أبواب الاغتسالات المستحبة.. باب غسل الجمعة

المقدم: بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله ربِّ العالمين، والصلاة والسلام على قائد الغُرِّ المحجَّلين نبينا محمدٍ، وعلى آله وصحبه أجمعين.

أيها الإخوة والأخوات، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وحيَّاكم الله إلى درسٍ من دروس "المنتقى".

ضيف اللقاء هو سماحة العلامة الشيخ عبدالعزيز بن باز، المفتي العام للمملكة العربية السعودية، ورئيس هيئة كبار العلماء.

مع مطلع هذا اللقاء نُرحب بسماحة الشيخ، فأهلًا ومرحبًا يا سماحة الشيخ.

الشيخ: حياكم الله وبارك فيكم.

المقدم:

أَبْوَابُ الْأَغْسَالِ الْمُسْتَحَبَّةِ

بَابُ غُسْلِ الْجُمُعَةِ

- عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: إذَا جَاءَ أَحَدُكُمْ إلَى الْجُمُعَةِ فَلْيَغْتَسِلْ رَوَاهُ الْجَمَاعَةُ.

وَلِمُسْلِمٍ: إذَا أَرَادَ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْتِيَ الْجُمُعَةَ فَلْيَغْتَسِلْ.

- وَعَنْ أَبِي سَعِيدٍ: أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ قَالَ: غُسْلُ يَوْمِ الْجُمُعَةِ وَاجِبٌ عَلَى كُلِّ مُحْتَلِمٍ، وَالسِّوَاكُ، وَأَنْ يَمَسَّ مِنَ الطِّيبِ مَا يَقْدِرُ عَلَيْهِ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.

- وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَة، عَنِ النَّبِيِّ ﷺ قَالَ: حَقٌّ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ أَنْ يَغْتَسِلَ فِي كُلِّ سَبْعَةِ أَيَّامٍ يَوْمًا، يَغْسِلُ فِيهِ رَأْسَهُ وَجَسَدَهُ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.

- وَعَنِ ابْنِ عُمَرَ: أَنَّ عُمَرَ بَيْنَا هُوَ قَائِمٌ فِي الْخُطْبَةِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ إذْ دَخَلَ رَجُلٌ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ الْأَوَّلِينَ، فَنَادَاهُ عُمَرُ: أَيَّةُ سَاعَةٍ هَذِهِ؟ فَقَالَ: إنِّي شُغِلْتُ فَلَمْ أَنْقَلِبْ إلَى أَهْلِي حَتَّى سَمِعْتُ التَّأْذِينَ، فَلَمْ أَزِدْ عَلَى أَنْ تَوَضَّأْتُ، قَالَ: وَالْوُضُوءَ أَيْضًا وَقَدْ عَلِمْتَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ كَانَ يَأْمُرُ بِالْغُسْلِ؟! مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.

- وَعَنْ سَمُرَة بْنِ جُنْدُبٍ: أَنَّ نَبِيَّ اللَّهِ ﷺ قَالَ: مَنْ تَوَضَّأَ لِلْجُمُعَةِ فَبِهَا وَنِعْمَتْ، وَمَنِ اغْتَسَلَ فَذَلِكَ أَفْضَلُ رَوَاهُ الْخَمْسَةُ إلَّا ابْنَ مَاجَهْ، فَإِنَّهُ رَوَاهُ مِنْ حَدِيثِ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ.

- وَعَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: كَانَ النَّاسُ يَنْتَابُونَ الْجُمُعَةَ مِنْ مَنَازِلِهِمْ، وَمِنَ الْعَوَالِي، فَيَأْتُونَ فِي الْعَبَاءِ فَيُصِيبُهُم الْغُبَارُ وَالْعَرَقُ، فَتَخْرُجُ مِنْهُمُ الرِّيحُ، فَأَتَى النَّبِيَّ ﷺ إنْسَانٌ مِنْهُمْ وَهُوَ عِنْدِي، فَقَالَ النَّبِيُّ ﷺ: لَوْ أَنَّكُمْ تَطَهَّرْتُمْ لِيَوْمِكُمْ هَذَا مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.

- وَعَنْ أَوْسِ بْنِ أَوْسٍ الثَّقَفِيِّ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ يَقُولُ: مَنْ غَسَّلَ وَاغْتَسَلَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ، وَبَكَّرَ وَابْتَكَرَ، وَمَشَى وَلَمْ يَرْكَبْ، وَدَنَا مِنَ الْإِمَامِ فَاسْتَمَعَ وَلَمْ يَلْغُ؛ كَانَ لَهُ بِكُلِّ خُطْوَةٍ عَمَلُ سَنَةٍ: أَجْرُ صِيَامِهَا وَقِيَامِهَا رَوَاهُ الْخَمْسَةُ، وَلَمْ يَذْكُر التِّرْمِذِيُّ: وَمَشَى وَلَمْ يَرْكَبْ.

الشيخ: بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله، وصلى الله وسلم على رسول الله، وعلى آله وأصحابه ومَن اهتدى بهداه.

أما بعد: فهذا الباب في بيان الأغسال المستحبَّة، الله جلَّ وعلا شرع لعباده أغسالًا مُستحبَّةً، وأغسالًا واجبةً، فمن الأغسال الواجبة: غسل الجنابة، وغسل الحيض والنفاس، كما هو معلوم. ومن الأغسال المستحبَّة: غسل الجمعة، إذا أراد أن يذهب إلى الجمعة شُرع له أن يغتسل؛ لما في هذا من النَّظافة، وإزالة الرَّوائح الكريهة، والنشاط.

ومن ذلك قوله ﷺ: مَن جاء منكم الجمعة فليغتسل، وفي اللفظ الآخر: مَن راح إلى الجمعة فليغتسل، وفي اللفظ الآخر: إذا أراد أن يذهب إلى الجمعة فليغتسل.

وهذا يدل على تأكد الغسل يوم الجمعة؛ لما فيه من النَّشاط، وإزالة الروائح التي قد يُبتلى بها الإنسان؛ ولما فيه من النَّظافة.

وفي حديث أبي سعيدٍ يقول ﷺ: غُسل يوم الجمعة واجبٌ على كل مُحتلمٍ، وأن يستاك، ويتطيب.

فهذا يدل على تأكد الغسل؛ لأنه سمَّاه: واجبًا، يعني: متأكدًا، ليس معنى واجب أنه فرض، وإنما معناه التأكد؛ لأنَّ الرسول ﷺ قرن معه السِّواك والطيب، والسِّواك ليس بواجبٍ عند الجميع، كما قال ﷺ: لولا أن أشقَّ على أمتي لأمرتهم بالسِّواك مع كل وضوءٍ، وهكذا الطِّيب سنة، وليس بواجبٍ عند الجميع، فدلَّ ذلك على أنَّ قوله: غسل الجمعة واجب يعني: متأكد.

وهكذا قوله ﷺ: حقٌّ على كل مسلمٍ في كل أسبوعٍ أن يغتسل، كل هذا من باب التأكيد، السنة أن يغتسل ويتنظف ويتطيب في هذا اليوم العظيم، ويستعمل السواك أيضًا في كل صلاةٍ، السِّواك له فضل؛ ولهذا يقول ﷺ: لولا أن أشقَّ على أمتي لأمرتهم بالسِّواك مع كل وضوءٍ، ومع كل صلاةٍ.

فيُشرع للمؤمن الغسل يوم الجمعة، والتطيب، والسِّواك؛ لما في هذا من اتباع السنة، وإزالة الروائح الكريهة، والنشاط في هذا العمل الطيب.

وهكذا حديث: مَن غسَّل واغتسل يوم الجمعة، وبكَّر وابتكر، ومشى ولم يركب؛ كان له بكل خطوةٍ أجرُ سنةٍ عمل سنةٍ، أجر صيامها وقيامها، هذا فضل عظيم، كونه دنا ولم يلغُ عند سماع خطبة الإمام، ومشى ولم يركب، ودنا من الإمام، كل هذا يدل على فضل الاغتسال والتَّنظف والتَّطيب والقُرب من الإمام؛ حتى يسمع الخطبة ويستفيد، وأن ذهابه ماشيًا أفضل من الركوب؛ لما في الخطوات من الأجر العظيم.

فيُشرع للمؤمن في يوم الجمعة ما بيَّنه الرسولُ ﷺ من الغسل والطيب والسواك والدُّنو من الإمام، وأن يُصلي إذا وصل المسجد ما كتب الله له: ركعتين، أو أربع ركعات، أو أكثر، ولا بأس أن يُصلي حتى يدخل الإمامُ، حتى يُنادي النِّداء الأخير، كله محل صلاةٍ، فلو صلَّى عشر ركعات أو أكثر فالأمر واسع والحمد لله، كله محل صلاةٍ؛ ولهذا في اللفظ الآخر: وصلَّى ما كُتب له يعني من الصَّلوات: صلَّى ركعتين، أو أربع ركعات، أو ست ركعات، أو أكثر من ذلك، والسنة أن يعتني بقُربه من الإمام؛ لما فيه من المسابقة إلى الصفِّ الأول وما يليه، والدنو من الإمام؛ حتى لا يفوته شيء من الخطبة.

وفَّق الله الجميع.

س: خلاف العلماء في غسل يوم الجمعة نرجو الراجح بدليله؟

الشيخ: الصواب أنه سنة، وقال بعضُ أهل العلم: أنه واجب. ولكن الصواب أنه سنة، وقال بعضهم: يجب على أهل المهن الذين لهم روائح، أما مَن ليس من أهل المهن وليس له روائح لا يجب عليه. والصواب أنه سنة في حقِّ الجميع، لكنه يتأكد فيمَن كانت له روائح وأوساخ، يتأكد حتى تزول الروائحُ، وحتى تزول الأوساخُ.

س: الحديث الذي قرأناه قبل قليل -الحديثان- على ما يدل حديث: غسل يوم الجمعة واجب على كل مُحتلمٍ؟ وهل يُعارض حديث: مَن توضأ للجمعة فبها ونعمت؟

الشيخ: معناه متأكد، حديث سمرة: مَن توضأ فبها ونعمت يعني فيه رخصة ..... ومَن اغتسل فالغسل أفضل، وحديث سمرة في سنده ضعف، لكن يتأكد بالأدلة الأخرى: ومنها ما رواه مسلم في الصحيح: أن النبي عليه الصلاة والسلام قال: مَن توضأ يوم الجمعة ثم أتى المسجد فصلَّى ما قُدر له، ثم أنصت حتى يفرغ من خطبته؛ كتب الله له ما بينها وبين الجمعة الأخرى وفضل ثلاثة أيام، هذا يدل على أنَّ الوضوء يكفي: ومَن توضأ ثم أتى، فالغسل متأكد، وليس بواجبٍ على الصحيح.

س: متى يبدأ وقتُ غسل الجمعة؟

الشيخ: من أول النهار، يعني: بعد طلوع الفجر، لكن الأفضل أن يكون الغسلُ عند توجهه إلى المسجد، مثلما قال ﷺ إذا أراد أن يتوجه: مَن راح إلى الجمعة فليغتسل؛ لأنه إذا كان قرب الرواح [كان] أكمل في النَّظافة، وأكمل في إزالة الرَّوائح، وأكمل في النَّشاط.

س: إذا كان على الإنسان حدثٌ أكبر ثم اغتسل بعد أذان الفجر، هل يكفيه عن غسل يوم الجمعة؟

الشيخ: يكفيه، لكن إذا اغتسل عند ذهابه أفضل، وإلا غسل الجمعة يكفي، إذا اغتسل بعد طلوع الفجر يكفي، لكن كونه يغتسل عند ذهابه إلى الجمعة أفضل؛ لأنَّ هذا أكمل في النَّشاط والنَّظافة وإزالة الروائح الكريهة؛ ولأنه مُوافق لقوله ﷺ: مَن راح إلى الجمعة إذا أراد أن يذهب إلى الجمعة فليغتسل يكون هذا أكمل.

س: أيضًا يتساءل بعضُ الإخوة بأنه إذا اغتسل للجمعة ولم ينوِ الوضوءَ هل يكفيه الغُسل؟

الشيخ: لا، لا بدَّ [أن] يتوضأ، ثم يغتسل، أو يغتسل ثم يتوضأ، إلا إذا كان لجنابةٍ ونواهما جميعًا أجزأ إن شاء الله، لكن الأفضل أن يتوضأ أولًا ثم يغتسل، أما إن كان للجنابة ونواهما جميعًا يُجزئ على الراجح إن شاء الله.

س: أيّهما أفضل: صلاة السنن يوم الجمعة أو قراءة القرآن؟

الشيخ: كله طيب، لكن كونه يُصلي ما قدر الله له، ويُكثر من الصلاة أفضل، وإذا قرأ وصلَّى ركعتين أو أربع ركعات واشتغل بالقراءة على وجهٍ لا يُؤذي مَن حوله، قراءة خافضة لا يُؤذي مَن حوله من القراء والمصلين، كله طيب؛ لقول النبي ﷺ: فصلى ما قدر له يقتضي أن شغله بالصلاة أفضل.

س: ذكرتم أنَّ المشي إلى المسجد الجامع أفضل من الركوب؟

الشيخ: نعم، إذا تيسر ذلك.

س: نستفسر عن "غسَّل واغتسل، وبكر وابتكر"؟

الشيخ: من باب المبالغة.

بَابُ غُسْلِ الْعِيدَيْنِ

- عَنِ الْفَاكِهِ بْنِ سَعْدٍ -وَكَانَت لَهُ صُحْبَةٌ- أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ كَانَ يَغْتَسِلُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ، وَيَوْمَ عَرَفَةَ، وَيَوْمَ الْفِطْرِ، وَيَوْمَ النَّحْرِ، وَكَانَ الْفَاكِهُ بْنُ سَعْدٍ يَأْمُرُ أَهْلَهُ بِالْغُسْلِ فِي هَذِهِ الْأَيَّامِ. رَوَاهُ عَبْدُاللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ فِي "الْمُسْنَدِ"، وَابْنُ مَاجَهْ وَلَمْ يَذْكُر الْجُمُعَةَ.

الشيخ: وهذا يدل على أن غسل العيدين وعرفة مستحب، لكن الحديث ضعيف، ولم يُحفظ عنه ﷺ أنه اغتسل يوم عرفة في حجة الوداع، ولم يُحفظ عنه أنه كان يغتسل للعيدين.

وأما حديث الفاكه هذا فهو ضعيف، وإن اغتسل فلا بأس، لكن لم يثبت فيه سنة غسل العيدين، وإنما الثابت غسل الجمعة، والعيد يكون في أول النهار في وقت البراد والنشاط؛ ولهذا لم يأتِ فيه غسل، جاء في الجمعة؛ فإنها في وسط النهار، وعند شدة الحر، شرع الله الغسل لما فيه من ذلك: من النشاط والقوة، وإزالة الروائح الكريهة، وأما يوم عرفة فلم يثبت في غسلها شيء، ولم يفعله النبي ﷺ، بل أتى نمرة، ثم لما زالت الشمس ركب ناقته فخطب الناس، ثم أمر بالأذان فأذن ثم صلَّى الظهر ركعتين، ثم صلى العصر ركعتين، كل واحدةٍ لها إقامة، ولم يغتسل، ولم يذكر عنه الصحابة أنه اغتسل، فلا يُشرع له الغسل يوم العيد.

س: يقول صاحب "البدر المنير": أحاديث غسل العيدين ضعيفة، وفيها آثار عن الصحابة جيدة، هل يصح الاستدلال بهذه الآثار؟ وهل يثبت بها حكم شرعي؟

الشيخ: العبادات تثبت بقول النبي ﷺ، أو بنص القرآن، أما الصحابة فقد يجتهد الصحابة في بعض الأشياء، لكن السنن تثبت بكتابٍ وسنةٍ.

س: هل عمل الصحابي حُجَّة إذا لم يُخالفه صحابي آخر؟

الشيخ: حجة في الأحكام الفقهية إذا لم يُخالفه صحابي، أما السنن فتثبت من فعل النبي ﷺ، أو قوله عليه الصلاة والسلام، بالكتاب أو بالسنة: من قول النبي أو فعله أو تقريره عليه الصلاة والسلام.

س: إذًا لا ينبغي الغسل يوم العيد ويوم عرفة؟

الشيخ: إن اغتسل فلا بأس، لكن ما هو بسنة، ومَن اغتسل فلا بأس، مَن اغتسل يوم العيد أو عرفة فلا بأس، لكن ليس بسنةٍ.

س: أخيرًا يرى البعضُ من العلماء جواز العمل بالحديث الضَّعيف في فضائل الأعمال، بشرط أن يكون لهذا الحديث الضعيف أصلٌ، ما معنى هذا الشَّرط؟

الشيخ: في الترغيب والترهيب إذا كان له أصلٌ في الأحاديث الصَّحيحة، أما إذا كان ما له أصلٌ فلا يُعتمد على الحديث الضَّعيف.

بَابُ الْغُسْلِ مِنْ غَسْلِ الْمَيِّتِ

- عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ ﷺ قَالَ: مَنْ غَسَّلَ مَيِّتًا فَلْيَغْتَسِلْ، وَمَنْ حَمَلَهُ فَلْيَتَوَضَّأْ رَوَاهُ الْخَمْسَةُ، وَلَمْ يَذْكُر ابْنُ مَاجَهْ: الْوُضُوءَ، وَقَالَ أَبُو دَاوُد: هَذَا مَنْسُوخٌ.

وَقَالَ بَعْضُهُمْ: مَعْنَاهُ: مَنْ أَرَادَ حَمْلَهُ وَمُتَابَعَتَهُ فَلْيَتَوَضَّأْ مِنْ أَجْلِ الصَّلَاةِ عَلَيْهِ.

- وَعَنْ مُصْعَبِ بْنِ شَيْبَةَ، عَنْ طَلْقِ بْنِ حَبِيبٍ، عَنْ عَبْدِاللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ، عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا، عَنِ النَّبِيِّ ﷺ قَالَ: يُغْتَسَلُ مِنْ أَرْبَعٍ: مِنَ الْجُمُعَةِ، وَالْجَنَابَةِ، وَالْحِجَامَةِ، وَغَسْلِ الْمَيِّتِ رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَالدَّارَقُطْنِيُّ، وَأَبُو دَاوُد وَلَفْظُهُ: إنَّ النَّبِيَّ ﷺ كَانَ يَغْتَسِلُ.

وَهَذَا الْإِسْنَادُ عَلَى شَرْطِ مُسْلِمٍ، لَكِنْ قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ: مُصْعَبُ بْنُ شَيْبَةَ لَيْسَ بِالْقَوِيِّ، وَلَا بِالْحَافِظِ.

- وَعَنْ عَبْدِاللَّهِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ -وَهُوَ ابْنُ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ- أَنَّ أَسْمَاءَ بِنْتَ عُمَيْسٍ -امْرَأَةَ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ- غَسَّلَتْ أَبَا بَكْرٍ حِينَ تُوُفِّيَ، ثُمَّ خَرَجَتْ فَسَأَلَتْ مَنْ حَضَرَهَا مِنَ الْمُهَاجِرِينَ فَقَالَتْ: إنَّ هَذَا يَوْمٌ شَدِيدُ الْبَرْدِ، وَأَنَا صَائِمَةٌ، فَهَلْ عَلَيَّ مِنْ غُسْلٍ؟ قَالُوا: لَا. رَوَاهُ مَالِكٌ فِي "الْمُوَطَّإِ" عَنْهُ.

الشيخ: وهذه الأحاديث تتعلق بغسل الميت.

الحديث الأول: مَن غسل ميتًا فليغتسل، ومَن حمله فليتوضأ، غسل الميت مستحب، الغسل من غسل الميت مستحب إذا تيسر ذلك، أما حديث أبي هريرة: مَن غسل فليغتسل فحديث ضعيف، ومَن حمله فليتوضأ حديث ضعيف عند أهل العلم، ولكن ثبت من حديث عائشة: أن الرسول كان يغتسل من أربعٍ: من يوم الجمعة، ومن الجنابة، ومن غسل الميت، ومن الحجامة. وهو حديث رواه جماعةٌ: رواه أبو داود، وصححه ابن خزيمة أيضًا، فهو حديثٌ لا بأس به، وإسناده على شرط مسلم.

فلا بأس أن يغتسل من غسل الميت، بل هو مستحب من غسل الميت، ومن الحجامة، ويوم الجمعة، هذا معروف، تقدمت الأحاديثُ في يوم الجمعة، فالسنة أن يغتسل من يوم الجمعة، ومن الجنابة واجب، ويوم الجمعة متأكد، ومن الحجامة، جاء في هذا الحديث، وإن كان في سنده بعض الشيء من جهة مصعب بن شيبة، لكن لا بأس به؛ روى له مسلم، وصحح حديثه ابن خزيمة، ويكون مستحبًّا الغسل من الحجامة أيضًا، كما يُستحب من غسل الميت.

س: هل الموت مُوجب للغسل؟

الشيخ: نعم، غسل الميت واجب، تغسيل الميت واجب، لكن الغسل من غسله، وأما غسله نفسه فيجب؛ أمر النبيُّ ﷺ بتغسيل الميت، لكن الغسل من غسل الميت هذا هو محل البحث، يُستحب الاغتسال.

وفي حديث أسماء بنت عميس رضي الله عنها: أنها لما غسَّلت الصديقَ في يومٍ شاتٍ باردٍ، سألت الناسَ: هل عليَّ غسل؟

فهذا يدل على أنَّ الغسل معروف عندهم؛ لأنه يُستحب من غسل الميت الاغتسال: مَن غسل ميتًا فليغتسل، فأعلموها أنه لا يجب عليها الغسل، ولا سيما في شدة البرد، فدلَّ على أنَّ هذا أمر مُستقر عندهم: أنه يغتسل من غسل الميت، لكن إذا كان فيه مشقة فالحمد لله، الأمر واسع، إنما هو مستحب.

س: مَن غسل صغيرًا هل يغتسل؟

الشيخ: نعم، عام: مَن غسل ميتًا فليغتسل ولو صغيرًا يُستحب الغسل.

س: والسّقط؟

الشيخ: والسّقط يعمّه غسل الميت، إذا كان السّقط نُفخت فيه الروح في الشهر الخامس وما بعده، ما يُغسل إلا إذا كان نُفخت فيه الروح -الشهر الخامس وما بعده-.

س: صحة حديث: مَن غسل ميتًا فليغتسل؟

الشيخ: ضعيف، هذا ضعيف.

س: ما حكم الاغتسال لمن أفاق من الجنون؟

الشيخ: يُستحب له الغسل، إذا كان مُستحبًّا في الإغماء فالجنون أولى وأولى، النبي لما أُغمي عليه اغتسل، فالجنون أشدّ، فإذا أفاق من الجنون يُشرع له الغسل.

س: المغمى عليه إذا أنزل هل يجب عليه الغسل؟

الشيخ: قد يكون أنزل منيًّا، قد يكون أنزل عن شهوةٍ كالاحتلام، وقد يكون من غير شهوةٍ، والمقصود أنَّ الأشبه أنه مثل النائم؛ إذا وجد الماء يغتسل، إذا وجد في ثيابه بعدما صحا منيًّا فهو أشبه بالنَّائم، يجب عليه الغسل، أما إذا كان ما وجد منيًّا فيُستحب الغسل فقط استحبابًا، كالذي يُغمى عليه، كما جرى للنبي ﷺ لما أُغمي عليه واغتسل عليه الصلاة والسلام، فالمغمى عليه يُستحب له الغسل، لكن إذا وجد ماءً وجب عليه الغسل، يعني: منيًّا، كالنائم المحتلم إذا وجد منيًّا وجب عليه الغسل.

 

بَابُ الْغُسْلِ لِلْإِحْرَامِ وَلِلْوُقُوفِ بِعَرَفَةَ وَدُخُولِ مَكَّةَ

- عَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ: أَنَّهُ رَأَى النَّبِيَّ ﷺ تَجَرَّدَ لِإِهْلَالِهِ وَاغْتَسَلَ. رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ.

- وَعَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ إذَا أَرَادَ أَنْ يُحْرِمَ غَسَلَ رَأْسَهُ بِخَطْمِيٍّ وَأُشْنَانٍ، وَدَهَنَهُ بِشَيْءٍ مِنْ زَيْتٍ غَيْرِ كَثِيرٍ. رَوَاهُ أَحْمَدُ.

- وَعَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: نُفِسَتْ أَسْمَاءُ بِنْتُ عُمَيْسٍ بِمُحَمَّدِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ بِالشَّجَرَةِ، فَأَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ أَبَا بَكْرٍ أَنْ يَأْمُرَهَا أَنْ تَغْتَسِلَ وَتُهِلَّ. رَوَاهُ مُسْلِمٌ، وَابْنُ مَاجَهْ، وَأَبُو دَاوُد.

- وَعَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ أَبِيهِ: أَنَّ عَلِيًّا كَانَ يَغْتَسِلُ يَوْمَ الْعِيدَيْنِ، وَيَوْمَ الْجُمُعَةِ، وَيَوْمَ عَرَفَةَ، وَإِذَا أَرَادَ أَنْ يُحْرِمَ. رَوَاهُ الشَّافِعِيُّ.

- وَعَنِ ابْنِ عُمَرَ: أَنَّهُ كَانَ لَا يَقْدمُ مَكَّةَ إلَّا بَاتَ بِذِي طُوًى حَتَّى يُصْبِحَ وَيَغْتَسِلَ ثُمَّ يَدْخُلُ مَكَّةَ نَهَارًا، وَيذكرُ عَنِ النَّبِيِّ ﷺ أَنَّهُ فَعَلَهُ. أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ. وَلِلْبُخَارِيِّ مَعْنَاهُ.

وَلِمَالِكٍ فِي "الْمُوَطَّإِ" عَنْ نَافِعٍ: أَنَّ عَبْدَاللَّهِ بْنَ عُمَرَ كَانَ يَغْتَسِلُ لِإِحْرَامِهِ قَبْلَ أَنْ يُحْرِمَ، وَلِدُخُولِ مَكَّةَ، وَلِوُقُوفِهِ عَشِيَّةَ عَرَفَةَ.

الشيخ: هذه الأحاديث لها تعلق بأحكام:

منها: الغسل عند الإحرام، حديث زيد بن ثابت: أنه ﷺ تجرد لإهلاله واغتسل. وفيه ضعف، لكن له شاهد من حديث ابن عمر: أن من السنة الغسل عند الإحرام، وقد ثبت عنه ﷺ الغسل عند دخوله مكة عليه الصلاة والسلام.

فالغسل عند الإحرام مستحبّ؛ لحديث زيدٍ، ويعضده حديث ابن عمر، فالمستحب للمُحرم إذا تيسر أن يغتسل في الميقات، أو قبل أن يصل الميقات في بيته، إذا كان بيتُه قريبًا، أو مثل ركوبه في الطائرة؛ لأنَّ الطائرة تقرب، إذا اغتسل في بيته وليس بينه وبين الميقات إلا مدة يسيرة كفاه ذلك والحمد لله في حصول السنة، فالغسل للإحرام مستحب.

وهكذا الحائض والنُّفساء يُستحب لهما الغسل، كما أمر النبيُّ ﷺ أسماء بنت عميس -زوجة الصديق- وقد ولدت محمد بن أبي بكر في الميقات، فأمرها أن تغتسل، وهكذا عائشة لما حاضت بعد دخولها مكة وهي مُحرمة بالعمرة، أمرها النبي ﷺ أن تغتسل، وأن تُلبي بالحجِّ مع العمرة.

فهذا يدل على استحباب الغسل للإحرام، وأنه كما فعله النبيُّ ﷺ، وكما أمر به أسماء، وأمر به عائشة رضي الله تعالى عنها.

أما حديث جعفر بن محمد، عن أبيه، عن عليٍّ، فهو حديث منقطع؛ لأنَّ محمد بن علي لم يُدرك عليًّا ولم يسمع منه، وقد سبق أنه لم يثبت في غسل العيدين وعرفة شيء، فلا يُستحب الغسل للعيدين، ولا لعرفة، لكن مَن اغتسل فلا بأس، مَن اغتسل فلا حرج، وإلا لم يثبت في ذلك سنة، وإنما السنة في غسل الجمعة؛ يستحب غسل الجمعة، وهكذا من الإغماء، ومن الحجامة، ومن غسل الميت كذلك كما تقدم.

س: عبارة: "تجرد لإهلاله" معناها؟

الشيخ: يعني: تجرد من المخيط، ولبس الإزار والرداء، يعني: تجرد من القميص، ومن العمامة، ولبس الرداء والإزار، هذا المحرم لا يُغطي رأسه، ولا يلبس قميصًا، ولا سراويل، ولكن يُحرم في الإزار والرداء كما فعله النبيُّ ﷺ، إلا مَن عجز، مَن لم يجد إزارًا فليلبس سراويل كما بيَّنه النبي ﷺ، ومَن لم يجد النَّعلين فيلبس الخفَّين كما بيَّنه النبيُّ ﷺ.

س: إذًا الاغتسال للإحرام واجب؟

الشيخ: سنة، مستحب، ما هو بواجبٍ.

س: ما الأغسال التي تُستحب لمن أراد الحجَّ والعمرة؟

الشيخ: ويُستحب أيضًا -كما في حديث ابن عمر- إذا أراد دخول مكة يُستحب الغسل إذا تيسر، كان النبي يغتسل بطوى، وهي في طرف مكة عند دخول مكة، كما في "الصحيحين"، وكما بيَّنه ابنُ عمر رضي الله عنهما، إذا تيسر هذا عند دخوله مكة فهو أفضل، كما فعله النبيُّ عليه الصلاة السلام، فيُستحب الغسل عند الإحرام، وعند دخول مكة.

الشيخ: لكن اليوم ..... السيارات قد يكون متقاربًا، يغتسل عند الإحرام والميقات قريب، قد يكفي هذا؛ لوجود القرب وقرب عهده من الغسل.

س: ذكر صاحب "زاد المستقنع" من استحباب التَّيمم عند الإحرام لمن عدم الماء، ما توجيهكم؟

الشيخ: محتمل، مَن قال أنَّ المقصود النَّظافة، قال: لا يُستحب التيمم؛ لأنَّ التيمم ما فيه نظافة، ومَن قال: المقصود الطَّهارة، وأنه يُحرم على طهارةٍ، فالتيمم يقوم مقام الماء، إذا لم يتيسر له الماء تيمم؛ حتى يكون إحرامُه وتلبيته على طهارةٍ. وهذا المعنى أظهر وأقرب إلى المقصود: الوضوء والصلاة، ما هو المقصود؟ التنظف، المقصود أنه يُصلي ركعتين ويُحرم على طهارةٍ بعد الصلاة، وهذا يحصل بالتيمم.

 

بَابُ غُسْلِ الْمُسْتَحَاضَةِ لِكُلِّ صَلَاةٍ

- عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتِ: اسْتُحِيضَتْ زَيْنَبُ بِنْتُ جَحْشٍ، فَقَالَ لَهَا النَّبِيُّ ﷺ: اغْتَسِلِي لِكُلِّ صَلَاةٍ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد.

326- وَعَنْ عَائِشَةَ: أَنَّ سَهْلَةَ بِنْتَ سُهَيْلِ بْنِ عَمْرٍو اسْتُحِيضَتْ، فَأَتَتْ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ فَسَأَلَتْهُ عَلَى ذَلِكَ، فَأَمَرَهَا بِالْغُسْلِ عِنْدَ كُلِّ صَلَاةٍ، فَلَمَّا جَهدَهَا ذَلِكَ أَمَرَهَا أَنْ تَجْمَعَ بَيْنَ الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ بِغُسْلٍ، وَالْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ بِغُسْلٍ، وَالصُّبْحِ بِغُسْلٍ. رواه أحمد، وأبو داود.

- وَعَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ، عَنْ أَسْمَاءَ بِنْتِ عُمَيْسٍ قَالَتْ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إنَّ فَاطِمَةَ بِنْتَ أَبِي حُبَيْشٍ اسْتُحِيضَتْ مُنْذُ كَذَا وَكَذَا، فَلَمْ تُصَلِّ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: هَذَا مِنَ الشَّيْطَانِ، لِتَجْلِسْ فِي مِرْكَنٍ، فَإِذَا رَأَتْ صُفْرَةً فَوْقَ الْمَاءِ فَلْتَغْتَسِلْ لِلظُّهْرِ وَالْعَصْرِ غُسْلًا وَاحِدًا، وَتَغْتَسِلْ لِلْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ غُسْلًا وَاحِدًا، وَتَغْتَسِلْ لِلْفَجْرِ غُسْلًا، وَتَتَوَضَّأْ فِيمَا بَيْنَ ذَلِكَ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد.

الشيخ: هذه الأحاديث تدل على أنَّ المستحاضة يُستحب لها الغسل عند كل صلاةٍ مع الوضوء: حديث زينب، وحديث سهلة بنت سهيل، وحديث فاطمة بنت أبي حبيش، كلها يشدّ بعضُها بعضًا.

وقد جاء في المعنى أيضًا حديث: حمنة بنت جحش، أمرها النبيُّ ﷺ بالغسل، وأن تجمع بين الصلاتين إذا شقَّ عليها كل صلاةٍ في وقتها، الأمر في هذا واسع، يُستحب للمستحاضة التي معها الدَّم الدائم: إذا جاء وقتُ الحيض لا تُصلي ولا تصوم وقت الحيض، وإذا طهرت واستمر معها الدمُ وهي مُستحاضة شُرع لها أن توضأ لكلِّ صلاةٍ، يجب عليها أن توضأ لكل صلاةٍ، ويُستحب لها الغسل لكل صلاةٍ إن لم تجمع، وإن جمعت بين الظهر والعصر غسلت لهما غسلًا واحدًا، وللمغرب والعشاء غسلًا واحدًا أفضل، وللفجر غسلًا واحدًا، وليس بواجبٍ، ولكن سنة، وإنما الواجب عليها غسل الحيض، إذا انتهت من الحيض وجب عليها الغسل، أما هذه الأغسال مع كل صلاةٍ، أو عند الجمع بين الصلاتين؛ فهي أغسال مستحبة للنظافة والنشاط، كما دلَّت عليه هذه الأحاديث بمجموعها: حديث زينب بنت جحش، وحديث سهلة بنت سهيل، وحديث فاطمة بنت أبي حبيش، وجاء في المعنى أيضًا حديث حمنة بنت جحش، كلها تدل على هذا المعنى، وحمنة هي أخت زينب.

المقدم: شكر الله لكم سماحة الشيخ، وبارك الله فيكم وفي علمكم، ونفع بكم الإسلام والمسلمين.