37- كتاب الإجارة
باب استئجار الرجل الصالح
وقول الله تعالى: إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ [القصص:26]، والخازن الأمين، ومَن لم يستعمل مَن أراده.
2260- حدثنا محمد بن يوسف: حدثنا سفيان، عن أبي بُردة قال: أخبرني جدي أبو بُردة، عن أبيه أبي موسى الأشعري قال: قال النبي ﷺ: الخازن الأمين الذي يُؤدي ما أُمِرَ به طيبةً نفسه أحد المتصدِّقين.
2261- حدثنا مسدد: حدثنا يحيى، عن قرة بن خالد قال: حدثني حميد بن هلال: حدثنا أبو بُردة، عن أبي موسى قال: أقبلتُ إلى النبي ﷺ ومعي رجلان من الأشعريين، فقلت: ما عملتُ أنهما يطلبان العمل. فقال: لن -أو لا- نستعمل على عملنا مَن أراده.
الشيخ: الإجارة عقدٌ شرعيٌّ إذا استوفى شروطه: فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ [الطلاق:6].
والواجب على المؤجِّر والمؤجَّر له أداء الأمانة، والصدق، والنصح، وعدم الغش؛ ولهذا يقول النبي ﷺ: يقول الله : ثلاثةٌ أنا خصمهم يوم القيامة: رجلٌ أعطى بي ثم غدر، ورجلٌ باع حرًّا فأكل ثمنه، ورجلٌ استأجر أجيرًا فاستوفى منه ولم يُعطه أجره، ويقول في هذا الحديث الصحيح: الخازن المسلم الأمين الذي يُؤدي ما أُمِرَ به طيبةً به نفسه أحد المتصدِّقِين، وفي اللفظ الآخر: أحد المتصدِّقَين، ضُبِطَ بالجمع والتثنية.
فالمقصود أن الأجير والوكيل الذي يُؤدي العمل كاملًا مُوفرًا بأمانةٍ وصدقٍ وإخلاصٍ وطيب نفسٍ شريكٌ للمُتصدِّق، له مثل أجره، هذا من فضل الله جلَّ وعلا، كما أن مَن دلَّ على خيرٍ فله مثل أجر فاعله، كما في الحديث الصحيح: يقول النبي ﷺ: مَن دلَّ على خيرٍ فله مثل أجر فاعله أخرجه مسلمٌ في "صحيحه" من حديث أبي مسعودٍ البدري .
وفي الصحيح أيضًا من حديث أبي هريرة: يقول ﷺ: مَن دعا إلى هدًى كان له من الأجر مثل أجور مَن تبعه، لا ينقص ذلك من أجورهم شيئًا، فهكذا مَن كان وكيلًا، وزيرًا، أجيرًا، إذا أدَّى ما أُسند إليه بأمانةٍ وإخلاصٍ وصدقٍ فله أجرٌ عظيمٌ، وإن كان في صدقةٍ فله مثل أجر المتصدق؛ لأنه شارك في الخير وأعانه عليه، وإن كان في دلالةٍ على الخير فله مثل أجره، وإن كان في عملٍ فله أجر أمانته وإخلاصه في أداء العمل.
فليحرص الوكيل والوزير والأمين والأجير على النصح والصدق في العمل، والنصح والإخلاص فيه، وأن يؤدي في غايةٍ من الإتقان والعناية وعدم النقص والخلل، وإن كانت عطيةً فليدفعها إلى مَن هي له بكل عنايةٍ في غاية الكمال واللطف، وعدم الأذى، وعدم المطل، يُنجز له حقَّه في غايةٍ من الأمانة والرفق والحكمة.
ثم إن الأعمال ينبغي ألا تُسند إلى مَن طلبها وحرص عليها كما في هذا الحديث: لا نُولي عملنا مَن أراده، وفي حديث عبدالرحمن بن سمرة في "الصحيحين": إنا لا نُولي هذا الأمر مَن طلبه، ولا مَن حرص عليه؛ لأنه مظنة ألا يُوفَّق، وألا يُخلص، بخلاف مَن أُسند إليه بغير طلبٍ، فهو حريٌّ بالإعانة والتوفيق، كما في حديث عبدالرحمن بن سمرة: أن النبي ﷺ قال: يا عبدالرحمن، لا تسأل الإمارة، فإنك إن أُعطيتها عن مسألةٍ وُكلتَ إليها، وإن أُعطيتها عن غير مسألةٍ أُعنت عليها.
فإذا ابتُلي الإنسان بالوزارة، أو بالقضاء، أو بالإمارة، أو بالأمانة على شيءٍ، فليتَّقِ الله، وليُخلص، وليصدق، وليتحرى براءة الذمة، وليتحرى إيصال الحقِّ لأهله، غير مُتَعْتَعٍ، غير شاقٍّ على أهله، غير مُؤْذٍ لهم، نعم.
س: قول يوسف: اجْعَلْنِي عَلَى خَزَائِنِ الْأَرْضِ [يوسف:55]؟
ج: إذا دعت الحاجةُ إلى ذلك فلا بأس، إذا دعت المصلحةُ فلا بأس أن يطلب إذا رأى المصلحة في ذلك، لا لحظِّ نفسه، بل لحظ المسلمين، فلا بأس، هذا مُستثنًى للآية الكريمة في سورة يوسف، وذكرها مُقرِّرًا لها، ومُثْنِيًا على يوسف بذلك، فذكره لها سبحانه تقريرٌ لها ..... فيها: اجْعَلْنِي عَلَى خَزَائِنِ الْأَرْضِ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ، أراد يوسف عليه الصلاة والسلام رحمة الناس ومصلحة العباد.
ومن هذا الباب حديث عثمان بن أبي العاص الثقفي: أنه قال: يا رسول الله، اجعلني إمام قومي. قال: أنت إمامهم، واقتدِ بأضعفهم، واتخذ مُؤذنًا لا يأخذ على أذانه أجرًا، فسأل عثمانُ وأجابه، مع أنه يقول: لا نُولي هذا الأمر مَن طلبه، ولا مَن حرص عليه، لكن إذا اقتضت المصلحة طلبه واقتضت المصلحة أن يُولَّى وُلِّيَ، فإن الإنسان قد يطلبها لأنه رأى الخلل، فيطلبها لأجر إزالة الخلل، لا لحظِّ نفسه، فهو مأجورٌ في هذه الحالة، يطلب القضاء، أو الإمارة، أو الأذان، أو الإمامة، أو الوكالة على أشياء تنفع المسلمين، فيطلبها لا لحظِّ نفسه، بل يطلبها للمصلحة العامَّة، فإن هذا جديرٌ بأن يُعطاها إذا كان أهلًا لذلك، نعم.
باب رعي الغنم على قراريط
2262- حدثنا أحمد بن محمد المكي: حدثنا عمرو بن يحيى، عن جدِّه، عن أبي هريرة ، عن النبي ﷺ قال: ما بعث الله نبيًّا إلا رعى الغنم، فقال أصحابه: وأنت؟ فقال: نعم، كنتُ أرعاها على قراريط لأهل مكة.
الشيخ: وفي هذا أن رعي الغنم ليس فيه نقصٌ ولا عيبٌ، رعي الغنم فيه مصالح للإنسان ولغنمه وللمسلمين، ينفعهم برعي الغنم: يبيع عليهم، أو يتصدق عليهم، أو يُوزع ألبانًا، أو يبيع ألبانًا، ومن الحكمة في ذلك -في تولي الأنبياء لرعي الغنم- أن ينتقلوا من رعي البهائم إلى رعاية المكلَّفين؛ لأن رعي الغنم يتطلب من الراعي العناية بالطرق السهلة، والعناية بالمرعى الطيب، والعناية بمواضع الماء الميسرة، فمن رحمة الله ومن حكمته أنه ما من نبيٍّ إلا رعى الغنم؛ حتى ينتقل من رعاية البهائم إلى رعاية المكلَّفين، ويكون هذا تمهيدًا وتمرينًا على الرعاية الكبرى، ينتقل من الرعاية الصُّغرى إلى الرعاية الكبرى، فالناس في حاجةٍ إلى مَن يُسهل لهم أمور دينهم ومعاشهم؛ حتى يُؤدوا ما أوجب الله عليهم بسهولةٍ، وهم في حاجةٍ إلى المواساة والإحسان في كل ما يتعلق بمعاشهم وحياتهم وشؤونهم، كما أن لهم حاجةً شديدةً فيما يتعلق بدينهم أعظم وأكبر، وهكذا في دنياهم.
والراعي عليه أن يتحرى هذا وهذا؛ الراعي عليه أن يتحرى ما يتعلق بمصلحة الدين أعظم وأكبر، ومصلحة الدنيا، سواء كان السلطان الأعظم، أو أمراء المناطق وشيوخ القبائل، ونحوهم، كلهم عليهم أن يرعوا مصالح الأمة: الدينية والدنيوية فيما أُسند إليهم بكل إخلاصٍ، وبكل أمانةٍ وصدقٍ، ولا يتساهلون في ذلك، وعليهم أن يتَّقوا الله فيما وكل إليهم.
س: ..... الأكثر يستعملون الكفار .....؟
ج: ما يجوز في هذه الجزيرة تولية الكفار ولا استقدامهم، الرسول ﷺ نهى عن هذا وقال: لأُخرجنَّ اليهود والنصارى من جزيرة العرب حتى لا أدع إلا مسلمًا، وقال: لا يجتمع في هذه الجزيرة دينان، وأوصى عليه الصلاة والسلام بإخراجهم من هذه الجزيرة.
فالواجب على الشركات وغيرها من الناس ألا يستقدموا إلا المسلمين، وأن يتحروا أيضًا؛ فحتى مَن ينتسب إلى الإسلام قد ينتسب وهو ليس بصادقٍ، فالواجب أن يتحروا أيضًا في استقدام المسلمين ألا يستقدموا إلا مَن عُرِفَ بالإسلام حقيقةً والاستقامة؛ حتى لا يضروا أنفسهم، وحتى لا يضروا الناس خاصةً في هذه الجزيرة؛ لأنها مهد الإسلام، ومنبع الإسلام، فلا يجوز أن يجتمع فيها دينان، لكن عند الضَّرورة؛ إذا رأى ولي الأمر استقدام أحدٍ لمصلحة المسلمين استقدامًا خاصًّا مُؤقتًا لصنعةٍ يحتاجها المسلمون، أو طبٍّ يحتاجه المسلمون، ثم يعود، أما توسع الناس في هذا فهو غلطٌ يجب منعه.
وقد وعد ولي الأمر -وفَّقه الله- بالعناية بهذا الأمر، ونسأل الله أن يُعينه على الأخذ على أيدي هؤلاء الناس الذين تساهلوا في هذه الأمور.
والوصية لكل واحدٍ منكم أن ينصح مَن حوله ألا يستقدم خادمًا، أو سائقًا، أو خادمةً إلا المسلم: الدين النَّصيحة، والمسلمون إخوة، كلهم إخوة، والمسلمون يتعاونون على البرِّ والتقوى ويتناصحون.
فكل واحدٍ منكم ومَن وراءه كذلك ينصح ألا تُستقدم هذه الخادمة الكافرة، ولا يُستقدم خادمٌ كافرٌ، أو سائقٌ، أو عاملٌ في البناء، أو في غيره، يتواصى بالمطلوب، والله يقول سبحانه: وَالْعَصْرِ إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ [العصر:1- 3]، هذا من التواصي بالحقِّ؛ التواصي ألا يُستقدم إلا مسلمٌ طيبٌ، وليس مَن هَبَّ ودَبَّ ممن يدَّعي الإسلام، مسلمٌ طيبٌ معروفٌ، إذا راح يلتمس أو وكيله يلتمس يسأل عن أهل الخير؛ حتى لا يستقدم إلا المعروفين بالخير.
ومن دسائس الشيطان ومكائده أن جعل أناسًا يدعون إلى الكفرة؛ لأنهم يعملون كثيرًا، ولأن أجورهم رخيصةٌ، وهكذا يُحبذون استقدام الكفرة لأسبابٍ كثيرةٍ؛ لأنه لا يُصلي فيعمل كثيرًا؛ ولأن أُجرته قليلةٌ، ولأنه كذا، هذا من مكائد الشيطان، هذا من نواب الشيطان، من الدُّعاة إلى الباطل، نسأل الله السلامة.
س: منهم مَن يحتج بأنه سيدعوهم إلى الإسلام؟
ج: يدعوهم إلى الإسلام في مكانهم، يذهب إليهم ويدعوهم إلى الإسلام، وإلا فهذا كذبٌ.
س: هذه الدولة الكافرة تمنع أن يخرج كل العمال المسلمين، وتشترط أن يكون نصفهم كفارًا؟
ج: يبحث عن غيرهم، يبحث في بلادٍ لا تشترط، وإذا صدق يسَّر الله له، يبحث عن دولةٍ لا تشترط استقدام الكفرة، العمال محتاجون، الناس محتاجون للعمل.
باب استئجار المشركين عند الضَّرورة، أو إذا لم يُوجد أهل الإسلام
وعامل النبي ﷺ يهود خيبر.
الشيخ: مراد البخاري رحمه الله أن استئجار الكفار للضرورة لا بأس به، أو عند عدم وجود مَن يصلح من المسلمين، ومن هذا استئجار النبي ﷺ اليهود على خيبر، استأجرهم ليعملوا فيها بالنصف لحاجة المسلمين إليهم؛ لأن المسلمين مشغولون بالجهاد، وهم قليلٌ؛ فلهذا أبقى النبي ﷺ اليهود عُمَّالًا في خيبر يعملون بالنصف: نصف الثمرة؛ للحاجة الشديدة إليهم، فلما أغنى الله المسلمين عنهم أجلاهم عمر، وهكذا استئجار عبدالله بن أُريقط الدّيلي الوثني ليدله على طريق المدينة للحاجة.
س: خدمة الكفار .....؟
ج: إذا دعت الحاجة إلى ذلك فلا بأس، لكن هنا في الجزيرة لا يجوز استقدامهم، ولا التعامل معهم، بل تجب النصيحة لمن يفعل ذلك ألا يفعله، لكن إذا بُلي بهذا واضطر إلى هذا فلا حرج، لكن لا يكون خادمًا يُقدِّم له طعامًا، يُقدِّم له نعاله، لا، يعمل من بعيدٍ.
الشيخ: يعني: هذا في خروجه إلى المدينة ﷺ؛ لأن عبدالله هذا كان مأمونًا، وكان هاديًا خِرِّيتًا، فاستأجره النبي ﷺ للحاجة إليه أو الضرورة؛ ليدله على طريق المدينة، وهو كافرٌ، نعم.
الشيخ: هؤلاء أربعة: النبي ﷺ، والصديق، ومولاه عامر بن فهيرة، وعبدالله بن أُريقط الدّيلي، نعم، في طريق الهجرة.
س: تحديد الضرورة؟
ج: الضرورة التي لا يُستغنى عنها، ما في حيلة، والحاجة شديدةٌ، لكن يمكن الاستغناء عنها، والضرورة التي لا يمكن الاستغناء عنها، ما هناك ما يسدّ عنها.
س: قوله: "قد غمس يمين حلفٍ في آل العاص"؟
ج: يعني: عبدالله بن أريقط بينهم حلف، بين بني سهل.
س: .............؟
ج: تعريفٌ، من باب التعريف.
باب إذا استأجر أجيرًا ليعمل له بعد ثلاثة أيامٍ، أو بعد شهرٍ، أو بعد سنةٍ جاز
وهما على شرطهما الذي اشترطاه إذا جاء الأجل
2264- حدثنا يحيى بن بُكير: حدثنا الليث، عن عقيل، قال ابن شهاب: فأخبرني عروة بن الزبير: أن عائشة رضي الله عنها -زوج النبي ﷺ- قالت: واستأجر رسول الله ﷺ وأبو بكر رجلًا من بني الدّيل هاديًا خِرِّيتًا، وهو على دين كفار قريش، فدفعا إليه راحلتيهما، وواعداه غار ثورٍ بعد ثلاث ليالٍ براحلتيهما صُبح ثلاثٍ.
الشيخ: واستنباط المؤلف هذا يدل على دقة العلم رحمه الله، وأنه يجوز استئجار الإنسان لمدةٍ مستقبلةٍ يتفق معه عليها، يقول: أنا أستأجرك بكذا وكذا، وتعمل في رجب، أو في رمضان، أو شعبان، لا بأس، ولو كان العمل مُتأخرًا يتفقا على أجرةٍ معلومةٍ، وأن العمل يكون في رجب، أو في رمضان، أو في عام 1414، لا بأس، لا بأس بتوقيت مباشرة العمل، نعم.
س: ..............؟
ج: ولو، لا يستقدم الكفار إلى هذه الجزيرة، أما في غير الجزيرة فلا بأس: في الشام، في مصر، في العراق، يستقدم الكفرة من غير مُوالاةٍ، لا بأس أن يستعملهم، أما في الجزيرة لا.
س: مَن خصَّ الجزيرة بالحجاز؟
ج: ضعيفٌ، الجزيرة عامة، العرب، مساكن العرب، نجد كلها، والحجاز، واليمن، ودول الخليج كلها جزيرةٌ، هذه مساكن العرب.
باب الأجير في الغزو
2265- حدثنا يعقوب بن إبراهيم: حدثنا إسماعيل ابن عُلية: أخبرنا ابن جريج، قال: أخبرني عطاء، عن صفوان بن يعلى، عن يعلى بن أمية قال: غزوتُ مع النبي ﷺ جيش العُسْرة.
الشيخ: يعني: غزوة تبوك، جيش العُسرة؛ لأنها صارت في حرٍّ شديدٍ.
فكان من أوثق أعمالي في نفسي، فكان لي أجيرٌ، فقاتل إنسانًا، فعضَّ أحدهما إصبع صاحبه، فانتزع إصبعه، فأندر ثنيته، فسقطت، فانطلق إلى النبي ﷺ فأهدر ثنيته، وقال: أفيدع إصبعه في فيك تقضمها -قال: أحسبه قال- كما يقضم الفحل؟!.
2266- قال ابن جريج: وحدثني عبدالله بن أبي مليكة، عن جده بمثل هذه الصِّفة: أن رجلًا عضَّ يد رجلٍ، فأندر ثنيته، فأهدرها أبو بكرٍ .
الشيخ: هذا يدل على أن الظالم إذا أصابه شيءٌ بسبب ظلمه -مثل: تخلص المظلوم- أنه يكون هدرًا، فهذا الأجير حصل بينه وبين شخصٍ آخر قتالٌ، فعضَّ يده، فانتزع يده من فمه، فسقطت ثنيته، فأهدرها النبي ﷺ وقال: أفيدع إصبعه في فمك تقضمها كما يقضم الفحل؟! لأنه مُتعدٍّ عليه بالعضِّ، فلما كان مُتعديًا بالعضِّ، وانتزع الآخر يده من فمه فسقطت الثَّنية تكون هدرًا، كذا إذا نزع يده منه وهو ضاربٌ له، وطاح، وتعور، وانكسر، وانجرح لا حرج، نعم.
باب مَن استأجر أجيرًا فبين له الأجل ولم يُبين العمل
لقوله: إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُنْكِحَكَ إِحْدَى ابْنَتَيَّ هَاتَيْنِ إلى قوله: وَاللَّهُ عَلَى مَا نَقُولُ وَكِيلٌ [القصص:27، 28]، يأجر فلانًا: يُعطيه أجرًا. ومنه في التَّعزية: أجرك الله.
الشيخ: الاستئجار لا بد فيه من العمل؛ لأنه عقدٌ لا بد من العمل، والرسول ﷺ نهى عن بيع الغرر، والإيجار بيعٌ، وموسى استأجره شعيب على أن يرعى، وقد بيَّن له الرعاية، وإن كانت غير مذكورةٍ في القرآن فهي معلومةٌ في السنة.
المقصود أن كونه يستأجره ولا يُبين له العمل ما يصلح، لا بد من بيانٍ للعمل، فإطلاق المؤلف محل نظرٍ، أيش قال الشارح؟
القارئ: قوله: "باب إذا استأجر أجيرًا" في رواية غير أبي ذرٍّ: "مَن استأجر".
قوله: "فبين له الأجل" في رواية الأصيلي: "الأجر" بسكون الجيم وبالراء، والأولى أوجه.
قوله: "ولم يُبين العمل" أي: هل يصح ذلك أم لا؟
وقد مال البخاري إلى الجواز؛ لأنه احتجَّ لذلك فقال: لقوله تعالى: إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُنْكِحَكَ إِحْدَى ابْنَتَيَّ هَاتَيْنِ الآية، ولم يُفصح مع ذلك بالجواز لأجل الاحتمال، ووجه الدلالة منه: أنه لم يقع في سياق القصة المذكورة بيان العمل، وإنما فيه أن موسى أجَّر نفسه من والد المرأتين، ثم إنما تتم الدلالة بذلك إذا قلنا: إن شرع مَن قبلنا شرعٌ لنا إذا ورد شرعنا بتقريره.
الشيخ: هذا هو الصواب، هذا هو الصواب: شرع مَن قبلنا شرعٌ لنا إذا ورد الشرعُ بتقريره، نعم.
القارئ: وقد احتج الشافعي بهذه الآية على مشروعية الإجارة، فقال: ذكر الله أن نبيًّا من أنبيائه أجَّر نفسه حججًا مُسمَّاةً ملك بها بضع امرأةٍ.
وقيل: استأجره على أن يرعى له.
قال المهلب: ليس في الآية دليلٌ على جهالة العمل في الإجارة؛ لأن ذلك كان معلومًا بينهم، وإنما حُذف ذكره للعلم به.
وتعقبه ابن المنير بأن البخاري لم يُرد جواز أن يكون العمل مجهولًا، وإنما أراد أن التنصيص على العمل باللفظ ليس مشروطًا، وأن المتبع المقاصد لا الألفاظ.
ويحتمل أن يكون المصنف أشار إلى حديث عتبة بن النُّدر -بضم النون وتشديد المهملة- قال: كنا عند رسول الله ﷺ فقال: إن موسى أجَّر نفسه ثمان سنين أو عشرًا على عِفَّة فرجه، وطعام بطنه أخرجه ابن ماجه، وفي إسناده ضعفٌ، فإنه ليس فيه بيان العمل من قِبَل موسى.
وقد أبعد مَن جوَّز أن يكون المهر شيئًا آخر غير الرَّعي.
الشيخ: يكفي، يكفي.
الشيخ: بركة، سَمِّ.
س: الجزم بأن صاحب موسى عليه الصلاة والسلام شعيب؟
ج: الله أعلم، هو المشهور، والله أعلم.
س: ...............؟
ج: غير شعيب النبي، شعيب مُتقدم على موسى، شعيب المذكور في القرآن مُتقدم، في زمن لوط ..... قديم، لكن شعيب هذا قد يكون رجلًا صالحًا، وقد لا يكون اسمه شعيبًا.
س: المؤلف يميل إلى الجواز؟
ج: ظاهره، ظاهره، لكن ليس بمُسلَّمٍ، النبي ﷺ نهى عن بيع الغرر، وعن بيع الحصاة، والملامسة، والمنابذة، لا بد أن يكون عقدًا على شيءٍ معلومٍ، والعقد الذي مع موسى على شيءٍ معلومٍ جاءت به النصوص بأنه رعاية الغنم، نعم.
س: أليس هذا المهر كثيرًا: عشر سنوات؟
ج: وأيش فيه؟ ولو كان عشرين سنةً، ما فيه بأسٌ، ولو عشرين سنةً يا ولدي ما هو بكثيرٍ، عشر سنوات، أو خمس، أو عشرون، ما يُخالف.