وَمِمَّنْ خَلَقْنَا أُمَّةٌ يَهْدُونَ بِالْحَقِّ وَبِهِ يَعْدِلُونَ [الأعراف:181].
يقول تعالى: وَمِمَّنْ خَلَقْنَا أي: بعض الأمم أُمَّةٌ قائمةٌ بالحقِّ قولًا وعملًا، يَهْدُونَ بِالْحَقِّ يقولونه ويدعون إليه، وَبِهِ يَعْدِلُونَ يعملون ويقضون.
وقد جاء في الآثار: أنَّ المراد بهذه الأمّة المذكورة في الآية هي هذه الأمّة المحمدية، قال سعيد: عن قتادة في تفسير هذه الآية: بلغني أنَّ النبي ﷺ كان يقول إذا قرأ هذه الآية: هذه لكم، وقد أُعطي القوم بين أيديكم مثلها: وَمِنْ قَوْمِ مُوسَى أُمَّةٌ يَهْدُونَ بِالْحَقِّ وَبِهِ يَعْدِلُونَ [الأعراف:159].
وقال أبو جعفر الرازي: عن الربيع بن أنس في قوله تعالى: وَمِمَّنْ خَلَقْنَا أُمَّةٌ يَهْدُونَ بِالْحَقِّ وَبِهِ يَعْدِلُونَ قال: قال رسول الله ﷺ: إنَّ من أُمَّتي قومًا على الحقِّ حتى ينزل عيسى ابن مريم متى ما نزل.
وفي "الصحيحين" عن معاوية بن أبي سفيان قال: قال رسولُ الله ﷺ: لا تزال طائفةٌ من أُمَّتي ظاهرين على الحقِّ، لا يضرّهم مَن خذلهم، ولا مَن خالفهم حتى تقوم الساعة، وفي روايةٍ: حتى يأتي أمرُ الله وهم على ذلك، وفي روايةٍ: وهم بالشام.
الشيخ: ويدلّ على أنَّ هذه الآية في هذه الأمّة قوله -جلَّ وعلا-: كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ [آل عمران:110]، ومراد الأمّة جماعة: وَمِمَّنْ خَلَقْنَا أُمَّةٌ يَهْدُونَ بِالْحَقِّ وَبِهِ يَعْدِلُونَ، ولا تزال طائفةٌ على الحقِّ منصورة، لا يضرّها مَن خذلها، ولا مَن خالفها حتى يأتي أمرُ الله -جلَّ وعلا-.
والمقصود أنَّ هذه بُشرى منه ﷺ بأنَّ الحقَّ لا يزول من هذه الأمّة، بل لا يزال فيها مَن هو مؤمن بالله واليوم الآخر يدعو إلى الله، ويهدي إليه، حتى تقوم الساعة، يعني: حتى تأتي الريح الطيبة التي تقبض أرواح المؤمنين والمؤمنات، وفي الحديث: حتى تقوم الساعة يعني: حتى يدنو قيامُها ويقرب قيامها، وذلك بوجود الريح الطّيبة التي يقبض الله بها أرواح المؤمنين والمؤمنات، فلا يبقى إلا الأشرار، فعليهم تقوم الساعة، كما قال ﷺ في الحديث الصَّحيح: لا تقوم الساعة حتى لا يُقال في الأرض: الله، الله، وفي لفظٍ: حتى لا يُقال في الأرض: لا إله إلا الله، فالساعة تقوم على شرار الخلق، على قومٍ لا يعبدون الله، بل يعبدون غيره، ولكن بعدما تمضي الآيات التي بيّنها النبي ﷺ: حتى تطلع الشمس من مغربها، فعند ذلك تقع الريح بعد ذلك، بعد آخر الآيات، يعني: قبل النار التي تحشر الناس يمكثون ما شاء الله بعد طلوع الشمس من مغربها، وبعد خروج الدَّابة يمكثون ما شاء الله، ثم يُرسل اللهُ الريح الطّيبة، نعم.
س: سلَّمك الله، الطائفة هذه خاصّة بأهل الشَّام؟
ج: هذه رواية: وهم بالشام، ما يلزم منها وجود طائفة تكون على الحقِّ في الشام، والنصوص الأخرى تدلّ على أنها لا مكانَ لها، لكن من أولى البقاع بها الشام في آخر الزمان، ولكن لا يلزم من ذلك أن تجمع بالشام كلّها، يبقى غيرها في غير الشَّام.
س: ما يُحمل المطلق على المقيّد؟
ج: ما هو بالظَّاهر، الأمّة مُنتشرة، نعم.
س: هل لهم صفات يُعرفون بها؟
ج: صفاتهم اتِّباع الكتاب والسُّنة، نعم.
س: قولهم: "في الشام" ثبت مرفوعًا، أو من قول معاذ بن .....؟
ج: جاءت من طرقٍ، تحتاج إلى تأملٍ، ألَّف فيها بعضُ العلماء مُؤلفات، تحتاج إلى تتبعٍ، لكن لو صحّت ما يلزم منها وجود طائفة في الشَّام، حال الشام الآن فيها شرٌّ كثير من البدع، وفيها أهل سنة وأهل خير في الشام وفي غير الشام.
س: ............؟
ج: المقصود من هذا أنَّ هذه الطائفة تكون هنا، وتكون هنا، لكن لا يلزم منها أن تكون في محلٍّ واحدٍ، فقد يظهر أمرُها في جانبٍ، ويختفي في جانبٍ، هذا مُقتضى الأحاديث الصَّحيحة الكثيرة، نعم.
س: وهم في الشَّام ما هو في البخاري ومسلم؟
ج: ما أتذكر الآن، الزيادة هذه ما أتذكر تحقيق أسانيدها.
س: المحشّي على ابن كثير الشيخ مُقبل قال: رواه البخاري ومسلم؟
ج: يمكن بغير زيادة: وهم في الشام، يمكن.
س: ما يكون في زمن نزول عيسى ابن مريم ؟
ج: زمن عيسى يسلم الناسُ كلّهم. نعم.
وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا سَنَسْتَدْرِجُهُمْ مِنْ حَيْثُ لَا يَعْلَمُونَ وَأُمْلِي لَهُمْ إِنَّ كَيْدِي مَتِينٌ [الأعراف:182-183].
يقول تعالى: وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا سَنَسْتَدْرِجُهُمْ مِنْ حَيْثُ لَا يَعْلَمُونَ معناه أنَّه يفتح لهم أبواب الرزق ووجوه المعاش في الدنيا حتى يغترّوا بما هم فيه، ويعتقدوا أنَّهم على شيءٍ، كما قال تعالى: فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا أَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً فَإِذَا هُمْ مُبْلِسُونَ فَقُطِعَ دَابِرُ الْقَوْمِ الَّذِينَ ظَلَمُوا وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ [الأنعام:44-45]؛ ولهذا قال تعالى: وَأُمْلِي لَهُمْ أي: وسأُملي لهم، أي: أطول لهم ما هم فيه، إِنَّ كَيْدِي مَتِينٌ أي: قوي شديد.
الشيخ: يعني: هذا من أسباب عقوباتهم، من عقوباتهم: الإملاء والإنظار حتى يغترّوا ويظنّوا أنهم على شيءٍ، سَنَسْتَدْرِجُهُمْ مِنْ حَيْثُ لَا يَعْلَمُونَ وَأُمْلِي لَهُمْ إِنَّ كَيْدِي مَتِينٌ بسبب أعمالهم الخبيثة، وإعراضهم عن الله، وارتكابهم محارمه يُستدرجون.
فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا به، هذه من العقوبات، قال تعالى: وَلَا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غَافِلًا عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الْأَبْصَارُ [إبراهيم:42]، وقال تعالى: وَقَدْ مَكَرُوا مَكْرَهُمْ وَعِنْدَ اللَّهِ مَكْرُهُمْ [إبراهيم:46]، وقال تعالى: وَمَكَرُوا مَكْرًا وَمَكَرْنَا مَكْرًا وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ مَكْرِهِمْ أَنَّا دَمَّرْنَاهُمْ وَقَوْمَهُمْ أَجْمَعِينَ فَتِلْكَ بُيُوتُهُمْ خَاوِيَةً بِمَا ظَلَمُوا [النمل:50-52]، نسأل الله العافية، استُدرجوا ومكر بهم لما ضيَّعوا أمر الله، وارتكبوا محارمه، وخالفوا أوامره، استُدرجوا ثم أُخذوا، نسأل الله العافية.
أَوَلَمْ يَتَفَكَّرُوا مَا بِصَاحِبِهِمْ مِنْ جِنَّةٍ إِنْ هُوَ إِلَّا نَذِيرٌ مُبِينٌ [الأعراف:184].
يقول تعالى: أَوَلَمْ يَتَفَكَّرُوا هؤلاء المكذّبون بآياتنا مَا بِصَاحِبِهِمْ يعني: محمدًا ﷺ مِنْ جِنَّةٍ أي: ليس به جنون، بل هو رسول الله حقًّا، دعا إلى حقٍّ، إِنْ هُوَ إِلَّا نَذِيرٌ مُبِينٌ أي: ظاهر لمن كان له لُبٌّ وقلبٌ يعقل به، ويعي به، كما قال تعالى: وَمَا صَاحِبُكُمْ بِمَجْنُونٍ [التكوير:22]، وقال تعالى: قُلْ إِنَّمَا أَعِظُكُمْ بِوَاحِدَةٍ أَنْ تَقُومُوا لِلَّهِ مَثْنَى وَفُرَادَى ثُمَّ تَتَفَكَّرُوا مَا بِصَاحِبِكُمْ مِنْ جِنَّةٍ إِنْ هُوَ إِلَّا نَذِيرٌ لَكُمْ بَيْنَ يَدَيْ عَذَابٍ شَدِيدٍ [سبأ:46] يقول: إنما أطلب منكم أن تقوموا قيامًا خالصًا لله، ليس فيه تعصّب ولا عناد، مَثْنَى وَفُرَادَى أي: مُجتمعين ومُتفرقين، ثم تتفكروا في هذا الذي جاءكم بالرسالة من الله: أبه جنون أم لا؟ فإنَّكم إذا فعلتم ذلك بان لكم وظهر أنَّه رسول الله حقًّا وصدقًا.
وقال قتادة بن دعامة: ذُكر لنا أنَّ نبي الله ﷺ كان على الصَّفا، فدعا قريشًا، فجعل يُفخّذهم فخذًا فخذًا: يا بني فلان، يا بني فلان، فحذَّرهم بأس الله ووقائع الله، فقال قائلُهم: إنَّ صاحبكم هذا لمجنون، بات يصوت إلى الصباح، أو حتى أصبح. فأنزل الله تعالى: أَوَلَمْ يَتَفَكَّرُوا مَا بِصَاحِبِهِمْ مِنْ جِنَّةٍ إِنْ هُوَ إِلَّا نَذِيرٌ مُبِينٌ.
أَوَلَمْ يَنْظُرُوا فِي مَلَكُوتِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا خَلَقَ اللَّهُ مِنْ شَيْءٍ وَأَنْ عَسَى أَنْ يَكُونَ قَدِ اقْتَرَبَ أَجَلُهُمْ فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَهُ يُؤْمِنُونَ [الأعراف:185].
يقول تعالى: أولم ينظر هؤلاء المكذّبون بآياتنا في ملك الله وسلطانه في السّماوات والأرض، وفيما خلق من شيءٍ فيهما، فيتدبّروا ذلك ويعتبروا به، ويعلموا أنَّ ذلك لمن لا نظيرَ له ولا شبيه، ومن فعل ما لا ينبغي أن تكون العبادة والدين الخالص إلا له؛ فيؤمنوا به، ويُصدّقوا رسوله، ويُنيبوا إلى طاعته، ويخلعوا الأنداد والأوثان، ويحذروا أن تكون آجالهم قد اقتربت فيهلكوا على كفرهم، ويصيروا إلى عذاب الله وأليم عقابه.
وقوله: فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَهُ يُؤْمِنُونَ يقول: فبأي تخويفٍ وتحذيرٍ وترهيبٍ بعد تحذير محمدٍ ﷺ وترهيبه الذي أتاهم به من عند الله في آي كتابه يُصدقون إن لم يُصدِّقوا بهذا الحديث الذي جاءهم به محمدٌ من عند الله ؟
وقد روى الإمامُ أحمد: عن حسن بن موسى وعفان بن مسلم وعبدالصمد بن عبدالوارث –كلهم- عن حماد بن سلمة، عن علي بن زيد بن جدعان، عن أبي الصّلت، عن أبي هريرة قال: قال رسولُ الله ﷺ: رأيتُ ليلة أُسري بي كذا، فلمَّا انتهينا إلى السَّماء السَّابعة فنظرتُ فوقي، فإذا أنا برعد وبرق وصواعق، وأتيتُ على قومٍ بطونهم كالبيوت فيها الحيّات تُرى من خارج بطونهم، قلت: مَن هؤلاء يا جبريل؟ قال: هؤلاء أكلة الربا، فلمَّا نزلت إلى السَّماء الدنيا فنظرت إلى أسفل مني، فإذا أنا برهج ودخان وأصوات، فقلت: ما هذا يا جبريل؟ قال: هؤلاء الشياطين يحومون على أعين بني آدم أن لا يتفكَّروا في ملكوت السماوات والأرض، ولولا ذلك لرأوا العجائب.
علي بن زيد بن جدعان له منكرات.
ثم قال تعالى: مَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَلَا هَادِيَ لَهُ وَيَذَرُهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ [الأعراف:186].
س: ما صحّة الحديث هذا يا شيخ؟ هذا من مُنكرات عليّ؟
ج: أيش السند؟
الشيخ: هو ضعيفٌ لأجل هذا، وفيه منكرات في المتن، نعم، وعلي بن زيد ضعيف، وهو ابن جدعان.