المقدم: بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله ربِّ العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين نبينا محمدٍ، وعلى آله وصحبه أجمعين.
أيها الإخوة والأخوات، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، ومرحبًا بحضراتكم إلى درسٍ مباركٍ من دروس "المنتقى".
ضيف اللِّقاء هو سماحة العلامة الشيخ عبدالعزيز بن عبدالله بن باز، المفتي العام للمملكة العربية السعودية، ورئيس هيئة كبار العلماء.
مع مطلع هذا اللِّقاء نُرحب بسماحة الشيخ، فأهلًا ومرحبًا يا سماحة الشيخ.
الشيخ: حياكم الله وبارك فيكم.
المقدم: ما جاء في باب "بسم الله الرحمن الرحيم"، هناك مجموعة من الأسئلة نود أن نستفسر عنها سماحة الشيخ، وهي:
س: الجهر بالبسملة من المسائل الخلافية، فما القول الفصل فيها مأجورين؟
الشيخ: بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله، وصلى الله وسلم على رسول الله، وعلى آله وأصحابه ومَن اهتدى بهداه.
أما بعد: فالسنة الإسرار بالبسملة مع الاستعاذة، كان النبي يُسرّ بهما، ثم يجهر بالفاتحة في المغرب في الأولي والثانية، والعشاء في الأولى والثانية، وفي الفجر، وفي الجمعة، وفي الكسوف، وفي الاستسقاء، وإذا جهر بعض الأحيان ليُعلم الناس أنه يُسمِّي فلا حرج، لكن السنة الإسرار.
س: حديث أنسٍ يُفهم من لفظه أنَّ الرسول ﷺ لا يقرأ البسملة في القراءة؟
الشيخ: كان النبيُّ ﷺ يقطع قراءته: بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ [الفاتحة:1- 4]، كما روت أمُّ سلمة رضي الله عنها.
س: ما حكم القراءة بالتجويد؟
الشيخ: أحسن، التَّجويد معناه: تقوية القراءة والعناية بها، كونه يعتني بها، هذا هو السنة والكمال من جميع الوجوه.
س: هل القواعد المذكورة مثل: المد المتصل، والمنفصل، والإدغام، وغيره واجب في القراءة؟
الشيخ: الصواب أنه مستحب ومشروع، أما الوجوب ففيه نظر، لكن من باب تحسين القراءة والعناية بها.
س: الشخص الذي يتقعر ويُبالغ في المدود ما حكمه؟
الشيخ: لا ينبغي هذا، ما ينبغي التَّكلف في هذا.
بَابٌ فِي الْبَسْمَلَةِ هَلْ هِيَ مِنَ الْفَاتِحَةِ وَأَوَائِلِ السُّوَرِ أَمْ لَا؟
- عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: مَنْ صَلَّى صَلَاةً لَمْ يَقْرَأْ فِيهَا بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ فَهِيَ خِدَاجٌ، يَقُولُهَا ثَلَاثًا، فَقِيلَ لِأَبِي هُرَيْرَةَ: إنَّا نَكُونُ وَرَاءَ الْإِمَامِ؟ فَقَالَ: اقْرَأْ بِهَا فِي نَفْسِك؛ فَإِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ يَقُولُ: قَالَ اللَّهُ : قَسَمْتُ الصَّلَاةَ بَيْنِي وَبَيْنَ عَبْدِي نِصْفَيْنِ، وَلِعَبْدِي مَا سَأَلَ، فَإِذَا قَالَ الْعَبْدُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، قَالَ اللَّهُ: حَمِدَنِي عَبْدِي. فَإِذَا قَالَ: {الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ}، قَالَ: أَثْنَى عَلَيَّ عَبْدِي، فَإِذَا قَالَ: مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ، قَالَ: مَجَّدَنِي عَبْدِي، وَقَالَ مَرَّةً: فَوَّضَ إلَيَّ عَبْدِي، وَإِذَا قَالَ: إيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ، قَالَ: هَذَا بَيْنِي وَبَيْنَ عَبْدِي، وَلِعَبْدِي مَا سَأَلَ، فَإِذَا قَالَ: اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْت عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ، قَالَ: هَذَا لِعَبْدِي، وَلِعَبْدِي مَا سَأَلَ رَوَاهُ الْجَمَاعَةُ إلَّا الْبُخَارِيَّ وَابْنَ مَاجَهْ.
- وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ ﷺ أَنَّهُ قَالَ: إنَّ سُورَةً مِنَ الْقُرْآنِ ثَلَاثُونَ آيَةً شَفَعَتْ لِرَجُلٍ حَتَّى غُفِرَ لَهُ، وَهِيَ: تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ.
- وَعَنْ أَنَسٍ قَالَ: بَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ ﷺ ذَاتَ يَوْمٍ بَيْنَ أَظْهُرِنَا فِي الْمَسْجِدِ إذْ أَغْفَى، ثُمَّ رَفَعَ رَأْسَهُ مُتَبَسِّمًا، فَقُلْنَا لَهُ: مَا أَضْحَكَك يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ فَقَالَ: نَزَلَتْ عَلَيَّ آنِفًا سُورَةٌ، فَقَرَأَ: بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الْأَبْتَرُ [الكوثر]، ثُمَّ قَالَ: أَتَدْرُونَ مَا الْكَوْثَر؟ قَالَ: وَذَكَرَ الْحَدِيثَ. رَوَاهُ أَحْمَدُ وَمُسْلِمٌ وَالنَّسَائِيُّ.
- وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ لَا يَعْرِفُ فَصْلَ السُّورَةِ حَتَّى يَنْزِلَ عَلَيْهِ "بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ". رَوَاهُ أَبُو دَاوُد.
الشيخ: هذه الأحاديث كلها تدل على أن التسمية آية مستقلة أمام كل سورةٍ، وليست من الفاتحة، ولا من غيرها، ولكنها آية مستقلة، فصل بين السور؛ ولهذا كان ﷺ لا يجهر بها في الغالب، بل كان يُسرُّ بها، مع الاستعاذة، وإذا قرأ الفاتحة قرأ الحمد لله رب العالمين.
قال أنسٌ : كان النبيُّ ﷺ وأبو بكر وعمر لا يجهرون بـ"بسم الله الرحمن الرحيم"، ولما أخبر عن الفاتحة قال: يقول الله جلَّ وعلا: قَسَمْتُ الصَّلَاةَ بَيْنِي وَبَيْنَ عَبْدِي نِصْفَيْنِ، وَلِعَبْدِي مَا سَأَلَ، فَإِذَا قَالَ الْعَبْدُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، قَالَ اللَّهُ: حَمِدَنِي عَبْدِي ..، فذكر أولها {الحمد لله رب العالمين}، فدلَّ ذلك على أنَّ التَّسمية ليست منها، ولكنها فصل بين السور، يعرف أنَّ السورة انتهت، وأن بعدها سورةً أخرى في نزول التَّسمية، كما في الحديث الأخير، وإذا جهر فيها بعض الأحيان فلا بأس، لكنها آية مستقلة، فصل بين السور، وبعض آيةٍ من سورة النمل، كما في قوله سبحانه: إِنَّهُ مِنْ سُلَيْمَانَ وَإِنَّهُ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ [النمل:30]، فهي بعض آيةٍ من سورة النمل، وآية مستقلة أمام السور، ما عدا "براءة"، فليس أمامها تسمية.
س: ما معنى: قسمتُ الصلاةَ بيني وبين عبدي نصفين؟
الشيخ: يعني: نصفها لله، ونصفها للعبد، لحاجة العبد: فـالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ [الفاتحة:2- 4] كله ثناء على الله، "الحمد" تحميد لله، و الرحمن الرحيم ثناء على الله، ومالك يوم الدين تمجيد لله؛ لأنَّ التَّمجيد تكرار الثناء، والتَّوسع في الثناء، وإياك نعبد وإياك نستعين بين العبد وبين ربِّه: إياك نعبد حقّ الله، وإياك نستعين حاجة العبد، واهدنا الصراط المستقيم طلب من العبد ورغبة إلى الله، فأولها لله، ونصفها الثاني يتعلق بحاجة العبد.
س: الملاحظ على بعض الناس إذا قال الإمامُ: إياك نعبد وإياك نستعين قال: استعنَّا بالله؟
الشيخ: هذا ما هو بمشروع يعلم، هذا مكروه، لا أصل له، ولا يُستحب أن يقول: استعنا بالله؛ لعدم وروده عن النبي ﷺ.
س: سماحة الشيخ، حديث أبي هريرة في فضل سورة الملك، هل هو صحيح؟
الشيخ: في سنده بعض المقال، لكن فيه دلالة على أنَّ التسمية ليست من السورة؛ لأنه ذكر أولها: تبارك.
س: ما ترون فيمَن يذكر في كل سورةٍ حديثًا في فضلها؟ هل يُسلم له بذلك؟
الشيخ: لا، بعضها صحيح، وبعضها غير صحيح، يحتاج إلى مراجعة الأسانيد.
س: ما الكوثر؟ وهل هناك فرق بينه وبين الحوض؟
الشيخ: الكوثر: نهر في الجنة، والحوض: نهر في الدنيا يصبّ فيه ميزابان من الكوثر، فالحوض في الدنيا يوم القيامة يرده المسلمون، يصبّ فيه ميزابان من الكوثر كما جاء في الحديث، وأما الكوثر نفسه فهو نهر في الجنة، أعطاه الله النبيَّ محمدًا ﷺ، كما قال تعالى: إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ [الكوثر:1]، وهو نهر في الجنة عليه قباب من لؤلؤ.
بَابُ وُجُوبِ قِرَاءَةِ الْفَاتِحَةِ
- عَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ: أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ قَالَ: لَا صَلَاةَ لِمَنْ لَمْ يَقْرَأْ بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ رَوَاهُ الْجَمَاعَةُ.
وَفِي لَفْظٍ: لَا تُجْزِئُ صَلَاةٌ لِمَنْ لَمْ يَقْرَأْ بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ، وَقَالَ: إسْنَادٌ صَحِيحٌ.
- وَعَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ يَقُولُ: مَنْ صَلَّى صَلَاةً لَمْ يَقْرَأْ فِيهَا بِأُمِّ الْقُرْآنِ فَهِيَ خِدَاجٌ رَوَاهُ أَحْمَدُ وَابْنُ مَاجَهْ.
- وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ: أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ أَمَرَهُ أَنْ يَخْرُجَ فَيُنَادِيَ: لَا صَلَاةَ إلَّا بِقِرَاءَةِ فَاتِحَةِ الْكِتَابِ فَمَا زَادَ رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد.
الشيخ: وهذه الأحاديث كلها تدل على أنه لا بدّ من قراءة الفاتحة، وهي ركن في الصلاة، ولا صلاةَ لمن لم يقرأ بها، لكنها في حقِّ المنفرد والإمام آكد، فريضة لا بدَّ منها، ركن، لا صلاةَ لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب، أما في حقِّ المأموم فهي واجبة إن تيسرت له، وإلا أجزأه وقوفه مع الإمام، فإذا جاء والإمام راكع أو عند الركوع أجزأته الركعة، كما في حديث أبي بكرة: أنه صلى مع النبي ﷺ وجاء إلى النبي وهو راكع، فركع دون الصفِّ، ثم دخل في الصفِّ، فلم يأمره النبيُّ بالإعادة، بل قال له: زادك الله حرصًا، ولا تعد يعني: للركوع دون الصفِّ، ولم يأمره بقضاء الركعة، وهكذا مَن جهل الفاتحة أو نسيها مع الإمام وهو مأموم؛ أجزأته الركعةُ لجهله أو نسيانه؛ لقصة أبي بكرة، أما في حقِّ الإمام والمنفرد فلا بدَّ منها.
بَابُ مَا جَاءَ فِي قِرَاءَةِ الْمَأْمُومِ وَإِنْصَاتِهِ إذَا سَمِعَ إمَامَهُ
- عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَالَ: إنَّمَا جُعِلَ الْإِمَامُ لِيُؤْتَمَّ بِهِ، فَإِذَا كَبَّرَ فَكَبِّرُوا، وَإِذَا قَرَأَ فَأَنْصِتُوا رَوَاهُ الْخَمْسَةُ إلَّا التِّرْمِذِيَّ، وَقَالَ مُسْلِمٌ: هُوَ صَحِيحٌ.
- وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ انْصَرَفَ مِنْ صَلَاةٍ جَهَرَ فِيهَا بِالْقِرَاءَةِ، فَقَالَ: هَلْ قَرَأَ مَعِي أَحَدٌ مِنْكُمْ آنِفًا؟ فَقَالَ رَجُلٌ: نَعَمْ يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ: فَإِنِّي أَقُولُ: مَا لِي أُنَازَعُ الْقُرْآنَ؟! قَالَ: فَانْتَهَى النَّاسُ عَنِ الْقِرَاءَةِ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ فِيمَا يَجْهَرُ فِيهِ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ مِنَ الصَّلَوَاتِ بِالْقِرَاءَةِ حِينَ سَمِعُوا ذَلِكَ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ. رَوَاهُ أَبُو دَاوُد، وَالنَّسَائِيُّ، وَالتِّرْمِذِيُّ وَقَالَ: حَدِيثٌ حَسَنٌ.
- وَعَنْ عُبَادَةَ قَالَ: صَلَّى رَسُولُ اللَّهِ ﷺ الصُّبْحَ، فَثَقُلَتْ عَلَيْهِ الْقِرَاءَةُ، فَلَمَّا انْصَرَفَ قَالَ: إنِّي أَرَاكُمْ تَقْرَؤُونَ وَرَاءَ إمَامِكُمْ، قَالَ: قُلْنَا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَيْ وَاللَّهِ، قَالَ: لَا تَفْعَلُوا إلَّا بِأُمِّ الْقُرْآنِ؛ فَإِنَّهُ لَا صَلَاةَ لِمَنْ لَمْ يَقْرَأْ بِهَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ، والبخاري في جزء القراءة وصحَّحه.
وله شواهد عند أحمد وابن حبان.
وَفِي لَفْظٍ: فَلَا تَقْرَؤُوا بشيءٍ مِنَ الْقُرْآنِ إذَا جَهَرْت بِهِ إلَّا بِأُمِّ الْقُرْآنِ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ وَالدَّارَقُطْنِيُّ، وَقَالَ: كُلُّهُمْ ثِقَاتٌ.
- وَعَنْ عُبَادَةَ: أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ قَالَ: لَا يَقْرَأَنَّ أَحَدٌ مِنْكُمْ شَيْئًا مِنَ الْقُرْآنِ إذَا جَهَرْتُ بِالْقِرَاءَةِ إلَّا بِأُمِّ الْقُرْآنِ رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ وَقَالَ: رِجَالُهُ كُلُّهُمْ ثِقَاتٌ.
- وَرَوَى عَبْدُاللَّهِ بْنُ شَدَّادٍ: أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ قَالَ: مَنْ كَانَ لَهُ إمَامٌ فَقِرَاءَةُ الْإِمَامِ لَهُ قِرَاءَةٌ وَقَدْ رُوِيَ مُسْنَدًا مِنْ طُرُقٍ كُلِّهَا ضِعَافٌ، وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ مُرْسَلٌ.
الشيخ: كل هذه الأحاديث تدل على أنَّ الواجب الإنصات؛ ولهذا قال ﷺ: وإذا قرأ فأنصتوا، فالواجب على المأمومين الإنصات للإمام؛ حتى يستفيدوا من قراءته، ولا يُنازعونه إلا بفاتحة الكتاب، فإنها مُستثناة كما دلَّت عليها النصوص الأخرى، فالمأموم فيما يجهر فيه الإمام يقرأ الفاتحة فقط، ثم يُنصت، فالأحاديث التي فيها النَّهي عن القراءة، وأن الرسول نهى عن مُنازعة القرآن عامَّة، مخصوصة بالفاتحة، فالفاتحة يقرأها المأمومُ ويُنصت لقراءة إمامه؛ ولهذا قال ﷺ: لعلكم تقرؤون خلف إمامكم؟ قلنا: نعم، قال: لا تفعلوا إلا بفاتحة الكتاب؛ فإنه لا صلاةَ لمن لم يقرأ بها، فالمأموم يقرأ الفاتحة، فإن نسي أو جهل أو لم يُدرك الإمام إلا في الركوع أو عند الركوع سقطت عنه.
الشيخ: مثلما تقدم، نعم، إنكار لمنازعة القرآن.
بَابُ التَّأْمِينِ وَالْجَهْرِ بِهِ مَعَ الْقِرَاءَةِ
- عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَالَ: إذَا أَمَّنَ الْإِمَامُ فَأَمِّنُوا، فَإِنَّ مَنْ وَافَقَ تَأْمِينُهُ تَأْمِينَ الْمَلَائِكَةِ غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ.
وَقَالَ ابْنُ شِهَابٍ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ يَقُولُ: آمِينَ رَوَاهُ الْجَمَاعَةُ، إلَّا أَنَّ التِّرْمِذِيَّ لَمْ يَذْكُرْ قَوْلَ ابْنِ شِهَابٍ.
وَفِي رِوَايَةٍ: إذَا قَالَ الْإِمَامُ: غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ فَقُولُوا: آمِينَ، فَإِنَّ الْمَلَائِكَةَ تَقُولُ: آمِينَ، وَإِنَّ الْإِمَامَ يَقُولُ: آمِينَ، فَمَنْ وَافَقَ تَأْمِينُهُ تَأْمِينَ الْمَلَائِكَةِ غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالنَّسَائِيُّ.
- وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ إذَا تَلَا: غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ، قَالَ: آمِينَ حَتَّى يُسْمِعَ مَنْ يَلِيهُ مِنَ الصَّفِّ الْأَوَّلِ. رَوَاهُ أَبُو دَاوُد، وَابْنُ مَاجَهْ وَقَالَ: حَتَّى يَسْمَعَهَا أَهْلُ الصَّفِّ الْأَوَّلِ، فَيَرْتَجّ بِهَا الْمَسْجِدُ.
- وَعَنْ وَائِلِ بْنِ حُجْرٍ قَالَ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ ﷺ قَرَأَ: غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ، فَقَالَ: آمِينَ يَمُدُّ بِهَا صَوْتَهُ. رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ.
الشيخ: هذه الأحاديث كلها تدل على شرعية التأمين، وأنَّ الإمام والمأمومين يُؤمنون عند الفراغ من الفاتحة، فإذا قال الإمامُ: ولا الضالين يقول المأمومُ والإمامُ جميعًا: آمين، والملائكة تُأمِّن على ما يقولون، فإذا وافق تأمينُهم تأمينَ الملائكة غُفر للجميع، وهذا فضل عظيم.
ومعنى "آمين": اللهم استجب، فالسنة للإمام إذا قال: ولا الضالين أن يقول: آمين، وهكذا المأمومين إذا سمعوا الإمامَ يقول: ولا الضالين يقولون: آمين، في المغرب والعشاء والفجر والجمعة، وفي جميع الصَّلوات التي يجهر بها؛ عملًا بهذه السنة، ومعناها: اللهم استجب.
بَابُ حُكْمِ مَنْ لَمْ يُحْسِنْ فَرْضَ الْقِرَاءَةِ
- عَنْ رِفَاعَةَ بْنِ رَافِعٍ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ عَلَّمَ رَجُلًا الصَّلَاةَ فَقَالَ: إنْ كَانَ مَعَكَ قُرْآنٌ فَاقْرَأْ، وَإِلَّا فَاحْمَدِ اللَّهَ وَكَبِّرْهُ وَهَلِّلْهُ، ثُمَّ ارْكَعْ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ.
- وَعَنْ عَبْدِاللَّهِ بْنِ أَبِي أَوْفَى قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ إلَى النَّبِيِّ ﷺ فَقَالَ: إنِّي لَا أَسْتَطِيعُ أَنْ آخُذَ شَيْئًا مِنَ الْقُرْآنِ، فَعَلِّمْنِي مَا يُجْزِئُنِي، قَالَ: قُلْ: سُبْحَانَ اللَّهِ، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ، وَلَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ، وَاللَّهُ أَكْبَرُ، وَلَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إلَّا بِاللَّهِ رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ وَالدَّارَقُطْنِيُّ، وَلَفْظُهُ: فَقَالَ: إنِّي لَا أَسْتَطِيعُ أَنْ أَتَعَلَّمَ الْقُرْآنَ، فَعَلِّمْنِي مَا يُجْزِئُنِي فِي صَلَاتِي، فَذَكَرَهُ.
الشيخ: وهذا يدل على أنَّ مَن عجز عن الفاتحة يأتي بالتَّحميد والتَّكبير والتَّهليل؛ لقوله ﷺ: فاحمد الله وكبِّره وهلله، والكمال أن يقول: سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر، ولا حول ولا قوة إلا بالله؛ لحديث عبدالله بن أبي أوفى: أن الرسول علَّم الذي لا يستطيع شيئًا من القرآن أن يأتي بهذا التَّسبيح في محلِّ القراءة ويُجزئه ذلك، لكن يجب عليه التَّعلم، إذا عجز وحضرت الصلاةُ ولم يتعلم أجزأه التَّسبيح: سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر، ولا حول ولا قوة إلا بالله.
بَابُ قِرَاءَةِ السُّورَةِ بَعْدَ الْفَاتِحَةِ فِي الْأُولَيَيْنِ
وَهَلْ تُسَنُّ قِرَاءَتُهَا فِي الْأُخْرَيَيْنِ أَمْ لَا؟
- عَنْ أَبِي قَتَادَةَ: أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ كَانَ يَقْرَأُ فِي الظُّهْرِ فِي الْأُولَيَيْنِ بِأُمِّ الْكِتَابِ وَسُورَتَيْنِ، وَفِي الرَّكْعَتَيْنِ الْأُخْرَيَيْنِ بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ، وَيُسْمِعُنَا الْآيَةَ أَحْيَانًا، وَيُطَوِّلُ فِي الرَّكْعَةِ الْأُولَى مَا لَا يُطِيلُ فِي الثَّانِيَةِ، وَهَكَذَا فِي الْعَصْرِ، وَهَكَذَا فِي الصُّبْحِ. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَزَادَ قَالَ: فَظَنَنَّا أَنَّهُ يُرِيدُ بِذَلِكَ أَنْ يُدْرِكَ النَّاسُ الرَّكْعَةَ الْأُولَى.
- وَعَنْ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ قَالَ: قَالَ عُمَرُ لِسَعْدٍ: لَقَدْ شَكَوكَ فِي كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى الصَّلَاة، قَالَ: أَمَّا أَنَا فَأَمُدُّ فِي الْأُولَيَيْنِ، وَأَحْذِفُ مِنَ الْأُخْرَيَيْنِ، وَلَا آلُو مَا اقْتَدَيْتُ بِهِ مِنْ صَلَاةِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ، قَالَ: صَدَقْتَ، ذَلِكَ الظَّنُّ بِكَ، أَوْ ظَنِّي بِكَ. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
- وَعَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ: أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ كَانَ يَقْرَأُ فِي صَلَاةِ الظُّهْرِ: فِي الرَّكْعَتَيْنِ الْأُولَيَيْنِ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ قَدْرَ ثَلَاثِينَ آيَةً، وَفِي الْأُخْرَيَيْنِ قَدْرَ قِرَاءَةِ خَمْسَ عَشْرَةَ آيَةً. أَوْ قَالَ: نِصْفَ ذَلِكَ، وَفِي الْعَصْرِ فِي الرَّكْعَتَيْنِ الْأُولَيَيْنِ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ قَدْرَ قِرَاءَةِ خَمْسَ عَشْرَةَ آيَةً، وَفِي الْأُخْرَيَيْنِ قَدْرَ نِصْفِ ذَلِكَ. رَوَاهُ أَحْمَدُ وَمُسْلِمٌ.
الشيخ: وهذه الأحاديث تدل على أنَّ السنة التَّطويل في الركعتين الأُوليين، وأن يقرأ الفاتحةَ معها، مع الركود والطُّمأنينة وترتيل القراءة، كما ذكر سعدٌ ، وكما ذكر أبو قتادة. وفي الأُخريين يقرأ الفاتحةَ فقط، هذا هو السنة، وتكون العصر أخفَّ من الظهر.
وفي حديث أبي سعيدٍ ما يدل على أنه ﷺ قد يقرأ في الثالثة والرابعة زيادة؛ لأنه ذكر أنه يقرأ في الأولى والثانية قدر ثلاثين آية، وفي الأُخريين قدر النصف من ذلك، فدلَّ على أنه قد يقرأ في الثالثة والرابعة زيادة في الظهر، وأما العصر فتكفي الفاتحة، وهكذا الثالثة في المغرب، وهكذا الثالثة والرابعة في العشاء يقرأ الفاتحة، هذا هو الأفضل، ويكفي، أما الظهر فالسنة أن يقرأ في الثالثة والرابعة الفاتحة فقط، وإذا قرأ بعض الأحيان زيادةً في بعض الأحيان فلا بأس؛ لحديث أبي سعيدٍ.
بَابُ قِرَاءَةِ سُورَتَيْنِ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ وَقِرَاءَةِ بَعْضِ سُورَةٍ
وَتَنْكِيسِ السُّوَرِ فِي تَرْتِيبِهَا وَجَوَازِ تَكْرِيرِهَا
- عَنْ أَنَسٍ قَالَ: كَانَ رَجُلٌ مِنَ الْأَنْصَارِ يَؤُمُّهُمْ فِي مَسْجِدِ قُبَاءَ، فَكَانَ كُلَّمَا افْتَتَحَ سُورَةً يَقْرَأُ بِهَا لَهُمْ فِي الصَّلَاةِ مِمَّا يَقْرَأُ بِهِ افْتَتَحَ بِـقُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ حَتَّى يَفْرُغَ مِنْهَا، ثُمَّ يَقْرَأُ سُورَةً أُخْرَى مَعَهَا، فَكَانَ يَصْنَعُ ذَلِكَ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ، فَلَمَّا أَتَاهُم النَّبِيُّ ﷺ أَخْبَرُوهُ الْخَبَرَ، فَقَالَ: وَمَا يَحْمِلُكَ عَلَى لُزُومِ هَذِهِ السُّورَةِ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ؟ قَالَ: إنِّي أُحِبُّهَا، قَالَ: حُبُّكَ إيَّاهَا أَدْخَلَكَ الْجَنَّةَ رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ، وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ تَعْلِيقًا.
- وَعَنْ حُذَيْفَةَ قَالَ: صَلَّيْتُ مَعَ النَّبِيِّ ﷺ ذَاتَ لَيْلَةٍ، فَافْتَتَحَ الْبَقَرَةَ، فَقُلْتُ: يَرْكَعُ عِنْدَ الْمِئَةِ، ثُمَّ مَضَى، فَقُلْتُ: يُصَلِّي بِهَا فِي كُلِّ رَكْعَةٍ، فَمَضَى، فَقُلْتُ: يَرْكَعُ بِهَا، فَمَضَى، ثُمَّ افْتَتَحَ النِّسَاءَ فَقَرَأَهَا، ثُمَّ افْتَتَحَ آلَ عِمْرَانَ فَقَرَأَهَا مُتَرَسِّلًا، إذَا مَرَّ بِآيَةٍ فِيهَا تَسْبِيحٌ سَبَّحَ، وَإِذَا مَرَّ بِسُؤَالٍ سَأَلَ، وَإِذَا مَرَّ بِتَعَوُّذٍ تَعَوَّذَ، ثُمَّ رَكَعَ فَجَعَلَ يَقُولُ: سُبْحَانَ رَبِّي الْعَظِيمِ، وَكَانَ رُكُوعُهُ نَحْوًا مِنْ قِيَامِهِ، ثُمَّ قَالَ: سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ، رَبّنَا لَكَ الْحَمْدُ، ثُمَّ قَامَ قِيَامًا طَوِيلًا قَرِيبًا مِمَّا رَكَعَ، ثُمَّ سَجَدَ فَقَالَ: سُبْحَانَ رَبِّي الْأَعْلَى، فَكَانَ سُجُودُهُ قَرِيبًا مِنْ قِيَامِهِ. رَوَاهُ أَحْمَدُ وَمُسْلِمٌ وَالنَّسَائِيُّ.
- وَعَنْ رَجُلٍ مِنْ جُهَيْنَةَ: أَنَّهُ سَمِعَ النَّبِيَّ ﷺ يَقْرَأُ فِي الصُّبْحِ: إذَا زُلْزِلَتِ الْأَرْضُ فِي الرَّكْعَتَيْنِ كِلْتَيْهِمَا، قَالَ: فَلَا أَدْرِي: أَنَسِيَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ أَمْ قَرَأَ ذَلِكَ عَمْدًا؟ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد.
- وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ كَانَ يَقْرَأُ فِي رَكْعَتَي الْفَجْرِ فِي الْأُولَى مِنْهُمَا: قُولُوا آمَنَّا بِاَللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ إلَيْنَا الْآيَة الَّتِي فِي الْبَقَرَةِ، وَفِي الْآخِرَةِ: آمَنَّا بِاَللَّهِ وَاشْهَدْ بِأَنَّا مُسْلِمُونَ.
وَفِي رِوَايَةٍ: كَانَ يَقْرَأُ فِي رَكْعَتَي الْفَجْرِ: قُولُوا آمَنَّا بِاَللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ إلَيْنَا وَالَّتِي فِي آلِ عِمْرَانَ: تَعَالَوْا إلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ. رَوَاهُمَا أَحْمَدُ وَمُسْلِمٌ.
الشيخ: وهذه الأحاديث تدل على جواز قراءة السورتين في الركعة، وأنه لا حرج في ذلك، ويدل على الجواز قراءة الزلزلة في الفجر مكررة في الركعتين، لكن السنة التطويل في الفجر، هذا هو الغالب من فعل النبي ﷺ؛ كان يُطيل في الفجر كما تقدم في حديث أبي قتادة، فالأفضل والسنة أن يُطيل في صلاة الفجر طولًا لا يشقّ على الناس، مثل: أن يقرأ بطوال المفصل، مثل: "ق"، و"اقتربت"، و"الواقعة"، و"الرحمن"، و"الحشر"، و"الممتحنة"، و"الصف"، إلى غير ذلك، كما كان النبيُّ يفعل ﷺ، وإذا قرأ بأقلّ من ذلك في بعض الأحيان فلا حرج، لكن الأفضل أن يكون غالبًا من طوال المفصل.
ويجوز أن يجمع بين سورتين أو أكثر في الركعة، كما فعل ﷺ في تهجده في الليل؛ فإنه قرأ البقرة والنساء وآل عمران في ركعةٍ، فدلَّ ذلك على أنه لا حرج في ذلك؛ لأنه يُطول لنفسه، فليس خلفه مَن يشقّ عليه، فإذا طول في تهجده في الليل وقرأ عدة سورٍ فلا حرج في ذلك.
وفيه أنه يُستحب له عند المرور بآية الرحمة أن يسأل، وعند آية العذاب أن يتعوَّذ، وعند آية تسبيح الرب وذكر أسمائه أن يُسبحه سبحانه، وهذا كله في صلاة الليل، أما في الفرض فلم يرد فيما نعلم شيء من ذلك؛ لأنَّ في وقوفه عند الآيات شيئًا من التَّطويل على المأمومين قد يشقّ عليهم، وإنما هذا كان يفعله في صلاة الليل عليه الصلاة والسلام.
وهكذا لو جمع بين سورتين في الفريضة، كما فعل إمامُهم في قباء: كان يقرأ قل هو الله أحد ومعها زيادة، فلا بأس بذلك إذا فعل ذلك؛ لأنَّ الرسول أقرَّه ولم ينهه، فدلَّ ذلك على الجواز، فلو قرأ بسورتين أو ثلاثٍ من غير طولٍ على الناس فلا حرج في ذلك بعد الفاتحة.
المقدم: شكر الله لكم سماحة الشيخ، وبارك الله فيكم وفي علمكم، ونفع بكم الإسلام والمسلمين.