تفسير قوله تعالى: {وَإِذَا ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلَاةِ..}(1)

وَإِذَا ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلَاةِ إِنْ خِفْتُمْ أَنْ يَفْتِنَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنَّ الْكَافِرِينَ كَانُوا لَكُمْ عَدُوًّا مُبِينًا [النساء:101].

يقول تعالى: وَإِذَا ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ أي: سافرتم في البلاد، كما قال تعالى: عَلِمَ أَنْ سَيَكُونُ مِنْكُمْ مَرْضَى وَآخَرُونَ يَضْرِبُونَ فِي الْأَرْضِ يَبْتَغُونَ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ [المزمل:20].

وقوله: فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلَاةِ أي: تخففوا فيها؛ إما من كمّيتها بأن تجعل الرباعية ثنائية، كما فهمه الجمهور من هذه الآية، واستدلّوا بها على قصر الصلاة في السفر، على اختلافهم في ذلك، فمن قائل: لا بدَّ أن يكون سفر طاعةٍ، من: جهادٍ، أو حجٍّ، أو عمرةٍ، أو طلب علمٍ، أو زيارةٍ، وغير ذلك، كما هو مروي عن ابن عمر وعطاء ويحيى عن مالك في روايةٍ عنه نحوه.

مداخلة: في نسخة (الشعب): ويُحكى عن مالك.

الشيخ: نسخة، حطّها نسخة: "يحكى"، يحيى بن يحيى روى "الموطأ" عن مالك، ويمكن أنها "يحكى"، حطّ نسخة.

لظاهر قوله: إِنْ خِفْتُمْ أَنْ يَفْتِنَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا.

ومن قائل: لا يشترط سفر القربة، بل لا بدَّ أن يكون مباحًا؛ لقوله: فَمَنِ اضْطُرَّ فِي مَخْمَصَةٍ غَيْرَ مُتَجَانِفٍ لِإِثْمٍ [المائدة:3]، كما أباح له تناول الميتة مع الاضطرار، بشرط أن لا يكون عاصيًا بسفره. وهذا قول الشَّافعي وأحمد وغيرهما من الأئمّة.

وقد قال أبو بكر ابن أبي شيبة: حدثنا وكيع، عن الأعمش، عن إبراهيم قال: جاء رجلٌ فقال: يا رسول الله، إني رجلٌ تاجرٌ، أختلف إلى البحرين، فأمره أن يُصلي ركعتين. وهذا مرسل.

ومن قائل: يكفي مُطلق السَّفر، سواء كان مباحًا أو محظورًا، حتى لو خرج لقطع الطريق وإخافة السَّبيل ترخص لوجود مطلق السَّفر. وهذا قول أبي حنيفة والثوري وداود؛ لعموم الآية، وخالفهم الجمهور.

وأمَّا قوله تعالى: إِنْ خِفْتُمْ أَنْ يَفْتِنَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا فقد يكون هذا خرج مخرج الغالب حال نزول هذه الآية، فإنَّ في مبدأ الإسلام بعد الهجرة كان غالب أسفارهم مخوفة، بل ما كانوا ينهضون إلا إلى غزوٍ عامٍّ، أو في سريةٍ خاصَّةٍ. وسائر الأحيان حربٌ للإسلام وأهله.

الشيخ: يعني: أحياء العرب.

مداخلة: في نسخة (الشعب): الأحياء.

قارئ المتن: عندنا بالنون -أحسن الله إليك: أحيان.

الشيخ: لا، الأحياء، يعني: بالهمزة.

وسائر الأحياء حربٌ للإسلام وأهله، والمنطوق إذا خرج مخرج الغالب أو على حادثةٍ فلا مفهوم له، كقوله تعالى: وَلَا تُكْرِهُوا فَتَيَاتِكُمْ عَلَى الْبِغَاءِ إِنْ أَرَدْنَ تَحَصُّنًا [النور:33]، وكقوله تعالى: وَرَبَائِبُكُمُ اللَّاتِي فِي حُجُورِكُمْ مِنْ نِسَائِكُمُ [النساء:23].

وقال الإمام أحمد: حدَّثنا ابن إدريس: حدثنا ابنُ جريج، عن أبي عمار.

مداخلة: في نسخة (الشعب): عن ابن أبي عمار.

الشيخ: هو ابن أبي عمار، نعم.

عن ابن أبي عمار، عن عبدالله بن رابيه.

مداخلة: في نسخة (الشعب): عبدالله بن بابيه.

الشيخ: حطّها نسخة: "بابيه"، حتى يُراجع، "المسند" معكم؟

الطالب: نعم، نعم.

الشيخ: الحديث موجود؟ أيش عندك في "المسند"؟

الطالب: يبحث عنه.

الشيخ: نعم، نعم.

عن يعلى بن أمية قال: سألتُ عمر بن الخطاب قلتُ له: قوله: فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلَاةِ إِنْ خِفْتُمْ أَنْ يَفْتِنَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا، وقد أمن اللهُ الناس؟! فقال لي عمر : عجبتُ مما عجبتَ منه، فسألتُ رسول الله ﷺ عن ذلك، فقال: صدقة تصدّق اللهُ بها عليكم، فاقبلوا صدقته.

وهكذا رواه مسلم وأهل السنن من حديث ابن جريج، عن عبدالرحمن بن عبدالله ابن أبي عمار، به.

وقال الترمذي: هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ.

وقال علي بن المديني: هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ من حديث عمر، ولا يحفظ إلا من هذا الوجه، ورجاله معروفون.

وقال أبو بكر ابن أبي شيبة: حدَّثنا أبو نعيم: حدثنا مالك بن مغول، عن أبي حنظلة الحذاء، قال: سألتُ ابن عمر عن صلاة السفر، فقال: ركعتان، فقلت: أين قوله: إِنْ خِفْتُمْ أَنْ يَفْتِنَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا ونحن آمنون؟ فقال: سنة رسول الله ﷺ.

الشيخ: وبهذا يُعلم أنَّه وصفٌ أغلبي، في أول الإسلام الغالب أنَّهم يخافون، ثم يسّر اللهُ الأمنَ، ونصر الله المسلمين، فقصر ﷺ في حجّة الوداع والناس في غايةٍ من الأمن، فدلّ ذلك على أنَّه ليس بشرطٍ، وإنما هو وصفٌ أغلبي، أو منسوخ على القول بأنَّ السنة تنسخ القرآن.

فالحاصل أنَّه وصف أغلبي دلّت السنةُ على أنَّه ليس بشرطٍ، مثل قوله: اللَّاتِي فِي حُجُورِكُمْ مِنْ نِسَائِكُمُ [النساء:23]، إِنْ أَرَدْنَ تَحَصُّنًا [النور:33]؛ ولهذا قصر ﷺ في حجة الوداع والناس في غاية الأمن، وقصر خلفاؤه الراشدون كذلك.

س: ...........؟

ج: هذا إذا كان سفرًا مباحًا فلا كلامَ في أنهم يقصرون، وإذا كان سفر معصيةٍ ففيه الخلاف بين العلماء، والقول بأنهم يقصرون قولٌ قوي؛ لأنَّ الأحاديث مُطلقة في السَّفر، والآية مطلقة في السفر، وكونه يقصر يُذكّره برحمة الله، ويُذكّره بفضله؛ لعله يرجع ويتوب من معصيته.

س: يا شيخ، ترجحون عدم القصر في سفر المعصية؟

ج: القول بجوازه أظهر؛ لعموم الأدلة، نعم.

س: ...........؟

ج: يقول أنها رُخصة من الله، فلا تستباح بالمعصية، مَن قال: لا يقصر، قال: إنها رخصة من الله، وفضل من الله، فلا تستباح بالمعصية.

الطالب: في "المسند": قال أحمد: حدَّثنا ابن إدريس: أنبأنا ابن جريج، عن ابن أبي عمار، عن عبدالله بن بابيه، عن يعلى بن أمية.

الشيخ: إيه، صلحوها: بابيه.

وقال ابن مردويه: حدَّثنا عبدالله بن محمد بن عيسى: حدثنا علي بن محمد بن سعيد: حدثنا منجاب: حدثنا شريك، عن قيس بن وهب، عن أبي الوداك، قال: سألتُ ابن عمر عن ركعتين في السَّفر، فقال: هي رُخصة نزلت من السماء، فإن شئتم فردّوها.

وقال أبو بكر ابن أبي شيبة: حدَّثنا يزيد بن هارون: حدثنا ابن عون، عن ابن سيرين، عن ابن عباسٍ قال: صلينا مع رسول الله ﷺ بين مكة والمدينة، ونحن آمنون لا نخاف بينهما ركعتين، ركعتين.

وهكذا رواه النَّسائي عن محمد بن عبدالأعلى، عن خالد الحذاء، عن عبدالله بن عون، به.

قال أبو عمر ابن عبدالبر: وهكذا رواه أيوب وهشام ويزيد بن إبراهيم التستري، عن محمد بن سيرين، عن ابن عباسٍ -رضي الله عنهما-، عن النبي ﷺ مثله.

قلتُ: وهكذا رواه الترمذي والنَّسائي جميعًا عن قتيبة، عن هشيم، عن منصور، عن زاذان، عن محمد بن سيرين.

الشيخ: لعلها "ابن زاذان": منصور بن زاذان. انظر "التقريب" و"الخلاصة".

عن ابن عباسٍ: أن النبي ﷺ خرج من المدينة إلى مكّة لا يخاف إلا ربّ العالمين، فصلّى ركعتين. ثم قال الترمذي: صحيحٌ.

وقال البخاري: حدَّثنا أبو معمر: حدثنا عبدالوارث: حدثنا يحيى ابن أبي إسحاق، قال: سمعتُ أنسًا يقول: خرجنا مع رسول الله ﷺ من المدينة إلى مكة، فكان يُصلي ركعتين ركعتين حتى رجعنا إلى المدينة. قلت: أقمتم بمكّة شيئًا؟ قال: أقمنا بها عشرًا.

وهكذا أخرجه بقية الجماعة من طرقٍ عن يحيى ابن أبي إسحاق الحضرمي، به.

وقال الإمام أحمد: حدثنا وكيع: حدثنا سفيان، عن أبي إسحاق، عن حارثة بن وهب الخزاعي، قال: صليتُ مع النبي ﷺ الظهر والعصر بمنى -أكثر ما كان الناس وآمنه- ركعتين.

ورواه الجماعة سوى ابن ماجه من طرقٍ عن ابن أبي إسحاق السّبيعي عنه، به.

مداخلة: في نسخة (الشعب): عن أبي إسحاق السّبيعي.

الشيخ: الظاهر أنَّ "ابن" هذه زيادة، مثلما في نسخة (الشعب)، ولا أعرف روايةً عن ابن أبي إسحاق السّبيعي، عن أبي إسحاق السّبيعي، "ابن" هذه مقحمة.

الطالب: منصور بن زاذان -بزاي وذال مُعجمة- الواسطي، أبو المغيرة، الثقفي، ثقة، ثبت، عابد، من السادسة، مات سنة تسعٍ وعشرين على الصَّحيح. الجماعة.

الشيخ: إيه، و"الخلاصة"؟

الطالب: ما حضر.

س: حديث أنسٍ أنَّ الرسول أقام .....؟

ج: لأنَّهم دخلوا مكّة رابع ذي الحجّة، وسافروا أربعة عشر، طاف طواف الوداع صباح أربعة عشر وسافر، عشرة أيام، إقامته في مكة ومنى وعرفات كلّها عشرة.

س: ما فيه دليل على تحديد الأيام في القصر؟

ج: فيها أيام مناسك إقامته بمكّة قبل الحج: أربعة أيام، ثم ستة أيام في أعمال الحج، من الثامن إلى صباح أربعة عشر.

س: .........؟

ج: من السنة مثلما فعل النبي ﷺ يُصلي الرباعية ثنتين في منى وعرفات ومُزدلفة.

س: ولو كانوا من أهل مكّة؟

ج: حجّة؛ لأنَّ الرسول ما فرّق، الرسول قصر بهم جميعًا ولم يُفرّق -عليه الصلاة والسلام-.

س: متى ما كان الرجلُ مُسافرًا يقصر، أو يُحدّ بأيام؟

ج: الجمهور على أنَّه إذا عزم على الإقامة أكثر من أربعة أيام أتمّ في أي مكانٍ، وقال قومٌ من أهل العلم: ما دام مُسافرًا فله القصر وإن طالت المدّة، ما لم يُجمع إقامةً في البلد، في المحلِّ الذي هو فيه. اختاره شيخُ الإسلام ابن تيمية وجماعة: ما لم يجمع إقامة.

وقال آخرون: إذا عزم على إقامة ثلاثة أيام فقط أتمّ.

والأقرب مثلما قال الجمهور: أكثر من أربعة أيام؛ لأنَّ الرسول أقام أربعة أيام في مكّة قبل خروجه إلى منى -قبل اشتغاله بالمناسك- وهو يقصر، والصحابة، نعم ..... اليوم الرابع والخامس والسادس والسابع، ثم خرج يوم الثامن إلى منى.

س: أكثر من أربعة أيام يُتمّ؟

ج: نعم.

س: في مكّة لو كان أحدُهم في بيتٍ جنب الحرم يقصر إذا صلَّى وحده؟

ج: إذا صلَّى وحده ولم يكن حاجًّا يُصلي أربعًا، لكن الكلام إذا كان حاجًّا، الأكثرون يقولون: يُتمّ؛ لأنَّه ما هو بسفرٍ. وجماعة من أهل العلم يقولون: إنَّ الرسول أقرَّهم، صلّوا معه ولم يأمرهم بالإتمام، فيكون لهم عذرٌ، يصلون، ولعله لأجل النُّسك التَّخفيف والتَّيسير مع بقية إخوانهم الحجاج، وهذا مذهب أبي حنيفة وجماعة: من أجل النُّسك.

وقال آخرون من أهل العلم -وهم الأكثرون-: يُتمّون؛ لأنهم ما عندهم سفر، والمسافة قليلة، ولو أنهم حجاج، والنبي ﷺ كونه سكت عنهم؛ لأنَّ الأمر واضح؛ لأنَّه هو الظاهر، ما هو بخفيٍّ حتى ينبههم.

والأقرب -والله أعلم- أنَّهم إذا كانوا حجاجًا فهم مثل المسلمين؛ يقصرون معهم، ويجمعون معهم؛ لأنَّ الرسول ﷺ سكت ولم يقل: مَن كان من أهل مكة فليتمّ، فدلّ على أنَّ الحجاج جميعًا يقصرون ويجمعون في عرفة، وفي مزدلفة يجمعون، وفي منى يقصرون ولا يجمعون.

س: الحاجّ الذي من أهل مكة لو تأخّر عن الصلاة لعذرٍ، وصلَّى وحده في بيته؟

ج: الدرب واحد، ما دام واحدًا فالدرب واحد.

س: إذا نوى المسافرُ الإقامة أكثر من أربعة أيام، هل له أن يقصر الأربعة الأيام الأولى، ثم بعد ذلك يتمّ؟

ج: لا، إذا نوى يتمّ مطلقًا من حين يصل المحلّ.

س: ...........؟

ج: هذا الحديث في ..... مكة فيه ضعف: أتمّوا فإنَّا قومٌ سفرٌ فيه ضعف، والذي في مكّة مقيم -نازل في مكة- يُصلِّي في الحرم.

س: ..... فأتمّوا فإنا قومٌ سفرٌ؟

ج: هذا في عام الفتح، وفي سنده ضعف أيضًا، لكن معروف أنَّ أهل مكة يتمّون؛ لأنهم غير مسافرين.

س: مَن لم يكن حاجًّا من أهل مكّة؟

ج: الظاهر أنَّه يتمّ؛ لأنَّه ليس بمسافرٍ، العمال والذين يبيعون ويشترون هؤلاء يتمّون إذا كانوا من أهل مكّة؛ لأنَّهم ليسوا مسافرين، ولا حُجَّاجًا، لا شبهةَ لهم.

ولفظ البخاري: حدثنا أبو الوليد: حدثنا شعبة: أنبأنا أبو إسحاق: سمعت حارثة بن وهب قال: صلَّى بنا رسولُ الله ﷺ آمن ما كان بمنى ركعتين.

وقال البخاري: حدَّثنا مسدد: حدثنا يحيى: حدثنا عبيدالله: أخبرني نافع، عن عبدالله بن عمر، قال: صليتُ مع رسول الله ﷺ ركعتين، وأبي بكر، وعمر، وعثمان صدرًا من إمارته، ثم أتمّها.

وكذا رواه مسلم من حديث يحيى بن سعيد القطان، به.

وقال البخاري: حدثنا قتيبة: حدثنا عبدالواحد، عن الأعمش: حدثنا إبراهيم: سمعت عبدالرحمن بن يزيد يقول: صلَّى بنا عثمان بن عفان بمنى أربع ركعات، فقيل في ذلك لعبدالله بن مسعود فاسترجع، ثم قال: صليتُ مع رسول الله ﷺ بمنى ركعتين، وصليتُ مع أبي بكر بمنى ركعتين، وصليتُ مع عمر بن الخطاب بمنى ركعتين، فليت حظِّي من أربع ركعات ركعتان مُتقبلتان.

ورواه البخاري أيضًا من حديث الثوري، عن الأعمش، به.

وأخرجه مسلم من طرقٍ عنه، منها عن قتيبة كما تقدّم.

الشيخ: وهذا الذي فعله عثمان تأوّل، وهذا مما أُخذ عليه، من أسباب الفتنة التي وقعت كونه أتمّ في منى في آخر خلافته ؛ ولهذا لما بلغه هذا استرجع قال: "إنا لله وإنا إليه راجعون"، ثم قال: "ليت حظي من أربع ركعات ركعتان متقبلتان"، مقصوده أنَّ المشروع أن يُصلي ثنتين كما صلَّى النبي ﷺ في الحجِّ.

واختلف الناسُ في تأويل عثمان؛ قيل: لأنَّه خاف أن يظن الأعراب أنَّ الصلاة ثنتان .....؛ لجهلهم يظنون أنَّ الصلاة ثنتان، لما كثر الناسُ وكثر الأعرابُ والجهَّال صلَّى أربعًا؛ ليعلموا أنَّ الصلاة أربع، حتى لا يظنوا أنها ثنتان.

وقال بعضهم: إنه تزوج في مكّة، وإنه صار يرى نفسه من أهل مكة فأتمّ.

وبكل حالٍ اجتهد ، والصواب ما فعله من قبله الرسول ﷺ والصديق وعمر من القصر، هذا هو الصواب، وهذه الأشياء فعلها عن اجتهادٍ، وخالف فيها السنة، وليس بمعصومٍ، نعم، ولا يجوز أن يكون ذلك سببًا للخروج عليه، بل المناصحة والتَّوجيه، نعم.

س: ............؟

ج: على كلٍّ إذا كانوا من أهل مكة فالأمر سهل، يُصلون أربعًا لا بأس.

س: لا، هم حجاج، بارك الله فيك.

ج: إذا كانوا من أهل مكة لا بأس، أمَّا إذا كانوا من غير أهل مكة فالسنة أن يُصلوا ثنتين، ولا ينبغي لأحدٍ أن يُخالف السنة لأجل قول فلان أو فلان، لكن أهل مكة لهم شبهة إذا صلوا ثنتين، هو قول كثيرٍ من أهل العلم؛ لأنهم ليسوا مسافرين، نعم.

س: ............؟

ج: هكذا عند الأكثرين: ثمانين كيلو، يعني: يومًا وليلة في المطية، ثمانين كيلو تقريبًا، مثل ما بين مكة والطائف، مكة وجدة، نعم.

فهذه الأحاديث دالّة صريحًا على أنَّ القصر ليس من شرطه وجود الخوف؛ ولهذا قال مَن قال من العلماء: إنَّ المراد من القصر هاهنا إنما هو قصر الكيفية، لا الكمية. وهو قول مجاهد والضَّحاك والسّدي كما سيأتي بيانه.

واعتضدوا أيضًا بما رواه الإمام مالك عن صالح بن كيسان، عن عروة بن الزبير، عن عائشة -رضي الله عنها- أنها قالت: فُرضت الصلاةُ ركعتين ركعتين في السَّفر والحضر، فأُقرّت صلاة السفر، وزيد في صلاة الحضر.

وقد روى هذا الحديث البخاري عن عبدالله بن يوسف التنيسي، ومسلم عن يحيى بن يحيى، وأبو داود عن القعنبي، والنسائي عن قتيبة، أربعتهم عن مالك، به، قالوا: فإذا كان أصل الصلاة في السفر هي الثنتين، فكيف يكون المراد بالقصر هاهنا قصر الكمية؛ لأنَّ ما هو الأصل لا يُقال فيه: فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلَاةِ؟

وأصرح من ذلك دلالة على هذا ما رواه الإمام أحمد: حدَّثنا وكيع وسفيان وعبدالرحمن، عن زبيد اليامي، عن عبدالرحمن ابن أبي ليلى، عن عمر قال: صلاة السفر ركعتان، وصلاة الأضحى ركعتان، وصلاة الفطر ركعتان، وصلاة الجمعة ركعتان، تمام غير قصرٍ، على لسان محمدٍ ﷺ.

وهكذا رواه النسائي، وابن ماجه، وابن حبان في "صحيحه" من طرقٍ عن زبيد اليامي، به، وهذا إسنادٌ على شرط مسلم.

وقد حكم مسلم في مقدمة كتابه بسماع ابن أبي ليلى عن عمر، وقد جاء مصرحًا به في هذا الحديث وفي غيره، وهو الصواب -إن شاء الله-، وإن كان يحيى بن معين وأبو حاتم والنّسائي قد قالوا: إنَّه لم يسمع منه.

وعلى هذا أيضًا فقد وقع في بعض طرق أبي يعلى الموصلي من طريق الثوري، عن زبيد، عن عبدالرحمن ابن أبي ليلى، عن الثِّقة، عن عمر، فذكره.

وعند ابن ماجه من طريق يزيد ابن أبي زياد ابن أبي الجعد.

الشيخ: انظر: يزيد ابن أبي زياد.

الطالب: يزيد بن زياد ابن أبي الجعد، الأشجعي، الكوفي، صدوق، من السابعة. (عخ، س، ق).

عن زبيد، عن عبدالرحمن، عن كعب بن عجرة، عن عمر، فالله أعلم.

وقد روى مسلم في "صحيحه"، وأبو داود، والنسائي، وابن ماجه من حديث أبي عوانة الوضاح بن عبدالله اليشكري. زاد مسلم والنسائي: وأيوب بن عائد، كلاهما عن بكير بن الأخنس، عن مجاهد، عن عبدالله بن عباس، قال: فرض اللهُ الصلاةَ على لسان نبيكم محمدٍ ﷺ في الحضر أربعًا، وفي السفر ركعتين، وفي الخوف ركعة، فكما يُصلى في الحضر قبلها وبعدها، فكذلك يُصلى في السَّفر.

الشيخ: والمقصود أنَّ هذا هو الفرض، ولا يمنع كونها مقصورة مثلما قالت عائشة -رضي الله عنها-: فرض الله الصلاة ركعتين، فلمَّا هاجر النبي ﷺ زيد في صلاة الحضر وصارت أربعًا، فكونها أصلها ركعتين لا ينفي القصر .....، قصر أربعًا في الحضر، وركعتان في السفر. نعم، وإذا أتمها أربعًا فلا حرج، ولكن السنة أن يُصلي ركعتين في السفر.

ولا منافاة بين كونها أصلها ركعتين، وبين كونها تُسمّى: المقصورة؛ تخفيفًا من الله -جلَّ وعلا- وتيسيرًا منه ، وهكذا صلاة الجمعة ركعتان، وصلاة العيد ركعتان، نعم.

س: وتكون الخوف واحدةً؟

ج: أقلّ شيءٍ واحدة، صلاة الخوف أنواع كما جاء عن النبي ﷺ، لكن أقلّها واحدة، نعم، يُصلِّي الإمامُ ركعتين، ولكل واحدٍ ركعة من الجماعة، أو يُصلي ركعةً واحدةً بالجماعة، وغالب فعله ﷺ أنه صلَّى بهم ركعتين -عليه الصلاة والسلام-.

س: قوله: "فرض رسولُ الله ﷺ صلاة السفر ركعتين"، ما يُقال: بالوجوب؟

ج: أي: لا ينقص من هذا، أمَّا الزيادة فلا بأس، لو أتمّ مثلما أتمّ عثمان، وأتمّت عائشة، نعم.

س: قوله: كما يُصلي في الحضر قبلها وبعدها كذلك يُصلي في السَّفر؟

ج: هذا قولٌ لبعض العلماء، ولكن الصواب أنَّ السنة ترك النَّافلة، ترك الراتبة للظهر والمغرب والعشاء في السفر، وإن صلَّى فلا حرج، لكن تركها أفضل، كما تركها النبي ﷺ إلا سنة الفجر والتَّهجد بالليل، هذا يُفعل في السفر والحضر، والوتر كذلك، وصلاة الضحى كذلك في السَّفر والحضر، نعم.

س: سنة الظُّهر؟

ج: في السفر تترك سنة الظهر والمغرب والعشاء.

س: قبل الظهر وبعد الظهر؟

ج: نعم، كلّها، لكن يُصلي سنة الفجر، ويُصلي الوتر والتهجد بالليل، وصلاة الضحى لا بأس، نعم.

س: وإذا صلَّى مع المقيمين؟

ج: إذا صلَّى مع المقيمين يُتمّ، يُصلِّي أربعًا، إذا صلَّى المسافر خلف المقيم أتمّ أربعًا، وصلَّى الرواتب.

ورواه ابنُ ماجه من حديث أسامة بن زيد، عن طاوس نفسه، فهذا ثابتٌ عن ابن عباسٍ -رضي الله عنهما-، ولا يُنافي ما تقدّم عن عائشة -رضي الله عنها-؛ لأنها أخبرت أنَّ أصل الصلاة ركعتان، ولكن زيد في صلاة الحضر، فلمَّا استقر ذلك صحَّ أن يقال: إنَّ فرض صلاة الحضر أربع، كما قاله ابن عباسٍ -والله أعلم-، لكن اتّفق حديث ابن عباس وعائشة على أنَّ صلاة السفر ركعتان، وأنها تامّة غير مقصورة، كما هو مُصرّح به في حديث عمر .

وإذا كان كذلك فيكون المراد بقوله تعالى: فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلَاةِ، قصر الكيفية كما في صلاة الخوف؛ ولهذا قال: إِنْ خِفْتُمْ أَنْ يَفْتِنَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا الآية.

الشيخ: لكن يرد على هذا قوله ﷺ: هي صدقة من الله، فاقبلوا صدقته يعني: قصر الرباعية، هذا المراد كما هو ظاهر الآية؛ ولهذا قال ﷺ: هي صدقة من الله، فاقبلوا صدقته، فكونه سامح العباد في الركعتين في الرباعية في السفر صدقة من الله، وهو يبين أنَّ المراد قصر العدد، لا قصر الكيفية، أما الكيفية فلها أسباب: كصلاة الخوف، كما هو معروفٌ في صلاة الخوف.

ولهذا قال بعدها: وَإِذَا كُنْتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلَاةَ الآية، فبين المقصود من القصر هاهنا، وذكر صفته وكيفيته؛ ولهذا لما عقد البخاري كتاب "صلاة الخوف" صدره بقوله تعالى: وَإِذَا ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلَاةِ إلى قوله: إِنَّ اللَّهَ أَعَدَّ لِلْكَافِرِينَ عَذَابًا مُهِينًا [النساء:101-102].

وهكذا قال جويبر، عن الضحاك في قوله: فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلَاةِ قال: ذاك عند القتال يُصلي الرجل الراكب تكبيرتين حيث كان وجهه.

وقال أسباط: عن السّدي في قوله: وَإِذَا ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلَاةِ إِنْ خِفْتُمْ الآية: إنَّ الصلاة إذا صليت ركعتين في السفر فهي تمام، التقصير لا يحلّ إلا أن يخاف من الذين كفروا أن يفتنوه عن الصلاة، فالتقصير ركعة.

وقال ابنُ أبي نجيح: عن مجاهد: فليس عليكم جناحٌ أن تقصروا من الصلاة يوم كان النبي ﷺ وأصحابه بعسفان، والمشركون بضجنان، فتوافقوا، فصلّى النبي ﷺ بأصحابه صلاةَ الظهر أربع ركعات؛ بركوعهم، وسجودهم، وقيامهم معًا جميعًا، فهمَّ بهم المشركون أن يغيروا على أمتعتهم وأثقالهم.

روى ذلك ابنُ أبي حاتم، ورواه ابنُ جرير عن مجاهد والسدي، وعن جابر وابن عمر، واختار ذلك أيضًا، فإنَّه قال بعد ما حكاه من الأقوال في ذلك: وهو الصّواب.

الشيخ: نعم، يعني: ابن جرير.

س: قال: أنها تُصلّى أربعًا؟

ح: محل نظرٍ، ما أعرف صحّة هذا، المشهورة قصّة الأحزاب.

س: ............؟

ج: إذا أخذ فهو رخصة، الغارم يأخذ من الزكاة ويُسدد الدَّين، الظاهر أنها رخصة، ليس الأفضل، قد يموت بدَينه، كونه يُسارع في قضاء الدَّين، الحمد لله.