وقال ابن جرير: حدثنا أبو كريب: حدثنا ابن يمان، عن إبراهيم الخوزي، عن الوليد ابن أبي مغيث، عن مجاهد، قال: إذا التقى المسلمان فتصافحا غفر لهما. قال: قلت لمجاهد: بمُصافحةٍ يغفر لهما؟! قال مجاهد: أمَّا سمعته يقول: لَوْ أَنْفَقْتَ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مَا أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ [الأنفال:63]؟ فقال الوليد لمجاهد: أنت أعلم مني.
وكذا روى طلحة بن مصرف عن مجاهد، وقال ابنُ عون: عن عمير بن إسحاق، قال: كنا نتحدّث أنَّ أول ما يُرفع من الناس الأُلفة.
مداخلة: عندنا: نُحدث.
الشيخ: حطّها نسخة: نحدث. والذي عنده "نحدث" يحطّ نسخة: "نتحدث"، يعني: فيما بيننا، نعم.
س: السياق ما يدلّ على أنَّ نحدث ..... فيما بينهم؟
ج: يتحدثون فيما بينهم –يعني- نعم، يحتمل هذا وهذا، يعني: فيما بين السلف شائع هذا بينهم، ونحدث عن غيرنا.
س: أحسن الله إليكم، بعض طلاب العلم يقول: ليس من شرطه المصافحة عند السلام، وإنما يكفي مجرد: السلام عليكم، ولا حاجة للمُصافحة. هل له وجهٌ هذا؟
ج: لا، المصافحة أكمل، ثبت عن أنسٍ أنه قال: كان أصحابُ النبي ﷺ إذا تلاقوا تصافحوا، وإذا قدموا من سفرٍ تعانقوا. وهكذا جاء عن الشَّعبي، قال: كان أصحابُ النبي ﷺ إذا تلاقوا تصافحوا. جاء في هذا الباب أحاديث: ما من مسلمين يتصافحان إلا تحاتت ذنوبُهما قبل أن يتفرَّقا، لكن يحتاج إلى جمع أسانيدها، وأمَّا حديث أنسٍ فثابت، وحديث الشَّعبي عن الصَّحابة ذكره الحافظُ ابن مفلح في "الآداب الشرعية"، وراجعنا أسانيدها فوجدناها جيدةً عن الشَّعبي، وعن أنسٍ، نعم.
س: القيام للمُصافحة هل هو خلاف السُّنة؟
ج: لا، عند اللِّقاء لا بأس، كونه يقوم يُلاقي أخاه، يقوم يُقابله ويُصافحه؛ هذا من السُّنة، مثلما قام طلحةُ بن عبيدالله لكعب بن مالك وقابله وصافحه وهنَّأه بالتوبة، قام بحضرة النبي ﷺ، والنبي ينظر ﷺ، ولما جاء سعد بن معاذ ليحكم في بني قُريظة قال النبي: قوموا إلى صاحبكم، فقاموا إليه، وسلَّموا عليه، وأنزلوه.
س: مَن قال أنَّ فضل المصافحة ثابتٌ في اللِّقاء دون الوداع؟
ج: لا، هذا فضل المصافحة في الوداع وفي اللِّقاء جميعًا، عند اللقاء، وعند الوداع.
س: إذا دخل شخصٌ المجلس والحضور كثير، فهل من السُّنة أن يُصافحهم واحدًا واحدًا؟
ج: يُصافح الذي يجلس جنبه، ولا يُكلّف نفسه، أما إذا صافح إن كانوا قليلين وأحبّ أن يُصافح رئيس المجلس ثم يُصافح البقية فلا بأس، لكن قد يُشوش عليهم، وقد يكدر، وقد يعطل بعض المصالح، يجلس حيث ينتهي به المجلس، ويُسلّم على مَن حوله ويكفي؛ حتى لا يشقّ على الناس ويُشوش على الناس.
س: إذا كانت مُصافحته لهم آلف لقلوبهم؟
ج: يعمل بالأصلح، إذا رأى المصلحة في ذلك.
س: حبّ اليد؟
ج: أما حبّ اليد فلا، تركه أولى، ترك حبّ اليد أولى، أما المعانقة فلا بأس، نعم.
الشيخ: شيخ عبدالعزيز بن إبراهيم، تجمع الأحاديث الواردة في التَّلاقي في المصافحة، تجمعها -إن شاء الله-، وأنت يا عبدالله بن جبرين، حاضر؟
الشيخ عبدالله بن جبرين: نعم.
الشيخ: كذلك -جزاك الله خيرًا-، والذي يُحبّ أن يجمعها جزاه الله خيرًا، الأحاديث في المصافحة عند التَّلاقي وما يحصل من الأجر، جمعها، نعم.
س: تقبيل رأس كبير السن؟
ج: ما في مانع، كان النبي ﷺ إذا دخلت عليه ابنته فاطمة قام إليها، وأخذ بيدها، وقبّلها، وكان إذا دخل عليها قامت إليه، وأخذت بيده، وقبّلته -عليه الصلاة والسلام-.
س: حتى ولو لم يكن قريبًا؟
ج: ولو ما هو بقريب، الأمر واسع.
الشيخ: وهذا سندٌ جيدٌ إذا سلم من سالم هذا، ومن شيخ الطَّبراني.
مداخلة: في تعليق يقول الهيثمي: رواه الطَّبراني، ورجاله رجال الصَّحيح غير سالم بن غيلان، وهو ثقة.
الشيخ: إذا كان ثقةً فهو جيد، البقية معروفون، انظر: حسين شيخ الطَّبراني، انظر "التعجيل" أو "التقريب"، وانظر: سالم بن غيلان.
الطالب: سالم بن غيلان التّجيبي، المصري، ليس به بأس، من السابعة، مات سنة إحدى أو ثلاث وخمسين. (أبو داود، والترمذي، والنسائي).
الشيخ: طيب، هذا هو، انتهى، انظر: حسين شيخ الطَّبراني.
مداخلة: سالم في "الخلاصة": سالم بن غيلان التَّجيبي، المصري، عن يزيد بن حبيب ابن أبي حبيب، وعنه حيوة بن شريح وابن وهب، وقال النسائي: ليس به بأس. (أبو داود، والترمذي، والنسائي).
الشيخ: طيب، باقي حسين، باقي شيخ الطَّبراني.
يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَسْبُكَ اللَّهُ وَمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى الْقِتَالِ إِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ عِشْرُونَ صَابِرُونَ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ وَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ مِائَةٌ يَغْلِبُوا أَلْفًا مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَا يَفْقَهُونَ الْآنَ خَفَّفَ اللَّهُ عَنْكُمْ وَعَلِمَ أَنَّ فِيكُمْ ضَعْفًا فَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ مِائَةٌ صَابِرَةٌ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ وَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ أَلْفٌ يَغْلِبُوا أَلْفَيْنِ بِإِذْنِ اللَّهِ وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ [الأنفال:64-66].
يُحرض تعالى نبيَّه ﷺ والمؤمنين على القتال ومُناجزة الأعداء ومُبارزة الأقران، ويُخبرهم أنَّه حسبهم، أي: كافيهم وناصرهم ومُؤيدهم على عدوهم، وإن كثرت أعدادهم، وترادفت أمدادهم، ولو قلَّ عدد المؤمنين.
قال ابنُ أبي حاتم: حدَّثنا أحمد بن عثمان بن حكيم: حدثنا عبيدالله بن موسى: أنبأنا سفيان، عن ابن شوذب، عن الشَّعبي في قوله: يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَسْبُكَ اللَّهُ وَمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ قال: حسبك الله، وحسب مَن شهد معك.
قال: ورُوِيَ عن عطاء الخراساني وعبدالرحمن بن زيد مثله.
الشيخ: يعني: كافيك الله، حَسْبُكَ اللَّهُ يعني: كافيك الله، الله يكفيك ويكفي أتباعك، وَمَنِ اتَّبَعَكَ معطوفٌ على الكاف في حَسْبُكَ، يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَسْبُكَ اللَّهُ، و"من" معطوف على الكاف في حَسْبُكَ يعني: حسبك وحسب أتباعك، وهو ناصر الجميع، ومُؤيد الجميع : أَلَيْسَ اللَّهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ [الزمر:36].
الشيخ: من شدّة الشوق إلى الجنة أخبر أنَّ ما بينهم إلا أن يُقتلوا، استطال حياته حتى يأكل التّمرات، فغامر في الجهاد وقاتل حتى قُتِلَ . نعم.
وقد رُوي عن سعيد بن المسيب وسعيد بن جبير: أنَّ هذه الآية نزلت حين أسلم عمرُ بن الخطاب وكمل به الأربعون. وفي هذا نظر؛ لأنَّ هذه الآية مدنية، وإسلام عمر كان بمكّة بعد الهجرة إلى أرض الحبشة، وقبل الهجرة إلى المدينة، والله أعلم.
ثم قال تعالى مُبشِّرًا للمؤمنين وآمرًا: إِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ عِشْرُونَ صَابِرُونَ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ وَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ مِائَةٌ يَغْلِبُوا أَلْفًا مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا كل واحدٍ بعشرة، ثم نُسخ هذا الأمر وبقيت البشارة.
قال عبدالله بن المبارك: حدثنا جرير بن حازم: حدثنا الزبير بن الحريث، عن عكرمة، عن ابن عباسٍ، قال: لما نزلت: إِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ عِشْرُونَ صَابِرُونَ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ شقَّ ذلك على المسلمين، حتى فرض اللهُ عليهم أن لا يفرّ واحدٌ من عشرة، ثم جاء التَّخفيف فقال: الْآنَ خَفَّفَ اللَّهُ عَنْكُمْ إلى قوله: يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ، قال: خفف الله عنهم من العدّة، ونقص من الصبر بقدر ما خفف عنهم.
وروى البخاري من حديث ابن المبارك نحوه.
وقال سعيد بن منصور: حدَّثنا سفيان، عن عمرو بن دينار، عن ابن عباسٍ في هذه الآية، قال: كتب عليهم أن لا يفرّ عشرون من مائتين، ثم خفف الله عنهم، فقال: الْآنَ خَفَّفَ اللَّهُ عَنْكُمْ وَعَلِمَ أَنَّ فِيكُمْ ضَعْفًا، فلا ينبغي لمائةٍ أن يفرّوا من مائتين.
وروى البخاري عن علي بن عبدالله، عن سفيان، به نحوه.
وقال محمد بن إسحاق: حدثني ابن أبي نجيح، عن عطاء، عن ابن عباسٍ، قال: لما نزلت هذه الآية ثقلت على المسلمين، وأعظموا أن يُقاتل عشرون مائتين، ومائة ألفًا، فخفف اللهُ عنهم، فنسخها بالآية الأخرى، فقال: الْآنَ خَفَّفَ اللَّهُ عَنْكُمْ وَعَلِمَ أَنَّ فِيكُمْ ضَعْفًا الآية، فكانوا إذا كانوا على الشطر من عدوهم لم يسغ لهم أن يفرّوا من عدوهم، وإذا كانوا دون ذلك لم يجب عليهم قتالهم، وجاز لهم أن يتحوزوا عنهم.
وروى علي ابن أبي طلحة والعوفي، عن ابن عباسٍ، نحو ذلك.
قال ابنُ أبي حاتم: ورُوي عن مجاهد، وعطاء، وعكرمة، والحسن، وزيد بن أسلم، وعطاء الخراساني، والضّحاك، وغيرهم نحو ذلك.
وروى الحافظ أبو بكر ابن مردويه من حديث المسيب بن شريك، عن ابن عون، عن نافع، عن ابن عمر -رضي الله عنهما- في قوله: إِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ عِشْرُونَ صَابِرُونَ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ قال: نزلت فينا أصحاب محمدٍ ﷺ.
وروى الحاكم في "مستدركه" من حديث أبي عمرو ابن العلاء، عن نافع، عن ابن عمر: أن رسول الله ﷺ قرأ: الْآنَ خَفَّفَ اللَّهُ عَنْكُمْ وَعَلِمَ أَنَّ فِيكُمْ ضَعْفًا رُفِعَ. ثم قال: صحيح الإسناد، ولم يُخرجاه.
الشيخ: لغتان، يقال: ضَعْفًا، وضُعْفًا، مثل: اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ ضَعْفٍ [الروم:54] تفتح الضّاد وتضمّها.
س: .............؟
ج: كلمة "ضعفًا"، نعم.
س: الضّعف بالقوة أو بالعدد؟
ج: الظاهر -والله أعلم- أنه يشمل هذا وهذا: ضعف العدد، وضعف القوة؛ لأنَّ قوة عشرة في مُقابل مئة فيها ضعف، نعم.
س: ..............؟
ج: محل نظرٍ، نعم.