باب مَن نام أول الليل وأحيا آخره
وقال سلمانُ لأبي الدَّرداء رضي الله عنهما: نَمْ. فلما كان من آخر الليل قال: قُمْ. قال النبي ﷺ: صدق سلمانُ.
1146- حدثنا أبو الوليد: حدثنا شعبة. ح، وحدثني سليمان، قال: حدثنا شعبة، عن أبي إسحاق، عن الأسود قال: سألتُ عائشة رضي الله عنها: كيف كانت صلاة النبي ﷺ بالليل؟ قالت: كان ينام أوَّله ويقوم آخره فيُصلِّي، ثم يرجع إلى فراشه، فإذا أذَّن المُؤذِّنُ وَثَبَ، فإن كان به حاجةٌ اغْتسل، وإلَّا توضَّأ وخرج.
الشيخ: وهذا الذي ذكره المؤلفُ هنا هو ما تقدّم: أن الرسول ﷺ كان أوتر في أول الليل، ثم في وسطه، ثم في آخره، فانتهى وتره إلى السَّحر. استقرَّ وتره في الثلث الأخير، وقت التَّنزل الإلهي.
وهكذا فعل سلمانُ لما زار أبا الدَّرداء وأراد أن يقوم من أول الليل، قال له: نم. فلما كان الثلث الأخير قام وصلّيا جميعًا، فقال له سلمان: "إنَّ لأهلك عليك حقًّا، ولزوجك عليك حقًّا، ولضيفك عليك حقًّا، فأعطِ كل ذي حقٍّ حقَّه"، فقال النبي ﷺ: صدق سلمان.
هذا يدل على أن التهجد في آخر الليل أفضل؛ لأنه يُوافق الثلث الأخير الذي فيه نزول الرب .
والجمع بين ذلك وبين حديث ..... يقول ﷺ: أحبّ الصلاة إلى الله صلاة داود؛ كان ينام نصف الليل، ويقوم ثلثه، وينام سدسه: أن الثلث الأخير يجمع سدس الخامس الذي هو من محله من وقت قيام داود، ويجمع السدس الأخير الذي هو من الثلث الأخير، فيكون جمع بين سدسين: السدس الذي هو من الثلث الأخير، والسدس الذي هو الثلث الأخير، آخر الثلث الأخير.
ويحتمل أن يُقال: أنه ﷺ علم أخيرًا أن التهجد في الثلث الأخير بما كان عليه داود، ولكن الجمع بين الحديثين أولى، فيكون قد جمع بين سدسٍ من وقت داود، وسدسٍ من آخر الليل، وهو السدس الأخير، فإنَّ الثلث الذي بعد النصف يشتمل على السدس الرابع والسدس الخامس، فإذا قام الثلث الأخير فقد أخذ سدسًا من الثلث الثاني، وهو السدس الرابع، وأخذ السدس ..... الأخير، وهو السدس الخامس، فإن داود كان ينام نصف الليل، ويقوم ثلثه، يعني: السدس الرابع والخامس، وينام سدسه الأخير حتى يتقوَّى على العمل، فأعمال المسلمين في النهار، وكله خير، الليل كله خير، كل التهجد بالليل خير، ولكن تحري الوقتين من النصف الأخير حتى يجمع بين ثلث الليل الذي يقوم فيه داود، وبين شيءٍ من الثلث الأخير الذي يتنزل فيه الرب ، يقول ﷺ: ينزل ربنا إلى السماء الدنيا كل ليلةٍ حين يبقى ثلثُ الليل الآخر، فيقول: مَن يدعوني فأستجيب له؟ مَن يسألني فأُعطيه؟ مَن يستغفر فأغفر له.
وهذا وقتٌ عظيمٌ ينبغي للمؤمن والمؤمنة الحرص عليه؛ لما فيه من هذا الوعد العظيم: هل من داعٍ فيُستجاب له؟ هل من سائلٍ فيُعطى سُؤله؟ هل من مُستغفرٍ فيُغفر له؟ وفي اللفظ الآخر: هل من تائبٍ فيُتاب عليه؟، نعم.
س: ............؟
ج: هذا مُجملٌ، والأحاديث يُفسّر بعضُها بعضًا، كان يُصلي سنة الفجر في البيت، ثم يخرج، يعني: يتوجّه إلى محل الإمامة، والأحاديث المجملة تُفسّرها الأحاديث المفصّلة.
س: ............؟
ج: الظاهر أنه بعد صلاة العشاء.
بابُ قيام النبي ﷺ بالليل في رمضان وغيره
1147- حدثنا عبدالله بن يوسف، قال: أخبرنا مالكٌ، عن سعيد بن أبي سعيدٍ المَقْبُرِيِّ، عن أبي سلمة ابن عبدالرحمن أنه أخبره: أنه سأل عائشةَ رضي الله عنها: كيف كانت صلاةُ رسول الله ﷺ في رمضان؟ فقالت: ما كان رسول الله ﷺ يزيد في رمضان ولا في غيره على إحدى عشرة ركعةً، يُصلي أربعًا، فلا تَسَلْ عن حُسْنِهنَّ وطولهنَّ، ثم يُصلي أربعًا، فلا تَسَلْ عن حُسْنِهنَّ وطولهنَّ، ثم يُصلي ثلاثًا.
قالت عائشة: فقلتُ: يا رسول الله، أتنامُ قبل أن تُوتِرَ؟ فقال: يا عائشة، إنَّ عَيْنَيَّ تنامان، ولا ينام قلبي.
الشيخ: وقد ظنَّ بعض الناس أنَّ قولها: "يُصلِّي أربعًا" يعني: الجميع، وليس بصحيحٍ، مُرادها الثنتين، ثم تسليمتين، ثم الوتر ثلاثٌ؛ لأن أحاديثها رضي الله عنها يُفسّر بعضُها بعضًا، وقد سبق أنها قالت: "كان يُصلي من الليل عشر ركعات، يُسلّم من كل ثنتين، ثم يُوتر بواحدةٍ".
وهكذا قال ابن عباسٍ: أنه صلَّى معه، فصلَّى ثنتين، ثم ثنتين، إلى آخره.
وهكذا في حديث ابن عمر في "الصحيحين": صلاة الليل مثنى مثنى.
فهذه أحاديث مُحكمة، صريحة، ما اشتبه منها يُفسّر بهذه الأحاديث الصحيحة، فقولها: "أربعًا" ما قالت: بسلامٍ واحدٍ، يُصلِّي أربعًا يعني: يُسلّم تسليمتين.
وقولها: "ما كان يزيد في رمضان ولا في غيره على إحدى عشرة ركعة" يعني: غالبًا، وإلا فقد يزيد، فقد روت هي نفسها وروى ابن عباسٍ نفسه وزيد بن خالد أنه ربما أوتر بثلاث عشرة، صلَّى ثلاث عشرة عليه الصلاة والسلام. نعم.
س: ...........؟
ج: لا، ما يُكره النوم قبل الوتر، ينام قبل الوتر، ويُوتر آخر الليل أفضل، كونه ينام أول الليل ثم يُوتر آخره أفضل، لكن تسأله إذا اضطجع: هل ينام؟ قال: تنام عيناي، ولا ينام قلبي، هذا شيءٌ خاصٌّ به ﷺ؛ ولهذا يقوم ويُصلي بغير وضوءٍ.
س: "أربعًا ثم أربعًا" على أي شيءٍ يُحمل؟
ج: على تخصيصه بمزيد عنايةٍ، بمزيد قراءةٍ، طوله في القراءة والركوع، لكن كانت الأربع الأولى أطول من الثانية؛ ولهذا فصلت بينهما.
س: كيف نجمع بين قوله: إن عيناي تنامان، ولا ينام قلبي، وحادثة أنه نام عن صلاة الفجر؟
ج: ما في مانع، قلبه محفوظٌ على الوجه الذي يعلمه الله، ولا يمنع هذا من النوم الذي يجعله لا يشعر بالصبح، ما في مانع، قلبه محفوظٌ من جهة ما فيه من ذكر الله وتعظيم الله.
وكون عينيه تنامان حتى لا يشعر بالفجر، ولا يشعر بالوقت .....
س: أول ما يستفتح يُصلي ركعتين خفيفتين، ألا يفهم من هذا أنَّ الأربع لا تسأل عن حسنهنَّ وطولهنَّ؟
ج: يُصلي ركعتين استفتاحًا، ما تُحسب من الإحدى عشر، ولا من الثلاثة عشر. نعم.
س: نوم الرسول ﷺ ينقض الوضوء؟
ج: ما ينقض الوضوء، لا؛ ولهذا ربما اضطجع ونفخ، ثم قام وصلَّى، مثلما قال ابن عباسٍ.
الشيخ: "حتى إذا كبر" يعني: كبرت سِنُّه.
تقدّم لكم غير مرةٍ أن أحاديث عائشة وما جاء في معناها تدل على أنه ﷺ في آخر حياته صارت له أربع أحوالٍ:
إحداهن: يُصلي جالسًا، يقرأ جالسًا، ويركع جالسًا، ويسجد جالسًا.
الثانية: يقرأ قائمًا، ويركع قائمًا.
الثالثة: يقرأ جالسًا، فإذا بقي عليه ثلاثون آية أو أربعون آية قام فقرأها وهو واقفٌ، ثم ركع.
الحالة الرابعة: أنه يقرأ جالسًا، فإذا كان عند الركوع قام وركع.
هذه أربع أحوالٍ صارت في ليله عليه الصلاة والسلام، وهذا في آخر حياته، أما قبل ذلك حين قوته فكان يُصلي قائمًا عليه الصلاة والسلام في قراءته وركوعه ..... وهو قائمٌ عليه الصلاة والسلام، وهذا أفضل.
وإن صلَّى جالسًا فله النصف مع القُدرة، أما مع العجز فأجره كاملٌ وإن صلَّى قاعدًا. نعم.
س: بعض الناس إذا قام الإمام بقي جالسًا حتى يقرب من الركوع، ثم يركع؟
ج: إن كان عاجزًا لا حرج، أما إن كان قويًّا ما تصحّ صلاته، لا بد من القيام، فالقيام ركنٌ في صلاة الفريضة، لكن إن كان عاجزًا وجلس حتى يقرب من الركوع ثم قام لا حرج، وهكذا جلسة الاستراحة؛ فكونه يجلس قليلًا بعد الأولى وبعد الثالثة هذه تُسمّى: جلسة الاستراحة، وهي سنة للإمام والمأموم والمنفرد، لكنها خفيفة، ليس فيها ذكرٌ ولا دعاءٌ، هذا الصحيح، مثل: الجلوس بين السجدتين. نعم.
س: الحالة الرابعة في قيام الليل؟
ج: أنه كان يقرأ وهو جالسٌ، فإذا قارب الركوع قام وركع.
س: .............؟
ج: الظاهر كذلك: "كَبُرَ" صار كبيرًا، و"كَبِرَ" يعني: ارتفعت سِنُّه.
باب فضل الطُّهور بالليل والنهار، وفضل الصلاة بعد الوضوء بالليل والنهار
1149- حدثنا إسحاق بن نصرٍ: حدثنا أبو أسامة، عن أبي حيَّان، عن أبي زُرعة، عن أبي هريرة : أن النبي ﷺ قال لبلالٍ عند صلاة الفجر: يا بلال، حدِّثْني بأرجى عملٍ عملتَه في الإسلام، فإنِّي سمعتُ دَفَّ نعليك بين يديَّ في الجنة، قال: ما عملتُ عملًا أرجى عندي: أنِّي لم أتطهَّر طهورًا في ساعة ليلٍ أو نهارٍ إلَّا صلَّيتُ بذلك الطُّهور ما كُتِبَ لي أن أصلِّي.
قال أبو عبدالله: دَفَّ نعليك يعني: تحريك.
الشيخ: وهذا فيه الدلالة على أن سنة الوضوء من ذوات الأسباب، وفي اللفظ الآخر: "إلا صليتُ ركعتين"، فهي من ذوات الأسباب، إذا توضأ ولو بعد العصر أو بعد الصبح صلَّى ركعتين، هذا هو الراجح، كما لو دخل المسجد بعد الفجر أو بعد العصر وصلَّى ركعتين تحية المسجد، وكما لو كسفت الشمس وصلَّى الكسوف بعد العصر، وكما لو طاف بعد العصر في مكّة أو بعد الصبح وصلَّى ركعتي الطواف؛ لأنها من ذوات الأسباب، هذا هو الراجح، هذا هو الأرجح من أقوال العلماء في ذلك.
ولهذا في الحديث الصحيح يقول ﷺ: يا بني عبد مناف، لا تمنعوا أحدًا طاف بهذا البيت وصلَّى أية ساعةٍ شاء من ليلٍ أو نهارٍ.
وهكذا قول بلالٍ هنا: "في ساعة ليلٍ أو نهارٍ"، أيش قال الشارح عليه؟ "القاموس" حاضر؟
الطالب: نعم، أحسن الله إليك.
الشيخ: انظر: كَبُر وكَبِر، فصّل فيه؟
الطالب: قال: "كَبُرَ ككَرُمَ، كِبَرًا، كعِنَبٍ، وكُبْرًا بالضم، وكَبَارَةً بالفتح: نَقيضُ صَغُرَ، فهو كبيرٌ وكُبَّارٌ". ثم ذكر وقال: "وكَبِرَ كَفَرِحَ، كِبَرًا، كعِنَبٍ، ومَكْبِرًا كمَنْزِلٍ: طَعَنَ في السِّنِّ".
الشيخ: هذا هو الظاهر: "كبِر" زاد وطعن في السن، وارتفعت سِنُّه، و"كبُر" صار عظيمًا، ضد الحقارة، "كبُر" يعني: صار عظيمًا برياسةٍ، أو علمٍ، أو نحو ذلك. نعم.
س: الوجه واحدٌ؟
ج: كبُر بها، وكبِر لها معنى، كبِر: ارتفعت سِنُّه، وكبُر: صار كبيرًا من جهة معنًى آخر: إما وظيفة، أو علم، أو رياسة، أو ما أشبه ذلك.
س: في السن .....؟
ج: كبِر. نعم.
س: ركعتا الاستخارة من ذوات الأسباب؟
ج: الأقرب -والله أعلم- أنها ما هي من ذوات الأسباب؛ لأن وقتها واسعٌ، لكن قد تقع في بعض الأحوال من ذوات الأسباب: كأن يكون مثلًا يعرض له عارضٌ بعد العصر لا يستطيع تأخيره، ويحتاج إلى الاستخارة فيه، فتكون حينئذٍ من ذوات الأسباب في هذه الحالة، لو عرض عارضٌ لا يجوز تأخيره؛ لبُعد المغرب، والحاجة ماسّة إلى الاستخارة فيه، فالأقرب -والله أعلم- أنها تكون من ذوات الأسباب في هذه الحالة الخاصّة.
س: ...........؟
ج: قد لا يحتاج إلى وضوءٍ، قد يكون على طهارةٍ بعد صلاة العصر، وإذا توضأ تكون لأجل الوضوء، ما تصير استخارة، تصير سنة الوضوء، فإذا نوى بسنة الوضوء سنة الاستخارة اجتمعتا.
س: بلالٌ حين يتطهر هل يُصلي في أوقات النهي؟
ج: ما سمعته أيش يقول: "في أي ساعةٍ من ليلٍ أو نهارٍ"؟!
س: طيب، أوقات النهي؟
ج: "في أي ساعةٍ" ما يعمّ؟! "أي ساعةٍ" نكرة في سياق الشرط. اللهم اهدنا فيمَن هديتَ.
قوله: "عن أبي حيان" هو يحيى بن سعيد التيمي، وصرَّح به في رواية مسلمٍ من هذا الوجه.
وأبو زرعة هو ابن عمرو بن جرير بن عبدالله البجلي.
قوله: "قال لبلال" أي: ابن رباح المؤذن.
وقوله: "عند صلاة الفجر" فيه إشارة إلى أن ذلك وقع في المنام؛ لأن عادته ﷺ أنه كان يقصّ ما رآه، ويُعبّر ما رآه أصحابه كما سيأتي في كتاب التعبير بعد صلاة الفجر.
قوله: "بأرجى عملٍ" بلفظ أفعل التفضيل المبني من المفعول، وإضافة العمل إلى الرجاء لأنه السبب الداعي إليه.
قوله: "في الإسلام" زاد مسلمٌ في روايته: "منفعة عندك".
قوله: "أني" بفتح الهمزة، ومن مُقدّرة قبلها صِلة لأفعل التفضيل، وثبتت في رواية مسلم، ووقع في رواية الكشميهني "أن" بنون خفيفة بدل "أني".
قوله: فإني سمعت زاد مسلم: الليلة، وفيه إشارة إلى أنَّ ذلك وقع في المنام.
قوله: دَفَّ نعليك بفتح المهملة، وضبطها المحبُّ الطبري بالإعجام، والفاء مُثقّلة، وقد فسّره المصنف في رواية كريمة بالتحريك.
وقال الخليل: دفّ الطائر: إذا حرَّك جناحيه وهو قائمٌ على رجليه.
وقال الحميدي: الدّف: الحركة الخفيفة والسير اللَّين.
ووقع في رواية مسلم: "خشف" بفتح الخاء وسكون الشين المعجمتين، وتخفيف الفاء.
قال أبو عبيد وغيره: الخشف: الحركة الخفيفة. ويُؤيده ما سيأتي في أول مناقب عمر من حديث جابرٍ: سمعت خشفة، ووقع في حديث بُريدة عند أحمد والترمذي وغيرهما: خشخشة بمعجمتين مُكررتين، وهو بمعنى: الحركة أيضًا.
قوله: "طهورًا" زاد مسلمٌ: "تامًّا"، والذي يظهر أنه لا مفهومَ لها، ويحتمل أن يخرج بذلك الوضوء اللغوي، فقد يفعل ذلك لطرد النوم مثلًا.
قوله: "في ساعةٍ ليلٍ أو نهارٍ" بتنوين "ساعة"، وخفض "ليل" على البدل، وفي رواية مسلم: "في ساعةٍ من ليلٍ أو نهارٍ".
قوله: "إلا صليت" زاد الإسماعيلي: "لربي".
قوله: "ما كُتِبَ لي" أي: قدّر، وهو أعمّ من الفريضة والنافلة.
قال ابنُ التين: إنما اعتقد بلالٌ ذلك لأنه علم من النبي ﷺ أن الصلاة أفضل الأعمال، وأن عمل السر أفضل من عمل الجهر، وبهذا التقرير يندفع إيراد مَن أورد عليه غير ما ذُكر من الأعمال الصالحة، والذي يظهر أن المراد بالأعمال التي سأله عن إرجائها.
الشيخ: عن أرجاها.
قارئ المتن: عندي: عن إرجائها.
الشيخ: لا، غلط: عن أرجاها.
التي سأله عن أرجاها الأعمال المتطوع بها، وإلا فالمفروضة أفضل قطعًا.
ويُستفاد منه جواز الاجتهاد في توقيت العبادة؛ لأن بلالًا توصل إلى ما ذكرنا بالاستنباط، فصوّبه النبي ﷺ.
وقال ابن الجوزي: فيه الحث على الصلاة عقب الوضوء؛ لئلا يبقى الوضوء خاليًا عن مقصوده.
وقال المهلب: فيه أنَّ الله يعظم المجازاة على ما يسره العبد من عمله.
وفيه سؤال الصالحين عما يهديهم الله له من الأعمال الصالحة؛ ليقتدي بها غيرهم في ذلك.
وفيه أيضًا سؤال الشيخ عن عمل تلميذه؛ ليحضّه عليه ويُرغّبه فيه إن كان حسنًا، وإلا فينهاه.
واستدلّ به على جواز هذه الصلاة في الأوقات المكروهة؛ لعموم قوله: "في كل ساعةٍ"، وتعقب بأن الأخذ بعمومه ليس بأولى من الأخذ بعموم النهي.
وتعقبه ابن التين بأنه ليس فيه ما يقتضي الفورية، فيُحمل على تأخير الصلاة قليلًا؛ ليخرج وقتُ الكراهة، أو أنه كان يُؤخّر الطهور إلى آخر وقت الكراهة؛ لتقع صلاته في غير وقت الكراهة، لكن عند الترمذي وابن خزيمة من حديث بُريدة في نحو هذه القصة: "ما أصابني حدثٌ قط إلا توضأتُ عندها"، ولأحمد من حديثه: "ما أحدثتُ إلا توضأت وصليتُ ركعتين"، فدلّ على أنه كان يعقب الحدث بالوضوء، والوضوء بالصلاة في أي وقتٍ كان.
وقال الكرماني: ظاهر الحديث أن السماع المذكور وقع في النوم؛ لأن الجنة لا يدخلها أحدٌ إلا بعد الموت، ويحتمل أن يكون في اليقظة؛ لأن النبي ﷺ دخلها ليلة المعراج، وأما بلالٌ فلا يلزم من هذه القصة أنه دخلها؛ لأن قوله: "في الجنة" ظرفٌ للسماع، ويكون الدّف بين يديه خارجًا عنها. انتهى.
ولا يخفى بُعْد هذا الاحتمال؛ لأن السياق مُشعرٌ بإثبات فضيلة بلال؛ لكونه جعل السبب الذي بلغه إلى ذلك ما ذكره من ملازمة التطهر والصلاة، وإنما ثبتت له الفضيلة بأن يكون رُؤي داخل الجنة، لا خارجًا عنها.
وقد وقع في حديث بُريدة المذكور: يا بلال، بِمَ سبقتني إلى الجنة؟ وهذا ظاهرٌ في كونه رآه داخل الجنة، ويؤيد كونه وقع في المنام ما سيأتي في أول مناقب عمر.
الشيخ: يكفي، والحديث واضحٌ، وكثرة الاحتمالات تُوهن الأحكام، وتُوهن المعاني، والحديث واضحٌ في أن سنة الوضوء مُؤكّدة، وفي حديث عثمان : يقول ﷺ: مَن توضأ نحو وضوئي هذا، ثم صلَّى ركعتين لا يُحدِّث فيهما نفسه؛ غفر الله له ما تقدّم من ذنبه.
الحاصل أن الوضوء قُربة، ومن أسباب تكفير السيئات، وإذا أتبعه بركعتين صار نورًا إلى نورٍ، وخيرًا إلى خيرٍ، في أي وقتٍ.
والنهي عن العبادة في أوقات النهي إنما المقصود منه سدّ الذريعة عن التَّشبه بالمشركين في عبادتهم للشمس عند طلوعها وغروبها، والمؤمن حين قام يُصلي بسبب الوضوء ليس له قصدٌ في التَّشبه، وليس قريبًا من ذلك، بل هو بعيدٌ عن التَّشبه بهم، وإنما أراد إحياء هذه السنة، وفعل هذه السنة التي بيَّنها الرسول ﷺ عند فعل الوضوء. نعم.
س: هل يُستدلّ بهذا الحديث على أن بلالًا مُبَشَّرٌ بالجنة؟
ج: يظهر منه ذلك: أنه من أهل الجنة، قد يُعتبر بهذا أنه ممن شهد له النبي ﷺ بالجنة؛ لأن رؤيا الأنبياء وحيٌ، فقد رآه في الجنة، رآه أمامه، فهذا ظاهرٌ أنه من أهل الجنة ، قد يلحق بأهل الجنة.
س: حفظك الله، في إحدى روايات هذا الحديث: أنه كان في الإسراء، لما رجع رسول الله ﷺ من الإسراء أخبر بلالًا عن ذلك في روايةٍ وقفنا عليها؟
ج: المعروف والظاهر الذي يظهر لنا من سياقات الأحاديث كلها أنها رؤيا منام، كلها رؤيا منام.
س: قول الشارح: "ويُستفاد منه جواز الاجتهاد في توقيت العبادة" هذا في عهد النبوة؟
ج: ما هو بظاهرٍ؛ لأن بلالًا الذي يظهر لنا أنه بنى على أساسٍ، وهو أن الوضوء تُشرع له الصلاة، وأنه عرف من أحاديث النبي عليه الصلاة والسلام، والعبادة توقيفية، وليست بالاجتهادات، فالظاهر أنه فهم من السنة التي استقرّت عن النبي ﷺ أن مَن توضأ صلَّى ركعتين.
س: هل يُستدلّ بهذا على فضيلة الوضوء؟
ج: نعم، كلما أحدث يتوضأ أفضل، لكن ..... في رواية مسلم: أنه ﷺ -في بعض الروايات- خرج من محل الغائط ولم يتوضأ، فقال له بعضُ الصحابة: ألا تتوضأ؟ قال: إني لم أُرد الصلاة حتى أتوضأ، وأكل ولم يتوضأ عليه الصلاة والسلام ليُبين للناس الجواز، وأنه يجوز ترك الوضوء.
لكن كونه يتوضأ حتى يكون على طهارةٍ دائمةٍ هذا أفضل، فعل ذلك بلالٌ، وأقرّه النبي ﷺ على ذلك.
س: هل تُستحبّ الصلاة أكثر من ركعتين في سنة الوضوء؟
ج: السنة ركعتان، سنة الوضوء ركعتان، لكن إذا كان في غير وقت النهي يُصلي ما شاء.
س: قوله : "إلا صليتُ ما كُتِبَ لي"؟
ج: تُفسّره الرواية الأخرى: "ركعتين".
الشيخ: انظر كلامه على أول الباب، أول ما قرأت.
قوله: "باب مَن نام أول الليل وأحيا آخره" تقدّم في الذي قبله ذكر مُناسبته.
قوله: "وقال سلمان" أي: الفارسي "لأبي الدَّرداء: نم ..." إلخ، هو مُختصرٌ من حديثٍ طويلٍ أورده المصنفُ في كتاب "الأدب" من حديث أبي جُحيفة قال: "آخى رسول الله ﷺ بين سلمان وبين أبي الدرداء، فزار سلمانُ أبا الدَّرداء ..." فذكر القصة، وفي آخرها: فقال: "إن لنفسك عليك حقًّا ..." الحديث.
وقوله ﷺ: صدق سلمان أي: في جميع ما ذكر، وفيه منقبةٌ ظاهرةٌ لسلمان.
الشيخ: يكفي.