باب قول الله تعالى {وإذا رأوا تجارة أو لهوا انفضوا إليها} [الجمعة 11]

باب قول الله تعالى: وَإِذَا رَأَوْا تِجَارَةً أَوْ لَهْوًا انفَضُّوا إِلَيْهَا [الجمعة:11]

 

2058- حدثنا طلق بن غنام: حدثنا زائدة، عن حصين، عن سالم قال: حدثني جابرٌ ، قال: بينما نحن نُصلي مع النبي ﷺ إذ أقبلت من الشأم عيرٌ تحمل طعامًا، فالتفتوا إليها، حتى ما بقي مع النبي ﷺ إلا اثنا عشر رجلًا، فنزلت: وَإِذَا رَأَوْا تِجَارَةً أَوْ لَهْوًا انفَضُّوا إِلَيْهَا.

الشيخ: يُستفاد من الآية الكريمة مع الحديث الدلالة على أنه ينبغي لأهل الإيمان أن يُقبلوا على صلاتهم، وعلى خطبة إمامهم؛ ليستفيدوا، وألا ينفضوا عنها لأي أمرٍ من أمور الدنيا: لا تجارة، ولا غيرها؛ لأنهم مأمورون بالاستماع والإنصات والاستفادة مما يقوله خطيبهم.

والآية نزلت للتحذير والتنفير من هذا العمل، ولعل مَن فعله من الصحابة يحسب أن هذا جائزٌ، وأنه لا بأس به؛ ولهذا فعلوا وهم أحرص الناس على الخير، وأسرعهم للامتثال، فإذا نُبِّهوا تنبَّهوا والتزموا، رضي الله عنهم وأرضاهم.

والمقصود من الخطب في الجمعة وغيرها تذكير الناس بالحق، ودعوتهم إلى التزامه، وترك ما خالفه، فإذا لم يحصل الإقبال والإنصات وإحضار القلوب لم تتم الفائدة.

وهكذا المقصود من قراءة القرآن وإسماعه للناس: الاستفادة والتدبر والعمل، فمجرد القراءة من دون تدبرٍ ومن دون تعقلٍ لا يحصل بها المقصود؛ ولهذا قال : وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنصِتُوا [الأعراف:204]، كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لّيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ [ص:29]، أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا [محمد:24].

فهذا الكتاب أُنزل للعمل؛ للتعقل والعمل، لا لمجرد التلاوة، فالتلاوة وسيلةٌ، والاستماع وسيلةٌ، والإنصات وسيلةٌ، والتدبر وسيلةٌ، والمقصود الفائدة والعمل من هذا الكتاب العظيم، وذلك بفعل الأوامر التي يأمر بها، وترك النواهي، والاعتبار بالأمثال التي تُضرب فيه، والقصص التي فيه.

فجديرٌ بأهل الإيمان من الذكور والإناث العناية بهذا الأمر، والإقبال على كتاب الله: تدبرًا، وتعقُّلًا، وعملًا.

وقد صحَّ عن رسول الله ﷺ أنه قال: القرآن حُجَّةٌ لك أو عليك، حُجةٌ لك أيها المكلَّف إذا عملتَ به، وقمت بحقِّه، وأديتَ واجبه، وحُجةٌ عليك إذا أضعتَ أمره، وأضعت حقَّه: هَذَا بَلَاغٌ لّلنَّاسِ وَلِيُنذَرُوا بِهِ [إبراهيم:52]، وَأُوحِيَ إِلَيَّ هَذَا الْقُرْآنُ لِأُنذِرَكُم بِهِ وَمَن بَلَغَ [الأنعام:19]. نعم.

س: في بعض البلاد قبل صلاة الجمعة يقرأ مُقرئٌ في المسجد أو مُسجلٌ يقرأ القرآن، فهل يُنصت إليه، أم يقرأ لنفسه؟

ج: لا أعلم لهذا أصلًا: أن يُجعل مُقرئٌ يشغل الناس عن قراءتهم، وعن صلواتهم، أو مُسجلٌ؛ لا أعلم لهذا أصلًا، ..... لا يُجعل شيءٌ يشغلهم عن صلاتهم وقراءتهم، هذا يُصلي ما كتب الله له، وهذا يقرأ قراءةً لا تُشوش على المصلي، أما هذا الفعل الذي ذكرتَ: أن يُجعل مُقرئٌ أو شريطٌ؛ هذا لا وجهَ له، لكن هل يستمع له، أو لا يستمع له؟ هذا محل نظرٍ.

وقد يُقال: إن الاستماع له مناسبٌ للعمومات، إذا تيسر الاستماع لعموم: وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنصِتُوا؛ ولأن المقصود من جعله نفع الناس؛ لأن أكثر الخلق قد يكون ما يُحسن القراءة، ما يقرأ، يجلس فقط، قد يكون أكثر الحاضرين في المسجد من الأميين الذين لا يقرؤون، فيستفيدون من هذه القراءة، ولكن كون السلف الصالح لم يفعلوا هذا يدل على أنه ما ينبغي فعله، لكن لو وُجد بغير اختيار الإنسان فالأقرب -والله أعلم- أنهم يستمعون له ويستفيدون. نعم.

باب مَن لم يُبَالِ من حيث كسب المال

2059- حدثنا آدم: حدثنا ابن أبي ذئب: حدثنا سعيد المقبري، عن أبي هريرة ، عن النبي ﷺ قال: يأتي على الناس زمانٌ لا يُبالي المرء ما أخذ منه: أمن الحلال، أم من الحرام؟.

الشيخ: وهذا ذمٌّ لهذا الزمان، هذا ذمٌّ للزمان، وأنه يأتي على الناس زمانٌ يقلّ فيه دينهم، ويضعف فيه دينهم؛ حتى لا يُبالي مما أخذ المال: أمن حلالٍ، أم من حرامٍ؟ لقلة الفقه في الدين، وقلة الورع، وقلة الخوف من الله، وهذا لا يُنافي وجود الطائفة المنصورة التي قال فيها ﷺ: لا تزال طائفةٌ من أمتي على الحقِّ منصورةٌ، لا يضرُّهم مَن خذلهم حتى يأتي أمر الله، هذا لا يُنافي هذا، الطائفة موجودةٌ، ولكن تقلّ وتكثر، ويوجد هؤلاء الذين قال عنهم النبي ﷺ، وهم أناسٌ لا يهمهم إلا المال، ولا يُبالون بطرق كسبه: هل هي طيبةٌ، أو غير طيبةٍ؟ لضعف إيمانهم، أو عدم إيمانهم.

وهذا يدل على أنه يجب على المؤمن أن يتحرى لكسبه: أن يختار الكسب الطيب، ويحذر الكسب الخبيث: إن الله تعالى طيبٌ، ولا يقبل إلا الطيب.

فالواجب على المؤمن أن يحذر التساهل، وأن يحرص على الكسب الطيب من دون وسوسةٍ وتعلقٍ بما لا وجهَ له، لكن يسلك الطرق الواضحة في اكتساب الحلال، ويحذر الطرق المنحرفة التي تُؤدي إلى الحرام. نعم.

باب التجارة في البرِّ وغيره

وقوله: رِجَالٌ لَّا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ ولَا بَيْعٌ عَن ذِكْرِ اللَّهِ [النور:37].

وقال قتادة: كان القوم يتبايعون ويتَّجرون، ولكنَّهم إذا نابهم حقٌّ من حقوق الله لم تُلههم تجارةٌ ولا بيعٌ عن ذكر الله، حتى يُؤدُّوه إلى الله.

الشيخ: هكذا المؤمنون: يتَّجرون ويكسبون، ولكنهم يُراعون حقَّ الله، ويمتثلون أمره، ولا تُلهيهم تجارةٌ ولا بيعٌ عن ذكر الله، وعن إقام الصلاة، فالتجارة من كسب المؤمنين، ومن أعمال المؤمنين، ولكنها لا تصدُّهم عن الحقِّ، ولا تُلهيهم عن ذكر الله، وعن إقام الصلاة.

وكان المهاجرون تجَّارًا، وتقدم حديث عبدالرحمن بن عوف لما قدم المدينة وآخى النبي ﷺ بينه وبين سعد بن الربيع الأنصاري، فقال سعدٌ: يا عبدالرحمن، أُعطيك نصف مالي، وعندي زوجتان، أتنازل عن إحداهما، أُطلقها من أجلك، فإذا خرجت من العدة تزوجتها. فقال عبدالرحمن: بارك الله لك في أهلك ومالك، ما لي حاجةٌ في هذا، دلُّوني على السوق. فدلُّوه على السوق، فصار يبيع ويشتري حتى رزقه الله وتزوج.

وهكذا كان المهاجرون يبيعون ويشترون ويتَّجرون، والأنصار يحرثون الأرض ويزرعون، فطلب الرزق لا بد منه: فَابْتَغُوا عِندَ اللَّهِ الرِّزْقَ وَاعْبُدُوهُ [العنكبوت:17]، لكن مع الحذر مما حرَّم الله: مع الحذر من الكذب، والغشِّ، والخيانة، والسرقة، والنهب، والربا، وغير هذا مما حرَّم الله. نعم.

س: هناك بعض الناس يحتاجون إلى (فيزا) وتأشيراتٍ معينةٍ من دولٍ محظورٍ استقدامهم إليها من قبل الدولة، فيلجؤون إلى بعض الموظفين الذين بإمكانهم استخراج ذلك من المسؤولين على أساس أن يُعطوهم مقابلها أموالًا، هل يجوز ذلك للموظف؟

ج: هذا لا يجوز، هذا غشٌّ، هذه خيانةٌ، إذا كانت الدولة منعت الاستقدام من فئةٍ معينةٍ فلا يجوز لأحدٍ أن يتحيَّل ويخون من الموظفين، ويأخذ الرشوة حتى يُعطي (فيزا) بالكذب والخيانة، هذا ما يجوز.

وكذلك استقدام الكفرة لا يجوز، وإذا كان بالرشوة كان أكبر وأعظم إثمًا، فهذه الجزيرة يُستقدم لها المسلمون والمسلمات؛ لأن الرسول ﷺ أوصى بإخراج الكفرة منها، وإنما يأتون إليها لحاجةٍ عارضةٍ، ثم يذهبون: كالرُّسُل، والبُرُد، والجُلَّاب الذين يجلبون الميرة ويرجعون، وأشباه ذلك.

أما الخيانة فهي من أقبح الأعمال من الموظف، ومَن يخون ويُخالف الأوامر التي صدرت إليه من الدولة من أجل الرشوة فهذه خيانة ..... وظلمٌ ومنكرٌ. نعم.

س: بعض الدول المحظور الاستقدام منها إسلامية، وهذا الموظف ..؟

ج: ولو، ولو، على الإنسان السمع والطاعة.

س: ويُخرجها من خلال المسؤولين؟

ج: سواء دولة إسلامية، أو غير إسلامية، ليس له أن يأخذ الرشوة ليستخرج سماحًا لشخصٍ معينٍ بالرشوة.

أما الدولة نفسها إذا رأت تخصيص بعض الناس -لمصلحةٍ شرعيةٍ- بشيءٍ فهذا إليها، إلى أئمتها، لها أن تنظر وتُخصص إذا رأت المصلحة في ذلك، لا عن هوًى.

س: ولو علم المسؤول نفسه عن هذا الأمر، فهو يُعطي الموظف تأشيرةً وهو يعلم؟

ج: ولو، ولو، ما يجوز، (يُبقشش) للناس، ويُعطي رشوةً حتى يشفعوا له.

2060- حدثنا أبو عاصم، عن ابن جريج قال: أخبرني عمرو بن دينار، عن أبي المنهال قال: كنتُ أتَّجر في الصرف، فسألتُ زيد بن أرقم ، فقال: قال النبي ﷺ. ح، وحدثني الفضل بن يعقوب: حدثنا الحجاج بن محمد: قال ابن جريج: أخبرني عمرو بن دينار، وعامر بن مصعب: أنهما سمعا أبا المنهال يقول: سألت البراء بن عازب وزيد بن أرقم عن الصرف، فقالا: كنا تاجرين على عهد رسول الله ﷺ، فسألنا رسول الله ﷺ عن الصرف، فقال: إن كان يدًا بيدٍ فلا بأس، وإن كان نساءً فلا يصلح.

الشيخ: نعم، في الصرف لا يصلح، لا يجوز نسيئةً، يدًا بيدٍ، فلا يبيع ذهبًا بفضةٍ نسيئةً، ولا ذهبًا بذهبٍ نسيئةً، ولا فضةً بفضةٍ نسيئةً، وهكذا العُملات التي حلَّت محل الذهب والفضة لها حكمهما: لا تُباع نسيئةً، فلا يشتري الدولار بالريال نسيئةً، والعكس، ولا الجنيه المصري، أو الجنيه الإسترليني، أو الدينار العراقي، أو الأردني، أو غيره بعملةٍ أخرى نسيئةً، لا بد أن يكون يدًا بيدٍ.

انظر الكلام على الفضل بن يعقوب شيخ المؤلف، انظر "التقريب": الفضل بن يعقوب.

الطالب: الفضل بن يعقوب الرخامي، وقال: الفضل بن يعقوب شيخه، بغدادي، وهو من أفراده.

الشيخ: ما حكم عليه؟

الطالب: .............

الشيخ: هذا "التقريب"؟

الطالب: لا، هذا العيني، أحسن الله إليك.

الشيخ: لا، انظر "التقريب".

الطالب: الفضل بن يعقوب بن إبراهيم بن موسى الرُّخامي -بضم الراء، بعدها مُعجمةٌ-، أبو العباس، البغدادي، ثقةٌ، حافظٌ، من الحادية عشرة، مات سنة ثمانٍ وخمسين. (خ، ق).

الشيخ: هل هناك غيره؟ الفضل بن يعقوب.

الطالب: الفضل بن يعقوب البصري، المعروف بالجزري -بجيم وزاي وراء-، صدوق، من العاشرة، مات سنة ستٍّ وخمسين. (د، ق).

الشيخ: نعم.

س: بيع ريال حديد بريالين ورق؟

ج: فيه خلافٌ، بعض علماء العصر من إخواننا أجازه؛ لأنه مادةٌ ثانيةٌ –معدن- غير مادة الورق، وقومٌ أوسعوا في المنع ..... ريال واحد فيه تفاضلٌ.

والأحوط ترك البيع بالتفاضل، هذا هو الأحوط، والقول بالجواز قولٌ قويٌّ؛ لأنه مادةٌ غير المادة؛ ولهذا يجوز بيع الذهب والفضة مُتفاضلًا؛ لأن مادة الذهب غير مادة الفضة، ومادة الورق غير مادة المعدن، فالقول بالجواز قولٌ قويٌّ، وإذا تيسر الترك والاحتياط فهو أحوط.

س: مَن عنده مبلغٌ من المال لعاملٍ مثلًا، وأراد أن يذهب إلى البنك ويُحوِّله إلى دولارٍ -صرفه إلى دولارٍ- ثم تحويله إلى بلد هذا العامل؟

ج: بإذن العامل؟

س: إي، نعم، لكن هو سلَّم لهم ريالات سعودية وقال: حوِّلوها إلى دولار، وبعد ذلك حوِّلوها إلى البلد الفلاني؟

ج: العامل يقوله لهم؟

س: الكفيل أخذ خمسة آلاف ريالٍ سعوديٍّ، وقال للبنك: حوِّلوها إلى دولاراتٍ، ثم حوِّلوها للبنك الثاني؟

ج: ما في بأس إذا كان الكفيل رأى أنَّ في هذا مصلحةً؛ لأن تحويلها بالريال السعودي قد يضرُّهم، إذا حوَّلها كفيله أو وكيله أو هو نفسه ..... ريالات سعودية ما فيها شيءٌ، دينارٌ أو دولارٌ ما فيه شيءٌ.

س: يعني: كونهم يتولون التحويل إلى دولارٍ، يعني: من ريالاتٍ سعوديةٍ إلى دولاراتٍ أمريكيةٍ، ثم يُحوِّلوها، هو استلم الدولارات، ثم حوَّلوها له بعد ذلك، أقول: لا يلزم أن يأخذ الدولارات ثم يقول بعد ذلك: حوِّلوها؟

ج: يعني: طلب منهم فقط؟

س: إي، نعم، فقط هو ما استلم شيئًا، استلم ريالات سعودية فقط، أو نقول: يلزمك أن تأخذ بدل الريالات دولارات، ثم بعد ذلك تطلب منه التحويل؟

ج: هذا هو الأظهر، يصرفها دولارات، ثم يُحولها، أو دينارًا، المقصود أن يصرفها، ثم يُحوِّل الصرف، نعم، هذا الظاهر، لا بد من هذا.

س: كثيرٌ من الناس يُسلمون ريالات سعودية فقط، والبنك يتولى تحويلها لدولارات، ثم تحويلها للبنك الآخر؟

ج: قد يقال أن هذه وكالة؛ وكالة البنك، أو المسؤول في البنك يصرفها دولارات، ثم يُحولها، قد تكون هذه وكالة، هذا ..... ليس ببعيدٍ إذا وكَّله، وكونه يشتري بها دولارات ليقبضها ثم يُحوِّلها ما هو ببعيدٍ، لكن كون الإنسان يحتاط لنفسه ويقبض الدولارات ونحوها ثم يُحوِّلها هذا أظهر وأبين وأبعد عن الشبهة.

س: هذا واضحٌ -عفا الله عنك-، لكن مَن سلم الريالات فقط ولم يعرف شيئًا بعد ذلك؟

ج: هذا ..... المقصود وكالة، وكيلٌ، وكَّله ليشتري الدولار، ثم يُحوِّلها، لا حرج، من باب الوكالة. نعم.

س: ..............؟

ج: إذا كان الوكيل ثقةً يُحولها لدولارات بالوكالة بالنية، ثم يُحوِّلها، هذا قد يكون .....؛ لأن فيه تخفيفًا وتيسيرًا. نعم.

س: الشيكات السياحية حكمها؟ يُعطى الشيك ويصرفه في أي مكانٍ في العالم، ما حكمه؟

ج: بعِوَضٍ يعني؟

س: يُعطي ريالًا ويأخذ شيكًا بالدولار، ويصرفه في أي مكانٍ في العالم في أي وقتٍ؟

ج: يشتري الشيك؟

س: نعم، يُسلم ريالات، ويستلم شيكًا بالدولار.

ج: يُحوِّله بمبلغٍ معلومٍ يعني؟

س: نعم.

ج: ويأخذ منه فلوسًا ويُحوِّله؟

س: نعم، تكون قيمة الشيك بالدولار، ويصرفه في أي مكانٍ في العالم؟

ج: يعني: شيكًا مُصدَّقًا على أي بنكٍ؟

س: نعم.

ج: هذا محل نظرٍ، بعض إخواننا قد أفتيناه ..... يقوم مقام القبض –يعني-، إذا كان مُصدَّقًا يُشبه العملة التي يتعامل بها الناس، فأينما ذهب قُبل منه هذا الشيء، مثل أي عملةٍ أخرى، مثل: الدولار وغيره، والجواز قولٌ قويٌّ، لكن لو أخذ النقود من باب الاحتياط فهذا هو الأحوط له، وإلا فالأقرب -والله أعلم- أن الشيك المصدق يقوم مقام العملة.

س: ليس هذا مراد السائل، مراد السائل أنها شيكاتٌ سياحيةٌ يأخذها من البنك؛ حفاظًا من سرقة ماله من دولٍ خارجيةٍ، ويصرفها في أي بنكٍ في العالم .....؟

ج: يُكتب السؤال وننظر فيه -إن شاء الله- وندرسه.

باب الخروج في التجارة

وقول الله تعالى: فَانتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ وَابْتَغُوا مِن فَضْلِ اللَّهِ [الجمعة:10].

2062- حدثنا محمد بن سلام: أخبرنا مخلد بن يزيد: أخبرنا ابن جريج، قال: أخبرني عطاء، عن عبيد بن عمير: أن أبا موسى الأشعري استأذن على عمر بن الخطاب ، فلم يُؤذن له، وكأنه كان مشغولًا، فرجع أبو موسى، ففرغ عمر، فقال: ألم أسمع صوت عبدالله بن قيس؟ ائذنوا له. قيل: قد رجع. فدعاه، فقال: كنا نُؤمر بذلك. فقال: تأتيني على ذلك بالبينة. فانطلق إلى مجلس الأنصار، فسألهم، فقالوا: لا يشهد لك على هذا إلا أصغرنا: أبو سعيدٍ الخدري. فذهب بأبي سعيدٍ الخدري، فقال عمر: أخفي هذا عليَّ من أمر رسول الله ﷺ؟! ألهاني الصّفق بالأسواق. يعني: الخروج إلى تجارةٍ.

الشيخ: وهذا الشاهد: قوله: "ألهاني الصفق بالأسواق" يعني: التجارة، هذا الشاهد، وأن عمر كان ممن يتَّجر: يبيع ويشتري في السوق، وأن هذا شغله عن بعض مجالس العلم حتى فاته بعض العلم الذي أدركه بعض صغار الصحابة الملازمين، وهذا معلومٌ، فالملازم لمجالس العلم يُدرك أشياء ويحفظ أشياء ما حفظها الآخرون، وهكذا الذين لازموا النبي ﷺ: كأبي هريرة، وعبدالله بن عمرو، وأشباههم، لزموا وحفظوا أكثر مما حفظ غيرهم بسبب الملازمة.

وفي هذا: أن مَن فاته العلم يطلب العلم ويسأل: فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ [النحل:43].

وفيه أيضًا من الفوائد: أنه إذا استأذن ثلاثًا فلم يُؤذن له ينصرف: السلام عليكم، السلام عليكم، السلام عليكم، ولم يأذنوا له ينصرف، لا يُلحّ، قد يكونون مشغولين؛ ولهذا لما استأذن أبو موسى ثلاثًا فلم يُؤذن له انصرف، وطلب منه عمر البينة على هذا، فأتى بالبينة: أبي سعيدٍ، فالاستئذان ثلاثٌ، فإن أذن لك وإلا فانصرف. نعم.

س: طرق الباب ثلاثًا؟

ج: عُرْف الناس يُفعل: طرق الباب، أو العصا، أو الحلقة، أو شيء، أو الجرس، إذا كان جرسٌ ثلاث مراتٍ؛ لأنهم قد لا يسمعون الصوت، لكن يسمعون الجرس، يسمعون الحلقة، يسمعون ضرب الباب، يضرب ثلاثًا، فإذا كانوا يسمعون قال: السلام عليكم. هذه السنة: السلام عليكم، مع ضرب الجرس، أو ضرب الباب يأتي بالسنة: السلام عليكم، لعلهم يسمعون. نعم.

س: ...............؟

ج: ولو، لا يزيد على ثلاثٍ، لا يشغلهم.

س: وإن تيقن أنه ما تيسر سماعهم، خاصةً أن الفلل الكبيرة يصعب على أهلها أن يسمعوا طرق الباب؟

ج: الاستئذان ثلاثٌ فقط، لكن إذا استعان بشيءٍ آخر: حلقةٍ، أو هاتفٍ، أو ضرب جرسٍ، أو شيءٍ؛ لعلهم ينتبهوا لا بأس، لا أعلم مانعًا في هذا، أما الاستئذان فالسنة أن يكون ثلاثًا. نعم.

باب التجارة في البحر

وقال مطر: لا بأس به، وما ذكره الله في القرآن إلا بحقٍّ، ثم تلا: وَتَرَى الْفُلْكَ مَوَاخِرَ فِيهِ وَلِتَبْتَغُوا مِن فَضْلِهِ [النحل:14].

والفلك: السفن، الواحد والجمع سواء.

وقال مجاهد: تمخر السفن الريح، ولا تمخر الريح من السفن إلا الفلك العِظام.

2063- وقال الليث: حدثني جعفر بن ربيعة، عن عبدالرحمن بن هرمز، عن أبي هريرة ، عن رسول الله ﷺ أنه ذكر رجلًا من بني إسرائيل خرج إلى البحر فقضى حاجته. وساق الحديث، حدثني عبدالله بن صالح، قال: حدثني الليث، به.

الشيخ: يعني: وصله المؤلف، وتم السند، علَّقه ثم وصله.

والتجارة في البحر لا بأس بها، مثل التجارة في البرِّ، والحديث الذي فيه النهي عن ركوب البحر إلا للغزو -للحج وللعمرة أو للجهاد- حديثٌ ضعيفٌ لا يصحّ، فالبحر يُركب للغزو وللحج وللعمرة وللتجارة، لا بأس؛ ولهذا قال جلَّ وعلا: وَتَرَى الْفُلْكَ مَوَاخِرَ فِيهِ السفن، هذا الفلك يشقّ البحار.

وقصة هذا الرجل من بني إسرائيل قصةٌ غريبةٌ عجيبةٌ تدل على أنه وقع في بني إسرائيل أناسٌ من أهل الخير والاستقامة، كما ذكر الله عنهم في كتابه العظيم، فيهم أخيارٌ وأهل صدقٍ ومُسارعة إلى الخيرات.

رجلٌ أتى إنسانًا يستقرضه ألف دينارٍ، قال: هل من شهيدٍ؟ هل من كفيلٍ؟ فقال: كفى بالله شهيدًا، كفى بالله وكيلًا. فأعطاه القرض ولم يستشهد عليه أحدًا، ووعده أن يردّه في وقت كذا، فذهب الرجل في البحر، فجاء الموعد ولم يجد مركبًا يذهب به حتى يُوفي الرجل قرضَه، فأخذ خشبةً ونقرها، وجعل فيها الألف دينارٍ والكتاب، قال: إني ما وجدتُ مركبًا. فطرحها في البحر، واستودع الرب جلَّ وعلا أنه يُوصلها إلى صاحبه، فطرحها في البحر، وذهب بها البحر، ذهبت بها الأمواج حتى صارت إلى محل صاحب القرض، وخرج صاحب القرض يلتمس حطبًا لأهله، فوجد خشبةً عند الميناء الذي حوله فأخذها، فلما كسرها وجد فيها الكتاب والدنانير، فجاء بعد ذلك صاحبه وسأله: هل أرسلتَ إليَّ شيئًا؟ قال: ألم أقل لك إني ما وجدتُ مركبًا؟! قال: إن الذي أرسلته في الخشبة وصل.

وهذا من الدلائل على أن الله جلَّ وعلا يُوفي عن أهل الصدق والوفاء والحرص على الخير، وإن فرَّطوا، فقد فرَّط اجتهادًا منه، فهذا ما هو بمشروعٍ: أن يضع الدراهم في الخشبة ويُلقيها في البحر، لكنه اجتهادٌ منه، ظن أن هذا لا بأس به، لكن في شريعتنا هذا ممنوعٌ، هذا تفريطٌ وممنوعٌ، وهو إضاعةٌ للمال، لكنه لما كان صادقًا، وعنده خيرٌ، وعنده نيةٌ صالحةٌ، وحرصٌ على الوفاء بالوعد؛ فالله جلَّ وعلا يسَّر له إيصال المال إلى صاحبه بقُدرته العظيمة جلَّ وعلا.

وفي هذا بركة الصدق، وأن الصدق والأمانة والحرص على الخير قد تحصل لصاحبها أمورٌ خارقةٌ للعادة بسبب صدقه وأمانته ورغبته في الخير وحرصه عليه. نعم.

س: الحديث الأول في قصة أبي موسى مع عمر: هل كان في خلافة عمر؟

ج: في خلافة عمر. نعم.

س: كان يشتغل بالتجارة أثناء الخلافة؟

ج: قصده في حياة النبي ﷺ، ففي حياة النبي ﷺ شغلته التجارة عن مجالس النبي ﷺ -عن بعض مجالسه- حتى إنه لم يسمع هذا الحديث.

باب وَإِذَا رَأَوْا تِجَارَةً أَوْ لَهْوًا انفَضُّوا إِلَيْهَا [الجمعة:11]، وقوله جلَّ ذكره: رِجَالٌ لَّا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَن ذِكْرِ اللَّهِ [النور:37].

وقال قتادة: كان القوم يتَّجرون، ولكنهم كانوا إذا نابهم حقٌّ من حقوق الله لم تُلههم تجارةٌ ولا بيعٌ عن ذكر الله حتى يُؤدوه إلى الله.

الشيخ: الله أكبر، .

2064- حدثني محمد، قال: حدثني محمد بن فضيل، عن حصين، عن سالم ابن أبي الجعد، عن جابرٍ قال: أقبلت عيرٌ ونحن نُصلي مع النبي ﷺ الجمعة، فانفضَّ الناس إلا اثني عشر رجلًا، فنزلت هذه الآية: وَإِذَا رَأَوْا تِجَارَةً أَوْ لَهْوًا انفَضُّوا إِلَيْهَا وَتَرَكُوكَ قَائِمًا [الجمعة:11].

قارئ المتن: كرر الترجمة والآية والحديث؟

الشيخ: الله يغفر له، الله يغفر له.

س: .............؟

ج: ما يجوز هذا، بيع (الفيزا) ما يجوز، يأخذ حاجته فقط ولا يبيع، يأخذ حاجته، أو يردّها، وهذا ما يصلح؛ لأنهم أعطوه إياها لحاجته، ما أعطوه ليبيع، فيه غررٌ، فيه خطرٌ، قد يتأخر، قد لا تنفذ هذه (الفيزا)، فهو في مخاطرةٍ بالمال، ثم الدولة ما سمحت له بهذا، فيتضمن الكذب على الدولة، وكثرة طلب (الفيزا) بالكذب حتى يبيع، ثم هو وسيلةٌ أيضًا لجلب الكفرة والأشرار إلى هذه البلاد.

س: ..............؟

ج: ما يجوز هذا بالكلية، يأخذ حاجته فقط.

س: ..............؟

ج: يكذب -يعني-، ما يجوز هذا، التكسب بالكذب أمرٌ مُحرَّمٌ.

س: ............؟

ج: إذا سمحت له الدولة بهذا: أن يأخذ نفقته، إذا كانوا يسمحون به فلا بأس.

س: ............؟

ج: إذا تنازل له عن شيءٍ ما أنفق فيه.

س: زيادةٌ على التسعيرة، الهاتف قيمة إدخاله ستمئة ريالٍ، ويبيعه بخمسة آلاف أو عشرة آلاف، والنظام لا يسمح بهذا؟

ج: هذا يحتاج إلى كتابةٍ، يكتب إلينا وننظر فيه، المقام يحتاج إلى نظرٍ: إن كانت الدولة تمنع ما يجوز التلاعب على الدولة والتَّحيل، فالإنسان الذي عنده إشكالٌ أو خالف نظام الدولة يكتب وننظر فيه، أما التنازل عن شيءٍ سمحت به الدولة بأن أنفقه وطلبه والدولة سمحت بذلك؛ فلا بأس.

المقصود أن الله أوجب علينا السمع والطاعة في المعروف، فالشيء الذي أمرت به الدولة وقررته لا يجوز التحيل عليها؛ لأنها مأمورةٌ أن تعمل ما فيه صلاح المسلمين، فالتحايل ومُخالفتها والتلاعب بأوامرها ما يجوز، والله أوجب علينا السمع والطاعة في المعروف، أما في المعصية فلا تُطعها في المعصية، أما أن تُخالف نظم الدولة لأجل هواك وجشعك فلا يجوز.

س: لو كانت ما تمنع من هذا، وكان الأمر راجعًا إليك أنت صاحب (التليفون)، صاحب الرقم؟

ج: ما أدري، ما عندي خبرٌ، المقصود أنه لا تجوز مخالفة الدولة فيما نظمته للمسلمين ولمصالح المسلمين، أما الشيء الذي لا يحرم في الشرع، وليس فيه كذبٌ، ولا خيانةٌ، ولا مخالفةٌ للدولة، بل يبيع إنسانٌ حقًّا له ..... الشيء المعين .....، والدولة تسمح بذلك، مثل: رقم (التليفون) الذي اشتراه، أو شيئًا من الأشياء التي سمحت بها الدولة؛ لا بأس، المقصود أن يكون في مقابل مالٍ بدله، أما (التليفون) رقم (التليفون) أو ..... اشتراها وكلَّفته، وباعها عليه، والدولة لا تمنع ذلك؛ فلا بأس بذلك: الشيء الذي له مقابلٌ، وليس فيه إساءةٌ للدولة، ولا تلاعبٌ بأوامر الدولة.

س: الزائد على ما دفع، مثلًا: بلغت تكاليف إدخال هذا (التليفون) على الشخص ألف ريالٍ، فأخذ زيادةً عليها أربعة آلافٍ، الكلام في الزيادة: هل تحلّ، أو لا تحلّ؟

ج: ما عندي خبرٌ، الله أعلم، يحتاج إلى كتابة الأسئلة التي تحتاج إلى أن تُدرس من اللجنة، وتُنظر وسائلها وما يتعلق بها؛ لأنه قد يكون في السؤال شيءٌ من النقص.

س: ما يُسمّى: بنقل القدم؟

ج: نقل القدم ما يجوز، إذا كان انتهت مدّته ما يجوز، أما إذا كانت له مدةٌ يُؤجِّر مدّته، أما إذا انتهت مدته لا يجوز.

س: وإذا كان وضع تجهيزاتٍ للمحل: تكييف؟

ج: يصطلح هو وصاحب البيت أو الدكان على هذا، وإذا سمح صاحب الدكان يبيعها أو يُؤجرها له؛ ما في بأس، في مقابل ما أنفق وتعب فيه، إن تيسر يصطلح مع صاحب الدكان أو صاحب البيت، أو يسمح له صاحب البيت أن يبيع هذه الأشياء، أو صاحب الدكان، إذا تسامحا فيما بينهما فلا بأس.

س: الدولة وضعته لمن احتاج إليه، ولم تضعه للبيع والشراء؟

ج: ما هو؟

س: (التليفون) لم تضعه لبيعه وشرائه؟

ج: على كل حالٍ الذي عنده إشكالٌ يسأل بالكتابة وننظر فيه؛ لأن هذا شيءٌ يحتاج إلى مراجعة الدولة ومعرفة نظامها في هذا الشيء، والناس في الغالب يتلاعبون، ما همّه إلا الطمع مثلما سمعتم: يأتي على الناس زمانٌ لا يُبالي المرء ما أخذ منه: أمن الحلال، أم من الحرام؟.

.................

والقاعدة: ما كان يُخالف نظام الدولة في هذا فلا يجوز؛ لأن الواجب السمع والطاعة في المعروف، ولا يجوز التلاعب بأوامر الدولة: لا (بالفيزا)، ولا (بالتليفون)، ولا بأي شيءٍ مما أقرته الدولة .....؛ لأن السمع والطاعة في هذا من أسباب الاستقامة والسلامة وعدم التلاعب.

.............