وقال ابن جرير: حدثنا ابن وكيع، حدثنا جرير، حدثنا الشيباني، عن عمرو بن مرة، عن سعيد بن المسيب، قال: سأل عمر بن الخطاب النبي ﷺ عن الكلالة، فقال: أليس قد بين الله ذلك فنزلت يَسْتَفْتُونَكَ، قال قتادة: وذكر لنا أن أبا بكر الصديق قال في خطبته: ألا إن الآية التي نزلت في أول سورة النساء في شأن الفرائض أنزلها الله في الولد، والوالد، والآية الثانية أنزلها في الزوج، والزوجة، والإخوة من الأم، والآية التي ختم بها سورة النساء أنزلها في الإخوة، والأخوات من الأب، والأم، والآية التي ختم بها سورة الأنفال أنزلها في أولي الأرحام بعضهم أولى ببعض في كتاب الله مما جرت الرحم من العصبة، رواه ابن جرير.
ذكر الكلام على معناها، وبالله المستعان، وعليه التكلان.
قوله تعالى: إِنِ امْرُؤٌ هَلَكَ أي: مات، قال الله تعالى: كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ [القصص:88]، كل شيء يفنى، ولا يبقى إلا الله ، كما قال: كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ [الرحمن:26-27].
قوله: لَيْسَ لَهُ وَلَدٌ تمسك به من ذهب إلى أنه ليس من شرط الكلالة انتفاء الوالد، بل يكفي في وجود الكلالة انتفاء الولد، وهو رواية عن عمر بن الخطاب، رواها ابن جرير عنه بإسناد صحيح إليه، ولكن الذي يرجع إليه هو قول الجمهور، وقضاء الصديق أنه الذي لا ولد له، ولا والد، ويدل على ذلك قوله: وَلَهُ أُخْتٌ فَلَهَا نِصْفُ مَا تَرَكَ، ولو كان معها أب لم ترث شيئًا لأنه يحجبها بالإجماع، فدل على أنه من لا ولد له بنص القرآن، ولا والد بالنص عند التأمل أيضا، لأن الأخت لا يفرض لها النصف مع الوالد، بل ليس لها ميراث بالكلية.
وقال الإمام أحمد: حدثنا الحكم بن نافع، حدثنا أبو بكر بن عبدالله عن مكحول، وعطية، وحمزة، وراشد، عن زيد بن ثابت أنه سئل عن زوج، وأخت لأب، وأم، فأعطى الزوج النصف، والأخت النصف، فكلم في ذلك فقال: حضرت رسول الله ﷺ قضى بذلك، تفرد به أحمد من هذا الوجه.
وقد نقل ابن جرير، وغيره عن ابن عباس، وابن الزبير أنهما كانا يقولان في الميت: ترك بنتا وأختا، إنه لا شيء للأخت، لقوله: إِنِ امْرُؤٌ هَلَكَ لَيْسَ لَهُ وَلَدٌ وَلَهُ أُخْتٌ فَلَهَا نِصْفُ مَا تَرَكَ قال: فإذا ترك بنتًا فقد ترك ولدًا، فلا شيء للأخت، وخالفهما الجمهور فقالوا في هذه المسألة للبنت النصف بالفرض، وللأخت النصف الآخر بالتعصيب بدليل غير هذه الآية، وهذه الآية نصت أن يفرض لها في هذه الصورة، وأما وراثتها بالتعصيب فلما رواه البخاري من طريق سليمان عن إبراهيم عن الأسود قال: قضى فينا معاذ بن جبل على عهد رسول الله ﷺ، النصف للبنت، والنصف للأخت، ثم قال سليمان: قضى فينا، ولم يذكر على عهد رسول الله ﷺ، وفي صحيح البخاري أيضًا عن هزيل بن شرحبيل قال: سئل أبو موسى الأشعري عن ابنة، وابنة ابن، وأخت، فقال: للابنة النصف، وللأخت النصف، وأت ابن مسعود فسيتابعني، فسئل ابن مسعود، وأخبره بقول أبي موسى فقال: لقد ضللت إذا وما أنا من المهتدين، أقضي فيها بما قضى النبي ﷺ: النصف للبنت، ولبنت الابن السدس تكملة الثلثين، وما بقي فللأخت، فأتينا أبا موسى فأخبرناه بقول ابن مسعود فقال: لا تسألوني ما دام هذا الحبر فيكم.
وقوله: وَهُوَ يَرِثُهَا إِنْ لَمْ يَكُنْ لَهَا وَلَدٌ أي: والأخ يرث جميع مالها إذا ماتت كلالة، وليس لها ولد، أي: ولا والد، لأنها لو كان لها والد لم يرث الأخ شيئًا، فإن فرض أن معه من له فرض صرف إليه فرضه كزوج أو أخ من أم، وصرف الباقي إلى الأخ لما ثبت في الصحيحين عن ابن عباس أن رسول الله ﷺ قال: ألحقوا الفرائض بأهلها فما أبقت الفرائض فلأولى رجل ذكر.
وقوله: فَإِنْ كَانَتَا اثْنَتَيْنِ فَلَهُمَا الثُّلُثَانِ مِمَّا تَرَكَ أي: فإن كان لمن يموت كلالة أختان، فرض لهما الثلثان، وكذا ما زاد على الأختين في حكمهما، ومن هاهنا أخذ الجماعة حكم البنتين كما استفيد حكم الأخوات من البنات في قوله: فَإِنْ كُنَّ نِسَاءً فَوْقَ اثْنَتَيْنِ فَلَهُنَّ ثُلُثَا مَا تَرَكَ [النساء:11].
وقوله: وَإِنْ كَانُوا إِخْوَةً رِجَالًا وَنِسَاءً فَلِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ هذا حكم العصبات من البنين، وبني البنين، والإخوة إذا اجتمع ذكورهم وإناثهم، أعطي الذكر مثل حظ الأنثيين، وقوله: يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ أي: يفرض لكم فرائضه، ويحد لكم حدوده، ويوضح لكم شرائعه.
وقوله: أَنْ تَضِلُّوا أي: لئلا تضلوا عن الحق بعد البيان، وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ أي: هو عالم بعواقب الأمور، ومصالحها، وما فيها من الخير لعباده، وما يستحقه كل واحد من القرابات بحسب قربه من المتوفى.
وقد قال أبو جعفر بن جرير: حدثني يعقوب، حدثني ابن علية، أنبأنا ابن عون، عن محمد بن سيرين قال: كانوا في مسير، ورأس راحلة حذيفة عند ردف راحلة رسول الله ﷺ، ورأس راحلة عمر عند ردف راحلة حذيفة، قال: ونزلت يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلَالَةِ فلقاها رسول الله ﷺ حذيفة فلقاها حذيفة عمر، فلما كان بعد ذلك سأل عمر عنها حذيفة فقال: والله إنك لأحمق، إن كنت ظننت أنه لقانيها رسول الله ﷺ، فلقيتكها كما لقانيها رسول الله ﷺ، والله لا أزيدك عليها شيئًا أبدًا، قال: فكان عمر يقول: اللهم إن كنت بينتها له، فإنها لم تبين لي، كذا رواه ابن جرير. ورواه أيضًا عن الحسن بن يحيى، عن عبدالرزاق، عن معمر، عن أيوب، عن ابن سيرين كذلك بنحوه، وهو منقطع بين ابن سيرين، وحذيفة.
وقد قال الحافظ أبو بكر أحمد بن عمرو البزار في مسنده: حدثنا يوسف بن حماد المعني، ومحمد بن مرزوق قالا: حدثنا عبدالأعلى بن عبدالأعلى، حدثنا هشام بن حسان عن محمد بن سيرين، عن أبي عبيدة بن حذيفة، عن أبيه قال: نزلت آية الكلالة على النبي ﷺ، وهو في مسير له فوقف النبي ﷺ، وإذا هو بحذيفة، وإذا رأس ناقة حذيفة عند ردف راحلة النبي ﷺ فلقاها إياه، فنظر حذيفة فإذا عمر فلقاها إياه، فلما كان في خلافة عمر نظر عمر في الكلالة، فدعا حذيفة فسأله عنها فقال حذيفة: لقد لقانيها رسول الله ﷺ، فلقيتكها كما لقاني رسول الله ﷺ، والله إني لصادق، والله لا أزيدك على ذلك شيئا أبدا. ثم قال البزار: وهذا الحديث لا نعلم أحدًا رواه إلا حذيفة، ولا نعلم له طريقًا عن حذيفة إلا هذا الطريق، ولا رواه عن هشام إلا عبدالأعلى، وكذا رواه ابن مردويه من حديث عبدالأعلى.
وقال عثمان بن أبي شيبة: حدثنا جرير، عن الشيباني، عن عمرو بن مرة، عن سعيد بن المسيب أن عمر سأل رسول الله ﷺ كيف تورث الكلالة؟ قال فأنزل الله يَسْتَفْتُونَكَ الآية، قال: فكأن عمر لم يفهم، فقال لحفصة: إذا رأيت من رسول الله ﷺ طيب نفس فسليه عنها، فرأت منه طيب نفس فسألته عنها، فقال: أبوك ذكر لك هذا، ما أرى أباك يعلمها، قال: فكان عمر يقول ما أراني أعلمها. وقد قال رسول الله ما قال. رواه ابن مردويه.الطالب: أبو عبيدة بن حذيفة بن اليمان الكوفي، مقبول، من الثالثة، ابن ماجه.
ثم رواه من طريق ابن عيينة، وعن عمرو، عن طاوس أن عمر أمر حفصة أن تسأل النبي ﷺ عن الكلالة، فأملاها عليها في كتف، فقال: من أمرك بهذا؟ أعمر؟ ما أراه يقيمها أوما تكفيه آية الصيف، وآية الصيف التي في النساء، وَإِنْ كَانَ رَجُلٌ يُورَثُ كَلَالَةً أَوِ امْرَأَةٌ فلما سألوا رسول الله ﷺ نزلت الآية التي هي خاتمة النساء، فألقى عمر الكتف، كذا قال في هذا الحديث، وهو مرسل...........
الشيخ: المرسل، أي المنقطع هذا معناه؛ لأنهم جوزوا أن يسموا المنقطع مرسل، المرسل يطلق على ما سقط صحابيه مثل قول سعيد بن المسيب، قال رسول الله، الزهري قال قال رسول الله، هذا المرسل، ويطلقونه على الانقطاع، إذا كان التابعي ما أدرك الصحابي يسمونه مرسل، ويسمونه منقطع أيضًا؛ لأن طاوس ما أدرك عمر.
وقال ابن جرير: حدثنا أبو كريب، حدثنا عثام، عن الأعمش، عن قيس بن مسلم، عن طارق بن شهاب، قال: أخذ عمر كتفًا، وجمع أصحاب رسول الله ﷺ ثم قال: لأقضين في الكلالة قضاء تحدث به النساء في خدورهن، فخرجت حينئذ حية من البيت فتفرقوا، فقال: لو أراد الله أن يتم هذا الأمر لأتمه، وهذا إسناد صحيح.الشيخ: صحيح بالنظر إلى أن الغالب على الأعمش عدم التدليس، وأنه فيه عله من جانب..
س: عن عثام أم هشام؟
الشيخ: نعم عثام بن علي.
الطالب: هل هذه العبارة مستقيمة، قال وهذا إسناد صحيح الحاكم وقال أبو عبدالله؟
الشيخ: الصواب وقال الحاكم أبو عبدالله، سقط.
والمقصود من هذا أن الله جل وعلا حكيم عليم، فالكلالة مع وضوح أمرها اشتبهت على عمر، وهذا يدل على أن الرجل، وإن كان عظيمًا، وإن كان ذا علم جم قد تشتبه عليه بعض المسائل، مثل ما اشتبهت عليه مسألة مع كونها واضحة، حتى قال: تكفيك آية الصيف، النبي ﷺ هكذا يقع لكثير من الأعيان، تشتبه عليهم بعض المسائل، وإن كانوا في غاية من العلم والفضل في غالب المسائل، ولله الحكمة ليبين في ذلك أنه على كل شيء قدير، وأن الكمال على الكمال له، وحده .
وقال الحاكم أبو عبدالله النيسابوري: حدثنا علي بن محمد بن عقبة الشيباني بالكوفة، حدثنا الهيثم بن خالد، حدثنا أبو نعيم، حدثنا ابن عيينة، عن عمرو بن دينار، سمعت محمد بن طلحة بن يزيد بن ركانة يحدث، عن عمر بن الخطاب، قال: لأن أكون سألت رسول الله ﷺ عن ثلاث أحب إلي من حمر النعم: من الخليفة بعده؟ وعن قوم قالوا: نقر بالزكاة في أموالنا، ولا نؤديها إليك، أيحل قتالهم؟ وعن الكلالة. ثم قال: صحيح الإسناد على شرط الشيخين، ولم يخرجاه. ثم روي بهذا الإسناد إلى سفيان بن عيينة، عن عمرو بن مرة عن مرة، عن عمر،.......... قال: ثلاث لأن يكون النبي ﷺ بينهن لنا أحب إلي من الدنيا وما فيها: الخلافة، والكلالة، والربا، ثم قال: صحيح على شرط الشيخين، ولم يخرجاه.الشيخ: حط إشارة على ابن مرة.
الطالب: عمر بن مرة بن عبدالله بن طارق الجملي -بفتح الجيم والميم- المرادي، أبو عبدالله الكوفي الأعمى ثقة عابد، كان لا يدلس، رمي بالإرجاء من الخامسة، مات سنة ثمانية عشرة ومائة، وقيل قبلها. (الجماعة).
عمر بن مرة الشني –بفك المعجمة وتشديد النون- بصري مقبول من الرابعة. (الترمذي، وأبو داود).
وبهذا الإسناد إلى سفيان بن عيينة قال: سمعت سليمان الأحول يحدث عن طاوس، قال: سمعت ابن عباس قال: كنت آخر الناس عهدًا بعمر، فسمعته يقول: القول ما قلت، قلت: وما قلت؟ قال: قلت: الكلالة من لا ولد له، ثم قال: صحيح على شرطهما، ولم يخرجاه.
وهكذا رواه ابن مردويه من طريق زمعة بن صالح، عن عمرو بن دينار، وسليمان الأحول، عن طاوس، عن ابن عباس، قال: كنت آخر الناس عهدًا بعمر بن الخطاب، قال: اختلفت أنا، وأبو بكر في الكلالة، والقول ما قلت، قال: وذكر أن عمر شرك بين الإخوة للأم والأب، وبين الإخوة للأم في الثلث إذا اجتمعوا، وخالفه أبو بكر رضي الله عنهما.
وقال ابن جرير: حدثنا ابن وكيع حدثنا محمد بن حميد العمري.الشيخ: كذا عندكم؟
الطالب: المعمري في الحاشية يا شيخ، يقول: في المخطوطة العمري، والمثبت عن تفسير الطبري، وقد قيل له: المعمري لأنه رحل إلى معمر. ينظر التهذيب........
الشيخ: شف التقريب. حط على العمري إشارة
الطالب: محمد بن حميد اليشكري أبو سفيان المعمري نزيل بغداد ثقة من التاسعة مات سنة اثنتين وثمانين ومائة. (البخاري تعليقًا، ومسلم، والنسائي، وابن ماجه).
الشيخ: ذكر المعمري كي يدل على الرازي؛ لأن الرازي يتهم بالكذب، وهذا تمييز. صلح المعمري، شف محمد بن حميد..؟
الطالب: محمد بن حميد بن حيان الرازي حافظ ضعيف، وكان ابن معين حسن الرأي فيه من العاشرة، مات سنة ثمان، وأربعين. (أبو داود، والترمذي، وابن ماجه).
الشيخ: لهذا اتهمه بعضهم بالكذب.
وقال ابن جرير: حدثنا ابن وكيع، حدثنا محمد بن حميد العمري، عن معمر، عن الزهري، عن سعيد بن المسيب، أن عمر كتب في الجد، والكلالة كتابًا، فمكث يستخير الله يقول: اللهم إن علمت فيه خيرا فأمضه، حتى إذا طعن، دعا بكتاب فمحي، ولم يدر أحد ما كتب فيه، فقال: إني كنت كتبت كتابًا في الجد، والكلالة، وكنت أستخير الله فيه، فرأيت أن أترككم على ما كنتم عليه.
قال ابن جرير: وقد روي عن عمر أنه قال: إني لأستحي أن أخالف فيه أبا بكر، وكأن أبو بكر يقول: هو ما عدا الولد، والوالد. وهذا الذي قاله الصديق عليه جمهور الصحابة، والتابعين، والأئمة في قديم الزمان، وحديثه، وهو مذهب الأئمة الأربعة، والفقهاء السبعة، وقول علماء الأمصار قاطبة، وهو الذي يدل عليه القرآن، كما أرشد الله أنه قد بين ذلك، ووضحه.الشيخ: وهذا هو الحق الذي لا ريب فيه، ولا شك أن الكلالة من لا ولد له، ولا والد ذكر، هذه الكلالة عند عامة أهل العلم، وهو كالإجماع منهم، أن الكلالة من لا ولد له، ولا والد ذكر، ومن تأمل ما جاء في آيات مواريث النساء في أولها، وفي آخرها علم ذلك يقينًا، وأن وجود الأب أو الجد أو الابن أو ابن الابن أو البنت أو بنت الابن يجعل المسألة ليست كلالة، والحكم يختلف في ذلك، فإذا قلنا أنه الابن الولد فقط أو وجود الأب والجد، لا يخرجه عن كونها كلالة....... في الأحكام.
وقول علماء الأمصار قاطبة، وهو الذي يدل عليه القرآن، كما أرشد الله أنه قد بين ذلك، ووضحه في قوله: يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ أَنْ تَضِلُّوا وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ، والله أعلم
ذكر الكلام على معناها، وبالله المستعان، وعليه التكلان.
قوله تعالى: إِنِ امْرُؤٌ هَلَكَ أي: مات، قال الله تعالى: كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ [القصص:88]، كل شيء يفنى، ولا يبقى إلا الله ، كما قال: كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ [الرحمن:26-27].
قوله: لَيْسَ لَهُ وَلَدٌ تمسك به من ذهب إلى أنه ليس من شرط الكلالة انتفاء الوالد، بل يكفي في وجود الكلالة انتفاء الولد، وهو رواية عن عمر بن الخطاب، رواها ابن جرير عنه بإسناد صحيح إليه، ولكن الذي يرجع إليه هو قول الجمهور، وقضاء الصديق أنه الذي لا ولد له، ولا والد، ويدل على ذلك قوله: وَلَهُ أُخْتٌ فَلَهَا نِصْفُ مَا تَرَكَ، ولو كان معها أب لم ترث شيئًا لأنه يحجبها بالإجماع، فدل على أنه من لا ولد له بنص القرآن، ولا والد بالنص عند التأمل أيضا، لأن الأخت لا يفرض لها النصف مع الوالد، بل ليس لها ميراث بالكلية.
وقال الإمام أحمد: حدثنا الحكم بن نافع، حدثنا أبو بكر بن عبدالله عن مكحول، وعطية، وحمزة، وراشد، عن زيد بن ثابت أنه سئل عن زوج، وأخت لأب، وأم، فأعطى الزوج النصف، والأخت النصف، فكلم في ذلك فقال: حضرت رسول الله ﷺ قضى بذلك، تفرد به أحمد من هذا الوجه.
وقد نقل ابن جرير، وغيره عن ابن عباس، وابن الزبير أنهما كانا يقولان في الميت: ترك بنتا وأختا، إنه لا شيء للأخت، لقوله: إِنِ امْرُؤٌ هَلَكَ لَيْسَ لَهُ وَلَدٌ وَلَهُ أُخْتٌ فَلَهَا نِصْفُ مَا تَرَكَ قال: فإذا ترك بنتًا فقد ترك ولدًا، فلا شيء للأخت، وخالفهما الجمهور فقالوا في هذه المسألة للبنت النصف بالفرض، وللأخت النصف الآخر بالتعصيب بدليل غير هذه الآية، وهذه الآية نصت أن يفرض لها في هذه الصورة، وأما وراثتها بالتعصيب فلما رواه البخاري من طريق سليمان عن إبراهيم عن الأسود قال: قضى فينا معاذ بن جبل على عهد رسول الله ﷺ، النصف للبنت، والنصف للأخت، ثم قال سليمان: قضى فينا، ولم يذكر على عهد رسول الله ﷺ، وفي صحيح البخاري أيضًا عن هزيل بن شرحبيل قال: سئل أبو موسى الأشعري عن ابنة، وابنة ابن، وأخت، فقال: للابنة النصف، وللأخت النصف، وأت ابن مسعود فسيتابعني، فسئل ابن مسعود، وأخبره بقول أبي موسى فقال: لقد ضللت إذا وما أنا من المهتدين، أقضي فيها بما قضى النبي ﷺ: النصف للبنت، ولبنت الابن السدس تكملة الثلثين، وما بقي فللأخت، فأتينا أبا موسى فأخبرناه بقول ابن مسعود فقال: لا تسألوني ما دام هذا الحبر فيكم.
وقوله: وَهُوَ يَرِثُهَا إِنْ لَمْ يَكُنْ لَهَا وَلَدٌ أي: والأخ يرث جميع مالها إذا ماتت كلالة، وليس لها ولد، أي: ولا والد، لأنها لو كان لها والد لم يرث الأخ شيئًا، فإن فرض أن معه من له فرض صرف إليه فرضه كزوج أو أخ من أم، وصرف الباقي إلى الأخ لما ثبت في الصحيحين عن ابن عباس أن رسول الله ﷺ قال: ألحقوا الفرائض بأهلها فما أبقت الفرائض فلأولى رجل ذكر.
وقوله: فَإِنْ كَانَتَا اثْنَتَيْنِ فَلَهُمَا الثُّلُثَانِ مِمَّا تَرَكَ أي: فإن كان لمن يموت كلالة أختان، فرض لهما الثلثان، وكذا ما زاد على الأختين في حكمهما، ومن هاهنا أخذ الجماعة حكم البنتين كما استفيد حكم الأخوات من البنات في قوله: فَإِنْ كُنَّ نِسَاءً فَوْقَ اثْنَتَيْنِ فَلَهُنَّ ثُلُثَا مَا تَرَكَ [النساء:11].
وقوله: وَإِنْ كَانُوا إِخْوَةً رِجَالًا وَنِسَاءً فَلِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ هذا حكم العصبات من البنين، وبني البنين، والإخوة إذا اجتمع ذكورهم وإناثهم، أعطي الذكر مثل حظ الأنثيين، وقوله: يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ أي: يفرض لكم فرائضه، ويحد لكم حدوده، ويوضح لكم شرائعه.
وقوله: أَنْ تَضِلُّوا أي: لئلا تضلوا عن الحق بعد البيان، وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ أي: هو عالم بعواقب الأمور، ومصالحها، وما فيها من الخير لعباده، وما يستحقه كل واحد من القرابات بحسب قربه من المتوفى.
وقد قال أبو جعفر بن جرير: حدثني يعقوب، حدثني ابن علية، أنبأنا ابن عون، عن محمد بن سيرين قال: كانوا في مسير، ورأس راحلة حذيفة عند ردف راحلة رسول الله ﷺ، ورأس راحلة عمر عند ردف راحلة حذيفة، قال: ونزلت يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلَالَةِ فلقاها رسول الله ﷺ حذيفة فلقاها حذيفة عمر، فلما كان بعد ذلك سأل عمر عنها حذيفة فقال: والله إنك لأحمق، إن كنت ظننت أنه لقانيها رسول الله ﷺ، فلقيتكها كما لقانيها رسول الله ﷺ، والله لا أزيدك عليها شيئًا أبدًا، قال: فكان عمر يقول: اللهم إن كنت بينتها له، فإنها لم تبين لي، كذا رواه ابن جرير. ورواه أيضًا عن الحسن بن يحيى، عن عبدالرزاق، عن معمر، عن أيوب، عن ابن سيرين كذلك بنحوه، وهو منقطع بين ابن سيرين، وحذيفة.
وقد قال الحافظ أبو بكر أحمد بن عمرو البزار في مسنده: حدثنا يوسف بن حماد المعني، ومحمد بن مرزوق قالا: حدثنا عبدالأعلى بن عبدالأعلى، حدثنا هشام بن حسان عن محمد بن سيرين، عن أبي عبيدة بن حذيفة، عن أبيه قال: نزلت آية الكلالة على النبي ﷺ، وهو في مسير له فوقف النبي ﷺ، وإذا هو بحذيفة، وإذا رأس ناقة حذيفة عند ردف راحلة النبي ﷺ فلقاها إياه، فنظر حذيفة فإذا عمر فلقاها إياه، فلما كان في خلافة عمر نظر عمر في الكلالة، فدعا حذيفة فسأله عنها فقال حذيفة: لقد لقانيها رسول الله ﷺ، فلقيتكها كما لقاني رسول الله ﷺ، والله إني لصادق، والله لا أزيدك على ذلك شيئا أبدا. ثم قال البزار: وهذا الحديث لا نعلم أحدًا رواه إلا حذيفة، ولا نعلم له طريقًا عن حذيفة إلا هذا الطريق، ولا رواه عن هشام إلا عبدالأعلى، وكذا رواه ابن مردويه من حديث عبدالأعلى.
وقال عثمان بن أبي شيبة: حدثنا جرير، عن الشيباني، عن عمرو بن مرة، عن سعيد بن المسيب أن عمر سأل رسول الله ﷺ كيف تورث الكلالة؟ قال فأنزل الله يَسْتَفْتُونَكَ الآية، قال: فكأن عمر لم يفهم، فقال لحفصة: إذا رأيت من رسول الله ﷺ طيب نفس فسليه عنها، فرأت منه طيب نفس فسألته عنها، فقال: أبوك ذكر لك هذا، ما أرى أباك يعلمها، قال: فكان عمر يقول ما أراني أعلمها. وقد قال رسول الله ما قال. رواه ابن مردويه.الطالب: أبو عبيدة بن حذيفة بن اليمان الكوفي، مقبول، من الثالثة، ابن ماجه.
ثم رواه من طريق ابن عيينة، وعن عمرو، عن طاوس أن عمر أمر حفصة أن تسأل النبي ﷺ عن الكلالة، فأملاها عليها في كتف، فقال: من أمرك بهذا؟ أعمر؟ ما أراه يقيمها أوما تكفيه آية الصيف، وآية الصيف التي في النساء، وَإِنْ كَانَ رَجُلٌ يُورَثُ كَلَالَةً أَوِ امْرَأَةٌ فلما سألوا رسول الله ﷺ نزلت الآية التي هي خاتمة النساء، فألقى عمر الكتف، كذا قال في هذا الحديث، وهو مرسل...........
الشيخ: المرسل، أي المنقطع هذا معناه؛ لأنهم جوزوا أن يسموا المنقطع مرسل، المرسل يطلق على ما سقط صحابيه مثل قول سعيد بن المسيب، قال رسول الله، الزهري قال قال رسول الله، هذا المرسل، ويطلقونه على الانقطاع، إذا كان التابعي ما أدرك الصحابي يسمونه مرسل، ويسمونه منقطع أيضًا؛ لأن طاوس ما أدرك عمر.
وقال ابن جرير: حدثنا أبو كريب، حدثنا عثام، عن الأعمش، عن قيس بن مسلم، عن طارق بن شهاب، قال: أخذ عمر كتفًا، وجمع أصحاب رسول الله ﷺ ثم قال: لأقضين في الكلالة قضاء تحدث به النساء في خدورهن، فخرجت حينئذ حية من البيت فتفرقوا، فقال: لو أراد الله أن يتم هذا الأمر لأتمه، وهذا إسناد صحيح.الشيخ: صحيح بالنظر إلى أن الغالب على الأعمش عدم التدليس، وأنه فيه عله من جانب..
س: عن عثام أم هشام؟
الشيخ: نعم عثام بن علي.
الطالب: هل هذه العبارة مستقيمة، قال وهذا إسناد صحيح الحاكم وقال أبو عبدالله؟
الشيخ: الصواب وقال الحاكم أبو عبدالله، سقط.
والمقصود من هذا أن الله جل وعلا حكيم عليم، فالكلالة مع وضوح أمرها اشتبهت على عمر، وهذا يدل على أن الرجل، وإن كان عظيمًا، وإن كان ذا علم جم قد تشتبه عليه بعض المسائل، مثل ما اشتبهت عليه مسألة مع كونها واضحة، حتى قال: تكفيك آية الصيف، النبي ﷺ هكذا يقع لكثير من الأعيان، تشتبه عليهم بعض المسائل، وإن كانوا في غاية من العلم والفضل في غالب المسائل، ولله الحكمة ليبين في ذلك أنه على كل شيء قدير، وأن الكمال على الكمال له، وحده .
وقال الحاكم أبو عبدالله النيسابوري: حدثنا علي بن محمد بن عقبة الشيباني بالكوفة، حدثنا الهيثم بن خالد، حدثنا أبو نعيم، حدثنا ابن عيينة، عن عمرو بن دينار، سمعت محمد بن طلحة بن يزيد بن ركانة يحدث، عن عمر بن الخطاب، قال: لأن أكون سألت رسول الله ﷺ عن ثلاث أحب إلي من حمر النعم: من الخليفة بعده؟ وعن قوم قالوا: نقر بالزكاة في أموالنا، ولا نؤديها إليك، أيحل قتالهم؟ وعن الكلالة. ثم قال: صحيح الإسناد على شرط الشيخين، ولم يخرجاه. ثم روي بهذا الإسناد إلى سفيان بن عيينة، عن عمرو بن مرة عن مرة، عن عمر،.......... قال: ثلاث لأن يكون النبي ﷺ بينهن لنا أحب إلي من الدنيا وما فيها: الخلافة، والكلالة، والربا، ثم قال: صحيح على شرط الشيخين، ولم يخرجاه.الشيخ: حط إشارة على ابن مرة.
الطالب: عمر بن مرة بن عبدالله بن طارق الجملي -بفتح الجيم والميم- المرادي، أبو عبدالله الكوفي الأعمى ثقة عابد، كان لا يدلس، رمي بالإرجاء من الخامسة، مات سنة ثمانية عشرة ومائة، وقيل قبلها. (الجماعة).
عمر بن مرة الشني –بفك المعجمة وتشديد النون- بصري مقبول من الرابعة. (الترمذي، وأبو داود).
وبهذا الإسناد إلى سفيان بن عيينة قال: سمعت سليمان الأحول يحدث عن طاوس، قال: سمعت ابن عباس قال: كنت آخر الناس عهدًا بعمر، فسمعته يقول: القول ما قلت، قلت: وما قلت؟ قال: قلت: الكلالة من لا ولد له، ثم قال: صحيح على شرطهما، ولم يخرجاه.
وهكذا رواه ابن مردويه من طريق زمعة بن صالح، عن عمرو بن دينار، وسليمان الأحول، عن طاوس، عن ابن عباس، قال: كنت آخر الناس عهدًا بعمر بن الخطاب، قال: اختلفت أنا، وأبو بكر في الكلالة، والقول ما قلت، قال: وذكر أن عمر شرك بين الإخوة للأم والأب، وبين الإخوة للأم في الثلث إذا اجتمعوا، وخالفه أبو بكر رضي الله عنهما.
وقال ابن جرير: حدثنا ابن وكيع حدثنا محمد بن حميد العمري.الشيخ: كذا عندكم؟
الطالب: المعمري في الحاشية يا شيخ، يقول: في المخطوطة العمري، والمثبت عن تفسير الطبري، وقد قيل له: المعمري لأنه رحل إلى معمر. ينظر التهذيب........
الشيخ: شف التقريب. حط على العمري إشارة
الطالب: محمد بن حميد اليشكري أبو سفيان المعمري نزيل بغداد ثقة من التاسعة مات سنة اثنتين وثمانين ومائة. (البخاري تعليقًا، ومسلم، والنسائي، وابن ماجه).
الشيخ: ذكر المعمري كي يدل على الرازي؛ لأن الرازي يتهم بالكذب، وهذا تمييز. صلح المعمري، شف محمد بن حميد..؟
الطالب: محمد بن حميد بن حيان الرازي حافظ ضعيف، وكان ابن معين حسن الرأي فيه من العاشرة، مات سنة ثمان، وأربعين. (أبو داود، والترمذي، وابن ماجه).
الشيخ: لهذا اتهمه بعضهم بالكذب.
وقال ابن جرير: حدثنا ابن وكيع، حدثنا محمد بن حميد العمري، عن معمر، عن الزهري، عن سعيد بن المسيب، أن عمر كتب في الجد، والكلالة كتابًا، فمكث يستخير الله يقول: اللهم إن علمت فيه خيرا فأمضه، حتى إذا طعن، دعا بكتاب فمحي، ولم يدر أحد ما كتب فيه، فقال: إني كنت كتبت كتابًا في الجد، والكلالة، وكنت أستخير الله فيه، فرأيت أن أترككم على ما كنتم عليه.
قال ابن جرير: وقد روي عن عمر أنه قال: إني لأستحي أن أخالف فيه أبا بكر، وكأن أبو بكر يقول: هو ما عدا الولد، والوالد. وهذا الذي قاله الصديق عليه جمهور الصحابة، والتابعين، والأئمة في قديم الزمان، وحديثه، وهو مذهب الأئمة الأربعة، والفقهاء السبعة، وقول علماء الأمصار قاطبة، وهو الذي يدل عليه القرآن، كما أرشد الله أنه قد بين ذلك، ووضحه.الشيخ: وهذا هو الحق الذي لا ريب فيه، ولا شك أن الكلالة من لا ولد له، ولا والد ذكر، هذه الكلالة عند عامة أهل العلم، وهو كالإجماع منهم، أن الكلالة من لا ولد له، ولا والد ذكر، ومن تأمل ما جاء في آيات مواريث النساء في أولها، وفي آخرها علم ذلك يقينًا، وأن وجود الأب أو الجد أو الابن أو ابن الابن أو البنت أو بنت الابن يجعل المسألة ليست كلالة، والحكم يختلف في ذلك، فإذا قلنا أنه الابن الولد فقط أو وجود الأب والجد، لا يخرجه عن كونها كلالة....... في الأحكام.
وقول علماء الأمصار قاطبة، وهو الذي يدل عليه القرآن، كما أرشد الله أنه قد بين ذلك، ووضحه في قوله: يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ أَنْ تَضِلُّوا وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ، والله أعلم