باب: ليس على المسلم في فرسه صدقةٌ
1463- حدثنا آدم: حدثنا شعبة: حدثنا عبدالله بن دينار، قال: سمعت سليمان بن يسار، عن عراك بن مالك، عن أبي هريرة قال: قال النبي ﷺ: ليس على المسلم في فرسه وغلامه صدقةٌ.
الشيخ: والمعنى: أن العبد المملوك والفرس التي يستخدمها الإنسان ليس فيها زكاةٌ، وهكذا حال الأواني، والمفارش، والسكن، وسائر ما يستمتع به الإنسان ليس فيه زكاةٌ، إذا لم يعدّه للبيع والتجارة ليس فيه زكاةٌ، ويلتحق بذلك السيارة الآن، السيارة من جنس الفرس، ومن جنس الحمار والناقة والبغل، كانت تُستعمل أولًا هذه للتنقل، وحلّ محلها السيارات، وليس فيها زكاةٌ ما دامت السيارات للاستعمال لا للتجارة.
وهكذا جميع ما يحتاجه الناس من أوانٍ، وأدوات صناعةٍ، وأدوات استنباط الماء، وأدوات استنباط المعادن، وما أشبه ذلك، كل هذه الأشياء التي يحتاجها الناس ليست للتجارة، ولكنها للعمل، للانتفاع بها، لاستخراج حاجات الناس، كلها من هذا الباب ليس فيها زكاةٌ.
أما لو كان عنده عبيدٌ، أو إبلٌ، أو غنمٌ، أو خيلٌ للتجارة، فحكمها حكم عروض التجارة، ليست داخلةً في هذا الباب: كالسيارات التي عنده وليست للاستعمال، بل للتجارة والبيع. نعم.
س: إذا كان الحديث صحيحًا أن الخيل ما فيها زكاةٌ، فكيف ..... أن فيه زكاةً؟
ج: الأدلة الدالة على وجوب زكاة العروض ما يُعدّ للتجارة والبيع. نعم.
باب: ليس على المسلم في عبده صدقةٌ
1464- حدثنا مسدد: حدثنا يحيى بن سعيد، عن خثيم بن عراك قال: حدثني أبي، عن أبي هريرة ، عن النبي ﷺ. ح، حدثنا سليمان بن حرب: حدثنا وهيب بن خالد: حدثنا خثيم بن عراك بن مالك، عن أبيه، عن أبي هريرة ، عن النبي ﷺ قال: ليس على المسلم صدقةٌ في عبده، ولا في فرسه.
باب الصدقة على اليتامى
1465- حدثنا معاذ بن فضالة: حدثنا هشام، عن يحيى، عن هلال ابن أبي ميمونة: حدثنا عطاء بن يسار: أنه سمع أبا سعيدٍ الخدري يُحدِّث: أن النبي ﷺ جلس ذات يومٍ على المنبر، وجلسنا حوله، فقال: إني مما أخاف عليكم من بعدي ما يُفتح عليكم من زهرة الدنيا وزينتها، فقال رجلٌ: يا رسول الله، أَوَيَأتي الخيرُ بالشر؟! فسكت النبي ﷺ، فقيل له: ما شأنك تُكلم النبي ﷺ ولا يُكلمك؟! فرأينا أنه ينزل عليه، قال: فمسح عنه الرُّحَضَاء، فقال: أين السائل؟ وكأنه حمده، فقال: إنه لا يأتي الخير بالشر، وإن مما يُنبت الربيع يقتل أو يُلِمّ، إلا آكلة الخضراء، أكلت حتى إذا امتدت خاصرتاها استقبلت عين الشمس، فثَلَطَتْ، وبالت، ورتعت، وإن هذا المال خَضِرَةٌ حلوةٌ، فنعم صاحب المسلم ما أعطى منه المسكين واليتيم وابن السَّبيل -أو كما قال النبي ﷺم-، وإنه مَن يأخذه بغير حقِّه كالذي يأكل ولا يشبع، ويكون شهيدًا عليه يوم القيامة.
الشيخ: والمعنى: أن الخير لا يأتي بالشر، بل يدعو إلى الخير، فما شرع الله للعباد من الطاعات، وما أحلَّ لهم من الطيبات هو يأتي بالخير، لا بالشر، ولكن بعض الناس قد لا يتقيد بالخير، ويجرُّه ذلك الخير إلى الشر الذي مالت إليه نفسه وهواه: كالدابة التي تأكل من الربيع فوق طاقتها فتهلك بسبب ذلك؛ يقتلها أكلها، أو يلم بقتلها بسبب إسرافها على نفسها، مما يُنبت الربيع يعني: ما يُنبت بسبب المطر والغيث، فتأكل منه حتى تقتل نفسها.
إلا آكلة الخضراء، أكلت حتى إذا امتدت خاصرتاها استقبلت عين الشمس، فثَلَطَتْ، وبالت، فهذا يُشبه مَن استمتع بالمال وأنفقه في وجوهٍ: في الفقير والمسكين وابن السبيل، ووجوه الخير، فأنفق منه في وجوهه، واستعان به على طاعة ربه، فهذا يسلم مَن تبعته.
أما مَن صرفه في هواه وشهواته، ولم يتقيد فيه بالشرع؛ ضرَّه ذلك، لا لأنه خيرٌ، بل لأنه صرفه في غير الخير، واستعان به على غير الخير ..... في نفس الخير لمن استعان به على الخير، وتعاون به على طاعة الله ورسوله، ولكن إذا استعمله في غير وجهه فهو الذي جرَّ البلاء على نفسه بسبب عمله: كالدابة التي لا تعقل، ولا تفهم، فتجرّ على نفسها البلاء بأكلها ما لم تتحمل حتى تضرّ نفسها.
فالبهائم لضعف عقلها وتصرفها قد تستعمل ما يضرّها ويُهلكها، فتقف عند بعض الحدود، وتكون خيرًا من بعض بني آدم، لكن من بني آدم -وهم الأكثرون- مَن لا يتقيدون بالقيود التي تنفعهم، بل يخرجون عنها إلى ما يضرهم: بمأكلٍ، ومشربٍ، ونفقةٍ، وتصرفاتٍ، حتى يقعوا فيما يضرهم ويُغضب الله عليهم؛ لعدم التقيد بالحدود الشرعية.
فنعم المال للرجل المؤمن، نعم صاحب المال الطيب للرجل الطيب، الذي يكسب الكسب الحلال، المنفق في وجوه الخير.
فلا بد من مراعاة القيود الشرعية التي شرعها الله لعباده وأمرهم أن يتقيدوا بها، والذي لا يتقيد بالأمور الشرعية، ويأخذ المال بإشراف نفسٍ وجشعٍ كالذي يأكل ولا يشبع، ويكون عليه حسرةً يوم القيامة، لكن مَن أخذه بحقِّه، وصرفه في حقِّه؛ نفعه في الدنيا والآخرة. نعم.
باب الزكاة على الزوج والأيتام في الحجر
قاله أبو سعيدٍ، عن النبي ﷺ.
1466- حدثنا عمر بن حفص: حدثنا أبي: حدثنا الأعمش، قال: حدثني شقيقٌ، عن عمرو بن الحارث، عن زينب -امرأة عبدالله رضي الله عنهما-، قال: فذكرته لإبراهيم. ح، فحدثني إبراهيم، عن أبي عبيدة، عن عمرو بن الحارث، عن زينب -امرأة عبدالله- بمثله سواء، قالت: كنت في المسجد، فرأيتُ النبي ﷺ، فقال: تصدَّقْنَ ولو من حُليكنَّ، وكانت زينب تُنفق على عبدالله وأيتامٍ في حجرها، قال: فقالت لعبدالله: سَلْ رسول الله ﷺ: أيجزي عني أن أُنفق عليك وعلى أيتامٍ في حجري من الصدقة؟ فقال: سَلِي أنت رسول الله ﷺ. فانطلقت إلى النبي ﷺ، فوجدت امرأةً من الأنصار على الباب: حاجتها مثل حاجتي، فمرَّ علينا بلالٌ، فقلنا: سَل النبي ﷺ: أيجزي عني أن أُنفق على زوجي وأيتامٍ لي في حجري؟ وقلنا: لا تُخبر بنا. فدخل فسأله، فقال: مَن هما؟ قال: زينب. قال: أي الزيانب؟ قال: امرأة عبدالله. قال: نعم، لها أجران: أجر القرابة، وأجر الصدقة.
1467- حدثنا عثمان ابن أبي شيبة: حدثنا عبدة، عن هشامٍ، عن أبيه، عن زينب بنت أم سلمة، عن أم سلمة قالت: قلت: يا رسول الله، ألي أجرٌ أن أُنفق على بني أبي سلمة؟ إنما هم بنيّ. فقال: أنفقي عليهم، فلكِ أجرُ ما أنفقتِ عليهم.
الشيخ: وهذا مثل الحديث الآخر: الصدقة على الفقير صدقةٌ، وعلى ذي الرحم اثنتان: صدقةٌ وصِلةٌ، وفي الحديث الآخر: ابدأ بنفسك، ثم بمَن تعول، فالصدقة على الأقارب والأيتام والزوج مُقدَّمَةٌ على الأباعد، لها أجران: صدقةٌ، وصِلةٌ.
وهذا كله في النافلة: صدقة التطوع، أما في الفريضة فلا بد من إخراجها في جهتها؛ لأن صرفها في أيتامها وهي تستطيع الإنفاق عليهم يكون وقايةً للمال، فعليها أن تُنفق على أولادها مما أعطاها الله إذا كانت تقدر، وتُخرج الزكاة في جهتها.
وهكذا الزوج عند جمعٍ من أهل العلم، وقال آخرون: الزوج يجوز صرف الزكاة فيه؛ لأنه أجنبيٌّ، ليس مما يجب عليها نفقته، بل الواجب عليه هو النَّفقة، فإذا دفعت إليه صدقتها كانت صدقةً وصلةً ..... الحاجة إليها لفقره، وهذا أظهر في الدليل وأبين؛ لأنها تجمع بين الأمرين: الإحسان إليه، وإعانته على نفقة بيته. نعم.
س: ما صحة قول مَن قال: إن الأخ إذا لم يكن له أولادٌ لا يُعطى من الزكاة .....؟
ج: لا، يُعطى، ما في بأس، الصواب أنه يُعطى، الإخوة والأخوات، والأعمام والعمَّات يُعطون من الزكاة إذا كانوا من أهلها.
س: طيب، إذا قلنا بجواز إعطاء الزوجة صدقة .....؟
ج: يُنفق عليها وعلى أولادها، بلغت محلها.
س: في حَجْري أو حِجْري؟
ج: لغتان: حَجْر وحِجْر. نعم.
س: أحسن الله إليك، عندنا هنا: عن زينب بنت أم سلمة، عن أم سلمة؟
ج: وأيش فيها؟
س: أقول: ذكر الشيخ: عن زينب بنت أم سلمة قالت. وعندنا هنا: عن زينب بنت أم سلمة، عن أم سلمة؟
ج: نعم، زينب بنت أم سلمة، هكذا.
س: زينب بنت أم سلمة، عن أمها؟
ج: طيب، والذي عندك أيش هو؟
قارئ المتن: عن زينب بنت أم سلمة قالت: قلت: يا رسول الله. ساقطٌ: عن أم سلمة.
الشيخ: لا، عن أمها، ساقطٌ عندك؛ لأن زينب صغيرةٌ، صحابيةٌ صغيرةٌ، ما بلغت أن تسأل، فهي تروي عن أمها.
س: المؤلف ما يرى الفرق بين الزوج والأيتام والأولاد؟
ج: ظاهر إطلاقه، هذا الذي يظهر، وهذا كله إذا كانت عاجزةً عن نفقتهم، وعندها زكاةٌ، فهم أولى بها من غيرهم، وابن المنذر حكى الإجماع على أنها لا تصرف في الوالدين والأولاد، ولكن إذا قيد هذا الإجماع بالقُدرة فهو وجيهٌ، فيُراجع كلامه، أما إذا كان المنفق ليست عنده قدرةٌ على النفقة، بل عنده الزكاة فقط، ما عنده قدرةٌ على أن يُنفق عليهم؛ كأن يكون غيرهم أولى منهم، أو هم أولى بالزكاة لحاجتهم وعجزه عن الإنفاق عليهم إلا من هذه الزكاة التي لا بد أن يُخرجها.
هل تعرَّض الشارح لشيءٍ؟
هل تعرَّض الشارح لكلام أهل العلم في هذا: في حكم الزكاة للأولاد والوالدين .....
واستدل بهذا الحديث على جواز دفع المرأة زكاتها إلى زوجها، وهو قول الشافعي، والثوري، وصاحبي أبي حنيفة، وإحدى الروايتين عن مالكٍ، وعن أحمد، كذا أطلق بعضهم، ورواية المنع عنه مقيدةٌ بالوارث، وعبارة الجوزقي: ولا لمن تلزمه مُؤنته. فشرحه ابن قدامة بما قيَّدته.
س: الجوزقي أو الخرقي، أحسن الله إليك؟
ج: أيش؟
وعبارة الجوزقي.
الشيخ: لعلها: الخرقي. نعم.
ولا لمن تلزمه مُؤنته. فشرحه ابن قدامة بما قيَّدته.
قال: والأظهر الجواز مطلقًا إلا للأبوين والولد، وحملوا الصدقة في الحديث على الواجبة؛ لقولها: "أتجزئ عني؟" وبه جزم المازري، وتعقبه عياض بأن قوله: ولو من حليكنَّ، وكون صدقتها كانت من صناعتها يدلان على التطوع، وبه جزم النووي.
وتأولوا قوله: "أتُجزئ عني؟" أي: في الوقاية من النار، كأنها خافت أن صدقتها على زوجها لا تحصل لها المقصود، وما أشار إليه من الصناعة احتجَّ به الطحاوي؛ لقول أبي حنيفة، فأخرج من طريق رائطة -امرأة ابن مسعودٍ- أنها كانت امرأةً صنعاء اليدين، فكانت تُنفق عليه وعلى ولده.
قال: فهذا يدل على أنها صدقة تطوعٍ، وأما الحُلي فإنما يحتجّ به على مَن لا يُوجب فيه الزكاة، وأما مَن يُوجب فلا.
وقد روى الثوري، عن حماد، عن إبراهيم، عن علقمة قال: قال ابن مسعودٍ لامرأته في حُليها: إذا بلغ مئتي درهم ففيه الزكاة. فكيف يحتجّ على الطحاوي بما لا يقول به؟! لكن تمسك الطحاوي بقولها في حديث أبي سعيدٍ السابق: "وكان عندي حُليٌّ لي، فأردت أن أتصدق به"؛ لأن الحلي ولو قيل بوجوب الزكاة فيه إلا أنها لا تجب في جميعه. كذا قال.
وهو مُتعقبٌ؛ لأنها وإن لم تجب في عينه فقد تجب فيه، بمعنى: أنه قدر النصاب الذي وجب عليها إخراجه.
واحتجوا أيضًا بأن ظاهر قوله في حديث أبي سعيدٍ المذكور: زوجك وولدك أحقّ مَن تصدقت به عليهم دالٌّ على أنها صدقة تطوعٍ؛ لأن الولد لا يُعطى من الزكاة الواجبة بالإجماع، كما نقله ابن المنذر وغيره.
وفي هذا الاحتجاج نظرٌ؛ لأن الذي يمتنع إعطاؤه من الصدقة الواجبة مَن يلزم المعطي نفقته، والأم لا يلزمها نفقة ولدها مع وجود أبيه.
وقال ابن التيمي: قوله: وولدك محمولٌ على أن الإضافة للتربية، لا للولادة، فكأنه ولده من غيرها.
وقال ابن المنير: اعتلّ مَن منعها من إعطائها زكاتها لزوجها بأنها تعود إليها في النفقة، فكأنها ما خرجت عنها. وجوابه: أن احتمال رجوع الصدقة إليها واقعٌ في التطوع أيضًا.
ويؤيد المذهب الأول أن ترك الاستفصال ينزل منزلة العموم، فلما ذكرت الصدقة ولم يستفصلها عن تطوعٍ ولا واجبٍ فكأنه قال: تُجزئ عنك، فرضًا كان أو تطوعًا.
وأما ولدها فليس في الحديث تصريحٌ بأنها تُعطي ولدها من زكاتها، بل معناه: أنها إذا أعطت زوجها فأنفقه على ولدها كانوا أحقَّ من الأجانب، فالإجزاء يقع بالإعطاء للزوج والوصول إلى الولد بعد بلوغ الزكاة محلها.
والذي يظهر لي أنهما قضيتان: إحداهما في سؤالها عن تصدقها بحُليها على زوجها وولده، والأخرى في سؤالها عن النفقة، والله أعلم.
الشيخ: ما أزال الإشكال في الأولاد إلا بحكاية ..... ابن المنذر ذكر حكاية الإجماع على أنها لا تُصرف في الولد؛ لأنها في الحقيقة إذا صُرفت في الولد ونحوه صارت وقايةً لمالها وما يجب عليها من صلة الرحم والإنفاق على أولادها المحاويج؛ لأنه ليس كل ولدٍ لهم أبٌ، فهم أيتامٌ، أبوهم أبو سلمة تُوفي، فإما أن يُحمل على صدقة التطوع، ويكون إنفاقها في أولادها وزوجها فيه الأجر العظيم: أجران: أجر الصدقة، وأجر الصلة، وأما إذا حُمل على زكاة الفريضة فإنها تجزي في الزوج لعدم المعارض، والولد هو محل النظر فيما ذكره ابن المنذر من الإجماع على عدم صرفها في الولد.
والحاصل بكل حالٍ أن إنفاقها في الزوج لا معارضَ له، والزوج وإن أنفق منها فقد بلغت محلها، إذا بلغت الزوج فقد بلغت محلها، أنفق عليها، أو على أولاده، أو على الضيوف، أو على غيرهم، مثلما قال النبي ﷺ في بريرة: هو عليها صدقةٌ، ولنا منها هديةٌ، وذلك أن الصدقة بلغت محلها.
ومثل: أنت لو أعطيت الفقير زكاتك، ثم دعاك إلى وليمةٍ تأكل منها، مثلًا: أعطيته تمرًا، ودعاك إلى وليمةٍ، فوجدتَ التمر الذي وصل منك تأكل منه؛ لأن الصدقة بلغت محلها، صار ملكًا له، وما بقي لك تعلقٌ به، فتأكل من تمرك، كما في الحديث الصحيح عن أبي سعيدٍ ..... فأهدى منها لغنيٍّ؛ لأنها بلغت محلها إذا بلغت المساكين، فإذا زاره مَن تصدق عليه وحضر وليمةً وأكل من ذلك الطعام فلا بأس. نعم.
س: يبقى الإشكال في قوله: أيجزي عني؟
ج: في الفضل والأجر إذا كان تطوعًا، أو في الفريضة إذا كان زكاةً، محتملٌ، يُجزئ عنها في حصول الفضل والصدقة، وأنها إذا تصدقت على زوجها وأولادها حصل لها فضل الصدقة، كما لو أنفقت على الأجانب، فبين لها النبي ﷺ أن هذا أعظم وأفضل، لها أجران: أجر الصدقة، وأجر الصلة، فالإنفاق في الأقارب فيه أجران: من جهة الصلة، وإذا كانوا فُقراء فمن جهة الصدقة، فإذا تصدق الإنسان على أخيه وعمِّه وخالته ونحو ذلك وأولاده، وأنفق عليهم فله أجران، لكن الكلام في الفريضة -زكاة الفريضة- فيما يتعلق بالأولاد، أما غير الأولاد فالأمر واسعٌ: الإخوان والأخوات، والأعمام والعمَّات، ونحو ذلك، الأدلة عامَّة تعمُّهم، فإذا أعطاهم من زكاته فهم أهلٌ لها، وله أجران: أجر الصدقة، وأجر الصِّلة.
س: إذا أعطت زوجها من زكاة الفريضة .....؟
ج: هذا هو الأرجح، نعم.
س: والأقارب في حالة حاجتهم؟
ج: الكلام فيهم إذا كانوا فقراء، وإذا لم يكونوا فقراء فبإجماع المسلمين ما يُعطون من الزكاة.
س: ..... قيد إطلاق الصدقة في التطوع بدلًا من الواجب ..... القرينة في هذا الحديث تُصرف .....؟
ج: ما في قرينةٍ، بارك الله فيك؛ لأن اللفظ الآخر: سألت النبي ﷺ قالت: أيجزي عني أن أتصدق لزوجي وأولادي؟ غير مسألة الحُلي، سألته عن الصدقة قالت: يا رسول الله، إنك رغَّبْتَ في الصدقة، فهل يجزي عني إذا بذلت الصدقة في زوجي وأولادي بدلًا من إعطاء الناس؟ فأفتاها بأن لها أجرين.
س: محمولةٌ على الوجهين؟
ج: الحمل هذا يحتاج إلى دليلٍ، أما مُحاباة المذاهب ومُراعاة المذاهب ..... ما هو بوجهٍ.
س: التخصيص بأنها في صدقة التطوع يحتاج إلى دليلٍ أيضًا؟
ج: هذا هو ..... الأصل العموم.
س: حكاية ..... الإجماع؟
ج: الغالب عليها أنها قول الجمهور، هذا الغالب، لكن -على كل حالٍ- كون الإنسان يُخرج زكاته في غير أولاده فيه احتياطٌ كبيرٌ، وبُعْدٌ عن الخلاف، وبراءةٌ للذمة، ويُنفق عليهم من ماله، هذا لا إشكالَ فيه، إذا كان يقدر على النفقة يُنفق عليهم من ماله، لكن قد تقع المسألة في إنسانٍ عنده صدقةٌ ولا يقدر على النفقة على الأيتام الذين عنده؛ لعدم القُدرة، مثلًا: عنده ألف ريالٍ، أو عشرة آلاف ريالٍ، يتسبب فيها: يبيع ويشتري، إن أنفقها ما بقي شيءٌ يعمل فيه، تعطل، وليس عنده إلا زكاتها، فإن أنفقها فيهم تعطل، فهل يُخرج صدقتها فيهم، أو في غيرهم؟
وإذا أنفقها عليهم سوف يُنفق منها على كل حالٍ .....، لكن تُساعده الزكاة، فإذا أخرج الزكاة في غير أولاده الأيتام الذين عنده، واحتاط لدينه كما قال ابن المنذر وحكى الإجماع، فهذا هو الذي ينبغي بُعْدًا عما يضره ويُوجب براءة ذمته من الزكاة، نعم، وسوف يُعينه الله على الإنفاق عليهم. نعم.
باب قول الله تعالى: وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ [التوبة:60]
ويُذكر عن ابن عباسٍ رضي الله عنهما: يعتق من زكاة ماله، ويُعطي في الحج.
وقال الحسن: إن اشترى أباه من الزكاة جاز، ويُعطي في المجاهدين والذي لم يحج. ثم تلا: إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ [التوبة:60] الآية في أيها أعطيت أجزأت.
وقال النبي ﷺ: إن خالدًا احتبس أدراعه في سبيل الله.
ويُذكر عن أبي لاسٍ: حملنا النبي ﷺ على إبل الصدقة للحج.
1468- حدثنا أبو اليمان: أخبرنا شعيب: حدثنا أبو الزناد، عن الأعرج، عن أبي هريرة قال: أمر رسول الله ﷺ بالصدقة، فقيل: منع ابن جميل، وخالد بن الوليد، وعباس بن عبدالمطلب. فقال النبي ﷺ: ما ينقم ابن جميل إلا أنه كان فقيرًا فأغناه الله ورسوله.
الشيخ: كذا عندكم: فأغناه الله ورسوله؟
الطالب: فأغناه الله ورسوله.
الشيخ: أيش قال الشارح على زيادة: ورسوله؟
وقوله: فأغناه الله ورسوله إنما ذكر رسولُ الله ﷺ نفسه لأنه كان سببًا لدخوله في الإسلام، فأصبح غنيًّا بعد فقره بما أفاء الله على رسوله وأباح لأمته من الغنائم.
وهذا السياق من باب تأكيد المدح بما يُشبه الذم؛ لأنه إذا لم يكن له عذرٌ إلا ما ذكر من أن الله أغناه فلا عذرَ له.
الشيخ: وهذا كقوله تعالى: وَلَوْ أَنَّهُمْ رَضُوا مَا آتَاهُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ [التوبة:59].
وفيه التعريض بكُفران النعم، وتقريعٌ بسوء الصنيع في مقابلة الإحسان.
الشيخ: نعم.
فقال النبي ﷺ: ما ينقم ابن جميل إلا أنه كان فقيرًا فأغناه الله ورسوله، وأما خالدٌ فإنكم تظلمون خالدًا، قد احتبس أدراعه وأعتده في سبيل الله، وأما العباس بن عبدالمطلب فعم رسول الله ﷺ، فهي عليه صدقةٌ ومثلها معها. تابعه ابن أبي الزناد، عن أبيه.
وقال ابن إسحاق: عن أبي الزناد: هي عليه ومثلها معها.
وقال ابن جريج: حدثت عن الأعرج بمثله.
الشيخ: أيش قال على: احتبس أدراعه وأعتده؟
قوله: احتبس أي: حبس.
قوله: وأعتُدَه بضم المثناة جمع: "عتدٍ" بفتحتين، ووقع في رواية مسلمٍ: أعتاده، وهو جمعه أيضًا، قيل: هو ما يعدُّه الرجل من الدواب والسلاح. وقيل: الخيل خاصةً. يقال: فرسٌ عتيدٌ. أي: صلبٌ، أو مُعدٌّ للركوب، أو سريع الوثوب. أقوالٌ.
الشيخ: والمعنى: أنه ما عنده مالٌ، أمواله موقوفةٌ في سبيل الله، ما عنده مالٌ يُخرج زكاته، فهذا هو الأظهر من الحديث.
وأما العباس فهي عليَّ ومثلها النبي ﷺ أخرجها عنه.
أيش قال على: ويُذكر عن ابن عباسٍ؟
قارئ المتن: هناك تكميلٌ للحديث.
الشيخ: إذن كمِّل.
وقيل: إن لبعض رواة البخاري: وأعبده بالموحدة، جمع "عبدٍ"، حكاه عياضٌ، والأول هو المشهور.
الشيخ: يعني: "أعتده"، نعم.
قوله: فهي عليه صدقةٌ ومثلها معها كذا في رواية شعيب، ولم يقل ورقاء ولا موسى بن عقبة: "صدقة"، فعلى الرواية الأولى يكون ﷺ ألزمه بتضعيف صدقته؛ ليكون أرفع لقدره، وأنبه لذكره، وأنفى للذمِّ عنه.
مداخلة: في حاشيةٍ على تضعيف صدقته.
الشيخ: أيش؟
الطالب: هذا فيه نظرٌ، وظاهر الحديث يدل على أنه ﷺ تركها له، وتحمَّلها عنه، وسمَّى ذلك "صدقةً" تجوُّزًا وتساهلًا في اللفظ، ويدل على ذلك رواية مسلمٍ: فهي عليَّ ومثلها، فتأمل.
الشيخ: هذا هو الأظهر، نعم.
فالمعنى: فهي صدقةٌ ثابتةٌ عليه سيتصدق بها، ويُضيف إليها مثلها كرمًا.
ودلَّت رواية مسلمٍ على أنه ﷺ التزم بإخراج ذلك عنه؛ لقوله: فهي عليَّ.
وفيه تنبيهٌ على سبب ذلك، وهو قوله: إن العم صنو الأب؛ تفضيلًا له وتشريفًا.
ويحتمل أن يكون تحمّل عنه بها، فيُستفاد منه: أن الزكاة تتعلق بالذمة، كما هو أحد قولي الشافعي.
وجمع بعضُهم بين رواية: عليَّ ورواية: عليه بأن الأصل رواية: عليَّ، ورواية: عليه مثلها، إلا أن فيها زيادة هاء السكت. حكاه ابن الجوزي، عن ابن ناصر.
وقيل: معنى قوله: عليَّ أي: هي عندي قرضٌ؛ لأنني استسلفتُ منه صدقة عامين. وقد ورد ذلك صريحًا فيما أخرجه الترمذي وغيره من حديث عليٍّ، وفي إسناده مقالٌ.
وفي الدارقطني من طريق موسى بن طلحة: أن النبي ﷺ قال: إنا كنا احتجنا فتعجلنا من العباس صدقة ماله سنتين، وهذا مرسلٌ، وروى الدارقطني أيضًا موصولًا بذكر طلحة فيه، وإسناد المرسل أصحّ.
وفي الدارقطني أيضًا من حديث ابن عباسٍ رضي الله عنهما: أن النبي ﷺ بعث عمر ساعيًا، فأتى العباس فأغلظ له، فأخبر النبي ﷺ، فقال: إن العباس قد أسلفنا زكاة ماله العام والعام المقبل، وفي إسناده ضعفٌ.
وأخرجه أيضًا هو والطبراني من حديث أبي رافعٍ نحو هذا، وإسناده ضعيفٌ أيضًا.
ومن حديث ابن مسعودٍ: أن النبي ﷺ تعجل من العباس صدقته سنتين. وفي إسناده محمد بن ذكوان، وهو ضعيفٌ، ولو ثبت لكان رافعًا للإشكال، ولرجح به سياق رواية مسلمٍ على بقية الروايات.
وفيه ردٌّ لقول مَن قال: إن قصة التعجيل إنما وردت في وقتٍ غير الوقت الذي بعث فيه عمر لأخذ الصدقة، وليس ثبوت هذه القصة في تعجيل صدقة العباس ببعيدٍ في النظر بمجموع هذه الطرق، والله أعلم.
الشيخ: يكفي، يكفي، نعم، انظر كلامه على: "ويُذكر عن ابن عباسٍ".
قوله: "ويُذكر عن ابن عباسٍ: يعتق من زكاة ماله، ويُعطي في الحج" وصله أبو عبيدٍ في كتاب "الأموال" من طريق حسان ابن أبي الأشرس، عن مجاهدٍ عنه: أنه كان لا يرى بأسًا أن يُعطي الرجل من زكاة ماله في الحج، وأن يعتق منه الرقبة. أخرجه عن أبي معاوية، عن الأعمش، عنه.
وأخرج عن أبي بكر ابن عياش، عن الأعمش، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، عن ابن عباسٍ قال: أعتق من زكاة مالك.
وتابع أبا معاوية عبدةُ بن سليمان، رويناه في فوائد يحيى بن معين، رواية أبي بكر ابن علي المروزي عنه، عن عبدة، عن الأعمش، عن ابن أبي الأشرس، ولفظه: "كان يُخرج زكاته ثم يقول: جهِّزوا منها إلى الحج".
وقال الميموني: قلت لأبي عبدالله: يشتري الرجل من زكاة ماله الرقاب فيعتق، ويجعل في ابن السبيل؟ قال: نعم، ابن عباسٍ يقول ذلك، ولا أعلم شيئًا يدفعه.
وقال الخلال: أخبرنا أحمد بن هاشم، قال: قال أحمد: كنت أرى أن يعتق من الزكاة، ثم كففتُ عن ذلك لأني لم أره يصحّ.
قال حرب: فاحتج عليه بحديث ابن عباسٍ، فقال: هو مُضطربٌ. انتهى.
وإنما وصفه بالاضطراب للاختلاف في إسناده على الأعمش كما ترى؛ ولهذا لم يجزم به البخاري.
الشيخ: كلامه على: "ويُذكر عن أبي لاسٍ" أيش بعده؟
قوله: "ويُذكر عن أبي لاسٍ" بسينٍ مهملةٍ، خزاعي اختُلف في اسمه؛ فقيل: زياد. وقيل: عبدالله بن عنمة -بمهملةٍ ونونٍ مفتوحتين-. وقيل غير ذلك، له صُحبةٌ وحديثان هذا أحدهما، وقد وصله أحمد وابن خزيمة والحاكم وغيرهم من طريقه، ولفظ أحمد: على إبلٍ من إبل الصَّدقة ضعافٍ للحج، فقلنا: يا رسول الله، ما نرى أن تحمل هذه؟! فقال: إنما يحمل الله الحديث، ورجاله ثقاتٌ إلا أن فيه عنعنة ابن إسحاق؛ ولهذا توقف ابن المنذر في ثبوته.
الشيخ: المقصود أن وَفِي الرِّقَابِ عامٌّ، يعمّ عتق الرقاب، ويعمّ فك الرقاب الأسيرة من الزكاة؛ لأن الزكاة مما تفضل الله به على عباده، وجعله طُهْرَةً لهم ومنفعةً للأمة، فقوله: وَفِي الرِّقَابِ لفظٌ عامٌّ، فإذا أعتق الرقبة من الزكاة، وأعتق الأسير من الزكاة، وأعتق المكاتَب؛ كله داخلٌ في الرقاب.
وأما وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ فالمعروف عند أهل العلم أنه الجهاد: مؤونته من السلاح والنفقة للمُجاهد -لنفسه ولعائلته- كله داخلٌ في سبيل الله.
وجاءت أحاديث تدل على أن الحج من سبيل الله، وأن مُساعدة الحاج بالزكاة في سبيل الله، داخلةٌ في ذلك.
..... المشاريع الخيرية الأخرى، مثل: بناء المساجد والقناطر والمدارس، وأنها تدخل في ذلك، والمعروف عند العلماء أنها لا تدخل، وأن "في سبيل الله" الجهاد فقط، وأن هذه تكون من صدقات التطوع، ومن النفقات الأخرى، لا من الزكاة.
وذهب بعض المتأخرين إلى دخولها في سبيل الله، وأنها مشاريع نافعةٌ للمسلمين، فينبغي أن تدخل في الزكاة حتى يعمّ النفع، ويكثر الخير؛ لأن بعض البلاد قد يكون فقراؤها قليلين، ويكون عند أهل الزكاة فضلٌ، ولكن هذا لا يجوز صرفه في هذه المساجد، يعني: مَن عنده فضلٌ بإمكانه أن ينقل زكاته من بلده إلى بلدٍ آخر إذا كان فقراء بلده قليلين، وأعطاهم كفايتهم، فيجب عليه أن ينقل زكاته إلى الجهات الأخرى التي فيها الفقراء، أو إلى المجاهدين حيث وجدوا.
فالحاصل أن الذي عليه جمهور أهل العلم -وهو المعروف عند السلف، ولا نعلم سلفيًّا يقول بخلافه- أن مراده الجهاد في سبيل الله إلا ما يتعلق بالحج. نعم.
س: يتعلق بالحج، الأرجح دخول الحج؟
ج: الأقرب في الحج أنه داخلٌ في سبيل الله؛ لأنه جاء في حديثٍ: الحج من سبيل الله، قاله لبعض نساء الأنصار، وهو صحيحٌ.
س: كأن البخاري يختار هذا؟
ج: نعم.
س: إذا امتنع شخصٌ عن أداء الزكاة فهل لإنسانٍ آخر أن يدفعها عنه؟
ج: إذا رضي أن يُخرجها عنه لا بأس، يصير كوكيلٍ له، مثلما أخرجها النبي ﷺ عن العباس في أحد القولين. نعم.
س: ويدخل في ذلك الكفارات المالية؟
ج: نعم، إذا وكَّله، إذا سمح له وأخرجها عنه لا بأس.