باب أجر الخادم إذا تصدق بأمر صاحبه غير مفسد

باب أجر الخادم إذا تصدّق بأمر صاحبه غير مُفسدٍ

1437- حدثنا قتيبة بن سعيد: حدثنا جرير، عن الأعمش، عن أبي وائل، عن مسروق، عن عائشةَ رضي الله عنها قالت: قال رسولُ الله ﷺ: إذا تصدّقت المرأةُ من طعام زوجها غير مُفسدةٍ كان لها أجرها، ولزوجها بما كسب، وللخازن مثل ذلك.

1438- حدثنا محمد بن العلاء: حدثنا أبو أسامة، عن بريد بن عبدالله، عن أبي بردة، عن أبي موسى، عن النبي ﷺ قال: الخازن المسلم الأمين الذي ينفذ -وربما قال: يُعطي- ما أمر به كاملًا، مُوفَّرًا، طيبًا به نفسه، فيدفعه إلى الذي أُمِرَ له به؛ أحد المتصدّقين.

الشيخ: وهذه بشارة للمؤمن والمؤمنة: أنَّ الجميع شُركاء في الأجر: المنفق، والمساعد في ذلك: كالخازن، والزوجة، والخادم شُركاء في الأجر، مَن تعاون على البرِّ واتَّقى، إذا تعاونوا على البرِّ والتقوى ولم يُفسدوا -الكلّ اجتهد- فهم شُركاء في الأجر؛ الزوجة لأنَّها ساعدت على الخير: أنفقت من طعام بيتها غير مُفسدةٍ، أنفقت كما ينبغي، والزوج له نصيبه؛ لأنَّه اكتسب وسمح، والخادم كذلك، كلّهم شُركاء في الأجر، لا ينقص بعضُهم من أجر بعضٍ شيئًا، بشرط الأمانة وعدم الإفساد، كل واحدٍ يتحرى الخير، فالزوجة تُنفق بإذن زوجها، أو بما جرت العادةً بإنفاقه غير مُفسدةٍ، والخازن الموكول إليه المال يُنفق ويُعطي المأمور له به، وهو مسلمٌ، أمينٌ، ينفذ المأمور به عن طيب نفسٍ، لا عن أذى، لا يُؤذي المعطى، بل يُعطيه ما أمر به وافرًا، كاملًا، بطيب نفسٍ، ودون أذى، ولا تعتعةٍ؛ فهو أحد المتصدّقين.

ضبط "مُتصدِّقِين" بالجمع، و"مُتصدِّقَيْن" بالتَّثنية، إن كانوا اثنين فاثنان، وإن كانوا ثلاثةً فكذلك.

قد يكون المنفقُ له وكلاء، واحد فوق واحد، فإذا أمر الذي يليه، ثم أمر الآخر الذي يليه، ثم أمر الآخر الذي يليه كذلك؛ كلّهم صاروا شُركاء، فهو أمر الزوجة، والزوجة أمرت الوكيل، والوكيل أمر مَن تحته، وكلّهم عن طيب نفسٍ، وكلّهم عن تعاونٍ، وعن إخلاصٍ، كلّهم شُركاء في الأجر، فهذا بما كسب الزوج ونحوه، وهذا بمُساعدته على الخير، فالمعين على الخير شريكٌ في العمل، شُركاء مع الآمر، أخوه؛ ولهذا في الدّلالة على الخير يكون له مثله: مَن دلَّ على خيرٍ فله مثل أجر فاعله.

وهكذا مَن ساعد عليه: مَن كان في حاجة أخيه كان اللهُ في حاجته، والله في عون العبد ما كان العبدُ في عون أخيه.

فالزوجة والخازن والخادم إذا أعانوا على الخير وأدّوا ما أُمروا به عن طيب نفسٍ، وعن عدم أذًى؛ صاروا شُركاء في الأجر، نعم.

باب أجر المرأة إذا تصدّقت أو أطعمت من بيت زوجها، غير مُفسدةٍ

1439- حدثنا آدم: حدثنا شعبة: حدثنا منصور، والأعمش، عن أبي وائل، عن مسروق، عن عائشةَ رضي الله عنها، عن النبي ﷺ. تعني: إذا تصدّقت المرأةُ من بيت زوجها.

1440- حدثنا عمر بن حفص: حدثنا أبي: حدثنا الأعمش، عن شقيق، عن مسروق، عن عائشةَ رضي الله عنها قالت: قال النبي ﷺ: إذا أطعمت المرأةُ من بيت زوجها غير مُفسدةٍ كان لها أجرها، وله مثله، وللخازن مثل ذلك، له بما اكتسب، ولها بما أنفقت.

1441- حدثنا يحيى بن يحيى: أخبرنا جرير، عن منصور، عن شقيق، عن مسروق، عن عائشةَ رضي الله عنها، عن النبي ﷺ قال: إذا أنفقت المرأةُ من طعام بيتها غير مُفسدةٍ فلها أجرها، وللزوج بما اكتسب، وللخازن مثل ذلك.

باب قول الله تعالى: فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى ۝ وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى ۝ فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى ۝ وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ وَاسْتَغْنَى ۝ وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى ۝ فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَى [الليل:5-10]، اللهم أَعْطِ مُنْفِقَ مالٍ خلفًا.

1442- حدثنا إسماعيل، قال: حدَّثني أخي، عن سليمان، عن معاوية ابن أبي مزرد، عن أبي الحباب، عن أبي هريرة ر: أنَّ النبي ﷺ قال: ما من يومٍ يُصبح العبادُ فيه إلا ملكان ينزلان، فيقول أحدُهما: اللهم أَعْطِ مُنْفِقًا خلفًا، ويقول الآخر: اللهم أَعْطِ مُمْسِكًا تلفًا.

الشيخ: الله أكبر، الله أكبر، في هذا حثٌّ عظيمٌ على الإنفاق، والترهيب من البُخل والشُّح، ملكان صباح كل يومٍ أحدُهما يقول: اللهم أعطِ مُنفقًا خلفًا، والآخر يقول: اللهم أعطِ ممسكًا تلفًا، وهذان الملكان حريّان بأن تُجاب دعوتهما.

والله يقول: فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى ۝ وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى ۝ فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى، ومن اليُسرى أن يُنفق عليه، وأن يخلف عليه.

وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ وَاسْتَغْنَى ۝ وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى ۝ فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَى، ومن العُسرى أن يتلف عليه، وأن يُضيق عليه؛ بسبب ضيقه في نفسه، وبُخله، وشُحّه.

وبالعموم يقول جلَّ وعلا: وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْرًا [الطلاق:4].

فالإنفاق في سبيل الله عن إخلاصٍ ورغبةٍ بما عند الله من التَّقوى، والبُخل والشُّح مع القُدرة ضدّ التقوى.

فهذان الملكان صباح كل يومٍ يقول أحدُهما: اللهم أعطِ مُنفقًا خلفًا، والثاني يقول: اللهم أعطِ مُمسكًا تلفًا، والله يقول في كتابه العظيم: وَمَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ [سبأ:39]، وهو الصَّادق في وعده وخبره .

ويقول جلَّ وعلا: مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا فَيُضَاعِفَهُ لَهُ أَضْعَافًا كَثِيرَةً [البقرة:245].

والصَّدقة والإنفاق قرضٌ، وربنا ليس بحاجةٍ إلينا، نحن المحتاجون، فالإقراض هو الإنفاق، الإنفاق في سبيله، وهو يُجازي هذا المقرض الجزاء الحسن إذا أخلص وصدق، وكان من كسبٍ طيبٍ، والله ليس بحاجةٍ إلى نفقاتنا وإقراضنا، ولكنَّه أمرنا لمنفعتنا ومصلحتنا، وليعود علينا بالفضل ، نعم.

وفي هذه الآية جاء حديثُ عليٍّ في الصَّحيح أيضًا ..... ذكره المؤلفُ في غير هذا المكان في القدر: كان ذات يومٍ في المقبرة ومعه عودٌ ينكته في الأرض، ثم قال: ما منكم من أحدٍ إلا وقد كُتب مقعده من الجنة، ومقعده من النار، قالوا: يا رسول الله، أفلا نتّكل على كتابنا وندع العمل؟ ما دام كل واحدٍ قد كُتب مقعده من الجنَّة والنار، يعني: ففيمَ العمل؟! قال عليه الصلاة والسلام: اعملوا، فكلٌّ مُيَسَّرٌ لما خُلق له، أمَّا أهل السَّعادة فيُيسّرون لعمل أهل السَّعادة، وأمَّا أهل الشَّقاوة فيُيسّرون لعمل أهل الشَّقاوة، ثم قرأ قوله تعالى: فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى ۝ وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى ۝ فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى ۝ وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ وَاسْتَغْنَى ۝ وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى ۝ فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَى [الليل:5-10].

فالقدر ماضٍ في العباد، وهم مأمورون بالعمل، وكلٌّ مُيَسَّرٌ لما خُلق له من خيرٍ وشرٍّ، فهذا يعمل ويكدح ويسأل ربَّه التوفيق، والله هو الموفّق الهادي جلَّ وعلا.

باب مثل المتصدّق والبخيل

1443- حدثنا موسى: حدثنا وهيب: حدثنا ابنُ طاوس، عن أبيه، عن أبي هريرة قال: قال النبي ﷺ: مثل البخيل والمتصدّق كمثل رجلين عليهما جُبَّتان من حديدٍ.

وحدثنا أبو اليمان: أخبرنا شعيب: حدثنا أبو الزناد: أنَّ عبدالرحمن حدَّثه: أنَّه سمع أبا هريرة : أنَّه سمع رسول الله ﷺ يقول: مثل البخيل والمنفق كمثل رجلين عليهما جُبَّتان من حديدٍ من ثديهما إلى تراقيهما، فأمَّا المنفق فلا يُنفق إلا سبغت -أو وفرت- على جلده، حتى تُخفي بنانه، وتعفو أثره، وأمَّا البخيل فلا يُريد أن يُنفق شيئًا إلا لزقت كل حلقةٍ مكانها، فهو يُوسّعها ولا تتسع.

الشيخ: وهذا مثلٌ عظيمٌ لسعة بال المنفق، وانشراح صدره بالنَّفقة، وطيب نفسه، ومحبّته لها، وضيق صدر البخيل، وعدم انشراحه للنَّفقة، وضيق صدره بها حتى لا تسمح نفسُه بإخراج شيءٍ كمثلي جبَّتين من الحديد، وفي اللَّفظ الآخر: جنتان من حديدٍ من ثديه إلى ترقوته.

فالمنفق كلّما أنفق سبغت هذه الجبّة، هذه الجنة تنزل، تنزل، تنزل حتى تُغطي قدميه، وتُعفي أثره، تستر أثره، إشارةً إلى انشراح صدره، وتلذذه بالنَّفقة، ومحبّته لها، وأنسه بها، وانشراحه لها، كهذه الجبّة التي كلما وسّعها تتسع: تنزل، تنزل، تنزل حتى تزحف، حتى تُغطي آثاره، تُغطي أقدامَه.

والآخر لضيق قلبه، وشدّة بُخله وحرصه ما يستطيع، كلما أراد أن يُنفق ضاق صدره، وقلصت كل حلقةٍ من هذه الجبّة مكانها، وضربت مكانها، وضيّقت عليه.

هذا مثلٌ عظيمٌ لانشراح صدر المؤمن المنفق، وضيق صدر البخيل الممسِك.

والعلاج لهذا سؤال الله: أن يسأل ربه أن يُعينه، وأن يُوفقه، وأن يتذكر مصلحة الإنفاق وعاقبته الحميدة، وأن يتذكّر عاقبة البخل والشّح الوخيمة، وأن يتذكر أنَّ الله هو الذي أعطاه المال، وهو الذي يسّر له المال، وهو الذي يخلف عليه، ويتذكر حاجة إخوانه الفقراء والمحاويج، يتأمّل هذه الأمور، ويسأل ربَّه التوفيق حتى ينشرح صدره، حتى ينشرح الصدر، وحتى يجود في النَّفقة.

والمقصود أنَّ هذا شيء وارد، كل إنسانٍ يحسّ من نفسه هذه الأمور إذا تأمّل، إذا تأمّل مقامات إنفاقه ومقامات إمساكه يحسّ من نفسه ما ذكره النبي ﷺ: تارةً بالانفساح والانشراح، وتارةً بالإمساك والضّيق، فهو في جهادٍ وصراعٍ مع هذه النَّفس، نعم.

س: قوله: اللهم أعطِ مُمسكًا تلفًا ..... الجواز بالدُّعاء على مَن لا يُنفقون في سبيل الله؟

ج: نعم، الدُّعاء العام، هذا من باب الدعاء العام، يُدعا على الظّلمة والبُخلاء دعاءً عامًّا: اللهم أعطهم تلفًا، اللهم سلّط عليهم .....، إلى غير ذلك، ما في بأس، وإن دعا لهم بالهداية فلا بأس، كلّه طيب، ومثلما تدعو للعاصي تارةً بالهداية، وتارةً بالهلاك.

تابعه الحسن بن مسلم، عن طاوس في الجبَّتين.

1444- وقال حنظلة: عن طاوس: جنتان.

وقال الليث: حدَّثني جعفر، عن ابن هرمز: سمعتُ أبا هريرة ، عن النبي ﷺ: جنتان.

باب صدقة الكسب والتِّجارة

لقوله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنفِقُوا مِن طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ وَمِمَّا أَخْرَجْنَا لَكُم مِّنَ الْأَرْضِ إلى قوله: أَنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ [البقرة:267].

باب: على كل مسلمٍ صدقة، فمَن لم يجد فليعمل بالمعروف

1445- حدثنا مسلم بن إبراهيم: حدثنا شعبة: حدثنا سعيد ابن أبي بردة، عن أبيه، عن جدِّه، عن النبي ﷺ قال: على كل مسلمٍ صدقة، فقالوا: يا نبيَّ الله، فمَن لم يجد؟ قال: يعمل بيده، فينفع نفسَه ويتصدّق، قالوا: فإن لم يجد؟ قال: يُعين ذا الحاجة الملهوف، قالوا: فإن لم يجد؟ قال: فليعمل بالمعروف، وليُمسك عن الشَّر، فإنَّها له صدقة.

الشيخ: وهذا توجيهٌ عظيمٌ، فالنبي ﷺ أمر بالصَّدقة، وحثَّ الناسَ على الصَّدقة، وقال: يُصبح على كل سُلامى من الناس صدقة، وأخبر أنَّ التَّسبيح والتَّهليل والتَّحميد والتَّكبير والأمر بالمعروف والنَّهي عن المنكر صدقات.

وقال في هذا الحديث لما قالوا له: فإن لم يجد؟ يعني: ما عنده مال، قال: يعمل بيده، فينفع نفسَه ويتصدّق، فيه أنَّه يُؤمر بالعمل، ما يجلس هكذا، يعمل ويأكل ويتصدّق، إن كان ما عنده شيء ما يجلس، أتلزمه الوظيفة؟ ما تلزمه الوظيفة، الوظيفة ما هي بعامّة للناس، الوظائف محدودة، لكن يعمل، يُحامل على ظهره، يخدم، يبني، يزرع، يتّجر، يبحث عن عملٍ، ما يجلس هكذا، يعمل.

الصحابة وهم أفضل الناس بعد الأنبياء عملوا، يقول أبو مسعودٍ -كما تقدّم- أنَّ الرسول كان إذا أمرهم بالصّدقة خرجوا إلى السوق يُحاملون، يحملون على ظهورهم حاجات الناس، ثم يتصدّقون، يأخذون الأجرة حملًا لهذا الباب، حملًا لهذا الكيس، حملًا لهذا الخشب، حملًا لهذا الحطب، يحمل له حاجات أخرى، يُعطيه ريالًا، يُعطيه نصف ريالٍ، وهكذا، يأكل منه ويتصدّق.

الصَّحابة أفضل الناس بعد الأنبياء يُحاملون، يخرجون للسوق، يحمل، يدور، يُدَوّر له شيئًا، النبي ﷺ يقول: يعمل بيده فيتصدّق، يعمل.

المصيبة العظيمة أنَّ كثيرًا من الناس يجلس هكذا، إمَّا وظيفة، وإمَّا لا يعمل! ما تلزم الوظيفة، قد يكون عملك أحسن من الوظيفة، ابحث عن عملٍ، اذهب إلى الأسواق، اشترك مع بعض إخوانك في عملٍ، دوّر عملًا مع أخٍ لك، أو أخوين، احمل حاجات الناس، دوّر مع الذين يبنون، مع الذين يحصدون، يزرعون، يغرسون، إلى غير هذا، أي عملٍ مُباحٍ دوره، دور العمل المباح، واعمل ولو بأجرةٍ زهيدةٍ، إذا عرف الناسُ منك الصّدق والنَّشاط والنُّصح شغّلوك وزادوا لك الأجرة.

فقالوا: يا رسول الله، فإن لم يستطع؟ أو: فإن لم يعمل؟ قال: يُعين ذا الحاجة الملهوف، وفي اللَّفظ الآخر: يُعين صانعًا، أو يصنع لأخرقٍ، يُعين صانعًا على صنعته، أو يصنع لأخرقٍ ضعيفٍ ما يُحسن، يعمل له، يُحسن فيه، فيُعطى ما يسّر الله، ويحصل له خيرٌ، ويحصل له صدقة أيضًا، إن لم يحصل له أجرٌ مالي حصل له خيرٌ.

فإن لم يستطع؟ قال: فليعمل بالمعروف، ويكفّ نفسَه عن الشَّر، وفي اللَّفظ الآخر قال: يكفّ شرَّه عن الناس، فهذه صدقة منه على نفسه.

والحاصل أنَّ المؤمن لا يجلس هكذا، بل يلتمس العمل الذي ينفعه، كل معروفٍ صدقة، يلتمس، فلا يجلس هكذا، يعمل، يجتهد، يُسبّح، يُهلل، يحمد الله، يُكبّر، يأمر بالمعروف، وينهى عن المنكر، ويدعو إلى الله، ويجتهد في كل عملٍ يُرضي الله ويُقرّب لديه، وينفع نفسَه في الدنيا، نعم.

باب: قدر كم يُعطى من الزكاة والصَّدقة، ومَن أعطى شاةً

1446- حدثنا أحمد بن يونس: حدثنا أبو شهاب، عن خالد الحذّاء، عن حفصة بنت سيرين، عن أمِّ عطية رضي الله عنها قالت: بعث إلى نسيبة الأنصارية بشاةٍ، فأرسلت إلى عائشةَ رضي الله عنها منها، فقال النبيُّ ﷺ: عندكم شيء؟ فقلت: لا، إلا ما أرسلت به نسيبة من تلك الشَّاة. فقال: هاتِ، فقد بلغت محلّها.

الشيخ: نسيبة هي أمّ عطية، هي الراوية، يُقال لها: نسيبة، يعني: الشَّاة التي أعطيتها من الزكاة بلغت محلَّها؛ فهي عليها صدقة، وللرسول وأهل بيته هدية.

ومن هذا الحديث: إنَّ الصَّدقة لا تحلّ لغني إلا لخمسةٍ: رجلٍ اشتراها بماله ... إلى أن قال: أو مسكين تصدّق عليه منها، فأهدى منها لغنيٍّ، فهي بلغت محلّها، فإذا أهدى منها لغنيٍّ صارت هديةً له، ولم يأكل زكاةً، وإنما أكل هديةً من أخيه، لا زكاة، نعم.

ومن هذا مثلًا -وهذا يقع كثيرًا-: أعطيت زيدًا زكاةَ تمرٍ، ودعاك للقهوة والطَّعام، وقدَّم لك من هذا التَّمر، فتأكل من هذا التَّمر؛ لأنَّه بلغ محلّه، وتعرف أنَّه تمرك الذي أعطيته إياه، لكن بلغ محلّه، فتأكل منه، من ..... الذي قدّمه، ومن طعام البرِّ الذي قدّمه، أو من الأرز الذي أعطيته، أو من الغنم، من لحم الشَّاة التي أعطيته من الزكاة، بلغت محلّها.

فلو أخذ الشَّاة من الزكاة وذبحها، ودعا إليها إخوانه من الأغنياء وغيرهم، ومنهم الذي أعطاه الشَّاة؛ ما في بأس، نعم.

س: سائل يسأل من سكان الطَّائف يقول: اسأل سماحة الشيخ عبدالعزيز بن باز حفظه الله وتولاه ..... آمين، يقول: اشتريتُ، دفعتُ لأحد التُّجار عربونًا -مبلغًا مُعينًا-، وأخذ مني العربون قدر مئة ألفٍ مثلًا، ثم بعدما أخذ العربون اشترى لي أرضًا بالمبلغ المعين، ثم عندما باع عليَّ باع بزيادة خمسين ألفًا أو أكثر، فهل الزيادة تدخل في الربا أم لا؟

ج: لا يجوز بيعٌ إلا بعد الملك، لا يشترِ منه إلا بعدما يملك الأرض، وتصير الدَّراهم هذه مثل الوديعة، ما يصير بثمنها بيع، فإذا اشترى تاجرٌ بمالٍ الأرضَ أو البيت أو السيارة، وكانت بحوزته، وتمّت إجراءاتها، بعد هذا يبيع عليه، وأمَّا البيع قبل أن يشتريها ما يصحّ، فالمال الذي دفعه إليه ما يكون بيعًا، يكون هذا كأنَّه أمانة، وديعة، ما يصلح حتى يشتريها هذا التاجر ويحوزها وتتمّ إجراءات البيع، وبعد هذا يبيع من جديدٍ.

والكلام الأول، وبيع الأول ما عليه عمل، النبي ﷺ قال: لا تبع ما ليس عندك، جاءه حكيمُ بن حزام وقال: يا رسول الله، الرجل يأتيني يُريد السلعة، وليست عندي، فأبيعها عليه، ثم أذهب فأشتريها. فقال: لا تبع ما ليس عندك.

وعن ابن عمرو ، عن النبي ﷺ أنَّه قال: لا يحلّ سلفٌ وبيعٌ، ولا بيعَ ما ليس عندك.

وفي حديث زيد بن ثابت قال: نهى رسولُ الله أن تُباع السلع حيث تُبتاع حتى يحوزها التُّجار إلى رحالهم.

فلا بدَّ أنَّ هذا التاجر يشتري الشيء ويحوزه، ثم يبيع عليك بعد هذا، أمَّا الاتِّفاق الأول أنت وإياه فما عليه عمل، لكن أنت تهون له، وهو يهون حتى يتمّ البيع أولًا من التاجر مع الشَّخص الآخر، مع الذي عنده السّلعة، فإن اشتراها وحازها وأتمّ إجراءاتها وقبضها يبيع بعد ذلك، نعم.

س: ما حكم العربون؟

ج: العربون لا بأسَ به، لكن اختلف العلماء: هل يملكه البائعُ أم لا؟

والصواب أنَّه يملكه، إذا اشترى منه بمئة ألف ريال، وأعطى مئة ريال أو أكثر أو أقلّ، وقال: أمهلني أسبوعًا أو كذا، فإن رضيت بالبيع، وقد أقدمت عليه، وإلا فالعربون لك. فصحيحٌ في مقابل صبره وانتظاره، نعم.

س: يقول: أخذ مني العربون يا شيخ؟

ج: العربون لا، للآخذ إذا اتَّفقا على أنَّه له.

س: يقول: أخذ العربون واشترى .....؟

ج: هذا للبيع، لكن العربون ..... العربون، يقول له: هذا العربون مئة ريال، إن تمَّ الشِّراء وإلا فهو لك. هذا يقع من بعض الناس فيما بينهم؛ لأنَّه ينتظره ويقول: إن تمَّ الشِّراء وإلا فهو لك العربون.

وفي الحديث الضَّعيف: أنَّ النبي ﷺ نهى عن بيع العربون. لكنَّه ضعيف، وثابت عن عمر أنَّه أجاز ذلك رضي الله عنه ورحمه، نعم.

س: وإن لم يشترط أخذ العربون؟

ج: يردّه، إن لم يشترط يردّه، ما تمّ شيء، إذا ما أراد الشِّراء يردّ عليه ماله الذي أعطاه.

س: ما تكون عليه الزيادة، هل الزيادة تكون للبائع؟

ج: إذا كان بعد البيع ما فيه شيء، إذا كان بعدما اشتراها التاجر، وصارت في حوزته، يبيع عليه من جديدٍ، اشتراها التاجر بمئة ألفٍ، وباع عليه بمئة وعشرين ألفًا مُنَجَّمًا، أو بعضه نقد، وبعضه مُنَجَّم؛ لا بأس، لكن بعدما يشتريها التاجر ويحوزها وتكون في ملكه.

س: اشتراها باسم الرجل؟

ج: ما يصلح، لا بدَّ أن يشتريها لحسابه هو، ولو نواها لنفسه، لا بدَّ أن يتمّ شراؤها له هو، والأول ما يتمّ له شراء إلا بعد الحوز، هذا ملك، أمَّا الاتفاق الأول ما يصلح. نعم.