فَصْلٌ
وَمِنْهَا: تَحْرِيقُ أَمْكِنَةِ الْمَعْصِيَةِ الَّتِي يُعْصَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ فِيهَا وَهَدْمُهَا، كَمَا حَرَقَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ مَسْجِدَ الضِّرَارِ وَأَمَرَ بِهَدْمِهِ، وَهُوَ مَسْجِدٌ يُصَلَّى فِيهِ وَيُذْكَرُ اسْمُ اللَّهِ فِيهِ؛ لَمَّا كَانَ بِنَاؤُهُ ضِرَارًا وَتَفْرِيقًا بَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ، وَمَأْوًى لِلْمُنَافِقِينَ، وَكُلُّ مَكَانٍ هَذَا شَأْنُهُ فَوَاجِبٌ عَلَى الْإِمَامِ تَعْطِيلُهُ.
الشيخ: وهذا لقوله جلَّ وعلا: وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مَسْجِدًا ضِرَارًا وَكُفْرًا وَتَفْرِيقًا بَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ وَإِرْصَادًا لِمَنْ حَارَبَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ مِنْ قَبْلُ وَلَيَحْلِفُنَّ إِنْ أَرَدْنَا إِلَّا الْحُسْنَى وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ لَا تَقُمْ فِيهِ أَبَدًا [التوبة:107، 108]، فلما كان مُؤسَّسًا على الشَّر والفساد والكفر والضَّلال أمر النبيُّ بهدمه، أمره الله بهدمه، والقضاء عليه، وعدم القيام فيه، وهكذا المؤسسات التي تُؤسس للفساد ومُحاداة الله ورسوله يُقضى عليها وتُهدم وتُمنع، كل شيءٍ بحسبه، الشيء الذي يقتضي الهدم يُهدم، والذي يقتضي المنع يُمنع، كل شيءٍ بحسبه، فالمقصود تعطيل مواضع الشَّر، وعدم التَّمكين من إقامة الشَّر فيها، فإذا كان محلّ مُعدّ لبيع الخمر يُمنع، محلّ مُعدّ للزواني وجمعهم على الفاحشة يُمنع، وهكذا المواضع التي يعرفها وليُّ الأمر يمنعها، وإذا اقتضت المصلحةُ هدمها هدمها على ما يراه وليُّ الأمر.
.............
الشيخ: مثل المساجد التي تُبنى على القبور، مثل هذا؛ لأنها دعوة إلى الشِّرك، المساجد التي تُبنى على القبور هذه يجب هدمها وإزالتها؛ لقوله ﷺ: لعن اللهُ اليهودَ والنَّصارى، اتَّخذوا قبورَ أنبيائهم مساجد، قالت عائشة: "يُحذِّر ما صنعوا"؛ ولأنه عليه الصلاة والسلام نهى أن يُبنى على القبور أو تُجصص؛ لأنَّ هذا وسيلة للغلو فيها، وهكذا الكتابة عليها وسيلة إلى تعظيمها والغلو فيها، والمقصود أنَّ مواضع الشِّرك والدَّعوة إلى غير الله أولى بهذا.
س: ..............؟
ج: يُنبش القبر، إذا كان القبرُ هو الجديد يُنبش، يُنبش ويُخرج من المسجد، إذا كان المسجد قديمًا، ثم بعض الناس دفن فيه ميتًا؛ يُنبش القبر ويُجعل مع القبور.
س: ..............؟
ج: من هذا الباب.
س: إذا لم يتيسر نبشه، فما حكم الصلاة فيه؟
ج: لا يُصلَّى فيه ما دام فيه قبر.
س: ولو كان المسجد .....؟
ج: ولو كان المسجد .....؛ لأنه يدخل في العمومات.
س: ..............؟
ج: نعم؛ لإتلافه والقضاء عليه، والغضب لله.
س: ..............؟
ج: إذا كان له سلطة، وإلا يرفع الأمر إلى غيره.
وَكَذَلِكَ مَحَالُّ الْمَعَاصِي وَالْفُسُوقِ: كَالْحَانَاتِ، وَبُيُوتِ الْخَمَّارِينَ وَأَرْبَابِ الْمُنْكَرَاتِ.
وَقَدْ حَرَقَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ قَرْيَةً بِكَمَالِهَا يُبَاعُ فِيهَا الْخَمْرُ، وَحَرَقَ حَانُوتَ رويشد الثَّقفي، وَسَمَّاهُ: فُوَيْسِقًا، وَحَرَقَ قَصْرَ سعدٍ عَلَيْهِ لَمَّا احْتَجَبَ فِيهِ عَنِ الرَّعِيَّةِ.
وَهَمَّ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ بِتَحْرِيقِ بُيُوتِ تَارِكِي حُضُورِ الْجَمَاعَةِ وَالْجُمُعَةِ، وَإِنَّمَا مَنَعَهُ مَنْ فِيهَا مِنَ النِّسَاءِ وَالذُّرِّيَّةِ الَّذِينَ لَا تَجِبُ عَلَيْهِمْ، كَمَا أَخْبَرَ هُوَ عَنْ ذَلِكَ.
الشيخ: ويحتمل أنه منعه من ذلك أنَّ النار لا يُعذِّب بها إلا الله؛ ولهذا لم يحرقها عليهم.
س: ...............؟
ج: نعم له وجه، إذا كان لا حاجةَ إليه فيُهدم.
س: يوجد بعضُ المساجد ليس بينها وبين المساجد الأخرى إلا شارع فقط؟
ج: إذا كان لها أسباب لا بأس: إما شارع عظيم يشقّ تجاوزه؛ أو لأنَّ المسجد الأول صغير، وهذا المسجد الآخر توسع فيه أهل القرية؛ لأنهم كثروا، والأول صغير، أو بينهم شوارع يشقّ قطعها لأسبابٍ.
الشيخ: نعم، الوقف إن كان على غير البرِّ ما يصحّ، إذا وقف على المساجد التي تُبنى على القبور، أو وقف على بناء القبور وتشييد القبور وتجصيصها، أو وقف على إقامة الموالد، أو ما أشبه ذلك من المعاصي، أو وقف وقفًا تُصرف غلته في شرب الخمر وفي القمار وما أشبهه.
س: وعلى المباح؟
ج: على المباح لا بأس.
س: الوقف على المباح يعني: لعب الكرة؟
ج: محل نظر، أقول: محل نظرٍ.
الشيخ: وهذا هو الواجب: إن كان المسجدُ هو الأول نُبش القبر، وإن كان القبرُ هو الأول وبُني عليه المسجد هُدم المسجد، نسأل الله العافية.
س: الحكم للأخير؟
ج: الحكم للأخير نعم.
الشيخ: الله أكبر، دين الله غريب، الآن غالب الدول المنتسبة للإسلام تجد فيها تشييد المساجد على القبور، وعبادتها من دون الله، والرغبة إليها، والاستغاثة بها، والنذر لها، ولا حول ولا قوة إلا بالله، هذه غربة الإسلام، صارت البدعةُ سنةً، والسنة بدعةً، وصار الشركُ دينًا وقربةً، نسأل الله العافية، ولا حول ولا قوة إلا بالله، مثلما قال ﷺ: بدأ الإسلامُ غريبًا، وسيعود غريبًا كما بدأ، فطوبى للغُرباء، وقال ﷺ: لتتبعنَّ سننَ من كان قبلكم، وفي روايةٍ أخرى: سنن مَن كان قبلكم، شبرًا بشبرٍ، وذراعًا بذراعٍ، والله المستعان.
س: ...............؟
ج: لا، هذا من كيسه، ما له وجه، هذا تفقه منه لا وجهَ له، متى صار القبرُ في يمينٍ أو شمالٍ أو أمام أو خلف، متى كان القبرُ موجودًا وقام عليه المسجدُ يُهدم، ومتى وُجد في المسجد نُزع، إذا كان المسجدُ هو الأول، في أي مكانٍ كان في المسجد.
س: ...............؟
ج: لا، هذا إذا كان فصل جديد ما ينفع، أما إذا كان فصل قديم مدفون خارج المسجد ما يضرّ المسجد، لو كان خارج أسوار المسجد ما يضرّ المسجد، لكن يبعد مع المقبرة أحوط، وأما إذا كان داخل سور المسجد يجب أن يُنبش إذا كان هو الأخير.
س: يعني الفصل الجديد ما ينفع؟
ج: ما ينفع، لا.
س: ...............؟
ج: إذا كانت الحجرةُ خارجيةً ينبغي أن يُزال؛ حتى لا يشبه على الناس، يُنقل إلى المقبرة، أما إذا كانت الحجرةُ مأخوذةً من المسجد فالحكم للأول.
س: ...............؟
ج: لا، لا، درسه العلماء وبيَّنوا ما يجب فيه، وانتهى أمره.
س: ...............؟
ج: يُعيد الصلاة نعم، إن صلَّى في المسجد الذي فيه القبور يُعيد، نعم، بعض الجهلة يحتجون بوجود قبر النبي ﷺ في المسجد، وهذا غلط، فقبر النبي ما هو في المسجد، في بيته، البيت أُدخل، أدخله الوليدُ، والمسجد ليس فيه قبور، إنما هو بيته ﷺ.
س: ...............؟
ج: التوبة إلى الله كافية إن شاء الله.
س: ...............؟
ج: التوبة إلى الله مثل: الذي ترك الصلاة ثم هداه الله، التوبة إلى الله.
فَصْلٌ
وَمِنْهَا: جَوَازُ إِنْشَادِ الشِّعْرِ لِلْقَادِمِ فَرَحًا وَسُرُورًا بِهِ، مَا لَمْ يَكُنْ مَعَهُ مُحَرَّمٌ مِنْ لَهْوٍ: كَمِزْمَارٍ، وَشَبَّابَةٍ، وَعُودٍ، وَلَمْ يَكُنْ غِنَاء يَتَضَمَّن رُقْيَةَ الْفَوَاحِشِ وَمَا حَرَّمَ اللَّهُ.
الشيخ: يعني الأشعار الطيبة استبشارًا بالقادم لا بأس، أما إذا كان فيها غلو، وفيها أشعار منكرة، أو آلات ملاهٍ يمنع.
س: ................؟
ج: إذا كان ما له حاجة يُباع ويُصرف في مصالح المسلمين، وإن كان فيه حاجة يُصرف في مسجدٍ آخر.
الشيخ: يعني أنَّ الأشعار السَّليمة وما يقوله المستبشرون بقدوم القادم المحبوب -كما فعل الجواري وغيرهم- لا يُقاس عليها ما حرَّم الله من الأغاني المحرمة وآلات الملاهي، كما تفعل الصوفية، كل هذا باطل، فالشعر الشَّرعي لا بأس به، كما فعل حسَّان وكعب بن مالك وعبدالله بن رواحة وغيرهم، وكما فعل الجواري لما استقبلوا النبيَّ عليه الصلاة والسلام، هذا شعر فيه الترحيب بالنبي ﷺ، وليس معه مُنكر.
س: ................؟
ج: لا، لا، غلط منه.
الشيخ: لأنَّ مدحه ﷺ هو أهل ذلك، وتقرب إلى الله بذلك، ودعوة إلى الله أن يُستجاب قوله، ويُطاع أمره، فليس مدحُ الناس كمدحه ﷺ؛ فمدح الناس قد يُسبب الغلو والفتنة، أما مدحه ﷺ فهو من باب إظهار الحقِّ، والدعوة إلى الحقِّ، ونصر الحقِّ، والتصديق بالحقِّ، كما فعل حسَّان وغيره رضي الله عنهم وأرضاهم.
س: ................؟
ج: على ظاهره إن لم ينزجروا إلا بذلك، يُمنعون ويُعلمون، وإذا لم ينزجروا إلا بذلك واستطاع يفعل.
س: ...............؟
ج: الأحكام تدور مع عللها، والعاقل ينظر، إذا كان الشيء يترتب عليه مفسدة لا يفعله، إنما هو إذا دعت الحاجةُ إلى ذلك، من باب التَّعزير، كما يضرب العاصي.
س: ...............؟
ج: الواجب أن تُفصل عن المقبرة، هذا الواجب، بيت العامل يُفصل عن المقبرة، هذا الواجب.
س: ...............؟
ج: إذا مدح ميتًا بأنه نصر الدين، ودعا إلى الله، لا بأس، أما المدح في وجه الإنسان فينبغي تركه؛ لأنه قد يُسبب الغلو.
وَمِنْهَا: مَا اشْتَمَلَتْ عَلَيْهِ قِصَّةُ الثَّلَاثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُوا مِنَ الْحِكَمِ وَالْفَوَائِدِ الْجَمَّةِ، فَنُشِيرُ إِلَى بَعْضِهَا:
فَمِنْهَا: جَوَازُ إِخْبَارِ الرَّجُلِ عَنْ تَفْرِيطِهِ وَتَقْصِيرِهِ فِي طَاعَةِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ، وَعَنْ سَبَبِ ذَلِكَ، وَمَا آلَ إِلَيْهِ أَمْرُهُ، وَفِي ذَلِكَ مِنَ التَّحْذِيرِ وَالنَّصِيحَةِ وَبَيَانِ طُرُقِ الْخَيْرِ وَالشَّرِّ وَمَا يَتَرَتَّبُ عَلَيْهَا مَا هُوَ مِنْ أَهَمِّ الْأُمُورِ.
الشيخ: لأنَّ كعبًا وصاحبيه أخبروا قالوا: ما لنا عذر، تخلّفنا عن غزوة تبوك، ما لنا عذر. الثلاثة قالوا: ما لنا عذر، وإنَّا مُوسرون، وعندنا رواحلنا، ولكن التَّكاسل والتَّباطؤ حتى خرج الجيش، فلما أخبروا بمعصيتهم، وأنه لا عذرَ لهم اقتضت الشريعةُ هجرَهم المدة التي كتبها الله عليهم، ثم تاب الله عليهم.
الشيخ: مثلما قال كعب: إنَّ الله جلَّ وعلا هداه ووفَّقه للصِّدق، فلم يكذب كذبةً من حين جرى ما جرى، ويرجو أن يعصمه الله في المستقبل.
الشيخ: كما فعل كعب، نعم.
الشيخ: لأنَّ الله قال فيها: لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنْزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثَابَهُمْ فَتْحًا قَرِيبًا [الفتح:18]، فكون الله رضي عنهم هذه نعمة عظيمة، أخبر أنه رضي عنهم : إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ، هذه بيعة الرضوان، وهذا فضلٌ من الله جلَّ وعلا، وكذلك لما قال فيهم سبحانه: وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الْأَنْهَارُ [التوبة:100]، في هذا ردٌّ على الرافضة: أنَّ الله رضي عنهم وهم لم يرضوا عنهم، بل سبُّوهم، فيها ردٌّ على الرافضة، وعلى الخوارج، نسأل الله العافية.
س: ...............؟
ج: أيش عندك؟
الطالب: بيعة العقبة، أحسن الله إليك.
الشيخ: كذلك بيعة العقبة، نعم.
الشيخ: مثلما قال كعب: وإن كانت بدر أذكر في الناس، لكنه شهد العقبة لما بايع النبيّ ﷺ الأنصار البيعة الأولى والبيعة الثانية، ثم صارت الهجرةُ بعد ذلك، فهي مشهد عظيم، بايعوا فيها النبي على نصر دين الله، والقيام بدين الله، وحمى رسول الله ﷺ ونصره، فهي بيعة عظيمة.
س: ...............؟
ج: الله أعلم.
الشيخ: لأنه كان ﷺ إذا أراد غزوةً ورَّى بغيرها للمصلحة.
وَمِنْهَا: أَنَّ السَّتْرَ وَالْكِتْمَانَ إِذَا تَضَمَّنَ مَفْسَدَةً لَمْ يَجُزْ.
وَمِنْهَا: أَنَّ الْجَيْشَ فِي حَيَاةِ النَّبِيِّ ﷺ لَمْ يَكُنْ لَهُمْ دِيوَانٌ، وَأَوَّلُ مَنْ دَوَّنَ الدِّيوَانَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ ، وَهَذَا مِنْ سُنَّتِهِ الَّتِي أَمَرَ النَّبِيُّ ﷺ بِاتِّبَاعِهَا، وَظَهَرَتْ مَصْلَحَتُهَا وَحَاجَةُ الْمُسْلِمِينَ إِلَيْهَا.
وَمِنْهَا: أَنَّ الرَّجُلَ إِذَا حَضَرَتْ لَهُ فُرْصَةُ الْقُرْبَةِ وَالطَّاعَةِ فَالْحَزْمُ كُلُّ الْحَزْمِ فِي انْتِهَازِهَا وَالْمُبَادَرَةِ إِلَيْهَا، وَالْعَجْزُ فِي تَأْخِيرِهَا وَالتَّسْوِيفِ بِهَا، وَلَا سِيَّمَا إِذَا لَمْ يَثِقْ بِقُدْرَتِهِ وَتَمَكُّنِهِ مِنْ أَسْبَابِ تَحْصِيلِهَا، فَإِنَّ الْعَزَائِمَ وَالْهِمَمَ سَرِيعَةُ الِانْتِقَاضِ، قَلَّمَا ثَبَتَتْ، وَاللَّهُ سُبْحَانَهُ يُعَاقِبُ مَنْ فَتَحَ لَهُ بَابًا مِنَ الْخَيْرِ فَلَمْ يَنْتَهِزْهُ بِأَنْ يَحُولَ بَيْنَ قَلْبِهِ وَإِرَادَتِهِ، فَلَا يُمَكِّنُهُ بَعْدُ مِنْ إِرَادَتِهِ عُقُوبَةً لَهُ.
فَمَنْ لَمْ يَسْتَجِبْ لِلَّهِ وَرَسُولِهِ إِذَا دَعَاهُ حَالَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ قَلْبِهِ وَإِرَادَتِهِ، فَلَا يُمْكِنُهُ الِاسْتِجَابَةُ بَعْدَ ذَلِكَ، قَالَ تَعَالَى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ [الأنفال:24]، وَقَدْ صَرَّحَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ بِهَذَا فِي قَوْلِهِ: وَنُقَلِّبُ أَفْئِدَتَهُمْ وَأَبْصَارَهُمْ كَمَا لَمْ يُؤْمِنُوا بِهِ أَوَّلَ مَرَّةٍ [الأنعام:110]، وَقَالَ تَعَالَى: فَلَمَّا زَاغُوا أَزَاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ [الصف:5]، وَقَالَ: وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِلَّ قَوْمًا بَعْدَ إِذْ هَدَاهُمْ حَتَّى يُبَيِّنَ لَهُمْ مَا يَتَّقُونَ إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ [التوبة:115]، وَهُوَ كَثِيرٌ فِي الْقُرْآنِ.
الشيخ: وهذا يُوجب الحذر من المعاصي والشُّرور، وأنَّ صاحبها قد يُعاقَب بعدم التَّوفيق بعد ذلك، نسأل الله العافية، فالواجب الحذر، وتعدم التَّفريط، فلا يُفرط في واجبٍ، ولا يقدم على معصيةٍ، فقد يُعاقب بتفريطه في إقدامه على المعصية، أو بتفريطه في عدم القيام بالواجب، كما جرى للثلاثة، فالواجب الحذر، وانتهاز الفرص، إذا جاءت فرصةٌ الحَقْ، سارع إليها، وإذا جاء الباطلُ حذر منه، ويحذر أن يُطبع على قلبه: وَنُقَلِّبُ أَفْئِدَتَهُمْ وَأَبْصَارَهُمْ كَمَا لَمْ يُؤْمِنُوا بِهِ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَنَذَرُهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ [الأنعام:110]، فَلَمَّا زَاغُوا أَزَاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ [الصف:5]، فَأَعْقَبَهُمْ نِفَاقًا فِي قُلُوبِهِمْ إِلَى يَوْمِ يَلْقَوْنَهُ بِمَا أَخْلَفُوا اللَّهَ مَا وَعَدُوهُ وَبِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ [التوبة:77]، نسأل الله العافية.
س: ..............؟
ج: يُخشى عليه، يُخشى عليه، نسأل الله العافية.
س: ..............؟
ج: لأنَّ تركها بلا محرم فيه خطر عظيم، أمره أن يقدم ويذهب معها على غزوته لئلا تقع في مشاكل.
س: ألا يدل على وجود الديوان في عهده عليه الصلاة والسلام؟
ج: هذه كتابات ما هي منظمة، الديوان شيء يُكتب فيه أسماء المجاهدين ومُرتباتهم، أوله في عهد الصديق، ثم كملها عمر رضي الله عنه وأرضاه، كان يكتب المجاهدين، ويكتب ما يجب لهم من المساعدات؛ حتى انتظم ديوان كبير للمُجاهدين.
س: ..............؟
ج: الغربة عامَّة، لكن بعض الأمصار أشدّ من بعضٍ.
وَمِنْهَا: أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ يَتَخَلَّفُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ إِلَّا أَحَدُ رِجَالٍ ثَلَاثَةٍ: إِمَّا مَغْمُوصٌ عَلَيْهِ فِي النِّفَاقِ، أَوْ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الْأَعْذَارِ، أَوْ مَنْ خَلَّفَهُ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ وَاسْتَعْمَلَهُ عَلَى الْمَدِينَةِ، أَوْ خَلَّفَهُ لِمَصْلَحَةٍ.
وَمِنْهَا: أَنَّ الْإِمَامَ وَالْمُطَاعَ لَا يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يُهْمِلَ مَنْ تَخَلَّفَ عَنْهُ فِي بَعْضِ الْأُمُورِ، بَلْ يُذَكِّرُهُ لِيُرَاجِعَ الطَّاعَةَ وَيَتُوبَ.
الشيخ: ولهذا تفقدهم ﷺ وسأل عنهم، فدلَّ على أنَّ ولي الأمر يتفقد المعروفين، وأهل الفضل، وأهل الجهاد والسَّوابق، لا يغفل عنهم، بل يسأل عنهم: ما الذي خلَّفهم؟ أين تغيَّبوا؟ هل هم مرضى؟ هل كذا؟ مثلما كان يتفقد أصحابَه عليه الصلاة والسلام.
فَإِنَّ النَّبِيَّ ﷺ قَالَ بِتَبُوكَ: مَا فَعَلَ كعب؟ وَلَمْ يَذْكُرْ سِوَاهُ مِنَ الْمُخَلَّفِينَ؛ اسْتِصْلَاحًا لَهُ وَمُرَاعَاةً، وَإِهْمَالًا لِلْقَوْمِ الْمُنَافِقِينَ.
وَمِنْهَا: جَوَازُ الطَّعْنِ فِي الرَّجُلِ بِمَا يَغْلِبُ عَلَى اجْتِهَادِ الطَّاعِنِ حَمِيَّةً أَوْ ذَبًّا عَنِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ، وَمِنْ هَذَا طَعْنُ أَهْلِ الْحَدِيثِ فِيمَنْ طَعَنُوا فِيهِ مِنَ الرُّوَاةِ، وَمِنْ هَذَا طَعْنُ وَرَثَةِ الْأَنْبِيَاءِ وَأَهْلِ السُّنَّةِ فِي أَهْلِ الْأَهْوَاءِ وَالْبِدَعِ لِلَّهِ، لَا لِحُظُوظِهِمْ وَأَغْرَاضِهِمْ.
الشيخ: وهذا هو الواجب، هذا نصحٌ لله ولرسوله، هذا من باب النَّصيحة لله ولرسوله.
س: .............؟
ج: إذا كان يظهرها .....، نسأل الله العافية.
الشيخ: الأول قال: حبسه برداه والنَّظر في عطفيه. فردَّ عليه معاذٌ وقال: ما علمنا عليه إلا خيرًا، بئس ما قلتَ.
الشيخ: كما كان النبيُّ يفعل عليه الصلاة والسلام.
ج: هذا الذي ذكر الحافظُ: جاهدوا المشركين بأموالكم وأنفسكم وألسنتكم، وأما القلوب فهذه جاءت في إنكار المنكر.
س: ولكن في "صحيح مسلم" في حديث ابن مسعودٍ: أنَّ النبي ﷺ قال: ما من نبيٍّ بعثه الله في أمةٍ قبلي؟
ج: هذا في إنكار المنكر: حديث ابن مسعود، وحديث أبي سعيد، كلهم.
س: لكن فيه: فمَن جاهدهم بيده فهو مؤمن، ومَن جاهدهم بلسانه فهو مؤمن، ومَن جاهدهم بقلبه فهو مؤمن؟
ج: كذلك مثلما قال في حديث أبي سعيد: مَن رأى منكم منكرًا فليُغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه، ..... بقلبه هذا جهاد، ويخرج من المكان الذي فيه المنكر، ولا يُشاهده .....
س: يسأل بعضُ الإخوة الحاضرين يقول: إنه مؤذن، وعنده بيت للمسجد أجره على رجلٍ، واشترط عليه مع الإيجار أن يُؤذن بدله في أي وقتٍ؛ لأنه أحيانًا ينشغل في بعض أموره، فهل هذا الشَّرط صحيح؟
ج: لا بأس، ما في بأس.
س: ..............؟
ج: إذا كان دخلها بعدما رفع الإمامُ ما أدركها، يقضيها، أما إذا أدركه وهو فيها قبل أن يرفع تُجزئه.
س: ..............؟
ج: لا، إذا كان قد رفع الإمامُ ما تُجزئه الركعة، ولو ما سمع التَّسميع.
س: ..............؟
ج: يُدركه راكعًا.
س: ويطمئنُّ؟
ج: ولو كانت الطُّمأنينة بعد ذلك، إذا أدركه راكعًا أجزأ، ولو الطمأنينة والتَّسبيح بعد ذلك.
س: ..............؟
ج: حال الهوي، السنة حال الهوي، يُكبر حين هويه للسُّجود.
س: ..............؟
ج: حين الهوي، سبقه أحدٌ أو ما سبقه أحدٌ، حين الهوي والحمد لله، لا تُشددوا فيُشدد الله عليكم.
س: زيادة: "فكان يختم به ولا يلبسه" في كلام عليها؟
ج: إيه؟
س: هذا الحديث أخرجه الترمذي في "الشمائل"، قال: حدثنا قتيبة: حدثنا أبو عوانة، عن أبي بشر، عن نافع، عن ابن عمر رضي الله عنهما: أنَّ النبي ﷺ اتَّخذ خاتمًا من فضَّةٍ، فكان يختم به ولا يلبسه. قال أبو عيسى: أبو بشر اسمه جعفر ابن أبي وحشية. ورواه النَّسائي من طريق أبي عوانة، عن أبي بشر. وأخرجه أبو الشيخ في "أخلاق النبي ﷺ".
وقد شكَّك الحافظُ ابن رجب الحنبلي رحمه الله في ثبوت هذا الحديث، فقال في كتابه "أحكام الخواتم": حديث ابن عمر الذي رواه الترمذي في "شمائله" إن ثبت يُقصد به هذا الحديث، وأبو بشر هذا تفرد عن أصحاب نافع الكبار بهذه الزيادة، ولم يُتابع عليها، فقد رواه عبيدالله العمري، وأيوب بن موسى، ومعمر بن زياد، وغيرهم، فلم يذكروا هذه الزيادة، ولم يذكرها إلا أبو بشر، وأبو بشر هذا هو جعفر بن إياس، وهو ابن أبي وحشية اليشكري، أبو بشر الواسطي، وقد أخرج له الجماعة، ووثَّقه ابن معين وأبو زرعة وأبو حاتم والعجلي والنَّسائي، وضعَّفه وطعن فيه شعبة في روايته عن مجاهد، وقال فيه أبو أحمد ابن عدي: وأبو بشر له غرائب، وأرجو أنه لا بأس به. فلعل هذه الزيادة من غرائبه.
ج: على كل حالٍ هذه الزيادة غلط؛ لأنَّ الأحاديث الصَّحيحة كلها دالة على أنه كان يلبسه، حتى قال أنسٌ لما تأخَّر عن صلاة العشاء: "رأيتُ وبيص خاتمه لما سلَّم من الصلاة عليه الصلاة والسلام"، فالمقصود أنَّ هذا غلط من أبي بشر، والصواب أنه كان عليه، وهو يلبسه ﷺ.
س: رجلٌ ذهب إلى الجمهوريات فتحمس لحال المسلمين هناك، وخاصةً عندما لقي قبولًا، بعد رجوعه قام بجمع تبرعات لطباعة الكتب النَّافعة في العقيدة، واجتمع عنده مبلغ طيب، ولكن تغيرت الظروف: لم يستطع السفر مرةً أخرى لهذه البلاد، ولا يعرف مَن يثق به، وهناك حاجة ماسَّة لهذه الكتب في بعض دول إفريقيا، فهل يجوز تحويل المبلغ لطباعة الكتب مع ما في هذه البلاد، مع العلم أنه يتعذر عليه إخبار المتبرعين؟
ج: جمعها لطبع الكتب؟
س: جمعها لطباعتها وتوزيعها في جهةٍ، ثم تعذَّر عليه الذَّهاب إلى هذه البلاد؟
ج: يُسلمها إلى وزارة الشؤون الإسلامية، وهي تستطيع أن تقوم باللازم: تُوصلها للدُّعاة الذين هناك، وزارة الشؤون الإسلامية عندها دُعاة في كل مكانٍ، تستطيع أن تعمل ما يلزم، إن كان قبضها لشراء كتبٍ يشتري بها الكتب، وتُوزع هناك بواسطة وزارة الشؤون الإسلامية والحمد لله، أو يأتي بها ونتفق مع الوزارة، ..... الوزارة، لكن إذا سلَّمها للوزير فيه البركة، أو الوكيل الذي يُشرف على ..... وكيل الوزير.
الطالب: أكمل في البحث السَّابق؟
الشيخ: بحث أيش؟
الطالب: بحث صبغ الثِّياب بالزعفران؟
الشيخ: نعم، نعم.
الطالب: بسم الله، والصلاة والسلام على رسول الله، حديث عائشة رضي الله عنها أخرجه الطبراني في "الأوسط": حدثنا المقدام: حدثنا عبدالملك بن مسلمة: حدثنا داود بن عطاء، عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشةَ رضي الله عنها قالت: "كان للنبي ﷺ ملحفةٌ مصبوغةٌ بورسٍ، فكان يلبسها في بيته، ويدور فيها على نسائه، ويُصلي فيها".
لم يروِ هذا الحديثَ عن هشام بن عروة إلا داود بن عطاء، تفرد به عبدالملك بن مسلمة، ومن طريق عبدالملك أخرجه ابن عدي في "الكامل".
وداود بن عطاء المزني مولاهم، أبو سليمان المدني، قال أحمد: رأيتُه، ليس بشيءٍ. وقال ابنُ عدي: في حديثه بعض النَّكارة، وليس حديثه بالكثير. وقال ابنُ حبان: كثير الوهم في الأخبار، لا يُحتجُّ به بحالٍ؛ لكثرة خطئه وغلبته على صوابه. وقال أبو حاتم وأبو زرعة والبخاري: منكر الحديث. وفي "التقريب": ضعيف.
وعبدالملك بن مسلمة هو المصري، قال أبو حاتم: مضطرب الحديث، ليس بالقوي. وقال أبو زرعة: ليس بالقوي، ومنكر الحديث، هو مصري.
وشيخ الطبراني هو المقدام بن داود، قال النَّسائي: ليس بثقةٍ. وقال الدَّارقطني: ضعيف. وقال ابن يونس: تكلَّموا فيه.
حديث أم سلمة رضي الله عنها أخرجه الطبراني في "الكبير"، قال: حدَّثنا إبراهيم بن دحيم: حدثنا ابن أبي فديك: حدثنا زكريا بن إبراهيم بن عبدالله بن مطيع العدوي، عن ركيح بن أبي عبيدة، عن أبيه، عن أمه، عن أم سلمة رضي الله عنها قالت: "ربما صبغ رسولُ الله ﷺ رداءه وإزاره بزعفران أو ورس ثم خرج فيهما".
ومن طريق ابن أبي فديك أخرجه ابن سعد في "طبقاته"، وابن حبان في "الثقات".
وركيح بن أبي عبيدة بن عبدالله بن زمعة القرشي لم أجد فيه سوى ما ذكره المزي والحافظ في "تهذيبهما" من ترجمة أبيه: روى عنه ابنه ركيح. وقول ابن حبان: شيخ.
ووالده أبو عبيدة: قال أبو زرعة: لا أعرف أحدًا سماه. وفي "التقريب": مقبول. لكن قال الذهبي في "الكاشف": ثقة.
وأما أمه فهي زينب بنت أبي سلمة، ربيبة النبي ﷺ، كان اسمُها برَّة، فسمَّاها النبيُّ ﷺ زينب، روت عن النبي ﷺ وأمها أم سلمة، وروى عنها ابنُها أبو عبيدة بن عبدالله بن زمعة، ذكرها ابن سعدٍ فيمَن لم يروِ عن النبي ﷺ وروى عن أصحابه .
قال الحافظ: ذكرها العجلي في ثقات التابعين، كأنه يشترط للصحبة البلوغ.
وزكريا بن إبراهيم لم أجد سوى قول الذَّهبي في ترجمة يحيى الجاري: ليس بمشهورٍ.
وابن أبي فديك -بالفاء مُصغَّرًا- هو محمد بن إسماعيل بن مسلم الدّيلي مولاهم، قال النَّسائي: ليس به بأس. وقال ابنُ معين: ثقة. وقال ابن سعدٍ: كان كثير الحديث، وليس بحُجَّةٍ. وفي "التقريب" و"الكاشف": صدوق.
ودحيم هو عبدالرحمن بن إبراهيم الدّمشقي، أبو سعيد، صدر الذَّهبي ترجمته بـ: الحافظ قاضي الأردن وفلسطين، روى عن ابن أبي فديك وغيره، وعنه ابنه إبراهيم وغيره. قال أبو داود: حُجَّة، لم يكن في زمنه مثله.
الشيخ: ما له رواية في هذا إبراهيم، ولده الراوي إبراهيم، إبراهيم بن دحيم الذي ذكرت، إبراهيم بن دحيم.
الطالب: نعم؟
الشيخ: أقول: في الرواية ما ذكرت رواية دحيم.
الطالب: هذا غيري، أحسن الله إليك، إنما أقرأ أنا.
الشيخ: الذي قبله الرواية في الطبراني: حدثنا إبراهيم بن دحيم؟
الطالب: حدثنا إبراهيم بن دحيم.
الشيخ: عن؟
الطالب: حدثنا ابنُ أبي فديك.
الشيخ: ..... رواية دحيم: إبراهيم بن دحيم، عن ابن أبي فديك، أيش بعده؟
الطالب: قال أبو داود: حُجَّة، لم يكن في زمنه مثله. قال الحسن بن علي بن بحر: قدم دحيم بغداد، فرأيتُ أبي وأحمد بن حنبل ويحيى بن معين وخلف بن سالم قعودًا بين يديه يكتبون كالصبيان. قال الحافظ: ثقة، حافظ، مُتقن. قال أبو حاتم: كلَّمني دحيم في تحديث أهل طبرية، وقد كانوا أتوني يسألوني التَّحديث فأبيتُ عليهم وقلتُ: بلدة يكون فيها مثل أبي سعيدٍ دحيم القاضي أُحدث أنا بها؟! بل هذا غير جائزٍ! فكلَّمني دحيم فقال: إنَّ هذه البلدة نائية عن جادة الطريق، وقلَّ مَن يقدم عليهم، فحدِّثهم.
ومن شواهده ما أخرجه في "الصحيحين": أنَّ عبيد بن جريج قال لعبدالله بن عمر رضي الله عنهما: يا أبا عبدالرحمن، رأيتُك تصنع أربعًا لم أرَ أحدًا من أصحابك يصنعها؟ قال: ما هي يا ابن جريج؟ فذكر: ورأيتُك تصبغ بالصُّفرة؟ فقال : وأما الصُّفرة فإني رأيتُ رسولَ الله ﷺ يصبغ بها، فأنا أُحبُّ أن أصبغ بها. وليس فيه ذكر الثياب والعمامة، لكن أخرج مالكٌ رحمه الله في "الموطأ" عن نافع: أن عبدالله بن عمر رضي الله عنهما كان يلبس الثوبَ المصبوغَ بالمشنق، والثوب المصبوغ بالزعفران.
ومما يدل على الإباحة ما في "الصحيحين" من حديث أنسٍ : أن النبي ﷺ رأى على عبدالرحمن بن عوفٍ أثر صُفرةٍ. وفي روايةٍ: ردعًا من زعفران، فقال: ما هذا؟ قال: يا رسول الله، إني تزوجتُ امرأةً على وزن نواةٍ من ذهبٍ، قال: بارك الله لك، أولم ولو بشاةٍ.
فَصْلٌ
في ذكر الأحاديث الدالة على الزجر والنَّهي
الشيخ: بركة، بركة.
الطالب: أحسن الله إليك.