باب علامات النبوة في الإسلام
3586- حدثنا محمد بن بشار: حدثنا ابن أبي عدي، عن شعبة. ح، حدثني بشر بن خالد: حدثنا محمد، عن شعبة، عن سليمان: سمعت أبا وائل يُحدث عن حذيفة: أن عمر بن الخطاب قال: أيكم يحفظ قول رسول الله ﷺ في الفتنة؟ فقال حذيفة: أنا أحفظ كما قال. قال: هاتِ، إنك لجريءٌ! قال رسول الله ﷺ: فتنة الرجل في أهله وماله وجاره تُكفِّرها الصلاة، والصدقة، والأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، قال: ليست هذه، ولكن التي تموج كموج البحر. قال: يا أمير المؤمنين، لا بأس عليك منها، إن بينك وبينها بابًا مُغلقًا. قال: يُفتح الباب أو يُكسر؟ قال: لا، بل يُكسر. قال: ذاك أحرى ألَّا يُغلق. قلنا: علم عمر الباب؟ قال: نعم، كما أن دون غدٍ الليلة، إني حدثته حديثًا ليس بالأغاليط. فهبنا أن نسأله، وأمرنا مسروقًا فسأله، فقال: مَن الباب؟ قال: عمر.
الشيخ: وهذه من نِعَم الله جلَّ وعلا: فتنة الرجل في أهله وماله وولده تُكفرها صلاته، وصومه، وصدقاته، وأمره بالمعروف، ونهيه عن المنكر؛ لأن الإنسان يُبتلى في أهله: قد يغضب، قد يتكلم بما لا ينبغي مع ولده، مع زوجته، مع خدمه، فهذه الأشياء التي تقع منه عند الغضب خصومةٌ تُكفرها صلاته، وصومه، وصدقاته، وأعماله الصالحة، وأمره بالمعروف، ونهيه عن المنكر، هكذا قال ﷺ: فتنة الرجل في أهله وماله تُكفرها صلاته، وصومه، وأمره بالمعروف، ونهيه عن المنكر، وهكذا بقية أعماله الصالحات: إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ [هود:114].
والإنسان لا يسلم، يُبتلى بما يتعلق بأهله، وتكون بينه وبينهم الخصومات والنزاع، فمن رحمة الله أن جعل ما قد يقع من الغلط في ذلك بينهم تُكفره صلاته، وصومه، وصدقاته، وأمره بالمعروف، ونهيه عن المنكر، بخلاف الفتنة التي تموج كموج البحر، ويشتبه الأمر فيها؛ لكثرة الشُّبَه، وخفاء الدليل، فهذه التي أراد حذيفة أن بين عمر وبينها بابًا مغلقًا، وأنه يُكسر، ولما قُتل عمر اندلعت الفتنة، وظهرت الفتنة في زمن عثمان وبعده، وجرى ما جرى على عثمان من تحزُّب أهل الباطل والجهلة حتى قُتل، ثم ارتدَّ الأمر إلى عليٍّ حتى قُتل بسبب الخوارج، فلم تزل الفتن تقع بعد ذلك.
فالواجب على المؤمن عند وجود الفتن أن يعتصم بحبل الله، بشرع الله، وأن يجتهد في معرفة الحق بدليله، وألا يمنعه وجودها من قول الحق، والصدع بالحق، وأن يكون مع أهل الحق؛ ولهذا قال ﷺ: تمرق مارقةٌ على حين فرقةٍ من المسلمين، تقتلهم أولى الطائفتين بالحق، فقتلهم عليٌّ، وهم الخوارج.
وكان الواجب على مَن عرف الحقَّ أن يكون مع الحقِّ وأهله، ولا يعتزل إلا إذا اشتبهت عليه الأمور، أما مَن عرف أن هذه باغيةٌ، وهذه مُحقَّةٌ؛ فعليه أن ينصر المحقة، وأن يُقاتل الباغية، كما قال جلَّ وعلا: وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ فَإِنْ فَاءَتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ [الحجرات:9]، أما إذا اشتبهت الفتن فكن قاعدًا عنها، فالقاعد فيها خيرٌ من القائم، والمضطجع خيرٌ من القاعد، والقائم خيرٌ من الماشي، والماشي خيرٌ من الساعي، كما جاء في الحديث، لكن متى ظهر الحق، وأن إحدى الطائفتين محقَّة، والثانية مبطلة، ظالمة، وأنت تعلم؛ فعليك أن تطلب الحق: انصر أخاك ظالمًا أو مظلومًا؛ ولهذا فُقهاء الصحابة وعلماؤهم نصروا عليًّا ضد الخوارج، وضد البُغاة، ولم يعتزلوا.
وهكذا في كل زمانٍ يُنصر المظلوم، ويُردع الظالم، ولا تعتزل ما دمت تعرف أن هذا ظالمٌ، وهذا مظلومٌ، فكن مع المظلوم ضد الظالم حتى تهدأ الفتن، وتزول الظلمة، نعم.
س: هل عمر أخبر بأنه سيُقتل؟
ج: غالب ظني أنه بلغه أنه سيموت شهيدًا، وفي الحديث الصحيح: من سأل الشهادة صادقًا بلَّغه الله منازل الشهداء وإن مات على فراشه، ما يحضرني الآن نصٌّ في هذا، وفي الحديث: وإذا وقع عليهم السيف لم يُرفع إلى يوم القيامة؛ ولهذا قال: "إذن لا يُغلق"، وما أذكر الآن إلا حديث: مَن سأل الله الشهادة صادقًا بلَّغه الله منازل الشهداء وإن مات على فراشه.
س: أحسن الله إليك، حديث: اثبت أحد، فإنما عليك نبيٌّ .....؟
ج: صحيحٌ: نبيٌّ، أو صديقٌ، أو شهيدٌ، ..... عليه النبي، والصديق، وعمر، وعثمان، ومعهم الزبير أيضًا، وهم شهداء، هذه شهادةٌ؛ لأن الصديق معروفٌ، لكن الشهادة ما هي بصريحةٍ أنه قتل، قد تكون الشهادة بغير القتل؛ لأن الشهادة قد تكون بغير القتل، بأشياء: المطعون، والمبطون، وقتيل الهدم، كلهم شهداء، نعم.
3587- حدثنا أبو اليمان: أخبرنا شعيب: حدثنا أبو الزناد، عن الأعرج، عن أبي هريرة ، عن النبي ﷺ قال: لا تقوم الساعة حتى تُقاتلوا قومًا نعالهم الشعر، وحتى تُقاتلوا الترك، صغار الأعين، حُمر الوجوه، ذُلْف الأنوف، كأن وجوههم المجان المطرقة.
3588- وتجدون من خير الناس أشدهم كراهيةً لهذا الأمر حتى يقع فيه، والناس معادن، خيارهم في الجاهلية خيارهم في الإسلام.
3589- وليأتين على أحدكم زمانٌ لأن يراني أحبّ إليه من أن يكون له مثل أهله وماله.
الشيخ: نعم، من شدة الفتن، والله المستعان.
س: أحسن الله إليك، ذكر قضية الرؤية لأجل أن يسأله عن المخرج؟
ج: هو الظاهر، هو الظاهر؛ لشدة الفتن، لأن يراه أحبّ إليه من أهله وماله؛ ليتبصر ويسأل ويستفيد، نعم.
3590- حدثني يحيى: حدثنا عبدالرزاق، عن معمر، عن همام، عن أبي هريرة : أن النبي ﷺ قال: لا تقوم الساعة حتى تُقاتلوا خوزًا وكرمان من الأعاجم، حُمر الوجوه، فُطس الأنوف، صغار الأعين، كأن وجوههم المجان المطرقة، نعالهم الشعر. تابعه غيره عن عبدالرزاق.
3591- حدثنا علي بن عبدالله: حدثنا سفيان، قال: قال إسماعيل: أخبرني قيس، قال: أتينا أبا هريرة ، فقال: صحبتُ رسول الله ﷺ ثلاث سنين، لم أكن في سني أحرص على أن أعي الحديث مني فيهن، سمعته يقول -وقال هكذا بيده-: بين يدي الساعة تُقاتلون قومًا نعالهم الشعر، وهو هذا البارز. وقال سفيان مرةً: وهم أهل البازر.
3592- حدثنا سليمان بن حرب: حدثنا جرير بن حازم: سمعت الحسن يقول: حدثنا عمرو بن تغلب، قال: سمعت رسول الله ﷺ يقول: بين يدي الساعة تُقاتلون قومًا ينتعلون الشعر، وتُقاتلون قومًا كأن وجوههم المجان المطرقة.
الشيخ: اللهم صلِّ عليه: وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى [النجم:3، 4]، كل هذا قد وقع: قاتلهم الصحابة والمسلمون، نعم، كل هذه من أمم الشر: الترك، والكرمان، والخوز، كل هذه من أمم الشر، ومطلع الفتن.
القارئ: الحديث الخامس عشر: حديث أبي هريرة، أورده من طرقٍ.
قوله: لا تقوم الساعة حتى تُقاتلوا خوزًا هو بضم الخاء المعجمة، وسكون الواو، بعدها زاي، قومٌ من العجم.
وقال أحمد: وهم عبدالرزاق فقاله بالجيم بدل الخاء المعجمة.
وقوله: وكرمان هو بكسر الكاف على المشهور، ويقال بفتحها، وهو ما صححه ابن السمعاني، ثم قال: لكن اشتهر بالكسر.
وقال الكرماني: نحن أعلم ببلدنا.
قلت: جزم بالفتح ابن الجواليقي، وقبله أبو عبيد البكري، وجزم بالكسر الأصيلي، وعبدوس، وتبع ابن السمعاني ياقوت والصَّغاني.
الشيخ: يكفي، يكفي، نعم، المتن.
س: النعل التي فيها شعرٌ؟
ج: نعالهم من الشعر، يحطون نعالًا من الشعر.
س: هذا وصفٌ لهم؟
ج: نعم، علامةٌ عليهم.
س: ما فيها محذورٌ؟
ج: والعمدة على كفرهم وضلالهم، هو محل قتالهم، لكن هذه علامةٌ، من باب العلامات.
س: النعال سواءٌ من شعرٍ أو من غيره الأصل فيها الإباحة؟
ج: قد يقال بكراهتها؛ لأن فيها تشبهًا بهم: مَن تشبه بقومٍ فهو منهم، ينبغي تركها على القاعدة في التَّشبه، والناس يلبسون نعالًا من الجلد .....
س: تكون في آخر الزمان فتنٌ كقطع الليل المظلم .....؟
ج: الله يكفينا وإياكم شرَّها، نعوذ بالله من شرِّها.
الشيخ: وهذا يقع في آخر الزمان عندما يخرج المهدي، فينزل عيسى ابن مريم، فيُقاتل المسلمون معه اليهود، مع عيسى عليه الصلاة والسلام، ويحصرهم في بلادهم، وينطق الشجر والحجر، كلٌّ يقول: يا عبدالله، هذا يهودي، تعالَ فاقتله. وهذه من آيات الله، إلا شجر الغرقد.
س: هذا في زمن عيسى؟
ج: عند نزول عيسى، نعم.
3594- حدثنا قتيبة بن سعيد: حدثنا سفيان، عن عمرو، عن جابر، عن أبي سعيدٍ ، عن النبي ﷺ قال: يأتي على الناس زمانٌ يغزون، فيُقال لهم: فيكم مَن صحب الرسول ﷺ؟ فيقولون: نعم، فيُفتح عليهم، ثم يغزون، فيُقال لهم: هل فيكم مَن صحب مَن صحب الرسول ﷺ؟ فيقولون: نعم، فيُفتح لهم.
3595- حدثني محمد بن الحكم: أخبرنا النضر: أخبرنا إسرائيل: أخبرنا سعد الطائي: أخبرنا محل بن خليفة، عن عدي بن حاتم قال: بينا أنا عند النبي ﷺ إذ أتاه رجلٌ فشكا إليه الفاقة، ثم أتاه آخر فشكا إليه قطع السبيل، فقال: يا عدي، هل رأيت الحيرة؟ قلت: لم أرها، وقد أُنبئت عنها. قال: فإن طالت بك حياةٌ لترين الظعينة ترتحل من الحيرة حتى تطوف بالكعبة لا تخاف أحدًا إلا الله، قلت فيما بيني وبين نفسي: فأين دُعَّار طيِّئ الذين قد سعَّروا البلاد؟! ولئن طالت بك حياةٌ لتُفتحن كنوز كسرى، قلت: كسرى بن هرمز؟! قال: كسرى بن هرمز، ولئن طالت بك حياةٌ لترين الرجل يُخرج ملء كفِّه من ذهبٍ أو فضةٍ يطلب مَن يقبله منه فلا يجد أحدًا يقبله منه.
الشيخ: وهذا أخبر به النبي ﷺ أنه يكون في آخر الزمان: يفيض المال حتى لا يقبله أحدٌ؛ لكثرة المال، ولقرب الساعة، وظهور أماراتها وعلاماتها، حتى يهمَّ الرجل مَن يقبل صدقته.
س: عدي أدرك هذا؟
ج: لا، ما أدركه، هذا في آخر الزمان، جاء في الأحاديث الصحيحة في آخر الزمان: يفيض المال.
س: قد حصل في عهد عمر بن عبدالعزيز؟
ج: يقال، ولكن ما أعلم أنه ثبت هذا، ما زال الناس يطلبون المال ويأخذونه، والله المستعان.
وليلقين الله أحدكم يوم يلقاه وليس بينه وبينه ترجمان يُترجم له، فليقولن له: ألم أبعث إليك رسولًا فيبلغك؟ فيقول: بلى. فيقول: ألم أُعطك مالًا وأفضل عليك؟ فيقول: بلى. فينظر عن يمينه فلا يرى إلا جهنم، وينظر عن يساره فلا يرى إلا جهنم، قال عدي: سمعتُ النبي ﷺ يقول: اتقوا النار ولو بشقة تمرةٍ، فمَن لم يجد شقة تمرةٍ فبكلمةٍ طيبةٍ.
قال عدي: فرأيت الظعينة ترتحل من الحيرة حتى تطوف بالكعبة لا تخاف إلا الله، وكنت فيمن افتتح كنوز كسرى بن هرمز، ولئن طالت بكم حياةٌ لترون ما قال النبي أبو القاسم ﷺ: يُخرج ملء كفِّه.
الشيخ: كذا عندك: يرى عن يمينه فلا يرى إلا النار؟ كذا؟ أيش قال المحشي عليه؟ لأن في الرواية الأخرى: فلا يرى إلا ما قدَّم، وينظر عن شماله فلا يرى إلا ما قدَّم، وينظر تلقاء وجهه فلا يرى إلا النار، في الرواية المشهورة: ما منكم من أحدٍ إلا سيُكلمه ربه ليس بينه وبينه ترجمان، فينظر عن يمينه فلا يرى إلا ما قدَّم، وينظر عن شماله فلا يرى إلا ما قدَّم، وينظر تلقاء وجهه فلا يرى إلا النار، فاتقوا النار ولو بشق تمرةٍ، ومَن لم يجد فبكلمةٍ طيبةٍ. رواه الشيخان.
الطالب: يقول: تقدم الكلام عليه في كتاب "الزكاة".
الشيخ: انظره إن كان موجودًا، نعم، أعد حديث عدي.
الشيخ: يعني: هذا من جهة قطع السبيل: أن الله جلَّ وعلا يثبت الأمن بسبب الجهاد في سبيل الله، حتى يأمن الناس بين العراق ومكة المكرمة، نعم، وقد وقع هذا، وقد انتشر الأمن في عهد الخلفاء، وفاض المال، ولكن لم يحصل أن يهمَّ الإنسان مَن يقبل صدقته، هذا سيأتي.
س: ما يحتمل الجمع بين هذا الحديث وبين سفر المرأة بدون محرمٍ؟
ج: هذا أمرٌ واقعٌ، ما هو بإذنٍ، هذا واقعٌ، ولا يلزم أن يكون معها محرمٌ، نعم، والنبي ﷺ وضَّح، والأحاديث المحكمة تُفسر الأحاديث المطلقة، والأحاديث المطلقة والمجملة تُرد إلى الأحاديث المحكمة، وهكذا الآيات، نعم.
قلت فيما بيني وبين نفسي: فأين دُعَّار طيئ الذين قد سعَّروا البلاد؟! ولئن طالت بك حياةٌ لتفتحن كنوز كسرى، قلت: كسرى بن هرمز؟! قال: كسرى بن هرمز، ولئن طالت بك حياةٌ لترين الرجل يُخرج ملء كفِّه من ذهبٍ أو فضةٍ يطلب مَن يقبله منه فلا يجد أحدًا يقبله منه، وليلقين الله أحدكم يوم يلقاه وليس بينه وبينه ترجمان يُترجم له، فليقولن له: ألم أبعث إليك رسولًا فيبلغك؟ فيقول: بلى. فيقول: ألم أُعطك مالًا وأفضل عليك؟ فيقول: بلى. فينظر عن يمينه فلا يرى إلا جهنم، وينظر عن يساره فلا يرى إلا جهنم، قال عدي: سمعت النبي ﷺ يقول: اتقوا النار ولو بشقة تمرةٍ، فمَن لم يجد شقة تمرةٍ فبكلمةٍ طيبةٍ.
قال عدي: فرأيت الظعينة ترتحل من الحيرة حتى تطوف بالكعبة لا تخاف إلا الله.
الشيخ: وهذا يدل على فضل الصدقة ولو قليلة، لا يحقر الإنسان الصدقة ولو قليلة، ولو شقّ تمرة، والمقصود بيان أن الإنسان لا يحتقر الصدقة ولو بالقليل، فإن الصدقة القليلة تجتمع للفقير وتكثر: هذا تمرة، وهذا تمرتان، وهذا درهم، وهذا درهمان، تجتمع وتنفع الفقير.
ذكر المؤلف في غير هذا المكان قصة عائشة التي ذكرت -أظنها تقدمت- للزكاة: جاءتها امرأةٌ ومعها ابنتان تشحذ، قالت عائشة رضي الله عنها: فلم أجد في البيت إلا ثلاث تمراتٍ، فأعطيتها إياها، فأعطت كل واحدةٍ من بنتيها تمرةً، ورفعت تمرةً إلى فيها لتأكلها، فاستطعمتها ابنتاها، فشقتها بينهما –الثالثة- ولم تأكل شيئًا. قالت عائشة رضي الله عنها: فأعجبني شأنها، فلما جاء النبي ﷺ أخبرته، فقال عليه الصلاة والسلام: إن الله أوجب لها بها الجنة لأجل هذه الرحمة، وهذا العطف، نعم، والله يقول جلَّ وعلا: فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ [الزلزلة:7]، ويقول جلَّ وعلا: إِنَّ اللَّهَ لَا يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ وَإِنْ تَكُ حَسَنَةً يُضَاعِفْهَا [النساء:40]، ويقول : وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلَا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا وَإِنْ كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا وَكَفَى بِنَا حَاسِبِينَ [الأنبياء:47].
فالإنسان لا يحقر الخير، ولا يحقر الشر، يحرص على بذل الخير ولو قلَّ، ويحرص على البعد عن الشرِّ وإن قلَّ، فالشر يجتمع، والخير يجتمع، والواجب الحذر.
ومن أبلغ الآيات وأجمع الآيات -مثلما قال ﷺ- آية الزلزلة، سماها النبي ﷺ الآية الجامعة، الفاذَّة: فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ [الزلزلة:7، 8]، ترغيبٌ وترهيبٌ بأبلغ عبارةٍ، سبحان مَن أنزله! لا إله إلا هو.
س: فاذَّة؟
ج: يعني: فردة.
س: ما لها مثيلٌ؟
ج: ما نزل مثلها، لكن في المعنى: إِنَّ اللَّهَ لَا يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ [النساء:40]، وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ [الأنبياء:47]، لكن هذه صريحة، أصرح من الجميع.
وكنتُ فيمن افتتح كنوز كسرى بن هرمز، ولئن طالت بكم حياةٌ لترون ما قال النبي أبو القاسم ﷺ يُخرج ملء كفِّه.
حدثني عبدالله بن محمد: حدثنا أبو عاصم: أخبرنا سعيد بن بشر: حدثنا أبو مجاهد: حدثنا محل بن خليفة: سمعت عديًّا: كنت عند النبي ﷺ.
3596- حدثني سعيد بن شرحبيل: حدثنا ليث، عن يزيد، عن أبي الخير، عن عقبة بن عامر: أن النبي ﷺ خرج يومًا فصلى على أهل أحدٍ صلاته على الميت، ثم انصرف إلى المنبر فقال: إني فرطكم، وأنا شهيدٌ عليكم، إني والله لأنظر إلى حوضي الآن، وإني قد أُعطيت خزائن مفاتيح الأرض، وإني والله ما أخاف بعدي أن تُشركوا، ولكن أخاف أن تنافسوا فيها.
الشيخ: لأنه خاف من جهة الصحابة لما أعطاهم الله من العلم والفضل والبصيرة خاف عليهم من فتنة التنافس في المال، لا أنهم يرجعون إلى الشرك، بخلاف ما جاء في الأحاديث الأخرى: لا تقوم الساعة حتى يلحق حيٌّ من أمتي بالمشركين، وحتى تعبد فئامٌ من أمتي الأوثان، وفي الحديث الآخر: لا تقوم الساعة حتى تضطرب أليات نساء دوس في ذي الخلصة، وغيرها من الأحاديث الدالة على تغير الزمان ووقوع الشرك، فهذا شيءٌ، وهذا شيءٌ.
والحديث هذا في الصحابة لما أعطاهم الله من العلم والبصيرة.
س: صلاته على أهل أحد؟
ج: الظاهر أنه دعاءٌ لهم كما قال العلماء، دعاءٌ لهم كدعائه على الجنائز، أيش قال الشارح على صلَّى على أهل أحدٍ صلاته على الميت؟ العيني، أو ابن حجر.
أخذ به مَن قال أن النبي ﷺ صلَّى عليهم مطلقًا؛ لعمومه.
الطالب: تقدم الكلام عليه .....
الشيخ: يُراجع، نعم.
مداخلة: حديث ..... في باب الصدقة.
الشيخ: نعم.
الشيخ: أيش قال عليه الشارح؟ أو العيني تكلم؟ لكن الرواية الثانية: إلا ما قدَّم.
س: المخافتة بالقرآن .....؟
ج: الجهر والمخافتة، هذا له أوقات، إذا كانت المخافتة، إذا كان يقرأ وعنده مَن يُصلي يُخافت، لا يُشوش عليهم، وإذا كان حوله مَن يستمع يجهر؛ حتى يستفيدوا، حتى ينفعهم، وإذا كان حوله مُصلون أو قُراء فلا يجهر ويُشوش عليهم.
خرج النبي ﷺ على أناسٍ يُصلون ويجهرون، فقال ﷺ: كلكم يُناجي الله، فلا يجهر بعضكم على بعضٍ، وفي اللفظ الآخر: فلا يُؤذِ بعضكم بعضًا، نعم.
س: آيةٌ في القرآن: وَلَا تُخَافِتْ [الإسراء:110]؟
ج: هذا معنًى آخر، كان في مكة إذا جهر بالقرآن سبَّ المشركون القرآن وذمُّوه، وإن أخفى لم يسمعه مَن حوله، فأمره الله أن يقرأ قراءةً وسطًا يسمعها مَن حوله، ولا يسمعها المشركون فيسبوا القرآن، نعم.
3597- حدثنا أبو نعيم: حدثنا ابن عيينة، عن الزهري، عن عروة، عن أسامة قال: أشرف النبي ﷺ على أُطُمٍ من الآطام، فقال: هل ترون ما أرى؟ إني أرى الفتن تقع خلال بيوتكم مواقع القَطْر.
3598- حدثنا أبو اليمان: أخبرنا شعيب، عن الزهري قال: حدثني عروة بن الزبير: أن زينب بنت أبي سلمة حدثته: أن أم حبيبة بنت أبي سفيان حدثتها عن زينب بنت جحش: أن النبي ﷺ دخل عليها فزعًا يقول: لا إله إلا الله، ويلٌ للعرب من شرٍّ قد اقترب، فُتح اليوم من ردم يأجوج ومأجوج مثل هذا، وحلَّق بإصبعه وبالتي تليها، فقالت زينب: فقلت: يا رسول الله، أنهلك وفينا الصالحون؟ قال: نعم، إذا كثر الخبثُ.
الشيخ: وهذا فيه الوعيد والحذر، وأنه إذا ظهرت المعاصي والشرور ولم تُنكر فهذا من أسباب العقوبات العامة؛ ولهذا قالت زينب: يا رسول الله، أنهلك وفينا الصالحون؟ قال: نعم، إذا كثر الخبث، يعني: ظهر الخبث ولم يُنكر، فالناس على خطرٍ، العقوبة عامَّة، ..... في الحديث الصحيح الذي رواه الصديق ، يقول الصديق: عن النبي ﷺ أنه قال: إن الناس إذا رأوا المنكر ولم يُغيروه أوشك أن يعمَّهم الله بعقابه، نسأل الله العافية.
3599- وعن الزهري: حدثتني هند بنت الحارث: أن أم سلمة قالت: استيقظ النبي ﷺ، فقال: سبحان الله! ماذا أنزل من الخزائن؟ وماذا أنزل من الفتن؟.
3600- حدثنا أبو نعيم: حدثنا عبدالعزيز بن أبي سلمة بن الماجشون، عن عبدالرحمن بن أبي صعصعة، عن أبيه، عن أبي سعيدٍ الخدري قال: قال لي: إني أراك تُحب الغنم وتتخذها، فأصلحها وأصلح رعاتها، فإني سمعتُ النبي ﷺ يقول: يأتي على الناس زمانٌ تكون الغنم فيه خير مال المسلم، يتبع بها شعف الجبال -أو سعف الجبال- في مواقع القطر، يفر بدينه من الفتن.
الشيخ: وهذا عند تغير الأحوال وظهور الفتن، وخوف الإنسان على دينه؛ يُشرع له الخروج إلى البادية؛ ولهذا قال: يوشك أن يكون خير مال المسلم غنمٌ يتبع بها شعف الجبال ومواضع القطر، يفرُّ بدينه من الفتن؛ ولهذا قال أبو سعيدٍ لصاحبه هذا، أوصاه بأن يُصلح غنمه ورعاتها، ويعتني بها، فإنه يُوشك أن يحتاج للخروج.
أما إذا كان وجوده بين المسلمين في المدن والقرى أصلح فلا يخرج، وإنما هذا عند الفتن، وإذا كانت هناك قدرةٌ على البقاء فليبقَ؛ حتى يدعو إلى الله، ويحضر جماعة المسلمين، ويسمع العلم ويستفيد؛ ولهذا في الحديث الصحيح: المؤمن الذي يُخالط الناس ويصبر على أذاهم خيرٌ من المؤمن الذي لا يُخالط الناس، ولا يصبر على أذاهم.
ومن ذلك الدعوة إلى الله ونشر العلم: مَن دلَّ على خيرٍ فله مثل أجر فاعله، فعند كثرة الجهل يُشرع لأهل العلم أن ينتشروا في الناس، وأن يُعلموهم، ويُوجهوهم، ويُرشدوهم؛ حتى ينقذوهم من خطر الجهل، وحتى يُوضحوا لهم دينهم؛ حتى يكونوا على بصيرةٍ، نعم.
س: ................؟
ج: نسأل الله العافية، يقع هذا، كل هذا يقع، كل هذا قد وقع، لكن لا يقنط المؤمن، بل يعمل ويجتهد، ولا يقنط، بل يجتهد، يقول ﷺ: لا تزال هذه الأمة قائمةً على أمر الله حتى تقوم الساعة، وفي اللفظ الآخر: لا تزال طائفةٌ من أمتي على الحق منصورةً، لا يضرهم مَن خذلهم، ولا مَن خالفهم، حتى يأتي أمر الله، مع وجود الغُثاء، ومع وجود الجهل، لا تزال طائفةٌ منها على الحق، لا تزال الأمة بخيرٍ، فيها مَن يقوم بأمر الله حتى تقوم الساعة، حتى تطلع الشمس من مغربها، وحتى يُقبض المؤمنون، ويُرسل الله الريح الطيبة لتقبض أرواح المؤمنين، وقد أخبر النبي ﷺ أنه في آخر الزمان يُرسل الله ريحًا بعد طلوع الشمس من مغربها، فيقبض الله بها روح كل مؤمنٍ ومؤمنةٍ، حتى لا يبقى إلا الأشرار، فعليهم تقوم الساعة، نسأل الله العافية.
س: التَّعرب بعد الهجرة؟
ج: إذا دعت الحاجة إليه، التعرب، إذا ظهرت الفتن واحتاج إلى التعرب جاز، وإلا فالواجب البقاء في المدن والقرى للتعلم والتعليم، وحضور جماعة المسلمين، والتعاون على البرِّ والتقوى.
مداخلة: في الرواية عندي: "فأصلح وأصلح رعامها".
الشيخ: تكلم عليه بشيءٍ؟
الطالب: ذكر هنا، قال: وقوله: "ورعامها" بضم الراء، وتخفيف العين المهملة، وهو المخاط، يقال: شاةٌ رعوم؛ بها ماءٌ يسيل من أنفها، الرعام أي: نَحِّ الرعام منها. ويُروى "رعاتها" جمع الراعي.
الشيخ: هو الأظهر، الأظهر "رعاتها"؛ لأن سيلان الماء من أنفها سهلٌ، والمقصود إصلاح الرعاة، وأن يتولاها الرعاة الأمناء المصلحون، ويجتهد في إصلاحها بحيث تكون في المراعي الطيبة، والمحلات الطيبة، ويختار لها المرعى الطيب، والرعي الطيب، لا يُهملها.
س: هذه الوصية من أبي سعيدٍ لأبي صعصعة؟
ج: نعم، وفي اللفظ الآخر: إذا كنت في غنمك أو باديتك فارفع صوتك بالنداء؛ فإنه لا يسمع صوت المؤذن شجرٌ ولا حجرٌ ولا شيءٌ إلا شهد له يوم القيامة.
س: حديث الصديق الذي ..... هل هو موقوفٌ أو مرفوعٌ؟
ج: مرفوعٌ إلى النبي ﷺ، يقول: سمعت النبي ﷺ. رواه أحمد في "المسند" بإسنادٍ صحيحٍ عن الصديق في أول "مسند أحمد" -رحمه الله- ورواه غيره.
س: لماذا خصَّ العرب، يقول: ويلٌ للعرب من شرٍّ قد اقترب؟
ج: لأنهم هم قادة الناس، وهم أئمة الناس، فإذا فسدوا فسد الناس إلا مَن رحم الله.
س: هل جنس العرب أفضل من جنس العجم؟
ج: عند أهل السنة نعم في الجملة، لكن من جهة الدين: إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ [الحجرات:13]، لكن من جهة الأنساب العرب مُقدَّمون على العجم، لكن لا ينفعهم كونهم أفضل من العجم، لا ينفعهم في الدين: إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ.
الشيخ: تقدم أن مثل هذا عند خفاء الأمر، عند اشتباه الأمور: أن يحرص على البُعد عنها، وأما عند ظهور الحق فالواجب أن يكون مع أهل الحق، الواجب أن يكون مع أنصار الحق، نعم.
3602- وعن ابن شهابٍ: حدثني أبو بكر بن عبدالرحمن بن الحارث، عن عبدالرحمن بن مطيع بن الأسود، عن نوفل بن معاوية، مثل حديث أبي هريرة هذا، إلا أن أبا بكر يزيد: من الصلاة صلاةٌ مَن فاتته فكأنما وُتِرَ أهله وماله.
3603- حدثنا محمد بن كثير: أخبرنا سفيان، عن الأعمش، عن زيد بن وهب، عن ابن مسعودٍ، عن النبي ﷺ قال: ستكون أَثَرَةٌ وأمورٌ تُنكرونها، قالوا: يا رسول الله، فما تأمرنا؟ قال: تُؤدون الحق الذي عليكم، وتسألون الله الذي لكم.
الشيخ: يعني: إذا تغير الولاة وحصل منهم الظلم والجور، فالواجب على الرعية السمع والطاعة في المعروف، وأن يُؤدوا لهم حقوقهم من الزكاة والسمع والطاعة، ويسألوا الله الذي لهم، يُؤدون حقَّهم، ويسألون الله الذي لهم؛ حتى تستتب الأمور، ويطمئن الناس، ويثبت الأمن، ولو ظلموا وجاروا فظلمهم وجورهم يضرهم هم، ويضر مَن ساعدهم، وعلى المسلم السمع والطاعة في المعروف، والتعاون معهم في طاعة الله ، كما جرى في عهد الصحابة ومن بعدهم؛ لأن الخروج عليهم يُسبب الفتن العظيمة، والشر الكثير، وزوال الأمن، وعدم ظهور الحق، لكن النصيحة لهم، والتوجيه، والأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، تُبذل النصيحة مع السمع والطاعة لهم بالمعروف، والمؤمن يُؤدي لهم الذي عليه من السمع والطاعة، والزكاة، ونحو ذلك، ويسأل الله الذي له؛ ولهذا قال: أدُّوا إليهم حقَّهم، وسلوا الله الذي لكم، وقال ﷺ: إنما الطاعة بالمعروف، فيُطيعهم بالمعروف، وإذا أمروا بمعصيةٍ فلا يُطيع في المعاصي، ولكن لا يمنعهم من أداء الحقوق التي لهم، والتعاون معهم على البرِّ والتقوى، وعلى استتباب الأمن، وقتال الباغي، وقتال الكفرة، والجهاد في سبيل الله، وإن كان عندهم نقصٌ، نعم.
س: ...............؟
ج: نعم، إنما الطاعة في المعروف، لكن لا يجب الخروج، بل يجب السمع والطاعة في المعروف، والتعاون على البرِّ والتقوى.
3604- حدثني محمد بن عبدالرحيم: حدثنا أبو معمر إسماعيل بن إبراهيم: حدثنا أبو أسامة: حدثنا شعبة، عن أبي التياح، عن أبي زرعة، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله ﷺ: يهلك الناس هذا الحي من قريش، قالوا: فما تأمرنا؟ قال: لو أن الناس اعتزلوهم.
قال محمود: حدثنا أبو داود: أخبرنا شعبة، عن أبي التياح: سمعت أبا زرعة.
الشيخ: أيش قال الشارح على: يهلك الناس هذا الحي من قريش؟
س: أحسن الله إليك، قوله عليه الصلاة والسلام: إني أرى الفتن تقع خلال بيوتكم؟
ج: الفتن أنواعٌ، الفتن كثيرةٌ مثلما قال ﷺ: فتن الأولاد، وفتن النساء، وفتن الشهوات، وفتن الشبهات، كلها تقع من قديم الزمان، من حين قتل عمر، ثم جاءت الفتن تترى .....: وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى [النجم:3، 4] عليه الصلاة والسلام.
س: الأجهزة الحديثة كـ(التلفاز) تدخل في هذا؟
ج: هذا متأخر، وهو منها، من أخطرها، الأمر قبل ذلك، فتن الشهوات والأهواء من عهد النبي ﷺ وبعده، والله المستعان، هذا شيءٌ جديدٌ أشدّ وأخطر.
الطالب: أحسن الله إليك، قال هنا: "يهلك" بضم الياء من الإهلاك، و"الناس" بالنصب مفعولٌ.
وقوله: هذا الحي بالرفع فاعلٌ، يعني: بسبب وقوع الفتن والحروب بينهم يتخبط أحوال الناس.
الشيخ: فقط؟
الطالب: نعم.
الشيخ: "لو اعتزلوهم" يعني: عند ظهور مصلحة الاعتزال، وإذا كانت المصلحة في عدم الاعتزال ساعد المحقين، مثلما ساعد الصحابةُ عليًّا على الخوارج: تقتلهم أولى الطائفتين بالحق .....
..................
المقصود أن هذه قاعدةٌ ينبغي أن نعلمها: كل ما جاء من النهي عن الدخول في الفتن واعتزال الفتن فالمراد بذلك عند الاشتباه، أما إذا ظهر الحق للمؤمن فإنه يُساعد أهل الحق، إن انقسم الناس فإنه ينظر، فإن ظهر له الحق فليساعد أهل الحق، وإن خفي عليه فليعتزل.
نعم، هذه قاعدةٌ؛ ولهذا قال: تقتلهم أولى الطائفتين بالحق، كما في الآية الكريمة: وَإِنْ طَائِفَتَانِ الآية [الحجرات:9]، وإلا لو ترك الناس وترك المحقَّ علا الباطل وانتشر؛ ولهذا وجب على المسلمين في فتنة عثمان وعليٍّ أن يُساعدوا ......
الشيخ: منهم يزيد بن معاوية، الذي كان سبب شرٍّ عظيمٍ على أهل المدينة يوم الحرَّة، ومنهم ما جرى من محمد بن أبي بكر وجماعته ضد عثمان، إلى غير ذلك.
وقع كثيرٌ من الفتن بسبب غلمةٍ جهلوا الحق، نعم، وأشاعوا الفتنة، ونصبوا الحروب بسبب جهلهم، مثلما يقع الآن من كثيرٍ من الشباب في الجزائر والصومال، وفي غيرها؛ حتى اشتعلت الفتن بسبب الجهل.
الشيخ: وهذا حديثٌ عظيمٌ، وأخرجه مسلمٌ أيضًا، فالحديث في "الصحيحين" فيه تفصيل ما يقع، وهو الواقع كما أخبر ﷺ، فإن بعد الخير الذي جاء به ﷺ جاءت فتنٌ وشرورٌ، كما جرى وقت عليٍّ ومعاوية وغيره، ووقت يزيد، وغير ذلك، ثم جاء خيرٌ عظيمٌ، وانتشر الإسلام في عهد عمر بن عبدالعزيز وبعده، وغالب بني العباس، وقام سوق الجهاد، وانتشر الإسلام، ثم جاءت الشرور.
وهذا الخير الذي جاء أخيرًا فيه دخنٌ، قلت: وما دخنه؟ قال: قومٌ يهدون بغير هديي، تعرف منهم وتُنكر يعني: تعرف أشياء، وتُنكر أشياء، قال: فهل بعد هذا الخير من شرٍّ؟ قال: نعم، دعاةٌ على أبواب جهنم، مثل وقتنا هذا، وقبله بأوقاتٍ كثيرةٍ: انتشار الرافضة، والجهمية، والمعتزلة، والخوارج، والعلمانيين، ودعاة الشيوعية، إلى غير هذا، شرٌّ عظيمٌ، كلهم دُعاةٌ إلى أبواب جهنم، مَن أجابهم قذفوه فيها.
قلت: صِفهم لنا يا رسول الله. قال: هم من جلدتنا، ويتكلمون بألسنتنا، هذا في المنافقين وأشباههم من الشيعة الرافضة والجهمية، يتكلمون بلسان الإسلام، وهم حربٌ على الإسلام، ودعاةٌ على أبواب جهنم، لا يقولون: تعالوا إلى جهنم. ولكن يقولون: تعالوا إلى الإسلام. يُلبسون على الناس، مَن أجابهم قذفوه فيها.
قلت: صفهم لنا. قال: هم من جلدتنا، ويتكلمون بألسنتنا، عربٌ أيضًا، قلت: فما تأمرني إن أدركني ذلك؟ قال: تلزم جماعة المسلمين وإمامهم، تلزم الجماعة المسلمة، وإمامها: رئيسها، قلت: فإن لم يكن لهم جماعةٌ ولا إمامٌ؟ قال: فاعتزل تلك الفرق كلها، ولو أن تعضَّ على أصل شجرةٍ حتى يدركك الموت وأنت على ذلك، وهذا يُعايشه مَن كان في أمريكا، وفي أوروبا، وفي غيرها من المراكز الإسلامية.
فعلى المسلم أن يلزم جماعة المسلمين إذا وجدهم في أي مركزٍ، إذا وجد جماعةً مستقيمةً على الإسلام وعلى طريقة أهل السنة والجماعة والدعوة إلى الحق يلزمهم، ويستقيم معهم، ويتعاون معهم حتى يدركه الموت، فإذا ما وجد شيئًا، وهو على الحق -يعرف الحق- يلزم الحق ولو مات وحده، لا يصير مع أهل الباطل يُساعدهم إذا ما وجد لهم إمامًا ولا جماعةً، أما إذا وجد جماعةً -ولو ثلاثة، ولو اثنين- يقول ابن مسعودٍ لعمرو بن ميمون: "الجماعة مَن وافق الحق، وإن كنت وحدك"، فإذا وجد مركزًا فيه ثلاثةٌ أو عشرةٌ على الحق يلزمهم.
وهكذا في أوروبا، وفي أفريقيا، وفي أستراليا، وفي إسبانيا، وفي أي مكانٍ إذا وجد مَن يُعينه على الحق يلزمهم، ويكون معهم، ويتعاون معهم، فإذا كان في مكانٍ ما فيه أحدٌ، وهو يعرف الحق؛ يلزم الحق، فيكون هو الجماعة، وإن كان واحدًا، إذا ما وجد أحدًا.
س: ..............؟
ج: يمكن، تكفي أحاديث النبي ﷺ، تغنينا عن كعب الأحبار وأخباره.
س: دُعاة القومية العربية؟
ج: من دُعاة الجاهلية، من دُعاة النار.
3607- حدثني محمد بن المثنى، قال: حدثني يحيى بن سعيد، عن إسماعيل: حدثني قيس، عن حذيفة قال: تعلم أصحابي الخير، وتعلمتُ الشر.
3608- حدثنا الحكم بن نافع: حدثنا شعيب، عن الزهري قال: أخبرني أبو سلمة: أن أبا هريرة قال: قال رسول الله ﷺ: لا تقوم الساعة حتى يقتتل فئتان دعواهما واحدةٌ.
الشيخ: قف على هذا.
الطالب: الكلام في الصلاة على شهداء أحدٍ.
الشيخ: إي، نعم.
الطالب: قوله: "باب الصلاة على الشهداء" قال الزين ابن المنير: أراد: باب حكم الصلاة على الشهيد؛ ولذلك أورد فيه حديث جابرٍ الدال على نفيها، وحديث عقبة الدال على إثباتها.
قال: ويحتمل أن يكون المراد: باب مشروعية الصلاة على الشهيد في قبره، لا قبل دفنه؛ عملًا بظاهر الحديثين.
قال: والمراد بالشهيد: قتيل المعركة في حرب الكفار. انتهى.
وكذا المراد بقوله بعد: "مَن لم يرَ غسل الشهيد"، ولا فرق في ذلك بين المرأة والرجل، صغيرًا أو كبيرًا، حرًّا أو عبدًا، صالحًا أو غير صالحٍ.
وخرج بقوله: "المعركة" مَن جُرح في القتال، وعاش بعد ذلك حياةً مستقرةً.
وخرج بـ"حرب الكفار" مَن مات بقتال المسلمين: كأهل البغي.
وخرج بجميع ذلك مَن سُمي "شهيدًا" بسببٍ غير السبب المذكور، وإنما يقال له "شهيدٌ" بمعنى: ثواب الآخرة.
وهذا كله على الصحيح من مذاهب العلماء، والخلاف في الصلاة على قتيل معركة الكفار مشهورٌ؛ قال الترمذي: قال بعضهم: يُصلى على الشهيد، وهو قول الكوفيين وإسحاق، وقال بعضهم: لا يُصلَّى عليه، وهو قول المدنيين والشافعي وأحمد.
وقال الشافعي في "الأم": جاءت الأخبار كأنها عيانٌ من وجوهٍ متواترةٍ: أن النبي ﷺ لم يُصلِّ على قتلى أحدٍ، وما رُوي أنه صلَّى عليهم وكبَّر على حمزة سبعين تكبيرةً لا يصح، وقد كان ينبغي لمن عارض بذلك هذه الأحاديث الصحيحة: أن يستحيي على نفسه.
قال: وأما حديث عقبة بن عامر فقد وقع في نفس الحديث أن ذلك كان بعد ثمان سنين يعني، والمخالف يقول: لا يُصلى على القبر إذا طالت المدة!
قال: وكأنه ﷺ دعا لهم، واستغفر لهم حين علم قرب أجله؛ مُودعًا لهم بذلك، ولا يدل ذلك على نسخ الحكم الثابت. انتهى.
وما أشار إليه من المدة والتوديع قد أخرجه البخاري أيضًا، كما سنُنبه عليه بعد هذا، ثم إن الخلاف في ذلك في منع الصلاة عليهم على الأصح عند الشافعية -وفي وجهٍ-: أن الخلاف في الاستحباب، وهو المنقول عن الحنابلة، قال الماوردي: عن أحمد: الصلاة على الشهيد أجود، وإن لم يُصلوا عليه أجزأ.
الشيخ: والعيني أيش يقول؟
الطالب: قال في موضعٍ آخر: قوله: "صلاته" بالنصب، أي: مثل صلاته، زاد في غزوة أحدٍ من طريق حيوة بن شريح، عن يزيد: بعد ثمان سنين كالمودع للأحياء والأموات. وزاد فيه: فكانت آخر نظرةٍ نظرتها إلى رسول الله ﷺ. وسيأتي الكلام على الزيادة هناك، إن شاء الله تعالى.
وكانت أحد في شوال سنة ثلاثٍ، ومات ﷺ في ربيع الأول سنة إحدى عشرة، فعلى هذا ففي قوله: "بعد ثمان سنين" تجوزٌ على طريق جبر الكسر، وإلا فهي سبع سنين ودون النصف.
واستدلَّ به على مشروعية الصلاة على الشهداء، وقد تقدم جواب الشافعي عنه بما لا مزيد عليه.
وقال الطحاوي: معنى صلاته ﷺ عليهم لا يخلو من ثلاثة معانٍ: إما أن يكون ناسخًا لما تقدم من ترك الصلاة عليهم، أو يكون من سنتهم ألا يُصلي عليهم إلا بعد هذه المدة المذكورة، أو تكون الصلاة عليهم جائزةً، بخلاف غيرهم؛ فإنها واجبةٌ.
وأيها كان فقد ثبت بصلاته عليهم الصلاة على الشهداء، ثم كأن الكلام بين المختلفين في عصرنا إنما هو في الصلاة عليهم قبل دفنهم، وإذا ثبتت الصلاة عليهم بعد الدفن كانت قبل الدفن أولى. انتهى.
وغالب ما ذكره بصدد المنع، لا سيما في دعوى الحصر، فإن صلاته عليهم تحتمل أمورًا أُخر: منها: أن تكون من خصائصه، ومنها: أن تكون بمعنى الدعاء كما تقدم، ثم هي واقعة عينٍ لا عمومَ فيها، فكيف ينتهض الاحتجاج بها لدفع حكمٍ قد تقرر؟!
ولم يقل أحدٌ من العلماء بالاحتمال الثاني الذي ذكره، والله أعلم.
قال النووي: المراد بالصلاة هنا الدعاء، وأما كونه مثل الذي على الميت فمعناه: أنه دعا لهم بمثل الدعاء الذي كانت عادته أن يدعو به للموتى.
الشيخ: هذا هو الأقرب -والله أعلم- يعني: في آخر حياته؛ لأنه ﷺ عاش بعد أحدٍ سبع سنين وأشهر، دعا لهم في أول السنة الثامنة بعد أحدٍ قبل وفاته؛ لأنه تُوفي في ربيع الأول سنة إحدى عشرة .....، وأحد معلومٌ أنه وقع في آخر السنة الثالثة، فيكون مضى عليها سبع سنين، مضى على وقعة أحدٍ سبع سنين وأشهر.
المقصود: أن الأقرب -والله أعلم- أن المراد: دعا لهم دعا الميت، استغفر لهم، ودعا لهم، كالمودع للأحياء والأموات، كما في الحديث؛ لأن عدم الصلاة عليهم حكمٌ مستقرٌّ، قد استقرَّ وعُلِمَ، نعم.
س: الصواب أنه الدعاء؟
ج: لأنه عُلم أنه لم يُصلِّ عليهم، وقد استقرت السنة أنه لا يُصلَّى على الشهداء؛ لأنهم أحياء عند ربهم يُرزقون.
الطالب: قوله: هلكة أمتي في رواية المكي: هلاك أمتي، وهو المطابق لما في الترجمة، وفي رواية عبدالصمد: هلاك هذه الأمة، والمراد بالأمة هنا: أهل ذلك العصر ومَن قاربهم، لا جميع الأمة إلى يوم القيامة.
قوله: على يدي غلمةٍ كذا للأكثر.
الشيخ: يكفي، يكفي.