كتاب في اللقطة

45- كتابٌ في اللُّقَطة

باب إذا أخبره ربُّ اللُّقطة بالعلامة دفع إليه

2426- حدثنا آدم: حدثنا شعبة، وحدثني محمد بن بشار: حدثنا غندر: حدثنا شعبة، عن سلمة: سمعت سويد بن غفلة قال: لقيتُ أبي بن كعب ، فقال: أخذتُ صرةَ مئة دينارٍ، فأتيتُ النبي ﷺ، فقال: عرِّفْها حولًا، فعرَّفتُها حولًا، فلم أجد مَن يعرفها، ثم أتيتُه، فقال: عرِّفْها حولًا، فعرَّفتُها، فلم أجد، ثم أتيته ثلاثًا، فقال: احفظ وعاءها وعددها ووكاءها، فإن جاء صاحبُها، وإلا فاستمتع بها، فاستمتعتُ، فلقيتُه بعد بمكة، فقال: لا أدري: ثلاثة أحوال، أو حولًا واحدًا.

الشيخ: اللُّقطة: الشيء الذي يجده الإنسان في الطرقات، وفي الصحاري، ونحو ذلك، فالواجب عليه أن يُعرِّفه إذا كانت له أهميةٌ، أما إذا كان حقيرًا، لا تتبعه ذمَّة أوساط الناس؛ فلا يحتاج إلى تعريفٍ، إنما التعريف لشيءٍ له أهميةٌ، يستحق أن يُطلب ويُسأل عنه، فيُعرِّفه سنةً، وفي حديث أبي ثلاثة أحوال، ثم شكَّ، واستقرت السنةُ على سنةٍ واحدةٍ كما في حديث زيد بن خالد: سنةٌ واحدةٌ، فإن جاء طالبها وإلا استمتع بها، وتكون وديعةً عنده كالدَّين، إن جاء أحدٌ يعرفها بعد ذلك أعطاه إياها، وهي بعد السنة تكون من عداد ماله، سبيلها سبيل ماله، وعليه أن يعرف صفاتها: كالوعاء والعدد -إن كانت معدودةً- ووكاء الأشياء الخفية التي فيها، حتى إذا جاء صاحبُها وعرَّف الصفات دفعها إليه، وهي في الحول على ملك صاحبها، في الحول الأول على ملك صاحبها، ونماؤها له، وبعد الحول الأول تكون على ملك الـمُلْتَقِط، ونماؤها له، وهذا في النقود وأشباهها، والغنم، أما الإبل ونحوها كالبقر فلا تُلتقط؛ لأنها تكون لمن؟ لأن معها سقاءها، ترد الماء، وتأكل الشجر حتى يلقاها ربها، نعم.

س: بعد السنة، إذا جاء صاحبُها بعد السنة: النَّماء؟

ج: النماء للجديد، الذي بعد السنة للمالك، للمُلْتَقط، نعم؛ لأن سبيلها سبيل ماله بعد السنة، فلو اتَّجر بها بعد السنة فالربح له، أو يعني: أضربها، ضرب هذه الشاة فحملت، فهي له؛ لأن سبيلها سبيل ماله.

س: ..............؟

ج: كل ما يكون بعد السنة هي له: لبنٌ، حملٌ، والنماء، سبيلها سبيل ماله بعد السنة.

س: ..............؟

ج: ما فيها شيءٌ، إذا ما ضرَّت بالناس ما فيها شيءٌ، إذا لم تضر الناس فما فيها شيءٌ، أما إذا كانت تضر بالناس فما يجوز هذا، يلزمه حفظها، أما إذا كانت في فيافي ما تضر الناس فلا حرج، نعم، مثلما قال ﷺ لما سُئل عن ضالة الإبل قال: دعها؛ فإن معها حذاءها وسقاءها.

س: صغار الإبل التي لا تمنع نفسها من السِّباع؟

ج: تُلتقط هذه، وتُعرَّف، مثل: الشاة.

س: إن كان في طريقه ووجده بالخطأ .....؟

ج: يُعرِّفه في أقرب مدينةٍ إليه بنفسه، أو وكيله، ما هو بلزومٍ بنفسه، وكيله يكفي.

س: نفقة التعريف له الرجوع فيها؟

ج: الأقرب -والله أعلم- أنه يرجع؛ لأنها من مصلحة صاحب اللُّقطة، التعريف من مصلحة صاحبها، وإن كان الواجب على المعرِّف، لكنه من مصلحة صاحب اللقطة، فالأقرب -والله أعلم- والأظهر أنه يكون على صاحب اللقطة؛ لأنه من مصلحته، نعم.

س: ...............؟

ج: هذه عند المحكمة، صدر قرارٌ من هيئة كبار العلماء، تُراجع المحاكم، عندها تعريفاتٌ، نعم.

س: بعد السنة يكون حكمها حكم ماله، ومع ذلك هي أمانةٌ عنده؟

ج: يعني: أنها كالأمانة، وإلا فهي في ملكه، ولكن معناها أنه لا يسقط حقُّ صاحبها، لو عرَّفها بعد حينٍ تُعاد إليه.

س: ................؟

ج: ..... هي كالوديعة، نعم.

باب ضالة الإبل

2427- حدثنا عمرو بن عباس: حدثنا عبدالرحمن: حدثنا سفيان، عن ربيعة: حدثني يزيد مولى المنبعث، عن زيد بن خالد الجهني قال: جاء أعرابيٌّ النبي ﷺ، فسأله عمَّا يلتقطه، فقال: عرِّفها سنةً، ثم احفظ عِفاصَها ووِكاءَها، فإن جاء أحدٌ يُخبرك بها، وإلا فاستنفقها، قال: يا رسول الله، فضالَّة الغنم؟ قال: لك، أو لأخيك، أو للذئب، قال: ضالَّة الإبل؟ فتَمَعَّر وجه النبي ﷺ، فقال: ما لك ولها؟! معها حذاؤها وسقاؤها، ترد الماء، وتأكل الشجر.

الشيخ: في الرواية الثانية عند مسلمٍ: مَن آوى ضالَّةً فهو ضالٌّ ما لم يُعرِّفها، وهذا يدخل فيه الغنم؛ لأنها تُلتقط.

وقوله: هي لك، أو لأخيك، أو للذئب ليس معناه أنه لا يُعرِّفها، يعني: لا تدعها، لا تتركها؛ لأنها تتلف، فخُذْهَا وعرِّفها؛ لأنها لك، أو لأخيك، أو للذئب، إما لصاحبها، أو لك، أو للذئب يفترسها، ما تُترك؛ لأنها لا تدفع عن نفسها، ولكن تُعرَّف.

س: مَن آوى ضالَّةً خاصٌّ بالحيوانات الضَّالة؟

ج: نعم، مَن آوى ضالَّةً فهو ضالٌّ مالم يُعرِّفها.

س: ما يدخل فيها النقود؟

ج: الضَّالة من الحيوانات، لكن وجوب التعريف معروفٌ بالنقود ونحوها، لكن وصفه بأنه ضالٌّ محل نظرٍ، لكنه على حال الظالم، إذا أخذها ولم يُعرِّفها فهو ظالمٌ، مُخالِفٌ للشرع، نعم.

س: لو وجد نقودًا هل له تنميتها؟

ج: له، إذا نمَّاها طيبٌ، إن حفظها فهو طيبٌ، وإن نمَّاها طيبٌ.

س: ينفصل المال الذي نمَّاه عن رأس المال؟

ج: على حسب نيته، إن كان نمَّاها لصاحبها فلا بأس، وإن نمَّاها للمُضاربة كالمضاربة، نعم.

س: هل يجب عليه إعادة عينها؟ إذا وجد مثلًا ساعةً ثم باعها، ولم يستطع؟

ج: يُسلم الثمن إذا باعها، خاف عليها من التلف فباعها، أو شاة باعها، أو شيءٌ خاف عليه وباعه؛ يُسلم الثمن، يكتبها عنده، ويُشهد عليها، ويكتبها عنده، ويحفظها، ومتى عرفها صاحبُها أعطاه الثمن.

س: ................؟

ج: أو ثمنها بشهادة اثنين من أهل الخبرة، وكتبها عنده، يُعطيه القيمة.

س: لكن لو تصدق بثمنها؟

ج: لا ..... لا يتصدق بها، يُنفقها، وإن تصدق به فهو على ضمانه، إذا جاء صاحبُها يُعطيه الثمن.

س: يُثمنها تثمينًا خفيفًا؟

ج: لا بد أن يُثمنها بقيمة المثل الذي تساويه في ذلك الوقت بشهادة أهل الخبرة.

باب ضالة الغنم

2428- حدثنا إسماعيل بن عبدالله، قال: حدثني سليمان بن بلال، عن يحيى، عن يزيد مولى المنبعث: أنه سمع زيد بن خالد يقول: سُئل النبي ﷺ عن اللُّقطة، فزعم أنه قال: اعرف عِفاصَها ووكاءَها، ثم عرِّفها سنةً، يقول يزيد: إن لم تعرف استنفق بها صاحبها، وكانت وديعةً عنده.

قال يحيى: فهذا الذي لا أدري: أفي حديث رسول الله ﷺ هو، أم شيءٌ من عنده؟

ثم قال: كيف ترى في ضالَّة الغنم؟ قال النبي ﷺ: خُذها، فإنما هي لك، أو لأخيك، أو للذئب، قال يزيد: وهي تُعرَّف أيضًا.

ثم قال: كيف ترى في ضالَّة الإبل؟ قال: فقال: دعها؛ فإن معها حذاءها وسقاءها، ترد الماء، وتأكل الشجر حتى يجدها ربُّها.

س: قوله: خذها؟

ج: يدل على أن هذا هو الأفضل إذا أمن نفسه واستطاع أخذها؛ حتى لا تضيع.

س: في بعض البيوت حَمَامٌ، وهذا الحمام يأتي إلى بيوتٍ أخرى، فهل يُعتبر ضالًّا؟

ج: الحمام من جنس بقية الصيد، ما هو بملكٍ لأحدٍ، إلا إذا عرفت أنه مال زيدٍ، أو مال عمرو، وإذا لم تعرف أنه مالٌ لأحدٍ فهو مثل الصيد، إلا إذا عرف أنه مالٌ لأحدٍ، أو عليه علامةٌ أنه مالٌ لأحدٍ ..... نفره، إن كان يُؤذيك نَفِّره، وإن أحسنتَ إليه جزاك الله خيرًا، أما إذا كان ما يُعرف فالأصل أنه من جنس بقية الصيود: الحمام الآخر.

س: قوله: خذها يدل على الوجوب؟

ج: يحتمل الوجوب، ويحتمل السنية؛ لأن تركها فيه نوع إضاعةٍ للمال، تركها يُعرِّضها للتلف، ولا تكون له، ولا لأخيه، فقد يأكلها الذئبُ، أو تموت عطشًا، فأخذها إما سنةٌ، وإما واجبٌ، والقول بالوجوب قولٌ قويٌّ؛ لأنه الأصل في الأوامر، لكن قد يكون الإنسان ما يستطيع أن يقوم باللازم، فإذا كان يخشى على نفسه فلا بأس بالترك، لعله يجد مَن هو أقوى منه عليها.

س: إذا ربيتُ الشاة، وجاءت لها ذُريةٌ، وجاء راعيها، أُعطيه ذُريتها .....؟

ج: الذي بعد السنة: لك الذرية الجديدة، أما الذرية التي في بطنها يوم تلقاها فهي تبعه، أو حملت بها في السنة الأولى فهي تبعه، نعم.

س: ..............؟

ج: يعني: مثلما قال: مَن آوى ضالَّةً فهو ضالٌّ مالم يُعرِّفها.

س: ..............؟

ج: قد يكون استنبطها من اللفظ الآخر، من حديث زيدٍ عند مسلمٍ: مَن آوى ضالَّةً فهو ضالٌّ مالم يُعرِّفها.

باب إذا لم يُوجد صاحب اللُّقطة بعد سنةٍ فهي لمن وجدها

2429- حدثنا عبدالله بن يوسف: أخبرنا مالك، عن ربيعة بن أبي عبدالرحمن، عن يزيد مولى المنبعث، عن زيد بن خالد قال: جاء رجلٌ إلى رسول الله ﷺ، فسأله عن اللُّقطة، فقال: اعرف عِفاصها ووكاءها، ثم عرِّفها سنةً، فإن جاء صاحبُها وإلا فشأنك بها، قال: فضالَّة الغنم؟ قال: هي لك، أو لأخيك، أو للذئب، قال: فضالَّة الإبل؟ قال: ما لك ولها؟! معها سِقاؤها وحِذاؤها، ترد الماء، وتأكل الشجر حتى يلقاها ربُّها.

باب إذا وجد خشبةً في البحر أو سوطًا أو نحوه

2430- وقال الليث: حدثني جعفر بن ربيعة، عن عبدالرحمن بن هرمز، عن أبي هريرة ، عن رسول الله ﷺ: أنه ذكر رجلًا من بني إسرائيل، وساق الحديث: فخرج ينظر لعل مركبًا قد جاء بماله، فإذا هو بالخشبة، فأخذها لأهله حطبًا، فلما نشرها وجد المال والصَّحيفة.

الشيخ: تقدم هذا الحديث: أن رجلًا من بني إسرائيل ممن قبلنا أتى رجلًا يستقرضه ألف دينارٍ -ألف جنيه- فقال له الرجل: هل من شهيدٍ؟ قال: كفى بالله شهيدًا. قال: هل من كفيلٍ؟ قال: كفى بالله وكيلًا. فأعطاه إياه قرضًا، ولم يُشهد عليه، ولم يأخذ منه ضمينًا إلى أجلٍ معلومٍ.

فذهب الرجل بالألف في حاجته، سافر لحاجته، فجاء الموعد وهو في السفر، فحرص أن يتوجه إلى البلد التي فيها صاحب القرض حتى ُيعطيه قرضه على الموعد، فلم يجد مركبًا كما تقدم، وكان حريصًا على الوفاء، فأخذ خشبةً فنقرها، ثم جعل فيها الألف الدينار، ثم زجَّج عليها، ثم قال: "اللهم إنك تعلم أني وعدتُه أني أُعطيه ماله في هذا اليوم، وأنا ما وجدتُ مركبًا، وإني أستودعك إياه"، ثم ألقاها في البحر، فساقها الله إلى ميناء البلد التي فيها صاحب القرض.

فخرج صاحب القرض لعله يجد صاحبه، لعل صاحبه يقدم، فوجد خشبةً في الميناء فأخذها حطبًا لأهله، فلما نشرها إذا فيها الدنانير والكتاب.

ثم جاء المقترض إليه بالألف الدينار، قال: يا أخي، إني حرصتُ أني آتيك بالموعد وما وجدتُ مركبًا، وهذا الألف الدينار الذي أعطيتني. قال: هل أرسلتَ إليَّ شيئًا؟ قال: ألم أقل لك: إني ما وجدتُ مركبًا؟! قال: إن الكتاب والمال الذي أرسلت في الخشبة قد وصل، وإن الله قد أوفى عنك، فارجع بمالك راشدًا.

هذا من شدة حرص الرجل على الوفاء بالوعد، لكن جاءت الشريعة المحمدية بأن الواجب حفظ المال وعدم إضاعته، وأن مثل هذا لا يفعله الإنسان، فالرسول ﷺ نهى عن إضاعة المال، فلا يُلقيه في البحر، ولا يفعل مثل هذا، وهو معذورٌ إذا ما وجد مركبًا، معذورٌ حتى يجد مركبًا، ثم يتوجه إلى صاحبه.

وفيه حُجَّة على أن الشيء القليل لا بأس أن يلتقطه الإنسان، ولا يُعرِّفه؛ لأن هذا أخذ الخشبة حطبًا، والنبي ﷺ أقرَّه، ولم يقل: إنه أخطأ في هذا. فهذا إذا وجد شيئًا: حطبًا في الطريق ما له قيمةٌ، أو عصًا ما لها قيمةٌ، أو حبلًا، أو شيئًا ما له أهميةٌ، ما يحتاج إلى تعريفه، مثل حديث: أن النبي ﷺ وجد تمرةً في الطريق فقال: لولا أني أخشى أن تكون من الصدقة لأكلتُها، تمرةٌ ما لها قيمةٌ لا تحتاج إلى تعريفٍ، وأشباه ذلك من الأشياء التي ليس لها أهميةٌ لا تحتاج إلى تعريفٍ. نعم.

باب إذا وجد تمرةً في الطريق

2431- حدثنا محمد بن يوسف: حدثنا سفيان، عن منصور، عن طلحة، عن أنسٍ قال: مرَّ النبي ﷺ بتمرةٍ في الطريق، قال: لولا أني أخاف أن تكون من الصدقة لأكلتُها.

2432- وقال يحيى: حدثنا سفيان: حدثني منصور. وقال زائدة: عن منصورٍ، عن طلحة: حدثنا أنسٌ.

حدثنا محمد بن مُقاتل: أخبرنا عبدالله: أخبرنا معمر، عن همام بن مُنبه، عن أبي هريرة ، عن النبي ﷺ قال: إني لأنقلب إلى أهلي فأجد التَّمرة ساقطةً على فراشي، فأرفعها لآكلها، ثم أخشى أن تكون صدقةً فأُلقيها.

الشيخ: تقدم أن هذا من باب الورع، من باب ترك المشتبهات: دع ما يريبك إلى ما لا يريبك؛ لأن الله حرَّم على النبي ﷺ الزكاة، وقال: إنها لا تنبغي لآل محمدٍ، إنما هي أوساخ الناس، وكان يدع التمرة التي قد تقع على فراشه، أو في الطريق، يخشى أن تكون من الزكاة المحرَّمة عليه، فهذا فيه الورع: ومَن اتَّقى الشُّبهات فقد استبرأ لدينه وعِرْضه، فإذا وجد شيئًا في بيته يخشى أن يكون مُحرَّمًا عليه فمن الورع تركه: دع ما يريبك إلى ما لا يريبك، وهكذا المكاسب التي يشكُّ فيها، الورع أن يدعها، أو يتصدق بها، نعم.

باب كيف تُعرَّف لُقطة أهل مكة؟

وقال طاووس: عن ابن عباسٍ رضي الله عنهما، عن النبي ﷺ قال: لا يلتقط لُقطتها إلا مَن عرَّفها.

وقال خالد: عن عكرمة، عن ابن عباسٍ، عن النبي ﷺ قال: لا تُلتقط لُقطتها إلا لـمُعَرِّفٍ.

2433- وقال أحمد بن سعيد: حدثنا روح: حدثنا زكرياء: حدثنا عمرو بن دينار، عن عكرمة، عن ابن عباسٍ رضي الله عنهما: أن رسول الله ﷺ قال: لا يُعضد عضاهها، ولا يُنفر صيدها، ولا تحلّ لُقطتها إلا لمنشِدٍ، ولا يُختلى خلاها، فقال عباسٌ: يا رسول الله، إلا الإذخر. فقال: إلا الإذخر.

الشيخ: وهذا خاصٌّ بالحرمين، لُقطة الحرمين لا تُملك؛ لقوله ﷺ: ولا تحلّ ساقطتها إلا لـمُعَرِّفٍ إلا لمنشدٍ، فدلَّ على أنها لا تُملك، لا بد من تعريفها أبدًا.

وهكذا حرم المدينة؛ لقول النبي ﷺ: إني حرمتُ المدينة كما حرَّم إبراهيم مكة، فإذا وجد لُقطةً في مكة أو في المدينة فإنه يُعرِّفها أبدًا، أو يدفعها إلى الهيئة الموكول لها ..... الحرم، كالمحكمة؛ حتى تُحفظ لأصحابها؛ لأن الحرمين موضعٌ يرتاده الناس من الحجاج والعُمَّار والزُّوَّار، فتكثر منه اللُّقطات، وهم يترددون إلى مكة للعمرة والحج، فبإمكانهم أن يسألوا عنها بعد رجوعهم ويجدوها، فالملتقط إما أن يُعرِّفها، وإما أن يُسلِّمها لمن عُيِّن من جهة الدولة لهذا الشيء: لحفظ اللُّقطات لأهلها، نعم.

س: ما لها وقتٌ مخصوصٌ لُقطة مكة؟

ج: دائمًا، لا تُملك أبدًا، النبي ﷺ قال: ولا تحلّ ساقطتها إلا لـمُعَرِّفٍ.

س: أيُّهما أفضل: تركها أم أخذها؟

ج: يعمل الأصلح، الذي يراه أصلح، إن كان يقوى على التعريف يأخذها، أو يُسلمها للهيئة الموكول لها الأمر، وإن كان يخشى ألا يقوم بالواجب -كأن يطمع فيها- يتركها.

س: خاصٌّ بالحرم فقط، أو مكة كلها؟

ج: الحرم كله، داخل الحدود، داخل حدود الحرم.

س: تحريم المدينة هل يشمل تحريم حرم المدينة؟ هل فيه دليلٌ يخص اللُّقطة؟

ج: يشمل، يعمّ: إني حرَّمتُ المدينة كما حرَّم إبراهيم مكة في "الصحيحين".

س: يشمل حكم اللُّقطة؟

ج: يشمل، نعم.

س: ...............؟

ج: الواجب تعريفها، الواجب أن تعرفوا قيمتها وتُعَرَّف، تعرفون قيمتها وكُلوها، عليكم القيمة فقط، أما الأكل فكلوها لئلا تفسد، كلوها، أو بيعوها.

س: أكلناها؟

ج: عليكم قيمتها، تُعرَّف، فإن عُرفت وإلا فهي لكم.

س: ................؟

ج: إذا طالت المدةُ يتصدق بها الإنسان عن صاحبها إذا كان ما عرفها.

س: تغليظ الحرم المكي ما يدل على أن اللُّقطة خاصَّة به؟

ج: لا، لا، ما دام المصطفى قال: حرَّمتُ المدينة كما حرَّم إبراهيم مكة، اللهم صلِّ عليه.

س: إبراهيم عليه السلام هل حرَّم لُقطة مكة؟

ج: أخبر النبي ﷺ أنها لا تحلّ ساقطتها، هذا معناه أنه داخلٌ في التحريم، والله الذي حرَّمها يوم خلق السَّماوات والأرض، لكن إبراهيم أعلن تحريمها، يعني: بلَّغه للناس، وإلا ففي الحديث الصحيح: إن الله حرَّم مكة يوم خلق السَّماوات والأرض، فهي حرامٌ بحُرمة الله إلى يوم القيامة، لا يُعضد شجرها، ولا يُنفر صيدها، ولا تحلّ لُقطتها إلا لـمُعَرِّفٍ.

س: يقول: شريعة نبينا ما نسخت الشَّرائع الأولى كلها؟

ج: يقول: حرَّمتُ كما حرم إبراهيم مكة، أقرَّه النبي ﷺ، جاءت شريعتنا بهذا، شريعتنا جاءت بشريعة إبراهيم في هذا الشيء.

2434- حدثنا يحيى بن موسى: حدثنا الوليد بن مسلم: حدثنا الأوزاعي، قال: حدثني يحيى بن أبي كثير، قال: حدثني أبو سلمة بن عبدالرحمن، قال: حدثني أبو هريرة قال: لما فتح الله على رسوله ﷺ مكة قام في الناس، فحمد الله وأثنى عليه، ثم قال: إن الله حبس عن مكة الفيل، وسلَّط عليها رسوله والمؤمنين، فإنها لا تحلّ لأحدٍ كان قبلي، وإنها أُحِلَّت لي ساعةً من نهارٍ، وإنها لا تحلّ لأحدٍ بعدي، فلا يُنفر صيدها، ولا يُختلى شوكها، ولا تحلّ ساقطتُها إلا لمنشدٍ، ومَن قُتل له قتيلٌ فهو بخير النَّظرين: إما أن يُفدى، وإما أن يقيد، فقال العباس: إلا الإذخر؛ فإنا نجعله لقبورنا وبيوتنا. فقال رسول الله ﷺ: إلا الإذخر، فقام أبو شاه -رجلٌ من أهل اليمن- فقال: اكتبوا لي يا رسول الله. فقال رسول الله ﷺ: اكتبوا لأبي شاه.

قلتُ للأوزاعي: ما قوله: اكتبوا لي يا رسول الله؟ قال: هذه الخطبة التي سمعها من رسول الله ﷺ.

الشيخ: وهذا الحديث من أدلة كتابة الحديث، والنبي ﷺ كان قد نهى عن الكتابة، ثم أذن في الكتابة، وهذا من أدلة الكتابة، نعم.

س: الحديث الذي فيه: نهى عن لُقطة الحاج؟

ج: محمولٌ على هذا، يعني: لُقطة الحرمين، وبعضهم ألحق بذلك الطريق، مَن كان في طريق الحجاج، الذي يغلب على الظن أنها من لُقطتهم تُعرَّف، ولكن حمله على لُقطة الحاج في الحرمين أقرب، والله أعلم.

س: ...............؟

ج: لعل هذا قبل أن يُبين لهم النبي ﷺ حُرمتها، أو أن أُبيًّا وجدها في غير المدينة، في غير الحرم، إما أنه وجدها في غير الحرم، أو لأسبابٍ أخرى.

س: ما تُحمل على التخصيص؟

ج: ما هو بالظاهر، نعم.

باب لا تُحتلب ماشية أحدٍ بغير إذنه

2435- حدثنا عبدالله بن يوسف: أخبرنا مالك، عن نافع، عن عبدالله بن عمر رضي الله عنهما: أن رسول الله ﷺ قال: لا يحلبنَّ أحدٌ ماشية امرئٍ بغير إذنه، أيُحب أحدكم أن تُؤتى مشربته، فتُكسر خزانته، فينتقل طعامه؟ فإنما تُخزن لهم ضروع مواشيهم أطعمتهم، فلا يحلبن أحدٌ ماشية أحدٍ إلا بإذنه.

الشيخ: وهذا -والله أعلم- يعني: إذا كانت عند مالكها، أو قريبة من مالكها، أما إذا كانت ضالةً، لُقطةً، تُحلب؛ لأنه لو تُرك أضرها، فالمقصود أنها إذا كانت عند مالكها لا تُحلب إلا بإذنه، أما الضَّالة فغير داخلةٍ في هذا.

س: النهي عن لُقطة الحاج؟

ج: محتمل أنها إن كانت في طريق الحاج؛ لأنها كالتي في الحرم، ومَن يتردد إلى الحرمين، فينبغي أن يُعرِّفها دائمًا، أو يُعطيها للجنة المعدة أو الهيئة المعدة لهذا الشيء، ويحتمل أن المراد بلُقطة الحاج ما كان في الحرمين، يعني: ما كان في حرم مكة، أو ما كان في حرم المدينة، هذا رواه مسلمٌ.

س: النهي محمولٌ على أي شيءٍ؟

ج: يعني: عن تملكها، والله أعلم، يعني: لا تُؤخذ إلا للتعريف؛ لأنها بالترك قد تضيع، تركها قد يتسبب في ضياعها، والمقصود حفظها، لا إضاعتها، نعم.

س: بالنسبة للنبات والحشيش الذي ينبت بنفسه في مكة؟

ج: لا يُحتشُّ، يُرعى، لا يُحتشّ: لا يُختلى خلاها، يعني: هذا الحشيش لا يُحتشُّ، يُترك للرعي.

باب إذا جاء صاحب اللُّقطة بعد سنةٍ ردَّها عليه؛ لأنها وديعةٌ عنده

2436- حدثنا قتيبة بن سعيد: حدثنا إسماعيل بن جعفر، عن ربيعة بن أبي عبدالرحمن، عن يزيد مولى المنبعث، عن زيد بن خالد الجهني : أن رجلًا سأل رسول الله ﷺ عن اللُّقطة، قال: عرِّفها سنةً، ثم اعرف وكاءها وعِفاصها، ثم استنفق بها، فإن جاء ربُّها فأدِّها إليه، قالوا: يا رسول الله، فضالَّة الغنم؟ قال: خُذها، فإنما هي لك، أو لأخيك، أو للذئب، قال: يا رسول الله، فضالَّة الإبل؟ قال: فغضب رسول الله ﷺ حتى احمرَّت وجنتاه -أو احمرَّ وجهه-، ثم قال: ما لك ولها؟! معها حذاؤها وسِقاؤها حتى يلقاها ربُّها.

باب: هل يأخذ اللُّقطة ولا يدعها تضيع حتى لا يأخذها مَن لا يستحق؟

2437- حدثنا سليمان بن حرب: حدثنا شعبة، عن سلمة بن كهيل، قال: سمعتُ سُويد بن غفلة قال: كنتُ مع سلمان بن ربيعة وزيد بن صوحان في غزاةٍ، فوجدتُ سوطًا، فقالا لي: ألقِه. قلت: لا، ولكن إن وجدتُ صاحبه، وإلا استمتعتُ به. فلما رجعنا حججنا، فمررتُ بالمدينة، فسألتُ أُبي بن كعب ، فقال: وجدتُ صُرَّةً على عهد النبي ﷺ فيها مئة دينارٍ، فأتيتُ بها النبي ﷺ فقال: عرِّفها حولًا، فعرَّفتُها حولًا، ثم أتيتُ، فقال: عرِّفها حولًا، فعرَّفتُها حولًا، ثم أتيتُه، فقال: عرِّفها حولًا، فعرَّفتها حولًا، ثم أتيتُه الرابعة، فقال: اعرف عدتها، ووكاءها، ووعاءها، فإن جاء صاحبها، وإلا استمتع بها.

حدثنا عبدان، قال: أخبرني أبي، عن شعبة، عن سلمة، بهذا، قال: فلقيتُه بعدُ بمكة، فقال: لا أدري: أثلاثة أحوالٍ، أو حولًا واحدًا؟

الشيخ: السوط في الغالب ليس له قيمةٌ، فهو مما يُتسامح فيه، لكن ظاهر كلام زيد بن صوحان لصاحبه أنه يتركه، أو يُعرِّفه، ولعل هذا سوطٌ له قيمةٌ، هل تكلم الشارح عليه؟

القارئ: قوله: "باب: هل يأخذ اللُّقطة ولا يدعها تضيع حتى لا يأخذها مَن لا يستحق؟" كذا للأكثر، وسقطت "لا" بعد "حتى" عند ابن شبويه، وأظن الواو سقطت من قبل "حتى"، والمعنى: لا يدعها فتضيع، ولا يدعها حتى يأخذها مَن لا يستحقّ.

وأشار بهذه الترجمة إلى الرد على مَن كره اللُّقطة، ومن حُجَّتهم حديث الجارود مرفوعًا: ضالَّة المسلم حرق النار أخرجه النسائي بإسنادٍ صحيحٍ.

وحمل الجمهور ذلك على مَن لا يُعرِّفها، وحُجَّتهم حديث زيد بن خالد عند مسلمٍ: مَن آوى الضَّالة فهو ضالٌّ ما لم يُعرِّفها.

وأما ما أخذه من حديث الباب فمن جهة أنه ﷺ لم يُنكر على أبي أخذه الصُّرة، فدلَّ على أنه جائزٌ شرعًا، ويستلزم اشتماله على المصلحة، وإلا كان تصرفًا في ملك الغير، وتلك المصلحة تحصل بحفظها وصيانتها عن الخونة وتعريفها لتصل إلى صاحبها، ومن ثم كان الأرجح من مذاهب العلماء أن ذلك يختلف باختلاف الأشخاص والأحوال، فمتى رجح أخذها وجب أو استُحبَّ، ومتى رجح تركها حرم أو كره، وإلا فهو جائزٌ.

الشيخ: يعني: على حسب حال الرجل؛ إن خشي عليها التَّلف، ووثق من نفسه أخذها وجوبًا أو استحبابًا حتى يصونها ويُعرِّفها، فإن كان يخشى أن يطمع فيها تركها؛ لئلا يقع شرٌّ، أو في محلٍّ آمنٍ سوف يجدها مَن يقوم باللازم.

المقصود أنه يختلف الحال، الأصل أنه يُشرع له أخذها، وأن يقوم بالواجب؛ حفظًا لمال أخيه، وقد يجب عليه إذا خشي التلف عليها؛ لأن المسلم أخو المسلم، والنبي يقول: المسلم أخو المسلم: لا يظلمه، ولا يُسلمه.

فإذا كانت في محلٍّ يغلب على ظنه أو يتيقن أنه لو تركها ذهبت أخذها، أو ناسٌ لا يُبالون، فإنه يأخذها ويُعرِّفها ويُحسن إلى أخيه.

وأما السوط فتقدم التفصيل فيه: إن كانت له قيمةٌ عرَّفه، وإن كان ما له أهمية فهو مثل العصا، ومثل الحطب، ومثل الحبل، ومثل شسع النعل، الأشياء التي ما لها أهمية، ما لها تعريفٌ: إن شاء أخذها، وإن شاء تركها، نعم.

س: إذا وجد شيئًا لكنه مُحرَّمٌ هل يُعيده لصاحبه؟

ج: مثل؟

س: مثل: أن يجد شيئًا من ذهبٍ يستعمله الرجال: كساعةٍ أو غيرها؟

ج: يُعطيه إياه، الذهب يُباع، تستعمله النساء، يُكسر ويُباع، أما إذا وجد خمرًا يُريقه، يُتلفه، نعم، أما الذهب فهو مالٌ مُحترمٌ.

س: الضابط القريب من النقود: إذا كان خمسينًا أو عشرةً؟

ج: على حسب البلاد، إذا كان الناس في حاجةٍ ويُقدرون الدراهم القليلة -ولو عشرة- يلتقطها، وإن كان في بلدٍ فاض فيه المال، ولا يُبالون بالخمسين ولا الثلاثين -مثل الرياض الآن وأشباهها- فهي ما تحتاج إلى تعريفٍ، إن أخذها فلا بأس، وإن تركها فلا بأس، تختلف الأحوال.

س: الحبوب المضرة؟

ج: إن كانت مُضرةً يُتلفها.

س: هذا يرجع إلى اجتهاد الآخذ؟

ج: إلى اجتهاده، نعم، الشيء الذي يحتمل أنه حقيرٌ، ويحتمل أنه ما هو بحقيرٍ، يجتهد، نعم.

..............

باب مَن عرَّف اللُّقطة ولم يدفعها إلى السلطان

الشيخ: بركة، انظر كلامه على حديث أُبي، وهو أول حديثٍ، لعله يتعرض للقطة المدنية، أول حديثٍ.

القارئ: قوله: "باب إذا أخبره ربُّ اللُّقطة بالعلامة دفع إليه" أورد فيه حديث أُبي بن كعب: "أصبتُ صُرَّةً فيها مئة دينارٍ" كذا للمُستملي، وللكشميهني: "وجدتُ"، وللباقين: "أخذتُ"، ولم يقع في سياقه ما ترجم به صريحًا، وكأنه أشار إلى ما وقع في بعض طرقه كما سيأتي ذكره.

قوله: "حدثنا آدم: حدثنا شعبة. وحدثني محمد بن بشار: حدثنا غندر: حدثنا شعبة. هكذا ساقه عاليًا ونازلًا، والسياق للإسناد النازل، وقد أخرجه البيهقي من طريق آدم مُطولًا.

قوله: فإن جاء صاحبُها وإلا فاستمتع بها في رواية حماد بن سلمة وسفيان الثوري وزيد ابن أنيسة.

مداخلة: زيد ابن أنيسة، أو ابن أبي أنيسة؟

الشيخ: الذي أذكر: ابن أبي أنيسة، أيش عندك؟

القارئ: وزيد ابن أنيسة، انظر "التقريب".

عند مسلمٍ، وأخرجه مسلمٌ والترمذي والنسائي من طريق الثوري، وأحمد وأبو داود.

مداخلة: أقول: المسألة هذه تعرَّض لها في باب "كيف تُعرَّف لُقطة أهل مكة؟" ..... تعرَّض له في الباب الذي بعده، ما تعرَّض له في هذا الباب.

الشيخ: معك الآن؟ حاضرٌ؟

الطالب: إي، نعم.

الشيخ: اقرأه، أسرع، الذي حضر أسرع من الذي يبحث.

الطالب: في آخر البحث، عفا الله عنك.

الشيخ: أيش قال؟

الطالب نقلًا عن "الفتح": واستدلّ به على أن لُقطة عرفة والمدينة النبوية كسائر البلاد؛ لاختصاص مكة بذلك.

وحكى الماوردي في "الحاوي" وجهًا في عرفة: أنها تلتحق بحكم مكة؛ لأنها تجمع الحاج كمكة، ولم يُرجح شيئًا، وليس الوجه المذكور في "الروضة" ولا أصلها، واستدلّ به على جواز تعريف الضَّالة في المسجد الحرام، بخلاف غيره من المساجد، وهو أصح الوجهين عند الشافعية، والله أعلم.

الشيخ: يلتمس هذا في كلام غيره في بحث لُقطة المدينة، فظاهر الحديث أنها مثل مكة، وحديث أُبي إما أن يكون وجدها في غير المدينة، وإما أنه كان قبل أن يُبين النبي ﷺ أن حُرمة المدينة كمكة.

س: اختصاص المسجد الحرام، هذا صوابٌ؟

ج: في المسجد ليس بصوابٍ، ليس بشيءٍ، ليس بصوابٍ، ولا يُستثنى، يُنادي عليها في غير مكة.

القارئ: واستدلّ بحديثي ابن عباسٍ وأبي هريرة المذكورين في هذا الباب على أن لُقطة مكة لا تُلتقط للتَّمليك، بل للتَّعريف خاصةً، وهو قول الجمهور، وإنما اختصت بذلك عندهم لإمكان إيصالها إلى ربها؛ لأنها إن كانت للمكي فظاهر، وإن كانت للآفاقي فلا يخلو أفقٌ غالبًا من واردٍ إليها، فإذا عرَّفها واجدُها في كل عامٍ سهل التوصل إلى معرفة صاحبها. قاله ابن بطال.

وقال أكثر المالكية وبعض الشافعية: هي كغيرها من البلاد، وإنما تختص مكة بالمبالغة في التعريف؛ لأن الحاج يرجع إلى بلده، وقد لا يعود، فاحتاج الملتقط بها إلى المبالغة في التعريف.

واحتج ابن المنير لمذهبه بظاهر الاستثناء؛ لأنه نفى الحلّ، واستثنى المنشد، فدلَّ على أن الحلَّ ثابتٌ للمُنشد؛ لأن الاستثناء من النفي إثباتٌ.

قال: ويلزم على هذا أن مكة وغيرها سواء، والقياس يقتضي تخصيصها.

والجواب: أن التخصيص إذا وافق الغالب لم يكن له مفهومٌ، والغالب أن لُقطة مكة ييأس مُلتقطها من صاحبها، وصاحبها من وجدانها؛ لتفرق الخلق إلى الآفاق البعيدة، فربما داخل الملتقط الطمع في تملكها من أول وهلةٍ؛ فلا يُعرِّفها، فنهى الشارع عن ذلك، وأمر ألا يأخذها إلا مَن عرَّفها، وفارقت في ذلك لُقطة العسكر ببلاد الحرب بعد تفرقهم، فإنها لا تُعرَّف في غيرهم باتفاقٍ، بخلاف لُقطة مكة، فيُشرع تعريفها؛ لإمكان عود أهل أفق صاحب اللُّقطة إلى مكة، فيحصل متوصل إلى معرفة صاحبها.

وقال إسحاق بن راهويه: قوله: إلا لمنشِدٍ أي: لمن سمع ناشدًا يقول: مَن رأى لي كذا. فحينئذٍ يجوز لواجد اللُّقطة أن يُعرِّفها؛ ليردَّها على صاحبها. وهو أضيق من قول الجمهور؛ لأنه قيده بحالةٍ للمُعرِّف دون حالةٍ.

وقيل: المراد بالمنشد الطالب. حكاه أبو عبيد، وتعقبه بأنه لا يجوز في اللغة تسمية الطالب مُنشدًا.

قلت: ويكفي في ردِّ ذلك قوله في حديث ابن عباسٍ: لا يلتقط لُقطتها إلا مُعرِّفٌ، والحديث يُفسر بعضه بعضًا، وكأن هذا هو النكتة في تصدير البخاري الباب بحديث ابن عباسٍ، وأما اللغة فقد أثبت الحربي جواز تسمية الطالب مُنشدًا، وحكاه عياضٌ أيضًا، واستدل به على أن لُقطة عرفة والمدينة النبوية كسائر البلاد؛ لاختصاص مكة بذلك.

وحكى الماوردي في "الحاوي" وجهًا في عرفة: أنها تلتحق بحكم مكة؛ لأنها تجمع الحاج كمكة، ولم يُرجح شيئًا، وليس الوجه المذكور في "الروضة" ولا أصلها، واستدلّ به على جواز تعريف الضَّالة في المسجد الحرام، بخلاف غيره من المساجد، وهو أصح الوجهين عند الشافعية، والله أعلم.

الشيخ: يحتاج إلى مزيدٍ من جهة المتن؛ لأن الرسول ﷺ قال: أنه حرَّمها كما حرَّم إبراهيم مكة.

وأما قوله في المسجد الحرام: "تُعرَّف" فهذا ليس بشيءٍ، الصواب أن المسجد الحرام أعظم من غيره حُرمةً، فلا تُعرَّف فيه اللُّقطة، لو عُرِّفت فيه اللُّقطات امتلأ بالصياح، لكن تُعرَّف في بقية مكة، في أسواقها، دون مساجدها.

مداخلة: بالنسبة لزيد ابن أنيسة ذكر في آخر الشرح قال: وأخرجه مسلمٌ من طريق الأعمش والثوري وزيد ابن أبي أنيسة.

الشيخ: انظر "التقريب": زيد ابن أنيسة، أو ابن أبي أنيسة.

الطالب: زيد ابن أبي أنيسة الجزري، أبو أسامة، أصله من الكوفة، ثم سكن .....، ثقةٌ، له أفراد، من السادسة، مات سنة تسع عشرة، وقيل: سنة أربعٍ وعشرين. وله ستٌّ وثلاثون سنةً. (الجماعة).

الشيخ: "أبي" ساقطةٌ عندك: أبي أنيسة، نعم.

................