باب صلاة التَّطوع على الحمار
1100- حدثنا أحمد بن سعيد، قال: حدثنا حبان، قال: حدثنا همام، قال: حدثنا أنس بن سيرين، قال: استقبلنا أنس بن مالك حين قدم من الشَّأم، فلقيناه بعين التَّمر، فرأيتُه يُصلِّي على حمارٍ ووجهه من ذا الجانب –يعني: عن يسار القبلة-، فقلتُ: رأيتُك تُصلي لغير القبلة؟! فقال: لولا أني رأيتُ رسول الله ﷺ فعله لم أفعله.
رواه ابنُ طهمان، عن حجاج، عن أنس بن سيرين، عن أنس بن مالك ، عن النبي ﷺ
الشيخ: هذا الحديث كالذي قبله، كالأحاديث السَّابقة في الدلالة على أنه لا حرجَ في الصلاة على الدابة في السفر إلى غير القبلة، تقدّم حديثُ عامر بن ربيعة، وابن عمر، وغيرهما: أنه كان يُصلي ﷺ حيث كان وجهه في السَّفر، يُصلي على دابَّته حيث كان وجهه.
وفي حديث أنسٍ هذا أنَّهم استقبلوه -أنس بن سيرين-، استقبلوا أنس بن مالك لما قدم من الشَّام، ورأوه يُصلي إلى غير القبلة على حمارٍ، فسألوه عن ذلك، فقال: لولا أني رأيتُ النبي ﷺ يفعله ما فعلتُه.
وهذا يدلّ على أنه لا حرج أن يُصلي على الدابة التي ركبها، سواء كانت بعيرًا، أو بغلًا، أو حمارًا، أو غير ذلك.
ولا بأس أن يُصلي إلى غير القبلة في النافلة: كصلاة الليل، والوتر، وصلاة الضحى، ونحو ذلك، لا بأس أن يُصليها على الدابة وهو إلى غير القبلة، إلا أنه يُستحبّ -كما تقدّم- أن يستقبل القبلة عند الإحرام، كما جاء في حديث أنسٍ عند أبي داود وغيره بإسنادٍ حسنٍ، فإذا فعل ذلك احتياطًا فحسنٌ عند الإحرام.
وفي هذا دلالة على أنَّه لا فرق بين الدواب، سواء كانت الدابةُ حمارًا، أو غير حمارٍ.
وهكذا المسافر يُصلي في الطائرة، وفي المركبات الفضائية، وفي السفن والبواخر، وفي السيارات والقطارات يُصلي، يتنفّل عليها إلى جهة سيره، إلا إذا تيسر له أن يستقبل القبلة استقبلها؛ لأنها ليست كالدابة، قد يتيسر له استقبال القبلة، وقد يتيسر له أن يُصلي وهو قائم، إذا تيسر -ولا سيما في البواخر والسفن- فعل ذلك، وإن لم يتيسر صلَّى قاعدًا: يُومئ إيماءً في الطائرة، والقطار، والسفينة، والباخرة، وغير ذلك.
أما الفرائض فإنه يُصليها إلى القبلة، حتى في البواخر وغيرها يُصلي إلى القبلة، يتحرى القبلة، ويدور مع المركوب إلى القبلة في الفريضة، وفي الدابة ينزل إلى الأرض، ويُصلي في الأرض، كما فعل النبي عليه الصلاة والسلام، إلا إذا عجز عن الأرض، ولو في الدابة، لو كان خائفًا أن يُدركه العدو، أو هناك مطر، والأرض تجري من تحته، والماء من فوقه، ما يستطيع النزول؛ فيُصلي على الدابة، ويُوجهها إلى القبلة، يجعلها إلى القبلة، ويُصليها عليها بالإيماء إذا عجز عن الأرض في الفريضة، أما النافلة فيُصلي على الدابة مطلقًا. هذا شأن المسافر.
واختلف العلماء: هل هذا عامٌّ في سفر المعصية وسفر الطاعة، أو يختصّ بسفر الطاعة والمباح، كما لو سافر لقصد قطع الطريق، أو لقصد شرب الخمر، أو لقصد العدوان على أحدٍ؟
فالجمهور يقولون: لا يقصر، ولا يترخص برخص السفر؛ لأنَّه في سفر معصيةٍ.
وقال آخرون: بل يترخص؛ لعموم الأدلة، ولو أنَّه في سفر معصية، وهذا مما يدعوه إلى الخوف من الله، ويتذكر أنَّه مُرخّص له في السفر وهو عاصٍ أيضًا، هذا مما يدعوه إلى الانتباه واليقظة والتَّذكر، فلعله يرجع إلى الحقِّ.
وهذا القول أصحّ وأظهر: أنَّ الرخصة عامَّة لكل مسلمٍ وإن كان في معصيةٍ؛ لعموم الأدلة، ولقوله: وَإِذَا ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ [النساء:101]، والله شرع لعباده قصر السَّفر مطلقًا والجمع، ولم يقل: إلا مَن عصى، أو قصد معصيةً، بل أطلق.
والأصل في الأدلة العموم، ولا يجوز تخصيصٌ إلا بدليلٍ، ثم كون العاصي تحصل له رُخصة قد يكون هذا مُذَكِّرًا له بالحقِّ، ومُذَكِّرًا له بطاعة الله ورسوله، ومُذَكِّرًا له بسماحة الشريعة، وأنَّ ربه الحكيم العليم قد يسر له في سفر الرخصة، فيكون هذا من أسباب رجوعه إلى طاعة الله، وتركه المعصية، والله المستعان.
س: زيادة إبراهيم: ورواه إبراهيم بن طهمان؟
ج: هذا تعليق، يُسمّى: تعليقًا، ويحتمل أنَّه في السند الذي قبله، أيش الذي قبله؟
قارئ المتن: في الشرح: رواه إبراهيم بن طهمان، وفي المتن بدون: إبراهيم، رواه ابن طهمان.
الشيخ: إبراهيم هو ابن طهمان، نعم.
س: .............؟
ج: قصده أنَّ الحمار من الدواب، إذا صلَّى على الحمار من باب أولى أن يُصلي على البعير؛ لأنَّ الحمار أصله مُحرَّم الأكل، فإذا جازت الصلاةُ عليه وهو مُحرَّم الأكل فالصَّلاة على البعير أولى وأولى، ومثل الحمار: البغل، والفيل، وأشباههم.
وفي هذا حُجّة على طهارة الحمار، وأنَّ ظهره طاهرٌ، لو عرق ظهره طاهر، وهكذا الهرّة؛ لأنها من الطّوافين علينا، وهكذا البغل على الصَّحيح، فالصَّحيح أنَّ البغل والحمار والهرّة كلها من الطّوافين علينا، وهي طاهرةٌ في الظاهر: فسؤرها طاهر، وعرقها طاهر، أمَّا بولها وروثها فنجس، بول الحمار والبغل والهرّ نجس، كسائر مُحرَّم الأكل، وهكذا ابن آدم طاهرٌ، ومع هذا بوله وروثه نجس، لكن عرقه طاهر، حتى الحائض والنُّفساء عرقها طاهر، وبدنها طاهر، وإنما النَّجاسة في الدَّم، فإذا عرقت الحائض أو النَّفساء أو الجنب إذا عرقوا فعرقهم طاهر، وثيابهم طاهرة، وإنما ينجس ما أصابه الدَّم، القطعة التي أصابها الدَّم من ثوب المرأة أو سراويلها تُغسل. نعم.
باب مَن تطوع في السَّفر دبر الصَّلوات وقبلها
1101- حدثنا يحيى بن سليمان، قال: حدثني ابنُ وهب، قال: حدثني عمر بن محمد: أنَّ حفص بن عاصم حدَّثه قال: سافر ابنُ عمر رضي الله عنهما، فقال: صحبتُ النبي ﷺ فلم أره يُسبّح في السفر، وقال الله جلَّ ذكره: لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ [الأحزاب:21].
الشيخ: وهذا هو الأفضل: عدم صلاة النَّفل في السفر، يعني: الرواتب؛ لأنَّ الرسول ﷺ كان يتركها، وقد قال الله جلَّ وعلا: لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ، فكان لا يُصلِّي راتبة الظهر: لا القبلية، ولا البعدية، ولا راتبة المغرب، ولا راتبة العشاء، وإنما يُصلِّي راتبة الفجر، ويتهجد في الليل ويُوتر في السفر.
وهكذا صلاة الضحى في السفر تُفعل كالوتر والتَّهجد في الليل، وقد كان في سفره للفتح صلَّى ثمان ركعات للضحى عام الفتح، كما في حديث أم هانئ.
فالصَّلوات المطلقة -النافلة المطلقة- يفعلها المسافر، والتَّهجد في الليل يفعله المسافر، وصلاة الضُّحى يفعلها المسافر، وإنما يترك على الأفضل سنةَ الظهر والمغرب والعشاء فقط.
والصلاة قبل العصر ليست راتبةً، فإن فعلها فلا بأس، وإن تركها فلا بأس؛ لأنها ليست من الرواتب، تُشبه صلاة الضُّحى، وتُشبه التَّهجد بالليل، نعم.
س: والأذكار؟
ج: الأذكار يأتي بها، الأذكار يأتي بها بعد الصَّلوات، نعم.
الشيخ: وهذا يقتضي أنَّ العصر كذلك، لا يُصلي إلا ركعتين، لا يزيد عليهما حتى في العصر، نعم، ما عدا سنة الفجر، نعم، لكن إذا توضّأ لها يُصلي تحية المسجد، صلاة الوضوء، أم لا؟
الطلاب: يُصليها.
الشيخ: لأنَّها من ذوات الأسباب؟
الطلاب: نعم.
الشيخ: وإذا كسفت الشمسُ وهو في السفر يُصليها، أو استسقى؟
الطلاب: كذلك يُصليها.
الشيخ: في السَّفر والحضر؟
الطلاب: في السفر والحضر.
الشيخ: نعم، نعم.
باب مَن تطوع في السَّفر في غير دبر الصَّلوات وقبلها
وركع النبي ﷺ ركعتي الفجر في السَّفر.
1103- حدثنا حفص بن عمر، قال: حدثنا شعبة، عن عمرو بن مرّة، عن ابن أبي ليلى قال: ما أخبرنا أحدٌ أنه رأى النبي ﷺ صلَّى الضحى غير أم هانئ، ذكرت أنَّ النبي ﷺ يوم فتح مكة اغتسل في بيتها، فصلَّى ثماني ركعات، فما رأيته صلَّى صلاةً أخفّ منها، غير أنه يُتمّ الركوع والسُّجود.
1104- وقال الليث: حدثني يونس، عن ابن شهابٍ قال: حدثني عبدالله بن عامر: أنَّ أباه أخبره: أنَّه رأى النبي ﷺ صلَّى السّبحة بالليل في السَّفر على ظهر راحلته حيث توجّهت به.
الشيخ: السّبحة: النافلة.
وفي حديث أم هانئ الدلالة على شرعية صلاة الضحى حتى في السَّفر، فقد صلَّى ثماني ركعات عليه الصلاة والسلام، صلاةً متوسطةً عليه الصلاة والسلام.
وجاء في رواية أبي داود: يُسلّم من كل ركعتين، هذا هو الأفضل: يُسلّم من كل ركعتين؛ لقوله عليه الصلاة والسلام: صلاة الليل والنَّهار مثنى مثنى، فإذا صلَّى الضحى أربعًا أو ستًّا أو ثمان أو أكثر فالسنة أن يُسلّم من كل ركعتين، نعم.
س: ما تُسمّى: صلاة الفتح؟
ج: تُسمّى: صلاة الفتح، وتُسمّى: صلاة الضحى؛ لأنها وقعت في الضُّحى.
1105- حدثنا أبو اليمان، قال: أخبرنا شُعيب، عن الزهري قال: أخبرني سالم بن عبدالله، عن ابن عمر رضي الله عنهما: أنَّ رسول الله ﷺ كان يُسبّح على ظهر راحلته حيث كان وجهه، يُومئ برأسه. وكان ابنُ عمر يفعله.
باب الجمع في السَّفر بين المغرب والعشاء
1106- حدثنا علي بن عبدالله، قال: حدثنا سفيان، قال: سمعتُ الزهري، عن سالم، عن أبيه قال: كان النبي ﷺ يجمع بين المغرب والعشاء إذا جدَّ به السَّير.
1107- وقال إبراهيم بن طهمان: عن الحسين المعلم، عن يحيى ابن أبي كثير، عن عكرمة، عن ابن عباسٍ رضي الله عنهما قال: كان رسولُ الله ﷺ يجمع بين صلاة الظهر والعصر إذا كان على ظهر سيرٍ، ويجمع بين المغرب والعشاء.
1108- وعن حسين، عن يحيى ابن أبي كثير، عن حفص بن عبيدالله بن أنس، عن أنس بن مالك قال: كان النبيُّ ﷺ يجمع بين صلاة المغرب والعشاء في السفر.
وتابعه علي بن المبارك وحرب، عن يحيى، عن حفص، عن أنسٍ: جمع النبي ﷺ.
الشيخ: سبق هذا: أنَّه ﷺ كان في السفر إذا كان على ظهر سيرٍ يجمع بين الظهر والعصر، والمغرب والعشاء، وأمَّا إذا كان نازلًا مُستريحًا صلَّى كل صلاةٍ في وقتها، هذا هو الأغلب، هذا هو الأكثر.
ومعنى: "على ظهر سيرٍ" يعني: ماشٍ، ما هو بنازلٍ، إذا ارتحل بعد الزوال صلَّى الظهر والعصر جميعًا ثم ارتحل، وإن ارتحل قبل الزوال أخَّر الظهر مع العصر، وصلَّاهما جمع تأخيرٍ، وهكذا إذا ارتحل قبل غروب الشمس أخَّر المغرب مع العشاء، جمع تأخيرٍ، وإذا ارتحل بعد غروب الشمس جمع المغرب والعشاء جمع تقديمٍ؛ لأنَّ هذا أرفق بالمسافر حتى يمشي في طريقه.
أمَّا إذا كان نازلًا ومُستريحًا كما في ..... منى، فإنَّه يوم العيد صلَّى الظهر في وقتها، والعصر في وقتها، والمغرب في وقتها، والعشاء في وقتها، وهكذا يوم الحادي عشر، والثاني عشر، كلّها صلَّاها في أوقاتها، فلمَّا ارتحل يوم الثالث عشر صلَّى الظهر والعصر بالأبطح، ولم يُذكر أنَّه جمع عليه الصلاة والسلام.
وهكذا في الأبطح لما نزلها يوم الرابع من ذي الحجّة لم أجد ما يدلّ على جمعه دلالةً صريحةً، وظاهر الحال أنَّه لم يجمع؛ لأنه مستقرٌّ في الأيام الأربعة التي قبل يوم منى .....
فالحاصل أنَّ الجمع للمُسافر جائز، سواء كان على ظهر سيرٍ، أو نازلًا، لكن إذا كان مُستريحًا فالأفضل عدم الجمع إلا إذا دعت الحاجةُ إلى ذلك: كقلّة الماء، وشدّة البرد، أو ما أشبه ذلك، كما جرى في يوم تبوك؛ كان يجمع الإقامة في تبوك عشرين يومًا، وجاء في حديث معاذٍ أنه كان يجمع، قال: كان يخرج من خبائه فيُصلي الظهر والعصر جميعًا، ثم يدخل، ثم يخرج فيُصلي المغرب والعشاء جميعًا في تبوك، وهذا -والله أعلم- لكثرة الجمع، ولعله أيضًا لقلّة الماء؛ لأنَّ الجيش كان ثلاثين ألفًا أو يزيد، نعم.
س: يجمع بأذانٍ واحدٍ؟
ج: بأذانٍ واحدٍ، كلما جمع يجمع بأذانٍ واحدٍ وإقامتين، أذانٌ واحدٌ للظهر والعصر، وإقامتان، والمغرب والعشاء كذلك: أذانٌ واحدٌ وإقامتان، لكل واحدةٍ إقامة، نعم.
وهكذا في حجّة الوداع جمع بين الظهر والعصر جمع تقديمٍ بأذانٍ واحدٍ وإقامتين للحاجة؛ لأنَّ الحاجة ماسّة؛ ليتسع الوقتُ للدعاء: دعاء الحجاج وضراعتهم إلى الله، وجمع بين المغرب والعشاء في مزدلفة جمع تأخيرٍ؛ لأنَّه في حاجة إلى ذلك، من أجل أنَّ السير من عرفات إلى مزدلفة فيه بعض الصعوبة والزحام؛ ولهذا كان تأخيرُ المغرب أولى من تقديمها.
س: لو نوى المسافر ..... صلَّى الظهر في وقتها، على أن يُصلي العصر في وقتها، فلمَّا بحثوا بعد ساعةٍ ما وجدوا ماء، فأرادوا أن يُقدّموا العصر بعد ساعةٍ من صلاتهم؛ لقلّة الماء؟
ج: المشهور عند العلماء أنه يُؤخّرها، ما دام ما جمعها حالًّا، على القاعدة الشَّرعية: أنَّ جمع التقديم يكون متصلًا، وأن يجمع هذه مع هذه متصلًا.
وذهب جمعٌ من أهل العلم إلى أنَّ الوقتين وقتٌ واحدٌ، كشيخ الإسلام ابن تيمية، قالوا: يجوز ولو تأخّرت هذه عن هذه؛ لأنَّ الوقتين صارا وقتًا واحدًا، ولو فصل بين الظهر والعصر مثلما ذكرت ثم جمع فلا بأس، لو صلَّوا وما عندهم نيّة جمعٍ، ثم طرأ عليهم بعد ساعةٍ أو نصف ساعةٍ الجمع؛ لأنهم سيُسافرون، أو لحاجةٍ دعت إلى ذلك، فالصواب أنَّه لا حرج في ذلك؛ لأنَّ الوقتين صارا وقتًا واحدًا، لكن إذا ترك هذا خروجًا من الخلاف وأخَّرها إلى وقتها فهذا حسنٌ، نعم.
س: ............؟
ج: هذا إذا أخَّرها لحاجةٍ، ثم طرأ عليه أن يجمع، يعني: أخَّر العصر، صلَّى الظهر ثم جلس، ثم طرأ عليه بعد هذا أن يجمع؛ فالجمهور يقولون: لا؛ لأنَّه فصل بينهما فصل طويل، ويُؤخّر العصر إلى وقتها.
والقول الثاني -وهو الأقرب والأظهر-: أنَّه يجوز الجمع ولو فصل بينهما؛ لأنَّ الوقتين صارا وقتًا واحدًا بالسفر والمرض، نعم.
س: الاستمرار في النية؟
ج: النية لا تُشترط، الصَّحيح أنها لا تُشترط، لو شرع في الظهر وما نوى الجمع، ثم طرأ عليه الجمع؛ جمع في السفر، أو في المرض، ولو شرع في المغرب وما نوى الجمع، ثم طرأ عليه الجمع؛ يجمع، هذا الصواب، خلاف المشهور عند المذاهب، فالصواب أنها لا تُشترط النية؛ لعدم تنبيه النبي ﷺ، ما قال: لا بدَّ من نيةٍ. وهذا اختيار أبي العباس ابن تيمية وجماعة من أهل العلم.
س: .............؟
ج: يُصلي معهم بنية الظهر، ثم يُصلي العصر بعدها، يُصلي معهم العصر بنية الظهر له هو، ثم إذا سلَّموا صلَّى العصر بعد ذلك، هذا الصواب، نعم.
س: لو وصل المسافرُ إلى البلد الذي يقصده ونيّته الإقامة أكثر من أربعة أيام، هل يحقّ له أن يقصر الصلاة؟
ج: لا، يُصلي أربعًا، ما دام وصل البلد يُصلي أربعًا، مثل: لو وصل بلده ولم يُصلِّ في السفر، كأن يصل بلده بعد الظهر، فإنه يُصلي الظهر أربعًا، نعم.
س: مَن صلَّى العصر بنيّة العصر، ثم بعد ذلك الظهر؟
ج: ما يجوز، لا بد من الترتيب، يُصلي الظهر ثم العصر، يُصلي معهم العصر بنية الظهر، ثم يُصلي العصر، حتى لا يخلّ بالترتيب.
س: بالنسبة لتغيير النية لو كانت فريضةً، يعني: قال: "سأجعلها سنةً" أثناء الصَّلاة؟
ج: لماذا؟
س: ليستنَّ ثم ليُصلي الفريضة بعد ذلك.
ج: الوقت واسعٌ يعني؟
س: إي، نعم.
ج: لا بأس، نعم، أو حضرت جماعة، يُصلي معهم جماعةً، أو تبين له أنَّ الناس بَعْدُ ما صلَّوا، يجعلها نافلةً، ثم يُصلِّي مع الناس.
س: ومَن سافر ووجد قومًا يُصلون العشاء، وهو ما صلَّى المغرب؟
ج: كذلك يُصلِّي معهم بنية المغرب، ويجلس في الثالثة، وإذا سلَّموا سلَّم معهم، وأتى بالعشاء بعد ذلك.
س: يجلس في الركعة الثالثة؟
ج: يجلس ولا يُسلِّم حتى يُسلّم معهم، إذا جاء وهم يُصلون العشاء، وهو ما صلَّى المغرب، يُصلِّي المغرب معهم، وإذا قام الإمامُ للرابعة جلس هو ينتظر، ثم يُسلّم معهم، ثم يُصلِّي بعد ذلك العشاء.
س: يجعلها نافلةً حتى لو انتهى منها؟
ج: لا، لا، إذا انتهى ما تقلب، يصلي مع .....، إذا صلَّى فريضةً منفردًا، ثم جاء ناسٌ يُصلون فريضةً، وأحبَّ أن يُصلي معهم ويُعيد، يُعيدها معهم، تصير له نافلةً، المعادة تصير نافلةً، مثل: لو جاء وناسٌ يُصلون، وهو صلَّى الفريضة، يُصلِّي مع الناس، وتصير له نافلةً.
س: إذا وصل إلى بلدٍ يعني .....، وأقام فيها كم يوم يسقط عنه .....؟
ج: إذا وصل إليها يُصلي معهم أربعًا، إذا كانت نيةُ الإقامة أكثر من أربعة أيام يُصلي معهم الفرض أربعًا، لا يُصلي وحده، يُصلي مع الناس ويكمل أربعًا.
س: لو فاتت الجماعة، ما أدرك الإمامَ المقيم يسقط القصرُ عنه؟
ج: إذا كان ما هو بمقيم إلا مدّة يسيرة يُصلي قصرًا، إذا كانت مدّته أربعة أيام فأقلّ، وفاتت الجماعة مع الناس يُصلي قصرًا في البيت، أما إذا أدرك الجماعة يُصلي معهم أربعًا.
س: إذا همَّ بسفرٍ وهو في بلده؟
ج: لا يقصر حتى يخرج، حتى يُغادر البلد، حتى يُفارق البناء، ثم يُصلي قصرًا بعد ذلك.
س: لا يجمع؟
ج: ولا يجمع حتى يخرج، نعم.
س: وإذا أراد السفر وأذن .....؟
ج: ولو أذن يخرج ويُصلي ..... قصرًا، هذا الصواب.
باب: هل يُؤذن أو يُقيم إذا جمع بين المغرب والعشاء؟
1109- حدثنا أبو اليمان، قال: أخبرنا شعيب، عن الزهري قال: أخبرني سالم، عن عبدالله بن عمر رضي الله عنهما قال: رأيتُ رسول الله ﷺ إذا أعجله السيرُ في السَّفر يُؤخّر صلاة المغرب حتى يجمع بينها وبين العشاء.
قال سالم: وكان عبدالله بن عمر رضي الله عنهما يفعله إذا أعجله السيرُ، ويقيم المغرب فيُصليها ثلاثًا، ثم يُسلّم، ثم قلّما يلبث حتى يُقيم العشاء فيُصليها ركعتين، ثم يُسلّم، ولا يُسبّح بينهما بركعةٍ، ولا بعد العشاء بسجدةٍ حتى يقوم من جوف الليل.
الشيخ: يعني: لا يُصلي النافلة، التَّسبيح: النافلة، نعم.
س: بالنسبة للتَّسبيح والتَّهليل بعد .....؟
ج: بعد الثانية، يُسبّح بعد الثانية، في الأولى يسقط، إذا جمع بينهما يسقط، الأذكار بعد الأولى تسقط، ويأتي بالأذكار بعد الثانية إذا جمع بين الظهر والعصر، والمغرب والعشاء.
س: يعني: من السنة أن تأتي بها في السفر؟
ج: يأتي بالأذكار إذا كانت مجموعةً بعد الثانية، أما إذا صلَّى كل صلاةٍ في وقتها فإنه يأتي بالأذكار الشَّرعية بعد كل صلاةٍ في السفر والحضر.
س: الاستفهام في الترجمة: "هل يُؤذن أو يُقيم؟" ما جزم؟
ج: للتَّنبيه، حتى ينتبه القارئ والسامع، وإلا فالسنة ثابتة في أنه يُؤذن ويُقيم في السفر والحضر، نعم.
باب: يُؤخّر الظهر إلى العصر إذا ارتحل قبل أن تزيغ الشمسُ
فيه ابن عباس، عن النبي ﷺ.
الشيخ: وهو الحديث المتقدم، نعم.
الشيخ: جاء في الرواية الأخرى عند الحاكم وعند أبي نعيم وغيرهما بإسنادٍ صحيحٍ: صلَّى الظهر والعصر. يعني: جمع تقديم، ثم ركب.
باب: إذا ارتحل بعدما زاغت الشمس صلَّى الظهر ثم ركب
1112- حدثنا قتيبة بن سعيد، قال: حدثنا المفضل بن فضالة، عن عقيل، عن ابن شهابٍ، عن أنس بن مالك قال: كان رسول الله ﷺ إذا ارتحل قبل أن تزيغ الشمس أخَّر الظهر إلى وقت العصر، ثم نزل فجمع بينهما، فإن زاغت الشمسُ قبل أن يرتحل صلَّى الظهر ثم ركب.
الشيخ: في الرواية الأخرى: "صلَّى الظهر والعصر ثم ركب" كما تقدّم في حديث ابن عباس، كان يجمع بينهما على ظهر سيرٍ، نعم.
س: قوله: قبل أن يرتحل؟
ج: يعني: قبل أن يُسافر، قبل أن يرتحل من مكانه الذي هو مُقيمٌ فيه.
الشيخ: بركة، هنا مسألة يخوض فيها الناسُ، وفيها بعض الأشرطة التي قد يحصل بها بعض التَّشويش فيما يتعلق بفتنة الخليج، واجتياح حاكم العراق للكويت، وهذه المسألة ينبغي أن يكون فيها طالبُ العلم على بصيرةٍ في هذه الفتنة التي سببها عدوان حاكم العراق على الكويت، قاتله الله وعامله بما يستحقّ.
هذه الفتنة فتنة عظيمة، وجرَّت شرًّا كثيرًا، واختلفت فيها كلمات الناس على حسب علمهم، وعلى حسب ما يبلغهم من الحال؛ فإنَّ الناس في نقلهم للحوادث يزيدون وينقصون، وعلمهم يختلف بالأحكام الشَّرعية، وقد ذكر بعضهم في بعض الأشرطة أن هذه الفتنة ينبغي فيها لزوم البيوت، وعدم الدخول فيها، وأنها فتنة عمياء، ليس فيها وجهٌ للحقِّ.
وقال بعضُهم: إن الاستعانة بالجيوش من غير المسلمين أعظم من فتنة صدام!
وقال آخرون أشياء أخرى، كلها على حسب ما يبلغ الإنسان في هذه المسائل من أقوال الناس، وعلى حسب ما أعطاه الله من العلم.
والإنسان في ذلك بين مُجتهدٍ مُصيبٍ ومُخطئ؛ فالمصيب من أهل العلم في ذلك له أجران: أجر الاجتهاد، وأجر الإصابة. والمخطئ له أجرٌ واحدٌ، وهو أجر الاجتهاد، كما هو معلومٌ في سائر المسائل الاجتهادية.
وبعضهم يحتجّ على أنها ينبغي فيها الجلوس بالأحاديث الصَّحيحة التي رواها البخاري وغيره؛ يقول ﷺ: إنها ستكون فتنٌ، القاعد فيها خيرٌ من القائم، والقائم خيرٌ من الماشي، والماشي خيرٌ من الساعي، مَن يستشرف لها تستشرفه، ومَن وجد معاذًا أو ملجأً فليَعُذْ به، أو كما قال عليه الصلاة والسلام في أحاديث أخرى.
والصواب في هذا أن يقال: إن هذه فتنة ليست فتنةً خفيةً، بل واضحة، وليست من الفتن التي يلزم فيها البيت، بل هي من الفتن التي يجب أن يكون فيها المؤمن مع المظلومين، لا مع الظالمين، وهي فتنةٌ من كافرٍ على مسلم، فإنَّ البعث حزبٌ كافرٌ، وروَّاده ودُعاته ورُؤساؤه كذلك من الكفرة، ومنهم صدام رئيس البعث في العراق، وقائده، ومزوده بكل شرٍّ، هو من أكفرهم وأضلّهم عن السَّبيل، ولو زعم أنَّه مسلم، وأنه مجاهد، كما زعم أخيرًا نفاقًا وشرًّا وبلاءً!
فالقاعدة في مثل هذا: أن الفتنة إذا اتَّضحت وجب أن يكون المؤمنُ مع المظلومين ضدّ الظالمين، ومع المسلمين ضدّ الكافرين.
وفي هذا أنَّ المجاهد في هذه الفتنة ضدّ صدام هو مع المسلمين ضدّ الكافر، ومع المظلومين ضدّ الظالم.
ولما وقعت الفتنةُ في عهد عليٍّ خفي الأمرُ فيها على بعض الناس، على بعض كبار الصحابة، حتى ظنَّ بعضهم أنَّ الأولى الجلوس في البيت وعدم المشاركة، كما وقع لمحمد بن مسلمة وسعد بن أبي وقاص، لم يُشاركا: لا مع معاوية، ولا مع عليٍّ، وآخرين كذلك.
ولكن فقهاء الصحابة وعلماءهم الذين درسوا القضية وتدبروها وأعطوها حقَّها من العناية عرفوا أنَّ الواجب أن يكونوا مع عليٍّ؛ لأنه الخليفة الراشد، قد بايعه المسلمون بعد عثمان ضدّ معاوية، وأن معاوية وأصحابه بُغاة، خفي عليهم الأمر، وقاموا بطلب دم عثمان مُجتهدين، فصاروا مُجتهدين مُخطئين، فلهم أجر الاجتهاد، وفاتهم أجر الصواب.
وعليٌّ كان هو المجتهد المصيب، فله أجران ومَن معه .....
ومما وضَّح ذلك قوله ﷺ في الحديث الصَّحيح: تقتل عمارًا الفئةُ الباغيةُ، فقتله أهلُ الشام، قتله معاوية وأصحابه، قتلوا عمارًا يوم صفين.
ومن هذا قوله ﷺ: تمرق مارقةٌ على حين فُرقة من المسلمين، تقتلهم أولى الطائفتين بالحقِّ، فمرقت الخوارج، وخرجوا في وقت الفتنة، وكفَّروا المسلمين، وكفَّروا عليًّا، وكفَّروا معاوية، وكفَّروا مَن دخل في هذه الفتنة، فقاتلهم عليٌّ وقتلهم، واتَّضح بذلك أنه أولى الطائفتين بالحقِّ.
فهكذا في يومنا هذا تقع الفتن كما وقعت في عهد الصحابة، وقعت في عهدنا، ووقعت قبل عهدنا في أوقات كثيرة، فمَن كان مع المظلومين فهو على الحقِّ، ومَن كان مع المسلمين ضدّ الكافر فهو مع الحقِّ، وليس المقام مقام جلوسٍ، ولكنه مقام مُناصرة للحقِّ، فدولة العراق مُعتدية وظالمة وكافرة ببعثيَّتها وكفرها، إلا مَن كان منهم على الإسلام من الجيش، وهو مظلومٌ، مقهورٌ، فهو معذور، لكن يُقَاتل ..... معهم، كما قاتل المسلمون أهل بدرٍ وفيهم مسلمون مظلومون أُخرجوا قهرًا.
فالذي ينبغي أن يعلم هذا كل مؤمنٍ: أن الواجب نصر المظلومين من الكويت وغيرهم، وهم مع هذا أيضًا ما اقتصروا على الكويت، بل هم جيَّشوا الجيوش على الحدود لمحاربة السعودية ودول الخليج.
وهذا الخبيث صدام رجلٌ لا عهدَ له، ولا ذمةَ له، ولا أمانَ له، بعثي ظالم، لا أمانةَ له، فلو اجتاح البلاد ببعثيَّته وجنوده الظالمين فماذا تكون العاقبة؟! وكيف تكون الحال، ولا حول ولا قوة إلا بالله؟! وكيف تكون الجرائم وسفك الدماء؟ وماذا فعل بالكويت من نهب الأموال، وسفك الدِّماء، وهتك الأعراض، وتخريب البلاد؟!
فلو أنَّه حصل له ما يريد في هذه البلاد ماذا يكون من ظالمٍ كافرٍ؟! بعثي ظالم يُعادي المسلمين، ويُعادي أهل السنة والجماعة، ويُعادي أهل الحقّ، فماذا يكون منه من الفعل؟! وماذا يُظنّ أن يقع؟!
ثم معه أنصار أيضًا قد وعدوه أن يُساعدوه من هنا ومن هنا على هذه البلاد، خيَّب الله قصدهم، وخيَّب عملهم، وردَّهم خائبين، وكفانا شرّ كل ذي شرٍّ، ووفّق المسلمين للحقِّ.
ثم النبي ﷺ يقول: انصر أخاك ظالمًا أو مظلومًا، قيل: يا رسول الله، نصرته مظلومًا، فكيف أنصره ظالمًا؟! قال: تحجزه عن الظلم، فذاك نصرك إياه، فنصر الظالم: منعه من الظلم، والقضاء عليه، ومنعه حتى لو كان مسلمًا، حتى الطائفتين اللتين تبغي إحداهما على الأخرى، وهما مُسلمتان، يجب أن تنصر المبغيَّ عليها ولو كانت الباغيةُ مسلمةً، كما قال جلَّ وعلا: وَإِن طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِن بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ [الحجرات:9].
فلو أن صدامًا مسلم وباغٍ لوجب قتاله ليفيء عن دولة الكويت التي فيها المسلمون، وفيها خيرٌ كثيرٌ، وإن كانت فيها معصية وفيها كذا مثل غيرها من البلاد، لكن فيها مسلمون تعدَّى عليهم وظلمهم، فوجب أن يُقام عليه، وأن يُقاتل حتى يفيء إلى أمر الله، حتى يرجع لو كان مسلمًا، حتى يرجع عن ظلمه وعدوانه.
وهو إلى الآن لم يرجع عن ظلمه وعدوانه، ولم يزل جاثمًا عليها، ظالمًا لها ولأهلها، مُتعديًا على حُرماتهم من: أموالهم، ونسائهم، وذراريهم.
فالواجب أن يُقاتل هذا العدو من جهتين: من جهة ظلمه وعدوانه، ومن جهة كفره وضلاله، ومن جهةٍ ثالثةٍ وهي: وجوب قطع دابره؛ لئلا يتعدَّى على غيره بعد ذلك، وأن يُقام عليه لأنَّ عنده من الجيوش ما لا يُحصيه إلا الله ، ومن الإعداد بأنواع العدد ما لا يُحصيه إلا الله ، وقد قاتل إيران مدةً طويلةً، وأعدّ العُدَّة، وجمع القوى في هذا القتال الطويل مع إيران، ثم تفرغ للآخرين الذين ساعدوه وناصروه وأمدُّوه بالمال والسلاح، فكانت العاقبةُ أن يرجع عليهم، ويكون عدوًّا سيئًا عليهم، وهذا من وقاحته، وكفره، وظلمه، وقِلّة حيائه، وقِلّة عقله، وظلمه الكبير، نسأل الله العافية والسلامة، فينبغي أن يُعلم هذا.
أحببتُ أن أُنبهكم على هذا الأمر لتكون لديكم المعلومات الكافية عن هذا الأمر، وهذا الذي ندين الله به في حقِّ هذا الرجل.
والاستعانة بهذه الجيوش التي هي من سائر الأجناس دعت إليها الضَّرورة؛ ولهذا درست هيئةُ كبار العلماء هذا الأمر، درسوه وتأمّلوه كثيرًا، ونظروا في الأدلة، وعلموا يقينًا أنَّ هذه الاستعانة ضرورية؛ لأنَّ الجيش السعودي لا يُقابل هذا الجيش الذي قد أُعدّ من سنوات طويلة، وعنده الأسلحة الكثيرة؛ فلهذا احتاج إلى قوةٍ أخرى تقوى على ردعه والوقوف في وجهه.
وما قد يترتب على هذه الاستعانة من سلبيات فهي أمور دعت إليها الضَّرورة، وهي دون ما يُخشى من عدوان الخبيث الظالم صدام.
والقاعدة الشرعية: أنَّ المفاسد إذا تعارضت، والمصالح إذا تعارضت، فالواجب على أهل الإسلام وعلى المسؤولين أن يدفعوا المفسدةَ الكبرى والمفاسد الكبرى بارتكاب الصُّغرى، وهو ما يقع من هذه الجيوش من بعض الأخطار وبعض الضَّرر في جنب المفسدة الكبرى التي تُدفع في وجودهم ضدّ العدو الغادر.
والقاعدة أيضًا: أنها تُحصّل أعلى المصلحتين، وأعلى المصالح، ولو بتفويت الدنيا من المصالح، فتحصل المصلحة العليا على المصلحة الدنيا، ومصلحة عدم وجود الكفرة الذين جُلبوا مصلحة صُغرى بالنسبة إلى هذه المصلحة الكُبرى.
وما ظنّكم لو أنَّ صدامًا جاء من الشرق واليمن ببعثيَّته وما فيها من شيوعيين، جاء من جهة الجنوب، وحسين وجماعته من البعثيين ومن العلمانيين جاءوا من جهة الشمال، ومَن لا يعلم إلا الله من جيوشٍ أخرى، لو جاءوا إلى هذه البلاد، فماذا تكون الحال؟! وماذا تكون النَّتيجة لو أنَّ الدولة فرَّطت وتركت الحبلَ على الغارب، واكتفت بجيشها الذي لا يُقاوم هذا الجيش الكبير جنوبًا وشمالًا وشرقًا؟! كيف تكون الحال؟!
فالحاصل أنَّ هذا الذي جرى هو عين المصلحة، وهو عين الحيطة، ونسأل الله أن يُحسن العاقبة، ونسأل الله أن ينفع بالأسباب، وأن يردّ هذه الجيوش إلى بلادها، وأن ينصر المسلمين على عدوهم، وأن يكبت حاكم العراق، وأن يجعل الدَّائرة عليه وعلى جيشه، وأن يهزم جمعهم، ويُفرّق شملهم، وأن يجعلها موعظةً لنا وللمُسلمين.
هذه موعظة يجب علينا أن نتَّعظ بها، وأن نتَّقي الله فيما لدينا، وعلى دولتنا أن تتقي الله، وعلى جميع أفراد الدولة من القادة والرعية أن يتَّقوا الله بطاعته، وترك معصيته، وأن يُحاسبوا أنفسهم، وأن يتَّخذوا عظةً من هذه الحادثة.
وهكذا غيرنا من الكويت وغير الكويت، يجب على الجميع أن يتَّخذوا هذا عِبرةً وعِظةً، وأن يستقيموا على دين الله، وأن يحذروا ما حرَّم الله، وأن يُصلحوا الأوضاع بما يجب من تقوى الله، وطاعته، وإقامة أمره، وترك ما نهى عنه ، هذا هو الواجب على الجميع.
وللمسلم فيما يقع من الحوادث عِظة وذكرى في هذه الحادثة وفي غيرها، نسأل الله للجميع الهداية والتَّوفيق.
ونسأل الله أن ينصر الحقَّ وأهله، ويخذل الباطل وأهله، وأن يُصلح أحوال المسلمين جميعًا في كل مكانٍ: في هذه البلاد، وفي اليمن، وفي الشام، وفي غير ذلك، نسأل الله أن يُصلح أحوالهم، وأن يرزقهم الاستقامة على الحقِّ، وأن يقضي على أعداء الله في كل مكانٍ، وأن يكفينا شرَّهم وشرَّ دُعاة الباطل في كل مكانٍ، وأن يُوفّقنا جميعًا لاتباع الحقِّ والتَّمسك بدين الله، والجهاد في سبيل الله، والحذر مما يُخالف أمره، إنَّه سميعٌ قريبٌ.
وصلى الله وسلم على عبده ورسوله نبينا محمدٍ، وعلى آله وأصحابه.
س: حفظك الله، كثيرٌ من الناس يقول: لماذا لا يُدرب جميع شباب المسلمين ليحلّوا محلّ القوات الأمريكية؟
ج: هذا في المستقبل، والدولة تُساعد في هذا -إن شاء الله-، لكن الحادث لا يُمهل، وإلا فالتَّدريب واجبٌ، والإعداد واجبٌ.
س: يُؤسفنا كثيرًا والله أننا مُضطرون لذلك، فإلى متى نبقى مُضطرين؟
ج: يجب على الدولة وعلى المسلمين أن يستقيموا، يجب عليهم أن يعدّوا، وأن يجتهدوا، وأن يُصلحوا الأوضاع، هذا هو الواجب على الجميع.
س: هل الاستعداد والتَّدرب على الجهاد فرض عينٍ؟
ج: الذي يظهر أنه فرض كفايةٍ، ولكن بالنسبة لهذه البلاد يجب أن يكون فرض عينٍ؛ لأنَّهم شبه مُحاصرين، والله يقول: وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ [الأنفال:60]، نعم.
س: يا شيخ بارك الله فيك، الشعوب قد لا تخلو من المسلمين، فإذا وقف واحدٌ مع هؤلاء الظلمة وقتل مسلمًا هل يكون معذورًا؟
ج: لا، إذا قتل الظالمين معذور، وإن قتلوه فهو معذورٌ ومأجورٌ، جهاد الظالمين والكافرين واجبٌ، والمقتول في جهادهم شهيدٌ، والمقتول منهم على حسب حاله، نسأل الله العافية.
س: واحدٌ طاغية أمر جنوده أن يقتلوا، وهؤلاء الجنود مجبورون، وهم مسلمون، وقتلوا المسلمين، فهل يكونوا مجبورين؟
ج: الله أعلم، على القاعدة الشرعية: أنَّ مَن أُمِرَ بقتل مسلمٍ لا يجوز قتله ولو قُتِل، لا يجوز أن يُطيع في المعصية، إنما الطاعة في المعروف، فإذا أمره رئيسه أن يقتل مسلمًا لا يُطيعه ولو قتله، هذا الواجب.
لكن إذا كان المسلمُ جاء مع الكفار ليُساعدهم فيُقتل معهم، مثلما قتل الصحابةُ مَن جاء مع أهل بدرٍ من مشركي مكة؛ لأنَّه جاء مُساعدًا لهم، ولو زعم أنَّه مُكره يُقتل إذا قابله المسلمون.
مداخلة: بارك الله فيك، تتحدث تقارير من العسكريين البريطانيين أنَّ الجيش الأمريكي .....؟
ج: ولو، لو أنهم جيء بهم لردع حاكم العراق والمساعدة في حماية البلاد التي لهم فيها حظٌّ، لهم فيها بترول ومصلحة، هم يُساعدونا لمصلحتين: مصلحتنا ومصلحتهم أيضًا، ولا مانع من ذلك.