كطود يلاذ بأركانه | عزيز المراغم، والمهرب |
وقال ابن عباس: المراغم التحول من أرض إلى أرض، وكذا روي عن الضحاك، والربيع بن أنس، والثوري. وقال مجاهد: مُرَاغَمًا كَثِيرًا يعني: متزحزحا عما يكره. وقال سفيان بن عيينة: مُرَاغَمًا كَثِيرًا يعني بروجا. والظاهر -والله أعلم- أنه التمنع الذي يتحصن به، ويراغم به الأعداء.
قوله: وَسَعَةً يعني: الرزق، قاله غير واحد منهم قتادة حيث قال: في قوله: يَجِدْ فِي الْأَرْضِ مُرَاغَمًا كَثِيرًا وَسَعَةً أي: من الضلالة إلى الهدى، ومن القلة إلى الغنى.
وقوله: وَمَنْ يَخْرُجْ مِنْ بَيْتِهِ مُهَاجِرًا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ يُدْرِكْهُ الْمَوْتُ فَقَدْ وَقَعَ أَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ أي: ومن يخرج من منزله بنية الهجرة فمات في أثناء الطريق فقد حصل له عند الله ثواب من هاجر، كما ثبت في الصحيحين، وغيرهما من الصحاح، والمسانيد، والسنن من طريق يحيى بن سعيد الأنصاري عن محمد بن إبراهيم التيمي، عن علقمة بن وقاص الليثي، عن عمر بن الخطاب، قال: قال رسول الله ﷺ: إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى، فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله، فهجرته إلى الله ورسوله، ومن كانت هجرته إلى دنيا يصيبها، أو امرأة يتزوجها، فهجرته إلى ما هاجر إليه. وهذا عام في الهجرة، وفي جميع الأعمال.
ومنه الحديث الثابت في الصحيحين في الرجل الذي قتل تسعة وتسعين نفسًا، ثم أكمل بذلك العابد المائة، ثم سأل عالما: هل له من توبة؟ فقال له: "ومن يحول بينك، وبين التوبة؟" ثم أرشده إلى أن يتحول من بلده إلى بلد آخر يعبد الله فيه. فلما ارتحل من بلده مهاجرًا إلى البلد الآخر أدركه الموت في أثناء الطريق، فاختصمت فيه ملائكة الرحمة، وملائكة العذاب، فقال هؤلاء: إنه جاء تائبًا، وقال هؤلاء: إنه لم يصل بعد، فأمروا أن يقيسوا ما بين الأرضين فإلى أيهما كان أقرب فهو منها، فأمر الله هذه أن تقترب من هذه، وهذه أن تبعد، فوجدوه أقرب إلى الأرض التي هاجر إليها بشبر، فقبضته ملائكة الرحمة. وفي رواية: أنه لما جاءه الموت ناء بصدره إلى الأرض التي هاجر إليها.
قال الإمام أحمد: حدثنا يزيد بن هارون، حدثنا محمد بن إسحاق عن محمد بن إبراهيم، عن محمد بن عبدالله بن عتيك، عن أبيه عبدالله بن عتيك، قال: سمعت رسول الله ﷺ يقول: من خرج من بيته مجاهدًا في سبيل الله، ثم قال: -وأين المجاهدون في سبيل الله- فخر عن دابته فمات فقد وقع أجره على الله، أو لدغته دابة فمات فقد وقع أجره على الله، أو مات حتف أنفه فقد وقع أجره على الله -يعني بحتف أنفه على فراشه، والله إنها لكلمة ما سمعتها من أحد من العرب قبل رسول الله ﷺ-، ومن قتل قعصًا فقد استوجب الجنة.
وقال ابن أبي حاتم: حدثنا أبو زرعة، حدثنا عبدالرحمن بن عبدالملك بن شيبة الخزامي.
الطالب: الحزامي.
الشيخ: شف التقريب.
حدثني عبدالرحمن بن المغيرة الحزامي، عن المنذر بن عبدالله عن هشام بن عروة عن أبيه، أن الزبير بن العوام قال: هاجر خالد بن حزام إلى أرض الحبشة فنهشته حية في الطريق فمات فنزلت فيه: وَمَنْ يَخْرُجْ مِنْ بَيْتِهِ مُهَاجِرًا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ يُدْرِكْهُ الْمَوْتُ فَقَدْ وَقَعَ أَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا، قال الزبير: فكنت أتوقعه، وأنتظر قدومه، وأنا بأرض الحبشة، فما أحزنني شيء حزن وفاته حين بلغتني؛ لأنه قل أحد ممن هاجر من قريش إلا ومعه بعض أهله، أو ذوي رحمه، ولم يكن معي أحد من بني أسد بن عبدالعزى، ولا أرجو غيره.
وهذا الأثر غريب جدًا، فإن هذه القصة مكية، ونزول هذه الآية مدنية، فلعله أراد أنها أنزلت تعم حكمه مع غيره، وإن لم يكن ذلك سبب النزول، والله أعلم.الطالب: عبدالرحمن بن عبدالملك بن شيبة الحزامي بمهملة وزاي، صدوق يخطئ من كبار الحادية عشرة، (البخاري، والنسائي).
الشيخ: شف عبدالرحمن بن المغيرة.
الطالب: عبدالرحمن بن المغيرة بن عبدالرحمن بن عبدالله بن خالد بن حكيم بن حزام الأسدي الحزامي بالزاي المدني أبو القاسم صدوق من العاشرة، (البخاري، وأبو داود).
وقال ابن أبي حاتم: حدثنا سليمان بن داود مولى عبدالله بن جعفر، حدثنا سهل بن عثمان، حدثنا عبدالرحمن بن سليمان، حدثنا أشعث هو ابن سوار، عن عكرمة، عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما، قال: خرج ضمرة بن جندب إلى رسول الله ﷺ فمات في الطريق قبل أن يصل إلى رسول الله ﷺ، فنزلت: وَمَنْ يَخْرُجْ مِنْ بَيْتِهِ مُهَاجِرًا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ الآية، وحدثنا أبي، حدثنا عبدالله بن رجاء، أنبأنا إسرائيل عن سالم، عن سعيد بن جبير، عن ضمرة بن العيص الزرقي الذي كان مصاب البصر، وكان بمكة.الطالب: عن أبي ضمرة.
الشيخ: حط عليه إشارة.
الطالب: وفي نسخة أبي ضميرة.
الشيخ: حط إشارة، وشف التقريب ... عن أبي ضمرة نعم.
عن أبي ضمرة بن العيص الزرقي الذي كان مصاب البصر، وكان بمكة فلما نزلت إِلَّا الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ لَا يَسْتَطِيعُونَ حِيلَةً [النساء:98] فقلت: إني لغني، وإني لذو حيلة، فتجهز يريد النبي ﷺ فأدركه الموت بالتنعيم، فنزلت هذه الآية، وَمَنْ يَخْرُجْ مِنْ بَيْتِهِ مُهَاجِرًا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ يُدْرِكْهُ الْمَوْتُ الآية.
وقال الطبراني: حدثنا الحسن بن عروبة البصري، حدثنا حيوة بن شريح الحمصي حدثنا بقية بن الوليد، حدثنا ابن ثوبان عن أبيه، حدثنا مكحول عن عبدالرحمن بن غانم الأشعري، أنبأنا أبو مالك، قال: سمعت رسول الله ﷺ يقول: إن الله قال: من انتدب خارجًا في سبيلي غازيًا ابتغاء وجهي، وتصديق وعدي، وإيمانا برسلي فهو في ضمان على الله، إما أن يتوفاه بالجيش فيدخله الجنة، وإما أن يرجع في ضمان الله، وإن طالب عبدًا فنغصه حتى يرده إلى أهله مع ما نال من أجر، أو غنيمة، ونال من فضل الله فمات، أو قتل، أو رفصته فرسه، أو بعيره، أو لدغته هامة، أو مات على فراشه بأي حتف شاء الله، فهو شهيد. وروى أبو داود من حديث بقية من فضل الله إلى آخره، وزاد بعد قوله: فهو شهيد، وإن له الجنة.
وقال الحافظ أبو يعلى: حدثنا إبراهيم بن زياد، حدثنا أبو معاوية، حدثنا محمد بن إسحاق عن حميد بن أبي حميد، عن عطاء بن يزيد الليثي، عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله ﷺ: من خرج حاجًا فمات، كتب له أجر الحاج إلى يوم القيامة، ومن خرج معتمرًا فمات، كتب له أجر المعتمر إلى يوم القيامة، ومن خرج غازيًا في سبيل الله فمات، كتب له أجر الغازي إلى يوم القيامة، وهذا حديث غريب من هذا الوجه.س: سند الحديث هذا؟
الشيخ: فيه نظر، فيه عنعنة ابن إسحاق، وفيه حميد بن أبي حميد، وإبراهيم بن زياد يحتاج نظر.
الطالب: إبراهيم بن زياد البغدادي، المعروف بسبلا، بفتح المهملة، والموحدة، ثقة من العاشرة، مات سنة ثمان وعشرين، (مسلم، وأبو داود، والنسائي).
..........
وهو ليس بعيد من جهة الأصول؛ لأن قاعدة الشرع أن المعذور يلحق بمن فعل العمل، وكما أن الغازي كذلك يكون شهيدًا إذا مات في سبيل الله، فالحاج والمعتمر يشبهانه، وقد دلت النصوص على أن العذر الشرعي يلحق المعذور بالعاملين، ولهذا قال ﷺ: إذا مرض العبد أو سافر كتب الله له ما كان يعمل صحيحًا مقيمًا هذا خرج قاصدًا للعمل فمن رحمة الله أن جعل له ثوابه إذا مات قبل أن يتممه.س: يكون بهذا السند..؟
الشيخ: لا يكون من جهة القواعد. أيش قال عن حميد بن أبي حميد؟
الطالب: حميد بن أبي حميد الطويل، أبو عبيدة البصري، اختلف في اسم أبيه على نحو عشرة أقوال، ثقة مدلس، وعابه زائدة لدخوله في شيء من أمر الأمراء من الخامسة مات سنة اثنتين، ويقال ثلاث، وأربعين، وهو قائم يصلي، وله خمس، وسبعون. (الجماعة).
وفي واحد ثاني: حميد الشامي هو ابن أبي حميد الحمصي مجهول من الخامسة. (أبو داود، وابن ماجه في التفسير).
وفي واحد آخر: حميد بن أبي حميد مهران الخياط الكندي، أو المالكي، ثقة من السابعة. (الترمذي، والنسائي).
الشيخ: محتمل.وَإِذَا ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلَاةِ إِنْ خِفْتُمْ أَنْ يَفْتِنَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنَّ الْكَافِرِينَ كَانُوا لَكُمْ عَدُوًّا مُبِينًا [النساء:101].
يقول تعالى: وَإِذَا ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ أي: سافرتم في البلاد، كما قال تعالى: عَلِمَ أَنْ سَيَكُونُ مِنْكُمْ مَرْضَى وَآخَرُونَ يَضْرِبُونَ فِي الْأَرْضِ يَبْتَغُونَ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ [المزمل:20]، الآية.
وقوله: فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلَاةِ أي: تخففوا فيها، إما من كميتها بأن تجعل الرباعية ثنائية كما فهمه الجمهور من هذه الآية، واستدلوا بها على قصر الصلاة في السفر على اختلافهم في ذلك، فمن قائل: لا بد أن يكون سفر طاعة من جهاد، أو حج، أو عمرة، أو طلب علم، أو زيارة، وغير ذلك، كما هو مروي عن ابن عمر، وعطاء، ويحيى، عن مالك في رواية عنه نحوه، لظاهر قوله: إِنْ خِفْتُمْ أَنْ يَفْتِنَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا، ومن قائل: لا يشترط سفر القربة، بل لا بد أن يكون مباحًا، لقوله: فَمَنِ اضْطُرَّ فِي مَخْمَصَةٍ غَيْرَ مُتَجَانِفٍ لِإِثْمٍ [المائدة:3]، كما أباح له تناول الميتة مع الاضطرار بشرط أن لا يكون عاصيًا بسفره، وهذا قول الشافعي، وأحمد، وغيرهما من الأئمة.
وقد قال أبو بكر بن أبي شيبة، حدثنا، وكيع، عن الأعمش، عن إبراهيم، قال: جاء رجل فقال: يا رسول الله، إني رجل تاجر أختلف إلى البحرين، فأمره أن يصلي ركعتين، وهذا مرسل.
ومن قائل: يكفي مطلق السفر سواء كان مباحًا أو محظورًا حتى لو خرج لقطع الطريق، وإخافة السبيل ترخص لوجود مطلق السفر، وهذا قول أبي حنيفة، والثوري، وداود، لعموم الآية، وخالفهم الجمهور.
وأما قوله تعالى: إِنْ خِفْتُمْ أَنْ يَفْتِنَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا فقد يكون هذا خرج مخرج الغالب حال نزول هذه الآية، فإن في مبدأ الإسلام بعد الهجرة كان غالب أسفارهم مخوفة، بل ما كانوا ينهضون إلا إلى غزو عام، أو في سرية خاصة، وسائر الأحياء حرب للإسلام، وأهله، والمنطوق إذا خرج مخرج الغالب أو على حادثة فلا مفهوم له، كقوله تعالى: وَلَا تُكْرِهُوا فَتَيَاتِكُمْ عَلَى الْبِغَاءِ إِنْ أَرَدْنَ تَحَصُّنًا [النور:33]، وكقوله تعالى: وَرَبَائِبُكُمُ اللَّاتِي فِي حُجُورِكُمْ مِنْ نِسَائِكُمُ [النساء:23].س: أحسن الله إليك، الذي يخرج ابتغاء طلب العلم، ويموت، فهل تنطبق عليه هذه الآية؟
الشيخ: يرجى له الخير كالمجاهد.
وقال الإمام أحمد: حدثنا ابن إدريس، حدثنا ابن جريج عن ابن أبي عمار، عن عبدالله بن بابيه، عن يعلى بن أمية، قال: سألت عمر بن الخطاب قلت له: قوله: فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلَاةِ إِنْ خِفْتُمْ أَنْ يَفْتِنَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا، وقد أمن الله الناس؟ فقال لي عمر : عجبت مما عجبت منه، فسألت رسول الله ﷺ عن ذلك، فقال: صدقة تصدق الله بها عليكم فاقبلوا صدقته. وهكذا رواه مسلم، وأهل السنن من حديث ابن جريج عن عبدالرحمن بن عبدالله بن أبي عمار به. وقال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح. وقال علي بن المديني: هذا حديث حسن صحيح من حديث عمر، ولا يحفظ إلا من هذا الوجه، ورجاله معروفون.الشيخ: والمعنى أن الله تصدق على عباده بالقصر مطلقًا أمنوا أو خافوا، فقوله: خِفْتُمْ خرج مخرج الغالب؛ لأنهم كانوا في غالب إقامتهم في المدينة كانوا على خوف إذا خرجوا في الأسفار العامة، والغزو العام، وفي السرايا أيضًا، فلهذا جاءت الآية هكذا إِنْ خِفْتُمْ ومنطوق الذي يخرج مخرج الغالب أو عن حادثة معينة ليس له مقصود إذا جاءت السنة بما يدل على خلاف ذلك، ومن هذا ما ذكره المؤلف: وَلَا تُكْرِهُوا فَتَيَاتِكُمْ عَلَى الْبِغَاءِ [النور:33] فإن كثيرا من الكفار والمنافقين يكرهون فتياتهم على البغاء حتى يحصلوا من ورائهن الكسب المادي، كان يكرهها أن تذهب فتزني فتأتي له بمال في مقابل زناها، وكان هذا معروفًا في الجاهلية، ونسخ الله ذلك بالإسلام، ونهى عنه فهو محرم، وليس له أن يفعل ذلك ولو رضيت، فهو حرام عليه أن يأمرها بالفاحشة أو يرضى بالفاحشة، ولكن لما كان الأغلب على السادة إكراه الفتيات جاءت الآية هكذا: وَلَا تُكْرِهُوا فَتَيَاتِكُمْ عَلَى الْبِغَاءِ [النور:33]، والبغاء محرم مطلقًا، وليس لهم أن يرضوا بذلك، ولا أن يأمروا به، ولا أن يقروهن عليه، وهكذا قوله جل وعلا: وَرَبَائِبُكُمُ اللَّاتِي فِي حُجُورِكُمْ مِنْ نِسَائِكُمُ اللَّاتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَإِنْ لَمْ تَكُونُوا دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ [النساء:23] فاللاتي في الحجور خرج مخرج الغالب؛ لأن الغالب أن البنت تكون عند زوج أمها، وفي حجر زوج أمها، تتبع أمها، فجاءت الآية على الغالب، وإلا فبنت الزوجة محرمة، وإن كانت عند أبيها لم تكن عند أمها، فالمراعاة، والدخول، والوطء، ولهذا قال بعدها: فَإِنْ لَمْ تَكُونُوا دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ [النساء:23]، ولم يقل: فإن لم يكونوا في حجوركم فلا جناح عليكم، بل أعرض عن ذلك، فعلم بذلك أن بنت المرأة تحرم إذا كان الزوج دخل بأمها، وإن كانت عند أبيها لم تكن عند أمها، ولهذا ثبت في الحديث الصحيح قوله ﷺ لأم حبيبة: لا تعرضن علي بناتكن، ولا أخواتكن فلو تزوج إنسان امرأة، ولها بنت ليست معها بل عند أبيها أو عند جدها أو عند غيرهما لم تتبعها، فإنها محرمة عليه وإن لم تكن في حجره، إذا كان قد دخل بأمها فليس له نكاحها مطلقًا، سواء كانت في حجره أم لم تكن في حجره، هذا الذي عليه أهل العلم، وفيه ....... لا يعول عليه كما ذكره المؤلف في محله كما يأتي.
المقصود أن قوله جل وعلا: إِنْ خِفْتُمْ ليس له معنى، فالمسافر الآمن يقصر، ولهذا حج النبي ﷺ حجة الوداع، وكان في غاية من الأمن قد انتهى أمر المشركين، وفتح الله عليه مكة، وأمن الناس، وكان يصلي ركعتين في سفره حتى رجع إلى المدينة عليه الصلاة والسلام، وهو في غاية الأمن فدل ذلك على أن قوله: إِنْ خِفْتُمْ ليس له مفهوم، وأن المسافر يقصر مطلقًا خاف أو أمن؛ لأنها صدقة من الله تصدق بها على عباده .
.........
وقال أبو بكر بن أبي شيبة: حدثنا أبو نعيم، حدثنا مالك بن مغول، عن أبي حنظلة الحذاء، قال: سألت ابن عمر عن صلاة السفر، فقال: ركعتان، فقلت: أين قوله: إِنْ خِفْتُمْ أَنْ يَفْتِنَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا، ونحن آمنون؟ فقال: سنة رسول الله ﷺ.
وقال ابن مردويه: حدثنا عبدالله بن محمد بن عيسى، حدثنا علي بن محمد بن سعيد: حدثنا منجاب، حدثنا شريك عن قيس بن وهب، عن أبي الوداك، قال: سألت ابن عمر عن ركعتين في السفر فقال: هي رخصة نزلت من السماء، فإن شئتم فردوها.الشيخ: وهذا معناه يعني الترهيب، والتحذير، يعني: عليكم أن تقبلوا رخصة الله، وليس لكم أن تقفوا في ذلك، وليس لأحد أن يرد سنة الرسول ﷺ، الذي قال هذا من باب التحذير، من باب الغضب عليه .
الطالب: ما في عبدالله بن رابية.
الشيخ: في عبدالله بن بابيه.
الطالب: نعم عبدالله بن باباه بالموحدتين بينهما ألف ساكنة، ويقال بتحتانية بدل الألف، ويقال بحذف الهاء المكي ثقة من الثالثة. (مسلم، الأربعة).
س: قول الرسول ﷺ: فاقبلوا رخصة الله يدل على الوجوب؟
الشيخ: المعروف عند أهل العلم السنية هنا، بدليل أنه يجوز الإتمام، فمعنى قوله ﷺ: صدقة يعني: اعتقدوها فإذا أريد اعتقادها للوجوب، وإذا قيل الفعل فالفعل ليس بواجب إنما هو سنة، ولكن يجب اعتقاد أن الله شرع هذا.
وقال أبو بكر بن أبي شيبة: حدثنا يزيد بن هارون، حدثنا ابن عون عن ابن سيرين، عن ابن عباس، قال: صلينا مع رسول الله ﷺ بين مكة والمدينة، ونحن آمنون لا نخاف بينهما ركعتين ركعتين. وهكذا رواه النسائي عن محمد بن عبدالأعلى، عن خالد الحذاء، عن عبدالله بن عون به.
قال أبو عمر بن عبدالبر: وهكذا رواه أيوب، وهشام، ويزيد بن إبراهيم التستري عن محمد بن سيرين، عن ابن عباس رضي الله عنهما، عن النبي ﷺ مثله قلت، وهكذا رواه الترمذي، والنسائي جميعًا عن قتيبة، عن هشيم، عن منصور، عن زاذان.الشيخ: كذا عندك؟
الطالب: لا، عن منصور بن زاذان.
الشيخ: الأقرب، والله أعلم أنه ابن زاذان، النسخة اللي فيها ابن أظهر، شف عند التقريب؟
الطالب: منصور بن زاذان بزاي، وذال معجمة الواسطي أبو المغيرة الثقفي، ثقة ثبت عابد، من السادسة، مات سنة تسع وعشرين على الصحيح. (الجماعة).
الشيخ: نعم، هو هذا ابن زاذان.
عن هشيم، عن منصور بن زاذان، عن محمد بن سيرين، عن ابن عباس أن النبي ﷺ خرج من المدينة إلى مكة لا يخاف إلا رب العالمين، فصلى ركعتين، ثم قال الترمذي: صحيح، وقال البخاري: حدثنا أبو معمر، حدثنا عبدالوارث، حدثنا يحيى بن أبي إسحاق، قال: سمعت أنسًا يقول: خرجنا مع رسول الله ﷺ من المدينة إلى مكة فكان يصلي ركعتين ركعتين حتى رجعنا إلى المدينة، قلت أقمتم بمكة شيئًا؟ قال: أقمنا بها عشرًا.
وهكذا أخرجه بقية الجماعة من طرق عن يحيى بن أبي إسحاق الحضرمي به.
وقال الإمام أحمد: حدثنا وكيع، حدثنا سفيان، عن أبي إسحاق، عن حارثة بن وهب الخزاعي، قال: صليت مع النبي ﷺ الظهر والعصر بمنى -أكثر ما كان الناس، وآمنه- ركعتين.
ورواه الجماعة سوى ابن ماجه من طرق عن أبي إسحاق السبيعي عنه به، ولفظ البخاري: حدثنا أبو الوليد، حدثنا شعبة، أنبأنا أبو إسحاق، سمعت حارثة بن وهب، قال: صلى بنا رسول الله ﷺ آمن ما كان بمنى ركعتين.
وقال البخاري: حدثنا مسدد، حدثنا يحيى، حدثنا عبيدالله، أخبرني نافع عن عبدالله بن عمر، قال: صليت مع رسول الله ﷺ ركعتين، وأبي بكر، وعمر، ومع عثمان صدرًا من إمارته، ثم أتمها. وكذا رواه مسلم من حديث يحيى بن سعيد القطان به.
وقال البخاري: حدثنا قتيبة، حدثنا عبدالواحد، عن الأعمش، حدثنا إبراهيم سمعت عبدالرحمن بن يزيد يقول: صلى بنا عثمان بن عفان بمنى أربع ركعات، فقيل في ذلك لعبدالله بن مسعود فاسترجع، ثم قال: صليت مع رسول الله ﷺ بمنى ركعتين، وصليت مع أبي بكر بمنى ركعتين، وصليت مع عمر بن الخطاب بمنى ركعتين، فليت حظي من أربع ركعات ركعتان متقبلتان.الشيخ: معنى استرجع: يعني استنكر ذلك القبح، ولهذا برأ عبدالله قال: إنا لله وإنا إليه راجعون، ولما علم أن عثمان أكمل، كأن عثمان تأول في هذا ، فعبدالله أحب أن يكون استمر على ما كان عليه من قبله، وهو النبي ﷺ، والصديق، وعمر، ولكنه اجتهد فصلى أربعًا فكره ذلك عبدالله، واسترجع...
ورواه البخاري أيضًا من حديث الثوري عن الأعمش به، وأخرجه مسلم من طرق عنه منها عن قتيبة كما تقدم.
فهذه الأحاديث دالة صريحًا على أن القصر ليس من شرطه وجود الخوف، ولهذا قال من قال من العلماء: إن المراد من القصر هاهنا إنما هو قصر الكيفية لا الكمية، وهو قول مجاهد، والضحاك، والسدي كما سيأتي بيانه، واعتضدوا أيضًا بما رواه الإمام مالك عن صالح بن كيسان، عن عروة بن الزبير، عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: فرضت الصلاة ركعتين ركعتين في السفر، والحضر، فأقرت صلاة السفر، وزيد في صلاة الحضر، وقد روى هذا الحديث البخاري عن عبدالله بن يوسف التنيسي، ومسلم عن يحيى بن يحيى، وأبو داود عن القعنبي، والنسائي عن قتيبة، أربعتهم عن مالك به، قالوا: فإذا كان أصل الصلاة في السفر هي الثنتين، فكيف يكون المراد بالقصر هاهنا قصر الكمية؛ لأن ما هو الأصل لا يقال فيه: فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلاةِ، وأصرح من ذلك دلالة على هذا ما رواه الإمام أحمد: حدثنا وكيع، وسفيان، وعبدالرحمن عن زبيد اليامي، عن عبدالرحمن بن أبي ليلى، عن عمر ، قال: صلاة السفر ركعتان، وصلاة الأضحى ركعتان، وصلاة الفطر ركعتان، وصلاة الجمعة ركعتان تمام غير قصر، على لسان محمد ﷺ، وهكذا رواه النسائي، وابن ماجه، وابن حبان في صحيحه من طرق عن زبيد اليامي به، وهذا إسناد على شرط مسلم.
وقد حكم مسلم في مقدمة كتابه بسماع ابن أبي ليلى عن عمر، وقد جاء مصرحًا به في هذا الحديث، وفي غيره، وهو الصواب إن شاء الله، وإن كان يحيى بن معين، وأبو حاتم، والنسائي قد قالوا: إنه لم يسمع منه، وعلى هذا أيضا فقد وقع في بعض طرق أبي يعلى الموصلي من طريق الثوري عن زبيد، عن عبدالرحمن بن أبي ليلى، عن الثقة، عن عمر، فذكره، وعند ابن ماجه من طريق يزيد بن أبي زياد بن أبي الجعد عن زبيد، عن عبدالرحمن، عن كعب بن عجرة، عن عمر، فالله أعلم.
وقد روى مسلم في صحيحه، وأبو داود، والنسائي، وابن ماجه من حديث أبي عوانة الوضاح بن عبدالله اليشكري، زاد مسلم، والنسائي، وأيوب بن عائد، كلاهما عن بكير بن الأخنس، عن مجاهد، عن عبدالله بن عباس، قال: فرض الله الصلاة على لسان نبيكم محمد ﷺ في الحضر أربعًا، وفي السفر ركعتين، وفي الخوف ركعة، فكما يصلى في الحضر قبلها، وبعدها فكذلك يصلى في السفر. ورواه ابن ماجه من حديث أسامة بن زيد عن طاوس نفسه، فهذا ثابت عن ابن عباس رضي الله عنهما، ولا ينافي ما تقدم عن عائشة رضي الله عنها؛ لأنها أخبرت أن أصل الصلاة ركعتان، ولكن زيد في صلاة الحضر، فلما استقر ذلك، صح أن يقال: إن فرض صلاة الحضر أربع، كما قاله ابن عباس -والله أعلم-، لكن اتفق حديث ابن عباس وعائشة على أن صلاة السفر ركعتان، وأنها تامة غير مقصورة، كما هو مصرح به في حديث عمر عنه. وإذا كان كذلك فيكون المراد بقوله تعالى: فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلَاةِ قصر الكيفية كما في صلاة الخوف، ولهذا قال: إِنْ خِفْتُمْ أَنْ يَفْتِنَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا الآية، ولهذا قال بعدها: وَإِذَا كُنْتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلَاةَ [النساء:102] الآية، فبين المقصود من القصر هاهنا، وذكر صفته، وكيفيته، ولهذا لما عقد البخاري كتاب صلاة الخوف صدره بقوله تعالى: وَإِذَا ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلَاةِ إلى قوله: إِنَّ اللَّهَ أَعَدَّ لِلْكَافِرِينَ عَذَابًا مُهِينًا [النساء:102]، وهكذا قال جويبر عن الضحاك في قوله: فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلَاةِ قال: ذاك عند القتال يصلي الرجل الراكب تكبيرتين حيث كان وجهه.
وقال أسباط عن السدي في قوله: وَإِذَا ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلَاةِ إِنْ خِفْتُمْ الآية، إن الصلاة إذا صليت ركعتين في السفر فهي تمام، التقصير لا يحل إلا أن يخاف من الذين كفروا أن يفتنوه عن الصلاة فالتقصير ركعة.
وقال ابن أبي نجيح عن مجاهد: فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلَاةِ يوم كان النبي ﷺ وأصحابه بعسفان، والمشركون بضجنان، فتواقفوا، فصلى النبي ﷺ بأصحابه صلاة الظهر أربع ركعات بركوعهم، وسجودهم، وقيامهم، معا جميعًا، فهم بهم المشركون أن يغيروا على أمتعتهم، وأثقالهم، روى ذلك ابن أبي حاتم، ورواه ابن جرير، عن مجاهد، والسدي، وعن جابر، وابن عمر، واختار ذلك أيضًا فإنه قال بعد ما حكاه من الأقوال في ذلك: وهو الصواب.
وقال ابن جرير: حدثني محمد بن عبدالله بن عبدالحكم، حدثنا ابن أبي فديك، حدثنا ابن أبي ذئب، عن ابن شهاب، عن أمية بن عبدالله بن خالد بن أسيد أنه قال لعبدالله بن عمر: إنا نجد في كتاب الله قصر صلاة الخوف، ولا نجد قصر صلاة المسافر، فقال عبدالله: إنا وجدنا نبينا ﷺ يعمل عملًا عملنا به.
فقد سمى صلاة الخوف مقصورة، وحمل الآية عليها لا على قصر صلاة المسافر، وأقره ابن عمر على ذلك، واحتج على قصر الصلاة في السفر بفعل الشارع لا بنص القرآن، وأصرح من هذا ما رواه ابن جرير أيضا: حدثنا أحمد بن الوليد القرشي، حدثنا محمد بن جعفر، حدثنا شعبة، عن سماك الحنفي قال: سألت ابن عمر عن صلاة السفر، فقال: ركعتان تمام غير قصر، إنما القصر في صلاة المخافة، فقلت: وما صلاة المخافة؟ فقال: يصلي الإمام بطائفة ركعة، ثم يجيء هؤلاء مكان هؤلاء، ويجيء هؤلاء مكان هؤلاء، فيصلي بهم ركعة، فيكون للإمام ركعتان، ولكل طائفة ركعة ركعة.
الشيخ: والأصح في هذا والأصوب هو القول الأول أنه لا مفهوم له، وأنه أراد القصر المعروف، قصر الصلاة من أربع إلى ثنتين؛ لأنه لما استقرت الصلاة أربعًا صارت الصلاة مقصورة بالنظر إلى التمام بالنسبة إلى الحاضرين المقيمين، ولهذا قال النبي ﷺ: إنها رخصة من الله فاقبلوا رخصه، ولم يقل لهم إن المراد قصر الخوف، والذي هو قصر الكيفية أو قصر الأركان، بل قال: إنها صدقة من الله فدل ذلك على أنه على ظاهره، وأن تقصر يعني العدد، فجعلت الأربع ثنتين فضلاً من الله .
الشيخ: انظر أمية بن عبدالله بن خالد رواه من أَسيد، أو أُسيد؟
الطالب: يزيد بن زياد الجعد موجود، يقول: يزيد بن زياد بن أبي الجعد الاشجعي، الكوفي صدوق من السابعة، البخاري في خلق العباد، والنسائي، وابن ماجه.
الشيخ: يراجع.
س: هذا نوع آخر من صلاة الخوف، الذي يصلي ركعة واحدة؟
الشيخ: نعم، نوعًا صحيحًا عن النبي ﷺ؟
الطالب: وللإمام ركعتان؟
الشيخ: نعم.
الطالب: أمية بن عبدالله بن خالد بن أسيد –بفتح الهمزة- ابن أبي العير –بكسر المهملة- المكي أخو خالد، ثقة من السادسة، مات سبع وثمانين. (النسائي، وابن ماجه).
....