باب كسب البغي والإماء

باب كسب البغي والإماء

وكره إبراهيمُ أجر النائحة والمغنية، وقول الله تعالى: وَلَا تُكْرِهُوا فَتَيَاتِكُمْ عَلَى الْبِغَاءِ إِنْ أَرَدْنَ تَحَصُّنًا لِّتَبْتَغُوا عَرَضَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَمَن يُكْرِهُّنَّ فَإِنَّ اللَّهَ مِن بَعْدِ إِكْرَاهِهِنَّ غَفُورٌ رَّحِيمٌ [النور:33]، وقال مجاهد: فتياتكم: إمائكم.

2282- حدثنا قتيبة بن سعيد، عن مالك، عن ابن شهاب، عن أبي بكر بن عبدالرحمن بن الحارث بن هشام، عن أبي مسعودٍ الأنصاري : أن رسول الله ﷺ نهى عن ثمن الكلب، ومهر البغي، وحُلوان الكاهن.

الشيخ: هذا الحديث الصحيح يدل على تحريم ثمن الكلب، ومهر البغي، وهي الزانية، وحُلوان الكاهن، وتقدم بعض ذلك في أحاديث أخرى في بيان أن ثمن الكلب خبيثٌ، ومهر البغي خبيثٌ، ومهر البغي: العِوَض الذي يُدفع إليها حتى تُمكن من نفسها، وحُلوان الكاهن: ما يدفعه الناسُ إلى الكهنة حتى يُخبروهم ببعض المغيبات.

وصحَّ عن النبي ﷺ تحريم إتيان الكهنة والسَّحرة والعرَّافين وتصديقهم، كما قال عليه الصلاة والسلام: مَن أتى عرَّافًا فسأله عن شيءٍ لم تُقبل له صلاةٌ أربعين يومًا يعني: ولو ما صدَّقه، بمجرد السؤال.

ولما سُئل عن الكُهَّان قال: لا تأتوهم، وقال: ليسوا بشيءٍ، وقال: مَن أتى كاهنًا أو عرَّافًا فصدَّقه بما يقول فقد كفر بما أُنزل على محمدٍ ﷺ، فلا يجوز إتيان الكهنة والعرَّافين والسَّحرة وسؤالهم عن كذا أو كذا، بل يجب القضاء عليهم، يجب على ولاة الأمور القضاء عليهم، ومنعهم من إخبار الناس بأمور الغيب، بل يجب أن يُستتابوا، فإن تابوا وإلا قُتلوا؛ لأن شرَّهم عظيمٌ، والصحيح أن الساحر لا يُستتاب أيضًا، بل يُقتل مطلقًا متى ثبت سحره.

ومهر البغي معلومٌ أنه عِوَضٌ خبيثٌ في مقابل معصيةٍ، فلا يجوز أكله، ولا ردُّه إلى الزاني، ولكن تُنفق في جهات الخير، لا تأكله، عليها التوبة، ولا تأكله، بل يُصرف في بعض الجهات الخيرية: كالفقراء والمساكين؛ لأنه عِوَضٌ خبيثٌ، وهكذا حُلوان الكاهن لا يُردّ إليه، مُنكرٌ، خبيثٌ، لا يُردّ إليه، بل يُنزع منه، وإذا تاب ورجع كذلك يتصدق به، ولا يأكله؛ لأنه كسبٌ خبيثٌ، نعم.

س: ما معنى: لا تُقبل له صلاةٌ أربعين يومًا؟

ج: وعيدٌ، من باب الوعيد، يقول العلماء: تجزي، ولكن لا تُقبل، مثل: العبد الآبق من سيده، مُتوعَّدٌ أيضًا بعدم قبول صلاته حتى يرجع إلى سيده، نعم، تُقبل يعني: تصحّ، لا يُؤمر بالإعادة، حكى بعضُ أهل العلم الإجماع على ذلك: أنه لا يُؤمر بالإعادة، لكن لا تُقبل، لا يحصل له ثوابها عقوبةً له، نسأل الله العافية.

س: درجة التحريم مُتساويةٌ في هذه الثلاث؟

ج: لا، ما هي بمتساويةٍ، كلها مُحرَّمةٌ، فثمن الكلب غير تصديق الكاهن والزنا، نسأل الله العافية.

س: طالب علمٍ سُئل عن كاهنٍ اشترط مبلغًا على شخصٍ، ثم سُئل: هل يُعطى هذا الكاهن بعدما يُوفى شرطه؟ فقال: نعم؛ حتى يفتكَّ من شرِّه، أو ما إلى ذلك. فما حكم هذا؟

ج: لا، ما يُعطى، ما يجوز، لا يجوز أن يُعطى حلوانه، ولا يجوز أن يقرّ، بل يجب أن يُرفع أمره إلى ولاة الأمور، فإن ثبت عليه أنه يتعاطى هذا الأمر استُتيب، فإن تاب وإلا قُتل؛ لأن مضرَّته عظيمةٌ، العرَّافون والكهنة مضرَّتهم عظيمةٌ، نعم.

س: الكفر الذي جاء في الحديث كفرٌ أصغر أو أكبر؟

ج: إذا صدَّقه في علم الغيب فهو كفرٌ أكبر، وإن كان ما صدَّقه في علم الغيب فهو كفرٌ أصغر، من باب التحذير والترهيب.

س: كلب الصيد إذا أخذه صاحبه بلا ثمنٍ ورُدَّ عليه شيءٌ؟

ج: بعض أهل العلم يرى جواز الكرامة من دون شرطٍ، ولكن الاحتياط والبُعد عن الريبة أحسن، لا يأخذ شيئًا، يُعيره أخاه ولا يأخذ شيئًا، وهكذا عَسْب الفحل إذا احتاج أخوه إليه لحصانه أو بعيره أو كبشه للضِّراب يُعيره أخاه من دون شيءٍ، لكن بعض أهل العلم أجاز أن يُعطى كرامةً، إذا أُعطي كرامةً بعد المهمة من دون شرطٍ ما يدخل في النهي، ولكن تركه أولى وأحوط؛ سدًّا للباب، نعم.

2283- حدثنا مسلم بن إبراهيم: حدثنا شعبة، عن محمد بن جحادة، عن أبي حازم، عن أبي هريرة قال: نهى النبي ﷺ عن كسب الإماء.

باب عَسْب الفحل

2284- حدثنا مسدد: حدثنا عبدالوارث وإسماعيل بن إبراهيم، عن علي بن الحكم، عن نافعٍ، عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: نهى النبي ﷺ عن عَسْب الفحل.

الشيخ: "عَسْب الفحل" هو ضرابه، والنبي ﷺ نهى عن عَسْب الفحل، يعني: ما يحصل من الماء الذي يُريقه في رحم الأنثى، والناس يحتاجون بعضهم إلى بعضٍ في الفحل في الخيل والإبل والبقر والغنم، والمشروع التعاون في ذلك من دون عِوَضٍ.

س: يُباع لقاح النَّخل؟

ج: ما في بأس، يُباع ويُشترى، اللِّقاح يُباع ويُشترى، لقاح النخل مالٌ له قيمةٌ، نعم.

باب إذا استأجر أرضًا فمات أحدهما

وقال ابنُ سيرين: ليس لأهله أن يُخرجوه إلى تمام الأجل.

وقال الحكم، والحسن، وإياس بن معاوية: تُمضى الإجارة إلى أجلها.

وقال ابن عمر: أعطى النبي ﷺ خيبر بالشطر. فكان ذلك على عهد النبي ﷺ، وأبي بكر، وصدرًا من خلافة عمر، ولم يذكر أن أبا بكر وعمر جدَّدا الإجارة بعدما قُبض النبي ﷺ.

الشيخ: وهذا لأن المسلمين على شروطهم، والله يقول: أَوْفُوا بِالْعُقُودِ [المائدة:1]، فإذا استأجر أرضًا مدةً معلومةً، ثم مات أحدهما، فالإجارة ماضيةٌ، فالعقد ماضٍ، لا يُفسخ إلا برضا الفريقين، فالموت لا ينقض الإجارة، نعم.

وهكذا المساقاة والمزارعة على مدةٍ معلومةٍ؛ لأنه نوع إجارةٍ، نعم.

2285- حدثنا موسى بن إسماعيل: حدثنا جويرية بن أسماء، عن نافع، عن عبدالله قال: أعطى رسول الله ﷺ خيبر اليهود: أن يعملوها ويزرعوها، ولهم شطر ما يخرج منها. وأن ابن عمر حدَّثه: أن المزارع كانت تُكرى على شيءٍ سمَّاه نافعٌ، لا أحفظه.

2286- وأن رافع بن خديج حدَّث: أن النبي ﷺ نهى عن كِراء المزارع.

وقال عبيدالله: عن نافع، عن ابن عمر: حتى أجلاهم عمر.

الشيخ: وفيه استعمال اليهود -وهم كفرة- على خيبر للحاجة إليهم، ثم أمر النبي ﷺ بألا يقرَّ في الجزيرة مُشركٌ، وأوصى بهذا عند وفاته، فنفذ هذا عمرُ ، وكان الصديقُ مشغولًا بقتال أهل الردّة؛ فأقرَّ اليهود على حالهم في خيبر، ثم لما ولي عمرُ ومضى شطرٌ من خلافته أجلاهم من خيبر؛ تنفيذًا لوصية النبي ﷺ في إبعاد المشركين من هذه الجزيرة.

فالواجب على المسلمين الحرص على ألا يبقى في هذه الجزيرة مُشركٌ، وألا يستعملوا أُجراء مُشركين، وبهذا يُعلم أن تساهل الناس الآن غلطٌ، وأنه لا يجوز التساهل مع المشركين في العمل في هذه الجزيرة، بل يجب على المؤمن إذا احتاج أن يستأجر مسلمًا، ويجب على القائمين على هذه المكاتب أن يتحروا استقدام المسلم فقط، المسلم الطيب أيضًا، حتى المسلم لا بد أن يُعتنى به؛ لأن هناك مَن يدعي الإسلام وليس بمسلمٍ، فالواجب على مَن يستجلب العمَّال أن يحرص على ألا يستجلب وألا يستقدم إلا مَن عُرف بالإسلام الصحيح؛ حتى لا يضرَّ الناس، والله المستعان، نعم.

مداخلة: يا شيخ، في ترجمة الباب الأول يقول: "كره إبراهيم أجر النائحة والمغنية"، وفي الحديث السابق .....

الشيخ: كراهة تحريمٍ، يعني: أجر النائحة والمستمعة؛ لأنه كسبٌ خبيثٌ، نعم.

س: إجارة الرافضة الآن على المزارع؟

ج: هؤلاء من جنس المنافقين يتظاهرون بالإسلام، من جنس ما أقرَّ النبي ﷺ المنافقين في المدينة، لكن يجب ألا يُظهروا كفرهم، يجب أن يُعتنى بعدم إظهار بدعتهم وكفرهم، نعم.

س: .............؟

ج: اللقاح ما فيه شيءٌ، اللقاح يُباع ويُشترى، ثمره يُباع ويُشترى مثلما يُباع التمر والحنطة.

38- كتاب الحوالات

باب الحوالة، وهل يرجع في الحوالة؟

وقال الحسن وقتادة: إذا كان يوم أحال عليه مَلِيًّا جاز.

وقال ابن عباسٍ: يتخارج الشَّريكان وأهل الميراث، فيأخذ هذا عينًا، وهذا دَينًا، فإن توي لأحدهما لم يرجع على صاحبه.

الشيخ: توي ..... أو توى؟ هل ضبطه عندك؟

القارئ: بالشكل.

الشيخ: أيش قال الشارح؟ الشكل ما هو بجيدٍ، شكل النووي و"الفتح" فيه غلطٌ، ما يُعتمد إلا على الضبط بالحرف.

القارئ: وقوله: "توي" بفتح المثناة وكسر الواو، أي: هلك، والمراد أن يبخس مَن عليه الدَّين.

الشيخ: يكفي، "توي، يتوى" من باب فرح، نعم، وأظن أن فيه لغةً أخرى: "توى، يتوي" يعني: هلك، يهلك، هل "القاموس" حاضرٌ؟

الطالب: ما جاء.

الشيخ: نعم.

الحوالة أمرٌ مشروعٌ، والحاجة ماسَّةٌ إليها؛ ولهذا أجازها النبي ﷺ، كون المدين يُحوِّل دائنه على مالٍ له عند آخر، هذه الحوالة، فإذا كان المحال عليه مليًّا وجب قبوله؛ لقوله ﷺ: وإذا أتبع أحدكم على مليءٍ فليتبع يعني: إذا أُحيل، أما إذا كان ما هو بمليءٍ فالمحال بالخيار: إن شاء، وإلا لا يلزمه، نعم.

س: .............؟

ج: كذلك ..... الشريكين إذا أحال بعضُهم بعضًا ما في شيء.

س: هذا دَينٌ، وهذا عينٌ؟

ج: هذا ما يُسمى حوالة، تسامح بالعبارة، الحوالة دَينٌ على دينٍ.

س: قول ابن عباسٍ: "يتخارج الشريكان وأهل الميراث، فيأخذ هذا عينًا، وهذا دَينًا"؟

ج: هذه ما هي بحوالةٍ، هذا اتفاقٌ على المخالطة.

2287- حدثنا عبدالله بن يوسف: أخبرنا مالك، عن أبي الزناد، عن الأعرج، عن أبي هريرة : أن رسول الله ﷺ قال: مطل الغني ظلمٌ، فإذا أُتبع أحدكم على مليٍّ فليتبع.

الشيخ: نعم، مطل الغني ظلمٌ، فلا يجوز للإنسان إذا كان عنده دَينٌ لأحدٍ أن يُماطله وهو يقدر، الواجب عليه الوفاء وعدم المماطلة، وفي اللفظ الآخر: لَيُّ الواجد يُحِلُّ عِرْضَه وعقوبته، الواجد: المليء، يُحِلُّ عِرْضَه الكلام فيه وشكواه، وعقوبته على مطله وظلمه.

فالواجب على المسلم أن يُنصف من نفسه، وأن يدفع الدَّين إذا كان قادرًا، أو يُخاطب صاحبه بالتي هي أحسن ويُبين له الحقيقة ويعتذر إليه بالعجز: وَإِن كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ [البقرة:280]، وإذا أحاله يقبل الحوالة إذا كان على مليءٍ، وإذا اصطلح الشريكان على أن هذا يأخذ الدَّين، وهذا يأخذ العين، وهما شُركاء، فلا بأس، هذا يأخذ العين: الأموال الموجودة، وهذا يُحال بدَينه على الأملياء، لا بأس، إذا تراضوا لا بأس.

باب إذا أحال على مليٍّ فليس له ردٌّ

2288- حدثنا محمد بن يوسف: حدثنا سفيان، عن ابن ذكوان، عن الأعرج، عن أبي هريرة ، عن النبي ﷺم قال: مطل الغني ظلمٌ، ومَن أتبع على مليٍّ فليتبع.

الشيخ: وظاهره الوجوب: فليتبع هذا أمرٌ، والأمر للوجوب بشرط أن يكون مليئًا، والمليّ: القادر على الوفاء من غير مماطلةٍ، الملي: هو الباذل القادر، إذا كان قادرًا على المال، ليس مُماطلًا، فإن كان معروفًا بالمماطلة فليس بمليٍّ، أو كان عاجزًا فليس بمليٍّ، فالملاءة تشمل أمرين: الأمر الأول: وجود المال عند غنيٍّ يستطيع بذل المال، الأمر الثاني: أنه معروفٌ بعدم المماطلة، فإن كان معروفًا بالمماطلة فليس المماطل بمليٍّ، بل متعب ومُؤذٍ؛ فلا يلزم المحال أن يقبل، نعم.

س: كل أمرٍ يردّ .....؟

ج: هذا الأصل، الأصل في الأوامر الوجوب إلا بدليلٍ، والأصل في النواهي التحريم إلا بدليلٍ، نعم.

س: قوله ..... في الاستحباب؟

ج: يحتاج إلى دليلٍ، هذا الأصل في الأوامر. نعم.

س: إذا لم يتحقق الشرطان يرجع على صاحب الدَّين؟

ج: على صاحب الدَّين، نعم، إذا صار المحال عليه ليس بمليٍّ يرجع، نعم.

باب إن أحال دَين الميت على رجلٍ جاز

2289- حدثنا المكي بن إبراهيم: حدثنا يزيد بن أبي عبيد، عن سلمة بن الأكوع قال: كنا جلوسًا عند النبي ﷺ إذ أُتي بجنازةٍ، فقالوا: صلِّ عليها. فقال: هل عليه دَينٌ؟ قالوا: لا. قال: فهل ترك شيئًا؟ قالوا: لا. فصلَّى عليه، ثم أُتي بجنازةٍ أخرى، فقالوا: يا رسول الله، صلِّ عليها. قال: هل عليه دَينٌ؟ قيل: نعم. قال: فهل ترك شيئًا؟ قالوا: ثلاثة دنانير. فصلَّى عليها، ثم أُتي بالثالثة، فقالوا: صلِّ عليها. قال: هل ترك شيئًا؟ قالوا: لا. قال: فهل عليه دَينٌ؟ قالوا: ثلاثة دنانير. قال: صلُّوا على صاحبكم، قال أبو قتادة: صلِّ عليه يا رسول الله وعليَّ دَينه. فصلَّى عليه.

الشيخ: وهذا يدل على جواز قضاء الدَّين عن الميت والحوالة عليه، لا بأس بذلك؛ إذ المقصود تخليص ذمَّته، فإذا أحال الورثةُ على مليٍّ، أو تبرع إنسانٌ وقضى الدَّين فلا بأس، وكان هذا في أول الأمر، ثم نُسخ، وكان بعد ذلك يُصلي على المدينين ويقضي عنهم عليه الصلاة والسلام، ويقول: أنا أولى بكل مؤمنٍ من نفسه، مَن ترك دَيْنًا فعليَّ وإليَّ، ومَن ترك مالًا فهو لورثته، اللهم صلِّ عليه وسلم، وكان يُصلي عليهم بعد ذلك ولا يترك أحدًا.

س: يا شيخ، ألا يكون الحديث في الكفالة؟

ج: يصلح هذا وهذا، يصلح للضمان من باب الضمان، ويصلح للحُجَّة على الحوالة.

39- كتاب الكفالة

باب الكفالة في القرض والديون بالأبدان وغيرها

2290- وقال أبو الزناد: عن محمد بن حمزة بن عمرو الأسلمي، عن أبيه: أن عمر بعثه مُصدِّقًا، فوقع رجلٌ على جارية امرأته، فأخذ حمزةُ من الرجل كفيلًا حتى قدم على عمر، وكان عمر قد جلده مئة جلدة، فصدَّقهم وعذره بالجهالة.

وقال جرير والأشعث لعبدالله بن مسعود في المرتدين: استَتِبْهم وكفِّلهم. فتابوا، وكفلهم عشائرهم.

وقال حماد: إذا تكفل بنفسٍ فمات فلا شيء عليه.

وقال الحكم: يضمن.2291- قال أبو عبدالله: وقال الليث: حدثني جعفر بن ربيعة، عن عبدالرحمن بن هرمز، عن أبي هريرة ، عن رسول الله ﷺ: أنه ذكر رجلًا من بني إسرائيل سأل بعض بني إسرائيل أن يسلفه ألف دينارٍ، فقال:

ائتني بالشهداء أُشهدهم. فقال: كفى بالله شهيدًا. قال: فأتني بالكفيل. قال: كفى بالله كفيلًا. قال: صدقتَ. فدفعها إليه إلى أجلٍ مُسمًّى.

فخرج في البحر فقضى حاجته، ثم التمس مركبًا يركبها يقدم عليه للأجل الذي أجَّله، فلم يجد مركبًا، فأخذ خشبةً فنقرها، فأدخل فيها ألف دينارٍ وصحيفةً منه إلى صاحبه، ثم زجج موضعها، ثم أتى بها إلى البحر، فقال: اللهم إنك تعلم أني كنتُ تسلَّفتُ فلانًا ألف دينارٍ، فسألني كفيلًا، فقلتُ: كفى بالله كفيلًا، فرضي بك، وسألني شهيدًا، فقلتُ: كفى بالله شهيدًا، فرضي بك، وأني جهدتُ أن أجد مركبًا أبعث إليه الذي له فلم أقدر، وإني أستودعكها، فرمى بها في البحر حتى ولجت فيه، ثم انصرف، وهو في ذلك يلتمس مركبًا يخرج إلى بلده.

فخرج الرجل الذي كان أسلفه ينظر لعل مركبًا قد جاء بماله، فإذا بالخشبة التي فيها المال، فأخذها لأهله حطبًا، فلما نشرها وجد المال والصَّحيفة.

ثم قدم الذي كان أسلفه، فأتى بالألف دينارٍ، فقال: والله ما زلتُ جاهدًا في طلب مركبٍ لآتيك بمالك فما وجدتُ مركبًا قبل الذي أتيتُ فيه. قال: هل كنت بعثتَ إليَّ بشيءٍ؟ قال: أُخبرك أني لم أجد مركبًا قبل الذي جئتُ فيه. قال: فإن الله قد أدَّى عنك الذي بعثتَ في الخشبة، فانصرف بالألف الدينار راشدًا

».

الشيخ: الله أكبر! الله أكبر! هذه من آيات الله، هذا الرجل الصادق الحريص من شدة ما في قلبه من الحرص على الوفاء أقدم على هذا الأمر، وكان الرجل استلف من أخيه ألف دينارٍ، ألف جنيه ذهب، وقال له المسلف –الـمُقرض-: هل من شهودٍ؟ هل من كفيلٍ؟ فقال له: كفى بالله شهيدًا، وكفى بالله كفيلًا. فرضي وأعطاه إلى أجلٍ معلومٍ قرضًا، فسافر الرجلُ، فلما جاء الموعد حرص على أن يجد مركبًا حتى يرجع إلى بلده فيُوفي صاحب المال فلم يجد، فأخذ خشبةً فنقرها، وجعل فيها الألف الدينار، وجعل فيها صحيفةً لصاحبها، ثم زجج عليها، يعني: جعل عليها ما يمنع دخول الماء عليه، ثم ألقاها في البحر وقال: اللهم إنك تعلم أنه طلب مني شهيدًا فقلتُ: كفى بالله شهيدًا، وطلب مني كفيلًا فقلتُ: كفى بالله كفيلًا، وإني لم أجد مركبًا، وإني أستودعك هذه الخشبة. فألقاها، ومع ذلك جاء له بالمال لما وجد المركب، يعني: ظن أنها لم تصل إليه، وهذا مما في قلبه من الحرص على إيصال المال.

وكان صاحب المال خرج إلى السيف يبتغي حطبًا لأهله، فإذا هو بالخشبة، فأخذها وفتحها فإذا فيها المال، ثم جاء الرجل بالمال وقال: لقد حرصتُ أن آتيك بالموعد ولم أقدر. قال: أكنتَ بعثتَ إليَّ بشيءٍ؟ قال: ألم أقل لك: إني لم أجد مركبًا. وهذا يدل على أنه ما عنده ظنّ أن تصل؛ لما في قلبه من الحرص على الوفاء، فقال: إن الله قد أوفى عنك ..... الخشبة التي بعثت إليَّ وصلت.

فهذا فيه أن حُسن الظن بالله، وأن الحرص على أداء الحقوق بكل إخلاصٍ لله؛ أن الله يُعين صاحبها، ويُوفي عنه، ويُسهل أموره، ولو حصل منه بعض التفريط، فهذا الرجل فعل هذا الأمر من شدة ما في قلبه من الحرص.

وهذا يدل على أنه لا يجب الإشهاد في القرض، ولا الكفيل في القرض، ولا في البيع، والرسول ﷺ ذكر القضية وأقرَّها؛ لما فيها من العبرة والعِظة، ولكن نهى عن إضاعة المال عليه الصلاة والسلام، فدلَّ على أن مثل هذا لا يُلقي في البحر شيئًا إذا كان مثل هذا يحفظه حتى يُرسله بطريقٍ مأمونٍ، أو يُواجه هذا الرجل الذي ..... وألقاها في البحر، لا يتأسى به في هذا العمل؛ لما جاء في شريعتنا من التحذير من إضاعة المال والأمر بحفظه والتوثق، انظر الكلام على الترجمة.

س: .............؟

ج: يكون للنَّدب، يكون للنَّدب، نعم، يكون الأمر للنَّدب.

س: .............؟

ج: نعم، استدلَّ به على عدم الوجوب، وكذلك بيع النبي ﷺ في بعض الأحيان من دون شهودٍ.

س: يظهر من صاحب الدَّين أنه لم تصله الصَّحيفة؛ لأنه لم يذكرها لأخيه؟

ج: لا، وصلت الخشبة وفيها الصَّحيفة.

س: أقصد الكتابة التي كتبها لأخيه؟

ج: لا، وصلت، ظاهر السياق أنه وصل كل شيءٍ، ووصلت الخشبة.

س: بيت العقار يُعتبر دَينًا؟

ج: دَينٌ، نعم، بيت العقار دَينٌ للحكومة، نعم.

س: الكتابة واجبةٌ؟

ج: ظاهر الأمر الوجوب: فَاكْتُبُوهُ [البقرة:282]، إلا ألا يقدر فالرِّهان.

الطالب: قوله: "باب الكفالة في القرض والدُّيون بالأبدان وغيرها" ذكر الديون بعد القرض من عطف العام على الخاص، والمراد "بغير الأبدان" الأموال.

قوله: "وقال أبو الزناد ..." إلخ هو مُختصرٌ من قصةٍ أخرجها الطحاوي من طريق عبدالرحمن بن أبي الزناد: حدثني أبي: حدثني محمد بن حمزة بن عمرو الأسلمي، عن أبيه: أن عمر بن الخطاب بعثه للصدقة، فإذا رجلٌ يقول لامرأةٍ: صدِّقي مال مولاك. وإذا المرأة تقول: بل أنت صدِّق مال ابنك. فسأل حمزةُ عن أمرهما، فأُخبر أن ذلك الرجل زوج تلك المرأة، وأنه وقع على جاريةٍ لها فولدت ولدًا، فأعتقته امرأته، ثم ورث من أمه مالًا، فقال حمزة للرجل: لأرجمنَّك. فقال له أهل الماء: إن أمره رُفع إلى عمر فجلده مئةً، ولم يرَ عليه رجمًا. قال: فأخذ حمزةُ بالرجل كفيلًا حتى قدم على عمر فسأله، فصدَّقهم عمر بذلك مع قولهم، وإنما درأ عمرُ عنه الرجم لأنه عذره بالجهالة.

واستُفيد من هذه القصة مشروعية الكفالة بالأبدان؛ فإن حمزة بن عمرو الأسلمي صحابي، وقد فعله، ولم يُنكر عليه عمرُ مع كثرة الصحابة حينئذٍ.

وأما جلد عمر للرجل فالظاهر أنه عزره بذلك، قاله ابن التين، قال: وفيه شاهدٌ لمذهب مالك في مجاوزة الإمام في التعزير قدر الحد. وتُعقب بأنه فعل صحابيٍّ عارضه مرفوعٌ صحيحٌ، فلا حُجَّةَ فيه، وأيضًا فليس فيه التصريح بأنه جلده ذلك تعزيرًا، فلعل مذهب عمر أن الزاني المحصَن إن كان عالمًا رُجم، وإن كان جاهلًا جُلد.

قوله: "وقال جرير" أي: ابن عبدالله البجلي، "والأشعث" أي: ابن قيس الكندي، "لعبدالله بن مسعود في المرتدين: استَتِبْهُم وكفِّلهم. فتابوا، وكفلهم عشائرهم"، وهذا أيضًا مُختصرٌ من قصةٍ أخرجها البيهقي بطولها من طريق أبي إسحاق، عن حارثة بن مضرب قال: صليتُ الغداة مع عبدالله بن مسعود، فلما سلَّم قام رجلٌ فأخبره أنه انتهى إلى مسجد بني حنيفة فسمع مُؤذن عبدالله ابن النواحة يشهد أن مُسيلمة رسول الله، فقال عبدالله: عليَّ بابن النواحة وأصحابه. فجيء بهم، فأمر قرظة بن كعب فضرب عنق ابن النواحة، ثم استشار الناس في أولئك النفر، فأشار عليه عدي بن حاتم بقتلهم، فقام جرير والأشعث فقالا: بل استَتبهم وكفلهم عشائرهم. فتابوا، وكفلهم عشائرهم.

وروى ابن أبي شيبة من طريق قيس بن أبي حازم: أن عدة المذكورين كانت مئةً وسبعين رجلًا.

قال ابن المنير: أخذ البخاري الكفالة بالأبدان في الديون من الكفالة بالأبدان في الحدود بطريق الأولى، والكفالة بالنفس قال بها الجمهور، ولم يختلف مَن قال بها أن المكفول بحدٍّ أو قصاصٍ إذا غاب أو مات أن لا حدَّ على الكفيل، بخلاف الدَّين، والفرق بينهما أن الكفيل إذا أدَّى المال وجب له على صاحب المال مثله.

تنبيهٌ: وقع في أكثر الروايات في هذا الأثر: "فتابوا" من التوبة، ووقع في رواية الأصيلي والقابسي وعبدوس: "فأبوا" بغير مُثناةٍ قبل الألف.

الشيخ: "فآبوا" يعني: رجعوا.

القارئ: بالهمز: فأبوا.

الشيخ: أيش بعده؟

القارئ: قال عياض: وهو وهمٌ مُفسدٌ للمعنى.

قلتُ: والذي يظهر لي أنه "فآبوا" بهمزةٍ ممدودةٍ.

الشيخ: هذا هو، يعني: تابوا، نعم.

القارئ: وهي بمعنى: فرجعوا، فلا يفسد المعنى.

قوله: "وقال حماد" أي: ابن أبي سليمان: "إذا تكفل بنفسٍ فمات فلا شيءَ عليه. وقال الحكم: يضمن" وصله الأثرم من طريق شعبة، عن حماد والحكم، وبذلك قال الجمهور.

وعن ابن القاسم صاحب مالك: يفصل بين الدَّين الحال والمؤجل، فيغرم في الحال، ويفصل في المؤجل بين ما إذا كان لو قدم لأدركه أم لا.

الشيخ: وهذا يدل على أن الكفالة جائزةٌ؛ لما فيها من المصلحة العظيمة، ولو في الحدود، ولو في الأمور العظيمة؛ لأن تكفيل العشائر تجعل التائب يستمر في توبته، ويستقيم، ويخاف من جماعته، ويكون فيه عونٌ على استقامته؛ ولهذا أمر ابنُ مسعودٍ بتكفيل عشائرهم؛ ليكون ذلك أضبط للأمور؛ لئلا يرجعوا في الردّة.

وفيه أن مَن جهل شيئًا مما يتعلق بالحدِّ أنه لا بأس أن يُخفف عنه الحد، فإن هذا الذي أباحت له زوجته جاريتها صارت له شبهةٌ؛ فلهذا درأ عنه عمرُ الحدَّ وجلده مئةً؛ جمعًا بين المصلحتين، جلده مئةً لأنه تساهل وزنا، ودرأ عنه حدَّ الرجم لأن إذنها له في اتصاله بها يُشبه التمليك لها، وهذه شُبهةٌ في عدم رجمه؛ لأنها أذنت له، أباحتها له، فظن أن هذا يُجيزها له، وأنها بمثابة مَن ملكها، فجمع عمرُ بين المصلحتين: درأ عنه الحدَّ لشبهة إباحتها له، وجلده مئةً تعزيرًا للردع عن مثل هذا التَّساهل.

وفيه الدلالة على جواز التعزير بأكثر من عشر جلدات، وأن التعزير يكون بأكثر كالمئة، وحديث: لا يُجلد فوق عشرة أسواطٍ إلا في حدٍّ من الحدود يعني: إلا في حقٍّ من حقوق الله، وهذا حقٌّ من حقوق الله؛ ولهذا فالصواب أن الحديث في العشر وفيما يتعلق بحقِّ المخلوقين فيما بينهم، وأما إذا كان في حقِّ الله فلا بأس أن يُزاد؛ ولهذا جلد عمرُ مئةً في التعزير، وهكذا في الذي نقش على خاتمه جلده مئةً للتعزير، فالتعزير لا يتحدد بحدٍّ، بل بما يرى ولي الأمر أنه رادعٌ عن الجرائم في الأشياء التي لا حدَّ فيها محددًا من جهة الشرع. نعم.

وأما الكفيل ففيه تفصيلٌ: إن كان كفل بدنٍ عليه إحضار البدن، فإذا مات برئ، وإذا أحضره برئ، أما إذا كان ضمن المال والبدن جميعًا، فعليه المال والبدن جميعًا، عليه إحضار الكفيل إذا طلب، وعليه إحضار المكفول، وعليه المال إذا لم يُسلم المكفول، إذا كان كفل ذاته وماله.

س: وإذا مات؟

ج: كذلك يُؤدي عنه إذا كان ضمن المال أيضًا، نعم.

س: إذا قيل: إن عمر جلد مئةً، وهذا تخفيفٌ من الحد؛ ما صار تعزيرًا؟

ج: هو تعزيرٌ؛ لأن الحدَّ الرجم؛ لأنه زنا وهو مُحصنٌ، فله زوجةٌ.