أرأيت قوله (حتى إذا استيأس الرسل وظنوا أنهم قد كذبوا) أو كذبوا؟ قالت «بل كذبهم قومهم»

3389- حدثنا يحيى بن بُكير: حدثنا الليث، عن عقيل، عن ابن شهابٍ قال: أخبرني عروة: أنه سأل عائشة رضي الله عنها -زوج النبي ﷺ-: أرأيتِ قوله: حَتَّى إِذَا اسْتَيْأَسَ الرُّسُلُ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُوا [يوسف:110] أو كُذِّبُوا؟ قالت: بل كذَّبهم قومهم. فقلت: والله لقد استيقنوا أن قومهم كذَّبوهم، وما هو بالظن! فقالت: يا عُرية، لقد استيقنوا بذلك. قلت: فلعلها: أو كُذِبُوا. قالت: معاذ الله، لم تكن الرسل تظن ذلك بربها. وأما هذه الآية، قالت: هم أتباع الرسل الذين آمنوا بربهم وصدَّقوهم، وطال عليهم البلاء، واستأخر عنهم النصر، حتى إذا استيأست ممن كذَّبهم من قومهم، وظنوا أن أتباعهم كذَّبوهم، جاءهم نصر الله.

قال أبو عبدالله: اسْتَيْأَسُوا [يوسف:80] استفعلوا، من يئست منه، من يوسف: وَلَا تَيْأَسُوا مِنْ رَوْحِ اللَّهِ [يوسف:87] معناه الرجاء.

3390- أخبرني عبدة: حدثنا عبدالصمد، عن عبدالرحمن، عن أبيه، عن ابن عمر رضي الله عنهما، عن النبي ﷺ قال: الكريم، ابن الكريم، ابن الكريم، ابن الكريم: يوسف بن يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم عليهم السلام.

الشيخ: أيش قال الشارح على الترجمة، على حديث عائشة؟

القارئ: تابعٌ، ليس له ترجمةٌ خاصَّةٌ.

الشيخ: الكلام على الحديث.

القارئ: السابع: حديث عائشة في تفسير قوله تعالى: حَتَّى إِذَا اسْتَيْأَسَ الرُّسُلُ، وسيأتي شرحه في آخر تفسير سورة يوسف.

قوله: اسْتَيْأَسُوا استفعلوا، من يئست منه، من يوسف، وقع في كثيرٍ من الروايات: افتعلوا، والصواب الأول.

وفي تفسير ابن أبي حاتم من طريق ابن إسحاق: فَلَمَّا اسْتَيْأَسُوا [يوسف:80] أي: لما حصل لهم اليأس من يوسف.

قوله: وَلَا تَيْأَسُوا مِنْ رَوْحِ اللَّهِ [يوسف:87] معناه: من الرجاء.

وروى ابن أبي حاتم من طريق سعيد بن بشير، عن قتادة: لَا تَيْأَسُوا مِنْ رَوْحِ اللَّهِ أي: من رحمة الله.

تنبيهٌ: مطابقة هذا الحديث للترجمة وقوع الآية في سورة يوسف، ودخوله هو في عموم قوله: وَمَا أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ إِلَّا رِجَالًا نُوحِي إِلَيْهِمْ [الأنبياء:7]، وكان مقامه في السجن تلك المدة الطويلة إلى أن جاءه النصر من عند الله تعالى بعد اليأس؛ لأنه أمر الفتى الذي ظنَّ أنه ناجٍ أن يذكر قصته، وأنه حُبس ظلمًا، فلم يذكرها إلا بعد سبع سنين، وفي مثل هذا يحصل اليأس في العادة المطردة.

الشيخ: والعيني؟

الطالب: أحسن الله إليك، قال في أوله: ما رأيتُ أحدًا ذكر وجه مُطابقة هذا الحديث للترجمة، ولكن له مناسبةٌ للحديث السابق من حيث مجيء النصر في حقِّ كلٍّ ممن ذُكِرَ فيها بعد اليأس، فيكون هذا مُطابقًا للحديث السابق من هذا الوجه، ثم نقول: المطابق للمُطابق للشيء مُطابقٌ لذلك الشيء.

ورجاله ذُكروا غير مرةٍ.

قوله: "أرأيتِ" أي: أخبريني.

قوله: "وقوله" أي: قول الله تعالى: حَتَّى إِذَا اسْتَيْأَسَ الرُّسُلُ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُوا [يوسف:110]، وتمام الآية: جَاءَهُمْ نَصْرُنَا فَنُجِّيَ مَنْ نَشَاءُ وَلَا يُرَدُّ بَأْسُنَا عَنِ الْقَوْمِ الْمُجْرِمِينَ [يوسف:110].

قوله: إِذَا اسْتَيْأَسَ الرُّسُلُ من اليأس، وهو القنوط، ونذكر بقية الكلام فيه عن قريبٍ.

قوله: وَظَنُّوا أي: الرسل، وَظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُوا، وفهم عروةُ من ظاهر الكلام: أن نسبة الظن بالتَّكذيب لا يليق في حقِّ الرسل، فقالت له عائشة: ليس كما زعمتَ، بل معناه ما أشارت إليه بقولها بكلمة الإضراب: "بل كذَّبهم قومهم" في وعد العذاب.

وقريبٌ منه ما رُوي عن ابن عباسٍ: وظنوا حين ضعفوا وغُلِبوا أنهم قد أُخلفوا ما وعدهم الله من النصر.

وقال الزمخشري: وَظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُوا أي: كذَّبتهم أنفسهم حين حدَّثتهم بأنهم يُنصرون.

قوله: "فقلت" القائل هو عروة، فكأنه أشكل عليه قوله: وَظَنُّوا لأنهم تيقنوا، وما ظنوا، فقال: والله لقد استيقنوا أن قومهم كذَّبوهم. فردت عليه عائشةُ بقولها: "يا عُرية، لقد استيقنوا بذلك"، وأشارت بذلك إلى أن الظن هنا بمعنى اليقين، كما في قوله تعالى: وَظَنُّوا أَنْ لَا مَلْجَأَ مِنَ اللَّهِ إِلَّا إِلَيْهِ [التوبة:118] أي: تيقَّنوا.

ثم عاد عروة إليها فقال: "أو كُذِبُوا" بالتخفيف، ولفظ القرآن على لفظ الفاعل على معنى: وظنَّ الرسل أنهم قد كذبوا فيما حدَّثوا به قومهم. فأجابت عائشةُ بقولها: "معاذ الله، لم تكن الرسل تظن ذلك بربها"، وأشارت بذلك إلى ما فهمه عروة منه.

ولما لم ترضَ عائشةُ بما قاله في الموضعين خاطبته بقولها: "يا عُرية" بالتصغير، ولكنه تصغير الشفقة والمحبة والدَّلال، وليس تصغير التحقير، وأصلها: عريوة، اجتمعت الياء والواو، وسبقت إحداهما بالسكون؛ فقُلبت الواو ياءً، وأُدغمت الياء في الياء.

قوله: "وأما هذه الآية" جواب "أما" محذوفٌ، تقديره: فالمراد من الظانين فيها، هم أتباع الرسل ... إلى آخره.

قال أبو عبدالله: اسْتَيْأَسُوا [يوسف:80] افتعلوا، من يئست منه، من يوسف.

أبو عبدالله هو البخاري نفسه.

قوله: "افتعلوا" يعني: وزن اسْتَيْأَسُوا افتعلوا، وليس كذلك، بل وزنه: استفعلوا، والسين والتاء فيه زائدتان للمُبالغة.

وقال الكرماني: اسْتَيْأَسُوا استفعلوا، وفي بعض النسخ: افتعلوا، وغرضه بيان المعنى، وأن الطلب ليس مقصودًا فيه، ولا بيان الوزن والاشتقاق.

قلت: قال بعضهم: في كثيرٍ من الروايات: افتعلوا.

وقوله: "إن الطلب ليس مقصودًا منه" كلام واهٍ؛ لأن مَن قال: "إن السين فيه للطلب" قال: ليس إلا للمُبالغة كما ذكرناه، نصّ الزمخشري عليه في قوله تعالى: فَلَمَّا اسْتَيْأَسُوا مِنْهُ خَلَصُوا نَجِيًّا [يوسف:80].

قوله: "ولا بيان الوزن" أيضًا كلام واهٍ؛ لأنه إذا لم يكن مُراده بيان الوزن لِـمَ قال: اسْتَيْأَسُوا افتعلوا؟! وهذا عين بيان الوزن، والظاهر أن مثل هذا من قصور اليد في علم التَّصريف.

وَلَا تَيْأَسُوا مِنْ رَوْحِ اللَّهِ [يوسف:87] معناه الرجاء.

أشار بهذا إلى أن الروح في قوله تعالى: وَلَا تَيْأَسُوا مِنْ رَوْحِ اللَّهِ بمعنى: الرجاء.

وعن قتادة: أي: لا تيأسوا من رحمة الله. كذا رواه ابن أبي حاتم من طريق سعيد بن بشير عنه.

الشيخ: لا شك أن المقام مقامٌ عظيمٌ: وَظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُوا [يوسف:110] أو "كُذِّبوا"، مقامٌ عظيمٌ، فإذا قُرئ بالتخفيف فكيف يظن الرسلُ أو يتيقَّنوا أنهم كذبوا؟! وإذا قُرئ بالتشديد: "كُذِّبوا" وظنوا بمعنى: أيقنوا؛ ما بقي إشكالٌ؛ لأن الرسل أيقنوا أن قومهم قد كذَّبوهم، فالظن هنا بمعنى اليقين، كما في قوله جلَّ وعلا: الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلَاقُو اللَّهِ [البقرة:249]، وَظَنُّوا أَنْ لَا مَلْجَأَ مِنَ اللَّهِ إِلَّا إِلَيْهِ [التوبة:118] بمعنى اليقين، فالرسل قد أيقنوا أن قومهم قد كذَّبوهم، وهم ينتظرون النصر من الله عليهم، فيُقرأ بالتخفيف، ومُقتضى المقام أن يُقرأ بالتثقيل: "كُذِّبوا" يعني: أيقنوا أنهم قد جاءهم نصرنا، بينما الإشكال في قراءة التخفيف: وَظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُوا يعني: أخبروا بالكذب، يعني: سوَّلت لهم أنفسهم، وظنوا هذا، هو محل الإشكال، فعلى قراءة التخفيف عروة أشكل عليه الأمر، وهو واضحٌ، سواءٌ صار الظن على بابه، أو على معنى اليقين، فهو مُشكلٌ على قراءة: "كُذِبُوا".

وقول مَن قال: "إنه لما اشتدَّ الأمر عليهم وعظمت المصيبة جاء هذا الظن" فيه نظرٌ، فالمتبادر في قراءة مَن قرأ بالتثقيل أظهر من حيث المعنى؛ لأن التخفيف فيه إشكالٌ كبيرٌ.

باب قول الله تعالى: وَأَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ [الأنبياء:83]

ارْكُضْ [ص:42]: اضرب، يَرْكُضُونَ [الأنبياء:12]: يَعْدُون.

3391- حدثني عبدالله بن محمد الجعفي: حدثنا عبدالرزاق: أخبرنا معمر، عن همام، عن أبي هريرة ، عن النبي ﷺ قال: بينما أيوب يغتسل عُريانًا خَرَّ عليه رِجْلُ جرادٍ من ذهبٍ، فجعل يحثي في ثوبه، فناداه ربُّه: يا أيوب، ألم أكن أغنيتُك عما ترى؟! قال: بلى يا رب، ولكن لا غنى لي عن بركتك.

الشيخ: يعني: ما يسوقه الله لعباده من أرزاقٍ من بركته سبحانه، والعباد لا غنى لهم عن بركته إذا زادهم من فضله، وهذه من آيات الله: كونه رِجْل جرادٍ من ذهبٍ من آيات الله، فالجراد يطير، وهو ذهبٌ: إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ [يس:82] .

باب وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ مُوسَى إِنَّهُ كَانَ مُخْلَصًا وَكَانَ رَسُولًا نَبِيًّا ۝ وَنَادَيْنَاهُ مِنْ جَانِبِ الطُّورِ الْأَيْمَنِ وَقَرَّبْنَاهُ نَجِيًّا كلَّمَه، وَوَهَبْنَا لَهُ مِنْ رَحْمَتِنَا أَخَاهُ هَارُونَ نَبِيًّا [مريم:51- 53]، يقال للواحد وللاثنين والجميع: نجي، ويُقال: خَلَصُوا نَجِيًّا [يوسف:80]: اعتزلوا نجيًّا، والجميع: أنجية، يتناجون

3392- حدثنا عبدالله بن يوسف: حدثنا الليث، قال: حدثني عقيل، عن ابن شهابٍ: سمعتُ عروة قال: قالت عائشة رضي الله عنها: فرجع النبي ﷺ إلى خديجة يرجف فؤاده، فانطلقتْ به إلى ورقة بن نوفل، وكان رجلًا تَنَصَّر، يقرأ الإنجيل بالعربية، فقال ورقة: ماذا ترى؟ فأخبره، فقال ورقة: هذا النَّاموس الذي أنزل الله على موسى، وإن أدركني يومك أنصرك نصرًا مُؤزَّرًا.

الناموس: صاحب السر الذي يُطلعه بما يستره عن غيره.

الشيخ: وهو جبرائيل، أرسله الله للرسل، السفير بين الله ورسله، نعم.

س: ورقة قال: "هذا الناموس الذي أنزل الله على موسى" مع أنه نصرانيٌّ! كيف قال هذا؟! ما قال: عيسى؟!

ج: لأن رسالة عيسى تابعةٌ لموسى، والإنجيل تابعٌ للتوراة، نعم.

مداخلة: عندنا زيادةٌ: قوله: تلقفوا، تلقموا، يُقال للواحد وللاثنين والجميع: نجي، ويقال: خَلَصُوا نَجِيًّا: اعتزلوا نجيًّا، والجميع: أنجية يتناجون، تلقفوا، تلقموا.

القارئ: موجودٌ بالشرح.

الشيخ: طيب.

باب قول الله : وَهَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ مُوسَى ۝ إِذْ رَأَى نَارًا

إلى قوله: بِالْوَادِ الْمُقَدَّسِ طُوًى [طه:9- 12]

آنَسْتُ: أبصرت، نَارًا لَعَلِّي آتِيكُمْ مِنْهَا بِقَبَسٍ الآية [طه:10].

قال ابن عباسٍ: المقدس: المبارك.

طوى: اسم الوادي.

سِيرَتَهَا [طه:21]: حالتها، والنهى: التقى.

بِمَلْكِنَا [طه:87]: بأمرنا.

هَوَى [طه:81]: شَقِيَ.

فَارِغًا [القصص:10]: إلا من ذكر موسى.

رِدْءًا [القصص:34]: كي يُصدقني، ويقال: مُغيثًا، أو مُعينًا، يبطش ويبطش.

يَأْتَمِرُونَ [القصص:20]: يتشاورون.

والجذوة: قطعةٌ غليظةٌ من الخشب، ليس فيها لهبٌ.

سَنَشُدُّ [القصص:35]: سنُعينك، كلما عززتَ شيئًا فقد جعلتَ له عضدًا.

وقال غيره: كلما لم ينطق بحرفٍ، أو فيه تمتمةٌ، أو فأفأةٌ؛ فهي عقدةٌ.

أَزْرِي [طه:31]: ظهري.

فَيُسْحِتَكُمْ [طه:61]: فيُهلككم.

الْمُثْلَى [طه:63]: تأنيث الأمثل، يقول: بدينكم، يقال: خذ المثلى، خذ الأمثل.

ثُمَّ ائْتُوا صَفًّا [طه:64]، يقال: هل أتيت الصف اليوم؟ يعني: المصلَّى الذي يُصلَّى فيه.

فَأَوْجَسَ [طه:67]: أضمر خوفًا، فذهبت الواو من خِيفَةً [طه:67] لكسرة الخاء.

فِي جُذُوعِ النَّخْلِ [طه:71]: على جذوع.

خَطْبُكَ [طه:95]: بالك.

مِسَاسَ [طه:97]: مصدر ماسَّه مساسًا.

لَنَنْسِفَنَّهُ [طه:97]: لنذرينَّه.

الضّحاء: الحر.

قُصِّيهِ [القصص:11]: اتَّبعي أثره، وقد يكون أن تقصَّ الكلام: نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ [يوسف:3].

عَنْ جُنُبٍ [القصص:11]: عن بُعْدٍ، وعن جنابةٍ، وعن اجتنابٍ. واحدٌ.

قال مجاهد: عَلَى قَدَرٍ [طه:40]: موعد.

لَا تَنِيَا [طه:42]: لا تضعفا.

يَبَسًا [طه:77]: يابسًا.

مِنْ زِينَةِ الْقَوْمِ [طه:87]: الحُلِي الذي استعاروا من آل فرعون.

فقذفتها: ألقيتُها، أَلْقَى [طه:87]: صنع.

فَنَسِيَ [طه:88]: موسى، هم يقولونه: أخطأ الرب.

أَلَّا يَرْجِعُ إِلَيْهِمْ قَوْلًا [طه:89]: في العجل.

3393- حدثنا هدبة بن خالد: حدثنا همام: حدثنا قتادة، عن أنس بن مالك، عن مالك بن صعصعة: أن رسول الله ﷺ حدَّثهم عن ليلة أُسْرِيَ به حتى أتى السماء الخامسة، فإذا هارون، قال: هذا هارون، فسلِّم عليه، فسلمتُ عليه، فردَّ، ثم قال: مرحبًا بالأخ الصالح، والنبي الصالح.

تابعه ثابت وعباد بن أبي علي، عن أنسٍ، عن النبي ﷺ.

باب وَقَالَ رَجُلٌ مُؤْمِنٌ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَكْتُمُ إِيمَانَهُ إلى قوله: مُسْرِفٌ كَذَّابٌ [غافر:28]

باب قول الله تعالى: وَهَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ مُوسَى [طه:9]، وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى تَكْلِيمًا [النساء:164]

3394- حدثنا إبراهيم بن موسى: أخبرنا هشام بن يوسف: أخبرنا معمر، عن الزهري، عن سعيد بن المسيب، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله ﷺ: ليلة أُسْرِيَ بي رأيتُ موسى، وإذا هو رَجُلٌ ضَرْبٌ رَجِلٌ، كأنه من رجال شَنُوءة، ورأيتُ عيسى، فإذا هو رجلٌ رَبْعَةٌ أحمر، كأنما خرج من دِيماس، وأنا أشبه ولد إبراهيم ﷺ به، ثم أُتِيتُ بإناءين: في أحدهما لبنٌ، وفي الآخر خمرٌ، فقال: اشرب أيَّهما شئتَ. فأخذتُ اللبن فشربتُه، فقيل: أخذتَ الفطرة، أما إنك لو أخذتَ الخمر غَوَتْ أمتُك.

3395- حدثني محمد بن بشار: حدثنا غندر: حدثنا شعبة، عن قتادة قال: سمعتُ أبا العالية: حدثنا ابن عمِّ نبيكم –يعني: ابن عباسٍ-، عن النبي ﷺ قال: لا ينبغي لعبدٍ أن يقول: أنا خيرٌ من يونس بن متى، ونسبه إلى أبيه.

3396- وذكر النبي ﷺ ليلة أُسْرِيَ به، فقال: موسى آدم، طوال، كأنه من رجال شَنُوءة، وقال: عيسى جعدٌ مربوعٌ، وذكر مالكًا خازن النار، وذكر الدَّجال.

3397- حدثنا علي بن عبدالله: حدثنا سفيان: حدثنا أيوب السختياني، عن ابن سعيد بن جبير، عن أبيه، عن ابن عباسٍ رضي الله عنهما: أن النبي ﷺ لما قدم المدينة وجدهم يصومون يومًا –يعني: يوم عاشوراء- فقالوا: هذا يومٌ عظيمٌ؛ وهو يومٌ نجَّى الله فيه موسى، وأغرق آل فرعون، فصام موسى شكرًا لله. فقال: أنا أولى بموسى منهم، فصامه، وأمر بصيامه.

الشيخ: المقصود من هذا مثلما تقدم: بيان شيءٍ من أخبار الأنبياء عليهم الصلاة والسلام: موسى، وعيسى، وإبراهيم، وغيرهم عليهم الصلاة والسلام؛ إشارةً إلى ما دلَّ عليه القرآن، ولما جاء في بعض السنة من أخبارهم عليهم الصلاة والسلام، ويونس معروفٌ ما حصل عليه، لكن الله اجتباه، وجعله من الصالحين عليه الصلاة والسلام، ومثل ما جرى لآدم: وَعَصَى آدَمُ رَبَّهُ فَغَوَى ۝ ثُمَّ اجْتَبَاهُ رَبُّهُ فَتَابَ عَلَيْهِ وَهَدَى [طه:121، 122].

فلا ينبغي لعبدٍ أن يقول: هو خيرٌ من يونس؛ لأنه ابتُلي، كما لا يقول: أنا خيرٌ من آدم، ولا خيرٌ من فلانٍ؛ لأن الأنبياء لهم الفضل، ولهم .....، ولهم الدَّرجات العظيمة، وكل الناس دونهم، وهم أفضل الخلق، جميعهم عليهم الصلاة والسلام هم أفضل الخلق، وإن كان الله قد فضَّل بعضَهم على بعضٍ، فهم أفضل الخلق عليهم الصلاة والسلام.

س: أحسن الله إليك، ورد في وصف عيسى عليه السلام: أنه أحمر، وورد أنه "آدم" في حديث ابن عمر في "الصحيحين"، كيف الجمع أحسن الله إليك؟

ج: الأقرب -والله أعلم- أنه مثلما في الرواية السابقة: أنه أحمر، كأنما خرج من دِيماس، ولعل رواية مَن قال: "آدم" وهمٌ من بعض الرواة.

س: بعض الوعاظ يتكلم في الوعظ ويقول: إن يونس قصَّر في الدعوة، ثم استدرك، هل يسوغ هذا؟

ج: الذي يظهر لي أنه ما ينبغي أن يُقال هذا التعبير، اجتهد فيما فعل، وابتلاه الله، وجعل له العاقبة الحميدة.

باب قول الله تعالى: وَوَاعَدْنَا مُوسَى ثَلَاثِينَ لَيْلَةً وَأَتْمَمْنَاهَا بِعَشْرٍ فَتَمَّ مِيقَاتُ رَبِّهِ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً وَقَالَ مُوسَى لِأَخِيهِ هَارُونَ اخْلُفْنِي فِي قَوْمِي وَأَصْلِحْ وَلَا تَتَّبِعْ سَبِيلَ الْمُفْسِدِينَ ۝ وَلَمَّا جَاءَ مُوسَى لِمِيقَاتِنَا وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ قَالَ رَبِّ أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْكَ قَالَ لَنْ تَرَانِي إلى قوله: وَأَنَا أَوَّلُ الْمُؤْمِنِينَ [الأعراف:142، 143].

يُقال: دَكَّه: زلزله، فَدُكَّتَا [الحاقة:14]: فدككن، جعل الجبال كالواحدة، كما قال الله : أَنَّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ كَانَتَا رَتْقًا [الأنبياء:30]، ولم يقل: كُنَّ، رَتْقًا: مُلتصقتين.

أُشْرِبُوا [البقرة:93]: ثوبٌ مُشْرَبٌ: مصبوغٌ.

قال ابن عباسٍ: انْبَجَسَتْ [الأعراف:160]: انفجرت.

وَإِذْ نَتَقْنَا الْجَبَلَ [الأعراف:171]: رفعنا.

3398- حدثنا محمد بن يوسف: حدثنا سفيان، عن عمرو بن يحيى، عن أبيه، عن أبي سعيدٍ ، عن النبي ﷺ قال: الناس يُصعقون يوم القيامة، فأكون أول مَن يفيق، فإذا أنا بموسى آخذٌ بقائمةٍ من قوائم العرش، فلا أدري: أفاق قبلي، أم جُوزي بصعقة الطور؟.

3399- حدثني عبدالله بن محمد الجعفي: حدثنا عبدالرزاق: أخبرنا معمر، عن همام، عن أبي هريرة قال: قال النبي ﷺ: لولا بنو إسرائيل لم يَخْنَزِ اللحمُ، ولولا حوَّاء لم تَخُنْ أنثى زوجها الدهر.

الشيخ: أيش قال الشارح على الحديث الأخير: لولا بنو إسرائيل؟

القارئ: قال: سبق شرحه في ترجمة آدم.

الشيخ: والعيني؟

الطالب: ذكر أنه سبق.

الشيخ: عندكم .....

القارئ: نفس المجلدات.

الشيخ: بعده، نعم.

باب طوفان من السَّيل

الشيخ: بركة، بركة، انظر بحثه في قصة آدم.

س: ................؟

ج: هذه في الموقف، في موقف القيامة، يصعق الناس يوم القيامة من شدة الهول بعد البعث، صعقة بعد البعث، وهم في موقف القيامة تحصل صعقةٌ، فيكون الرسول أول مَن يفيق عليه الصلاة والسلام.

س: ...............؟

ج: هذه نفخةٌ خاصةٌ، نفخةٌ خاصةٌ، غير النفخة التي في القرآن، فهما نفختان: نفخة الصَّعق، وهي من الفزع، ويموت الناس. والنفخة الثانية نفخة البعث، أما هذه فنفخةٌ خاصَّةٌ في الموقف.

س: فيها نفخةٌ ثالثةٌ، أو صعقٌ بدون نفخٍ؟

ج: يصعق الناس، النبي ﷺ قال: يصعق الناس، يُصيبهم شيءٌ مما يُوجب الصَّعق من الهول.

.............

س: الصحيح من الأقوال: أن موسى عليه السلام أخو مريم: يَا أُخْتَ هَارُونَ [مريم:28]؟

ج: لا، مريم نُسبت إلى هارون من صالحي بني إسرائيل، زمن مريم مُتأخِّرٌ، وزمن موسى مُتقدِّمٌ، مريم أم عيسى، وليست أخت هارون بن عمران، أخي موسى، لا، هارون آخر؛ رجلٌ صالحٌ من بني إسرائيل.

س: الصَّعق يكون قبل النفخ في الصور؟

ج: بعد قيام الناس من قبورهم، بعد نفخة البعث.

القارئ: أحسن الله إليك، الحديث السابق.

الشيخ: إيه، أيش قال عليه؟

القارئ: قوله: لولا بنو إسرائيل لم يَخْنَزِ اللحم، "يَخْنز" بفتح أوله، وسكون الخاء، وكسر النون، وبفتحها أيضًا، بعدها زاي، أي: يَنْتَن، والخنز: التَّغير والنَّتن.

قيل: أصله أن بني إسرائيل ادَّخروا لحم السَّلوى، وكانوا نهوا عن ذلك، فعُوقبوا بذلك. حكاه القرطبي، وذكره غيره عن قتادة.

وقال بعضهم: معناه: لولا أن بني إسرائيل سنُّوا ادِّخار اللحم حتى أنتن لما ادُّخِرَ؛ فلم ينتن.

وروى أبو نعيم في "الحلية": عن وهب بن منبه قال: في بعض الكتب: لولا أني كتبتُ الفساد على الطعام؛ لخزنه الأغنياء عن الفقراء.

قوله: ولولا حواء أي: امرأة آدم، وهي بالمد، قيل: سُميت بذلك لأنها أم كل حيٍّ، وسيأتي صفة خلقها في الحديث الذي بعده.

وقوله: لم تخن أنثى زوجها فيه إشارةٌ إلى ما وقع من حواء في تزيينها لآدم الأكل من الشجرة حتى وقع في ذلك، فمعنى خيانتها: أنها قبلت ما زيَّن لها إبليسُ حتى زيَّنته لآدم، ولما كانت هي أم بنات آدم أشبهنها بالولادة ونزع العرق، فلا تكاد امرأةٌ تسلم من خيانة زوجها بالفعل أو بالقول.

وليس المراد بالخيانة هنا: ارتكاب الفواحش، حاشا، وكلا، ولكن لما مالت إلى شهوة النفس من أكل الشجرة، وحسَّنت ذلك لآدم؛ عُدَّ ذلك خيانة له، وأما مَن جاء بعدها من النساء فخيانة كل واحدةٍ منهن بحسبها.

وقريبٌ من هذا حديث: جحد آدمُ فجحدت ذُريته.

وفي الحديث إشارةٌ إلى تسلية الرجال فيما يقع لهم من نسائهم بما وقع من أمهنَّ الكبرى، وأن ذلك من طبعهنَّ؛ فلا يفرط في لوم مَن وقع منها شيءٌ من غير قصدٍ إليه، أو على سبيل الندور.

وينبغي لهن ألَّا يتمَكَّنَّ بهذا في الاسترسال في هذا النوع، بل يضبطن أنفسهن، ويُجاهدن هواهن، والله المستعان.

الشيخ: والعيني زاد شيئًا؟

الطالب: في الجزء السابق.

الشيخ: طيب.