باب: شهرا عيدٍ لا ينقصان
قال أبو عبدالله: قال إسحاق: وإن كان ناقصًا فهو تمامٌ.
وقال محمدٌ: لا يجتمعان كلاهما ناقصٌ.
1912- حدثنا مسدد: حدثنا معتمر قال: سمعت إسحاق بن سويد، عن عبدالرحمن ابن أبي بكرة، عن أبيه، عن النبي ﷺ.
وحدثني مسدد: حدثنا معتمر، عن خالد الحذَّاء قال: أخبرني عبدالرحمن ابن أبي بكرة، عن أبيه ، عن النبي ﷺ قال: شهران لا ينقصان، شهرا عيدٍ: رمضان، وذو الحجة.
الشيخ: بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه.
هذا الحديث الصحيح اختُلف في معناه: شهرا عيدٍ لا ينقصان: شهر رمضان، وشهر ذي الحجة، فنقل المؤلف عن إسحاق بن راهويه رحمه الله أنهما لا ينقصان في المعنى والأجر، وإن نقصا في العدد، أي: لا ينقصان حكمًا، وإن نقصا حسًّا وعددًا.
وقال آخرون: إن معناه: لا ينقصان جميعًا، وإن نقص هذا تمَّ هذا، فإن تمَّ رمضان ثلاثين نقص ذو الحجة، أو العكس، فهما لا يجتمعان ناقصين، أو المعنى: أنهما لا ينقصان أبدًا ..... على ثلاثين يومًا.
وقال أهل العلم: ولا يزال الناس يُشاهدون ويرون نقص هذا في بعض الأحيان، ونقص هذا في بعض الأحيان، فقد يكون أحدهما تسعًا وعشرين حسب الرؤية.
فقول إسحاق رحمه الله قولٌ قويٌّ، وهو أنهما لا ينقصان في الحكم، ولو صام تسعًا وعشرين فله أجر مَن صام ثلاثين؛ لأنه صام امتثالًا لأمر الله، فلو صام تسعًا وعشرين فأجره كاملٌ كمَن صام ثلاثين.
وهكذا في الأحكام التي تتعلق بذي الحجة، إذا نقص أو تمَّ فهي كاملةٌ، أيش قال الشارح عليه؟
وقد اختلف العلماء في معنى هذا الحديث: فمنهم مَن حمله على ظاهره فقال: لا يكون رمضان ولا ذو الحجة أبدًا إلا ثلاثين.
وهذا قولٌ مردودٌ مُعاندٌ للموجود المشاهد، ويكفي في ردِّه قوله ﷺ: صوموا لرؤيته، وأفطروا لرؤيته، فإن غُمَّ عليكم فأكملوا العِدَّة، فإنه لو كان رمضان أبدًا ثلاثين لم يحتج إلى هذا.
ومنهم مَن تأوَّل له معنًى لائقًا، وقال أبو الحسن: كان إسحاق بن راهويه يقول: لا ينقصان في الفضيلة إن كانا تسعةً وعشرين أو ثلاثين. انتهى.
وقيل: لا ينقصان معًا؛ إن جاء أحدهما تسعًا وعشرين، جاء الآخر ثلاثين ولا بدّ.
وقيل: لا ينقصان في ثواب العمل فيهما.
وهذان القولان مشهوران عن السلف، وقد ثبتا منقولين في أكثر الروايات في البخاري، وسقط ذلك في رواية أبي ذرٍّ، وفي رواية النَّسفي وغيره عقب الترجمة قبل سياق الحديث.
قال إسحاق: وإن كان ناقصًا فهو تمامٌ.
وقال محمد: لا يجتمعان كلاهما ناقصٌ.
وإسحاق هذا هو ابن راهويه، ومحمد هو البخاري المصنف.
ووقع عند الترمذي نقل القولين عن إسحاق بن راهويه وأحمد بن حنبل، وكأن البخاري اختار مقالة أحمد فجزم بها، أو توارد عليها، قال الترمذي: قال أحمد: معناه: لا ينقصان معًا في سنةٍ واحدةٍ. انتهى.
ثم وجدت في نسخة الصغاني ما نصُّه عقب الحديث: قال أبو عبدالله: قال إسحاق: تسعة وعشرون يومًا تامٌّ.
وقال أحمد بن حنبل: إن نقص رمضان تمَّ ذو الحجة، وإن نقص ذو الحجة تمَّ رمضان.
وقال إسحاق: معناه: وإن كان تسعًا وعشرين فهو تمامٌ غير نقصانٍ.
قال: وعلى مذهب إسحاق يجوز أن ينقصا معًا في سنةٍ واحدةٍ.
وروى الحاكم في "تاريخه" بإسنادٍ صحيحٍ: أن إسحاق بن إبراهيم سُئل عن ذلك فقال: إنكم ترون العدد ثلاثين، فإذا كان تسعًا وعشرين ترونه نقصانًا، وليس ذلك بنقصانٍ.
ووافق أحمد على اختياره أبو بكر أحمد بن عمرو البزار، فأوهم مغلطاي أنه مراد الترمذي بقوله: وقال أحمد. وليس كذلك، وإنما ذكره قاسم في "الدلائل" عن البزار، فقال: سمعت البزار يقول: معناه: لا ينقصان جميعًا في سنةٍ واحدةٍ.
قال: ويدل عليه رواية زيد بن عقبة، عن سمرة بن جندب مرفوعًا: شهرا عيدٍ لا يكونان ثمانيةً وخمسين يومًا.
وادَّعى مغلطاي أيضًا أن المراد بإسحاق: إسحاق بن سويد العدوي راوي الحديث، ولم يأتِ على ذلك بحجةٍ.
وذكر ابن حبان لهذا الحديث معنيين: أحدهما ما قاله إسحاق.
والآخر: أن المراد أنهما في الفضل سواء؛ لقوله في الحديث الآخر: ما من أيامٍ العمل فيها أفضل من عشر ذي الحجَّة.
وذكر القرطبي أنَّ فيه خمسة أقوالٍ، فذكر نحو ما تقدم، وزاد أن معناه: لا ينقصان في عامٍ بعينه، وهو العام الذي قال فيه النبي ﷺ تلك المقالة. وهذا حكاه ابنُ بزيزة، ومن قبله أبو الوليد ابن رشد، ونقله المحب الطبري عن أبي بكر ابن فورك.
الشيخ: يعني: في عهدٍ مضى، في زمانه ﷺ، لا ينقصان في هذا العام الذي أراده عليه الصلاة والسلام، وهذا بعيدٌ؛ لأن ظاهر السياق خلافه. نعم.
وقيل: المعنى: لا ينقصان في الأحكام. وبهذا جزم البيهقي، وقبله الطحاوي، فقال: معنى لا ينقصان أن الأحكام فيهما وإن كانا تسعةً وعشرين مُتكاملةٌ غير ناقصةٍ عن حكمهما إذا كانا ثلاثين.
وقيل: معناه: لا ينقصان في نفس الأمر، لكن ربما حال دون رؤية الهلال مانعٌ.
الشيخ: يكفي، نعم، الله أعلم بمراده فيه عليه الصلاة والسلام، يحتمل هذا، والله أعلم بمراد نبيه عليه الصلاة والسلام.
أما من جهة العدد والواقع فقد يتم وقد ينقص مثلما بيَّن عليه الصلاة والسلام في رمضان: صوموا لرؤيته، وأفطروا لرؤيته، فإن غُمَّ عليكم فأكملوا العِدَّة دلَّ على أنه ينقص ويتمّ من حيث العدد، أما الأجر فهو كاملٌ بلا شكٍّ، سواء صام الناس ثلاثين، أو صام الناس تسعًا وعشرين فأجرهم كاملٌ؛ لأنهم صاموا بأمر الله وشرعه .
س: على التتبع ما وجد أنهما ينقصان في سنةٍ واحدةٍ .....؟
ج: هذا معنى كلام الحافظ: أنهما شُوهدا ينقصان؛ فلهذا قال: لا ينقصان في الأجر، وإن نقصا في العدد؛ لأنه مشاهدٌ، قد يقع هذا، ويقع هذا .....
س: لكن المشاهد أنهما قد يجتمعان ناقصان في سنةٍ واحدةٍ؟
ج: هذا مراده، هذا مراد إسحاق؛ ولهذا تأوَّله على الأجر والفضل.
س: ما يترجح بهذا قول إسحاق؟
ج: قولٌ قويٌّ لا شك، .....، والله أعلم بمراد نبيه عليه الصلاة والسلام.
باب قول النبي ﷺ: لا نكتب، ولا نحسب
1913- حدثنا آدم: حدثنا شعبة: حدثنا الأسود بن قيس: حدثنا سعيد بن عمرو: أنه سمع ابن عمر رضي الله عنهما، عن النبي ﷺ، أنه قال: إنا أُمَّةٌ أميةٌ، لا نكتب، ولا نحسب، الشهر هكذا وهكذا يعني: مرةً تسعة وعشرين، ومرةً ثلاثين.
الشيخ: وهذا -كما تقدم- فيه الردُّ على مَن اعتمد الحساب وزعم أنه لا بد من مُراعاته، والرسول ﷺ بيَّن أن هذا لا حُجَّة فيه، والعمدة على الرؤية فقط، وقال: إنا أمةٌ أميةٌ، لا تكتب، ولا تحسب، ليس بإمكانها الحساب والكتابة في مثل هذا، وإن كانت تكتب وتحسب في الأمور الأخرى: لتجارتها وأعمالها الدنيوية، لكن وصفها بأنها أمةٌ أميةٌ مهما وقع فيها من الحساب والكتابة.
باب: لا يتقدم رمضان بصوم يومٍ ولا يومين
1914- حدثنا مسلم بن إبراهيم: حدثنا هشام: حدثنا يحيى ابن أبي كثير، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة ، عن النبي ﷺ قال: لا يتقدَّمن أحدُكم رمضان بصوم يومٍ أو يومين، إلا أن يكون رجلٌ كان يصوم صومه، فليصم ذلك اليوم.
الشيخ: والمعنى: النهي عن تقدم رمضان لأجل رمضان، أما إذا كان لعادةٍ كان يفعلها فلا حرج، الله جلَّ وعلا أوجب علينا الصيام بصفةٍ محددةٍ: بالرؤية، أو بالعدد، وليس لأحدٍ أن يزيد ويحتاط، فعليه أن يتبع الشرع، ويقف عند الحدِّ.
لكن إذا كان له صومٌ فوافق آخر الشهر آخر شعبان فلا بأس، يعني: يوافق آخر شعبان يوم الخميس، أو يوم الاثنين، وعادته أن يصوم الاثنين والخميس فلا بأس، أو يصوم يومًا ويُفطر يومًا، فوافق يوم صومه آخر الشهر. نعم.
............
باب قول الله جلَّ ذكره: أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَائِكُمْ هُنَّ لِبَاسٌ لَّكُمْ وَأَنتُمْ لِبَاسٌ لَّهُنَّ عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ كُنتُمْ تَخْتَانُونَ أَنفُسَكُمْ فَتَابَ عَلَيْكُمْ وَعَفَا عَنكُمْ فَالْآنَ بَاشِرُوهُنَّ وَابْتَغُوا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ [البقرة:187].
1915- حدثنا عبيدالله بن موسى، عن إسرائيل، عن أبي إسحاق، عن البراء قال: كان أصحاب محمدٍ ﷺ إذا كان الرجل صائمًا، فحضر الإفطار، فنام قبل أن يُفطر؛ لم يأكل ليلته ولا يومه حتى يُمسي، وإن قيس بن صرمة الأنصاري كان صائمًا، فلما حضر الإفطار أتى امرأته، فقال لها: أعندك طعامٌ؟ قالت: لا، ولكن أنطلق فأطلب لك. وكان يومه يعمل، فغلبته عيناه، فجاءته امرأته، فلما رأته قالت: خيبة لك. فلما انتصف النهار غُشي عليه، فذُكر ذلك للنبي ﷺ فنزلت هذه الآية: أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَائِكُمْ، ففرحوا بها فرحًا شديدًا، ونزلت: وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ [البقرة:187].
الشيخ: التشريع في الصوم على أطوارٍ ثلاثةٍ:
الطور الأول: التخيير، مَن شاء صام، وهو أفضل، ومَن شاء أطعم، كما قال تعالى: أَيَّامًا مَّعْدُودَاتٍ فَمَن كَانَ مِنكُم مَّرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ فَمَن تَطَوَّعَ خَيْرًا فَهُوَ خَيْرٌ لَّهُ وَأَن تَصُومُوا خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ [البقرة:184]، فجعله مُخيَّرًا، والصوم أفضل.
ثم نُسخ التخيير ووجب الصوم في قوله جلَّ وعلا: شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ [البقرة:185] يعني: شهده صحيحًا مُقيمًا، فعليه أن يصوم: وَمَن كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ [البقرة:185].
وكان مَن نام قبل أن يُفطر لزمه البقاء على صومه إلى الليلة الأخرى، كما في قصة قيس بن صرمة، فاشتد عليهم ذلك، وشقَّ عليهم ذلك، فنسخ الله ذلك، وجعل لهم الأكل والشرب في الليل، وأنه بغروب الشمس ينتهي الصوم.
باب قول الله تعالى: وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ [البقرة:187].
فيه البراء، عن النبي ﷺ.
1916- حدثنا حجاج بن منهال: حدثنا هشيم، قال: أخبرني حصين بن عبدالرحمن، عن الشعبي، عن عدي بن حاتم قال: لما نزلت: حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ عمدت إلى عقال أسود، وإلى عقال أبيض، فجعلتُهما تحت وسادتي، فجعلتُ أنظر في الليل فلا يستبين لي، فغدوتُ على رسول الله ﷺ، فذكرتُ له ذلك، فقال: إنما ذلك سواد الليل وبياض النَّهار.
1917- حدثنا سعيد ابن أبي مريم: حدثنا ابن أبي حازم، عن أبيه، عن سهل بن سعدٍ. ح، حدثني سعيد ابن أبي مريم: حدثنا أبو غسان محمد بن مطرف، قال: حدثني أبو حازم، عن سهل بن سعدٍ قال: أنزلت: وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ [البقرة:187]، ولم ينزل: مِنَ الْفَجْرِ [البقرة:187]، فكان رجالٌ إذا أرادوا الصوم ربط أحدُهم في رجله الخيط الأبيض والخيط الأسود، ولم يزل يأكل حتى يتبين له رؤيتهما، فأنزل الله بعد: مِنَ الْفَجْرِ فعلموا أنه إنما يعني: الليل والنهار.
باب قول النبي ﷺ: لا يمنعنكم من سحوركم أذان بلالٍ
1918- حدثنا عبيد بن إسماعيل، عن أبي أسامة، عن عبيدالله، عن نافع، عن ابن عمر والقاسم بن محمد، عن عائشة رضي الله عنها: أن بلالًا كان يُؤذن بليلٍ، فقال رسول الله ﷺ: كلوا واشربوا حتى يُؤذن ابن أم مكتوم، فإنه لا يُؤذن حتى يطلع الفجر، قال القاسم: ولم يكن بين أذانهما إلا أن يرقى ذا وينزل ذا.
الشيخ: وهذا يُبين أن العمدة على طلوع الفجر، وليس على الأذان، فإذا بكَّر المؤذن لم يدخل في أذانه حكم الصوم، وإنما طلوع الفجر كما بيَّنت الآية: حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ، فإذا شرب أو أكل مع الأذان مَن بكَّر، أو بعد الأذان مَن بكَّر ولم يطلع الفجر؛ فصومه صحيحٌ، ولكن إذا كان المؤذن ليس له حدٌّ، بل كلهم ..... على الصبح، ليس هناك أذانٌ قبل الفجر، فإن الأذان ..... الذي على الصبح، فإذا أذن للصبح امتنع من الأكل والشرب إذا كان المؤذنُ يُنادي على الصبح مثل: ابن أم مكتوم، كان لا يُنادي حتى يُقال له: أصبحتَ. أما إذا كان يُؤذن على التقويم -على الظن- فلا بأس أن يشرب وهو يُؤذن، أو يأكل وهو يُؤذن إذا دعت الحاجةُ إلى ذلك؛ لعدم تبين الصبح، ولكنه يحتاط، فالمشروع للمؤمن أن يحتاط حتى يكون قد فرغ من حاجته قبل الأذان، لكن قد تدعو الحاجة إلى أن يأكل شيئًا في يده ويشرب عند الأذان، فهو بهذا غير ممنوعٍ؛ لعدم تبين الخيط الأبيض، وإنما هو على أشياء ظنيةٍ بطلوع الفجر. نعم.
وأما قول القاسم: "ولم يكن بين أذانهما إلا أن يرقى ذا وينزل ذا" فهي مبالغةٌ، يعني: لأنه شيءٌ قصيرٌ، ومراد القاسم رحمه الله أنه شيءٌ ليس بالطويل، وإلا فبينهما مسافةٌ؛ لأن النبي ﷺ قال في حديثٍ: ليرجع قائمكم، ويُوقظ نائمكم، إن بلالًا يُؤذن بليلٍ سمَّاه: ليلًا، ليُوقِظ نائمكم، ويرجع قائمكم، وبينهما وقتٌ وإن كان ليس بالطويل، فالقائم يعرف أن الصبح قريبٌ ويختصر، والنائم ينتبه فيستعد. نعم.
باب تعجيل السحور
1920- حدثنا محمد بن عبيدالله: حدثنا عبدالعزيز ابن أبي حازم، عن أبي حازم، عن سهل بن سعد قال: كنتُ أتسحر في أهلي، ثم تكون سُرعتي أن أُدرك السجود مع رسول الله ﷺ.
الشيخ: الترجمة: باب تعجيل أو تأخير؟
قارئ المتن: تعجيل.
الشيخ: عن سهلٍ، نعم؟
الشيخ: هذا يدل على التأخير، ما هو على التقديم، أيش قال الشارح عليه؟
قوله: "باب تعجيل السحور" أي: الإسراع بالأكل، إشارة إلى أن السحور كان يقع قرب طلوع الفجر.
وروى مالك، عن عبدالله ابن أبي بكر، عن أبيه: كنا ننصرف –أي: من صلاة الليل- فنستعجل بالطعام مخافة الفجر.
قال ابن بطال: ولو ترجم له بباب "تأخير السحور" لكان حسنًا.
الشيخ: هذا هو الأليق بالمقام، ولكن المؤلف رحمه الله له نظرٌ دقيقٌ، فتعجيل السحور لئلا تفوته الصلاة، أو لئلا يُدركه الفجر، يعني: أنه ينبغي للصائم أن يُعجل السحور حتى لا يضيق عليه الوقت، يعني: حتى لا تحصل له شدَّةٌ وحاجةٌ في إدراك الصلاة، هذا المقصود، وإلا فالمقام مقام تأخيرٍ، فيجوز تأخيره، ولكن مراد المؤلف هنا ملاحظة كونه ينبغي أن يُعجل على وجهٍ لا يشقّ عليه في الذهاب إلى الصلاة، لا سيما إذا كان المكان بعيدًا عن المسجد، فينبغي له أن يحتاط، وأن يُعجل السحور تعجيلًا يمكنه من الذهاب إلى الصلاة.
وتعقبه مغلطاي بأنه وجد في نسخةٍ أخرى من البخاري: "باب تأخير السحور"، ولم أرَ ذلك في شيءٍ من نسخ البخاري التي وقعت لنا.
وقال الزين بن المنير: التعجيل من الأمور النسبية، فإن نسب إلى أول الوقت كان معناه: التقديم، وإن نسب إلى آخره كان معناه: التأخير، وإنما سمَّاه البخاري تعجيلًا إشارةٌ منه إلى أن الصحابي كان يُسابق بسحوره الفجر عند خوف طلوعه وخوف فوات الصلاة بمقدار ذهابه إلى المسجد.
الشيخ: واضحٌ، مراده واضحٌ. نعم.
باب: قدر كم بين السحور وصلاة الفجر
1921- حدثنا مسلم بن إبراهيم: حدثنا هشام: حدثنا قتادة، عن أنسٍ، عن زيد بن ثابتٍ قال: تسحرنا مع النبي ﷺ، ثم قام إلى الصلاة. قلت: كم كان بين الأذان والسحور؟ قال: قدر خمسين آية.
الشيخ: وهذا واضحٌ في التأخير، وأن الأفضل تأخيره؛ لأنه أقوى للمؤمن في صيامه، وفي عمله للنهار، وفي الحديث: لا يزال الناس بخيرٍ ما عجَّلوا الفطر، وأخَّروا السحور، وفي حديثٍ عن عمرو بن العاص عند مسلمٍ: يقول : عن النبي ﷺ أنه قال: فصل ما بين صيامنا وصيام أهل الكتاب أكلة السحر، فالسنة أن يكون السحور في آخر الليل، خلافًا لأهل الكتاب؛ ولأنه أقوى للمؤمن، تبقى معه قوة السحور في النهار أكثر، لكن لا يأكل وقت الشك، يبتعد عن الشك، يأكل قبل الشك.
س: هناك أقوالٌ تُشير إلى أن وقت صلاة الفجر حسب التقويم مُقدَّمٌ على الوقت الحقيقي بربع ساعةٍ .....؟
ج: يقول بعضهم أن فيها تبكيرًا، وأنه ربما يكون يعني ..... الفجر وإشراقه بعد أذان الناس بربع ساعةٍ أو عشر دقائق؛ ولهذا يُشرع للأئمة عدم العجلة في أذان الفجر حتى يكون ذلك أقرب إلى الصواب، والنبي ﷺ يقول: أسفروا بالصبح، وكان ﷺ يُقيم الفجر إذا انشق الفجر واتَّضح، وإذا انفتلوا من الصلاة يعرف بعضهم بعضًا في موضع الصلاة ..... من نور الصبح، يعني: المقصود أن السنة أن تُصلى بغلسٍ، والغلس: اختلاط ضياء الصبح بظلمة الليل، يعني: قد بقيت بعض الظلمة ..... واضحٌ، والصبح واضحٌ، فإذا .....؛ ولهذا قدرت الأوقاف الآن بخمسٍ وعشرين دقيقة بين الأذان والإقامة، فإذا كانت الإقامة حول هذا المقدار كان فيه احتياطٌ لأن تُؤدَّى الصلاة بعد طلوع الفجر. نعم.
س: على هذه المقالة بعض الناس يأكل حتى بعد الأذان ويقول .....؟
ج: ينبغي للمؤمن أن يحتاط لصومه ولا يتساهل: دع ما يريبك إلى ما لا يريبك، مَن اتقى الشبهات فقد استبرأ لدينه وعِرضه، لكن إذا دعت الحاجةُ والمؤذن يُؤذن فشرب أو أكل لقمةً في يده أو ..... فأمرها سهلٌ -إن شاء الله-، لكن الواجب الشرعي التبين، حتى يتبين، والناس في المدن والقرى التي فيها الأنوار ما يتبينون، فالاحتياط هو المتعين، بخلاف الذي في جهة البر في الصحراء، فهذا بإمكانه أن يرى الفجر، يتضح له الفجر، فيأكل ويشرب حتى يتضح الفجر، لكن ما دام في المدن وليست عنده قُدرة على معرفة الصبح فالعمدة على الأذان الذي علّقت به الأحكام. نعم.
س: ولو فعل فهل يقضي؟
ج: ماذا فعل؟
س: فعل هذا الكلام: الذي يأكل بعد الأذان؟
ج: إذا كان شرب وأكل مع الأذان ما فيه شيءٌ، لا حرج -إن شاء الله-، لا يقضي، لكن لا يتأخر عن الأذان الدقيقة والدقيقتين، يرجى أن يكون .....، ولكن ينبغي له أن يحتاط ويبتعد عن الشبهة.
س: قول القاسم: "ولم يكن بين أذانهما إلا أن يرقى ذا وينزل ذا" ..... على روايةٍ، وهو من التابعين؟
ج: ينقل عن غيره، القاسم نقل عن غيره، لعله ينقل عن عائشة أو غيرها، أيش قال الشارح على قول القاسم؛ لأنه ما حضرهم، لكن ينقل عن غيره.