باب ما يقول إذا رجع من الحج أو العمرة أو الغزو
1797- حدثنا عبدالله بن يوسف: أخبرنا مالك، عن نافع، عن عبدالله بن عمر رضي الله عنهما: أن رسول الله ﷺ كان إذا قفل من غزوٍ أو حجٍّ أو عمرةٍ يُكبر على كل شَرَفٍ من الأرض ثلاث تكبيراتٍ، ثم يقول: لا إله إلا الله وحده لا شريكَ له، له الملك، وله الحمد، وهو على كل شيءٍ قديرٌ، آيبون، تائبون، عابدون، ساجدون لربنا حامدون، صدق الله وعده، ونصر عبده، وهزم الأحزاب وحده.
الشيخ: وهذا من باب الشكر لله جلَّ وعلا على هذا الخير العظيم: أنه ردَّه سالـمًا من غزوٍ أو حجٍّ أو عمرةٍ، يُكبر على كل شَرَفٍ، يعني: كل مُرتفعٍ، وكانوا في مغازيهم يُكبرون في المرتفعات، ويُسبحون إذا هبطوا الأودية، وفي بعضها: "سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر، ولا حول ولا قوة إلا بالله"، وهنا قال: يُكبر ثلاثًا، ويقول: لا إله إلا الله وحده لا شريكَ له، له الملك، وله الحمد، وهو على كل شيءٍ قديرٌ، ثم يقول: آيبون، تائبون، عابدون، ساجدون لربنا حامدون، صدق الله وعده، ونصر عبده، وهزم الأحزاب وحده، يُستحبُّ هذا إن قفل من حجِّه وعُمرته، أو غزوه، أو أسفاره، نعم.
س: إذا وصل المدينة أو .....؟
ج: في الطريق، في الطريق.
الشيخ: أيش قال الشارح على الحديث؟
القارئ: أورد المصنف هنا تراجم تتعلق بآداب الراجع من السفر؛ لتعلق ذلك بالحاج والمعتمر، وهذا في حقِّ المعتمر الآفاقي، وقد ترجم لحديث الباب -حديث نافع، عن ابن عمر- في الدعوات: "ما يقول إذا أراد سفرًا أو رجع"، ويأتي الكلام عليه مُستوفًى هناك، إن شاء الله تعالى.
الشيخ: وهذا يدل على استقبال القادم، وجواز ركوب الثلاثة على دابَّةٍ إذا أطاقت ذلك، لا بأس، نعم.
باب القدوم بالغداة
1799- حدثنا أحمد بن الحجاج: حدثنا أنس بن عياض، عن عبيدالله، عن نافع، عن ابن عمر رضي الله عنهما: أن رسول الله ﷺ كان إذا خرج إلى مكة يُصلي في مسجد الشجرة، وإذا رجع صلَّى بذي الحُليفة ببطن الوادي، وبات حتى يُصبح.
باب الدخول بالعشي
1800- حدثنا موسى بن إسماعيل: حدثنا همام، عن إسحاق بن عبدالله بن أبي طلحة، عن أنسٍ قال: كان النبي ﷺ لا يطرق أهله، كان لا يدخل إلا غَدْوةً أو عشيةً.
الشيخ: "لا يطرق" يعني: لا يأتيهم بالليل؛ لأنهم قد يكونوا على غير استعدادٍ، وعلى غير أهبةٍ، ولا يتخوَّنهم أيضًا بذلك، لكن إذا كان عندهم خبرٌ فلا بأس؛ ولهذا في الصحيح عن جابرٍ: أن النبي ﷺ قدم المدينة ذات يومٍ في آخر النهار، وقال: أمهلوا حتى تدخلوا ليلًا يعني: عشاء كي تمتشط الشَّعثة، وتستحدّ المغيبة، فإذا علموا قدومه في الليل فلا بأس، نعم.
س: ...............؟
ج: نعم، عند خروجه، وعند قدومه، إذا خرج صلَّى في ذي الحُليفة، كما فعل في حجة الوداع، وإذا قدم صلَّى فيها، ثم دخل المدينة، والظاهر -والله أعلم- كما تقدم؛ لأن معه غُيَّابًا، فإذا عرفوا قدومهم يتأهب أهلوهم، يتأهب الأهلون، ويستعدون لحاجاتهم وحاجات البيت، وغير ذلك، نعم.
باب لا يطرق أهله إذا بلغ المدينة
1801- حدثنا مسلم بن إبراهيم: حدثنا شعبة، عن محارب، عن جابرٍ قال: نهى النبي ﷺ أن يطرق أهله ليلًا.
الشيخ: في اللفظ الآخر: لئلا يتخوَّنهم؛ لأنه قد يجدهم على حالٍ ما هي بطيبةٍ، لا تسرُّه، نعم.
س: لكن إذا علموا؟
ج: إذا علموا لا بأس.
س: النهي هنا يُفيد الكراهة؟
ج: ظاهر النهي التحريم، لكن هنا بيَّن ﷺ في الحديث الآخر أنهم إذا كان عندهم علمٌ لا بأس.
س: صلاة ركعتين في البيت إذا كانت المساجد مُغلقةً عند قدومه من السفر؟
ج: المعروف في المسجد، كان النبي ﷺ يفعلها في المسجد، يقصد المسجد ويُصلي ركعتين، ويجلس للناس.
س: وإذا كانت مُغلقةً؟
ج: الأمر واسعٌ، إن صلَّاها في البيت لا بأس، لا مانع، ما أعلم في هذا شيئًا، ما أعلم في هذا مانعًا إن صلَّاها في البيت، لكن النبي ﷺ كان يفعلها في المسجد.
باب مَن أسرع ناقته إذا بلغ المدينة
1802- حدثنا سعيد بن أبي مريم: أخبرنا محمد بن جعفر، قال: أخبرني حميدٌ: أنه سمع أنسًا يقول: كان رسول الله ﷺ إذا قدم من سفرٍ، فأبصر درجات المدينة أوضع ناقته، وإن كانت دابَّة حرَّكها.
قال أبو عبدالله: زاد الحارث بن عمير، عن حميدٍ: حرَّكها من حبِّها.
حدثنا قتيبة: حدثنا إسماعيل، عن حميدٍ، عن أنسٍ قال: جدرات. تابعه الحارث بن عُمير.
الشيخ: يعني: إذا رأى أشباح المدينة أسرع عليه الصلاة والسلام.
باب قول الله تعالى: وَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ أَبْوَابِهَا [البقرة:189]
1803- حدثنا أبو الوليد: حدثنا شعبة، عن أبي إسحاق قال: سمعتُ البراء يقول: نزلت هذه الآيةُ فينا، كانت الأنصارُ إذا حجُّوا فجاءوا لم يدخلوا من قِبَل أبواب بيوتهم، ولكن من ظهورها، فجاء رجلٌ من الأنصار فدخل من قِبَل بابه، فكأنه عُيِّر بذلك، فنزلت: وَلَيْسَ الْبِرُّ بِأَن تَأْتُوا الْبُيُوتَ مِن ظُهُورِهَا وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنِ اتَّقَى وَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ أَبْوَابِهَا [البقرة:189].
الشيخ: الجاهليون لهم عاداتٌ سيئةٌ، والله أزالها بالإسلام، وعلَّمهم ما فيه الخير لهم.
س: عند العودة من السفر ورؤية معالم المدينة هل يُطبق الإسراع في السير؟
ج: هذا الأفضل.
س: حتى في السيارة؟
ج: إسراعًا ما يضرّ، ما يُخالف النظام، يكون إسراعًا ما يضرّ الناس، ولا يخشى منه.
س: في كل مدينةٍ؟
ج: ظاهر السنة هكذا؛ لحب الأهل، واستبشارًا بقُرب الأهل وقرب محل الراحة والعبادة والاجتماع بالأخيار والأقارب.
س: التعليل بكونه حُبًّا لها؟
ج: كل إنسانٍ في الغالب يُحب وطنه، يُحب أهله.
س: ..... أنه خاصٌّ بالمدينة؟
ج: ما هو بالظاهر، الظاهر التأسي به في هذا أيضًا، نعم.
باب: السفر قطعةٌ من العذاب
1804- حدثنا عبدالله بن مسلمة: حدثنا مالك، عن سمي، عن أبي صالح، عن أبي هريرة ، عن النبي ﷺ قال: السفر قطعةٌ من العذاب؛ يمنع أحدكم طعامه وشرابه ونومه، فإذا قضى نَهْمَتَه فليعجل إلى أهله.
الشيخ: نعم؛ لأن هذا هو الغالب في السفر، وصفٌ له بالأغلبية؛ لأن الإنسان يتعب في السفر، ولو في السيارات، ولو في أي مركبٍ: طائرة، فالسفر فيه نوعٌ من التعب، والعذاب هنا يعني: التعب، يمنع أحدكم طعامه وشرابه ونومه يعني: المعتاد، المريح في الغالب، فإذا قضى نهمته فليعجل إلى أهله، هذا هو الأغلب.
س: هل ثبتت فوائد في السفر؟ هل ثبت فيه حديثٌ؟
ج: ما أتذكر الآن، أقول: ما أتذكر، جاء في بعض الروايات: سافروا تصحوا، وفي بعضها: سافروا تغنموا، لا بأس بإسنادهما فيما أذكر الآن، فالأسفار فيها التفصيل: فإذا كان السفر لمصلحةٍ شرعيةٍ أو للتجارة في جهاتٍ لا تضرّ ففيه مصالح؛ فهو غنيمةٌ وصحة بدنٍ من الخمول والراحة والدّعة، فالمسافر يعمل ويتحرك، فقد يحصل له بذلك صحةٌ، ويحصل له بذلك غنيمةٌ من التجارة، وغنيمةٌ في معرفة الأصحاب والإخوان، ومعرفة أحوال الناس، إذا كان له مقصدٌ طيبٌ، ويتحرى في سفره، ففيه فوائد.
س: قوله: يُكتب له مثل ما كان يعمله؟
ج: هذا أجرٌ حاصلٌ، ما جاءت زيادةٌ.
س: الأبيات التي تُنسب للشافعي: "سافر ففي الأسفار سبع فوائد"؟
ج: ما أدري والله، المهم الحديث ..... نعم.
س: قصدي –يعني- الإشارة إلى فوائد السفر؟
ج: نعم، السفر مثلما قال: قطعةٌ من العذاب إلا إذا كانت فيه مصلحةٌ، مثل: سفر الحج، وسفر الجهاد، وسفر التجارة البعيد عن الشر، أسفارٌ فيها فائدةٌ: إما دعوةٌ إلى الله، أو جهادٌ، أو حجٌّ، أو تجارةٌ على طريقةٍ سليمةٍ، فهو مفيدٌ ونافعٌ، نعم، وإلا فالأصل فيه مثلما قال: قطعةٌ من العذاب، هذا هو الأصل.
س: سفر السياحة؟
ج: السياحة إذا كانت بين المسلمين وبين الأخيار؛ ليعرف أحوالهم، ويكتب عن أحوالهم، ويستفيد، أو يُفيد، ويدعوهم إلى الله؛ لا بأس، أما السياحة في بلد الكفر فهذا سفر الشر، والعياذ بالله.
باب المسافر إذا جدَّ به السيرُ يعجل إلى أهله
1805- حدثنا سعيد بن أبي مريم: أخبرنا محمد بن جعفر، قال: أخبرني زيد بن أسلم، عن أبيه قال: كنتُ مع عبدالله بن عمر رضي الله عنهما بطريق مكة، فبلغه عن صفية بنت أبي عبيدٍ شدّة وجعٍ فأسرع السير، حتى كان بعد غروب الشَّفق نزل، فصلَّى المغرب والعتمة، جمع بينهما، ثم قال: إني رأيتُ النبي ﷺ إذا جدَّ به السيرُ أخَّر المغرب، وجمع بينهما.
الشيخ: هكذا كانت سنته ﷺ: إذا جَدَّ به السير يجمع، إذا سافر قبل غروب الشمس أخَّر المغرب مع العشاء، وإذا ارتحل بعد غروبها قدَّم العشاء مع المغرب، وهكذا الظهر: إذا ارتحل قبل الزوال أخَّر الظهر مع العصر، وإذا ارتحل بعد الزوال قدَّم العصر مع الظهر، أما إذا كان نازلًا مُرتاحًا فإنه يُصلي كل صلاةٍ في وقتها، هذا هو الأفضل، كما فعل في منى في حجة الوداع: كان في منى يُصلي كل صلاةٍ في وقتها عليه الصلاة والسلام، نعم، وإن جمع فلا بأس كما فعل في خيبر.
مداخلة: في آخر هذا الجزء لكم تنبيهٌ.
الشيخ: نعم، اقرأه.
القارئ: بسم الله، والصلاة والسلام على رسول الله.
أما بعد: فقد يسَّر الله -وله الحمد والمنة- إكمال مُقابلة المجلد الأول والثاني من هذا الكتاب على قراءةٍ من نسخةٍ خطيةٍ في مكتبة شيخنا الشيخ محمد بن عبداللطيف بن عبدالرحمن رحمه الله، وعلى النسخة المطبوعة في بولاق من هذا الكتاب، وهي المشهورة بالأميرية، كما سبق التَّنبيه على ذلك في المجلد الأول، وكتبنا على المجلدين المذكورين ما تيسر من التَّعليقات والتَّنبيهات المفيدة، وصححنا ما أمكن تصحيحه من الأخطاء، ثم شرعنا في المجلد الثالث من هذا الكتاب: مُقابلةً، وتصحيحًا، وتعليقًا كما تقدم، حتى انتهينا إلى آخر الجنائز، فانتهت القطعة الخطية، وهي التي يُشار إليها في الطبعة الجديدة بمخطوطة الرياض، ثم استمر التَّصحيح والمقابلة على طبعة بولاق، وعلى نسخةٍ خطيةٍ استحصلنا عليها من أخينا أحمد بن محمد القاصر من مكتبته المحفوظة في غمد من قرى جيزان، حتى انتهينا إلى كتاب الحج.
ثم رأينا بعد ذلك أن الاستمرار في التصحيح والمقابلة على الطريقة المتقدمة يشقُّ علينا كثيرًا، ويحول بيننا وبين أعمالٍ هامَّةٍ تتعلق بالمصالح العامَّة، ولا سيما بعد إسناد أمر رئاسة الجامعة الإسلامية بالمدينة إلينا بالنيابة عن سماحة شيخنا العلامة الشيخ محمد بن إبراهيم آل الشيخ، وقيامنا بالتدريس في المسجد النبوي، على صاحبه أفضل الصلاة والتسليم.
وظهر لنا أن استمرارنا على ما تقدم من التصحيح والمقابلة والتعليق، وعيَّنَّا لذلك أوقاتًا واسعةً تليق بعظمة الكتاب وطوله، فعطَّل علينا مصالح كثيرةً، وعيَّنَّا له أوقاتًا لا تكفي؛ فتأخر الكتابُ وطالت مدةُ طبعه، والقرَّاء و..... في حاجةٍ إلى إيجاد طبعةٍ؛ فلذلك رأينا الإمساك عن المقابلة والتصحيح والتعليق، وأن يكون طبع المجلد الثالث وما بعده من الأجزاء على الطبعة الأولى؛ لكونها أصحَّ الطبعات وأقلَّها خطأً، وأُوصي القائمين بطبع الكتاب -وهو أخونا ومحبوبنا في الله الشيخ العلامة محب الدين الخطيب رحمه الله- أن يجتهد في إنجاز الكتاب، وتصحيح ما أمكن تصحيحه، وتعليق ما تيسر له تعليقه من الفوائد والتَّنبيهات؛ لأنه -وفَّقه الله- ممن له اليد الطُّولى في هذا الشأن، وكتبه وتعليقاته مفيدةٌ معلومةٌ للقضاة.
وأسأل الله أن يُعينه على إكماله على ما يُرام، وأن يُضاعف لنا وله ولكل مَن ساعد في تصحيح الكتاب وإبرازه للقرَّاء الأجر، وأن ينفع به المسلمين، إنه جوادٌ كريمٌ.
وإن من أعظم ميزات هذه الطبعة: ما يسَّر الله لها من التصحيح والتعليق والتَّنبيه على مواضع الأحاديث المكررة، فالحمد لله على ذلك كله أولًا وآخرًا.
وإني لأشكر شكرًا كثيرًا جميع الإخوان الذين ساعدوني في مقابلة وتصحيح ما مضى من هذا الكتاب، وأسأل الله أن يجزيهم عن ذلك خيرًا، وأن يمنحهم العلم النافع، والعمل الصالح، والمزيد من كل خيرٍ.
وإني لأعتذر إلى القرَّاء والمساهمين عمَّا حصل من الإمساك عن المقابلة والتصحيح والتعليق على بقية المجلد الثالث وما بعده بالأعذار التي أسلفتُ ذكرها، وأرجو أن يعذروني، وأسأل الله لي ولهم صلاح النية والعمل والتوفيق لكل خيرٍ، إنه سميعٌ قريبٌ.
والحمد لله على كل حالٍ، وصلى الله وسلم على عبده ورسوله محمدٍ، وآله وصحبه ومَن تبعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين. (17/ 7/ 1381هـ).
الشيخ: طيب، الحمد لله، هذه السنة التي توجَّهتُ بها إلى المدينة لأجل الجامعة سنة 81هـ، وكان التصحيح في سنة ثمانٍ وسبعين، وسبعٍ وسبعين، وسنة ثمانين أيضًا بعد إسناد أمر الجامعة إليَّ مع الأعمال الأخرى جرى ما ذُكِرَ، نعم.