المقدم: بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله ربِّ العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين نبينا محمدٍ، وعلى آله وصحبه أجمعين.
أيها الإخوة والأخوات، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وأهلًا ومرحبًا بحضراتكم إلى درسٍ جديدٍ من دروس "المنتقى".
ضيف اللِّقاء هو سماحة الشيخ عبدالعزيز بن عبدالله بن باز، المفتي العام للمملكة العربية السعودية، ورئيس هيئة كبار العلماء.
مع مطلع هذا اللقاء نُرحب بسماحة الشيخ، فأهلًا ومرحبًا يا سماحة الشيخ.
الشيخ: حياكم الله وبارك فيكم.
المقدم: وقف بنا الحديثُ عند باب صفة الأذان، وقال المؤلفُ رحمه الله تعالى:
وروى أحمد وَأَبُو دَاوُد عن طَرِيقِ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إبْرَاهِيمَ التَّيْمِيِّ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِاللَّهِ بْنِ زَيْدِ بن عبد ربِّه، عَنْ أَبِيهِ. وَفِيهِ: فَلَمَّا أَصْبَحْتُ أَتَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ فَأَخْبَرْتُهُ بِمَا رَأَيْتُ، فَقَالَ: إنَّهَا لَرُؤْيَا حَقّ إنْ شَاءَ اللَّهُ، فَقُمْ مَعَ بِلَالٍ فَأَلْقِ عَلَيْهِ مَا رَأَيْتَ؛ فَإِنَّهُ أَنْدَى صَوْتًا مِنْكَ، قَالَ: فَقُمْتُ مَعَ بِلَالٍ، فَجَعَلْتُ أُلْقِيهِ عَلَيْهِ وَيُؤَذِّنُ بِهِ.
قَالَ: فَسَمِعَ ذَلِكَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ وَهُوَ فِي بَيْتِهِ، فَخَرَجَ يَجُرُّ رِدَاءَهُ يَقُولُ: وَالَّذِي بَعَثَك بِالْحَقِّ لَقَدْ رَأَيْتُ مِثْلَ الَّذِي رَأَى، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: فَلِلَّهِ الْحَمْدُ.
وَرَوَى التِّرْمِذِيُّ هَذَا الطَّرَفَ مِنْهُ بِهَذِهِ الطَّرِيقِ، وَقَالَ: حَدِيثُ عَبْدِاللَّهِ بْنِ زَيْدٍ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ.
- وعن أنسٍ قال: أُمِرَ بلالٌ أن يشفع الأذانَ ويُوتر الإقامة، إلا الإقامة. رواه الجماعة.
وليس فيه للنَّسائي والترمذي وابن ماجه: إلا الإقامة.
- وعن ابن عمر قال: إنما كان الأذانُ على عهد رسول الله ﷺ مرتين مرتين، والإقامة مرة مرة، غير أنه يقول: قد قامت الصلاةُ، قد قامت الصلاةُ، وكنا إذا سمعنا الإقامةَ توضأنا ثم خرجنا إلى الصلاة. رواه أحمد وأبو داود والنَّسائي.
- وعن أبي محذورة: أن رسول الله ﷺ علَّمه هذا الأذان: الله أكبر الله أكبر، أشهد أن لا إله إلا الله، أشهد أن لا إله إلا الله، أشهد أنَّ محمدًا رسول الله، أشهد أنَّ محمدًا رسول الله. ثم يعود فيقول: أشهد أن لا إله إلا الله، مرتين، أشهد أنَّ محمدًا رسول الله، مرتين، حيَّ على الصلاة، مرتين، حيَّ على الفلاح، مرتين، الله أكبر الله أكبر، لا إله إلا الله. رواه مسلم.
- وللنَّسائي: وذكر التَّكبير في أوله أربعًا. وللخمسة عن أبي محذورة: أن النبي ﷺ علَّمه الأذان تسع عشرة كلمة، والإقامة سبع عشرة، قال الترمذي: حديث حسن صحيح.
- وعن أبي محذورة قال: قلتُ: يا رسول الله، علمني سنة الأذان، فعلَّمه، وقال: فإن كان صلاة الصبح قلت: الصلاة خيرٌ من النوم، الصلاة خيرٌ من النوم، الله أكبر الله أكبر، لا إله إلا الله رواه أحمد وأبو داود.
الشيخ: بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله، وصلى الله وسلم على رسول الله، وعلى آله وأصحابه ومَن اهتدى بهداه.
أما بعد: فهذه الأحاديث فيها بيان الأذان والإقامة، ورؤيا عبدالله بن زيد وعمر رضي الله عنهما، وأنهما رأيا جميعًا الأذان بتربيع التَّكبير في الأول، والتَّثنية في البقية، ما عدا كلمة التوحيد، فهي "لا إله إلا الله" مُفردة، وهذا هو الأذان الثابت عن النبيِّ ﷺ في الأحاديث الصَّحيحة: أن يُكبر أربعًا في أوله، ويشفع الباقي: الشَّهادة مرتان: أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أنَّ محمدًا رسول الله، مرتان، ويقول: حي على الصلاة مرتين، حي على الفلاح مرتين، الله أكبر الله أكبر، لا إله إلا الله. والإقامة كذلك، إلا أنها فُرادى، ما عدا التَّكبير في أولها تكبيرتان، والتكبير الأخير تكبيرتان، والإقامة مرتان: قد قامت الصلاة، قد قامت الصلاة. هذا هو السنة.
وزاد في حديث أبي محذورة إعادة الشَّهادة مرتين: أولًا بصوتٍ مُنخفضٍ، وثانيًا بصوتٍ مرتفعٍ، وهذا ثابت من حديث أبي محذورة لما علَّمه النبيُّ ﷺ الأذان، على أن يُؤذن به في أهل مكة، وكلاهما جائز: الترجيع جائز، وعدم الترجيع جائز، لكن عدم الترجيع أفضل؛ لأنه هو الأذان الذي بين يدي النبي ﷺ، وهو الذي أذَّن به بلال، ولم يُرجع، هذا هو الأفضل، وهو خمس عشرة جملة، وفي حديث أبي محذورة تسع عشرة جملة؛ لأنه إذا كرر الشَّهادة مرتان صار تسع عشرة جملة.
فإن أذَّن بهذا أو هذا كله جائز، ولكن الأفضل أذان بلال؛ لأنه هو الأذان الذي كان يُنادى به بين يدي النبيِّ ﷺ، أما الإقامة فإنها إحدى عشرة جملة، كلمة كلمة، إلا التكبير في أولها مرتين، وفي آخرها مرتين؛ لأنها بالنسبة إلى الأربع كفردٍ، والإقامة يُكررها: قد قامت الصلاة، قد قامت الصلاة، كما علَّم النبي ﷺ بلالًا.
س: حديث عبدالله بن زيد منام، ومع ذلك اعتمده الرسولُ ﷺ، هنا نسأل: هل يُعول على الرؤيا في الأحكام الشَّرعية؟
الشيخ: صار سببًا لشرعه، كانت هذه الرؤيا سببًا للشرعية، والعمدة على قوله ﷺ: إنها لرؤيا حق، ثم تنفيذها، فدلَّ هذا على أنَّ الرؤيا الصَّالحة يُعمل بها إذا وافقت القواعد الشَّرعية، فلما رآها عبدالله، ورآها عمر، ووافقت الشرع نفَّذها النبيُّ ﷺ، وكانوا قد همُّوا بالناقوس كما تقدم، فلما رأى هذه الرؤيا عبدالله بن زيد، ورآها عمر أيضًا نفَّذها النبيُّ ﷺ، وقال: إنها رؤيا حق، فدل على أنَّ الرؤيا الطيبة تُنفذ إذا رآها الرجلُ الصالح.
س: جملة "الصلاة خير من النوم" هل هي لازمة؟ وماذا على مَن نسيها وتعدَّى موضعها؟ هل يرجع لقولها؟
الشيخ: الواجب أن يرجع يقولها، يقولها ثم يقول ما بعدها، إذا نسيها يأتي بها، ثم يأتي بالتَّكبير ولا إله إلا الله بعدها؛ لأنَّ الرسول علَّم المؤذن، فهي تُقال في الأذان الأخير، أذان الفجر.
س: قلنا: الترجيع والتثويب، ما معناهما؟
الشيخ: التثويب: قد قامت الصلاة، قد قامت الصلاة. والترجيع: إعادة الشهادتين، يعني: يأتي بهما بصوتٍ منخفضٍ، ثم يرفع صوته بهما، كما في حديث أبي محذورة، يُسمى: ترجيعًا؛ لأنه رجع إليها، قالها ثم رجع إليها، رجع كلامه.
س: هناك مَن يذكر الله ويُصلي على الرسول قبل الأذان وهو فاتح الميكرفون؟
الشيخ: لا، الأفضل لا يتعرض لشيءٍ، إنما يتكلم بالأذان فقط، لا قبله شيء، ولا بعده شيء، كونه يلحق به الأذكار بعده أو قبله هذا بدعة، ما يجوز، الواجب الاقتصار على الأذان فقط، فإذا فتح الميكرفون يبدأ بالأذان فقط، ثم إذا قال: لا إله إلا الله، يُغلقه، وتكون الصلاةُ على النبي ﷺ بينه وبين نفسه، يُسمعه مَن حوله لا بأس، لكن ما تكون في المكبر، المكبر يكون للأذان فقط، من: الله أكبر، إلى نهاية: لا إله إلا الله، ثم يُغلق المكبر، يُغلق الآلة.
س: بعض المؤسسات أو الشركات تضع تسجيلًا للأذان، إذا ردد معه الإنسانُ ما رأيكم فيه؟
الشيخ: إذا كان في وقت الأذان لا بأس، أما في وقتٍ آخر: في الضُّحى، أو في أثناء الليل، لا، لكن في وقت الأذان.
بَابُ رَفْعِ الصَّوْتِ بِالْأَذَانِ
- عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ: أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ قَالَ: الْمُؤَذِّنُ يُغْفَرُ لَهُ مَدَّ صَوْتِهِ، وَيَشْهَدُ لَهُ كُلُّ رَطْبٍ وَيَابِسٍ رَوَاهُ الْخَمْسَةُ إلَّا التِّرْمِذِيَّ.
- وَعَنْ عَبْدِاللَّهِ بْنِ عَبْدِالرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي صَعْصَعَةَ: أَنَّ أَبَا سَعِيدٍ الْخُدْرِيَّ قَالَ لَهُ: إنِّي أَرَاك تُحِبُّ الْغَنَمَ وَالْبَادِيَةَ، فَإِذَا كُنْتَ فِي غَنَمِك أَوْ بَادِيَتِك فَارْفَعْ صَوْتَك بِالنِّدَاءِ؛ فَإِنَّهُ لَا يَسْمَع مَدَى صَوْتِ الْمُؤَذِّنِ جِنٌّ وَلَا إنْسٌ وَلَا شَيْءٌ إلَّا يَشْهَدُ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ. قَالَ أَبُو سَعِيدٍ: سَمِعْتُهُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ. رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالْبُخَارِيُّ وَالنَّسَائِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ.
الشيخ: هذان الحديثان يدلان على شرعية رفع الصوت، والمقصود من الأذان رفع الصوت؛ حتى يبلغ الناس، فالواجب على المؤذن أن يرفع صوته غايته؛ حتى يبلغ الناس ليحضروا إلى الصلاة.
وفيه فضل عظيم، وأنه لا يسمع صوت المؤذن من جنٍّ ولا إنسٍ ولا شيءٍ إلا شهد له يوم القيامة، هذا فضل عظيم، فينبغي للمُؤذنين أن يفرحوا بهذه العبادة العظيمة، وأن يُسروا بها، وأن تنشرح صدورهم لها، وأن يرجو فضل الله في ذلك: لا يسمع صوتهم جنٌّ ولا إنسٌ ولا حجرٌ ولا شجرٌ إلا شهد له يوم القيامة، هذا خير عظيم، وفضل كبير.
س: مع وجود المكبرات هل زالت أفضلية مدى الصوت بالأذان في زماننا هذا؟
الشيخ: هذا من تيسير الله، المكبرات تُعين المؤذن، يُؤذن على الأذان الشَّرعي، والآلات هذه تبلغ الناس والحمد لله.
س: مَن كان في البرِّ؟
الشيخ: يرفع صوته حسب إمكانه.
س: يُؤذن؟
الشيخ: يُؤذن ويرفع صوته.
بَابُ الْمُؤَذِّنِ يَجْعَلُ أُصْبُعَيْهِ فِي أُذُنَيْهِ وَيَلْوِي عُنُقَهُ عِنْدَ الْحَيْعَلَةِ وَلَا يَسْتَدِيرُ
- عَنْ أَبِي جُحَيْفَةَ قَالَ: أَتَيْتُ النَّبِيَّ ﷺ بِمَكَّةَ وَهُوَ بِالْأَبْطَحِ فِي قُبَّةٍ لَهُ حَمْرَاءَ مِنْ أَدَمٍ، قَالَ: فَخَرَجَ بِلَالٌ بِوَضُوئِهِ، فَمِنْ نَاضِحٍ وَنَائِلٍ، قَالَ: فَخَرَجَ النَّبِيُّ ﷺ عَلَيْهِ حُلَّةٌ حَمْرَاءُ، كَأَنِّي أَنْظُرُ إلَى بَيَاضِ سَاقَيْهِ، قَالَ: فَتَوَضَّأَ وَأَذَّنَ بِلَالٌ، فَجَعَلْتُ أَتَتَبَّعُ فَاهُ هَاهُنَا وَهَاهُنَا، يَقُولُ يَمِينًا وَشِمَالًا: حَيَّ عَلَى الصَّلَاةِ، حَيَّ عَلَى الْفَلَاحِ.
قَالَ: ثُمَّ رُكِزَتْ لَهُ عَنَزَةٌ، فَتَقَدَّمَ فَصَلَّى الظُّهْرَ رَكْعَتَيْنِ، يَمُرُّ بَيْنَ يَدَيْهِ الْحِمَارُ وَالْكَلْبُ لَا يَمْنَعُ.
وَفِي رِوَايَةٍ: تَمُرُّ مِنْ وَرَائِهَا الْمَرْأَةُ وَالْحِمَارُ، ثُمَّ صَلَّى الْعَصْرَ، ثُمَّ لَمْ يَزَلْ يُصَلِّي ركعتين حَتَّى رَجَعَ إلَى الْمَدِينَةِ. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
وَلِأَبِي دَاوُد: رَأَيْتُ بِلَالًا خَرَجَ إلَى الْأَبْطَحِ، فَأَذَّنَ، فَلَمَّا بَلَغَ: حَيَّ عَلَى الصَّلَاةِ، حَيَّ عَلَى الْفَلَاحِ، لَوَى عُنُقَهُ يَمِينًا وَشِمَالًا، وَلَمْ يَسْتَدِرْ.
وَفِي رِوَايَةٍ: رَأَيْتُ بِلَالًا يُؤَذِّنُ وَيَدُورُ وَأَتَتَبَّعُ فَاهُ هَاهُنَا وَهَاهُنَا، وَأُصْبُعَاهُ فِي أُذُنَيْهِ، قَالَ: وَرَسُولُ اللَّهِ ﷺ فِي قُبَّةٍ لَهُ حَمْرَاءَ، أُرَاهَا مِنْ أَدَمٍ، قَالَ: فَخَرَجَ بِلَالٌ بَيْنَ يَدَيْهِ بِالْعَنَزَةِ فَرَكَّزَهَا، فَصَلَّى رَسُولُ اللَّهِ ﷺ وَعَلَيْهِ حُلَّةٌ حَمْرَاءُ، كَأَنِّي أَنْظُرُ إلَى بَرِيقِ سَاقَيْهِ. رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالتِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ.
الشيخ: وهذا الحديث برواياته يدل على فوائد: منها رفع الصوت بالنِّداء. ومنها جعل الأصابع في الأذنين، وأن هذا الالتفات يمينًا وشمالًا عند الحيعلة حتى يبلغ مَن على يمينه وشماله. ومنها أنَّ الإمام يضع أمامه سترةً، وأن السترة تمنع تأثير المارِّ، فإذا مرَّ المارُّ من ورائها من حمارٍ أو آدميٍّ أو غير ذلك لا يضرّ، كما فعل النبيُّ عليه الصلاة والسلام، فالسترة تمنع ذلك.
فالسنة للإمام أن يجعل أمامه سترةً من عنزةٍ، والعنزة: عصا تُركز، لها حربة تُركز أمام المصلي، أو جدار، أو سارية، أو عمود، أو كرسي أمامه يحصل به الفائدة.
وفيه من الفوائد: التَّشمير، وأنه ﷺ كان يُشمر، ما كان يُرخي ثيابه، تبدو ساقيه، فدلَّ على أنَّ بدوَّ السَّاقين هو الأفضل: أن الرجل يُشمر، لا يسحب ثيابه، ولا يجرها، بل تكون فوق الكعبين، وتبدو السَّاقان كما بدت ساقا النبيِّ عليه الصلاة والسلام.
وفي هذا من الفوائد: أنه ﷺ كان يُصلي ركعتين في حجة الوداع، وفي عام الفتح؛ لأنه مسافر عليه الصلاة والسلام.
وفيه أيضًا: جواز لبس الأحمر، وأنه لا بأس أن يكون لباسه أحمر، وقبة حمراء، كل هذا لا بأس به.
س: لم خُصَّت الحيعلة بذلك؟ وما الحكمة من الالتفات؟
الشيخ: لأنَّ فيها دعوة حيَّ على الصلاة، حيَّ على الفلاح، خُصَّت بهذا لأنها كلمة دعوة، "حيَّ" يعني: أقبلوا، هلموا، يدعو مَن عن يمينه، ومَن عن شماله أن يحضروا للصلاة.
س: الفصل الطويل بين جمل الأذان هل يجوز؟
الشيخ: السنة الموالاة بين ألفاظ الأذان، والفصل اليسير لا يضرّ، لكن السنة الموالاة.
س: وما حكم الكلام بين جمل الأذان؟
الشيخ: والكلام اليسير لا يضرّ، إذا كان ما طول الكلام اليسير ما يضرّ.
بَابُ الْأَذَانِ فِي أَوَّلِ الْوَقْتِ وَتَقْدِيمِهِ عَلَيْهِ فِي الْفَجْرِ خَاصَّةً
- عَنْ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ قَالَ: كَانَ بِلَالٌ يُؤَذِّنُ إذَا زَالَتِ الشَّمْسُ، لَا يَخْرُمُ، ثُمَّ لَا يُقِيمُ حَتَّى يَخْرُجَ إلَيْهِ النَّبِيُّ ﷺ، فَإِذَا خَرَجَ أَقَامَ حِينَ يَرَاهُ. رَوَاهُ أَحْمَدُ وَمُسْلِمٌ وَأَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ.
- وَعَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ: أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ قَالَ: لَا يَمْنَعَنَّ أَحَدَكُمْ أَذَانُ بِلَالٍ مِنْ سَحُورِهِ؛ فَإِنَّهُ يُؤَذِّنُ -أَوْ قَالَ: يُنَادِي- بِلَيْلٍ لِيَرْجِعَ قَائِمكُمْ وَيُوقَظَ نَائِمكُمْ رَوَاهُ الْجَمَاعَةُ إلَّا التِّرْمِذِيَّ.
- وَعَنْ سَمُرَةَ بْنِ جُنْدُبٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: لَا يَغُرَّنَّكُمْ مِنْ سَحُورِكُمْ أَذَانُ بِلَالٍ، وَلَا بَيَاضُ الْأُفُقِ الْمُسْتَطِيلِ هَكَذَا حَتَّى يَسْتَطِيرَ هَكَذَا يَعْنِي: مُعْتَرِضًا. رَوَاهُ مُسْلِمٌ، وَأَحْمَدُ وَالتِّرْمِذِيُّ، وَلَفْظُهُمَا: لَا يَمْنَعَنَّكُمْ مِنْ سَحُوركُمْ أَذَانُ بِلَالٍ، وَلَا الْفَجْرُ الْمُسْتَطِيلُ، وَلَكِن الْفَجْرُ الْمُسْتَطِيرُ فِي الْأُفُقِ.
- وَعَنْ عَائِشَةَ وَابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا: أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ قَالَ: إنَّ بِلَالًا يُؤَذِّنُ بِلَيْلٍ، فَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يُؤَذِّنَ ابْنُ أُمِّ مَكْتُومٍ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
وَلِأَحْمَدَ وَالْبُخَارِيِّ: فَإِنَّهُ لَا يُؤَذِّنُ حَتَّى يَطْلُعَ الْفَجْرُ.
وَلِمُسْلِمٍ: وَلَمْ يَكُنْ بَيْنَهُمَا إلَّا أَنْ يَنْزِلَ هَذَا وَيَرْقَى هَذَا.
الشيخ: هذه الأحاديث تدل على أنَّ الأذان يكون بعد الوقت، الأذان الذي يُعتبر للصلاة ودخول الوقت يكون بعد الوقت، فلا يجوز للمُؤذن أن يُؤذن إلا بعد الوقت؛ حتى ينتفع الناسُ بذلك، ويعملوا به، ليس له تقديم الأذان، بل متى دخل الوقتُ أذَّن: في الظهر، والعصر، والمغرب، والعشاء، والفجر؛ حتى يعلم الناسُ أنَّ الوقت قد حضر فيأتوا للصلاة، هذا هو الواجب، وليس له أن يُؤذن قبل ذلك، بل عليه أن يعتني بالوقت.
والصبح لها أذانان: الأول لتنبيه الناس، والثاني لطلوع الفجر، فبلال كان يُؤذن قبل الفجر بقليلٍ؛ حتى يرجع قائم الناس، ويوقظ نائمهم؛ حتى يعلموا قرب الفجر؛ ولهذا قال: ليرجع قائمكم يعني: ليرد قائمكم عن طول التَّهجد، ويُوقظ نائمكم، هذا هو المقصود من أذان بلالٍ، وهو يُسمونه: الأذان الأول؛ لينتبه الناسُ لقرب الفجر، ثم يُؤذن ابنُ أم مكتوم بعد طلوع الفجر، هذا هو المشروع.
والفجر الصَّادق هو الذي ينتشر، أما الفجر الكاذب الذي يستطيل كالعمود ثم يُطفأ ويزول، هذا لا عبرةَ به، إنما الفجر الصَّادق الذي يستطير، يعترض في الفجر، ثم يزيد ولا يُطفأ، أما الفجر الكاذب فهذا يكون طويلًا في الأفق تحت العمود ثم يزول.
س: أحسن الله إليكم سماحة الشيخ، يرى البعضُ جواز تقديم أذان الفجر خاصةً إلى ما بعد نصف الليل، ما حُجَّتهم في ذلك؟
الشيخ: لا، السنة أن يكون قريبًا من الفجر؛ حتى لا يُشوش على الناس، حتى إذا قاموا يستعدوا للفجر يكون قريبًا، قبل الأذان بنصف ساعة، بثلث ساعة، لا بأس؛ حتى يكون الذي يتهجد يتهجد آخر الليل، يُوتر آخر الليل، ويعرف قرب الفجر حتى يستعدَّ، كلما قرب من الفجر فهو أولى، كما قال في الحديث: ليس بينهما إلا أن يصعد هذا وينزل هذا. يعني قليل.
س: من الناس مَن يقول بأنَّ أذان الجمعة الأول لم يكن موجودًا على عهد الرسول ﷺ، وكأنه لا يرى مشروعية ذلك؟
الشيخ: أذان الجمعة الأول معروف، ما كان في عهد النبي ﷺ، كان في عهد عثمان، أما الأذان الأول في صلاة الفجر فهذا معروف في عهد النبي ﷺ، لكن هل كان مع أذان الفجر من أول وهلةٍ، أو كان شُرع بعد ذلك؟ المقصود أنه ثابت، واستقرَّ أن بلالًا يُؤذن بليلٍ، وابن أم مكتوم يُؤذن بعد طلوع الفجر، وهذا هو السنة: أن يكون قبل الفجر أذان أول يُنبه الناس؛ حتى الذي يُريد أن يُوتر أو يتأهب للفجر تكون عنده سعة، أما الجمعة فلها أذنان: أذان عند دخول الخطيب، وهذا هو الثابت في عهد النبي ﷺ، والأذان الثاني جديد أحدثه عثمان ، وهو الخليفة الراشد، والنبي عليه الصلاة والسلام قال: عليكم بسُنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي، وهو منهم، فعمل به المسلمون بعد عثمان قبل الجمعة بقليلٍ؛ حتى ينتبه الناسُ ليوم الجمعة.
س: مرَّ بنا فيما سبق: الفجر الصادق، والفجر الكاذب، ما علامات ذلك؟
الشيخ: تقدم بيانه: الفجر الكاذب كالعمود ويُطفأ، والفجر الصَّادق ينتشر عن يمينٍ وشمالٍ ويعترض، ثم لا يزال يزيد.
س: بعض الإخوان القريبين من المسجد يشتكون من قوة رفع الصوت، وأنه يُسبب إزعاجًا لهم، ما توجيه سماحتكم؟
الشيخ: السنة رفع الصوت حتى ينتبه الناس، السنة رفع الصوت، مثلما قال أبو سعيد: فارفع صوتك بالنِّداء. السنة رفع الصوت حتى ينتبه النائم وغير النائم.
س: بالنسبة لوضع مُؤذنين في المسجد الواحد؟
الشيخ: لا حرج.
بَابُ مَا يَقُولُ عِنْدَ سَمَاعِ الْأَذَانِ وَالْإِقَامَةِ وَبَعْدَ الْأَذَانِ
- عَنْ أَبِي سَعِيدٍ: أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ قَالَ: إذَا سَمِعْتُمُ النِّدَاءَ فَقُولُوا مِثْلَمَا يَقُولُ الْمُؤَذِّنُ رَوَاهُ الْجَمَاعَةُ.
- وَعَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: إذَا قَالَ الْمُؤَذِّنُ: اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ، قَالَ أَحَدُكُمْ: اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ، ثُمَّ قَالَ: أَشْهَدُ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ، قَالَ: أَشْهَدُ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ، ثُمَّ قَالَ: أَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ، قَالَ: أَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ، ثُمَّ قَالَ: حَيَّ عَلَى الصَّلَاةِ، قَالَ: لَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إلَّا بِاللَّهِ، ثُمَّ قَالَ: حَيَّ عَلَى الْفَلَاحِ، قَالَ: لَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إلَّا بِاللَّهِ، ثُمَّ قَالَ: اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ، قَالَ: اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ، ثُمَّ قَالَ: لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ، قَالَ: لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ، مِنْ قَلْبِهِ دَخَلَ الْجَنَّةَ رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَأَبُو دَاوُد.
- وَعَنْ شَهْرِ بْنِ حَوْشَبٍ، عَنْ أَبِي أُمَامَةَ، أَوْ عَنْ بَعْضِ أَصْحَابِ النَّبِيِّ ﷺ: أَنَّ بِلَالًا أَخَذَ فِي الْإِقَامَةِ، فَلَمَّا أَنْ قَالَ: قَدْ قَامَت الصَّلَاةُ، قَالَ النَّبِيُّ ﷺ: أَقَامَهَا اللَّهُ وَأَدَامَهَا، وَقَالَ فِي سَائِرِ الْإِقَامَةِ بِنَحْوِ حَدِيثِ عُمَرَ فِي سَائِرِ الْأَذَانِ. رَوَاهُ أَبُو دَاوُد.
- وَعَنْ جَابِرٍ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَالَ: مَنْ قَالَ حِينَ يَسْمَعُ النِّدَاءَ: اللَّهُمَّ رَبَّ هَذِهِ الدَّعْوَةِ التَّامَّةِ، وَالصَّلَاةِ الْقَائِمَةِ، آتِ مُحَمَّدًا الْوَسِيلَةَ وَالْفَضِيلَةَ، وَابْعَثْهُ مَقَامًا مَحْمُودًا الَّذِي وَعَدْتَه؛ حَلَّتْ لَهُ شَفَاعَتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ رَوَاهُ الْجَمَاعَةُ إلَّا مُسْلِمًا.
- وَعَنْ عَبْدِاللَّهِ بْنِ عَمْرٍو: أَنَّهُ سَمِعَ النَّبِيَّ ﷺ يَقُولُ: إذَا سَمِعْتُمُ الْمُؤَذِّنَ فَقُولُوا مِثْلَمَا يَقُولُ، ثُمَّ صَلُّوا عَلَيَّ، فَإِنَّهُ مَنْ صَلَّى عَلَيَّ صَلَاةً صَلَّى اللَّهُ بِهَا عَلَيْهِ عَشْرًا، ثُمَّ سَلُوا اللَّهَ لِي الْوَسِيلَةَ، فَإِنَّهَا مَنْزِلَةٌ فِي الْجَنَّةِ لَا تَنْبَغِي إلَّا لِعَبْدٍ مِنْ عِبَادِ اللَّهِ، وَأَرْجُو أَنْ أَكُونَ أَنَا هُوَ، فَمَنْ سَأَلَ اللَّهَ لِي الْوَسِيلَةَ حَلَّتْ عَلَيْهِ الشَّفَاعَةُ رَوَاهُ الْجَمَاعَةُ إلَّا الْبُخَارِيَّ وَابْنَ مَاجَهْ.
- وَعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: الدُّعَاءُ لَا يُرَدُّ بَيْنَ الْأَذَانِ وَالْإِقَامَةِ رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ.
الشيخ: هذه الأحاديث كلها تدل على شرعية إجابة المؤذن، وأنَّ السنة أن يُجاب المؤذن؛ لقوله ﷺ: إذا سمعتم المؤذن فقولوا مثلما يقول، فالذي يسمع المؤذن السنة له أن يُجيبه فيقول مثله: الله أكبر الله أكبر، أشهد أن لا إله إلا الله .. إلخ. وهكذا في الإقامة يقول: قد قامت الصلاة، مثله.
أما حديث شهر بن حوشب أنه يقول: "أقامها الله وأدامها"، فهو حديث ضعيف، والصواب أنه يقول مثل المؤذن: "قد قامت الصلاة، قد قامت الصلاة"، ويقول في الحيعلة كما في حديث عمر: لا حول ولا قوة إلا بالله، لا حول ولا قوة إلا بالله. هذا هو السنة؛ إذا سمعه يقول: حيَّ على الصلاة، يقول: لا حول ولا قوة إلا بالله ..... هذا مخصص لحديث أبي سعيدٍ وما جاء في معناه، فيقول المجيبُ مثل المؤذن في كل شيءٍ إلا في الحيعلة فيقول: لا حول ولا قوة إلا بالله، ويقول مثله في صلاة الفجر: الصلاة خير من النوم، الصلاة خير من النوم، ويقول في الإقامة: قد قامت الصلاة مثله.
هذا هو السنة في الجميع كما بيَّنه النبيُّ عليه الصلاة والسلام.
وفيه فضل الإجابة، وأن مَن قال الإجابة من قلبه دخل الجنة، كما في حديث عمر، هذا فضل عظيم، وينبغي للمؤمن أن يُجيب المؤذن؛ لهذا الفضل العظيم، وألا يتساهل في هذا الأمر العظيم، والإقامة مثل الأذان؛ يُجيبها كما يُجيب المؤذن، لكن يقول في: قد قامت الصلاة، ما يقول: أقامها الله وأدامها، الأفضل يقول: قد قامت الصلاة؛ لقوله ﷺ: إذا سمعتُم المؤذن فقولوا مثلما يقول، والإقامة الأذان، أما حديث أقامها الله وأدامها فهو حديث ضعيف كما تقدم.
المقدم: شكر الله لكم سماحة الشيخ، وبارك الله فيكم وفي علمكم، ونفع بكم الإسلام والمسلمين.