المقدم: بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله ربِّ العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين نبينا محمدٍ، وعلى آله وصحبه أجمعين.
أيها الإخوة والأخوات، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وأهلًا ومرحبًا بحضراتكم إلى درسٍ مباركٍ من دروس "المنتقى".
ضيف اللقاء هو سماحة العلامة الشيخ عبدالعزيز بن عبدالله بن باز، المفتي العام للمملكة العربية السعودية، ورئيس هيئة كبار العلماء.
مع مطلع هذا اللقاء نُرحب بسماحة الشيخ، فأهلًا ومرحبًا يا سماحة الشيخ.
الشيخ: حياكم الله وبارك فيكم.
المقدم:
بَابُ كَنْسِ الْمَسَاجِدِ وَتَطْيِيبِهَا وَصِيَانَتِهَا مِنَ الرَّوَائِحِ الْكَرِيهَةِ
- عَنْ أَنَسٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: عُرِضَتْ عَلَيَّ أُجُورُ أُمَّتِي، حَتَّى الْقَذَاة يُخْرِجُهَا الرَّجُلُ مِنَ الْمَسْجِدِ، وَعُرِضَتْ عَلَيَّ ذُنُوبُ أُمَّتِي، فَلَمْ أَرَ ذَنْبًا أَعْظَمَ مِنْ سُورَةٍ مِنَ الْقُرْآنِ أَوْ آيَةٍ أُوتِيَهَا رَجُلٌ ثُمَّ نَسِيَهَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُد.
- وَعَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: أَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ بِبِنَاءِ الْمَسَاجِدِ فِي الدُّورِ، وَأَنْ تُنَظَّفَ وَتُطَيَّبَ. رَوَاهُ الْخَمْسَةُ إلَّا النَّسَائِيَّ.
- وَعَنْ سَمُرَةَ بْنِ جُنْدَبٍ قَالَ: أَمَرَنَا رَسُولُ اللَّهِ ﷺ أَنْ نَتَّخِذَ الْمَسَاجِدَ فِي دِيَارِنَا، وَأَمَرَنَا أَنْ نُنَظِّفَهَا. رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَالتِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ.
وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد، وَلَفْظُهُ: كَانَ يَأْمُرُنَا بِالْمَسَاجِدِ أَنْ نَصْنَعَهَا فِي دِيَارِنَا، وَنُصْلِحَ صَنْعَتَهَا وَنُطَهِّرَهَا.
- وَعَنْ جَابِرٍ: أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ قَالَ: مَنْ أَكَلَ الثُّومَ وَالْبَصَلَ وَالْكُرَّاثَ فَلَا يَقْرَبَنَّ مَسْجِدَنَا؛ فَإِنَّ الْمَلَائِكَةَ تَتَأَذَّى مِمَّا يَتَأَذَّى مِنْهُ بَنُو آدَمَ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
الشيخ: بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله، وصلى الله وسلم على رسول الله، وعلى آله وأصحابه ومَن اهتدى بهداه.
أما بعد: فهذه الأحاديث كلها تدل على شرعية بناء المساجد في الدور، يعني: في الحارات، المراد بالدور يعني: الحارات التي يكون فيها اجتماع الناس، الحارة التي فيها أمة كثيرة تحتاج إلى مسجدٍ: كدور الأنصار، وشرعية تنظيفها من القذر، ومن البصاق، ومن غير ذلك من أنواع الأذى؛ لحديث عائشة، وحديث أنسٍ، وحديث سمرة، وما جاء في معناها، فالسنة تنظيفها من جميع الأذى، وأن تُبنى في الحارات التي تحتاج إلى مساجد، والسنة إخراج القذى منها.
وقد كانت امرأةٌ تقمّ المسجد في عهد النبيِّ ﷺ، فلما تُوفيت سأل عنها، فقالوا له: إنها توفيت ليلًا، فقال: أفلا كنتم آذنتُموني، فلما أخبروه خرج وصلَّى على قبرها عليه الصلاة والسلام.
فالسنة تنظيف المساجد وتطهيرها من الأذى.
وفي حديث أنسٍ: عُرضت عليَّ أجور أمتي، حتى القذاة يُخرجها الرجلُ من المسجد، وعُرضت عليَّ مساوئ أمتي، فلم أرَ أعظم من رجلٍ أُتي سورة من القرآن ونسيها، أو كما قال عليه الصلاة والسلام.
والحديث هذا فيه ضعف، والنسيان لا حرجَ على صاحبه؛ لأنَّ الله جلَّ وعلا قال: رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا [البقرة:286]، فقال الله: قد فعلتُ، فإذا نسي سورةً أو آيةً فلا حرج عليه، ولكن يُشرع له العناية وتعاهد حفظه، وأما هذا الحديث فهو ضعيف، المتعلق بالنسيان، أما بقية الأحاديث فهي دالة على شرعية بناء المساجد وتنظيفها وتطهيرها من الأذى.
س: سماحة الشيخ، منع مَن أكل الثوم أو البصل من الصلاة هل هو للرخصة أم للتَّأديب؟
الشيخ: كذلك يجب على كل مسلمٍ إذا أكل ثومًا أو بصلًا أو كراثًا ألا يقرب المسجد؛ لأنَّ الرسول نهى عن ذلك، والأصل في النَّهي التَّحريم، فلا يدخل المسجد ولو كان خاليًا، ولا يُصلي مع الناس؛ لنهي النبي ﷺ، وكان الرجلُ يُؤمر به فيُخرج من المسجد إذا وُجد منه ذلك في عهد النبي عليه الصلاة والسلام، فالنهي للتحريم والمنع.
س: هل يُحرم من أجر الجماعة مَن أكل الثوم أو البصل؟
الشيخ: من أجل الجماعة، وإلا من أجل الملائكة، تتأذى الملائكة، ويتأذى الناس، يقول ﷺ: إنَّ الملائكة تتأذى مما يتأذى منه بنو آدم، فهو يُؤذي الملائكة، ويُؤذي المصلين.
س: سماحة الشيخ حفظكم الله، هل يُقاس على ذلك البصل والدّخان؟
الشيخ: كل ما له رائحة كريهة مثل الثوم، كل ما له رائحة كريهة: كالدخان مثل الثوم والبصل، إذا كانت رائحته ظاهرةً عليه.
س: قول الرسول ﷺ في حديث جابرٍ: فلا يقربن مسجدنا، ألا يدل على أنَّ هذا خاصٌّ بالمسجد النبوي؟
الشيخ: لا، عام، مسجد النبي وغيره، الحكم للمساجد عامَّة.
بَابُ مَا يَقُولُ إذَا دَخَلَ الْمَسْجِدَ وَإِذَا خَرَجَ مِنْهُ
- وَعَنْ أَبِي حُمَيْدٍ وَأَبِي أسيدٍ قَالَا: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: إذَا دَخَلَ أَحَدُكُمُ الْمَسْجِدَ فَلْيَقُل: اللَّهُمَّ افْتَحْ لَنَا أَبْوَابَ رَحْمَتِك، وَإِذَا خَرَجَ فَلْيَقُل: اللَّهُمَّ إنِّي أَسْأَلُك مِنْ فَضْلِك رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالنَّسَائِيُّ، وَكَذَا مُسْلِمٌ وَأَبُو دَاوُد، وَقَالَ: عَنْ أَبِي حُمَيْدٍ أَوْ أَبِي أسيدٍ. بِالشَّكِّ.
- وَعَنْ فَاطِمَةَ الزَّهْرَاءِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ إذَا دَخَلَ الْمَسْجِدَ قَالَ: بِسْمِ اللَّهِ، وَالسَّلَامُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ، اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي ذُنُوبِي، وَافْتَحْ لِي أَبْوَابَ رَحْمَتِك، وَإذَا خَرَجَ قَالَ: بِسْمِ اللَّهِ، وَالسَّلَامُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ، اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي ذُنُوبِي، وَافْتَحْ لِي أَبْوَابَ فَضْلِك رَوَاهُ أَحْمَدُ وَابْنُ مَاجَهْ.
الشيخ: السنة عند دخول المساجد أن يُسمي الله، ويُصلي على النبي ﷺ، ويقول: بسم الله، اللهم افتح لي أبوابَ رحمتك، هذا هو الثابت، زيادة: "اللهم اغفر لي" في حديث فاطمة فيها ضعف؛ لأنها مُنقطعة. وإذا خرج يقول: اللهم إني أسألك من فضلك.
وثبت أيضًا عنه ﷺ أنه كان يقول: أعوذ بالله العظيم، وبوجهه الكريم، وسلطانه القديم من الشيطان الرجيم عند دخول المسجد، يُقدم رجله اليمنى ويقول: بسم الله، والصلاة والسلام على رسول الله، أعوذ بالله العظيم، وبوجهه الكريم، وسلطانه القديم من الشيطان الرجيم، اللهم افتح لي أبوابَ رحمتك، وعند الخروج يُقدم رجله اليسرى خارجًا ويقول: اللهم إني أسألك من فضلك، اللهم أجرني من النار، اللهم اعصمني من النار.
س: إذًا الصيغ الواردة عند دخول المسجد والخروج منه كم صيغة؟
الشيخ: هذه الصيغة: يُصلي على النبي عند الدخول، يُقدم رجله اليمنى ويقول: أعوذ بالله العظيم، وبوجهه الكريم، وسلطانه القديم من الشيطان الرجيم، اللهم افتح لي أبواب رحمتك، وعند الخروج يُقدم رجله اليسرى خارجًا، ويُصلي على النبي ﷺ ويقول: اللهم إني أسألك من فضلك، اللهم أجرني من النار.
بَابٌ جَامِعٌ فِيمَا تُصَانُ عَنْهُ الْمَسَاجِدُ وَمَا أُبِيحَ فِيهَا
- عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: مَنْ سَمِعَ رَجُلًا يَنْشُدُ فِي مَسْجِدٍ ضَالَّةً فَلْيَقُلْ: لَا أَدَّاهَا اللَّهُ إلَيْكَ؛ فَإِنَّ الْمَسَاجِدَ لَمْ تُبْنَ لِهَذَا.
- وَعَنْ بُرَيْدَةَ: أَنَّ رَجُلًا نَشَدَ فِي الْمَسْجِدِ، فَقَالَ: مَنْ دَعَا إلَى الْجَمَلِ الْأَحْمَرِ، فَقَالَ النَّبِيُّ ﷺ: لَا وَجَدْتَ؛ إنَّمَا بُنِيَتِ الْمَسَاجِدُ لِمَا بُنِيَتْ لَهُ رَوَاهُمَا أَحْمَدُ وَمُسْلِمٌ وَابْنُ مَاجَهْ.
- وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: مَنْ دَخَلَ مَسْجِدَنَا هَذَا لِيَتَعَلَّمَ خَيْرًا أَوْ لِيُعَلِّمَهُ كَانَ كَالْمُجَاهِدِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، وَمَنْ دَخَلَ لِغَيْرِ ذَلِكَ كَانَ كَالنَّاظِرِ إلَى مَا لَيْسَ لَهُ رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَابْنُ مَاجَهْ، وَقَالَ: هُوَ بِمَنْزِلَةِ الرجل ينظر إلَى مَتَاعِ غَيْرِهِ.
- وَعَنْ حَكِيمِ بْنِ حِزَامٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: لَا تُقَامُ الْحُدُودُ فِي الْمَسَاجِدِ، وَلَا يُسْتَقَادُ فِيهَا رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد وَالدَّارَقُطْنِيُّ.
- وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَالَ: إذَا رَأَيْتُمْ مَنْ يَبِيعُ أَوْ يَبْتَاعُ فِي الْمَسْجِدِ فَقُولُوا: لَا أَرْبَحَ اللَّهُ تِجَارَتَك، وَإِذَا رَأَيْتُمْ مَنْ يَنْشُدُ فِيهِ ضَالَّةً فَقُولُوا: لَا رَدَّ اللَّهُ عَلَيْك رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ.
- وَعَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ قَالَ: نَهَى رَسُولُ اللَّهِ ﷺ عَنِ الشِّرَاءِ وَالْبَيْعِ فِي الْمَسْجِدِ، وَأَنْ تُنْشَدَ فِيهِ الْأَشْعَارُ، وَأَنْ تُنْشَدَ فِيهِ الضَّالَّةُ، وَعَن الْحِلَقِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ قَبْلَ الصَّلَاةِ. رَوَاهُ الْخَمْسَةُ، وَلَيْسَ لِلنَّسَائِيِّ فِيهِ: إنْشَادُ الضَّالَّةِ.
- وَعَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ: أَنَّ رَجُلًا قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَرَأَيْتَ رَجُلًا وَجَدَ مَعَ امْرَأَتِهِ رَجُلًا، أَيَقْتُلُهُ؟ الْحَدِيثَ، فَتَلَاعَنَا فِي الْمَسْجِدِ وَأَنَا شَاهِدٌ. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
- وَعَنْ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ قَالَ: شَهِدْتُ النَّبِيَّ ﷺ أَكْثَرَ مِنْ مِئَةِ مَرَّةٍ فِي الْمَسْجِدِ وَأَصْحَابهُ يَتَذَاكَرُونَ الشِّعْرَ وَأَشْيَاءَ مِنْ أَمْرِ الْجَاهِلِيَّةِ، فَرُبَّمَا تَبَسَّمَ مَعَهُمْ. رَوَاهُ أَحْمَدُ.
- وَعَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ قَالَ: مَرَّ عُمَرُ فِي الْمَسْجِدِ وَحَسَّانُ فِيهِ يُنْشِدُ، فَلَحَظَ إلَيْهِ، فَقَالَ: كُنْتُ أُنْشِدُ فِيهِ، وَفِيهِ مَنْ هُوَ خَيْرٌ مِنْك، ثُمَّ الْتَفَتَ إلَى أَبِي هُرَيْرَةَ فَقَالَ: أَنْشُدُك اللَّهَ، أَسَمِعْتَ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ يَقُولُ: أَجِبْ عَنِّي، اللَّهُمَّ أَيِّدْهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ؟ قَالَ: نَعَمْ. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
- وَعَنْ عَبَّادِ بْنِ تَمِيمٍ، عَنْ عَمِّهِ: أَنَّهُ رَأَى رَسُولَ اللَّهِ ﷺ مُسْتَلْقِيًا فِي الْمَسْجِدِ، وَاضِعًا إحْدَى رِجْلَيْهِ عَلَى الْأُخْرَى. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
الشيخ: هذه الأحاديث كلها تدل على احترام المساجد، وأنها بُنيت لعبادة الله، لا للبيع والشراء ونشد الضَّوال، فلا يجوز البيع فيها والشراء، ولا نشد الضَّوال، بل مَن نشد ضالةً يُقال له: "لا ردَّها الله عليك"، ومَن باع فيه واشترى يُقال له: "لا أربح الله تجارتك".
وهكذا تُصان عن كلِّ ما لا ينبغي من إقامة الحدود والقصاص؛ لأنَّ إقامة الحدود فيها وتنفيذ حكم القود قد يُسبب ما يضرّ المسجد: من بولٍ، أو دمٍ، أو غير هذا، فلا تُقام فيها الحدود، ولا يُقاد فيها الإنسان، ولا تُنشد فيها الأشعار التي لا خيرَ فيها، الأشعار الرديئة التي لا خيرَ فيها لا تُنشد، أما الأشعار الطيبة التي كانت تصدر من حسان وغيره لا بأس بها، والأشعار السليمة لا بأس بها، كما كان حسان يُنشد في المسجد، فلا حرج في ذلك، أما الأشعار الرديئة يُصان عنها المسجد، كالكلام الرديء.
فالواجب على المسلمين أن يصونوا مساجدهم ولا يُدخلوها ما لا ينبغي: إما ليقرأ، أو يتعلم، أو يُعلم، أو يستريح. أما إنشاد الشعر فيها الباطل، أو البيع والشراء، أو إقامة الحدود، أو نشد الضوال، كل هذا لا يجوز، بل تُصان عنه المساجد، ولكن لا بأس أن يأتيها للتعلم والتعليم والقراءة، أو ليستريح فيها، أو لغير هذا من الأسباب المباحة التي ليس فيها تقذير المسجد، وليس فيها مخالفة الحرمة -حرمة المسجد-.
س: توجد إعلانات داخل بعض المساجد لبعض المحلات ودعايات، هل هذا من البيع؟
الشيخ: هذا ما يجوز، لا يُعلن فيها للبيع والشراء، أما كونه مات فلان فصلوا عليه فلا بأس، مثلما قال النبيُّ عن النَّجاشي: إنَّ النَّجاشي قد مات، ودعا الصحابة للصلاة عليه، فإذا قال الإمامُ: ترى فلانًا تُوفي، سنُصلي عليه، أو سيُصلَّى عليه في المسجد الفلاني، فلا بأس. أما نشد الضوال، أو بيع وشراء، أو إخبار عن بيع وشراء، أو أشباه ذلك، هذا لا، لكن لو أخبر عن محاضرةٍ: ستُقام محاضرة في المسجد الفلاني، فلا بأس.
س: إذًا يا سماحة الشيخ، مجرد السؤال عن قيمة سلعة أو سيارة داخل المسجد؟
الشيخ: لا، ما يصلح.
س: بالنسبة: يكون هناك بعض السواليف والضحك في المسجد، ما حكمه من بعض الناس؟
الشيخ: الشيء القليل يُعفا عنه، أما الكثير لا، ما ينبغي، يُكره، يُكره الكلام في المساجد، أما الشيء اليسير يُعفا عنه.
س: المكتبة الملاصقة للمسجد هل تأخذ حكم المسجد؛ بحيث يحرم البيع والشراء داخلها؟
الشيخ: لا، إذا كانت خارج المسجد لا، إذا كان سورها خارج المسجد لا يحرم فيها ما يحرم في المسجد، ما يكون لها حكم المسجد.
- وَعَنْ عَبْدِاللَّهِ بْنِ عُمَرَ: أَنَّهُ كَانَ يَنَامُ وَهُوَ شَابٌّ عَزَبٌ لَا أَهْلَ لَهُ فِي مَسْجِدِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ. رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ، وَالنَّسَائِيُّ، وَأَبُو دَاوُد، وَأَحْمَدُ وَلَفْظُهُ: كُنَّا فِي زَمَنِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ نَنَامُ فِي الْمَسْجِدِ، وَنَقِيلُ فِيهِ وَنَحْنُ شَبَابٌ.
قَالَ الْبُخَارِيُّ: وَقَالَ أَبُو قِلَابَةَ: عَنْ أَنَسٍ: قَدِمَ رَهْطٌ مِنْ عُكْلٍ عَلَى النَّبِيِّ ﷺ، فَكَانُوا فِي الصُّفَّةِ. وَقَالَ: قَالَ عَبْدُالرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ: كَانَ أَصْحَابُ الصُّفَّةِ الْفُقَرَاءَ.
- وَعَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: أُصِيبَ سَعْدُ بْنُ مُعَاذٍ يَوْمَ الْخَنْدَقِ، رَمَاهُ رَجُلٌ مِنْ قُرَيْشٍ يُقَالُ لَهُ: حِبَّانُ بْنُ العراقة فِي الْأَكْحَلِ، فَضَرَبَ عَلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ خَيْمَةً فِي الْمَسْجِدِ؛ لِيَعُودَهُ مِنْ قَرِيبٍ. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
- وَعَنْ عَبْدِالرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: هَلْ مِنْكُمْ أَحَدٌ أَطْعَمَ الْيَوْمَ مِسْكِينًا؟ فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: دَخَلْتُ الْمَسْجِدَ فَإِذَا أَنَا بِسَائِلٍ يَسْأَلُ، فَوَجَدْتُ كِسْرَةَ خُبْزٍ بَيْنَ يَدَيْ عَبْدِالرَّحْمَنِ فَأَخَذْتُهَا فَدَفَعْتُهَا إلَيْهِ. رَوَاهُ أَبُو دَاوُد.
- وَعَنْ عَبْدِاللَّهِ بْنِ الْحَارِثِ قَالَ: كُنَّا نَأْكُلُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ فِي الْمَسْجِدِ الْخُبْزَ وَاللَّحْمَ. رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ.
وقد ثبت أنَّ النبي ﷺ أسر ثمامة بن أثال، فرُبِطَ بساريةٍ في المسجد قبل إسلامه. وثبت عنه أنه نثر مالًا جاء من البحرين في المسجد وقسمه فيه.
الشيخ: كل هذا يدل على جواز مثل هذه الأمور: كونه يُنزل الضُّعفاء في المسجد، في الصُّفة في المسجد، وكونه يعتكف في المسجد كما شرع الله ذلك، وكونه يُوزع مالًا في المسجد، كما فعل النبيُّ عليه الصلاة والسلام، وكونه ينصح الناس ويُذكر الناس أو يأمرهم وينهاهم، كل هذا لا بأس به في المسجد.
وهكذا كونه يأتي ليستريح في المسجد، بينه وبين أهله خصومة فينام في المسجد ليلًا أو نهارًا، كما نام ابن عمر، وكما نام عليٌّ في بعض الليالي التي غاضب فيها فاطمة، نام في المسجد.
كل هذا لا حرج فيه والحمد لله، الشيء الذي لا يضرّ المسجد ولا يُعتبر امتهانًا له فلا بأس به، ومن هذا كون الوفد ينزل في المسجد، كما نزل وفد ثقيف في المسجد، وهكذا ربط الأسير في المسجد، كما ربط النبيُّ ﷺ ثمامة بن أثال في المسجد؛ ليستفيد من المصلين، ومن القُراء، كل هذا لا حرج فيه والحمد لله.
س: سماحة الشيخ، إلقاء الشعر في المسجد عامَّة؟
الشيخ: إذا كان الشعرُ في صالح المسلمين ليس فيه محذور، كما كان حسان يُشعر في المسجد، لا حرج في ذلك.
بَابُ تَنْزِيهِ قِبْلَةِ الْمَسْجِدِ عَمَّا يُلْهِي الْمُصَلِّي
- عَنْ أَنَسٍ قَالَ: كَانَ قِرَامٌ لِعَائِشَةَ قَدْ سَتَرَتْ بِهِ جَانِبَ بَيْتِهَا، فَقَالَ لَهَا النَّبِيُّ ﷺ: أَمِيطِي عَنِّي قِرَامَك هَذَا؛ فَإِنَّهُ لَا تَزَالُ تَصَاوِيرُهُ تَعْرِضُ لِي فِي صَلَاتِي رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالْبُخَارِيُّ.
- وَعَنْ عُثْمَانَ بْنِ طَلْحَةَ: أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ دَعَا بَعْدَ دُخُولِهِ الْكَعْبَةَ فَقَالَ: إنِّي كُنْتُ رَأَيْتُ قَرْنَي الْكَبْشِ حِينَ دَخَلْتُ الْبَيْتَ، فَنَسِيتُ أَنْ آمُرَك أَنْ تُخَمِّرَهُمَا، فَخَمِّرْهُمَا، فَإِنَّهُ لَا يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ فِي قِبْلَةِ الْبَيْتِ شَيْءٌ يُلْهِي الْمُصَلِّي رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد.
الشيخ: يُشرع للمؤمن ألا يبقى في محلِّ المصلَّى شيء يشغله، كما أنه ينبغي تنظيف المسجد مما يشغل الناس: من كتابات أو غيرها تشغل المصلين، يكون المسجد ساذجًا، ليس فيه شيء يشغل المصلين، والنبي ﷺ لما دخل الكعبةَ مسح ما فيها من الصور، ولم يُبقِ فيها شيئًا يشغل المصلين عليه الصلاة والسلام، ولما رأى سترًا لعائشة فيه تصاوير هتكه، وقال: إنَّ تصاويره تعرض عليَّ في صلاتي، وقال ﷺ: إنَّ أصحاب هذه الصور يُعذبون يوم القيامة، ويقال لهم: أحيوا ما خلقتم، وقالت عائشة: فجعلت منه وسادتين يتَّكئ عليهما.
بَابُ لَا يَخْرُجُ مِنَ الْمَسْجِدِ بَعْدَ الْأَذَانِ حَتَّى يُصَلِّيَ إلَّا لِعُذْرٍ
- عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: أَمَرَنَا رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: إذَا كُنْتُمْ فِي الْمَسْجِدِ فَنُودِيَ بِالصَّلَاةِ فَلَا يَخْرُجْ أَحَدُكُمْ حَتَّى يُصَلِّيَ رَوَاهُ أَحْمَدُ.
- وَعَنْ أَبِي الشَّعْثَاءِ قَالَ: خَرَجَ رَجُلٌ مِنَ الْمَسْجِدِ بَعْدَمَا أُذِّنَ فِيهِ، فَقَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: أَمَّا هَذَا فَقَدْ عَصَى أَبَا الْقَاسِمِ ﷺ. رَوَاهُ الْجَمَاعَةُ إلَّا الْبُخَارِيَّ.
الشيخ: وهذا يدل على أنه متى أذَّن وجب على الحاضرين البقاء والصلاة في الجماعة، ولا يجوز الخروج بعد الأذان إلا لحاجةٍ: كأن يخرج ليتوضأ فلا بأس؛ لأنه لما نادى المنادي وجب أن يُصلي مع الناس؛ لأنه يُتَّهم إذا خرج بإعراضه عن الجماعة، فالواجب على مَن سمع النِّداء وهو في المسجد ألا يخرج إلا لعذرٍ شرعيٍّ: كالحاجة إلى الوضوء، أو لكونه إمام مسجدٍ؛ يخرج يُصلي بجماعته في مسجدٍ آخر.
أَبْوَابُ اسْتِقْبَالِ الْقِبْلَةِ
بَابُ وُجُوبِهِ لِلصَّلَاةِ
- عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ فِي حَدِيثٍ يَأْتِي ذِكْرُهُ قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ ﷺ: فَإِذَا قُمْتَ إلَى الصَّلَاةِ فَأَسْبِغِ الْوُضُوءَ، ثُمَّ اسْتَقْبِلِ الْقِبْلَةَ فَكَبِّرْ.
- وَعَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: بَيْنَمَا النَّاسُ بِقُبَا فِي صَلَاةِ الصُّبْحِ إذْ جَاءَهُمْ آتٍ، فَقَالَ: إنَّ النَّبِيَّ ﷺ قَدْ أُنْزِلَ عَلَيْهِ اللَّيْلَةَ قُرْآنٌ، وَقَدْ أُمِرَ أَنْ يَسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةَ. فَاسْتَقْبَلُوهَا، وَكَانَتْ وُجُوهُهُمْ إلَى الشَّام، فَاسْتَدَارُوا إلَى الْكَعْبَةِ. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
- وَعَنْ أَنَسٍ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ كَانَ يُصَلِّي نَحْوَ بَيْتِ الْمَقْدِسِ، فَنَزَلَتْ: قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاءِ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ [البقرة:144].
فَمَرَّ رَجُلٌ مِنْ بَنِي سَلِمَةَ وَهُمْ رُكُوعٌ فِي صَلَاةِ الْفَجْرِ، وَقَدْ صَلَّوا رَكْعَةً، فَنَادَى: أَلَا إنَّ الْقِبْلَةَ قَدْ حُوِّلَتْ، فَمَالُوا كَمَا هُمْ نَحْوَ الْقِبْلَةِ. رَوَاهُ أَحْمَدُ وَمُسْلِمٌ وَأَبُو دَاوُد.
الشيخ: وهذا يدل على أنَّ المسلم إذا اجتهد في القبلة ثم تبين له أنه أخطأ أنه ينصرف إليها، كما أنَّ النبي ﷺ لما أُمر باستقبال الكعبة صلَّى إليها، ولم يُعد ما مضى في صلاته إلى بيت المقدس، وهكذا الصحابة في قباء لما بلغهم الخبر استداروا في الصلاة، فدلَّ ذلك على أنَّ المؤمن إذا اجتهد في القبلة ثم تبين له خطؤه بعدما صلَّى ركعةً أو أكثر؛ فإنه يستدير إلى القبلة والحمد لله، فاستقبالها شرط لا بدَّ منه، فإذا اجتهد في البرية: في البر، في السفر، وصلَّى إلى جهةٍ، ثم بان له في أثنائها الخطأ، أو نُبِّه فإنه يستدير والحمد لله ويكفي؛ لأنه وقع عن اجتهادٍ، أما في الحضر فلا بدَّ من استقبال القبلة، لا يحتاج اجتهادًا، يسأل وينظر في المساجد حتى يعرف القبلةَ؛ لأنَّ الله جلَّ وعلا أمر باستقبال القبلة، ونسخ استقبال بيت المقدس.
س: أحسن الله إليكم، في الحديث الأول ما المراد بإسباغ الوضوء؟
الشيخ: يعني: إكماله على الأعضاء، كونه يمرّ الماء على الأعضاء هذا إسباغ الوضوء، إسباغ الوضوء: كونه يمر الماء على الأعضاء: الوجه واليدين، ومسح الرأس مع الأذنين، ويغسل رجليه مع الكعبين، هذا هو إسباغ الوضوء.
س: الزيادة على الثلاث في الوضوء ما حكمها؟
الشيخ: لا تجوز، النِّهاية ثلاث غسلات.
س: هل استقبال القبلة شرط أم واجب في الصَّلاة؟
الشيخ: شرط من شروط الصلاة، من شروطها: استقبال القبلة.
المقدم: شكر الله لكم سماحة الشيخ، وبارك الله فيكم وفي علمكم، ونفع بكم الإسلام والمسلمين.