تفسير قوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَيُرِيدُونَ أَنْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ اللَّهِ وَرُسُلِهِ..}

إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَيُرِيدُونَ أَنْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ اللَّهِ وَرُسُلِهِ وَيَقُولُونَ نُؤْمِنُ بِبَعْضٍ وَنَكْفُرُ بِبَعْضٍ وَيُرِيدُونَ أَنْ يَتَّخِذُوا بَيْنَ ذَلِكَ سَبِيلًا ۝ أُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ حَقًّا وَأَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ عَذَابًا مُهِينًا ۝ وَالَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَلَمْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ أُولَئِكَ سَوْفَ يُؤْتِيهِمْ أُجُورَهُمْ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا [النساء:150- 152].

يتوعد تبارك وتعالى الكافرين به وبرسله من اليهود والنَّصارى، حيث فرَّقوا بين الله ورسله في الإيمان؛ فآمنوا ببعض الأنبياء وكفروا ببعض بمجرد التَّشهي والعادة، وما ألفوا عليه آباءهم، لا عن دليلٍ قادهم إلى ذلك، فإنَّه لا سبيلَ لهم إلى ذلك، بل بمجرد الهوى والعصبية.

فاليهود -عليهم لعائن الله- آمنوا بالأنبياء إلا عيسى ومحمد عليهما الصَّلاة والسلام، والنَّصارى آمنوا بالأنبياء وكفروا بخاتمهم وأشرفهم محمد ﷺ، والسَّامرة لا يُؤمنون بنبيٍّ بعد يُوشع خليفة موسى بن عمران، والمجوس يُقال: إنهم كانوا يؤمنون بنبيٍّ لهم يُقال له: زرادشت، ثم كفروا بشرعه فرُفِعَ من بين أظهرهم، والله أعلم.

الشيخ: الله سبحانه في هذه الآية يُحذِّر هذه الأُمَّة أن تسلك مسالك مَن قبلها في الكفر ببعضٍ، والإيمان ببعضٍ من الرسل، ويأمرها ويحثّها على الإيمان بجميع المرسلين، والاستقامة على دينهم، فإنَّهم جاءوا بالحقِّ كلِّه كلّهم، جاءوا بالحقِّ: إِنَّ الدِّينَ عِندَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ [آل عمران:19]، فجميع الأنبياء دينهم واحد وهو الإسلام، وهو توحيد الله، والإخلاص له، وعبادته وحده دون كلِّ ما سواه، وإن تنوّعت الشَّرائع كما في الحديث الصَّحيح: نحن معاشر الأنبياء ديننا واحد، فمَن فرَّق بينهم وآمن ببعضٍ وكفر ببعضٍ فهو الكافر حقًّا: كاليهود والنَّصارى والمجوس وغيرهم ممن كفر بالأنبياء.

والواجب على كل مُكلَّفٍ أن يُؤمن بجميع المرسلين، ومَن أدرك محمدًا ﷺ فالواجب عليه أن يُؤمن به؛ لأنَّه خاتم الأنبياء وإمامهم، والواجب الإيمان به وبجميع مَن قبله من المرسلين، وتصديقهم، والإيمان بما جاءوا به من توحيد الله والإخلاص له، وما جاءوا به من الشَّرائع، فلا يجوز أن يكون مثل اليهود يُؤمن بما عدا عيسى ومحمد، أو النَّصارى الذين آمنوا بالمرسلين إلا محمدًا ﷺ، وهذا كلّه من الضَّلال البعيد والكفر البواح.

والواجب على كل مُكلَّفٍ أن يؤمن بجميع ما جاءت به الرسل، وأن يُؤمن بخاتمهم محمدٍ ﷺ، وبكل ما جاء به، وأن ينقاد لذلك قولًا وعملًا وعقيدةً، هذا هو الدِّين، وهذا هو الإسلام، وهذا هو الحقّ، ولا يجوز أن يُفرِّق بين الرسل والأنبياء؛ فيُؤمن ببعضٍ، ويكفر ببعضٍ.

والحمد لله الذي يسَّر العودة إلى مجالس العلم، ولا يخفى على طالب العلم أنَّ الواجبَ على كل مسلمٍ أن يستقيم على الحقِّ أينما كان، وأن يدع الباطل أينما كان، وأن يقف عند حدود الله، قد مرَّ علينا شهرُ رمضان والقيام، فنسأل الله أن يجعلنا وإيَّاكم ممن فاز فيه بالمغفرة والعتق من النار والقبول، فنسأل الله أن يُعيده علينا وعلى المسلمين أعوامًا كثيرةً في خيرٍ وعافيةٍ وصلاحٍ واستقامةٍ وعزٍّ للإسلام وأهله.

والواجب على أهل العلم -خصوصًا طلبة العلم، وعلى كل مسلمٍ عمومًا- أن يتَّقي الله، وأن يستقيم على الحقِّ في رمضان وفي غيره، وأن يكون حذرًا من كلِّ ما نهى اللهُ عنه، ومُبادرًا إلى كلِّ ما أوجب الله، هذا هو الواجب على كل مسلمٍ في رمضان وفي غيره؛ ليستقيم على الحقِّ، وليُجاهد نفسه لله، وأن يحذر ما حرَّم الله عليه، كما قال سبحانه: وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ [العنكبوت:69]، وقال جلَّ وعلا: فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ [هود:112]، إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ [فصلت:30].

فالواجب على المسلمين الاستقامة على الحقِّ في رمضان وفي غيره وفي كل مكانٍ حتى الموت، حتى الأجل، كما قال الله سبحانه: وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ [الحجر:99].

والواجب على أهل العلم مع العلم بما أوجب اللهُ النَّصيحة لله ولعباده، والدَّعوة إليه، وأن يكونوا هُداةً للخلق، مُعلِّمين، مُرشدين، مُحذِّرين مما نهى اللهُ عنه، داعين إلى ما شرع الله، قُدوةً في الحقِّ في أقوالهم وأعمالهم، هكذا يجب على أهل العلم أن يكونوا دُعاةً للحقِّ، هُداةً للخلق، مُتأسّين بالرسل في الأقوال والأعمال والعقيدة، وفي جميع الأحوال؛ حتى يتأسَّى بهم غيرهم، ويقتدي بهم سواهم، وأن ينصحوا لله ولعباده أينما كانوا: في البرِّ والبحر، وفي الجو والأرض، في جميع الأماكن، وفي جميع الزَّمان عليهم أن يستقيموا على الحقِّ، وأن يدعوا الناسَ إليه، وأن ينشروه بين الناس بأدلته من كتاب الله وسنة رسوله عليه الصلاة والسلام، وأن يستقيموا على الحقِّ في رمضان وفي غيره، وفي كل مكانٍ؛ حتى يتأسَّى بهم غيرهم من أهل الإسلام، وحتى يتعلَّموا منهم ما أوجب الله، وما حرَّم الله، وحتى يأخذوا عنهم العلم؛ لأنَّ العلم يُؤخذ من أهله، ولا يُعرف أهله إلا بالعلم والعمل والدَّعوة والتَّوجيه، حتى يعرف أهل العلم بالدَّعوة ونشر العلم والتَّبصير والقُدوة الحسنة؛ حتى ينتشر العلم، وحتى يتعلم الجاهل، وحتى يقف المنحرفُ عند حدِّه ويتوب إلى الله من غلطه.

نسأل الله أن يجعلنا وإيَّاكم من الهداة المهتدين، وأن يُعيذنا وإيَّاكم من شُرور أنفسنا ومن سيِّئات أعمالنا، وأن ينصر دينَه، ويُعلي كلمتَه، وأن يُصلح ولاةَ أمرنا وجميع ولاة أمر المسلمين، نسأل الله أن يُصلح جميع ولاة أمر المسلمين، وأن يُصلح أحوالهم، وأن ينصر بهم الحقّ، وأن يحكم بهم شريعة الله في عباد الله.

س: ما يُقال أنَّ المجوس كان لهم نبي .....؟

ج: الله أعلم، ما أعرف عليه دليلًا، هم عُبَّاد النار، نسأل الله العافية، والرسول أمر أن نَسُنَّ فيهم سنةَ أهل الكتاب في أخذ الجزية، تُؤخذ منهم الجزية فقط، وهم كالوثنيين: لا تُنكح نساؤهم، ولا تُباح ذبائحهم، أمَّا اليهود والنَّصارى فهم أهل كتابٍ، أباح اللهُ طعامَهم والمحصنات من نسائهم، وأباح أخذ الجزية منهم إذا أدّوها عن صغارٍ.

والمقصود أنَّ مَن كفر بنبيٍّ من الأنبياء فقد كفر بسائر الأنبياء، فإنَّ الإيمانَ واجبٌ بكل نبيٍّ بعثه الله إلى أهل الأرض، فمَن ردَّ نبوته للحسد أو العصبية أو التَّشهي؛ تبين أنَّ إيمانه بمَن آمن به من الأنبياء ليس إيمانًا شرعيًّا، إنما هو عن غرضٍ وهوى وعصبيةٍ؛ ولهذا قال تعالى: إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ، فوسمهم بأنَّهم كفَّار بالله ورسله، وَيُرِيدُونَ أَنْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ اللَّهِ وَرُسُلِهِ أي: في الإيمان، وَيَقُولُونَ نُؤْمِنُ بِبَعْضٍ وَنَكْفُرُ بِبَعْضٍ وَيُرِيدُونَ أَنْ يَتَّخِذُوا بَيْنَ ذَلِكَ سَبِيلًا أي: طريقًا ومَسْلَكًا، ثم أخبر تعالى عنهم فقال: أُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ حَقًّا أي: كفرهم محقق لا محالةَ بمَن ادَّعوا الإيمانَ به؛ لأنَّه ليس شرعيًّا، إذ لو كانوا مُؤمنين به لكونه رسول الله لآمنوا بنظيره وبمَن هو أوضح دليلًا وأقوى برهانًا منه، أو نظروا حقَّ النَّظر في نبوته.

وقوله: وَأَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ عَذَابًا مُهِينًا أي: كما استهانوا بمَن كفروا به: إمَّا لعدم نظرهم فيما جاءهم به من الله، وإعراضهم عنه، وإقبالهم على جمع حطام الدنيا مما لا ضرورةَ بهم إليه. وإمَّا بكفرهم به بعد علمهم بنبوته، كما كان يفعله كثيرٌ من أحبار اليهود في زمان رسول الله ﷺ؛ حيث حسدوه على ما آتاه الله من النبوة العظيمة، وخالفوه وكذَّبوه وعادوه وقاتلوه، فسلَّط اللهُ عليهم الذلَّ الدّنيوي الموصول بالذل الأُخروي: وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ وَالْمَسْكَنَةُ وَبَاءُوا بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ [البقرة:61] في الدنيا والآخرة.

وقوله: وَالَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَلَمْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ يعني بذلك أُمَّة محمدٍ ﷺ، فإنهم يؤمنون بكل كتابٍ أنزله الله، وبكل نبيٍّ بعثه الله، كما قال تعالى: آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ [البقرة:285]، ثم أخبر تعالى أنَّه قد أعدَّ لهم الجزاء الجزيل والثَّواب الجليل والعطاء الجميل، فقال: أُولَئِكَ سَوْفَ يُؤْتِيهِمْ أُجُورَهُمْ على ما آمنوا بالله ورسله، وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا أي: لذنوبهم، أي: إن كان لبعضهم ذنوبٌ.

الشيخ: هذا جزاء مَن آمن واستقام واتَّبع الحقَّ، جزاؤه الأجر العظيم، والعاقبة الحميدة، والفوز بدار الكرامة.

..............

س: بالنسبة للميت إذا أُدخل القبر هل تُحلّ جميع الأربطة؟

ج: هو الأفضل، تُحلّ وتبقى في مكانها.

س: ..............؟

ج: العصر لا تُجْمَع مع الجمعة، تُصلَّى لوقتها.