الشيخ: مضرك؛ لأنَّ تميمًا من مُضر.
مُضرك؟ قَالَ: قُلْتُ: إِنَّ مَثَلِي مَثَلُ مَا قَالَ الْأَوَّلُ: "مِعْزَى حَمَلَتْ حَتْفَهَا"، حَمَلْتُ هَذِهِ وَلَا أَشْعُرُ أَنَّهَا كَانَتْ لِي خَصْمًا، أُعُوذُ بِاللَّهِ وبرسوله أن أكون كوافد عاد. قال لي: وَمَا وَافِدُ عَادٍ؟ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْحَدِيثِ مِنْهُ، وَلَكِنْ يَسْتَطْعِمُهُ، قُلْتُ: إِنَّ عَادًا قُحِطُوا، فَبَعَثُوا وَافِدًا لَهُمْ يُقَالُ لَهُ: قَيْلُ، فَمَرَّ بِمُعَاوِيَةَ بْنِ بَكْرٍ، فَأَقَامَ عِنْدَهُ شَهْرًا يَسْقِيهِ الْخَمْرَ، وَتُغَنِّيهِ جَارِيَتَانِ يُقَالُ لَهُمَا: الْجَرَادَتَانِ، فَلَمَّا مَضَى الشَّهْرُ خَرَجَ إِلَى جِبَالِ مَهْرَةَ، فَقَالَ: اللَّهُمَّ إِنَّكَ تَعْلَمُ أَنِّي لَمْ أَجِئْ إِلَى مَرِيضٍ فَأُدَاوِيهِ، وَلَا إِلَى أَسِيرٍ فَأُفَادِيهِ، اللَّهُمَّ اسْقِ عَادًا مَا كُنْتَ تَسْقِيهِ. فَمَرَّتْ بِهِ سَحَابَاتٌ سُودٌ، فَنُودِيَ مِنْهَا: اخْتَرْ. فَأَوْمَأَ إِلَى سَحَابَةٍ مِنْهَا سَوْدَاءَ، فَنُودِيَ مِنْهَا: خُذْهَا رَمَادًا رِمْدِدًا، لَا تُبْقِي مِنْ عَادٍ أَحَدًا.
قَالَ: فَمَا بلغني أنَّه بعث اللهُ عَلَيْهِمْ مِنَ الرِّيحِ إِلَّا قَدْرُ مَا يَجْرِي فِي خَاتَمِي هَذَا حَتَّى هَلَكُوا.
قَالَ أَبُو وَائِلٍ: وَصَدَقَ، قَالَ: وَكَانَتِ الْمَرْأَةُ وَالرَّجُلُ إِذَا بَعَثُوا وَافِدًا لَهُمْ قَالُوا: لَا تَكُنْ كَوَافِدِ عَادٍ.
هَكَذَا رَوَاهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ فِي "الْمُسْنَدِ"، وَرَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ عَنْ عَبْدِ بْنِ حُمَيْدٍ، عَنْ زَيْدِ بْنِ الْحُبَابِ بِهِ نَحْوَهُ.
وَرَوَاهُ النَّسَائِيُّ مِنْ حَدِيثِ سَلَّامِ ابْنِ أَبِي الْمُنْذِرِ، عَنْ عَاصِمٍ، وَهُوَ ابْنُ بَهْدَلَةَ. وَمِنْ طَرِيقِهِ رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ أَيْضًا عَنْ أَبِي وَائِلٍ، عَنِ الْحَارِثِ بْنِ حَسَّانَ الْبَكْرِيِّ بِهِ.
وَرَوَاهُ ابْنُ جَرِيرٍ عَنْ أَبِي كُرَيْبٍ، عَنْ زَيْدِ بْنِ حُبَابٍ بِهِ، وَوَقَعَ عِنْدَهُ عَنِ الْحَارِثِ بْنِ يَزِيدَ الْبَكْرِيِّ، فَذَكَرَهُ. وَرَوَاهُ أَيْضًا عَنْ أَبِي كُرَيْبٍ، عَنْ أَبِي بَكْرِ ابْنِ عَيَّاشٍ، عَنْ عاصم، عن الحارث بن حسَّان الْبَكْرِيِّ. فَذَكَرَهُ، وَلَمْ أَرَ فِي النُّسْخَةِ أَبَا وائل، والله أعلم.
الشيخ: وهذه عقوبات الكفر بالله والتَّعدي لحدوده والاستكبار عن اتِّباع رسله، استسقوا فجاءهم العذابُ، فلمَّا رأوه: قَالُوا هَذَا عَارِضٌ مُمْطِرُنَا بَلْ هُوَ مَا اسْتَعْجَلْتُمْ بِهِ رِيحٌ فِيهَا عَذَابٌ أَلِيمٌ تُدَمِّرُ كُلَّ شَيْءٍ بِأَمْرِ رَبِّهَا فَأَصْبَحُوا لَا يُرَى إِلَّا مَسَاكِنُهُمْ [الأحقاف:24- 25]، هذه العقوبات العاجلة، وعقوبات الآخرة وراء ذلك، نسأل الله العافية.
س: أحسن الله إليكم، سلّام ابن أبي المنذر، أو سلّام أبي المنذر؟
ج: أيش عندك في أول السَّند؟
الطالب: حدَّثني أبو المنذر سلَّام بن سليمان النَّحوي.
الشيخ: عندكم شيء غير هذا؟
الطالب: يقول في آخره: ورواه النَّسائي من حديث سلَّام ابن أبي المنذر.
............
الشيخ: صلِّحوها رواية سلَّام أبي المنذر.
مُداخلة: أحسن الله إليك يا شيخ، في تعقيب للحافظ ابن كثير في "البداية والنهاية" على هذا الحديث ..... ابن إسحاق، أقرأه يا شيخ؟
الشيخ: إيه، نعم، اقرأه.
الطالب: وَهَكَذَا أَوْرَدَ هَذَا الْحَدِيثَ وَهَذِهِ الْقِصَّةَ عِنْدَ تَفْسِيرِ هَذِهِ الْقِصَّةِ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنَ الْمُفَسِّرِينَ: كَابْنِ جَرِيرٍ وَغَيْرِهِ، وَقَدْ يَكُونُ هَذَا السِّيَاقُ لِإِهْلَاكِ عَادٍ الْآخِرَةِ؛ فَإِنَّ فِيمَا ذَكَرَهُ ابْنُ إِسْحَاقَ وغيره ذكر لِمَكَّةَ، وَلَمْ تُبْنَ إِلَّا بَعْدَ إِبْرَاهِيمَ الْخَلِيلِ حِينَ أَسْكَنَ فِيهَا هَاجَرَ وَابْنَهُ إِسْمَاعِيلَ، فَنَزَلَتْ جُرْهُمٌ عِنْدَهُمْ كَمَا سَيَأْتِي، وَعَادٌ الْأُولَى قَبْلَ الْخَلِيلِ، وَفِيهِ ذِكْرُ مُعَاوِيَةَ بْنِ بَكْرٍ وَشِعْرُهُ، وَهُوَ مِنَ الشِّعْرِ الْمُتَأَخِّرِ عَنْ زَمَانِ عَادٍ الْأُولَى، لَا يُشْبِهُ كَلَامَ الْمُتَقَدِّمِينَ، وَفِيهِ أَنَّ فِي تِلْكَ السَّحَابَةِ شَرَرَ نَارٍ، وَعَادٌ الْأُولَى إِنَّمَا أُهْلِكُوا بِرِيحٍ صَرْصَرٍ.
وَقَدْ قَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ وَابْنُ عَبَّاسٍ وَغَيْرُ وَاحِدٍ مِنْ أَئِمَّةِ التَّابِعِينَ: هِيَ الْبَارِدَةُ وَالْعَاتِيَةُ الشَّدِيدَةُ الْهُبُوبِ: سَخَّرَهَا عَلَيْهِمْ سَبْعَ لَيَالٍ وَثَمَانِيَةَ أَيَّامٍ حُسُومًا [الحاقة:7].
ثم أحسن الله إليك ذكر في آخره: يقول الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا هَارُونُ بْنُ مَعْرُوفٍ: أَنْبَأَنَا عَبْدُاللَّهِ بْنُ وَهْبٍ: أَنْبَأَنَا عَمْرٌو -وَهُوَ ابْنُ الْحَارِثِ- أَنَّ أَبَا النَّضْرِ حَدَّثَهُ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ، عَنْ عَائِشَةَ أَنَّهَا قَالَتْ: مَا رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ مُسْتَجْمِعًا ضَاحِكًا قَطُّ حَتَّى أَرَى مِنْهُ لَهَوَاتِهِ، إِنَّمَا كَانَ يَتَبَسَّمُ. وَقَالَتْ: كَانَ إِذَا رَأَى غَيْمًا أَوْ رِيحًا عُرِفَ ذَلِكَ فِي وَجْهِهِ. قَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، النَّاسُ إِذَا رَأَوُا الْغَيْمَ فَرِحُوا رَجَاءَ أَنْ يَكُونَ فِيهِ الْمَطَرُ، وَأَرَاكَ إِذَا رَأَيْتَهُ عُرِفَ فِي وَجْهِكَ الْكَرَاهِيَةُ! فَقَالَ: يَا عَائِشَةُ، مَا يُؤَمِّنُنِي أَنْ يَكُونَ فِيهِ عَذَابٌ؟ قَدْ عُذِّبَ قَوْمُ نُوحٍ بِالرِّيحِ، وَقَدْ رأى قومٌ العذابَ فقالُوا: هَذَا عَارِضٌ مُمْطِرُنَا [الأحقاف:24].
فَهَذَا الْحَدِيثُ كَالصَّرِيحِ فِي تَغَايُرِ الْقِصَّتَيْنِ كَمَا أَشَرْنَا إِلَيْهِ أَوَّلًا، فَعَلَى هَذَا تَكُونُ الْقِصَّةُ الْمَذْكُورَةُ فِي سُورَةِ الْأَحْقَافِ خَبَرًا عَنْ قَوْمِ عَادٍ الثَّانِيَةِ، وَتَكُونُ بَقِيَّةُ السِّيَاقَاتِ فِي الْقُرْآنِ خَبَرًا عَنْ عَادٍ الْأُولَى، وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ.
وهكذا رواه مسلمٌ عن هارون بن مَعْرُوفٍ، وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَأَبُو دَاوُدَ مِنْ حَدِيثِ ابن وهبٍ، وَقَدَّمْنَا حَجَّ هُودٍ عَلَيْهِ السَّلَامُ عِنْدَ ذِكْرِ حَجِّ نُوحٍ عَلَيْهِ السَّلَامُ.
وَرُوِيَ عَنْ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ أَنَّهُ ذَكَرَ صِفَةَ قَبْرِ هُودٍ عَلَيْهِ السَّلَامُ فِي بِلَادِ الْيَمَنِ.
وَذَكَرَ آخَرُونَ أَنَّهُ بِدِمَشْقَ وَبِجَامِعِهَا مَكَانٌ فِي حَائِطِهِ الْقِبْلِيِّ يَزْعُمُ بَعْضُ النَّاسِ أَنَّهُ قَبْرُ هُودٍ عَلَيْهِ السَّلَامُ وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
الشيخ: نعم، الله المستعان.
الطالب: في تعليق للحافظ ابن حجر على هذا الحديث، أقرأه يا شيخ؟
الشيخ: إيه.
الطالب: قَوْلُهُ: عُذِّبَ قَوْمٌ بِالرِّيحِ، وَقَدْ رَأَى قَوْمٌ الْعَذَابَ فَقَالُوا: هَذَا عَارِضٌ ظَاهِرُ هَذَا أَنَّ الَّذِينَ عُذِّبُوا بِالرِّيحِ غَيْر الَّذِينَ قَالُوا ذَلِكَ؛ لِمَا تَقَرَّرَ أَنَّ النَّكِرَةَ إِذَا أُعِيدَتْ نَكِرَةً كَانَتْ غَيْرَ الْأَوَّلِ، لَكِنَّ ظَاهِرَ آيَةِ الْبَابِ عَلَى أَنَّ الَّذِينَ عُذِّبُوا بِالرِّيحِ هُمُ الَّذِينَ قَالُوا: هَذَا عَارِضٌ؛ فَفِي هَذِهِ السُّورَةِ: وَاذْكُرْ أَخَا عَادٍ إِذْ أَنْذَرَ قَوْمَهُ بِالْأَحْقَافِ الْآيَاتِ [الأحقاف:21]، وَفِيهَا: فَلَمَّا رَأَوْهُ عَارِضًا مُسْتَقْبِلَ أَوْدِيَتِهِمْ قَالُوا هَذَا عَارِضٌ مُمْطِرُنَا بَلْ هُوَ مَا اسْتَعْجَلْتُمْ بِهِ رِيحٌ فِيهَا عَذَابٌ أَلِيمٌ [الأحقاف:24].
وَقَدْ أَجَابَ الْكِرْمَانِيُّ عَنِ الْإِشْكَالِ بِأَنَّ هَذِهِ الْقَاعِدَةَ الْمَذْكُورَةَ إِنَّمَا تَطَّرِدُ إِذَا لَمْ يَكُنْ فِي السِّيَاقِ قَرِينَةٌ تَدُلُّ عَلَى أَنَّهَا عَيْنُ الْأَوَّلِ، فَإِنْ كَانَ هُنَاكَ قَرِينَةٌ كَمَا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: وَهُوَ الَّذِي فِي السَّمَاءِ إِلَهٌ وَفِي الْأَرْضِ إِلَهٌ [الزخرف:84] فَلَا.
ثُمَّ قَالَ: وَيَحْتَمِلُ أَنَّ عَادًا قَوْمَانِ: قَوْمٌ بِالْأَحْقَافِ، وَهُمْ أَصْحَابُ الْعَارِضِ. وَقَوْمٌ غَيْرُهُمْ.
قُلْتُ: وَلَا يَخْفَى بُعْدُهُ، لَكِنَّهُ مُحْتَمَلٌ، فَقَدْ قَالَ تَعَالَى فِي سُورَةِ النَّجْمِ: وَأَنَّهُ أَهْلَكَ عَادًا الْأُولَى [النجم:50]، فَإِنَّهُ يُشْعِرُ بِأَنَّ ثَمَّ عَادًا أُخْرَى، وَقَدْ أَخْرَجَ قِصَّةَ عَادٍ الثَّانِيَةِ أَحْمَدُ بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ عَنِ الْحَارِثِ بْنِ حَسَّانَ الْبَكْرِيِّ قَالَ: خَرَجْتُ أَنَا وَالْعَلَاءُ بْنُ الْحَضْرَمِيِّ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ ﷺ. الْحَدِيثَ، وَفِيهِ: فَقُلْتُ: أَعُوذُ بِاللَّهِ وَبِرَسُولِهِ أَنْ أَكُونَ كَوَافِدِ عَادٍ. قَالَ: وَمَا وَافِدُ عَادٍ؟ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْحَدِيثِ، وَلَكِنَّهُ يَسْتَطْعِمُهُ، فَقُلْتُ: إِنَّ عَادًا قَحَطُوا، فَبَعَثُوا قَيْلَ بْنَ عَنْزٍ إِلَى مُعَاوِيَةَ بْنِ بَكْرٍ بِمَكَّةَ يَسْتَسْقِي لَهُمْ، فَمَكَثَ شَهْرًا فِي ضِيَافَتِهِ تُغَنِّيهِ الْجَرَادَتَانِ، فَلَمَّا كَانَ بَعْدَ شَهْرٍ خَرَجَ لَهُمْ فَاسْتَسْقَى لَهُمْ، فَمَرَّتْ بِهِمْ سَحَابَاتٌ، فَاخْتَارَ السَّوْدَاءَ مِنْهَا، فَنُودِيَ: خُذْهَا رَمَادًا رمدًا لَا تُبْقِ مِنْ عَادٍ أَحَدًا.
وَأَخْرَجَ التِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ وابنُ مَاجَهْ بَعْضَهُ، وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ فِي قِصَّةِ عَادٍ الْأَخِيرَةِ؛ لِذِكْرِ مَكَّةَ فِيهِ، وَإِنَّمَا بُنِيَتْ بَعْدَ إِبْرَاهِيمَ حِينَ أَسْكَنَ هَاجَرَ وَإِسْمَاعِيلَ بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ، فَالَّذِينَ ذُكِرُوا فِي سُورَةِ الْأَحْقَافِ هُمْ عَادٌ الْأَخِيرَةُ، وَيَلْزَمُ عَلَيْهِ أَنَّ الْمُرَادَ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: أَخَا عَادٍ نَبِيٌّ آخَرُ غَيْرُ هودٍ، والله أعلم.
الشيخ: الله أعلم، نعم.
س: محتملٌ أحسن الله إليك أن تكون من أخبار بني إسرائيل كونها عادَين؟
ج: أشكل عليه قوله: "وعادًا الأُولى"، قال: يدل على أنَّ هناك عادًا ثانيةً، أمَّا ظاهر القرآن أنها عادٌ واحدة هم الذين أُهلكوا بالرِّيح، وهم أصحاب العارض.
س: ............؟
ج: هذا فيما يُستعان بالمخلوق فيما يقدر عليه، يعني: لا تُخيبني، فالإنسان يستعين بالشَّخص فيما يقدر عليه الحيّ الحاضر، الحيّ الحاضر لا بأس، تقول: أعوذ بك من شرِّ غِلمانك، من شرِّ جماعتك، حتى يمنعهم منك.
س: قوله تعالى: وَأَنَّهُ أَهْلَكَ عَادًا الْأُولَى [النجم:50] ماذا يُفهم من قوله: الْأُولَى؟
ج: يعني: القديمة، يحتمل أنَّ المراد بالأولى يعني: القديمة التي مضى لها سنون طويلة، فإنها بعد نوحٍ، وقبل ثمود، وقبل لوط، وقبل شعيب، وقبل بني إسرائيل، يعني: قديمة، يُقال: الأول، يعني: القديم، ما هو بلزومٍ أن يكون بعده ثانٍ، يعني: القديم السَّابق.
س: .............؟
ج: هذا الظَّاهر، الظَّاهر أنَّهم عادٌ واحدة.
وَإِلَى ثَمُودَ أَخَاهُمْ صَالِحًا قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ قَدْ جَاءَتْكُمْ بَيِّنَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ هَذِهِ نَاقَةُ اللَّهِ لَكُمْ آيَةً فَذَرُوهَا تَأْكُلْ فِي أَرْضِ اللَّهِ وَلَا تَمَسُّوهَا بِسُوءٍ فَيَأْخُذَكُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ وَاذْكُرُوا إِذْ جَعَلَكُمْ خُلَفَاءَ مِنْ بَعْدِ عَادٍ وَبَوَّأَكُمْ فِي الْأَرْضِ تَتَّخِذُونَ مِنْ سُهُولِهَا قُصُورًا وَتَنْحِتُونَ الْجِبَالَ بُيُوتًا فَاذْكُرُوا آلَاءَ اللَّهِ وَلَا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ قَالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا مِنْ قَوْمِهِ لِلَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا لِمَنْ آمَنَ مِنْهُمْ أَتَعْلَمُونَ أَنَّ صَالِحًا مُرْسَلٌ مِنْ رَبِّهِ قَالُوا إِنَّا بِمَا أُرْسِلَ بِهِ مُؤْمِنُونَ قَالَ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا إِنَّا بِالَّذِي آمَنْتُمْ بِهِ كَافِرُونَ فَعَقَرُوا النَّاقَةَ وَعَتَوْا عَنْ أَمْرِ رَبِّهِمْ وَقَالُوا يَا صَالِحُ ائْتِنَا بِمَا تَعِدُنَا إِنْ كُنْتَ مِنَ الْمُرْسَلِينَ فَأَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ فَأَصْبَحُوا فِي دَارِهِمْ جَاثِمِينَ [الأعراف:73- 78].
قَالَ عُلَمَاءُ التَّفْسِيرِ وَالنَّسَبِ: ثَمُودُ بْنُ عَاثِرَ بْنِ إِرَمَ بْنِ سَامَ بْنِ نُوحٍ، وهو أخو جديس بن عاثر، وَكَذَلِكَ قَبِيلَةُ طَسْمٍ، كُلُّ هَؤُلَاءِ كَانُوا أَحْيَاءً مِنَ الْعَرَبِ الْعَارِبَةِ قَبْلَ إِبْرَاهِيمَ الْخَلِيلِ عَلَيْهِ السَّلَامُ، وَكَانَتْ ثَمُودُ بَعْدَ عَادٍ.
الشيخ: هذه يُقال لها: الأمم البائدة ..... ثمود وإدريس أممٌ زالت، قُضِيَ عليها، الله أكبر، نسأل الله العافية.
وَمَسَاكِنُهُمْ مَشْهُورَةٌ فِيمَا بَيْنَ الْحِجَازِ وَالشَّامِ إِلَى وَادِي الْقُرَى وَمَا حَوْلَهُ، وَقَدْ مَرَّ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ على ديارهم ومساكنهم وهو ذاهبٌ إلى تبوك في سَنَةِ تِسْعٍ.
قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا عَبْدُالصَّمَدِ: حَدَّثَنَا صَخْرُ بْنُ جُوَيْرِيَةَ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: لَمَّا نَزَلَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ بِالنَّاسِ عَلَى تَبُوكَ نَزَلَ بِهِمُ الْحِجْرَ عِنْدَ بُيُوتِ ثَمُودَ، فاستقى النَّاسُ مِنَ الْآبَارِ الَّتِي كَانَتْ تَشْرَبُ مِنْهَا ثمودُ، فعجنوا منها، ونصبوا لها الْقُدُورَ، فَأَمَرَهُمُ النَّبِيُّ ﷺ فَأَهْرَقُوا الْقُدُورَ، وَعَلَفُوا الْعَجِينَ الْإِبِلَ، ثُمَّ ارْتَحَلَ بِهِمْ حَتَّى نَزَلَ بِهِمْ عَلَى الْبِئْرِ الَّتِي كَانَتْ تَشْرَبُ مِنْهَا النَّاقَة،ُ وَنَهَاهُمْ أَنْ يَدْخُلُوا عَلَى الْقَوْمِ الَّذِينَ عُذِّبُوا، وَقَالَ: إِنِّي أَخْشَى أَنْ يُصِيبَكُمْ مِثْلُ مَا أَصَابَهُمْ، فَلَا تَدْخُلُوا عليهم.
وقال أَحْمَدُ أَيْضًا: حَدَّثَنَا عَفَّانُ: حَدَّثَنَا عَبْدُالْعَزِيزِ بْنُ مُسْلِمٍ: حَدَّثَنَا عَبْدُاللَّهِ بْنُ دِينَارٍ، عَنْ عَبْدِاللَّهِ بْنِ عُمَرَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ وهو بِالْحِجْرِ: لَا تَدْخُلُوا عَلَى هَؤُلَاءِ الْمُعَذَّبِينَ إِلَّا أَنْ تَكُونُوا بَاكِينَ، فَإِنْ لَمْ تَكُونُوا بَاكِينَ فَلَا تَدْخُلُوا عَلَيْهِمْ؛ أَنْ يُصِيبَكُمْ مِثْلُ مَا أَصَابَهُمْ.
وَأَصْلُ هَذَا الْحَدِيثِ مُخَرَّجٌ فِي "الصَّحِيحَيْنِ" مِنْ غَيْرِ وَجْهٍ.
وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ أَيْضًا: حدَّثنا يزيدُ بن هارون: أخبرني الْمَسْعُودِيُّ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أَوْسَطَ، عَنْ مُحَمَّدِ ابْنِ أَبِي كَبْشَةَ الْأَنْمَارِيِّ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: لَمَّا كَانَ فِي غَزْوَةِ تَبُوكَ تَسَارَعَ النَّاسُ إِلَى أَهْلِ الْحِجْرِ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ، فَبَلَغَ ذَلِكَ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ، فَنَادَى فِي النَّاسِ: الصَّلَاةُ جَامِعَةٌ، قَالَ: فَأَتَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ وَهُوَ مُمْسِكٌ بعنزةٍ.
الشيخ: حطّ نسخة: بعيره، حتى يُراجع الأصل.
الطالب: .........
وَهُوَ يَقُولُ: مَا تَدْخُلُونَ عَلَى قَوْمٍ غَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ، فَنَادَاهُ رَجُلٌ مِنْهُمْ: نَعْجَبُ مِنْهُمْ يَا رَسُولَ اللَّهِ. قَالَ: أَفَلَا أُنَبِّئُكُمْ بِأَعْجَبَ مِنْ ذَلِكَ؛ رَجُلٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ يُنَبِّئُكُمْ بِمَا كَانَ قَبْلَكُمْ، وَبِمَا هُوَ كَائِنٌ بَعْدَكُمْ، فَاسْتَقِيمُوا، وَسَدِّدُوا، فَإِنَّ اللَّهَ لَا يَعْبَأُ بِعَذَابِكُمْ شَيْئًا، وَسَيَأْتِي قَوْمٌ لَا يَدْفَعُونَ عَنْ أَنْفُسِهِمْ شَيْئًا.
لَمْ يُخْرِجْهُ أَحَدٌ مِنْ أَصْحَابِ السُّنَنِ، وَأَبُو كَبْشَةَ اسْمُهُ: عُمَرُ بْنُ سَعْدٍ، وَيُقَالُ: عَامِرُ بْنُ سَعْدٍ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
الشيخ: السَّند ضعيفٌ، المسعودي ضعيفٌ فيما يُخبر ويروي عن العراقيين، وهذا إسماعيل ذكر ضعفه أيضًا، نعم.
وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا عَبْدُالرَّزَّاقِ: حَدَّثَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ عَبْدِاللَّهِ بْنِ عُثْمَانَ بْنِ خُثَيْمٍ، عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ، عَنْ جَابِرٍ قَالَ: لَمَّا مَرَّ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ بِالْحِجْرِ قَالَ: لَا تَسْأَلُوا الْآيَاتِ؛ فَقَدْ سَأَلَهَا قَوْمُ صَالِحٍ فَكَانَتْ -يَعْنِي النَّاقَةَ- تَرِدُ مِنْ هَذَا الْفَجِّ، وَتَصْدُرُ مِنْ هَذَا الْفَجِّ، فَعَتَوْا عَنْ أَمْرِ رَبِّهِمْ فَعَقَرُوهَا، وَكَانَتْ تَشْرَبُ مَاءَهُمْ يَوْمًا، وَيَشْرَبُونَ لَبَنَهَا يَوْمًا، فَعَقَرُوهَا؛ فَأَخَذَتْهُمْ صَيْحَةٌ أَهْمَدَ اللَّهُ مَن تحت أديم السَّماءِ مِنْهُمْ إِلَّا رَجُلًا وَاحِدًا كَانَ فِي حَرَمِ اللَّهِ، فَقَالُوا: مَنْ هُوَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: أَبُو رِغَالٍ، فَلَمَّا خَرَجَ مِنَ الْحَرَمِ أَصَابَهُ مَا أَصَابَ قَوْمَهُ.
وَهَذَا الْحَدِيثُ لَيْسَ فِي شَيْءٍ مِنَ الْكُتُبِ السِّتَّةِ، وَهُوَ عَلَى شرط مسلمٍ.
الشيخ: وهو من طريق أبي الزبير، عن جابرٍ، وأبو الزبير مُدلِّسٌ رحمه الله.
الطالب: المسعودي: عبدالرحمن بن عبدالله بن عتبة بن عبدالله بن مسعود، الكوفي، المسعودي، صدوقٌ، اختلط قبل موته، وضابطه أنَّ مَن سمع منه ببغداد فبعد الاختلاط، من السابعة، مات سنة ستين، وقيل: سنة خمسٍ وستين. (خت 4).
الشيخ: المسعودي نسبة إلى عبدالله بن مسعود .
س: الحافظ في "البداية والنهاية" حسَّنه؟
ج: محتملٌ؛ لأنَّ الأصلَ سلامةُ رواية أبي الزبير حتى يُوجد ما يدل على تدليسه.
س: هل يجوز لمن نوى الحجَّ مُتمتِّعًا وهو قادرٌ على الهدي أن يصوم قبل أن يدخل في النُّسك؟ وهل يجوز له أن يصوم أيام التَّشريق؟
ج: ليس له أن يصوم قبل الدُّخول في النُّسك، يصوم بعد ذلك، إذا دخل في النُّسك -أحرم بالعُمرة- جاز له أن يصوم الثلاثة أيام، وقال بعضُهم: بعد التَّحلل منها. المقصود أنَّه وُجِدَ السَّبب الأول وهو الإحرام، والوجوب بعد الانتهاء من الحجِّ، بعد إحرامه بالحجِّ يلزمه.
س: إذا انتهى من العُمرة؟
ج: صام بين الحجِّ والعُمرةِ لا بأس، يصوم الثلاثة أيام، والسَّبع بعد ذلك.
س: وأيام التَّشريق؟
ج: يصومها، نعم، تقول عائشةُ وابنُ عمر رضي الله عنهما: لم يُرخّص في أيام التَّشريق أن يُصَمْنَ إلا لمن لم يجد الهدي.
س: رجلٌ يُريد أن يعتمر عن زوجته بكونها غير موجودةٍ في البلاد؛ ولأنَّه غير قادرٍ على ..... بالعُمرة؛ لحالته المادية، فهل يجوز له ذلك؟
ج: لا، لا، إذا استطاعت تعتمر، لا، يحجّ عن غير الحيِّ، إلا إذا كان عاجزًا؛ لكبر سنِّه، أو مرضٍ لا يُرجى برؤه، أما الحجّ عن الميت لا بأس، أمَّا الحيُّ لا، إلا بشرط أن يكون عاجزًا؛ لكبرٍ أو مرضٍ لا يُرجى برؤه.
س: الحديث الأخير؛ حديث أبي الزبير عن جابرٍ الذي قال الحافظُ: "على شرط مسلمٍ"، سنده يكون صحيحًا؟
ج: لا بأس، ما هو على شرط مسلمٍ، لكن فقط فيه عنعنة أبي الزبير، وقد يضعف في هذا؛ لأنَّه في مسلم محتمل، رواية مسلم رحمه الله، لخَّص أحاديث واختار منها ما رآه متَّصلًا، أمَّا هنا فمُحتمل .....، والحمد لله في القرآنِ ما يكفي ويشفي.
س: .............؟
ج: مثلما قال ﷺ: لا تدخلوا على الأمم المعذَّبين إلا أن تكونوا باكين، يدخل باكيًا وإلَّا لا يمرّ.
س: المدلِّس إذا كان ثقةً .....؟
ج: قد يصل، الأصل السَّماع حتى يُوجد ما يدل على التَّدليس .....، قد يُقال هذا، ما هو ببعيدٍ، عمل الأئمّة يقتضي هذا، رواية المدلِّسين تقتضي أنَّ الأصلَ سماعهم حتى يُوجد ما يدل على أنهم دلَّسوا.