لَيْسَ بِأَمَانِيِّكُمْ وَلَا أَمَانِيِّ أَهْلِ الْكِتَابِ مَنْ يَعْمَلْ سُوءًا يُجْزَ بِهِ وَلَا يَجِدْ لَهُ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلِيًّا وَلَا نَصِيرًا وَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلَا يُظْلَمُونَ نَقِيرًا وَمَنْ أَحْسَنُ دِينًا مِمَّنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ وَاتَّبَعَ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَاتَّخَذَ اللَّهُ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلًا وَلِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَكَانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ مُحِيطًا [النساء:123- 126].
قَالَ قَتَادَةُ: ذُكِرَ لَنَا أَنَّ الْمُسْلِمِينَ وَأَهْلَ الْكِتَابِ افْتَخَرُوا، فَقَالَ أَهْلُ الْكِتَابِ: نَبِيُّنَا قَبْلَ نَبِيِّكُمْ، وَكِتَابُنَا قَبْلَ كِتَابِكُمْ، فَنَحْنُ أَوْلَى بِاللَّهِ مِنْكُمْ. وَقَالَ الْمُسْلِمُونَ: نَحْنُ أَوْلَى بالله منكم، ونبينا خَاتَمُ النَّبِيِّينَ، وَكِتَابُنَا يَقْضِي عَلَى الْكُتُبِ الَّتِي كَانَتْ قَبْلَهُ. فَأَنْزَلَ اللَّهُ: لَيْسَ بِأَمَانِيِّكُمْ وَلَا أَمَانِيِّ أَهْلِ الْكِتَابِ مَنْ يَعْمَلْ سُوءًا يُجْزَ بِهِ، وَمَنْ أَحْسَنُ دِينًا مِمَّنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ الآية، ثم أفلج اللَّهُ حُجَّةَ الْمُسْلِمِينَ عَلَى مَنْ نَاوَأَهُمْ مِنْ أَهْلِ الْأَدْيَانِ.
وَكَذَا رُوِيَ عَنِ السُّدِّيِّ وَمَسْرُوقٍ وَالضَّحَّاكِ وَأَبِي صَالِحٍ وَغَيْرِهِمْ.
وَكَذَا رَوَى الْعَوْفِيُّ عن ابن عباسٍ أَنَّهُ قَالَ فِي هَذِهِ الْآيَةِ: تَخَاصَمَ أَهْلُ الْأَدْيَانِ، فَقَالَ أَهْلُ التَّوْرَاةِ: كِتَابُنَا خَيْرُ الْكُتُبِ، وَنَبِيُّنَا خَيْرُ الْأَنْبِيَاءِ. وَقَالَ أَهْلُ الْإِنْجِيلِ مِثْلَ ذَلِكَ، وَقَالَ أَهْلُ الْإِسْلَامِ: لَا دِينَ إِلَّا الْإِسْلَامُ، وَكِتَابُنَا نَسَخَ كُلَّ كِتَابٍ، وَنَبِيُّنَا خَاتَمُ النَّبِيِّينَ، وَأُمِرْتُمْ وَأُمِرْنَا أَنْ نُؤْمِنَ بِكِتَابِكُمْ وَنَعْمَلَ بكتابنا. فقضى اللهُ بينهم وقال: لَيْسَ بِأَمَانِيِّكُمْ وَلَا أَمَانِيِّ أَهْلِ الْكِتَابِ مَنْ يَعْمَلْ سُوءًا يُجْزَ بِهِ الآية.
وَخَيَّرَ بَيْنَ الْأَدْيَانِ فَقَالَ: وَمَنْ أَحْسَنُ دِينًا مِمَّنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ إِلَى قَوْلِهِ: وَاتَّخَذَ اللَّهُ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلًا.
الشيخ: أوضح اللهُ سبحانه أنَّ الإسلامَ والدِّين والنَّجاة ليست بأماني الناس وأهوائهم ورغباتهم، ولكن ذلك بما وافق الحقَّ، والمعتبر عند الله ما وافق الحقَّ، فهو المعتبر عند الله، والإسلام هو دين الله للأوَّلين والآخرين، هو دين آدم، ودين نوح، ودين جميع الأنبياء، هو دين الله: إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ [آل عمران:19]، ويقول سبحانه: وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ [آل عمران:85].
فالإسلام هو دين الله للأوَّلين والآخرين، وهو توحيد الله وطاعته واتِّباع شريعته التي جاء بها أنبياؤه، فالإسلام في عهد آدم، وما جاء به آدم، وما بعث اللهُ به آدم، وما كان عليه آدم من التَّقوى والدِّين، هذا الإسلام، وفي عهد نوحٍ، وما جاء به نوحٌ، وما شرعه اللهُ لعباده على يد نوحٍ من الشَّرائع، مع توحيد الله، وهكذا ما جاء به هود وصالح وموسى وعيسى والأنبياء هو الإسلام، هو دين الله، سُمِّيَ إسلامًا لأنَّه خضوعٌ لله، وانقيادٌ لأوامر الله، وتركٌ لمحارم الله، ووقوفٌ عند حدود الله، فما شرعه اللهُ لأنبيائه هو الإسلام، وأصله كله هو توحيد الله، والإخلاص له، والتَّصديق بالرسول الذي جاء به، هذا هو الإسلام، فما جاء به آدم ونوح وهود وصالح ومَن بعدهم هو الإسلام، هو توحيد الله وطاعته، وهكذا ما جاءت به التوراة والإنجيل هو الإسلام، وما جاء به القرآنُ هو الإسلام، هو توحيد الله، وطاعة أوامره، وترك نواهيه في كل زمانٍ من الأزمان، ومع كل رسولٍ، لكن أفضلهم وخاتمهم هو نبينا محمد ﷺ، هو أفضلهم وخاتمهم، كما قال ﷺ: أنا سيد ولد آدم ولا فخر، وأخبر عن كتابه العظيم أنَّه مُهيمنٌ على ما قبله، مصدِّقًا لما في الكتاب ومُهيمنًا عليه، فهو أفضل الكتب وأصدقها، والمهيمن على ما مضى، فما أحلَّه اللهُ في كتابه وعلى لسان رسوله ﷺ فهو الحلال، وما حرَّمه الله في كتابه العظيم وعلى يد رسوله الكريم فهو المحرّم، وما شرعه الله لعباده في هذا الكتاب العظيم وعلى لسان رسوله محمدٍ فهو المشروع؛ لأنَّه خاتم الأنبياء، خاتم الرسل، وكتابه خاتم الكتب؛ ولهذا قال جلَّ وعلا: لَيْسَ بِأَمَانِيِّكُمْ وَلَا أَمَانِيِّ أَهْلِ الْكِتَابِ هم اليهود والنَّصارى، مَنْ يَعْمَلْ سُوءًا يُجْزَ بِهِ يعني: من الجميع، من هؤلاء، ومن هؤلاء، وَلَا يَجِدْ لَهُ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلِيًّا وَلَا نَصِيرًا وَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلَا يُظْلَمُونَ نَقِيرًا، سواء كانوا في عهد آدم، أو في عهد نوح، أو عهد هود، أو عهد صالح، أو مَن بعدهم، كل مَن اتَّقى الله وآمن واستقام على الهدى فله الجنَّة والكرامة.
والخاتم الآخر هو محمد عليه الصلاة والسلام، هو خاتم الأنبياء وآخرهم، ودينه الذي شرعه اللهُ هو أفضل الشَّرائع وأكملها، قال تعالى: الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا [المائدة:3]، كما رضيه للأنبياء قبله رضيه له، وأكمل له الشَّريعة، وجعل شريعته أحسن الشَّرائع وأكملها وأسمحها، ووضع عن أمَّته الآصار والأغلال؛ رحمةً من الله لعباده، وإحسانًا منه إليهم.
ثم قال جلَّ وعلا: وَمَنْ أَحْسَنُ دِينًا مِمَّنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ [النساء:125] في جميع الأحوال ما هناك أحسن دينًا ممن أسلم وجهه لله من الأوَّلين والآخرين، مَن أخلص لله الدِّين، واستقام على الشَّريعة، وتابع الحقَّ، وابتعد عن الباطل، ووقف عند الحدود، فلا أحسن دينًا منه؛ لاتِّباعه الشَّرع، واستقامته عليه، ومَن قصَّر فتقصيره على نفسه، ودين الله بريءٌ منه، تقصيره على نفسه.
والمعنى في هذا أنَّ الواجبَ على كل مُكلَّفٍ أن يعظم دينَ الله، وأن يستقيم عليه، وأن يُخلص لله، وأن يستقيم على الشَّرع، هذا هو الصَّلاح والإصلاح، أمَّا الأماني فلا تُجدي شيئًا، فالأماني رؤوس أموال المفاليس، لا تنفع، فلو تمنَّى أن يكون أخيرَ الناس وأكملَ الناس ولم يفعل ما نفعه ذلك، إنما الاعتبار بالعمل وما في القلوب من الإيمان والهدى، وما يُثمره ذلك من ..... والموافقة للشَّرع، والاستقامة على الشرع، والحذر مما نهى اللهُ عنه، هذا هو الذي به الاعتبار، أما الأماني فلا تمنع أهلها شيئًا، بل تضرُّهم.
وَقَالَ مُجَاهِدٌ: قَالَتِ الْعَرَبُ: لَنْ نُبْعَثَ، وَلَنْ نُعَذَّبَ. وَقَالَتِ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى: لَنْ يَدْخُلَ الْجَنَّةَ إِلَّا مَنْ كَانَ هُودًا أَوْ نَصَارَى [البقرة:111]، وَقَالُوا: لَنْ تَمَسَّنَا النَّارُ إِلَّا أَيَّامًا مَعْدُودَاتٍ [آل عمران:80]، وَالْمَعْنَى فِي هَذِهِ الْآيَةِ أَنَّ الدِّينَ لَيْسَ بالتَّحلي ولا بالتَّمني، ولكن ما وقر في القلوب وصدَّقته الأعمال، وَلَيْسَ كُلُّ مَنِ ادَّعَى شَيْئًا حَصَلَ لَهُ بِمُجَرَّدِ دَعْوَاهُ، وَلَا كُلُّ مَنْ قَالَ: إِنَّهُ هو على الحقِّ سُمِعَ قَوْلُهُ بِمُجَرَّدِ ذَلِكَ، حَتَّى يَكُونَ لَهُ مِنَ اللَّهِ بُرْهَانٌ؛ وَلِهَذَا قَالَ تَعَالَى: لَيْسَ بِأَمَانِيِّكُمْ وَلَا أَمَانِيِّ أَهْلِ الْكِتَابِ مَنْ يَعْمَلْ سُوءًا يُجْزَ بِهِ أَيْ: لَيْسَ لَكُمْ وَلَا لَهُمُ النَّجَاةُ بِمُجَرَّدِ التَّمني، بل العبرة بطاعة الله سبحانه، واتِّباع ما شرعه على ألسنة الرسل الْكِرَامِ؛ وَلِهَذَا قَالَ بَعْدَهُ: مَنْ يَعْمَلْ سُوءًا يُجْزَ بِهِ، كَقَوْلِهِ: فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ [الزلزلة:7- 8]، وَقَدْ رُوِيَ أَنَّ هَذِهِ الْآيَةَ لَمَّا نَزَلَتْ شَقَّ ذَلِكَ عَلَى كَثِيرٍ مِنَ الصَّحَابَةِ.
قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا عَبْدُاللَّهِ بْنُ نُمَيْرٍ: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ، عَنْ أَبِي بَكْرِ ابْنِ أَبِي زُهَيْرٍ قَالَ: أُخْبِرْتُ أَنَّ أَبَا بكرٍ قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، كيف الفلاحُ بَعْدَ هَذِهِ الْآيَةِ: لَيْسَ بِأَمَانِيِّكُمْ وَلَا أَمَانِيِّ أَهْلِ الْكِتَابِ مَنْ يَعْمَلْ سُوءًا يُجْزَ بِهِ، فكل سوءٍ عملناه جُزينا به؟ فقال النَّبِيُّ ﷺ: غَفَرَ اللَّهُ لَكَ يَا أَبَا بَكْرٍ، أَلَسْتَ تَمْرَضُ؟ أَلَسْتَ تَنْصَبُ؟ أَلَسْتَ تَحْزَنُ؟ أَلَسْتَ تُصِيبُكَ اللَّأْوَاءُ؟ قَالَ: بلى. قال: فهو مما تُجْزَوْنَ بِهِ.
وَرَوَاهُ سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ، عَنْ خَلَفِ بْنِ خَلِيفَةَ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ ابْنِ أَبِي خَالِدٍ بِهِ.
وَرَوَاهُ الْحَاكِمُ مِنْ طَرِيقِ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بِهِ.
وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا عَبْدُالْوَهَّابِ بْنُ عَطَاءٍ، عَنْ زِيَادٍ الجصاص، عن علي بن زيد، عن مجاهد، عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا بَكْرٍ يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: مَنْ يَعْمَلْ سُوءًا يُجْزَ بِهِ فِي الدُّنْيَا.
وَقَالَ أَبُو بَكْرِ ابْنُ مَرْدَوَيْهِ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ هُشَيْمِ بْنِ جُهَيْمَةَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ أَبِي طَالِبٍ: حَدَّثَنَا عَبْدُالْوَهَّابِ بْنُ عَطَاءٍ: حَدَّثَنَا زِيَادٌ الْجَصَّاصُ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ زَيْدٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ قَالَ: قَالَ عَبْدُاللَّهِ بْنُ عمر: انظروا المكانَ الذي فيه عبدالله بن الزبير مصلوبًا فلا تمرنَّ عليه. قال: فسها الغلامُ، فإذا عبدالله بن عُمَرَ يَنْظُرُ إِلَى ابْنِ الزُّبَيْرِ، فَقَالَ: يَغْفِرُ اللَّهُ لَكَ (ثَلَاثًا)، أَمَا وَاللَّهِ مَا عَلِمْتُكَ إلا صوَّامًا قَوَّامًا وَصَّالًا لِلرَّحِمِ، أَمَا وَاللَّهِ إِنِّي لَأَرْجُوَ مع مساوي ما أصبت أن لا يُعَذِّبَكَ اللَّهُ بَعْدَهَا. قَالَ: ثُمَّ الْتَفَتَ إِلَيَّ فَقَالَ: سَمِعْتُ أَبَا بَكْرٍ الصِّدِّيقَ يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: مَن يَعْمَلْ سُوءًا فِي الدُّنْيَا يُجْزَ بِهِ.
وَرَوَاهُ أَبُو بَكْرٍ الْبَزَّارُ فِي "مُسْنَدِهِ" عَنِ الْفَضْلِ بْنِ سَهْلٍ، عَنْ عَبْدِالْوَهَّابِ بن عطاء به مُخْتَصَرًا.
الشيخ: وهذا في حرب الحجاج ابن الزبير في زمن عبدالملك، فإنَّه حاصره في مكّة عدّة أشهر، ثم تمَّ قتله، وصلبه الحجاجُ، وهذا من مساوئ الحجاج، ومن أعماله القبيحة، فابن الزبير كان من خيرة الناس: صيامًا، وقيامًا، وعبادةً، وهو من صغار الصَّحابة رضي الله عنهم وأرضاهم، وتولى الخلافةَ بعد موت يزيد بن معاوية، بايعه الناسُ، ثم جرى ما جرى من الحروب بينه وبين عبدالملك، وقتل سنة ثلاثٍ وسبعين .
والآية الكريمة عامَّة: مَنْ يَعْمَلْ سُوءًا يُجْزَ بِهِ تعمُّ جزاء الدنيا وجزاء الآخرة، وهذه الآثار التي ذكرها المؤلِّفُ فيها ضعفٌ، كلّها ما بين مُنقطعٍ، وما بين ضعيفٍ، مثل رواية علي بن زيد وغيره، والآية عامَّة، قد يُجزى به في الدُّنيا، وقد يُجزى به في الآخرة، وقد يتوب .....: مَنْ يَعْمَلْ سُوءًا يُجْزَ بِهِ يعني: إن لم يتب، فإن تاب عفا اللهُ عنه، ومحا عنه ما أصابه.
والناس كلّهم خطَّاؤون: كل بني آدم خطَّاء، وخير الخطَّائين التَّوابون، فمَن عمل سوءًا جُزِيَ به: إمَّا في الدنيا بما يُصيبه من النَّصَب والتَّعَب والأمراض وغير ذلك، وإمَّا في الآخرة بما يُصيبه في القبر أو في النَّار إلا أن يتوبَ إلى الله جلَّ وعلا، أو يعفو الله عنه بأعمالٍ صالحةٍ وحسناتٍ قدَّمها، كما قال تعالى في كتابه العظيم: إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ [النساء:48]، فما دون الشِّرك تحت مشيئة الله، قد يُعاقَب به في الدنيا، وقد يُعاقَب به في الآخرة، وقد يعفو الله عنه، هذه أمور قد أحكمها الله .
س: توجيه الخطاب للميت بصيغة المخاطب الحيّ؟
ج: من باب الاستحضار، لا يضرّ، مثلما قال: ما علمتُك إلا كذا وكذا. مثلما تُخاطب الميت وتُسلِّم عليه، تقول: ما علمتك إلا كذا وكذا. من باب الاستحضار.
س: قول عنه ابن الزبير .....؟
ج: كلٌّ له سيِّئات.
س: اليهود يقولون: عزير ابن الله، والنَّصارى يقولون: المسيح ابن الله، هل هذا شركٌ؟
ج: هذا كفرٌ أكبر، شركٌ أكبر، كفرٌ أكبر، لكن مَن تاب تاب اللهُ عليه، مَن أسلم منهم وتاب تاب اللهُ عليه، مثلما كانت قريش تقول: الملائكةُ بنات الله. وإذا أسلموا تاب اللهُ عليهم، مَن أسلم تاب اللهُ عليه، قال الله جلَّ وعلا: قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ مَا قَدْ سَلَفَ [الأنفال:38]، وقال جلَّ وعلا: وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا ثُمَّ اهْتَدَى [طه:82].
س: في قوله: "في مسند ابن الزبير"، وليس من رواية ابن الزُّبير؟
ج: لعله في مسند الزبير؛ لأنَّه من رواية الزبير .....
يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: مَنْ يَعْمَلْ سُوءًا يُجْزَ بِهِ فِي الدُّنْيَا والآخرةِ، ثُمَّ قَالَ: لَا نَعْلَمُهُ يُرْوَى عَنِ الزُّبَيْرِ إِلَّا مِنْ هَذَا الْوَجْهِ.
وَقَالَ أَبُو بَكْرِ ابْنُ مَرْدَوَيْهِ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ كَامِلٍ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ الْعَوْفِيُّ: حَدَّثَنَا رَوْحُ بْنُ عُبَادَةَ: حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ عُبَيْدَةَ: حَدَّثَنِي مَوْلَى بن سِبَاعٍ قَالَ: سَمِعْتُ ابْنَ عُمَرَ يُحَدِّثُ عَنْ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ قَالَ: كُنْتُ عِنْدَ النَّبِيِّ ﷺ، فَنَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ: مَنْ يَعْمَلْ سُوءًا يُجْزَ بِهِ وَلَا يَجِدْ لَهُ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلِيًّا وَلَا نَصِيرًا، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: يا أبا بكر، ألا أُقرئك آيةً أنزلت عليَّ؟ قلتُ: بلى يا رسول الله. قال: فأقرأنيها، فلا أعلم إلا أني قد وجدتُ انفصامًا في ظهري حتى تمطيتُ لَهَا. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: ما لك يَا أَبَا بَكْرٍ؟ قُلْتُ: بِأَبِي أَنْتَ وَأُمِّي يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَأَيُّنَا لَمْ يَعْمَلِ السُّوءَ، وَإِنَّا لَمَجْزِيُّونَ بِكُلِّ سُوءٍ عَمِلْنَاهُ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: أَمَّا أَنْتَ يا أبا بكر وأصحابك المؤمنون، فإنَّكم تُجزون بذلك في الدنيا؛ حتى تلقوا الله ليس لكم ذنوبٌ، وأمَّا الآخرون فيُجمع ذلك لهم حتى يُجزوا به يوم القيامة.
وكذا رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ عَنْ يَحْيَى بْنِ مُوسَى، وَعَبْدِ بْنِ حُمَيْدٍ، عَنْ رَوْحِ بْنِ عُبَادَةَ بِهِ. ثُمَّ قَالَ: وَمُوسَى بْنُ عُبَيْدَةَ يَضْعُفُ، وَمَوْلَى بن سباع مجهول.
الشيخ: السَّند ضعيفٌ؛ فموسى بن عبيدة ليس بشيءٍ، وابن سباع مجهولٌ، لكن المعنى: أنَّ مَن عمل السُّوء يُجزى به ما لم يتب إلى الله جلَّ وعلا، فالآية مُطلقة، الآيات يُفسّر بعضُها بعضًا، والقرآن يُفسّر بعضُه بعضًا، والسُّنة يُفسّر بعضُها بعضًا، قال جلَّ وعلا: وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا ثُمَّ اهْتَدَى [طه:82]، وقال سبحانه في كتابه العظيم: وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ [الفرقان:68- 70]، يُبَدِّل اللهُ السَّيئات حسنات، مع التوبة والعمل الصَّالح نفس السّيئات تُمْحَى، ويكون محلُّها حسنات؛ فضلًا من الله جلَّ وعلا، ويقول سبحانه: قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ [الزمر:53]، هذه للتَّائبين، أجمع العلماءُ أنَّ هذه الآية للتَّائبين، وقوله: مَنْ يَعْمَلْ سُوءًا يُجْزَ بِهِ هذه مُطلقة، قيَّدتها النُّصوص الأخرى والآيات الأخرى.
الشيخ: يعني الجزاء بالمصائب، يعني أنهم يُجزون بالمصائب في الدنيا، وهذا مما يحصّل به المؤمنُ الجزاءَ، قد يُجزى بمصيبةٍ في الدنيا: من مرضٍ، أو فقرٍ، أو نكبات حصلت له كدَّرته، أو موت أفراط، أو غير هذا مما يُكدّره في الدنيا ويشقّ عليه، فيمحو الله بذلك عنه أشياء كثيرة من سيئات عمله، فالمصائب تُكفّر بها الخطايا.
س: هل من شرطه أن يحتسب الإنسانُ في مصائبه وفي همِّه؟
ج: إذا احتسبها كان أفضل، كان أكثر، وإلا فليس بشرطٍ، المصائب تُكفّر بها السّيئات، لكن إذا احتسبها كان الأجرُ أكثر.
وفي الحديث الصَّحيح يقول ﷺ: عجبًا لأمر المؤمن، إنَّ أمره كلّه له خير، إن أصابته ضرَّاء صبر فكان خيرًا له، وإن أصابته سرَّاء شكر فكان خيرًا له، وليس ذلك لأحدٍ إلا للمُؤمن، وما كان مع الصَّبر ومع الشُّكر يكون أكمل، ولو أصابته نكبات ولم يكن على باله احتسابه يُكفّر اللهُ بها من خطاياه؛ لعموم الآية.
س: .............؟
ج: ما أدري عن صحّته، لكن على كل حالٍ الشكر أفضل إذا تيسر الشكر، الشاكر أفضل من الفقير الصَّابر.
س: إذا تسخط وجزع؟
ج: يأثم على التَّسخط، أمَّا إذا لا سَخِطَ ولا رَضِيَ مرَّت عليه هكذا، فعموم الآيات يُخفف بها من سيئاته، نعم، لكن إذا صبر صار له أجرٌ مع التَّكفير، أجرٌ على الصَّبر والاحتساب، وتكفير من السَّيئات بالمصائب.
س: ............؟
ج: هذا حديثٌ صحيحٌ: ما أصاب المسلم من همٍّ ولا غمٍّ حتى الشّوكة يُشاكها إلا كفَّر اللهُ بها من خطاياه، حتى الشوكة.
الشيخ: هذا الذي يُقال له: أبو الضّحى، أبو الضّحى مسلم بن صُبيح -بضم الصاد- وأمَّا الربيع بن صَبيح -بفتح الصاد- وأما أبو الضّحى فهو مسلم بن صُبيح بالضمِّ، نعم.
يَا رَسُولَ اللَّهِ، مَا أَشَدَّ هَذِهِ الْآيَة: مَنْ يَعْمَلْ سُوءًا يُجْزَ بِهِ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: الْمَصَائِبُ وَالْأَمْرَاضُ وَالْأَحْزَانُ فِي الدُّنْيَا جَزَاءٌ.
طَرِيقٌ أُخْرَى: قَالَ ابْنُ جَرِيرٍ: حَدَّثَنِي عَبْدُاللَّهِ ابْنُ أَبِي زِيَادٍ وأحمدُ بن منصورٍ، قالا: أنبأنا زَيْدُ بْنُ الْحُبَابِ: حَدَّثَنَا عَبْدُالْمَلِكِ بْنُ الحسن الحارثي.
الطالب: عبدالملك بن الحسن ابن أبي حكيم الجاري –بجيم- وقيل: الحرثي، الأموي مولاهم، أبو مروان، المدني، الأحول، عن عبدالرحمن ابن أبي سعيد، وعنه زيد بن الحباب، وثَّقه ابنُ معين والنَّسائي.
...........
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ زَيْدِ بْنِ قُنْفُذٍ، عَنْ عَائِشَةَ، عَنْ أَبِي بَكْرٍ قَالَ: لَمَّا نَزَلَتْ: مَنْ يَعْمَلْ سُوءًا يُجْزَ بِهِ، قَالَ أَبُو بَكْرٍ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، كُلُّ مَا نَعْمَلُ نُؤَاخَذُ بِهِ؟ فَقَالَ: يَا أَبَا بَكْرٍ، أَلَيْسَ يُصِيبُكَ كَذَا وَكَذَا؟ فَهُوَ كَفَّارَةٌ.
حَدِيثٌ آخَرُ: قَالَ سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ: أَنْبَأَنَا عَبْدُاللَّهِ بْنُ وَهْبٍ: أَخْبَرَنِي عَمْرُو بْنُ الْحَارِثِ: أَنَّ بَكْرَ بْنَ سِوَادَةَ حَدَّثَهُ: أَنَّ يَزِيدَ ابْنَ أَبِي يَزِيدَ حَدَّثَهُ عَنْ عُبَيْدِ بْنِ عُمَيْرٍ، عَنْ عَائِشَةَ: أَنَّ رَجُلًا تَلَا هَذِهِ الْآيَةَ: مَنْ يَعْمَلْ سُوءًا يُجْزَ بِهِ، فَقَالَ: إِنَّا لنُجْزَى بكلِّ ما عملناه! هَلَكْنَا إذًا. فَبَلَغَ ذَلِكَ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ فَقَالَ: نَعَمْ، يُجْزَى بِهِ الْمُؤْمِنُ فِي الدُّنْيَا فِي نَفْسِهِ، فِي جَسَدِهِ فِيمَا يُؤْذِيهِ.
الشيخ: هذا يعني: مما يُجزى به.
الشيخ: انظر هشيم في "الخلاصة".
الطالب: هشيم بن بشير السّلمي، أبو معاوية، الواسطي، نزيل بغداد، الحافظ، عن الزهري، وفيه لينٌ عنه، وعمرو بن دينار ومغيرة بن مقسم وخلق، وعنه شعبة والثّوري وأحمد وعلي بن المثنى الموصلي وابن معين وخلق، قال يعقوبُ الدَّورقي: كان عند هُشيم عشرون ألف حديثٍ. وقال العجلي: ثقة، يُدَلِّس.
عَنْ أَبِي عَامِرٍ، عَنِ ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ، عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنِّي لَأَعْلَمُ أَشَدَّ آيَةٍ فِي الْقُرْآنِ. فَقَالَ: مَا هِيَ يَا عَائِشَةُ؟ قُلْتُ: مَنْ يَعْمَلْ سُوءًا يُجْزَ بِهِ. فَقَالَ: هُوَ مَا يُصِيبُ الْعَبْدَ الْمُؤْمِنَ، حَتَّى النَّكْبَةُ يُنْكَبُهَا. ورواه ابْنُ جَرِيرٍ مِنْ حَدِيثِ هُشَيْمٍ بِهِ.
وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ مِنْ حَدِيثِ أَبِي عَامِرٍ صَالِحِ بْنِ رُسْتُمَ الْخَزَّازِ بِهِ.
طَرِيقٌ أُخْرَى: قَالَ أَبُو دَاوُدَ الطَّيَالِسِيُّ: حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ زَيْدٍ، عَنْ أُمَيَّةَ: أَنَّهَا سَأَلَتْ عَائِشَةَ عَنْ هَذِهِ الْآيَةِ: مَنْ يَعْمَلْ سُوءًا يُجْزَ بِهِ، فقالت: ما سألني أحدٌ عن هذه الآية مُنْذُ سَأَلْتُ عَنْهَا رَسُولَ اللَّهِ ﷺ، سَأَلْتُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ، فَقَالَ: يَا عَائِشَةُ، هَذِهِ مُبَايَعَةُ الله للعبد مِمَّا يُصِيبُهُ مِنَ الْحُمَّى وَالنَّكْبَةِ وَالشَّوْكَةِ، حَتَّى الْبِضَاعَةُ يَضَعُهَا فِي كُمِّهِ، فَيَفْزَعُ لَهَا، فَيَجِدُهَا فِي جَيْبِهِ، حَتَّى إِنَّ الْمُؤْمِنَ لَيَخْرُجُ مِنْ ذُنُوبِهِ، كَمَا أنَّ الذَّهبَ يخرج مِنَ الْكِيرِ.
الشيخ: حطّ عليه نسخة: أمية، عندك نسخة.
الطالب: كذا في الحاشية، وهي أمية بنت عبدالله، كما في "التهذيب"، وهي ربيبة علي بن زيد بن جُدعان، وقد روى عنها.
س: حتى البضاعة يضعها في كمِّه؟
ج: الفلوس يحطّها في كمِّه ويفقدها ويرتاع ويجدها.
.............
س: علي بن زيد يروي عن عائشة؟
ج: عن ابنته، عن عائشة، وابن زيدٍ ضعيفٌ أيضًا.
س: أدرك عائشة؟
ج: علي بن زيد ما أظنّ، لكن يروي عن ابنته، أو عن أمية بنت زوجته، لعلها كبيرة.
س: حديث: افترقت اليهودُ على إحدى وسبعين فرقة، كلها في النار، وافترقت النَّصارى على اثنتين وسبعين فرقة، كلها في النار، وستفترق هذه الأمّة على ثلاثٍ وسبعين فرقة، كلها في النار إلا واحدة، قيل: مَن هي يا رسول الله؟ قال: ما أنا عليه وأصحابي، هذا حديثٌ ...؟
ج: نعم، نعم.
س: ............؟
ج: الأصل المنع؛ لأنَّه من أعمال الكفرة .....، ولكن يجوز للنِّساء في الصَّلاة، مثلما في حديث الصَّلاة: التَّسبيح للرجال، والتَّصفيق للنِّساء، قال في الرِّواية في الصَّلاة.