تفسير قوله تعالى: {قَالَ أَغَيْرَ اللَّهِ أَبْغِيكُمْ إِلَهًا وَهُوَ فَضَّلَكُمْ عَلَى الْعَالَمِينَ}

قَالَ أَغَيْرَ اللَّهِ أَبْغِيكُمْ إِلَهًا وَهُوَ فَضَّلَكُمْ عَلَى الْعَالَمِينَ ۝ وَإِذْ أَنْجَيْنَاكُمْ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَسُومُونَكُمْ سُوءَ الْعَذَابِ يُقَتِّلُونَ أَبْنَاءَكُمْ وَيَسْتَحْيُونَ نِسَاءَكُمْ وَفِي ذَلِكُمْ بَلَاءٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَظِيمٌ [الأعراف:140-141].

يُذكّرهم موسى نِعَم الله عليهم: من إنقاذهم من أسر فرعون وقهره، وما كانوا فيه من الهوان والذّلة، وما صاروا إليه من العزّة والاشتفاء من عدوهم، والنَّظر إليه في حال هوانه وهلاكه وغرقه ودماره، وقد تقدّم تفسيرها في البقرة.

وَوَاعَدْنَا مُوسَى ثَلَاثِينَ لَيْلَةً وَأَتْمَمْنَاهَا بِعَشْرٍ فَتَمَّ مِيقَاتُ رَبِّهِ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً وَقَالَ مُوسَى لِأَخِيهِ هَارُونَ اخْلُفْنِي فِي قَوْمِي وَأَصْلِحْ وَلَا تَتَّبِعْ سَبِيلَ الْمُفْسِدِينَ [الأعراف:142].

يقول تعالى مُمتنًّا على بني إسرائيل بما حصل لهم من الهداية بتكليمه موسى وإعطائه التّوراة وفيها أحكامهم وتفاصيل شرعهم، فذكر تعالى أنَّه واعد موسى ثلاثين ليلةً، قال المفسّرون: فصامها موسى وطواها، فلمَّا تم الميقات استاك بلحاء شجرةٍ، فأمره الله تعالى أن يُكمل بعشرٍ أربعين.

الشيخ: وَأَتْمَمْنَاهَا بِعَشْرٍ أمره الله أن يُكمل الثلاثين الماضية بعشرٍ زيادةً، حتى تكون أربعين، ما هو يُكمل العشرة، يُكمل الثلاثين، أن يُكمل بعشرٍ أربعين.

وقد اختلف المفسّرون في هذه العشر ما هي؟

فالأكثرون على أنَّ الثلاثين هي: ذو القعدة، والعشر: عشر ذي الحجّة. قاله مجاهد ومسروق وابن جُريج، ورُوِيَ عن ابن عباسٍ وغيره.

فعلى هذا يكون قد كمل الميقات يوم النَّحر، وحصل فيه التَّكليم لموسى ، وفيه أكمل اللهُ الدِّين لمحمدٍ ﷺ، كما قال تعالى: الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا [المائدة:3].

الشيخ: وهذه الآية نزلت في يوم عرفة، تكميل محمدٍ ﷺ، نزلت في يوم عرفة، في حجّة الوداع نزلت هذه الآية، وهي: الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ في يوم عرفة بيّن الله فيها إكمال الدِّين.

وأمَّا الأربعون التي أمر اللهُ بها موسى فلا يعلم حقيقتها إلا الله إلا بنصٍّ من الرسول ﷺ، أما أخبار بني إسرائيل فلا يُعوّل عليها، فالمهم أنَّها أربعون ليلة، وعده الله ثلاثون، ثم أتمّها بعشرٍ فصارت أربعين، ثم كلّمه بعدها بعد تمام الأربعين، ويحتمل أنَّها في ذي القعدة، ويحتمل أنَّها في غيره، المهم أنَّها أربعون.

فلمّا تمّ الميقات وعزم موسى على الذّهاب إلى الطّور، كما قال تعالى: يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ قَدْ أَنْجَيْنَاكُمْ مِنْ عَدُوِّكُمْ وَوَاعَدْنَاكُمْ جَانِبَ الطُّورِ الْأَيْمَنَ الآية [طه:80]، فحينئذٍ استخلف موسى على بني إسرائيل أخاه هارون، ووصَّاه بالإصلاح وعدم الإفساد، وهذا تنبيهٌ وتذكيرٌ، وإلا فهارون نبيٌّ شريفٌ كريمٌ على الله، له وجاهة وجلالة، صلوات الله وسلامه عليه وعلى سائر الأنبياء.

وَلَمَّا جَاءَ مُوسَى لِمِيقَاتِنَا وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ قَالَ رَبِّ أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْكَ قَالَ لَنْ تَرَانِي وَلَكِنِ انْظُرْ إِلَى الْجَبَلِ فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكَانَهُ فَسَوْفَ تَرَانِي فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكًّا وَخَرَّ مُوسَى صَعِقًا فَلَمَّا أَفَاقَ قَالَ سُبْحَانَكَ تُبْتُ إِلَيْكَ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُؤْمِنِينَ [الأعراف:143].

يُخبر تعالى عن موسى أنَّه لما جاء لميقات الله تعالى، وحصل له التَّكليم من الله تعالى، سأل اللهَ تعالى أن ينظر إليه فقال: رَبِّ أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْكَ قَالَ لَنْ تَرَانِي.

وقد أشكل حرف "لن" هاهنا على كثيرٍ من العُلماء؛ لأنَّها موضوعة لنفي التَّأبيد، فاستدلّ به المعتزلةُ على نفي الرؤية في الدنيا والآخرة، وهذا أضعف الأقوال؛ لأنَّه قد تواترت الأحاديث عن رسول الله ﷺ بأنَّ المؤمنين يرون الله في الدار الآخرة، كما سنُوردها عند قوله تعالى: وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ ۝ إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ [القيامة:22-23]، وقوله تعالى إخبارًا عن الكفَّار: كَلَّا إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ [المطففين:15].

وقيل: إنها لنفي التَّأبيد في الدنيا؛ جمعًا بين هذه الآية وبين الدَّليل القاطع على صحّة الرؤيا في الدار الآخرة.

وقيل: إنَّ هذا الكلام في هذا المقام كالكلام في قوله تعالى: لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصَارَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ [الأنعام:103]، وقد تقدّم ذلك في الأنعام.

وفي الكتب المتقدمة: إنَّ الله تعالى قال لموسى : يا موسى، إنَّه لا يراني حيٌّ إلا مات، ولا يابسٌ إلا تدهده؛ ولهذا قال تعالى: فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكًّا وَخَرَّ مُوسَى صَعِقًا [الأعراف:143].

قال أبو جعفر ابن جرير الطَّبري في تفسير هذه الآية: حدَّثنا أحمد بن سهيل الواسطي: حدَّثنا قُرّة بن عيسى: حدَّثنا الأعمش، عن رجلٍ، عن أنسٍ، عن النبي ﷺ قال: لما تجلّى ربُّه للجبل أشار بإصبعه فجعله دكًّا، وأرانا أبو إسماعيل بإصبعه السّبابة. هذا الإسناد فيه رجلٌ مُبهم لم يُسمّ.

ثم قال: حدَّثني المثنى: حدَّثنا حجاج بن منهال: حدَّثنا حماد، عن ليث، عن أنسٍ: أنَّ النبي ﷺ قرأ هذه الآية: فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكًّا، قال هكذا بإصبعه، ووضع النبيُّ ﷺ إصبعه الإبهام على المفصل الأعلى من الخنصر، فساخ الجبلُ.

هكذا وقع في هذه الرِّواية: حماد بن سلمة، عن ليث، عن أنسٍ. والمشهور: حماد بن سلمة، عن ثابتٍ، عن أنسٍ، كما قال ابنُ جرير: حدَّثني المثنى: حدَّثنا هدبة بن خالد: حدَّثنا حماد بن سلمة، عن ثابت، عن أنسٍ قال: قرأ رسولُ الله ﷺ: فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكًّا، قال: ووضع الإبهام قريبًا من طرف خنصره، قال: فساخ الجبلُ، قال حميد لثابت: يقول هكذا؟ فرفع ثابتٌ يدَه فضرب صدرَ حميد، وقال: يقوله رسولُ الله ﷺ ويقوله أنسٌ وأنا أكتمه؟!

وهذا رواه الإمامُ أحمد في "مسنده": حدَّثنا أبو المثنى معاذ بن معاذ العنبري.

الشيخ: انظر معاذ في "التقريب" وكنيته.

الطالب: أحسن الله إليك، معاذ بن معاذ بن نصر بن حسان العنبري، أبو المثنى البصري، القاضي.

الشيخ: هذا في "التقريب"؟

الطالب: إيه، نعم.

الشيخ: معاذ؟

الطالب: معاذ بن معاذ بن نصر بن حسان العنبري، أبو المثنى البصري، القاضي، ثقة، متقن، من كبار التاسعة، مات سنة ستٍّ وأربعين. الجماعة.

الشيخ: يكفي، حدَّثنا، نعم.

رواه الإمام أحمد في "مسنده": حدَّثنا أبو المثنى معاذ بن معاذ العنبري: حدَّثنا حماد بن سلمة: حدَّثنا ثابت البُناني، عن أنس بن مالك، عن النبي ﷺ في قوله: فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ قال: قال هكذا. يعني: أنَّه أخرج طرف الخنصر.

قال أحمد: أرانا معاذ، فقال له حميد الطّويل: ما تُريد إلى هذا يا أبا محمد؟ قال: فضرب صدره ضربةً شديدةً وقال: مَن أنت يا حميد؟! وما أنت يا حميد؟! يُحدّثني به أنس بن مالك، عن النبي ﷺ، يقول: ما تُريد إليه؟!

الشيخ: وتقول، وتقول، ليس هذا المراد به التَّمثيل والتَّشبيه، المراد به بيان الحقيقة، وأنَّ الله -جلَّ وعلا- أشار بالجبل حقيقةً حتى اندكَّ بإصبعه ، والله -جلَّ وعلا- ليس كمثله شيءٌ، فليس مُراد أنس، ولا مراد النبي، ولا مراد ثابت التَّشبيه، بل المراد بيان الحقيقة مثلما أشار النبيُّ ﷺ لما تلا قوله: إِنَّ اللَّهَ كَانَ سَمِيعًا بَصِيرًا [النساء:58]، أشار إلى عينيه وسمعه، يعني: أنَّه بصر حقيقة، وسمع حقيقة، والله لا يُشبهه شيء: لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ [الشورى:11]، فليس بصرُه كأبصارنا، ولا سمعه كأسماعنا، ولا إصبعه كأصابعنا، وهكذا ليس كمثله شيء، وإنما المراد به في مثل هذا أنَّه شيء حقّ، ليس إشارةً أو حدسًا، إنما هو شيء حقيقي، إشارة حقيقة.

س: أحسن الله إليكم، هل يُؤخذ من هذا أنَّ لله خنصرًا؟

ج: مثلما جاء في الحديث، نعم.

وتقول: ما تُريد إليه؟!

وهكذا رواه الترمذي في تفسير هذه الآية عن عبدالوهاب بن الحكم الوراق، عن معاذ بن معاذ، به. وعن عبدالله بن عبدالرحمن الدّارمي، عن سليمان بن حرب، عن حماد بن سلمة، به. ثم قال: هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ غريبٌ، لا نعرفه إلا من حديث حماد.

وهكذا رواه الحاكم في "مستدركه" من طرقٍ عن حماد بن سلمة، به. وقال: هذا حديثٌ صحيحٌ على شرط مسلمٍ ولم يُخرجاه.

ورواه أبو محمد ابن الحسن بن محمد بن علي الخلّال، عن محمد بن علي بن سويد، عن أبي القاسم البغوي، عن هدبة بن خالد، عن حماد بن سلمة، فذكره، وقال: هذا إسنادٌ صحيحٌ لا عِلَّةَ فيه.

وقد رواه داود بن المحبر، عن شعبة، عن ثابت، عن أنسٍ مرفوعًا. وهذا ليس بشيءٍ؛ لأنَّ داود بن المحبر كذّاب.

رواه الحافظان: أبو القاسم الطّبراني وأبو بكر ابن مردويه من طريقين، عن سعيد ابن أبي عروبة، عن قتادة، عن أنسٍ مرفوعًا بنحوه.

وأسنده ابنُ مردويه من طريق ابن البيلماني، عن أبيه، عن ابن عمر مرفوعًا، ولا يصحّ أيضًا.

الشيخ: لأنَّ ابن البيلماني ضعيفٌ.

رواه الترمذي.

الشيخ: "رواه الترمذي" حطّ عليه إشارة.

وصححه الحاكم، وقال: على شرط مسلمٍ.

وقال السّدي: عن عكرمة، عن ابن عباسٍ في قول الله تعالى: فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ قال: ما تجلّى منه إلا قدر الخنصر، جَعَلَهُ دَكًّا قال: تُرابًا، وَخَرَّ مُوسَى صَعِقًا قال: مغشيًّا عليه. رواه ابنُ جرير.

وقال قتادة: وَخَرَّ مُوسَى صَعِقًا قال: ميتًا.

وقال سفيان الثوري: ساخ الجبلُ في الأرض حتى وقع في البحر، فهو يذهب معه.

وقال سنيد: عن حجاج بن محمد الأعور، عن أبي بكر الهذلي: فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكًّا انقعر فدخل تحت الأرض، فلا يظهر إلى يوم القيامة.

وجاء في بعض الأخبار: أنَّه ساخ في الأرض، فهو يهوي فيها إلى يوم القيامة. رواه ابنُ مردويه.

وقال ابنُ أبي حاتم: حدَّثنا عمر بن شبّة: حدَّثنا محمد بن يحيى، أبو غسّان الكناني: حدَّثنا عبدالعزيز بن عمران، عن معاوية بن عبدالله، عن الجلد بن أيوب، عن معاوية بن قُرّة، عن أنس بن مالك: أنَّ النبي ﷺ قال: لما تجلّى اللهُ للجبال طارت لعظمته ستة أجبل، فوقعت ثلاثة بالمدينة، وثلاثة بمكّة، بالمدينة: أحد، وورقان، ورضوى. ووقع بمكّة: حراء، وثبير، وثور. وهذا حديثٌ غريبٌ، بل مُنكر.

وقال ابنُ أبي حاتم: ذُكِرَ عن محمد بن عبدالله ابن أبي البلح.

مُداخلة: ابن أبي الثّلج.

الشيخ: انظر "التقريب"، حطّ عليه إشارة.

س: النَّكارة في الحديث السَّابق من حيث المتن؟

ج: أيّ حديثٍ؟

س: حديث أنسٍ.

ج: أيش؟

س: لما تجلّى اللهُ للجبال.

ج: هاتِ السّند.

وقال ابنُ أبي حاتم: حدَّثنا عمر بن شبّة: حدَّثنا محمد بن يحيى، أبو غسّان الكناني: حدَّثنا عبدالعزيز بن عمران، عن معاوية بن عبدالله، عن الجلد بن أيوب، عن معاوية بن قُرّة، عن أنس بن مالك: أنَّ النبي ﷺ قال: لما تجلّى اللهُ للجبال طارت لعظمته ستة أجبل، فوقعت ثلاثة بالمدينة، وثلاثة بمكّة، بالمدينة: أحد، وورقان، ورضوى. ووقع بمكّة: حراء، وثبير، وثور، وهذا حديثٌ غريبٌ، بل مُنكر.

الشيخ: مثلما قال المؤلفُ: بعيد الصحّة؛ لأنَّ نصَّ الآية جبل واحد، واندكَّ في محلِّه، أعد سندَه.

وقال ابنُ أبي حاتم: حدَّثنا عمر بن شبّة: حدَّثنا محمد بن يحيى، أبو غسّان الكناني: حدَّثنا عبدالعزيز بن عمران، عن معاوية بن عبدالله، عن الجلد بن أيوب، عن معاوية بن قُرّة، عن أنس بن مالك.

الشيخ: انظر رجال السّند.

الطالب: فيه عبدالعزيز بن عمران.

الشيخ: إيه، أيش عندك؟

الطالب: عبدالعزيز بن عمران بن عبدالعزيز بن عمر بن عبدالرحمن بن عوف، الزهري، المدني، الأعرج، يُعرف بابن أبي ثابت، متروك، احترقت كتبُه فحدّث من حفظه، فاشتدّ غلطه، وكان عارفًا بالأنساب، من الثامنة، مات سنة سبعٍ وتسعين. الترمذي.

الشيخ: نعم، الأخير "الجلد" عمَّن؟

الطالب: .......

مُداخلة: في تعليق يا شيخ يقول: محمد بن يحيى، قال السّليماني: في حديثه نظر، وخطّأه ابنُ حجر في قوله هذا، ورأى توثيقه، وقال ابنُ حجر: هو الصَّحيح .....، وشيخه عبدالعزيز بن عمران، هو الزهري. قال البخاري: لا يُكتب حديثه. وقال النَّسائي وغيره: متروك. وترجمتُهما في "التهذيب". وأمَّا الجلد بن أيوب فهو البصري، ضعَّفه ابنُ راهويه، وقال الدَّارقطني: متروك. وقال الإمامُ أحمد: ضعيف، ليس يُساوي حديثُه شيئًا. ترجمته في "الميزان".

الشيخ: طيب، هذا مقبل؟

الطالب: إيه، نعم.

الشيخ: نعم.

الطالب: محمد بن عبدالله بن أبي .....

الشيخ: إيه، ابن أبي الثّلج؟

الطالب: هذا هو موجود يا شيخ، محمد بن عبدالله بن إسماعيل ابن أبي الثّلج، بالمثلثة وجيم.

الشيخ: صلّحه: ابن أبي الثّلج.

وقال ابنُ أبي حاتم: ذكر عن محمد بن عبدالله ابن أبي الثّلج: حدَّثنا الهيثم بن خارجة: حدَّثنا عثمان بن حصن بن العلاف، عن عروة بن رويم قال: كانت الجبالُ قبل أن يتجلّى اللهُ لموسى على الطّور صمًّا ملساء، فلمَّا تجلّى الله لموسى على الطّور دُكَّ، وتفطرت الجبال، فصارت الشّقوق والكهوف.

وقال الربيع بن أنس: فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكًّا وَخَرَّ مُوسَى صَعِقًا [الأعراف:143] وذلك أنَّ الجبل حين كُشِفَ الغِطاء ورأى النّور صار مثل دكّ من الدكاك.

وقال بعضُهم: جَعَلَهُ دَكًّا أي: فتته.

الشيخ: "دكّه" يعني: انهار الجبلُ، صار مُفتتًا.

الطالب: عثمان بن حصن بن علّاق -بتشديد اللام-، ويُقال: بزيادة عبيدة بين حصن وعلّاق، أو بين عثمان وحصن. ويُقال: عثمان بن عبدالرحمن بن حصن بن عبيدة بن علّاق. ويُقال: بإسقاط حصن وعبيدة. دمشقي، مولى قريش، ثقة، من التاسعة. (مد، س).

..........

وقال مجاهد في قوله: وَلَكِنِ انْظُرْ إِلَى الْجَبَلِ فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكَانَهُ فَسَوْفَ تَرَانِي [الأعراف:143] فإنَّه أكبر منك وأشدّ خلقًا، فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ فنظر إلى الجبل لا يتمالك، وأقبل الجبلُ فدُكّ على أوّله، ورأى موسى ما يصنع الجبل فخرَّ صعقًا.

وقال عكرمة: جعله دكّاء، قال: نظر الله إلى الجبل فصار صحراء، تُرابًا، وقد قرأ بهذه القراءة بعضُ القُرَّاء، واختارها ابنُ جرير.

وقد ورد فيها حديثٌ مرفوعٌ رواه ابنُ مردويه، والمعروف أنَّ الصَّعق هو الغشي هاهنا كما فسّره ابنُ عباسٍ وغيره، لا كما فسّره قتادة بالموت، وإن كان صحيحًا في اللغة، كقوله تعالى: وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ إِلَّا مَنْ شَاءَ اللَّهُ ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخْرَى فَإِذَا هُمْ قِيَامٌ يَنْظُرُونَ [الزمر:68]، فإنَّ هناك قرينة تدلّ على الموت، كما أنَّ هنا قُرينة تدلّ على الغشي، وهي قوله: فَلَمَّا أَفَاقَ [الأعراف:143]، والإفاقة لا تكون إلا عن غشيٍّ.

الشيخ: هذا هو الصواب: أنَّه لما رأى ما فعل اللهُ بالجبل غُشي عليه من شدّة الأمر والخطب والهول، ثم أفاق، وليس المراد الموت، نعم.

قَالَ سُبْحَانَكَ [الأعراف:143] تنزيهًا وتعظيمًا وإجلالًا أن يراه أحدٌ في الدنيا إلا مات.

وقوله: تُبْتُ إِلَيْكَ [الأعراف:143] قال مجاهد: أن أسألك الرؤية.

وَأَنَا أَوَّلُ الْمُؤْمِنِينَ [الأعراف:143]، قال ابنُ عباسٍ ومجاهد: من بني إسرائيل. واختاره ابنُ جرير.

وفي روايةٍ أخرى عن ابن عباسٍ: وَأَنَا أَوَّلُ الْمُؤْمِنِينَ أنَّه لا يراك أحدٌ.

وكذا قال أبو العالية: قد كان قبله مؤمنون، ولكن يقول: أنا أول مَن آمن بك أنَّه لا يراك أحدٌ من خلقك إلى يوم القيامة. وهذا قولٌ حسنٌ له اتِّجاه.

الشيخ: وهذا هو الصّواب: أول المؤمنين بأنَّه لا يراك أحدٌ في الدنيا.

وقد ثبت في "صحيح مسلم" عن النبي ﷺ أنَّه قال: واعلموا أنَّه لن يرى أحدٌ منكم ربَّه حتى يموت، هذه الدار دار الامتحان، دار العمل، ما هي بدار النَّعيم، والرؤية من النَّعيم، بل أعلى نعيم أهل الجنة الرؤية؛ رؤية الله -جلَّ وعلا- هي أعلى نعيم أهل الجنة، وهذه الدنيا دار العمل، ودار التَّكليف، ودار الامتحان والاختبار والفتن، وليست دار النَّعيم؛ فلهذا لا يراه أحدٌ في الدنيا، ولما سأل ذلك موسى قال: لَنْ تَرَانِي وَلَكِنِ انْظُرْ إِلَى الْجَبَلِ [الأعراف:143].

وقال ﷺ: واعلموا أنَّه لن يرى أحدٌ منكم ربَّه حتى يموت، فلمَّا سُئل قيل: يا رسول الله، هل رأيتَ ربَّك؟ قال: نورٌ أنَّى أراه؟ وفي اللَّفظ الآخر: رأيتُ نورًا؛ ولهذا الذي عليه جمهور أهل العلم أنَّه ﷺ لم يرَ ربَّه حين عُرج به إلى السَّماء، وإنما سمع الكلامَ فقط، كلَّمه الله، وفرض عليه الصّلوات الخمس في ليلة المعراج والإسراء، ولم يرَه، إنما هو الكلام، سمع كلامه كما سمعه موسى، وفرض عليه الصّلوات الخمس خمسين صلاةً، فلم يزل يُراجع ربَّه ويطلبه التَّخفيف حتى جعلها خمسًا، ونادى مُنادٍ: إني قد أمضيتُ فريضتي، وخففتُ عن عبادي.

فهو سبحانه يُكلّم مَن شاء كما يشاء -جلَّ وعلا-، أما الرؤية فلها شأنٌ عظيمٌ؛ ولهذا قال سبحانه: لَنْ تَرَانِي يعني: في الدنيا. هذا المراد، ليس للتَّأبيد الكلي، بل للتَّأبيد الدّنيوي: لن تراني في الدنيا، وَلَكِنِ انْظُرْ إِلَى الْجَبَلِ، وهكذا محمدٌ ﷺ، وهو أفضل الخلق لم يره، ولكنه سمع الكلام، نعم.

س: رؤية الله في المنام تحصل؟

ج: ذكر كثيرٌ من أهل العلم أنَّها تحصل في المنام على وجهٍ لا تشبيه فيه ولا تمثيل فيه، نعم.

وقد ذكر محمدُ بن جرير في تفسيره هاهنا أثرًا طويلًا فيه غرائب وعجائب عن محمد بن إسحاق بن يسار، وكأنَّه تلقَّاه من الإسرائيليات، والله أعلم.

وقوله: وَخَرَّ مُوسَى صَعِقًا [الأعراف:143] فيه أبو سعيد وأبو هريرة، عن النبي ﷺ، فأمَّا حديث أبي سعيدٍ فأسنده البُخاري.