باب فرض مواقيت الحج والعمرة

باب فرض مواقيت الحج والعمرة

1522- حدثنا مالك بن إسماعيل: حدثنا زهير، قال: حدثني زيد بن جبير: أنه أتى عبدالله بن عمر رضي الله عنهما في منزله، وله فسطاطٌ وسُرادق، فسألته: من أين يجوز أن أعتمر؟ قال: فرضها رسول الله ﷺ لأهل نجدٍ: قرنًا، ولأهل المدينة: ذا الحُليفة، ولأهل الشأم: الجُحفة.

باب قول الله تعالى: وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى [البقرة:197]

1523- حدثنا يحيى بن بشر: حدثنا شبابة، عن ورقاء، عن عمرو بن دينار، عن عكرمة، عن ابن عباسٍ رضي الله عنهما قال: كان أهل اليمن يحجون ولا يتزوَّدون، ويقولون: نحن المتوكِّلون. فإذا قدموا مكة سألوا الناس، فأنزل الله تعالى: وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى. رواه ابن عيينة، عن عمرو، عن عكرمة مرسلًا.

باب مهل أهل مكة للحج والعمرة

1524- حدثنا موسى بن إسماعيل: حدثنا وهيب: حدثنا ابن طاوس، عن أبيه، عن ابن عباسٍ قال: إن النبي ﷺ وقَّت لأهل المدينة ذا الحُليفة، ولأهل الشأم: الجُحفة، ولأهل نجد: قرن المنازل، ولأهل اليمن: يلملم، هنَّ لهنَّ، ولمن أتى عليهنَّ من غيرهنَّ ممن أراد الحج والعمرة، ومَن كان دون ذلك فمن حيث أنشأ، حتى أهل مكة من مكة.

الشيخ: هذه الأحاديث: حديث ابن عمر، وحديث ابن عباسٍ كلاهما يدل على ..... المواقيت، ولكن رواية ابن عباسٍ أكمل؛ فإن فيها مهلّ أهل اليمن من يلملم، ولم يحفظ ابن عمر، وفيها بيان مَن كان دون ذلك أن مهلّه من حيث أنشأ، من حيث –يعني- أنشأ العمرة أو الحج يُحرم إذا كان دون المواقيت، أما مَن كان وراء المواقيت فإن هذه المواقيت الأربعة: المدينة: ذو الحُليفة، وأهل الشام: الجُحفة، إذا كان من غير طريق المدينة، جاءوا من طريق الساحل: الجحفة، وإن جاءوا من طريق المدينة أحرموا من ذي الحُليفة، وهكذا أهل مصر والمغرب وأفريقيا كلهم من الجُحفة، وأهل اليمن: يلملم، وأهل نجد: قرن المنازل، وادي قرن، ويُسمَّى: السَّيل.

وفي حديث عائشة وجابر وابن عباسٍ أيضًا ميقات أهل العراق: ذات عرقٍ، هذه مواقيتٌ خمسةٌ، وقد اجتهد عمر رضي الله عنه وأرضاه ووقت ذات عرقٍ، لما لم يبلغه الحديث وقَّت لأهل العراق ذات عرقٍ، فوافق اجتهاده ما جاءت به السنة.

هذه مواقيتٌ لأهلها، ولمن مَرَّ عليها من غيرهم، ليس له أن يُجاوزها إلا بإحرامٍ لمن أراد الحجَّ أو العمرة؛ لقول: ممن أراد، فدلَّ على أنه إذا لم يُرد، قدم مكة للتجارة، أو لزيارة قريبٍ أو صديقٍ، أو أمرٍ آخر؛ ليس عليه إحرامٌ، خلافًا لبعض أهل العلم، فبعض أهل العلم قال: من خصائص مكة الإحرام. وهذا ليس بجيدٍ، وليس بصحيحٍ، والصواب أنه لا يلزم الإحرام إلا مَن أراد حجًّا أو عمرةً كما هو نص النبي عليه الصلاة والسلام؛ ولهذا دخلها ﷺ عام الفتح غير مُحرمٍ؛ لأنه ما جاء للحج والعمرة، جاء للقتال، للجهاد، فدخلها وعلى رأسه المغفر، وعليه عمامةٌ سوداء، لم يُحرم.

فمَن قصد مكة لحاجةٍ من الحاجات، ليست حجًّا ولا عمرةً؛ فلا يلزمه الإحرام، لكن إن أحرم لقصد العمرة فهذا فضلٌ مطلوبٌ وخيرٌ كثيرٌ، لكن لا يلزمه، ومَن كان دون المواقيت التي هي جدة، أو .....، أو ساكن في الشرائع، أو جموم، أو ما أشبه ذلك؛ يُحرم من مكانه، إذا أراد الحجَّ أو العمرة يُحرم من مكانه، من حيث أنشأ كما قال النبي ﷺ: من حيث أنشأ، وفي اللفظ الآخر: مهلّه من أهله يعني: من منزله إذا كان دون المواقيت، حتى أهل مكة يُهلون من مكة، إذا أرادوا الحجَّ يُهلون من مكة، كما أهلَّ الصحابةُ من مكة، الصحابة الذين حلّوا من عُمرتهم لما جاء يوم التروية أهلّوا بالحج من مكانهم ..... النبي ﷺ.

أما العمرة فيُحرمون بها من الحلِّ، أهل مكة يخرجون إلى الحلِّ كما أمر النبي ﷺ عائشة بأن تُحرم من الحلِّ وهي في مكة، لما أرادت العمرة أمر عبدالرحمن ابن أبي بكر أن يُعمرها من التنعيم من خارج مكة، وهذا هو الذي عليه عامَّة أهل العلم، وهو كالإجماع: أن مَن كان في مكة فليس له أن يُحرم إلا من الحلِّ إذا شرع للعمرة، أما الحج فيُحرم من مكة.

وفي حديث ابن عباسٍ الحثُّ على التزود للحج والعمرة، لا يصير كلًّا على الناس، يأتي ما عنده زادٌ، ما عنده فلوسٌ، ما عنده طعامٌ، لا، إن كانت عنده قُدرةٌ وإلا فلا يحج ولا يعتمر: لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا [البقرة:286]، لا يأتي يشحذ من الناس، يقول ابن عباسٍ: "كان أهل اليمن يحجون بغير زادٍ ويقولون: نحن المتوكلون" يعني: ما نُبالي، ولو ما معنا فلوسٌ، ولا معنا شيءٌ، هذا جهلٌ، غلطٌ، فإذا وصلوا مكة صاروا يشحذون من الناس، يطلبون من الناس الرفد، فأنزل الله تعالى قوله: وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى [البقرة:197]، أمرهم بالتزود لحجِّهم وعُمرتهم بالمال، بالطعام، بالنقود؛ حتى لا يحتاجوا إلى الناس.

ثم نبَّه على الزاد الأعظم، زاد الآخرة، وهو: التقوى، الدنيا لها زادٌ في الأسفار من الطعام والنقود للشراء، لكن زاد الآخرة التقوى: وَتَزَوَّدُوا يعني: من متاع الدنيا، من طعامها ونقودها، ثم قال: فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى خير الزاد لكل إنسانٍ التقوى، زادٌ له في الدين في الدنيا، وزادٌ له في الآخرة، زادٌ له في الدنيا ليُرضي ربَّه، ويستقيم على أمره، ويفوز بالجنات والنعيم المقيم، وبالمغفرة والرحمة والسلامة من غضب الله، وفي الآخرة بالجنة والنعيم المقيم، فخير الزاد وأعظمه وأفضله وأوجبه التقوى: تقوى الله في هذه الدنيا، ففيها الخير العظيم في الدنيا، والخير العظيم في الآخرة: وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجًا ۝ وَيرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ [الطلاق:2-3]، وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْرًا [الطلاق:4]، يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن تَتَّقُوا اللَّهَ يَجْعَل لَّكُمْ فُرْقَانًا وَيكَفِّرْ عَنكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيغْفِرْ لَكُمْ [الأنفال:29].

فجديرٌ بكل مُكلَّفٍ وبكل عاقلٍ أن يعتني بالزاد الذي هو الزاد الأعظم، وهو تقوى الله، وهو طاعة الله ورسوله، هذه تقوى الله: طاعة الله ورسوله بفعل المأمور، وترك المحظور، فعل المأمور: التوحيد والإخلاص له، وأعظم المنهي عنه –المحظور-: الشرك بالله، ثم دون ذلك مراتب.

فالواجبات مثل: الصلاة والزكاة وما بعدها من الواجبات، والمعاصي التي دون الشرك، فالمتقي لله كونه يُوحِّد الله ويخصّه بالعبادة دون كلِّ ما سواه، وينقادوا لأوامره، ويستقيموا عليها؛ طاعةً له، ورغبةً فيما عنده ، وينتهي عن نواهيه، وأعظمها الشرك بالله، ويحذرها أينما كان أيضًا؛ طاعةً لله، وتعظيمًا له، وحذرًا من عقابه، هذه التقوى: إِنَّ لِلْمُتَّقِينَ عِندَ رَبِّهِمْ جَنَّاتِ النَّعِيمِ [القلم:34]، إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ [الحجر:45].

فالمتقون هم أهل الإيمان، هم المسلمون حقًّا، هم أهل الهدى، هم أهل الصلاح، هم أهل البرِّ، هم الذين أطاعوا الله ورسوله، واستقاموا على دينه، وتركوا ما نهى عنه، هؤلاء هم المتقون، هم المؤمنون، وهم المهتدون، وهم الصالحون، وهم أولياء الله، وهم المسلمون حقًّا.

كلماتٌ معناها مُتقاربٌ، معناها: طاعة الله ورسوله، والاستقامة على دين الله ورسوله عن إيمانٍ، وعن إخلاصٍ، وعن صدقٍ، وعن رغبةٍ فيما عند الله، وعن حذرٍ من عقابه، هذه هي التقوى، وهذا هو الإيمان، وهذا هو الإسلام حقًّا، وهذا هو البر، وهذا هو الهدى. نعم.

س: في أحد الآثار أن بعض الردود عليهم: أنتم المتواكِلون؟

ج: ما أتذكر شيئًا.

باب ميقات أهل المدينة، ولا يُهلوا قبل ذي الحُليفة

قارئ المتن: في المتن: "ولا يُهلوا"، وفي الشرح: "ولا يُهلون".

الشيخ: يجوز هذا، ويجوز هذا، من باب الخبر: "يُهلون"، ومن باب النهي: "ولا يُهلوا"، وقد يكون المؤلف أراد الخبر: "يُهلون"، وقد يكون أراد النهي: "لا يُهلوا" يعني: الناس. نعم.

1525- حدثنا عبدالله بن يوسف: أخبرنا مالك، عن نافع، عن عبدالله بن عمر رضي الله عنهما: أن رسول الله ﷺ قال: يُهلّ أهل المدينة من ذي الحُليفة، ويُهلّ أهل الشأم من الجُحفة، وأهل نجدٍ من قرن. قال عبدالله: وبلغني أن رسول الله ﷺ قال: ويُهلّ أهل اليمن من يلملم.

الشيخ: وهذا اللفظ بمعنى الأمر: "يُهلّ" هذا معناه الأمر؛ لأنه فريضةٌ، يعني: يجب أن يهلّ؛ ولهذا في اللفظ الآخر: ليُهلّ بلام الأمر، وفي روايةٍ أخرى في غير "الصحيحين": وميقات أهل الشام ومصر: الجُحفة، نعم، وهكذا مثلما تقدم أفريقيا والمغرب. نعم.

باب مهل أهل الشأم

1526- حدثنا مسدد: حدثنا حماد، عن عمرو بن دينار، عن طاوس، عن ابن عباسٍ رضي الله عنهما قال: وقَّت رسول الله ﷺ لأهل المدينة: ذا الحُليفة، ولأهل الشأم: الجُحفة، ولأهل نجدٍ: قرن المنازل، ولأهل اليمن: يلملم، فهنَّ لهنَّ، ولمن أتى عليهنَّ من غير أهلهنَّ لمن كان يريد الحج والعمرة، فمَن كان دونهنَّ فمهلّه من أهله، وكذاك حتى أهل مكة يُهلون منها.

الشيخ: وقوله: "ولا يُهلون قبل ذي الحُليفة" يعني: ما ينبغي الإهلال قبل المواقيت، لا يُكلف نفسه ويُخالف السنة: يُهلّ من مصر مثلًا، أو من الشام، أو من المغرب، أو من الرياض، لا، يصبر حتى يأتي الميقات، هذه السنة، لا يُكلف نفسه، لا يشقّ على نفسه، يكون إهلاله وإحرامه من الميقات كما فعله المصطفى ﷺ، ولكن لو أهلَّ لزمه، لو أحرم الإحرام، لكن لا ينبغي له، يُكره له ذلك؛ لأنه مخالفٌ لما فعله النبي ﷺ؛ ولهذا قال المؤلف: "ولا يُهلوا قبل ذي الحُليفة" يعني: لا ينبغي لهم أن يُهلوا، وقد فعل بعضُ السلف الإهلال من بلدانهم، ولكنه خلاف السنة.

س: وإن كان ذلك أيسر مثل: أهل الطائف؛ لأن الميقات قد يكون مزحومًا؟

ج: يتهيأ في بلده، ولكن يُهلّ من الميقات، يتهيأ في الطائف، يتهيأ ..... يتروش، ويتطيب، ويلبس الإزار والرداء، ويركب الطائرة، ولكن لا يُلبِّ إلا في الميقات، إذا وازى الميقات يُلبي، يُهلّ، أما كونه يتهيأ، يعني: يلبس ملابس الإحرام، ويتطيب، ويغتسل؛ لا بأس، ولا سيما الطائف، فالطائف قريبٌ من الميقات، ما بينهم شيءٌ، فإذا تهيأ في بيته فطيبٌ، وهكذا في الرياض وغيرها بالنسبة لأهل الطائرات، فالمسافة تقريبًا ساعة ويصل إلى الميقات.

وهكذا في المدينة يتهيأ في بيته مثل الطائف، إذا تهيأ في بيته واستعد بالطيب والغسل ثم أخَّر الإحرام إلى الميقات فعل السنة.

المقصود الإهلال، ما هو التهيؤ، التهيؤ لا بأس أن يكون قبل ذلك، لكن لا يُلبِّ وينوي الدخول في الإحرام، السنة أن يكون ذلك في الميقات كما فعله المصطفى عليه الصلاة والسلام. نعم.

باب مهل أهل نجد

1527- حدثنا علي: حدثنا سفيان، حفظناه من الزهري، عن سالمٍ، عن أبيه: وقَّت النبي ﷺ.

1528- حدثنا أحمد بن عيسى: حدثنا ابن وهبٍ، قال: أخبرني يونس، عن ابن شهابٍ، عن سالم بن عبدالله، عن أبيه : سمعت رسول الله ﷺ يقول: مهل أهل المدينة ذو الحُليفة، ومهل أهل الشأم مهيعة -وهي الجُحفة-، وأهل نجد قرن.

قال ابن عمر رضي الله عنهما: زعموا أن النبي ﷺ قال -ولم أسمعه-: ومهل أهل اليمن يلملم.

باب مهل مَن كان دون المواقيت

1529- حدثنا قتيبة: حدثنا حماد، عن عمرو، عن طاوس، عن ابن عباسٍ رضي الله عنهما: أن النبي ﷺ وقَّت لأهل المدينة ذا الحُليفة، ولأهل الشأم الجُحفة، ولأهل اليمن يلملم، ولأهل نجد قرنًا، فهنَّ لهنَّ، ولمن أتى عليهنَّ من غير أهلهن ممن كان يُريد الحج والعمرة، فمَن كان دونهنَّ فمن أهله، حتى إن أهل مكة يُهلون منها.

باب مهل أهل اليمن

1530- حدثنا معلى بن أسد: حدثنا وهيب، عن عبدالله بن طاوس، عن أبيه، عن ابن عباسٍ رضي الله عنهما: أن النبي ﷺ وقَّت لأهل المدينة ذا الحُليفة، ولأهل الشأم الجُحفة، ولأهل نجد قرن المنازل، ولأهل اليمن يلملم، هنَّ لأهلهن، ولكل آتٍ أتى عليهن من غيرهم ممن أراد الحج والعمرة، فمَن كان دون ذلك فمن حيث أنشأ، حتى أهل مكة من مكة.

باب: ذات عرقٍ لأهل العراق

1531- حدثني علي بن مسلم: حدثنا عبدالله بن نمير: حدثنا عبيدالله، عن نافعٍ، عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: لما فُتح هذان المصران أتوا عمر، فقالوا: يا أمير المؤمنين، إن رسول الله ﷺ حدَّ لأهل نجد قرنًا، وهو جورٌ عن طريقنا، وإنا إن أردنا قرنًا شقَّ علينا. قال: فانظروا حذوها من طريقكم. فحدَّ لهم ذات عرقٍ.

الشيخ: المصران: الكوفة والبصرة، قبل أن توجد بغداد، بغداد تأخرت في زمن أبي جعفر المنصور، جاء أهل البصرة وأهل الكوفة إلى عمر، وذكروا له أن قرنًا جورًا عن طريقهم، يعني: مائلًا عن طريقهم، فيه مشقة، فوقَّت لهم ذات عرقٍ اجتهادًا منه، ولم يبلغه الحديث، فوافق اجتهاده ما جاء به الحديث من حديث عائشة وجابرٍ وابن عباسٍ. نعم.

وهو مُوفَّقٌ ، له اجتهاداتٌ كثيرةٌ وافق فيها الحقَّ. نعم.

باب

1532- حدثنا عبدالله بن يوسف: أخبرنا مالك، عن نافع، عن عبدالله بن عمر رضي الله عنهما: أن رسول الله ﷺ أناخ بالبطحاء بذي الحُليفة، فصلَّى بها. وكان عبدالله بن عمر رضي الله عنهما يفعل ذلك.

باب خروج النبي ﷺ على طريق الشجرة

1533- حدثنا إبراهيم بن المنذر: حدثنا أنس بن عياض، عن عبيدالله، عن نافع، عن عبدالله بن عمر رضي الله عنهما: أن رسول الله ﷺ كان يخرج من طريق الشجرة، ويدخل من طريق المعرس، وأن رسول الله ﷺ كان إذا خرج إلى مكة يُصلي في مسجد الشجرة، وإذا رجع صلَّى بذي الحُليفة ببطن الوادي، وبات حتى يُصبح.

الشيخ: وهذا يدل على أنه تُستحبّ مخالفة الطريق في الذهاب إلى مكة في الحج أو العمرة، هذا أفضل إذا تيسر، يذهب من طريقٍ، ويرجع من طريقٍ آخر، كما فعل النبي ﷺ، وهكذا في العيد يذهب ..... يذهب من طريقٍ ويرجع من آخر عليه الصلاة والسلام، وهذا أفضل؛ لما فيه من التأسي بالنبي ﷺ، يذهب من طريقٍ في الحج والعمرة، ويرجع من آخر إذا تيسر، وهكذا في العيد، ويلحق بهما طرق الخير: كعيادة المريض، والجهاد، وأشباه ذلك إذا تيسر.

واختلف العلماء في العِلَّة والحكمة، مع إجماعهم أنه لحكمةٍ، فقال بعضهم: الحكمة إظهار شعائر الإسلام في الطريقين. وقال بعضهم: الحكمة شهادة البقاع، تشهد له البقاع. وقال بعضهم: الحكمة قضاء حاجة أهل الطريقين، فقد تكون لأهل الطريق حاجةٌ، يسألونه فيُفيدهم. وقال بعضهم: ليُسلم على أهل الطريقين. والمعنى مُتقاربٌ.

المقصود أنه لحكمةٍ، وهذا كله مرادٌ، ما المانع أن يُراد الجميع؟! الحكمة: شهادة البقاع، وإظهار شعائر الإسلام، والسلام على أهل الطريقين، وقضاء حاجة أهل الطريقين، إلى غير ذلك من الفوائد. نعم.

س: وإغاظة المنافقين؟

ج: كذلك القول الآخر: إغاظة المنافقين، نعم، من الحِكَم.

باب قول النبي ﷺ: العقيق وادٍ مُباركٌ

1534- حدثنا الحميدي: حدثنا الوليد، وبشر بن بكر التَّنيسي، قالا: حدثنا الأوزاعي، قال: حدثني يحيى، قال: حدثني عكرمة: أنه سمع ابن عباسٍ رضي الله عنهما يقول: إنه سمع عمر يقول: سمعت النبي ﷺ بوادي العقيق يقول: أتاني الليلة آتٍ من ربي، فقال: صلِّ في هذا الوادي المبارك، وقل: عمرةٌ في حجةٍ.

الشيخ: وهو وادي ذي الحُليفة، وادي العقيق وادي ذي الحُليفة، نعم، وهو يدل على شرعية الصلاة فيه؛ ولهذا كان النبي إذا مرَّ صلَّى فيه عند ذهابه إلى مكة وعند رجوعه عليه الصلاة والسلام. نعم.

س: مطلقًا إذا مرَّ فيه؟

ج: هذا الظاهر.

س: وإن لم يكن محرمًا؟

ج: نعم، ما فيه تفصيلٌ، لكن هنا في الحج والعمرة: وقل: عمرةٌ في حجةٍ، أيش قال الشارح عليه؟

قوله: "باب قول النبي ﷺ: العقيق وادٍ مُباركٌ" أورد فيه حديث عمر في ذلك، وليس هو من قول النبي ﷺ، وإنما حكاه عن الآتي الذي أتاه، لكن روى أبو أحمد ابن عدي من طريق يعقوب بن إبراهيم الزهري، عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة مرفوعًا: تخيَّموا بالعقيق فإنه مباركٌ، فكأنه أشار إلى هذا.

وقوله: تخيَّموا بالخاء المعجمة والتحتانية، أمرٌ بالتخييم، والمراد به النزول هناك.

وذكر ابن الجوزي في "الموضوعات" عن حمزة الأصبهاني: أنه ذكر في كتاب "التصحيف" أن الرواية بالتحتانية تصحيفٌ، وأن الصواب بالمثناة الفوقانية.

ولما قاله اتجاهٌ؛ لأنه وقع في معظم الطرق ما يدل على أنه من الخاتم، وهو من طريق يعقوب بن الوليد، عن هشامٍ بلفظه، ووقع في حديث عمر: تختموا بالعقيق، فإن جبريل أتاني به من الجنة. الحديث، وأسانيده ضعيفةٌ.

س: "تختَّموا" بدل "تخيَّموا"؟

ج: إيه، السند ضعيفٌ. نعم.

قوله: آتٍ من ربي هو جبريل.

قوله: فقال: صلِّ في هذا الوادي المبارك يعني: وادي العقيق، وهو بقُرب البقيع، بينه وبين المدينة أربعة أميالٍ.

روى الزبير بن بكار في "أخبار المدينة": أن تبعًا لما رجع من المدينة انحدر في مكانٍ، فقال: هذا عقيق الأرض. فسُمي: العقيق.

قوله: وقل: عمرةٌ في حجةٍ برفع "عمرة" للأكثر، وبنصبها لأبي ذرٍّ على حكاية اللفظ، أي: قل: جعلتها عمرةً. وهذا دالٌّ على أنه ﷺ كان قارنًا، وسيأتي بيان ذلك بعد أبوابٍ.

وأبعد مَن قال: معناه: عمرةٌ مُدرجةٌ في حجةٍ، أي: إن عمل العمرة يدخل في عمل الحج فيجزي لهما طوافٌ واحدٌ.

وقال: من معناه: أنه يعتمر في تلك السنة بعد فراغ حجِّه. وهذا أبعد من الذي قبله؛ لأنه ﷺ لم يفعل ذلك، نعم يحتمل أن يكون أمر أن يقول ذلك لأصحابه؛ ليعلمهم مشروعية القران، وهو كقوله: دخلت العمرة في الحج، قاله الطبري، واعترضه ابن المنير في الحاشية فقال: ليس نظيره؛ لأن قوله: دخلت ... إلخ تأسيسُ قاعدةٍ

وقوله: عمرةٌ في حجةٍ بالتنكير يستدعي الوحدة، وهو إشارةٌ إلى الفعل الواقع من القران إذ ذاك.

قلت: ويُؤيده ما يأتي في كتاب "الاعتصام" بلفظ: عمرةٌ وحجَّةٌ بواو العطف، وسيأتي بيان ذلك بعد أبوابٍ.

وفي الحديث فضل العقيق كفضل المدينة، وفضل الصلاة فيه.

وفيه استحباب نزول الحاج في منزلةٍ قريبةٍ من البلد ومبيتهم بها؛ ليجتمع إليهم مَن تأخر عنهم ممن أراد مُرافقتهم، وليستدرك حاجته مَن نسيها مثلًا فيرجع إليها من قريبٍ.

قوله في حديث ابن عمر: "أنه أُرِيَ" بضم الهمزة، أي: في المنام. وفي رواية كريمة: "رؤي" بتقديم الراء، أي: رآه غيره.

الشيخ: يكفي، نعم.

س: يُشرع لمن ذهب إلى المدينة أن يذهب إلى وادي العقيق ويُصلي فيه؟

ج: هو وادي ذي الحُليفة، محل الإحرام. نعم.

س: ويُشرع له وإن كان ذاهبًا إلى المدينة؟

ج: الله أعلم. نعم.

1535- حدثنا محمد ابن أبي بكر: حدثنا فضيل بن سليمان: حدثنا موسى بن عقبة، قال: حدثني سالم بن عبدالله، عن أبيه ، عن النبي ﷺ: أنه رُئِيَ وهو في معرس بذي الحُليفة ببطن الوادي، قيل له: إنك ببطحاء مباركة، وقد أناخ بنا سالم يتوخى بالمناخ الذي كان عبدالله يُنيخ، يتحرى معرس رسول الله ﷺ، وهو أسفل من المسجد الذي ببطن الوادي، بينهم وبين الطريق، وسطٌ من ذلك.

الشيخ: والمعرس والتعريس: النزول آخر الليل، يقال: عرس ..... المعرس محل نزوله آخر الليل للمسافر. نعم.

س: مَن تهيأ قبل الميقات ..... هل يلزمه أن يمر على الميقات؟

ج: إذا حاذى، فقط يُحاذيه، إذا حاذاه ولو ما مرَّ عليه، إذا حاذاه تكفي المحاذاة، نعم، مثلما يُحاذي فوق في الطائرة.