باب قول الله وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ مَرْيَمَ إِذِ انْتَبَذَتْ مِنْ أَهْلِهَا [مريم:16]
نبذناه: ألقيناه: اعتزلت.
شَرْقِيًّا [مريم:16] مما يلي الشرق.
فَأَجَاءَهَا [مريم:23] أفعلت، من جئت، ويقال: ألجأها: اضطرها.
تُسَاقِطْ [مريم:25] تسقط.
قَصِيًّا [مريم:22] قاصيًا.
فَرِيًّا [مريم:27] عظيمًا.
قال ابن عباسٍ: نَسْيًا [مريم:23] لم أكن شيئًا.
وقال غيره: النَّسي: الحقير.
وقال أبو وائل: علمت مريم أن التقي ذو نهيةٍ حين قالت: إِنْ كُنْتَ تَقِيًّا [مريم:18].
الشيخ: لأن التقوى تمنع أهلها؛ ولهذا قالت: إِنِّي أَعُوذُ بِالرَّحْمَنِ مِنْكَ إِنْ كُنْتَ تَقِيًّا [مريم:18] يعني: إن كنت تخاف الله وتُراقبه فابتعد عني. لم تعلم الحقيقة، وتعلم أنه من عند الله؛ ولهذا أخبرها أنه رسول ربها إليها.
والمقصود من هذا أن التقي عنده مانعٌ من نفسه، له حافزٌ يحفزه إلى ترك ما نهى الله، وإلى فعل ما أوجب الله؛ ولهذا قالت: إِنِّي أَعُوذُ بِالرَّحْمَنِ مِنْكَ إِنْ كُنْتَ تَقِيًّا، فإن التقوى تنهى أهلها عن الباطل والحرام، نعم.
قال وكيع: عن إسرائيل، عن أبي إسحاق، عن البراء: سَرِيًّا [مريم:24] نهرٌ صغيرٌ بالسريانية.3436- حدثنا مسلم بن إبراهيم: حدثنا جرير بن حازم، عن محمد بن سيرين، عن أبي هريرة، عن النبي ﷺ قال:
لم يتكلم في المهد إلا ثلاثة: عيسى، وكان في بني إسرائيل رجلٌ يقال له: جريج، كان يُصلي، جاءته أمه فدعته، فقال: أُجيبها أو أصلي؟ فقالت: اللهم لا تُمته حتى تُريه وجوه المومسات.
وكان جريج في صومعته، فتعرضت له امرأةٌ وكلمته، فأبى، فأتت راعيًا فأمكنته من نفسها؛ فولدت غلامًا، فقالت: من جريج. فأتوه فكسروا صومعته، وأنزلوه، وسبُّوه، فتوضأ وصلَّى، ثم أتى الغلام فقال: مَن أبوك يا غلام؟ قال: الراعي. قالوا: نبني صومعتك من ذهبٍ؟ قال: لا، إلا من طينٍ.
وكانت امرأةٌ تُرضع ابنًا لها من بني إسرائيل، فمرَّ بها رجلٌ راكبٌ ذو شارةٍ، فقالت: اللهم اجعل ابني مثله. فترك ثديها وأقبل على الراكب، فقال: اللهم لا تجعلني مثله. ثم أقبل على ثديها يمصه -قال أبو هريرة: كأني أنظر إلى النبي ﷺ يمصّ إصبعه- ثم مُرَّ بأمةٍ، فقالت: اللهم لا تجعل ابني مثل هذه. فترك ثديها، فقال: اللهم اجعلني مثلها. فقالت: لِمَ ذاك؟! فقال: الراكب جبارٌ من الجبابرة، وهذه الأمة يقولون: سرقتِ، زنيتِ، ولم تفعل
.
الشيخ: وهذه من أخبار الغيب التي أخبر بها النبي ﷺ: أنه لم يتكلم في المهد إلا ثلاثةٌ، مما أوحى الله إليه، وهذه من الآيات والخوارق للعادة، فإن المهد ..... الغالبة المعروفة أنه لا يُحسن الكلام، ولا يتكلم، فإن تكلم تكلم بشيءٍ لا يُفهم، أو شيءٍ قليلٍ لا أهميةَ له، أما هؤلاء فتكلموا بكلامٍ له شأنٌ.
قال عيسى: إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ آتَانِيَ الْكِتَابَ وَجَعَلَنِي نَبِيًّا وَجَعَلَنِي مُبَارَكًا أَيْنَ مَا كُنْتُ وَأَوْصَانِي بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ [مريم:30، 31]، كلامٌ عظيمٌ، كلامٌ كبيرٌ، كلامٌ عاقلٌ.
وهكذا الغلام لما سُئل، سأله جريج: مَن أبوك؟ قال: فلانٌ الراعي. هذا كلام العقلاء، وهكذا هذه المرأة التي تُرضع ولدها، لما رأت صاحب الشارة قالت: اللهم اجعل ابني مثله. فأطلق الثدي وقال: اللهم لا تجعلني مثله. ولما مُرَّ بالجارية المظلومة قال: اللهم اجعلني مثلها. هذا أمرٌ عظيمٌ، هذه من آيات الله.
وفيه بيان أنواع القدرة.
وفيه أيضًا من الفوائد: أن الله جلَّ وعلا يجعل للمظلومين فرجًا عند الضيق، كما قال تعالى: وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا [الطلاق:2]، هذا جريج، بل مريم اتَّهموها بالزنا والفاحشة، فجعل الله لها فرجًا بنُطق عيسى، وجريج اتَّهموه فجعل الله له فرجًا بكلام هذا الطفل، وفيه تواضعه، قال: ردُّوها طينًا.
هذا فيه الفرج لأولياء الله، وأن الله عند الشدائد يُفرج لهم الكربات، وله الحكمة البالغة: أشد الناس بلاءً الأنبياء، ثم الأمثل فالأمثل، وهو حين لم يُكلم أمه مجتهدٌ، قال: ربي، أمي وصلاتي؟! خشي ألا يجوز له الكلام في صلاته، أو خشي أن يكون الكلام في صلاته غير مناسبٍ؛ فلهذا لم يُكلمها، فابتُلي، ثم زالت البلية، زالت الكربة، فرجها الله .
فيُستفاد من هذا الحديث وأمثاله: الثقة بالله، والاعتماد على الله، والاستقامة على الحق، وأن العبد مهما ابتُلي فالله يجعل له العاقبة الحميدة إذا اتَّقاه واستقام على أمره، ولا يستغرب أن يُبتلى، فقد ابتُلي مَن هو خيرٌ منه، ثم تكون له العاقبة الحميدة: وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْرًا [الطلاق:4]، يُري الله عباده العِبَر، فقد ابتُلي الأنبياء بالبلاوي العظيمة، وجعل الله لهم العاقبة الحميدة.
فالإنسان يثبت على الحق، ويستقيم عليه، ويحسن ظنه بربه، وله العاقبة الحميدة، وإن ابتُلي فالعاقبة حميدةٌ أيضًا، نعم.
س: هؤلاء الثلاثة على سبيل الحصر، أو مثالٌ فقط؟
ج: ظاهره أنه حصرٌ، نفيٌ، حصرٌ: "لم يتكلم إلا" هذا معناه أنه ما هنا إلا الثلاثة، حسب ما أخبر به النبي ﷺ.
س: لكن أحاديث أن غيرهم تكلَّموا؟
ج: ما أذكر شيئًا، ما بلغني شيءٌ.
س: وصاحب الأخدود؟
ج: يحتاج إلى دليلٍ.
س: وصاحب يوسف؟
ج: كل هذه تحتاج إلى دليلٍ، يعني: أنهم صغار مثل هؤلاء في المهد.
س: دعاء الأم على ولدها؟
ج: قد يُستجاب، وقد لا يُستجاب.
س: ولا يكون من الاعتداء، أو يكون مستثنى الوالد فقط؟
ج: على كل حالٍ، يفيد الحذر من التعرض لدعاء الوالدين، والحرص على برهما، أما الاستثناء فالله أعلم؛ لأنها قد تكون هي أيضًا تراه عقوقًا، تعتقد أنه يلزمه؛ فلهذا دعت تعتقد أنه يلزمه، وأنه عقَّها بهذا الأمر؛ فلهذا دعت.
س: يقول: استدل بعض المالكية بقول جريج: مَن أبوك يا غلام؟ بأن مَن زنا بامرأةٍ فولدت بنتًا لا يحلّ له تزوج تلك البنت، خلافًا للشافعية وابن الماجشون من المالكية، ووجه الدلالة: أن جريجًا نسب ابن الزنا للزاني، وصدق الله نسبته بما خرق له من العادة بنطق المولود بشهادته له بذلك بقوله: "أبي فلان الراعي"، فكانت تلك النسبة صحيحةً، فيلزم أن يجري بينهم أحكام الأبوة والبنوة .....؟
ج: هذا في شرع مَن قبلنا، أما في شرعنا فالولد للمرأة، ولد الزاني يُنسب للمرأة، لا لأبيه، يُنسب للمرأة، ولا يتزوجها، إن كانت بنتًا لا يتزوجها.
شرع مَن قبلنا شرعٌ لنا ما لم يأتِ شرعنا بخلافه، وشرعنا أتى بخلافه: الولد للفراش، وللعاهر الحجر.
مداخلة: الحافظ تكلم عن: لا يتكلم في المهد إلا ثلاثة.
الشيخ: إيه، أيش قال؟
الطالب: قوله: لم يتكلم في المهد إلا ثلاثة قال القرطبي: في هذا الحصر نظرٌ، إلا أن يُحمل على أنه ﷺ قال ذلك قبل أن يعلم الزيادة على ذلك. وفيه بُعْدٌ.
الشيخ: الأصل في هذا هو كما قال ﷺ: وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى [النجم:3، 4]، هذا هو الأصل، وما جاء خلاف ذلك يكون أُبلغ إياه بعد ذلك، إذا ثبت أنه في المهد يكون أُبلغ به بعد هذا الخبر: أنه لم يتكلم في المهد إلا ثلاثةٌ، ثم أُخبر بشيءٍ جديدٍ، هذا إذا ثبت يكون زيادةً، وهو صادقٌ في الأول والآخر.
أما ما يتعلق بصاحب يوسف، وما يتعلق بصاحب الأخدود، فهذا لا بد أن ينظر فيه، قد يكونون صغارًا، لكن ليسوا في المهد، نعم.
الشيخ: اللهم صلِّ عليه، اللهم صلِّ عليه، الحمد لله، وهذا يُبين لنا أن الخمر شرها عظيمٌ، وأنها من أسباب الغواية والهلاك؛ لأنها تقضي على العقول، والإنسان متى فقد عقله صار أردى من البهيمة، إذا فقد الإنسان عقله صار شرًّا من البهيمة؛ لأن البهيمة قد يكون عندها وازعٌ عن بعض الأشياء، لكن فاقد العقل من بني آدم ما عنده وازعٌ، يعمل بما لا يعقل، قد يضرب أمه، ويقتل أمه، ويزني بأمه، وبأخته، إلى غير ذلك.
المقصود أن فقد العقل من بني آدم يكون صاحبه أردى من البهيمة، وأسوأ من البهيمة، نسأل الله العافية، ومن رحمة الله أن حرَّم الخمر وقضى عليها، وجعل فيها الحد؛ حمايةً للأمة من شرها وفسادها، نعم.
3438- حدثنا محمد بن كثير: أخبرنا إسرائيل: أخبرنا عثمان بن المغيرة، عن مجاهد، عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال النبي ﷺ: رأيت عيسى وموسى وإبراهيم، فأما عيسى فأحمر، جعد، عريض الصدر، وأما موسى فآدم، جسيم، سبط، كأنه من رجال الزط.
3439- حدثنا إبراهيم بن المنذر: حدثنا أبو ضمرة: حدثنا موسى، عن نافع، قال عبدالله: ذكر النبي ﷺ يومًا بين ظهري الناس المسيح الدجال، فقال: إن الله ليس بأعور، ألا إن المسيح الدجال أعور العين اليمنى، كأن عينه عنبةٌ طافيةٌ.
3440- وأراني الليلة عند الكعبة في المنام، فإذا رجلٌ آدم كأحسن ما يُرى من أدم الرجال، تضرب لمته بين منكبيه، رَجِل الشعر، يقطر رأسه ماءً، واضعًا يديه على منكبي رجلين، وهو يطوف بالبيت، فقلت: مَن هذا؟ فقالوا: هذا المسيح ابن مريم. ثم رأيت رجلًا وراءه جعدًا، قططًا، أعور العين اليمنى، كأشبه من رأيت بابن قطن، واضعًا يديه على منكبي رجلٍ يطوف بالبيت، فقلت: مَن هذا؟ قالوا: المسيح الدجال. تابعه عبيدالله، عن نافع.
الشيخ: يعني: يتشبه بالمسيح ابن مريم، لكن هذا مسيح الضلالة، وهذا مسيح الهداية؛ لأنه يتظاهر أولًا بأنه نبيٌّ، وأنه داعٍ إلى الإسلام، ثم يدَّعي أنه رب العالمين، ويقع منه ما يقع من الكوارث، نسأل الله العافية.
س: أليس المسيح لا يدخل مكة والمدينة؟
ج: نعم، إذا خرج يعني.
س: عند خروجه يعني؟
ج: نعم.
..............
الشيخ: يعني: ابن قطن، عبد العزى بن قطن، نعم.
الشيخ: لأنه آخر أنبياء بني إسرائيل، وليس بينه وبين النبي عليه الصلاة والسلام نبيٌّ، فترةٌ، بين عيسى ومحمدٍ فترةٌ، فعيسى هو آخر أنبياء بني إسرائيل وخاتمهم، ومحمدٌ هو خاتم الأنبياء جميعًا عليهم الصلاة والسلام.
الشيخ: ومعنى إخوةٌ لعَلَّاتٍ يعني: الدين واحدٌ كالأب، والأمهات متنوعة، وهي الشرائع؛ تشبيهًا للشرائع بالأمهات: لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا [المائدة:48].
وقال إبراهيم بن طهمان: عن موسى بن عقبة، عن صفوان بن سليم، عن عطاء بن يسار، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله ﷺ.
3444- وحدثنا عبدالله بن محمد: حدثنا عبدالرزاق: أخبرنا معمر، عن همام، عن أبي هريرة، عن النبي ﷺ قال: رأى عيسى ابن مريم رجلًا يسرق، فقال له: أسرقتَ؟ قال: كلا والله الذي لا إله إلا هو. فقال عيسى: آمنتُ بالله، وكذبتُ عيني.
الشيخ: أيش قال الشارح؟
القارئ: الحديث السادس حديث أبي هريرة: رأى عيسى رجلًا يسرق، الحديث أورده من طريقين: موصولة، ومُعلَّقة.
قوله: "وقال إبراهيم بن طهمان ..." إلخ، وصله النسائي عن أحمد بن حفص بن عبدالله النيسابوري، عن أبيه، عن إبراهيم. وأحمد من شيوخ البخاري.
قوله: كلا والذي لا إله إلا الله في رواية الكشميهني: إلا هو، وفي رواية ابن طهمان عند النسائي: فقال: لا والذي لا إله إلا هو.
قوله: وكذَّبْتُ عيني بالتشديد على التثنية، ولبعضهم بالإفراد، وفي رواية المستملي: كذبت بالتخفيف وفتح الموحدة، وعيني بالإفراد في محل رفعٍ، ووقع في رواية مسلم: وكذبت نفسي، وفي رواية ابن طهمان: وكذبت بصري.
قال ابن التين: قال عيسى ذلك على المبالغة في تصديق الحالف.
وأما قوله: وكذبت عيني فلم يُرد حقيقة التكذيب، وإنما أراد: كذبت عيني في غير هذا. قاله ابن الجوزي، وفيه بُعْدٌ.
وقيل: إنه أراد بالتصديق والتكذيب ظاهر الحكم، لا باطن الأمر، وإلا فالمشاهدة أعلى اليقين، فكيف يُكذِّب عينه ويُصدِّق قول المدعي؟!
ويحتمل أن يكون رآه مدَّ يده إلى الشيء فظن أنه تناوله، فلما حلف له رجع عن ظنه.
وقال القرطبي: ظاهر قول عيسى للرجل: سرقت أنه خبرٌ جازمٌ عما فعل الرجل من السرقة؛ لكونه رآه أخذ مالًا من حرزٍ في خفيةٍ، وقول الرجل: "كلا" نفيٌ لذلك، ثم أكَّده باليمين، وقول عيسى: آمنتُ بالله، وكذبتُ عيني أي: صدقتُ مَن حلف بالله، وكذبتُ ما ظهر لي من كون الأخذ المذكور سرقةً.
الشيخ: العيني زاد شيئًا؟
الطالب: لا، ما زاد شيئًا.
الشيخ: فقط، هذا يكفي، الله أعلم، نعم، المتن.
على كل حالٍ، قول عيسى حقٌّ، ولعل له أسبابًا اتَّضحت له.
الطالب: يوجد نقلٌ عن ابن القيم.
الشيخ: أيش يقول؟
الطالب: فإنه يحتمل أن يكون الرجل أخذ ما له فيه حقٌّ، أو ما أذن له صاحبه في أخذه، أو أخذه ليقلبه وينظر فيه، ولم يقصد الغصب والاستيلاء.
قال: ويحتمل أن يكون عيسى كان غير جازمٍ بذلك، وإنما أراد استفهامه بقوله: سرقت؟، وتكون أداة الاستفهام محذوفةً، وهو سائغٌ، كثيرٌ. انتهى.
واحتمال الاستفهام بعيدٌ، مع جزمه ﷺ بأن عيسى رأى رجلًا يسرق، واحتمال كونه يحلّ له الأخذ بعيدٌ أيضًا بهذا الجزم بعينه.
والأول مأخوذٌ من كلام القاضي عياض، وقد تعقبه ابن القيم في كتابه "إغاثة اللهفان" فقال: هذا تأويلٌ مُتكلَّفٌ، والحق أن الله كان في قلبه أجلَّ من أن يحلف به أحدٌ كاذبًا، فدار الأمر بين تهمة الحالف وتهمة بصره، فردَّ التهمة إلى بصره، كما ظنَّ آدم صدق إبليس لما حلف له أنه له ناصحٌ.
قلت: وليس بدون تأويل القاضي في التكلف والتشبيه غير مطابقٍ، والله أعلم.
الشيخ: نعم.
س: حديث: مَن حُلِفَ له بالله فليَرْضَ؟
ج: صحيحٌ، لا بأس به، في الخصومة يرضى بالحكم الشرعي، وإن كان يعلم أنه كاذبٌ، فهو لا يرضى عنه، ولا يُبرئه، لكن في الحكم الشرعي يرضى بالحكم الشرعي، ما له إلا هذا، نعم، إن كان ما عنده بينةٌ، نعم.
المقصود أن هذا يُحمل على أن عيسى اتَّضح له شيءٌ أوجب له أن يقول: آمنت بالله، وكذبت عيني، ظهر له من هذا الرجل شيءٌ أوجب له هذا الكلام، وإلا فالإنسان إذا ظهرت منه السرقة وعُلمت ما يُصدق إذا حلف، إذا ثبتت هذه السرقة، ولو حلف مئة يمينٍ ما يُصدق، ويُقام عليه الحد بالشرع المطهر، لكن لعل عيسى رأى منه شيئًا، أو اتَّضح له شيءٌ فقال هذا الكلام.
مداخلة: في العيني سطرٌ واحدٌ يقول: فيه دليلٌ على ردِّ الحد بالشبهة، وعلى منع القضاء بالعلم، والراجح عند المالكية والحنابلة منعه مطلقًا، وعند الشافعية جوازه إلا في الحدود.
الشيخ: نعم، نعم.
الشيخ: فإنما أنا عبده بالهاء؟ كذا عندكم بالضمير؟
الطالب: نعم.
الشيخ: أيش قال الشارح على: "عبده"؟
القارئ: ما أشار له.
الشيخ: والعيني؟
الطالب: قال: إنما أنا عبده ... إلى آخره، قال: من هضمه نفسه، وإظهاره التواضع.
الشيخ: نعم.
الحديث ساقه المؤلف، ساقه الشيخ محمد بن عبدالوهاب -رحمه الله- في تحريم الغلو، وفيه: إنما أنا عبدٌ، ولعلها روايةٌ، نعم.
والإطراء: هو الغلو والزيادة في المدح، والغلو أعم، والإطراء أخص بالكلام؛ لأن الإطراء وسيلةٌ إلى الشرك؛ ولهذا قال: لا تطروني كما أطرت النصارى ابن مريم، إنما أنا عبدٌ، فقولوا: عبدالله ورسوله، فالنصارى غلت حتى قالت: ابن الله، أو الله، أو ثالث ثلاثةٍ. فهلكوا، وإنما هو عبدالله ورسوله، وهكذا بقية الأنبياء كلهم عباد الله، ورسل الله، نعم.
الشيخ: بركة، نعم.