وروى ابنُ جرير من طريق أسباط، عن السدي في قوله: قَدْ نَعْلَمُ إِنَّهُ لَيَحْزُنُكَ الَّذِي يَقُولُونَ فَإِنَّهُمْ لَا يُكَذِّبُونَكَ وَلَكِنَّ الظَّالِمِينَ بِآيَاتِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ [الأنعام:33] لما كان يوم بدر قال الأخنس بن شريق لبني زهرة: يا بني زهرة، إنَّ محمدًا ابن أختكم، فأنتم أحقّ مَن ذبَّ عن ابن أخته، فإنَّه إن كان نبيًّا لم تُقاتلوه اليوم، وإن كان كاذبًا كنتم أحقَّ مَن كفَّ عن ابن أخته، قفوا هاهنا حتى ألقى أبا الحكم، فإن غَلَبَ محمدٌ رجعتم سالمين، وإن غُلِبَ محمدٌ فإنَّ قومكم لم يصنعوا بكم شيئًا. فيومئذٍ سُمي "الأخنس"، وكان اسمه "أبيًّا".
فالتقى الأخنسُ وأبو جهل، فخلا الأخنسُ بأبي جهلٍ، فقال: يا أبا الحكم، أخبرني عن محمدٍ: أصادقٌ هو أم كاذب؟ فإنَّه ليس هاهنا من قريشٍ غيري وغيرك يستمع كلامنا. فقال أبو جهل: ويحك! والله إنَّ محمدًا لصادق، وما كذب محمدٌ قطّ، ولكن إذا ذهبت بنو قصي باللواء والسّقاية والحجابة والنبوة، فماذا يكون لسائر قريش؟
فذلك قوله: فَإِنَّهُمْ لَا يُكَذِّبُونَكَ وَلَكِنَّ الظَّالِمِينَ بِآيَاتِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ [الأنعام:33]، فآيات الله محمدٌ ﷺ.
الشيخ: الآية صريحة في ذلك، فإنهم يعرفون صدقَه وأمانته، ولكنَّهم يجحدون؛ لما في نفوسهم من الهوى والفساد والشَّر ومحبّة الرياسة، نسأل الله العافية، مثلما ذكر عن أبي جهل، وهذا أعظم في العقوبة، وأعظم في الإثم والعاقبة الوخيمة: كون الإنسان يجحد الحقَّ لهوى: لرياسةٍ، لطمعٍ في الدنيا، هذا أعظم وأقبح ممن يجحده جهلًا وتقليدًا ونحو ذلك، نسأل الله العافية.
وقوله: لَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِكَ فَصَبَرُوا عَلَى مَا كُذِّبُوا وَأُوذُوا حَتَّى أَتَاهُمْ نَصْرُنَا [الأنعام:34] هذه تسلية للنبي ﷺ وتعزية له فيمَن كذَّبه من قومه، وأمرٌ له بالصبر كما صبر أولو العزم من الرسل، ووعدٌ له بالنصر كما نُصروا، وبالظّفر، حتى كانت لهم العاقبة بعدما نالهم من التَّكذيب من قومهم والأذى البليغ، ثم جاءهم النَّصر في الدنيا، كما لهم النَّصر في الآخرة؛ ولهذا قال: وَلَا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِ اللَّهِ [الأنعام:34] أي: التي كتبها بالنصر في الدنيا والآخرة لعباده المؤمنين، كما قال: وَلَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنَا لِعِبَادِنَا الْمُرْسَلِينَ إِنَّهُمْ لَهُمُ الْمَنْصُورُونَ وَإِنَّ جُنْدَنَا لَهُمُ الْغَالِبُونَ [الصافات:171-173]، وقال تعالى: كَتَبَ اللَّهُ لَأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ [المجادلة:21].
وقوله: وَلَقَدْ جَاءَكَ مِنْ نَبَإِ الْمُرْسَلِينَ [الأنعام:34] أي: من خبرهم، كيف نُصروا وأيّدوا على مَن كذبهم من قومهم، فلك فيهم أسوة، وبهم قُدوة.
ثم قال تعالى: وَإِنْ كَانَ كَبُرَ عَلَيْكَ أي: إن كان شقَّ عليك إِعْرَاضُهُمْ فَإِنِ اسْتَطَعْتَ أَنْ تَبْتَغِيَ نَفَقًا فِي الْأَرْضِ أَوْ سُلَّمًا فِي السَّمَاءِ [الأنعام:35] قال علي ابن أبي طلحة: عن ابن عباسٍ: النَّفق: السرب، فتذهب فيه فتأتيهم بآيةٍ، أو تجعل لك سلمًا في السماء، فتصعد فيه، فتأتيهم بآيةٍ أفضل مما آتيتهم به فافعل.
وكذا قال قتادة والسدي وغيرهما.
وقوله: وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَجَمَعَهُمْ عَلَى الْهُدَى فَلَا تَكُونَنَّ مِنَ الْجَاهِلِينَ [الأنعام:35] كقوله تعالى: وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَآمَنَ مَنْ فِي الْأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعًا الآية [يونس:99].
قال علي ابن أبي طلحة: عن ابن عباسٍ في قوله: وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَجَمَعَهُمْ عَلَى الْهُدَى قال: إنَّ رسول الله ﷺ كان يحرص أن يؤمن جميع الناس ويُتابعوه على الهدى، فأخبره الله أنَّه لا يؤمن إلا مَن قد سبق له من الله السَّعادة في الذكر الأول.
س: في قوله تعالى: وَإِنْ كَانَ كَبُرَ عَلَيْكَ إِعْرَاضُهُمْ فَإِنِ اسْتَطَعْتَ أَنْ تَبْتَغِيَ هذا توجيهٌ للنبي ﷺ أو .....؟
ج: يُبين له أنَّه ليس في قُدرته شيء، هذا الأصل، ليس في يده إلا الصّبر، لا يستطيع أن يبتغي نفقًا في الأرض، ولا أن يتّخذ سلمًا في السماء، ليس هناك إلا الصبر كما صبر الرسل.
وقوله تعالى: إِنَّمَا يَسْتَجِيبُ الَّذِينَ يَسْمَعُونَ [الأنعام:36] أي: إنما يستجيب لدعائك يا محمد مَن يسمع الكلام ويعيه ويفهمه، كقوله: لِيُنْذِرَ مَنْ كَانَ حَيًّا وَيَحِقَّ الْقَوْلُ عَلَى الْكَافِرِينَ [يس:70].
وقوله: وَالْمَوْتَى يَبْعَثُهُمُ اللَّهُ [الأنعام:36] يعني بذلك الكفار؛ لأنَّهم موتى القلوب، فشبَّههم الله بأموات الأجساد فقال: وَالْمَوْتَى يَبْعَثُهُمُ اللَّهُ ثُمَّ إِلَيْهِ يُرْجَعُونَ، وهذا من باب التَّهكم بهم والازدراء عليهم.
الشيخ: وهذا كلّه في الحقيقة يدعو العاقل إلى الإصغاء والاستماع والإنصات، وسؤال الله التوفيق، فكم من عاقلٍ، سميع، بصير، حاذق، ولم يُوفّق: إِنَّمَا يَسْتَجِيبُ الَّذِينَ يَسْمَعُونَ الذين يُوفّقهم الله لسماع الحقِّ والرِّضا به، فجديرٌ بالمؤمن أن يسأل ربَّه التوفيق والهداية حتى يقبل الحقّ، حتى يستجيب للداعي، نعم.
وَقَالُوا لَوْلَا نُزِّلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مِنْ رَبِّهِ قُلْ إِنَّ اللَّهَ قَادِرٌ عَلَى أَنْ يُنَزِّلَ آيَةً وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ إِلَّا أُمَمٌ أَمْثَالُكُمْ مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ ثُمَّ إِلَى رَبِّهِمْ يُحْشَرُونَ وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا صُمٌّ وَبُكْمٌ فِي الظُّلُمَاتِ مَنْ يَشَإِ اللَّهُ يُضْلِلْهُ وَمَنْ يَشَأْ يَجْعَلْهُ عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ [الأنعام:37-39].
يقول تعالى مُخبرًا عن المشركين أنَّهم كانوا يقولون: لَوْلَا نُزِّلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مِنْ رَبِّهِ أي: خارق على مُقتضى ما كانوا يُريدون، ومما يتعنتون، كقولهم: لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى تَفْجُرَ لَنَا مِنَ الْأَرْضِ يَنْبُوعًا الآيات [الإسراء:90].
قُلْ إِنَّ اللَّهَ قَادِرٌ عَلَى أَنْ يُنَزِّلَ آيَةً وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ أي: هو تعالى قادرٌ على ذلك، ولكن حكمته تعالى تقتضي تأخير ذلك؛ لأنَّه لو أنزل وفق ما طلبوا ثم لم يُؤمنوا لعاجلهم بالعقوبة كما فعل بالأمم السَّالفة، كما قال تعالى: وَمَا مَنَعَنَا أَنْ نُرْسِلَ بِالْآيَاتِ إِلَّا أَنْ كَذَّبَ بِهَا الْأَوَّلُونَ وَآتَيْنَا ثَمُودَ النَّاقَةَ مُبْصِرَةً فَظَلَمُوا بِهَا وَمَا نُرْسِلُ بِالْآيَاتِ إِلَّا تَخْوِيفًا [الإسراء:59]، وقال تعالى: إِنْ نَشَأْ نُنَزِّلْ عَلَيْهِمْ مِنَ السَّمَاءِ آيَةً فَظَلَّتْ أَعْنَاقُهُمْ لَهَا خَاضِعِينَ [الشعراء:4].
وقوله: وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ إِلَّا أُمَمٌ أَمْثَالُكُمْ قال مجاهد: أي: أصناف مُصنّفة تُعرف بأسمائها.
وقال قتادة: الطير أمّة، والإنس أمّة، والجن أمّة.
وقال السدي: إِلَّا أُمَمٌ أَمْثَالُكُمْ أي: خلق أمثالكم.
وقوله: مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ، مِنْ شَيْءٍ أي: الجميع علمهم عند الله، ولا ينسى واحدًا من جميعها من رزقه وتدبيره، سواء كان بريًّا أو بحريًّا، كقوله: وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إِلَّا عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّهَا وَمُسْتَوْدَعَهَا كُلٌّ فِي كِتَابٍ مُبِينٍ [هود: 6] أي: مفصح بأسمائها وأعدادها ومظانها، وحاصر لحركاتها وسكناتها، وقال تعالى: وَكَأَيِّنْ مِنْ دَابَّةٍ لَا تَحْمِلُ رِزْقَهَا اللَّهُ يَرْزُقُهَا وَإِيَّاكُمْ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ [العنكبوت:60].
وقد قال الحافظ أبو يعلى: حدثنا محمد بن المثنى: حدثنا عبيد بن واقد القيسي أبو عباد: حدثني محمد بن عيسى بن كيسان: حدثنا محمد بن المنكدر، عن جابر بن عبدالله قال: قلَّ الجرادُ في سنةٍ من سني عمر التي ولي فيها، فسأل عنه فلم يُخبر بشيءٍ، فاغتمَّ لذلك، فأرسل راكبًا إلى كذا، وآخر إلى الشام، وآخر إلى العراق، يسأل: هل رُؤي من الجراد شيء أم لا؟ قال: فأتاه الراكب الذي من قبل اليمن بقبضةٍ من جرادٍ، فألقاها بين يديه، فلمَّا رآها كبَّر ثلاثًا، ثم قال: سمعتُ رسول الله ﷺ يقول: خلق الله ألف أمةٍ، منها ستمئة في البحر، وأربعمئة في البرِّ، وأول شيءٍ يهلك من هذه الأمم الجراد، فإذا هلكت تتابعت مثل النظام إذا قطع سلكه.
الشيخ: ..... تجمع طرقه.
مُداخلة: في تعليق سابق لكم.
الشيخ: نعم.
الطالب: الحديث ضعيف؛ فعبيد بن واقد القيسي ضعيف، من التاسعة.
الشيخ: انظر "التقريب": عبيد بن واقد.
الطالب: "الخلاصة": عبيد بن واقد القيسي –بقاف-، أو الليثي، أبو عباد، البصري، عن سعيد بن عطية، وعنه عمرو بن علي ونصر بن علي، ضعَّفه أبو حاتم.
الشيخ: والذي بعده، شيخه: محمد بن عيسى بن كيسان.
الطالب: محمد بن عيسى بن كيسان، الهذلي، العبدي، عن ابن المنكدر والحسن البصري، قال البخاري والفلاس: مُنكر الحديث. وقال أبو زرعة: لا ينبغي أن يُحدَّث عنه. وقال ابنُ حبان: يأتي عن ابن المنكدر بعجائب. وقال الدارقطني: ضعيف. ووثقه بعضُهم.
الشيخ: المقصود أنَّ الخبر ضعيف ..... عبيد بن واقد ومحمد بن كيسان كلاهما ضعيف، مع غرابة المتن، نعم.
مُداخلة: في حاشيةٍ يقول هنا: "مسند أبي يعلى الكبير" كما في "مجمع الزوائد"، ورواه ابنُ عدي في "الكامل"، والخطيب في "تاريخ بغداد" من طريق عبيد بن واقد، عن محمد بن عيسى .....، وفي إسناده عبيد بن واقد ومحمد بن عيسى، وهما ضعيفان.
الشيخ: مثلما تقدّم، نعم.
وقوله: ثُمَّ إِلَى رَبِّهِمْ يُحْشَرُونَ قال ابنُ أبي حاتم: حدثنا أبو سعيد الأشجّ: حدثنا أبو نعيم: حدثنا سفيان، عن أبيه، عن عكرمة، عن ابن عباسٍ في قوله: ثُمَّ إِلَى رَبِّهِمْ يُحْشَرُونَ قال: حشرها الموت.
وكذا رواه ابنُ جرير من طريق إسرائيل، عن سعيد، عن مسروق، عن عكرمة، عن ابن عباسٍ قال: موت البهائم حشرها.
وكذا رواه العوفي عنه.
قال ابنُ أبي حاتم: ورُوي عن مجاهد والضَّحاك مثله.
والقول الثاني: إنَّ حشرها: بعثها يوم القيامة؛ لقوله: وَإِذَا الْوُحُوشُ حُشِرَتْ [التكوير:5].
وقال الإمامُ أحمد: حدثنا محمد بن جعفر: حدثنا شعبة، عن سليمان، عن منذر الثوري، عن أشياخٍ لهم، عن أبي ذرٍّ: أنَّ رسول الله ﷺ رأى شاتين تنتطحان، فقال: يا أبا ذرّ، هل تدري فيمَ تنتطحان؟ قال: لا. قال: لكنَّ الله يدري، وسيقضي بينهما.
ورواه عبدُالرزاق، عن معمر، عن الأعمش، عمَّن ذكره عن أبي ذرٍّ قال: بينا نحن عند رسول الله ﷺ إذ انتطحت عنزان، فقال رسولُ الله ﷺ: أتدرون فيمَ انتطحتا؟ قالوا: لا ندري. قال: لكن الله يدري، وسيقضي بينهما. رواه ابنُ جرير.
ثم رواه من طريق منذر الثوري، عن أبي ذرٍّ، فذكره، وزاد: قال أبو ذرّ: ولقد تركنا رسول الله ﷺ وما يقلب طائرٌ جناحيه في السَّماء إلا ذكر لنا منه علمًا.
وقال عبدالله ابن الإمام أحمد في "مسند أبيه": حدثني عباس بن محمد، وأبو يحيى البزار، قالا: حدثنا حجاج بن نصير: حدثنا شعبة، عن العوام بن مراجم -من بني قيس بن ثعلبة.
مُداخلة: ابن مزاحم، عفا الله عنك.
مداخلة: ..... العوام بن مراجم، القيسي، عن أبي عثمان النَّهدي، وعنه شعبة وخالد بن إسحاق، قال أبو حاتم: صالح. وقال ابنُ معين: ثقة، لم أسمع أحدًا يُحدِّث عنه إلا شعبة. قلت: أبوه براء وجيم.
الشيخ: مراجم. هذا قول الحافظ، مثلما عند عمر العوام بن مراجم. نعم.
حدثنا شعبة، عن العوام بن مراجم -من بني قيس بن ثعلبة-، عن أبي عثمان النَّهدي، عن عثمان : أنَّ رسول الله ﷺ قال: إنَّ الجمّاء لتقتصّ من القرناء يوم القيامة.
وقال عبدُالرزاق: أخبرنا معمر، عن جعفر بن برقان، عن يزيد بن الأصم، عن أبي هريرة في قوله: إِلَّا أُمَمٌ أَمْثَالُكُمْ مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ ثُمَّ إِلَى رَبِّهِمْ يُحْشَرُونَ قال: يُحشر الخلق كلّهم يوم القيامة: البهائم، والدَّواب، والطير، وكل شيءٍ، فيبلغ من عدل الله يومئذٍ أن يأخذ للجمّاء من القرناء، ثم يقول: كوني ترابًا؛ فلذلك يقول الكافر: يَا لَيْتَنِي كُنْتُ تُرَابًا [النبأ:40]. وقد رُوي هذا مرفوعًا في حديث الصور.
الشيخ: وهذا كلامٌ صحيحٌ، سند عبدالرزاق جيد، وهذا لا يُقال من جهة الرأي، له حكم الرفع، نعم، فالله جلَّ وعلا هو الحكم العدل، يقضي بين عباده، ويقتصّ للمظلوم من الظالم، ثم يبقى الحساب والجزاء فيما يتعلق بالجنة والنار في المكلَّفين من الجنِّ والإنس، والبقية تكون ترابًا، والله المستعان.
س: إِلَى رَبِّهِمْ يُحْشَرُونَ يعني؟
ج: يعني: يجمعهم.
س: .............؟
ج: كل شيءٍ، نعم، البهائم والمكلَّفون. نعم.
الشيخ: علّق على حديث الجراد: في إسناده عبيد بن واقد ومحمد بن عيسى بن كيسان، وهما ضعيفان كما في "التقريب".
س: ..............؟
ج: جاءت رواية عند أبي يعلى: "الذباب" بدل "الجراد".
س: هناك نوعٌ من الحليب يُباع في السوق، ويُوضع فيه نقود، داخل علبة الحليب نقود، فهل يجوز شراء هذا الحليب أم لا؟
ج: يعني: حتى يُغروا الناس؟
س: يقولون: هذه النقود داخل العلبة، قد يجد الإنسان عشرة ريالات، وقد يجد خمسمئة؛ لأجل أن يُقبل الناس على الشراء؟
ج: لا، ما يصلح هذا، هذا من الميسر والمخاطرة، ما يجوز لهم، ولا تجوز الموافقة على هذا الشَّيء.
س: لكن مَن اشتراه ووجد النقود هل يتصدّق بها ويتخلّص منها، أو ماذا؟
ج: إذا اشتراه على هذا القصد فالبيع ما هو بصحيحٍ.
س: هو ما يدري، وما اشتراه بهذا القصد، لكن اشتراه ..؟
ج: ما قالوا له شيئًا؟
س: لا، فهل يتخلص منها؟
ج: ما اشتراه على قولهم كذا وكذا؟
س: لا، ما قصده، قصده الحليب فقط؟
ج: يعني: ما سمع كلامهم، ولا اشتراه من أجل هذا؟
س: لا، أحسن الله إليك.
ج: الذي يظهر لي أنَّهم يُنبَّهون؛ لأنَّهم قد يكونون مُخطئين بوضع الدَّراهم؛ لأنَّهم إنما وضعوا هذا لتغرير الناس والدَّعوة إلى المسابقة إلى شرائه هو.
س: مكتوبٌ على العلبة: أنَّ العلبة فيها دراهم؟
ج: هذا وجه التَّغرير.
س: لكن يتخلص منها؟ مَن وجدها يتخلص منها أو يأخذها؟
شخص يقول: اشتريته فوجدتُ النقود خمسمئة ريال، فهل آخذ النقود هذه أم أتخلص منها؟
ج: وهو ما اشتراه من أجل .....؟
س: لا.
ج: الظاهر -والله أعلم- أنَّ الصدقة بها أولى؛ سدًّا لباب التهاون والموافقة على المغامرة، إذا كان ما عنده خبر.
س: إذا طمست الكتابة على هذه العلبة، أو وضعت عليها لاصقًا، وبعتها على أنَّه حليب، فهل فيه شيء؟
ج: ما يتصور هذا! يبيع علبةً فيها دراهم ويسترها؟! هو إنما حطّها لأجل المغامرة؛ لأجل حثّ الناس على الشِّراء، أما إذا كان ما أراد المغامرة فما هو بواضع الدراهم.