المقدم: بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله ربِّ العالمين، والصلاة والسلام على قائد الغُرِّ المحجَّلين نبينا محمدٍ، وعلى آله وصحبه أجمعين.
أيها الإخوة والأخوات، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وحيَّاكم الله إلى درسٍ جديدٍ من دروس "المنتقى".
ضيف اللقاء هو سماحة العلامة الشيخ عبدالعزيز بن باز، المفتي العام للمملكة العربية السعودية، ورئيس هيئة كبار العلماء.
مع مطلع هذا اللقاء نُرحب بسماحة الشيخ، فأهلًا ومرحبًا سماحة الشيخ.
الشيخ: حيَّاكم الله وبارك فيكم.
المقدم: وقف بنا الحديثُ عند باب المسح على الخفَّين:
بَابٌ فِي شَرْعِيَّتِهِ
- عَنْ جَرِيرٍ: أَنَّهُ بَالَ ثُمَّ تَوَضَّأَ وَمَسَحَ عَلَى خُفَّيْهِ، فَقِيلَ لَهُ: تَفْعَلُ هَكَذَا؟ قَالَ: نَعَمْ، رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ بَالَ ثُمَّ تَوَضَّأَ وَمَسَحَ عَلَى خُفَّيْهِ.
قَالَ إبْرَاهِيمُ: فَكَانَ يُعْجِبُهُمْ هَذَا الْحَدِيثُ؛ لِأَنَّ إسْلَامَ جَرِيرٍ كَانَ بَعْدَ نُزُولِ الْمَائِدَةِ. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
- وَعَنْ عَبْدِاللَّهِ بْنِ عُمَرَ: أَنَّ سَعْدًا حَدَّثَهُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ أَنَّهُ يَمْسَحُ عَلَى الْخُفَّيْنِ، وَأَنَّ ابْنَ عُمَرَ سَأَلَ عَنْ ذَلِكَ عُمَرَ، قَالَ: نَعَمْ، إذَا حَدَّثَك سَعْدٌ عَنِ النَّبِيِّ ﷺ شَيْئًا فَلَا تَسْأَلْ عَنْهُ غَيْرَهُ. رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالْبُخَارِيُّ.
وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى قَبُولِ خَبَرِ الْوَاحِدِ.
- وَعَنِ الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ قَالَ: كُنْتُ مَعَ النَّبِيِّ ﷺ فِي سَفَرٍ، فَقَضَى حَاجَتَهُ، ثُمَّ تَوَضَّأَ وَمَسَحَ عَلَى خُفَّيْهِ، قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَنَسِيتَ؟ قَالَ: بَلْ أَنْتَ نَسِيتَ، بِهَذَا أَمَرَنِي رَبِّي . رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد.
وَقَالَ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ: رَوَى الْمَسْحَ سَبْعُونَ نَفْسًا، فِعْلًا مِنْهُ وَقَوْلًا.
الشيخ: بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله، وصلى الله وسلم على رسول الله، وعلى آله وأصحابه ومَن اهتدى بهداه.
أما بعد: فهذه الأحاديث تتعلق بالمسح على الخفَّين، ثبت عن رسول الله ﷺ المسح على الخفَّين من طرقٍ كثيرةٍ عن جماعةٍ من الصحابة ، حتى قال الحسنُ: إنه رواه عن النبيِّ ﷺ سبعون صحابيًّا، ما بين قولٍ وفعلٍ عن النبي ﷺ، ومنهم المغيرة بن شعبة، وجرير بن عبدالله البجلي، ومنهم علي ، وجماعة آخرون.
فالمسح ثابت بالسنة الصَّحيحة، وبإجماع المسلمين، فالنبي ﷺ مسح على خفَّيه، والصحابة مسحوا على خفافهم، وهكذا على الجوربين من غير الجلد: من الصوف ونحوه، مسح النبيُّ على الجورب، وعلى الخفِّ، جميعًا، وكل ذلك حقٌّ، ومسح على الجوربين جماعةٌ من الصحابة .
فالمسح على الخفَّين أمرٌ ثابتٌ عن رسول الله ﷺ، ومن هذه الأحاديث المذكورة التي ذكرها المؤلفُ رحمه الله: حديث المغيرة، وحديث جرير بن عبدالله البجلي، وجاء في المعنى أحاديث كثيرة كلها دالة على المسح على الخفَّين بعد الحدث، ومسح التَّجديد أيضًا، مسح التَّجديد كونه توضأ وهو على طهارةٍ، صار تجديدًا، وإن توضأ بعد الحدث صار كذلك، كما فعل جرير؛ فإنه أخبر عن النبيِّ ﷺ أنه بال ثم توضأ ومسح على الخفَّين.
قال إبراهيم -يعني: التَّيمي أو النَّخعي رحمة الله عليهما- إنَّ العلماء يُعجبهم حديث جرير؛ لأنَّ إسلامه كان بعد المائدة؛ لأنَّ بعض أهل العلم ظنَّ أن المسح على الخفَّين قبل نزول المائدة، قبل نزول قوله جلَّ وعلا: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ [المائدة:6]، قالوا: فهذا يدل على أنَّ الرِّجل تُغسل، فلما بيَّن جرير أنه رأى النبيَّ ﷺ مسح بعد الحدث على خفَّيه -وهو إسلامه بعد المائدة- عُلم أنَّ المسح على الخفَّين أمر مشروع قبل نزول المائدة وبعدها، والأحاديث في هذا كثيرة، كلها دالة على شرعية المسح على الخفَّين.
وهكذا حديث سعد بن أبي وقاص في هذا، كلها دالة على المسح على الخفين.
وفي حديث سعدٍ الدلالة على قبول خبر الواحد؛ لأنَّ عمر قال لابن عمر: "إذا حدَّثك سعدٌ في شيءٍ فلا تسأل عنه غيره"، دلَّ ذلك على أنَّ الصحابي إذا حدَّث عن النبيِّ ﷺ بحديثٍ وجب قبوله، ولو لم يروه إلا واحد، وهذا عند أهل العلم جميعًا، من هذا حديث عمر بن الخطاب في النية: إنما الأعمال بالنيات، فإنه انفرد به عمر ، كما جاء بالأسانيد الصَّحيحة، وهو حُجَّة عند الجميع.
بَابُ الْمَسْحِ عَلَى الْمُوقَيْنِ وَعَلَى الْجَوْرَبَيْنِ وَالنَّعْلَيْنِ جَمِيعًا
- عَنْ بِلَالٍ قَالَ: رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ يَمْسَحُ عَلَى الْمُوقَيْنِ وَالْخِمَارِ. رَوَاهُ أَحْمَدُ.
وَلِأَبِي دَاوُد: كَانَ يَخْرُجُ يَقْضِي حَاجَتَهُ، فَآتِيهِ بِالْمَاءِ فَيَتَوَضَّأُ وَيَمْسَحُ عَلَى عِمَامَتِهِ وَمُوقَيْهِ.
وَلِسَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ فِي "سُنَنِهِ" عَنْ بِلَالٍ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ يَقُولُ: امْسَحُوا عَلَى النَّصِيف: الخمار وَالْمُوقِ.
- وَعَنِ الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ تَوَضَّأَ وَمَسَحَ عَلَى الْجَوْرَبَيْنِ وَالنَّعْلَيْنِ. رَوَاهُ الْخَمْسَةُ إلَّا النَّسَائِيَّ، وَصَحَّحَهُ التِّرْمِذِيُّ.
الشيخ: هذه الأحاديث تدل على أنه لا حرج في المسح على الموقين، وهما الخفَّان القصيران اللَّذان يستران الكعبين، لكن ليس لهما ساق طويل يُقال له: موق، الخف القصير الذي يستر الكعبين، ولكن ليس له ..... طويل يُقال له: موق، وكذلك المسح على الجوربين، كل ذلك لا بأس به، النبي مسح على الموقين والجوربين والعمامة، وتُسمى: الخمار، كل ذلك لا بأس به، إذا كان الموقُ ساترًا، والجوربُ ساترًا صفيقًا فإنه يُمسح عليهما كالجوربين، فالجورب كالخفَّين، فالخفّ من الجلد، فيجوز المسحُ على الخفَّين والجوربين والموقين: وهما الخفَّان قصيرا الساق، لكنهما ساتران للكعبين: للقدم والكعبين.
وهكذا الخمار، وهو العمامة، إذا ستر الرأس يمسح على العمامة المحنَّكة التي تُطوى وتُلفُّ على الرأس؛ لأنَّ نزعها قد يشقّ، فإذا لبسها على طهارةٍ يمسح عليها يومًا وليلةً، وهكذا الخمار الذي تلويه المرأةُ على رأسها، يشقّ عليها نزعه، فإنها تمسح عليه يومًا وليلةً إذا لبسته على طهارةٍ كالخفَّين.
والنبي ﷺ مسح على العمامة والخفَّين عليه الصلاة والسلام، ومسح على ما ظهر من الرأس كما في حديث المغيرة، فإذا جعل عمامةً على رأسه مُحنَّكةً مسح عليها وعلى ما ظهر منها من الرأس، وهكذا المرأةُ في الخمار إذا كانت جعلته، لفَّته على حنكها وعلى رأسها، وشقَّ عليها نزعه، ولبسته على طهارةٍ؛ فإنها تمسح عليه كالعمامة وكالخفَّين يومًا وليلةً للمُقيم، وثلاثة أيامٍ بلياليها للمُسافر.
س: الحقيقة يتساءل كثيرٌ من الإخوان بالنسبة للخفاف والجوارب: هل يُقاس عليهما كل ملبوسٍ غيرهما؟
الشيخ: إذا صُنع للرِّجلين يمسح عليه، سواء سُمي جوربًا، أو سُمي خُفًّا، أو سُمي باسمٍ آخر، إذا كان يستر الكعبين والقدمين مما يلبس على القدمين لتوقي الحرِّ والبرد ونحو ذلك يمسح عليه، سواء كان من جلدٍ، أو من صوفٍ، أو من شعرٍ، أو من قطنٍ، إذا كان ساترًا للقدمين والكعبين.
س: قال بعضُ العلماء بأنَّ أحاديث المسح مُتواترة، ويقول الإمامُ أحمد: فيه أربعون حديثًا. تعليق سماحتكم على ذلك؟
الشيخ: نعم، أحاديث المسح متواترة، ثابتة من طريق التواتر في "الصحيحين" وغيرهما.
س: ما هو الأفضل: المسح أم الغسل؟
الشيخ: إذا لبسهما للحاجة فالأفضل المسح، لا يخلعهما، ما دام يحتاج إليهما فالأفضل المسح، كما مسح النبيُّ ﷺ، يوم وليلة للمقيم، وثلاثة للمسافر بعد الحدث، المدة تبدأ بعد الحدث، بعد المسح، بعد الحدث، يوم وليلة للمقيم، وثلاثة أيام بلياليها للمسافر، للرجل والمرأة.
س: ما صحة ما اشترطه الفقهاءُ أن يكونا ساترين لمحل الفرض؟
الشيخ: لا بدَّ من هذا الشرط، لا بدَّ أن يكون الخفُّ ساترًا، والجورب ساترًا، وإلا لم يجز المسحُ عليه.
س: هناك رجلٌ تيمم ولبس الخفَّين، هل يجوز له أن يمسح على الخفَّين إذا وجد الماء؟ علمًا بأنه لبسهما على طهارة التَّيمم.
الشيخ: نعم، الصواب لا بأس؛ لأنَّ التيمم طهارة شرعية، التيمم يرفع الحدث على الصحيح كالماء، فإذا لبسهما على طهارةٍ جاز المسحُ عليهما.
س: متى تبدأ مدةُ المسح؟
الشيخ: من المسح بعد الحدث، فإذا لبسهما الظهر وأحدث الظهر تبدأ المدةُ بعد المسح من حدثه، إذا مسح بعد الحدث، وإذا مسح بعد العصر وأحدث بعد العصر تبدأ المدةُ بعد حدثه بعد العصر، إذا جاء دورها خلع إذا كان مُقيمًا.
س: وإذا وصل المسافرُ أو سافر المقيم وقد بدأ بالمسح، فكيف يكون الحسابُ؟
الشيخ: إذا كان سافر المقيمُ قبل أن يبدأ مسح مسح المسافر، وإن كان بعد بدئه مسح مسح مُقيم.
س: الحكم إذا شكَّ في ابتداء مدة المسح؟
الشيخ: إذا شكَّ جعله يومًا وليلةً، يجعله يومًا وليلة، يعمل باليقين إن كان مُسافرًا، إذا كان مسافرًا وشكَّ يجعله يومًا وليلة، أما إن كان مُقيمًا يعمل باليقين، يتأمل فيعمل باليقين، يعمل بما تيقنه، إذا شكَّ: هل المغرب من اليوم والليلة أم لا؟ يخلع، أو شكَّ في الظهر هل هو من اليوم والليلة أم لا؟ يخلع، وهكذا، يعني: يعمل باليقين.
س: إذا انتهت مدةُ المسح وصلَّى عدة فروضٍ، ما حكم هذه الصلاة؟
الشيخ: يُعيدها.
س: وإذا خلع الجوربَ أو الخفَّ بعد مسحه، هل ينتقض الوضوء؟
الشيخ: إذا خلعه بعد الحدث ينتقض الوضوء.
س: إذا لبس جوربًا ثانيًا على الجورب الأول الذي مسح عليه عدة مرات، فهل يمسح على الثاني؟
الشيخ: إذا لبسه على طهارةٍ يمسح عليه يومًا وليلة، كما لو مسح على جبيرةٍ مسح عليها.
س: هل يمسح عليهما جميعًا أم يبدأ؟
الشيخ: يمسح على الأعلى الذي لبسه على الطَّهارة.
س: يُروى عن ابن عباسٍ: ما مسح الرسولُ بعد المائدة. ما صحة هذا الأثر؟
الشيخ: لا أعلم له صحةً، لا أعلم له أصلًا.
س: أخيرًا ما هي مُبطلات المسح؟
الشيخ: إذا تمَّت المدةُ، أو خلع الخفَّين أو أحدهما بعد الحدث، إذا خلع أحدهما أو كليهما بعد الحدث بطل المسح، لا يمسح في المستقبل يعني؛ لأنها انتقضت الطَّهارة، وكذلك إذا تمَّت المدةُ: يوم وليلة للمقيم، وثلاثة أيام بلياليها للمسافر، إذا تمَّت المدةُ انتهى حكم المسح، يخلع يعني بعد الحدث، تمَّت ثلاثة أيام بعد الحدث أول، مسح بعد الحدث وهكذا يوم وليلة في حقِّ المقيم، إذا تمت المدةُ بعدما أحدث ومسح على الحدث تنتهي المدة.
بَابُ اشْتِرَاطِ الطَّهَارَةِ قَبْلَ اللُّبْسِ
- عَنِ الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ قَالَ: كُنْتُ مَعَ النَّبِيِّ ﷺ ذَاتَ لَيْلَةٍ فِي مَسِيرٍ، فَأَفْرَغْتُ عَلَيْهِ مِن الْإِدَاوَةِ، فَغَسَلَ وَجْهَهُ، وَغَسَلَ ذِرَاعَيْهِ، وَمَسَحَ بِرَأْسِهِ، ثُمَّ أَهْوَيْتُ لِأَنْزِعَ خُفَّيْهِ فَقَالَ: دَعْهُمَا؛ فَإِنِّي أَدْخَلْتُهُمَا طَاهِرَتَيْنِ، فَمَسَحَ عَلَيْهِمَا. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
وَلِأَبِي دَاوُد: دَعِ الْخُفَّيْنِ؛ فَإِنِّي أَدْخَلْتُ الْقَدَمَيْنِ الْخُفَّيْنِ وَهُمَا طَاهِرَتَانِ، فَمَسَحَ عَلَيْهِمَا.
- وَعَنِ الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ قَالَ: قُلْنَا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَيَمْسَحُ أَحَدُنَا عَلَى الْخُفَّيْنِ؟ قَالَ: نَعَمْ إذَا أَدْخَلَهُمَا وَهُمَا طَاهِرَتَانِ. رَوَاهُ الْحُمَيْدِيُّ في "مُسْنَدِهِ".
- وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ تَوَضَّأَ وَمَسَحَ عَلَى خُفَّيْهِ، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، رِجْلَيْك لَمْ تَغْسِلْهُمَا؟ قَالَ: إنِّي أَدْخَلْتُهمَا وَهُمَا طَاهِرَتَانِ. رَوَاهُ أَحْمَدُ.
- وَعَنْ صَفْوَانَ بْنِ عَسَّالٍ قَالَ: أَمَرَنَا -يَعْنِي النَّبِيَّ ﷺ- أَنْ نَمْسَحَ عَلَى الْخُفَّيْنِ إذَا نَحْنُ أَدْخَلْنَاهُمَا عَلَى طُهْرٍ ثَلَاثًا إذَا سَافَرْنَا، وَيَوْمًا وَلَيْلَةً إذَا أَقَمْنَا، وَلَا نَخْلَعَهُمَا مِنْ غَائِطٍ وَلَا بَوْلٍ وَلَا نَوْمٍ، وَلَا نَخْلَعَهُمَا إلَّا مِنْ جَنَابَةٍ. رَوَاهُ أَحْمَدُ وَابْنُ خُزَيْمَةَ، وَقَالَ الْخَطَّابِيُّ: هُوَ صَحِيحُ الْإِسْنَادِ.
- وَعَنْ عَبْدِالرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي بَكْرَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ النَّبِيِّ ﷺ: أَنَّهُ رَخَّصَ لِلْمُسَافِرِ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ وَلَيَالِيهِنَّ، وَلِلْمُقِيمِ يَوْمًا وَلَيْلَةً: إذَا تَطَهَّرَ فَلَبِسَ خُفَّيْهِ أَنْ يَمْسَحَ عَلَيْهِمَا. رَوَاهُ الْأَثْرَمُ فِي "سُنَنِهِ"، وَابْنُ خُزَيْمَةَ، وَالدَّارَقُطْنِيُّ، وقَالَ الْخَطَّابِيُّ: هُوَ صَحِيحُ الْإِسْنَادِ.
الشيخ: هذه الأحاديث كلها تدل على أنه لا بدَّ من الطهارة، لا يمسح على الخفَّين أو الجوربين إلا إذا لبسهما على طهارةٍ، هذا شرط من شروط المسح على الخفين والجوربين: أن يلبسهما على طهارةٍ؛ لهذه الأحاديث: حديث المغيرة وغيره، فإذا تطهر ولبسهما مسح عليهما: يوم وليلة للمقيم، وثلاثة أيام للمسافر، لكن في الحدث الأصغر: من غائطٍ أو بولٍ أو نومٍ، أما إذا أصابته جنابةٌ فإنه يخلع، لا يمسح، يخلعهما ويغسل قدميه، ولكن من بولٍ أو غائطٍ أو نومٍ، هذا يمسح، إذا توضأ يمسح.
بَابُ تَوْقِيتِ مُدَّةِ الْمَسْحِ
- قَدْ أَسْلَفْنَا فِيهِ عَنْ صَفْوَانَ وَأَبِي بَكْرَةَ، وَرَوَى شُرَيْحُ بْنُ هَانِئٍ قَالَ: سَأَلْتُ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا عَنِ الْمَسْحِ عَلَى الْخُفَّيْنِ، فَقَالَتْ: سَلْ عَلِيًّا فَإِنَّهُ أَعْلَمُ بِهَذَا مِنِّي؛ كَانَ يُسَافِرُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ. فَسَأَلْتُه فَقَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: لِلْمُسَافِرِ ثَلَاثَةُ أَيَّامٍ وَلَيَالِيهِنَّ، وَلِلْمُقِيمِ يَوْمٌ وَلَيْلَةٌ. رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَمُسْلِمٌ، وَالنَّسَائِيُّ، وَابْنُ مَاجَهْ.
- وَعَنْ خُزَيْمَةَ بْنِ ثَابِتٍ، عَنِ النَّبِيِّ ﷺ: أَنَّهُ سُئِلَ عَنِ الْمَسْحِ عَلَى الْخُفَّيْنِ فَقَالَ: لِلْمُسَافِرِ ثَلَاثَةُ أَيَّامٍ وَلَيَالِيهِنَّ، وَلِلْمُقِيمِ يَوْمٌ وَلَيْلَةٌ. رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَأَبُو دَاوُد، وَالتِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ.
الشيخ: مثلما تقدم هذه الأحاديث تدل على ما تقدم: أن المسافر يمسح ثلاثة أيامٍ بلياليهنَّ، والمقيم يمسح يومًا وليلةً، ابتداء من الحدث بعد المسح، إذا أحدث ثم مسح يمسح يومًا وليلةً، فإذا أحدث بعد الظهر يمسح إلى الظهر الآتي، وإذا أحدث بعد العصر يمسح إلى العصر، وإذا أحدث بعد المغرب إلى المغرب، وهكذا، يبدأ من المسح بعد الحدث الذي أحدثه بعد اللبس، يلبسهما على طهارةٍ، فإذا أحدث، إذا جاء دور الحدث يوم وليلة للمقيم، وبعد ثلاثة أيام للمسافر، يمسح ثلاثة أيام بلياليهن للمسافر، ويمسح المقيم يومًا وليلةً على الجورب، وعلى الخفِّ، وعلى العمامة أيضًا.
بَابُ اخْتِصَاصِ الْمَسْحِ بِظَهْرِ الْخُفِّ
- عَنْ عَلِيٍّ قَالَ: لَوْ كَانَ الدِّينُ بِالرَّأْيِ لَكَانَ أَسْفَلُ الْخُفِّ أَوْلَى بِالْمَسْحِ مِنْ أَعْلَاهُ، لَقَدْ رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ يَمْسَحُ عَلَى ظَاهِرِ خُفَّيْهِ. رَوَاهُ أَبُو دَاوُد، وَالدَّارَقُطْنِيُّ.
- وَعَنِ الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ قَالَ: رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ يَمْسَحُ عَلَى ظُهُورِ الْخُفَّيْنِ. رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَأَبُو دَاوُد، وَالتِّرْمِذِيُّ وَلَفْظُهُ: عَلَى الْخُفَّيْنِ عَلَى ظَاهِرِهِمَا. وَقَالَ: حَدِيثٌ حَسَنٌ.
- وَعَنْ ثَوْرِ بْنِ يَزِيدَ، عَنْ رَجَاءِ بْنِ حَيْوَةَ، عَنْ وَرَّادٍ -كَاتِبِ الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ- عَنِ الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ: أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ مَسَحَ أَعْلَى الْخُفِّ وَأَسْفَلَهُ. رَوَاهُ الْخَمْسَةُ إلَّا النَّسَائِيَّ.
وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ: هَذَا حَدِيثٌ مَعْلُولٌ؛ لَمْ يُسْنِدْهُ عَنْ ثَوْرٍ غَيْرُ الْوَلِيدِ بْنِ مُسْلِمٍ، وَسَأَلْتُ أَبَا زُرْعَةَ وَمُحَمَّدًا عَنْ هَذَا الْحَدِيثِ فَقَالَا: لَيْسَ بِصَحِيحٍ.
الشيخ: هذه الأحاديث تدل على أنَّ المسح يكون على ظاهر الخفَّين، وهذا هو الثابت عن النبي ﷺ من حديث عليٍّ وغيره: أن النبي كان يمسح على ظاهر خفَّيه، وقول عليٍّ : "لو كان الدِّينُ بالرأي لكان أسفلُ الخفِّ أولى بالمسح من أعلاه"، يعني: في المتبادر عند بادي الرأي؛ لأنَّ أسفل الخفِّ هو الذي يُباشر القاذورات والأرض، ولكن السنة جاءت بالمسح على الظاهر، وهذا من رحمة الله وتيسيره؛ لأنَّ المسح على ظاهر الخفِّ يحصل به المطلوب، ولا يحصل به تقذير ولا توسيخ لليد، ولا غير ذلك؛ فلهذا جعل الله المسحَ على الظاهر، أما لو كان على الأسفل لكان الخفُّ يزداد وساخةً؛ للرطوبة التي تكون فيه، يطأ بها على التراب وغيره، فيلصق به الترابُ والأوساخُ، واليد كذلك تتوسخ بالمسح، فمن رحمة الله أن جعل المسح يكون على ظاهر الخفَّين، هذا هو السنة: يمسح على ظاهر خفَّيه كما ثبت عن النبيِّ ﷺ في الأحاديث الصحيحة، أما أسفل الخفِّ فلا يمسح، رواية أنه مسح على الخفِّ -أسفله- رواية ضعيفة كما بيَّنها الحفاظُ، غير صحيحةٍ، وإنما الثابت الصحيح أنه يمسح على ظاهر خفَّيه فقط.
أَبْوَابُ نَوَاقِضِ الْوُضُوءِ
بَابُ الْوُضُوءِ بِالْخَارِجِ مِنَ السَّبِيلِ
- عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: لَا يَقْبَلُ اللَّهُ صَلَاةَ أَحَدِكُمْ إذَا أَحْدَثَ حَتَّى يَتَوَضَّأَ، فَقَالَ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ حَضْرَمَوْتَ: مَا الْحَدَثُ يَا أَبَا هُرَيْرَةَ؟ قَالَ: فُسَاءٌ أَوْ ضُرَاطٌ. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
وَفِي حَدِيثِ صَفْوَانَ فِي الْمَسْحِ: لَكِنْ مِنْ غَائِطٍ وَبَوْلٍ وَنَوْمٍ. وَسَنَذْكُرُهُ.
الشيخ: هذا الباب في نواقض الوضوء، والوضوء له نواقض، الوضوء الشرعي له نواقض: منها الحدث؛ لقوله ﷺ: لا يقبل اللهُ صلاةَ أحدكم إذا أحدث حتى يتوضأ، وقوله ﷺ: إذا فسا أحدُكم في الصلاة فليتوضأ وليُعد الصلاة.
فالحدث هو: إما فساء، وهو الريح، أو ضراط، وهو ما له صوت، أو بول، أو غائط، أو ما ينقضه مما دلَّت عليه السنةُ: كمسِّ الفرج، وأكل لحم الإبل، كل هذه من النَّواقض.
المقصود أنَّ المؤمن ليس له صلاة إذا أحدث حتى يتوضأ، لا بدَّ من الوضوء، والأصل في هذا قوله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ [المائدة:6] يعني: إذا قمتُم إلى الصلاة وأنتم على غير طهارةٍ، هذا المعنى، وقد فسَّر النبيُّ ﷺ الوضوء كما تقدم؛ فلا تُقبل صلاةٌ لأحدٍ إذا أحدث حتى يتوضأ، يعني: الحدث الأصغر: كالبول والغائط والنوم والريح والضراط، هذا الحدث الأصغر، أما الجنابة فلا بدَّ من غسل ما يجزي الوضوء كما تقدم في حديث صفوان بن عسال، إنما هذا في الحدث الأصغر يتوضأ، أما الحدث الأكبر -وهو الجنابة- فهذا لا بدَّ من الغسل، وهذا الحيض والنفاس، نعم.
س: إذا خرج البولُ من غير السَّبيلين كما يحصل لبعض المرضى في المستشفيات، هل ينتقض الوضوء؟
الشيخ: إذا جعل له طريقًا آخر، إذا سدَّ طريقًا، وجعل له طريقًا آخر ينتقض الوضوء بالبول.
المقدم: شكر الله لكم سماحة الشيخ، وبارك الله فيكم وفي علمكم، ونفع بكم الإسلام والمسلمين.