُسَبِّحِينَ الآية [الصافات:143].
فَنَبَذْنَاهُ بِالْعَرَاءِ بوجه الأرض، وَهُوَ سَقِيمٌ وَأَنْبَتْنَا عَلَيْهِ شَجَرَةً مِنْ يَقْطِينٍ [الصافات:145، 146] من غير ذات أصلٍ: الدباء ونحوه.
وَأَرْسَلْنَاهُ إِلَى مِائَةِ أَلْفٍ أَوْ يَزِيدُونَ فَآمَنُوا فَمَتَّعْنَاهُمْ إِلَى حِينٍ [الصافات:147، 148].
وَلَا تَكُنْ كَصَاحِبِ الْحُوتِ إِذْ نَادَى وَهُوَ مَكْظُومٌ [القلم:48] كظيم، وهو مغموم.
3412- حدثنا مسدد: حدثنا يحيى، عن سفيان قال: حدثني الأعمش. ح، حدثنا أبو نعيم: حدثنا سفيان، عن الأعمش، عن أبي وائل، عن عبدالله ، عن النبي ﷺ قال: لا يقولن أحدكم: إني خيرٌ من يونس، زاد مسدد: يونس بن متى.
طالب: يوجد سقطٌ في بعض النسخ .....؟
الشيخ: سهلٌ، نعم.
الشيخ: والمعنى: أنه نبيٌّ من أنبياء الله، له فضله العظيم، ولا ينبغي لعبدٍ أن يقول: أنا خيرٌ من يونس؛ لما ابتلاه به سبحانه من المصيبة العظيمة، ثم أنجاه، واجتباه، وجعله من عباده الأخيار، فلا يليق بعبدٍ أن ينتقصه، أو يقول: إنه خيرٌ منه؛ لأن الأنبياء لهم فضلهم، ولهم كرامتهم، وإن جرى عليهم ما جرى من المحن.
س: الرسول ﷺ يقول: ما ينبغي لعبدٍ أن يقول: أنا الرسول عليه السلام أو .....؟
ج: نفسه، نفسه، الشخص القائل.
س: أحسن الله إليك، هذا النهي للتحريم؟
ج: نعم، ما في شك، "لا ينبغي" صيغةٌ عظيمةٌ: وَمَا يَنْبَغِي لِلرَّحْمَنِ أَنْ يَتَّخِذَ وَلَدًا [مريم:92]، نعم.
س: قول الله: فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ [الأنبياء:87] ما معناها؟
ج: يحتمل أن المراد –يعني- أن لن نُضيق عليه ونصيبه بالمصيبة؛ لأن "قدر عليه، يقدر" ضيَّق عليه، وجعل عيشته مقدورةً، مُضيَّقةً، وهو ظاهر السياق؛ ولهذا ابتلاه بما ابتلاه به من إلقاء نفسه بالبحر، والتقام الحوت له، وغير ذلك من البلايا.
والله يبتلي الأنبياء ثم يُعافيهم، كما قال في الحديث الصحيح: أشد الناس بلاءً الأنبياء، ثم الصالحون، ثم الأمثل فالأمثل.
فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ [الفجر:16] يعني: ضيَّق عليه رزقه، وجعله مقدرًا، محدودًا، وهو الأقرب -والله أعلم-، وليس المراد نفي القدرة، فيعرف مثل يونس وغيره من الأنبياء أن الله على كل شيءٍ قديرٌ ، لكن المراد هنا التضييق بالابتلاء.
س: النهي خاصٌّ بيونس، أم لجميع الأنبياء والرسل؟
ج: كل الرسل، لكن يونس لأنه ابتُلي، وقد يحتقره بعض الناس، والرسل هم أفضل الناس، لا ينبغي لأحدٍ أن يقول: أنا خيرٌ منهم: لا من يونس، ولا من شعيب، ولا من محمدٍ، ولا من إبراهيم، ولا من إسماعيل، بل الواجب التواضع، وأن يزدري نفسه، ويسأل ربه العفو، لكن لما ابتُلي قد يظن بعض الناس أنه خيرٌ منه لما حصلت له هذه البلوى.
مداخلة: الشارح تكلم عن أن النبي ﷺ لا يفضل على يونس، الشارح يقول: قال العلماء: إنما قال ﷺ ذلك تواضعًا، إن كان قاله بعد أن أعلم أنه أفضل، وإن كان قاله قبل علمه بذلك فلا إشكالَ. وقيل: خص يونس بالذكر لما يُخشى على مَن سمع قصته أن يقع في نفسه تنقيصٌ له .....
الشيخ: يعني: عام، الحديث عامٌّ: لا ينبغي لعبدٍ يعمُّ النبي ﷺ وغيره، من باب التواضع إذا أريد به هو ﷺ، لكن مقصود النبي ﷺ العموم: أي عبدٍ، لكن حتى قاله النبي ﷺ قاله من باب التواضع، مثل قوله: لا تُفضلوني على الأنبياء، ويقول: أنا سيد ولد آدم، ولا فخر.
الشيخ: أنبياء الله.
القارئ: هنا: أولياء.
الشيخ: المعروف في الحديث: الأنبياء، أيش عندكم؟
الطالب: الأنبياء.
الشيخ: المعروف في الحديث: الأنبياء، وليس المقصود الأولياء، الأنبياء بوجهٍ أخصّ، الأنبياء هم أفضل الأولياء.
س: يعني: يكون هذا غلطًا؟
ج: الأنبياء، نعم.
س: "أولياء" غير صحيحةٍ؟
ج: قد تصح من حيث العموم، لكن لأن الأنبياء هم أفضل الأولياء بنص الحديث المعروف: لا تفضلوا بين أنبياء الله؛ لأن موسى عليه السلام منهم.
لا تُفضلوا بين أنبياء الله، فإنه يُنفخ في الصور فيُصعق مَن في السماوات ومَن في الأرض إلا مَن شاء الله، ثم يُنفخ فيه أخرى فأكون أول مَن بُعث، فإذا موسى آخذٌ بالعرش، فلا أدري: أحوسِب بصعقته يوم الطور، أم بُعث قبلي؟
3415- ولا أقول: إن أحدًا أفضل من يونس بن متى.
الشيخ: كل هذا من باب تواضعه عليه الصلاة والسلام، والحث والتحذير من التعصب على غير هدًى، فإن الواجب على المؤمن أن يعرف قدر الأنبياء، ولا يتعصب على غير بصيرةٍ، يُبين فضلهم على ما جاء في النصوص من غير تعصبٍ لأحدٍ كفعل اليهود: كالتعصب لموسى، بل يُنزل الناس منازلهم.
ولم يُنقل أنه أدَّب الرجل الذي ضرب اليهودي؛ لأنه حملته الغيرة، ولم يُؤاخذه النبي ﷺ، بل بيَّن الحكم، ولم يُؤاخذه، ولم يُنقل فيما نعلم أنه عاقب الأنصاري، فدل على أن الإنسان الذي تحمله الغيرة لله وتقع منه بعض الأخطاء ينبغي لولاة الأمور أن يعرفوا له فضله، وأن يحرصوا على السماح عنه، وعدم المؤاخذة حيث أمكن ذلك؛ تقديرًا لغيرته العظيمة وقوة إيمانه.
أيش قال الشارح عليه؟ تكلم عليه في مسألة عدم عقوبة الأنصاري. تعرض لشيءٍ؟
القارئ: ما ذكر شيئًا.
س: ..... يقول: قوله: لا ينبغي لعبدٍ أن يقول: أنا خيرٌ من يونس، يقول: يعني: لا تجب عليَّ التوبة، ولا أتوب من ذنبي؟
ج: ما أدري والله المقصود، إذا قالها يتوب إلى الله، هذا من عرض الذنوب، يتوب إلى الله منها، لكن المقصود أن الرسول ﷺ لم يُعاقب الأنصاري، لم يُنقل لنا أنه عاقب الأنصاري؛ لأنه حملته الغيرة حيث ضرب اليهودي، فيُعلمه ويُوجهه، ولكن ما فيه أنه اقتص لليهودي.
س: أحسن الله إليك، لا ينبغي لعبدٍ أن يقول: أنا خيرٌ من يونس، "أنا" ترجع إلى العبد، أو إلى الرسول ﷺ؟
ج: العبد، العبد لا يقول هو نفسه، لا تقل: أنت خيرٌ من يونس بن متى، أنت أو غيرك، والنبي ﷺ داخلٌ في الحديث، النبي ﷺ نفسه داخلٌ في هذا من باب التواضع عليه الصلاة والسلام.
س: هل يُقتص للكافر من المسلم عمومًا؟
ج: إذا تعدى المسلم يُؤدب، إذا تعدى على الذمي وعلى المستأمن يُؤدب، لكن ما هو بالقصاص، يُؤدب بما يليق، وإلا لا يُقتل مسلمٌ بكافرٍ، ولا يُقتص من مسلمٍ لكافرٍ، لكن يُؤدب إذا تعدى.
مداخلة: يوجد كلامٌ على: استبَّ رجلٌ من المسلمين ومن اليهود.
الشيخ: إيه.
الطالب: قوله: "استبَّ رجلٌ من المسلمين ورجلٌ من اليهود" وقع في رواية عبدالله بن الفضل سبب ذلك، وأول حديثه: بينما يهوديٌّ يعرض سلعةً أُعطي بها شيئًا كرهه، فقال: لا والذي اصطفى موسى على البشر.
ولم أقف على اسم هذا اليهودي في هذه القصة، وزعم ابن بشكوال أنه فنحاص -بكسر الفاء، وسكون النون، ومهملتين-، وعزاه لابن إسحاق.
والذي ذكره ابن إسحاق لفنحاص مع أبي بكرٍ الصديق في لطمه إياه قصةٌ أخرى في نزول قوله تعالى: لَقَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ فَقِيرٌ وَنَحْنُ أَغْنِيَاءُ الآية [آل عمران:181].
وأما كون اللاطم في هذه القصة هو الصديق: فهو مُصرَّحٌ به فيما أخرجه سفيان بن عيينة في "جامعه"، وابن أبي الدنيا في كتاب "البعث" من طريقه عن عمرو بن دينار، عن عطاء وابن جدعان، عن سعيد بن المسيب قال: كان بين رجلٍ من أصحاب النبي ﷺ وبين رجلٍ من اليهود كلامٌ في شيءٍ. فقال عمرو بن دينار: هو أبو بكر الصديق. فقال اليهودي: والذي اصطفى موسى على البشر، فلطمه المسلم. الحديث.
قوله: "فرفع المسلم يده عند ذلك فلطم اليهودي" أي: عند سماعه قول اليهودي: والذي اصطفى موسى على العالمين. وإنما صنع ذلك لما فهمه من عموم لفظ "العالمين"، فدخل فيه محمدٌ ﷺ، وقد تقرر عند المسلم أن محمدًا أفضل.
وقد جاء ذلك مبينًا في حديث أبي سعيدٍ: أن الضارب قال لليهودي حين قال ذلك: أي خبيث، على محمدٍ؟! فدلَّ على أنه لطم اليهودي عقوبةً له على كذبه عنده.
ووقع في رواية إبراهيم بن سعد: فلطم وجه اليهودي.
ووقع عند أحمد من هذا الوجه: فلطم على اليهودي.
وفي رواية عبدالله بن الفضل: فسمعه رجلٌ من الأنصار فلطم وجهه، وقال: أتقول هذا ورسول الله ﷺ بين أظهرنا؟!
وكذا وقع في حديث أبي سعيدٍ: أن الذي ضربه رجلٌ من الأنصار، وهذا يُعكر على قول عمرو بن دينار: أنه أبو بكر الصديق، إلا إن كان المراد بالأنصار المعنى الأعم؛ فإن أبا بكر الصديق من أنصار رسول الله ﷺ قطعًا، بل هو رأس مَن نصره، ومقدمهم، وسابقهم.
الشيخ: هذا لا شك فيه، فالمهاجرون من الأنصار في المعنى، والصديق أعظمهم، وأفضلهم، وأكثرهم نصرًا، لكن إذا أُطلق الأنصار بعد الهجرة فالمراد بهم الأوس والخزرج، والمهاجرون هم الذين هاجروا إلى المدينة، والمراد هنا من الأنصار، يعني: من الأوس والخزرج، نعم.
الطالب: قوله: "فأخبره الذي كان من أمر المسلم" زاد في رواية إبراهيم بن سعد: فدعا النبي ﷺ المسلم فسأله عن ذلك، فأخبره.
وفي رواية ابن الفضل: فقال –أي: اليهودي-: يا أبا القاسم، إن لي ذمةً وعهدًا، فما بال فلان لطم وجهي؟! فقال: لِمَ لطمتَ وجهه؟ فذكره، فغضب النبي ﷺ حتى رُؤي في وجهه.
وفي حديث أبي سعيدٍ: فقال: ادعوه لي، فجاء، فقال: أضربته؟ قال: سمعته بالسوق يحلف. فذكر القصة.
الشيخ: ما أعرف في شيءٍ من الروايات أنه أمر بتأديبه أو ضربه، إنما غضب، وبيَّن أن هذا لا ينبغي.
الشيخ: بركة، قف على هذا.
ينبغي أن يُعلم أن تفضيل موسى على العالمين وتفضيل بني إسرائيل يعني: عالمي زمانهم، المراد بذلك: عالمو زمانهم، وليس العالمين مطلقًا، بل عالمو زمانهم، أما أمة محمدٍ ﷺ فهم أفضل الأمم، كما قال : كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ [آل عمران:110]، نعم.