المقدم: بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله ربِّ العالمين، والصلاة والسلام على قائد الغُرِّ المحجَّلين نبينا محمدٍ، وعلى آله وصحبه أجمعين.
أيها الإخوة والأخوات، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، ومرحبًا بحضراتكم إلى درسٍ جديدٍ من دروس "المنتقى".
ضيف اللِّقاء هو سماحة العلامة الشيخ عبدالعزيز بن باز، المفتي العام للمملكة العربية السعودية، ورئيس هيئة كبار العلماء.
مع مطلع هذا اللقاء نُرحب بسماحة الشيخ، فأهلًا ومرحبًا يا سماحة الشيخ.
الشيخ: حيَّاكم الله وبارك فيكم.
المقدم:
بَابُ الْمُتَطَهِّرِ يَشُكُّ: هَلْ أَحْدَثَ؟
- عَنْ عَبَّادِ بْنِ تَمِيمٍ، عَنْ عَمِّهِ قَالَ: شُكِيَ إلَى النَّبِيِّ ﷺ الرَّجُلُ يُخَيَّلُ إلَيْهِ أَنَّهُ يَجِدُ الشَّيْءَ فِي الصَّلَاةِ، فَقَالَ: لَا يَنْصَرِفُ حَتَّى يَسْمَعَ صَوْتًا، أَوْ يَجِدَ رِيحًا رَوَاهُ الْجَمَاعَةُ إلَّا التِّرْمِذِيَّ.
- وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ، عَنِ النَّبِيِّ ﷺ قَالَ: إذَا وَجَدَ أَحَدُكُمْ فِي بَطْنِهِ شَيْئًا فَأَشْكَلَ عَلَيْهِ: أَخَرَجَ مِنْهُ شَيْءٌ أَمْ لَا؟ فَلَا يَخْرُجْ مِنَ الْمَسْجِدِ حَتَّى يَسْمَعَ صَوْتًا، أَوْ يَجِدَ رِيحًا. رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَالتِّرْمِذِيُّ. وهذا اللَّفظ عامٌّ في حال الصلاة وغيرها.
الشيخ: بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله، وصلى الله وسلم على رسول الله، وعلى آله وأصحابه ومَن اهتدى بهداه.
أما بعد: فهذان الحديثان الصَّحيحان يتعلقان بالشَّك في الحدث.
فالأول حديث عبَّاد بن تميم، عن عمه عبدالله بن زيد بن عاصم المازني : أنه شُكي إلى النبيِّ ﷺ الرجل يجد الشيء في الصلاة. يعني: يجد أنه خرج منه الشيء: ريح أو غيرها، فقال ﷺ: لا ينصرف يعني: الرجل من الصلاة، وهكذا المرأة حتى يسمع صوتًا، أو يجد ريحًا.
وفي حديث أبي هريرة الذي بعده: أنه ﷺ قال: لا يخرجنَّ من المسجد حتى يسمع صوتًا، أو يجد ريحًا.
هذا يدل على أنَّ الإنسان إذا شكَّ: هل أحدث أو ما أحدث؟ أو المرأة كذا شكَّت: هل أحدثت أو ما أحدثت؟ وهي على طهارةٍ، فإنه لا ينصرف، بل يستمر في صلاته ويُصلي، حتى ولو كان خارج الصلاة: إذا شكَّ في المسجد، أو في الطريق، فهو على طهارةٍ حتى يعلم يقينًا أنه خرج منه شيءٌ، يعني: مئة في المئة، وإلا فالأصل الطَّهارة.
إذا كان يعلم أنه توضأ ثم شكَّ: هل أحدث؟ هل خرج منه ريح، أو ضراط، أو بول، أو أكل لحمَ إبلٍ، أو ما أشبه ذلك؟ فالأصل السلامة، وهو على طهارته حتى يعلم يقينًا أنه أحدث.
وهكذا لو كان في المسجد، أو في الطريق، أو في البيت وهو يعلم أنه توضأ ثم شكَّ: هل أحدث؟ لا تنتقض طهارته، بل يُصلي على طهارته الأولى، والأصل السلامة، ولا يُبالي بهذا الشَّك، سواء طرأ عليه الشك في الصلاة أو في خارجها، وهذا من رحمة الله وتيسيره جلَّ وعلا؛ لأنَّ العبد يُبتلى بالوساوس والشُّكوك، فمن رحمة الله أن جعل الشَّك والوسوسة مُرتفعين، لا يعمل بهما حتى يعلم يقينًا أنه أحدث، فعند ذلك يُعيد الوضوء.
س: إذًا القاعدة المعروفة: مَن تيقَّن الطَّهارة وشكَّ في الحدث فهو طاهر، ومَن تيقَّن الحدثَ وشكَّ في الطَّهارة فهو مُحدِث. لعلَّ لكم كلامًا حول هذا؟
الشيخ: نعم، إذا علم أنه أحدث ثم شكَّ: هل تطهر؟ الأصل الحدث، لا يعمل بالطَّهارة، إذا عرف أنه بال، أو خرج منه ريح، أو ضراط، أو بول، ثم علم، ثم شكَّ: هل تطهر أو ما تطهر؟ فالأصل عدم الطَّهارة، عليه أن يتطهر؛ لأنَّ الأصل بقاء ما كان على ما كان، أما الذي قد تطهر وعلم أنه تطهر، ثم شكَّ هل أحدث أم لا؟ فالأصل الطَّهارة، يبقى على طهارته.
وهكذا لو شكَّ: هل أحدث في الطَّواف؟ الأصل أنه ما أحدث، والطواف صحيح حتى يعلم يقينًا أنه أحدث في الطواف؛ كالصلاة من باب أولى، وهكذا ما أشبه ذلك في المسائل التي يعتري فيها الشَّك، لو كانت عليه صلاة فائتة ثم شكَّ: هل أدَّاها أو ما أدَّاها؟ ما أدَّاها، يُؤديها؛ لأنَّ الأصل عدم أداء الفائتة، أو عليه دَينٌ شكَّ: هل أدَّاه ما أدَّاه؟ عليه أن يُؤديه، وما أشبه ذلك، نعم.
س: إذا تيقن أنه مرَّ عليه طهارة وحدث، ولكن لا يدري أيّهما أولًا؟
الشيخ: يعمل بالأخير منهما، إذا كان أحدث، عرف أنه أحدث ثم شكَّ في الطَّهارة، فالأصل الحدث، أو يعلم أنه تطهر ثم شكَّ: هل أحدث بعد الطَّهارة؟ الأصل الطهارة.
بَابُ إيجَابِ الْوُضُوءِ لِلصَّلَاةِ وَالطَّوَافِ وَمَسِّ الْمُصْحَفِ
- عَنِ ابْنِ عُمَرَ، عَنِ النَّبِيِّ ﷺ قَالَ: لَا يَقْبَلُ اللَّهُ صَلَاةً بِغَيْرِ طَهُورٍ، وَلَا صَدَقَةً مِنْ غُلُولٍ رَوَاهُ الْجَمَاعَةُ إلَّا الْبُخَارِيَّ.
- وَعَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ: أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ كَتَبَ إلَى أَهْلِ الْيَمَنِ كِتَابًا، وَكَانَ فِيهِ: لَا يَمَسُّ الْقُرْآنَ إلَّا طَاهِرٌ. رَوَاهُ الْأَثْرَمُ وَالدَّارَقُطْنِيُّ.
وَهُوَ لِمَالِكٍ فِي "الْمُوَطَّأ" مُرْسَلًا عَنْ عَبْدِاللَّهِ بْنِ أَبِي بَكْرِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ: إنَّ فِي الْكِتَابِ الَّذِي كَتَبَهُ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ لِعَمْرِو بْنِ حَزْمٍ: أَنْ لَا يَمَسَّ الْقُرْآنَ إلَّا طَاهِرٌ.
وَقَالَ الْأَثْرَمُ: وَاحْتَجَّ أَبُو عَبْدِاللَّهِ -يَعْنِي: أَحْمَدَ- بِحَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ: وَلَا تمسّ الْمُصْحَفَ إلَّا عَلَى طَهَارَةٍ.
- وَعَنْ طَاوُوسٍ، عَنْ رَجُلٍ قَدْ أَدْرَكَ النَّبِيَّ ﷺ: أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ قَالَ: إنَّمَا الطَّوَافُ بِالْبَيْتِ صَلَاةٌ، فَإِذَا طُفْتُمْ فَأَقِلُّوا الْكَلَامَ. رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالنَّسَائِيُّ.
الشيخ: الطَّهارة شرطٌ للصلاة وللطواف؛ لأنه صلاة، ولمسّ المصحف؛ لقوله ﷺ: لا تُقبل صلاةٌ بغير طهورٍ، وقوله ﷺ: لا تُقبل صلاةُ أحدكم إذا أحدث حتى يتوضأ، لا بدَّ من الوضوء، ويقول جلَّ وعلا في كتابه العظيم: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ .. الآية [المائدة:6]، فلا بدَّ من الطهارة؛ لإجماع المسلمين، للصلاة، وهكذا الطواف على الصحيح، لا بدَّ من الطَّهارة لهذا الحديث.
ويُروى هذا الحديثُ موقوفًا ومرفوعًا، والموقوف أصحّ، وفي المرفوع بعض الضعف، وكلاهما يتأيد بالآخر، كل واحدٍ منهما يتأيد بالآخر، فالطَّهارة شرط في الطواف، والرسول ﷺ لما أتى المسجدَ في حجة الوداع وأراد الطواف توضأ ثم طاف، كما قالت عائشةُ رضي الله عنها: توضأ ثم طاف.
فالواجب على مَن أراد الطَّواف أن يتوضأ، وأن يطوف على طهارةٍ، ولا يمسّ القرآن إلا على طهارةٍ.
س: ما الغلول؟
الشيخ: الأخذ من الغنيمة قبل أن تُقسم، والخيانة في الأمانات تُسمَّى: غلولًا، والأخذ من الغنيمة قبل أن تُقسم هذا غلول، يجب عليه ألا يأخذ منه شيئًا إلا بإذن ولي الأمر، وكذلك الأمانة إذا خانها، نسأل الله العافية.
س: حديث عمرو بن حزم مشهور عند العلماء، هل لكم أن تُبينوا لنا صحَّته؟
الشيخ: صحيح، حديث عمرو بن حزمٍ صحيح، الصواب أنه صحيح، و"ألا يمسّ القرآن إلا طاهر" له طرق، بعضها صحيح، وبعضها ضعيف، لكن بعض طرقه صحيحة، وهو حُجَّة في أنه لا يمسّ القرآن إلا طاهر.
س: الكتب التي فيها قرآن وتفسير ويغلب عليها القرآن مثل: تفسير الجلالين، ما حكم مسّ ذلك من غير وضوءٍ؟
الشيخ: لا تُشترط الطَّهارة، إذا كان كتاب تفسيرٍ: كالجلالين، أو ابن كثير، أو البغوي، أو غيرهم، حكمه يغلب عليه جانب التَّفسير.
س: مسّ المصحف للمُحدِث من وراء حائلٍ؟
الشيخ: إذا كان الحائلُ منفصلًا مثل: ظرف، مثل: من وراء ثوبه، أو فوطة، أو ما أشبه ذلك لا بأس، أما مسّ المصحف من دون شيءٍ لا، ما يجوز.
س: بالنسبة للطَّهارة في الطَّواف في البيت، هل هي واجبة؟
الشيخ: شرط، لا بدَّ منها، مثل: الصلاة؛ لا طوافَ إلا بطهارةٍ.
س: في بعض الأوقات يحصل زحامٌ شديدٌ في المطاف، وربما أحدث المرءُ أثناء الطواف، فيشقّ عليه الخروج والوضوء، هل يُعفا عن هذا ويستمر في طوافه؟
الشيخ: متى أحدث يبطل طوافه، يخرج من الطواف ويتوضأ، حتى ينتهي الزحامُ ويطوف في وقت زوال الزحام، مثل: لو أحدث في الصَّلاة.
بَابُ اسْتِحْبَابِ الْوُضُوءِ مِمَّا مَسَّتْهُ النَّارُ وَالرُّخْصَة فِي تَرْكِهِ
- عَنْ إبْرَاهِيمَ بْنِ عَبْدِاللَّهِ بْنِ قَارِظٍ: أَنَّهُ وَجَدَ أَبَا هُرَيْرَةَ يَتَوَضَّأُ عَلَى الْمَسْجِدِ، فَقَالَ: إنَّمَا أَتَوَضَّأُ مِنْ أَثْوَارِ أَقِطٍ أَكَلْتُهَا؛ لِأَنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ يَقُولُ: تَوَضَّؤُوا مِمَّا مَسَّتِ النَّارُ.
- وَعَنْ عَائِشَةَ، عَنِ النَّبِيِّ ﷺ قَالَ: تَوَضَّؤُوا مِمَّا مَسَّتِ النَّارُ.
- وَعَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ، عَنِ النَّبِيِّ ﷺ مِثْلَهُ. رَوَاهُنَّ أَحْمَدُ، وَمُسْلِمٌ، وَالنَّسَائِيُّ.
- وَعَنْ مَيْمُونَةَ قَالَتْ: أَكَلَ النَّبِيُّ ﷺ مِنْ كَتِفِ شَاةٍ، ثُمَّ قَامَ فَصَلَّى وَلَمْ يَتَوَضَّأْ.
- وَعَنْ عَمْرِو بْنِ أُمَيَّةَ الضَّمْرِيِّ قَالَ: رَأَيْتُ النَّبِيَّ ﷺ يَحْتَزُّ مِنْ كَتِفِ شَاةٍ، فَأَكَلَ مِنْهَا، فَدُعِيَ إلَى الصَّلَاةِ فَقَامَ وَطَرَحَ السِّكِّينَ وَصَلَّى ولم يتوضَّأ. متفق عليه.
- وَعَنْ جَابِرٍ قَالَ: أَكَلْتُ مَعَ النَّبِيِّ ﷺ، وَمَعَ أَبِي بَكْرٍ، وَعُمَرَ خُبْزًا وَلَحْمًا، فَصَلَّوْا وَلَمْ يَتَوَضَّؤوا. رَوَاهُ أَحْمَدُ.
- وَعَنْ جَابِرٍ قَالَ: كَانَ آخِر الْأَمْرَيْنِ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ تَرْك الْوُضُوءِ مِمَّا مَسَّتْهُ النَّارُ. رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ.
وهذه النصوص إنما تنفي الإيجابَ لا الاستحباب؛ ولهذا قال للذي سأله: أنتوضأ من لحوم الغنم؟ إن شئتَ فتوضأ، وإن شئتَ فلا تتوضأ، ولولا أنَّ الوضوء من ذلك مستحبّ لما أذن فيه؛ لأنه إسراف وتضييع للماء بغير فائدةٍ.
الشيخ: وهذه الأحاديث كلها تدل على شرعية الوضوء مما مسَّت النار، وأنها غير واجبةٍ: أن الوضوء غير واجبٍ؛ ولهذا ثبت عنه ﷺ أنه أكل ما مسَّته النار ثم صلَّى ولم يتوضأ، فدلَّ ذلك على أنَّ الوضوء ليس بواجبٍ.
وقال جماعةٌ: إنه منسوخ، وأنَّ الرسول أمر بذلك، وأوجب ذلك مما مسَّت النار، ثم نُسخ ذلك؛ لأنه أكل بعد ذلك مما مسَّت النار ولم يتوضأ.
وقال جابر: كان آخر الأمرين من رسول الله ﷺ ترك الوضوء مما مسَّت النار. قالوا: هذا يدل على النَّسخ.
والصواب أنه ليس بمنسوخٍ، بل هو مستحبّ: إن شاء فعل، وإن شاء ترك؛ ولهذا أكل ﷺ ثم قال: وصلَّى ولم يتوضأ، واحتزَّ لحمًا ولم يتوضأ، وصلَّى ولم يتوضأ. فدل ذلك على أن الأمر فيه سعة والحمد لله: إن توضأ فلا بأس، وإن لم يتوضأ فلا بأس.
ويدل على ذلك قوله فيما رواه مسلم في "صحيحه" عن جابر بن سمرة: أن رجلًا قال: يا رسول الله، أنتوضأ من لحوم الغنم؟ قال: إن شئتَ، قال: أنتوضأ من لحوم الإبل؟ قال: نعم، وقوله: إن شئتَ يدل على أنه إن توضأ فلا بأس، وأنَّ هذا فيه فضل .....، فدلَّ على أنه إن توضأ من لحوم الغنم فذلك فيه فضل، وإن لم يتوضأ فلا حرج.
أما الإبل فيلزمه الوضوء؛ لأن لحمها ينقض الوضوء، فإذا أكل لحم إبلٍ وجب عليه الوضوء، أما لحم الغنم والبقر والصيد فلا وضوءَ فيه، إذا صلَّى ولم يتوضأ فلا حرج.
س: القائلون بعدم وجوب الوضوء من لحوم الإبل هل هم يستدلون بحديث جابر: كان آخر الأمرين؟
الشيخ: يتعلقون بحديث جابر وغيره: أن هذا ملحق بما مسته النار، ولكن الصواب أنَّ لحم الإبل خاصٌّ، له أمر خاص، أمر به النبي ﷺ خاصة: توضؤوا من لحوم الإبل خاص.
س: ما الحالات التي يُستحب الوضوء من أجلها؟
الشيخ: إذا مسَّت النار، أو شكَّ هل هو على حدث فأحبَّ أن يتوضأ فلا بأس، ولكن ما يلزم، لا يلزمه ذلك، وكذلك لو قام وكان عنده كسل وضعف وتوضأ لينشط، يكون تكرار الوضوء فيه أجر؛ للنشاط، أو للشك، أو ما أشبه ذلك.
بَابُ فَضْلِ الْوُضُوءِ لِكُلِّ صَلَاةٍ
- عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ ﷺ قَالَ: لَوْلَا أَنْ أَشُقَّ عَلَى أُمَّتِي لَأَمَرْتُهمْ عِنْدَ كُلِّ صَلَاةٍ بِوُضُوءٍ، وَمَعَ كُلِّ وُضُوءٍ بِسِوَاكٍ. رَوَاهُ أَحْمَدُ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ.
- وَعَنْ أَنَسٍ قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ يَتَوَضَّأُ عِنْدَ كُلِّ صَلَاةٍ، قِيلَ لَهُ: فَأَنْتُمْ كَيْفَ تَصْنَعُونَ؟ قَالَ: كُنَّا نُصَلِّي الصَّلَوَاتِ بِوُضُوءٍ وَاحِدٍ مَا لَمْ نُحْدِثْ. رَوَاهُ الْجَمَاعَةُ إلَّا مُسْلِمًا.
- وَعَنْ عَبْدِاللَّهِ بْنِ حَنْظَلَةَ: أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ كَانَ أُمِرَ بِالْوُضُوءِ لِكُلِّ صَلَاةٍ، طَاهِرًا كَانَ أَوْ غَيْرَ طَاهِرٍ، فَلَمَّا شَقَّ ذَلِكَ عَلَيْهِ أُمِرَ بِالسِّوَاكِ عِنْدَ كُلِّ صَلَاةٍ، وَوُضِعَ عَنْهُ الْوُضُوءُ إلَّا مِنْ حَدَثٍ، وَكَانَ عَبْدُاللَّهِ بْنُ عُمَرَ يَرَى أَنَّ بِهِ قُوَّةً عَلَى ذَلِكَ، كَانَ يَفْعَلُهُ حَتَّى مَاتَ. رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد.
- وَرَوَى أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ بِإِسْنَادٍ ضَعِيفٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ: أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ قَالَ: مَنْ تَوَضَّأَ عَلَى طُهْرٍ كَتَبَ اللَّهُ لَهُ بِهِ عَشْرَ حَسَنَاتٍ.
الشيخ: وهذه الأحاديث تدل على أنَّ الوضوء لكل صلاةٍ أفضل، ولكن لا يلزم؛ ولهذا كان ﷺ يتوضأ لكل صلاةٍ، ثم ترك ذلك، وصار يكفيه الوضوء لعدة صلوات، وصلى يوم الفتح -فتح مكة- عدة صلوات كلها بوضوءٍ واحدٍ، فسأله عمر عن ذلك، فقال: عمدًا فعلتُ؛ ليعلم الناس أنه يجزي الوضوء لعدة صلواتٍ، فمَن توضأ لكل صلاةٍ فهو أفضل وأنشط، ومَن بقي على طهارته وصلَّى عدة صلواتٍ فلا بأس؛ لو توضأ للظهر، ثم جاء العصر وهو على طهارةٍ وصلى به العصر، أو جاء المغرب وهو على طهارةٍ وصلى به المغرب فلا بأس، الأمر واسع والحمد لله، لكن إذا توضأ لكل صلاةٍ كان أفضل للنشاط والقوة وفضل الوضوء.
أما حديث: مَن توضأ على طهرٍ فله عشر حسنات فهذا حديث ضعيف، لكن الاستحباب مأخوذ من غير هذا، مَن توضأ على طهارةٍ فهو أفضل، وإلا فالأمر واسع والحمد لله؛ إذا صلى صلوات عديدة بوضوءٍ واحدٍ ولم يُحدث فالأمر واسع، وقد فعله النبي ﷺ لبيان التوسعة على أمته وعدم المشقة، فلا يُعيد الوضوء إلا لمصلحةٍ، أما كونه يتوضأ ثم يُعيد الوضوء لا، غير مشروعٍ، لكن لو أعاده عند وقتٍ آخر، أو عند وجود كسلٍ أو نعاسٍ فهذا أمر مطلوب.
س: إذًا إذا توضأ مثلًا الإنسان لصلاة الظهر، ثم جاء وقت العصر وهو على طهارته الأولى، هل نقول له: الأفضل لك أن تُجدد الوضوء؟
الشيخ: إن جدده أفضل، وإلا ما هو بلازم، وإذا ترك ذلك ليعلم الناسُ عن الحكم الشرعي كما فعله النبي ﷺ فحسن.
س: الحديث الأخير يا سماحة الشيخ قال عنه المؤلف: بإسنادٍ ضعيفٍ؟
الشيخ: نعم، هذا تقدم: من توضأ على طهارةٍ كتب له عشر حسنات هو ضعيف، يُرجا له أكثر من هذا، أكثر من عشر حسنات، إذا توضأ على طهرٍ يُرجا له أكثر من ذلك.
س: الحكم بالنسبة للعمل بالحديث الضعيف، هل له شروط؟
الشيخ: لا، يُستأنس به في الفضائل، ولا يُعتمد عليه في الأحكام، لكن يُستأنس به في الفضائل.
بَابُ اسْتِحْبَابِ الطَّهَارَةِ لِذِكْرِ اللَّهِ وَالرُّخْصَةِ فِي تَرْكِهِ
- عَنِ الْمُهَاجِرِ بْنِ قُنْفُذٍ: أَنَّهُ سَلَّمَ عَلَى النَّبِيِّ ﷺ وَهُوَ يَتَوَضَّأُ، فَلَمْ يَرُدَّ عَلَيْهِ حَتَّى فَرَغَ مِنْ وُضُوئِهِ فَرَدَّ عَلَيْهِ، وَقَالَ: إنَّهُ لَمْ يَمْنَعْنِي أَنْ أَرُدَّ عَلَيْكَ إلَّا أَنِّي كَرِهْتُ أَنْ أَذْكُرَ اللَّهَ إلَّا عَلَى طَهَارَةٍ. رَوَاهُ أَحْمَدُ وَابْنُ مَاجَهْ بِنَحْوِهِ.
- وَعَنْ أَبِي جُهَيْمِ بْنِ الْحَارِثِ قَالَ: أَقْبَلَ النَّبِيُّ ﷺ مِنْ نَحْوِ بِئْرِ جَمَلٍ، فَلَقِيَهُ رَجُلٌ فَسَلَّمَ عَلَيْهِ، فَلَمْ يَرُدَّ النَّبِيُّ ﷺ، حَتَّى أَقْبَلَ عَلَى الْجِدَارِ فَمَسَحَ بِوَجْهِهِ وَيَدَيْهِ، ثُمَّ رَدَّ عَلَيْهِ السَّلَامَ. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
ومن الرُّخصة في ذلك حديث عبدالله بن سلمة، عن عليٍّ. وحديث ابن عباسٍ، قال: بتُّ عند خالتي ميمونة. وسنذكرهما.
- وَعَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ يَذْكُرُ اللَّهَ عَلَى كُلِّ أَحْيَانِهِ. رَوَاهُ الْخَمْسَةُ إلَّا النَّسَائِيَّ، وَذَكَرَهُ الْبُخَارِيُّ بِغَيْرِ إسْنَادٍ.
الشيخ: وهذه الأحاديث تدل على أنَّ الأفضل إذا تيسر ذكر الله على طهارةٍ أفضل، كما فعله النبيُّ ﷺ، إذا تيسر ذلك فهو أفضل، وإلا فلا حرج، مثلما قالت عائشةُ رضي الله عنها: كان النبيُّ يذكر الله على كل أحيانه. كان ﷺ يذكر الله وهو على غير وضوءٍ، يذكر الله، ويقرأ القرآن، لكن إذا تيسر أن يكون ذلك عن طهارةٍ فهو أفضل، وإلا فالأمر واسع والحمد لله.
بَابُ اسْتِحْبَابِ الْوُضُوءِ لِمَنْ أَرَادَ النَّوْمَ
- عَنِ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ ﷺ: إذَا أَتَيْتَ مَضْجَعَك فَتَوَضَّأْ وُضُوءَك لِلصَّلَاةِ، ثُمَّ اضْطَجِعْ عَلَى شِقِّك الْأَيْمَنِ، ثُمَّ قُلْ: اللَّهُمَّ أَسْلَمْتُ نَفْسِي إلَيْك، وَوَجَّهْتُ وَجْهِي إلَيْك، وَفَوَّضْتُ أَمْرِي إلَيْك، وَأَلْجَأْتُ ظَهْرِي إلَيْك؛ رَغْبَةً وَرَهْبَةً إلَيْك، لَا مَلْجَأَ وَلَا مَنْجَى مِنْك إلَّا إلَيْك، اللَّهُمَّ آمَنْتُ بِكِتَابِك الَّذِي أَنْزَلْتَ، وَنَبِيِّك الَّذِي أَرْسَلْتَ، فَإِنْ مِتَّ مِنْ لَيْلَتِك فَأَنْتَ عَلَى الْفِطْرَةِ، وَاجْعَلْهُنَّ آخِرَ مَا تَتَكَلَّمُ بِهِ.
قَالَ: فَرَدَّدْتهَا عَلَى النَّبِيِّ ﷺ، فَلَمَّا بَلَغْتُ: اللَّهُمَّ آمَنْتُ بِكِتَابِك الَّذِي أَنْزَلْتَ، قُلْتُ: وَرَسُولِك، قَالَ: لَا، وَنَبِيِّك الَّذِي أَرْسَلْتَ. رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالْبُخَارِيُّ وَالتِّرْمِذِيُّ.
الشيخ: وهذا يدل على استحباب الوضوء عند النوم: أنه يُستحب للمؤمن أن يتوضأ عند النوم، كما كان النبي يفعل عليه الصلاة والسلام، هذا أفضل: يتوضأ عند النوم، وينام على طهارةٍ، هذا هو الأفضل، وإن لم يفعل فلا حرج، لكن هذا هو الأفضل، ويُستحب له أن يقول في آخر ما يقول إذا اضطجع على فراشه: اللَّهُمَّ أَسْلَمْتُ نَفْسِي إلَيْك، وَوَجَّهْتُ وَجْهِي إلَيْك، وَفَوَّضْتُ أَمْرِي إلَيْك، وَأَلْجَأْتُ ظَهْرِي إلَيْك؛ رَغْبَةً وَرَهْبَةً إلَيْك، لَا مَلْجَأَ وَلَا مَنْجَى مِنْك إلَّا إلَيْك، اللَّهُمَّ آمَنْتُ بِكِتَابِك الَّذِي أَنْزَلْتَ، وَنَبِيِّك الَّذِي أَرْسَلْتَ، يأتي بهذا اللَّفظ ويقول: "باسمك أحيا وأموت"، يرقد على جنبه الأيمن أفضل، ويقول: "اللهم باسمك أحيا وأموت"، "اللهم باسمك أموت وأحيا"، اللهم باسمك ربي وضعتُ جنبي، وبك أرفعه، إن أمسكتَ نفسي فارحمها، وإن أرسلتَها فاحفظها بما تحفظ به عبادك الصَّالحين".
ويُستحب له أن يُسبح الله، ويُكبر الله، ويحمده ثلاثًا وثلاثين، ثم يقول تمام المئة: "الله أكبر"، فيكون التَّسبيح ثلاثًا وثلاثين، والتحميد ثلاثًا وثلاثين، والتكبير أربعًا وثلاثين عند النوم، هذا هو الأفضل، ويأتي بآية الكرسي عند النوم أفضل، ويقرأ قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ [الإخلاص]، والمعوذتين عند النوم ثلاث مرات أفضل.
كل هذا سنة عند النوم، ولكن يكون في آخر ما يقول، أو آخر ما يقول: اللهم أسلمتُ نفسي إليك، وفوضتُ أمري إليك، ووجهتُ وجهي إليك، وألجأتُ ظهري إليك؛ رغبةً ورهبةً إليك، لا ملجأ ولا منجى منك إلا إليك، آمنتُ بكتابك الذي أنزلتَ، وبنبيك الذي أرسلتَ.
لما قال البراءُ: "ورسولك الذي أرسلتَ"، قال: لا، قل: ونبيك؛ لأنَّ الرسول ما يقول: الرسول الذي أرسلتَ، الرسول رسول، لكن يُقال: نبيك الذي أرسلتَ، النبي قد يكون رسولًا، وقد يكون غير رسولٍ؛ فلهذا نبَّهه قال: ونبيك الذي أرسلتَ.
س: بعض العامَّة قد لا يحفظ مثل هذه الأحاديث، فبماذا يقتصر عليه؟
الشيخ: الأفضل يتعلم هذا، ولكن الحمد لله: فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ [التغابن:16]، يفعل ما حفظ، إذا تيسر أن يحفظ هذا كله: يتوضأ عند النوم، ويقول: "باسمك اللهم أموت وأحيا"، "اللهم باسمك ربي وضعتُ جنبي، وبك أرفعه، إن أمسكتَ نفسي فارحمها، وإن أرسلتَها فاحفظها بما تحفظ به عبادك الصَّالحين"، ويُسبح الله ويحمده ثلاثًا وثلاثين، ويُكبر الله أربعًا وثلاثين، هذه مئة، ويقرأ آية الكرسي: اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ [البقرة:255]، كلها بحمد الله مُيسرة، ويقرأ: قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ [الإخلاص]، والمعوذتين ثلاث مرات عند النوم، ويكون على جنبه الأيمن أفضل أول ما يضطجع.
ويختم ذلك بقوله: اللهم أسلمتُ نفسي إليك، وفوضتُ أمري إليك، ووجهتُ وجهي إليك، وألجأتُ ظهري إليك؛ رغبةً ورهبةً إليك، لا ملجأ ولا منجى منك إلا إليك، آمنتُ بكتابك الذي أنزلتَ، ونبيك الذي أرسلتَ، وإذا لم يحفظ إلا بعضها فالحمد لله، أتى بما يحفظ والحمد لله، كلها مستحبة، ما هي بلازمة، يأتي بما تيسر والحمد لله.
بَابُ تَأْكِيدِ ذَلِكَ لِلْجُنُبِ وَاسْتِحْبَابِ الْوُضُوءِ لَهُ لِأَجْلِ الْأَكْلِ وَالشُّرْبِ وَالْمُعَاوَدَةِ
- عَنِ ابْنِ عُمَرَ: أَنَّ عُمَرَ قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَيَنَامُ أَحَدُنَا وَهُوَ جُنُبٌ؟ قَالَ: نَعَمْ إذَا تَوَضَّأَ.
- وَعَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ إذَا أَرَادَ أَنْ يَنَامَ وَهُوَ جُنُبٌ غَسَلَ فَرْجَهُ وَتَوَضَّأَ وُضُوءَهُ لِلصَّلَاةِ. رَوَاهُمَا الْجَمَاعَةُ.
- وَلِأَحْمَدَ وَمُسْلِمٍ عَنْهَا قَالَتْ: كَانَ النَّبِيُّ ﷺ إذَا كَانَ جُنُبًا فَأَرَادَ أَنْ يَأْكُلَ أَوْ يَنَامَ تَوَضَّأَ وضوءه للصلاة.
- وَعَنْ عَمَّارِ بْنِ يَاسِرٍ: أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ رَخَّصَ لِلْجُنُبِ إذَا أَرَادَ أَنْ يَأْكُلَ أَوْ يَشْرَبَ أَوْ يَنَامَ أَنْ يَتَوَضَّأَ وُضُوءَهُ لِلصَّلَاةِ. رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَالتِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ.
- وَعَنْ أَبِي سَعِيدٍ، عَنِ النَّبِيِّ ﷺ قَالَ: إذَا أَتَى أَحَدُكُمْ أَهْلَهُ ثُمَّ أَرَادَ أَنْ يَعُودَ فَلْيَتَوَضَّأْ. رَوَاهُ الْجَمَاعَةُ إلَّا الْبُخَارِيَّ.
الشيخ: وهذا أيضًا هذه الأحاديث كلها تدل على استحباب الوضوء للجنب إذا أراد أن ينام، يُستحبّ له أن يتوضأ قبل أن ينام، كما كان النبيُّ يفعل ﷺ، وقال لعمر كذلك: "توضأ ثم نم"، فالسنة للجنب أن يتوضأ ثم ينام، يعني: يغسل فرجه ويتوضأ وضوء الصلاة إذا لم يغتسل، إذا أحبَّ أن يُؤخر الغسل إلى آخر الليل لا بأس، فيتوضأ، يغسل فرجه ويتوضأ وضوءه للصلاة، هذا هو الأفضل عند نومه، وهكذا إذا أراد أن يأكل يُستحب له أن يتوضأ قبل أن يأكل، وهكذا إذا أراد أن يُعاود الوطء، إذا جامع زوجته ثم أراد أن يُعاود يُستحب له أن يتوضأ بينهما وضوءًا، هذا هو السنة.
أما رواية عمار: "أو يشرب"، فزيادة "أو يشرب" فيها ضعف؛ لأنَّ رواية عمار فيها انقطاع، وإنما المحفوظ النوم والأكل، إذا أراد أن ينام أو يأكل يُستحب له الوضوء، أما الشرب فيعرض للإنسان كثيرًا، فلا يتعلق به وضوء؛ لأنَّ أمر الشرب خفيف، لكن إذا أراد أن يأكل أو ينام استحبّ له الوضوء.
باب جواز ترك ذلك
- عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: كَانَ النَّبِيُّ ﷺ إذَا أَرَادَ أَنْ يَأْكُلَ أَوْ يَشْرَبَ وَهُوَ جُنُبٌ يَغْسِلُ يَدَيْهِ ثُمَّ يَأْكُلُ وَيَشْرَبُ. رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالنَّسَائِيُّ.
- وَعَنْهَا أَيْضًا قَالَتْ: كَانَ النَّبِيُّ ﷺ إذَا كَانَ لَهُ حَاجَةٌ إلَى أَهْلِهِ أَتَاهُمْ، ثُمَّ يَعُودُ وَلَا يَمَسُّ مَاءً. رَوَاهُ أَحْمَدُ.
وَلِأَبِي دَاوُد وَالتِّرْمِذِيِّ عَنْهَا: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ يَنَامُ وَهُوَ جُنُبٌ وَلَا يَمَسُّ مَاءً.
وهذا لا يُناقض ما قبله، بل يُحمل على أنه كان يترك الوضوء أحيانًا لبيان الجواز.
الشيخ: الأحاديث هذه ضعيفة، المحفوظ عنه ﷺ أنه كان يتوضأ، وهذه الرواية قد وهم فيها أبو إسحاق؛ لأنه رواها بالعنعنة، وهو إذا روى بالعنعنة لا يُحتج به.
فالمقصود أنَّ هذه الروايات التي فيها ترك الوضوء وترك مسّ الماء قبل أن ينام وهو جنب كلها ضعيفة، والصواب أن السنة أن يتوضأ قبل أن ينام إذا كان جنبًا.
المقدم: شكر الله لكم سماحة الشيخ، وبارك الله فيكم وفي علمكم، ونفع بكم الإسلام والمسلمين.