تفسير قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَرِثُوا النِّسَاءَ كَرْهًا وَلَا تَعْضُلُوهُنَّ..}

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَرِثُوا النِّسَاءَ كَرْهًا وَلَا تَعْضُلُوهُنَّ لِتَذْهَبُوا بِبَعْضِ مَا آتَيْتُمُوهُنَّ إِلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا ۝ وَإِنْ أَرَدْتُمُ اسْتِبْدَالَ زَوْجٍ مَكَانَ زَوْجٍ وَآتَيْتُمْ إِحْدَاهُنَّ قِنْطَارًا فَلَا تَأْخُذُوا مِنْهُ شَيْئًا أَتَأْخُذُونَهُ بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا ۝ وَكَيْفَ تَأْخُذُونَهُ وَقَدْ أَفْضَى بَعْضُكُمْ إِلَى بَعْضٍ وَأَخَذْنَ مِنْكُمْ مِيثَاقًا غَلِيظًا ۝ وَلَا تَنْكِحُوا مَا نَكَحَ آبَاؤُكُمْ مِنَ النِّسَاءِ إِلَّا مَا قَدْ سَلَفَ إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَمَقْتًا وَسَاءَ سَبِيلً [النساء:19- 22].

قَالَ الْبُخَارِيُّ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مُقَاتِلٍ: حَدَّثَنَا أَسْبَاطُ بْنُ مُحَمَّدٍ: حَدَّثَنَا الشَّيْبَانِيُّ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ. قَالَ الشَّيْبَانِيُّ: وَذَكَرَهُ أَبُو الْحَسَنِ السُّوَائِيُّ. وَلَا أَظُنُّهُ ذَكَرَهُ إِلَّا عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَرِثُوا النِّسَاءَ كَرْهًا، قَالَ: كَانُوا إِذَا مَاتَ الرَّجُلُ كَانَ أَوْلِيَاؤُهُ أَحَقَّ بِامْرَأَتِهِ، إِنْ شَاءَ بَعْضُهُمْ تزوَّجها، وإن شاءوا زوَّجوها، وإن شاءوا لَمْ يُزَوِّجُوهَا، فَهُمْ أَحَقُّ بِهَا مِنْ أَهْلِهَا، فَنَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَرِثُوا النِّسَاءَ كَرْهًا.

هَكَذَا رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَأَبُو دَاوُدَ وَالنَّسَائِيُّ وَابْنُ مَرْدَوَيْهِ وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ مِنْ حَدِيثِ أَبِي إِسْحَاقَ الشَّيْبَانِيِّ، وَاسْمُهُ: سُلَيْمَانُ ابْنُ أَبِي سُلَيْمَانَ، عَنْ عِكْرِمَةَ. وَعَنْ أَبِي الْحَسَنِ السُّوَائِيِّ، وَاسْمُهُ: عَطَاءٌ، كُوفِيٌّ، أَعْمَى، كِلَاهُمَا عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ بِمَا تَقَدَّمَ.

وَقَالَ أَبُو دَاوُدَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ ثَابِتٍ الْمَرْوَزِيُّ: حَدَّثَنِي عَلِيُّ بْنُ حُسَيْنٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ يَزِيدَ النَّحْوِيِّ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: لَا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَرِثُوا النِّسَاءَ كَرْهًا وَلَا تَعْضُلُوهُنَّ لِتَذْهَبُوا بِبَعْضِ مَا آتَيْتُمُوهُنَّ إِلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ، وَذَلِكَ أَنَّ الرَّجُلَ كَانَ يَرِثُ امْرَأَةَ ذِي قَرَابَتِهِ، فَيَعْضُلُهَا حَتَّى تَمُوتَ أَوْ تَرُدَّ إِلَيْهِ صَدَاقَهَا، فَأَحْكَمَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْ ذَلِكَ، أَيْ: نَهَى عَنْ ذَلِكَ. تَفَرَّدَ بِهِ أَبُو دَاوُدَ.

وَقَدْ رَوَاهُ غَيْرُ وَاحِدٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ بِنَحْوِ ذَلِكَ.

الطالب: أحمد بن محمد بن ثابت بن عثمان، الخزاعي، أبو الحسن ابن شبويه -بمُعجمةٍ بعدها مُوحَّدة ثقيلة- ثقة، من العاشرة، مات سنة ثلاثين. (د).

الشيخ: صلِّحها ..... نسخة الشّعب: أحمد بن محمد.

س: يقول: تفرَّد به أبو داود، وقد راوه عن غير واحدٍ، أليس يقصد أبا داود، يعني: عن غير واحدٍ، عن ابن عباسٍ؟

ج: لا، عن ما لها محلّ.

وَقَدْ رَوَاهُ غَيْرُ وَاحِدٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ بِنَحْوِ ذَلِكَ.

الشيخ: يعني جماعة من التَّابعين يعني.

فَقَالَ وَكِيعٌ: عن سفيان، عن علي بن بذيمة، عَنْ مِقْسَمٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: كَانَتِ الْمَرْأَةُ فِي الْجَاهِلِيَّةِ إِذَا تُوُفِّيَ عَنْهَا زَوْجُهَا، فَجَاءَ رَجُلٌ فَأَلْقَى عَلَيْهَا ثَوْبًا كَانَ أَحَقَّ بِهَا، فَنَزَلَتْ: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَرِثُوا النِّسَاءَ كَرْهًا.

الشيخ: هذه من خُرافات الجاهلية؛ إذا مات أحدٌ من أقاربهم رأوا أنَّهم أحقُّ بزوجته: إمَّا أن يُزَوِّجها، وإمَّا أن يتزوَّجها بعضُهم، وإمَّا أن يحبسوها، ومنها هذه الرِّواية الأخرى: أنَّه مَن جاء فألقى ثوبًا عليها كان أحقَّ، مَن سبق إليها، مَن ألقى الثوبَ، نعم.

وَرَوَى عَلِيُّ ابْنُ أَبِي طَلْحَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَرِثُوا النِّسَاءَ كَرْهًا، قَالَ: كَانَ الرَّجُلُ إِذَا مَاتَ وَتَرَكَ جَارِيَةً أَلْقَى عَلَيْهَا حَمِيمُهُ ثَوْبَهُ، فَمَنَعَهَا مِنَ النَّاسِ، فَإِنْ كَانَتْ جَمِيلَةً تَزَوَّجَهَا، وَإِنْ كَانَتْ دَمِيمَةً حَبَسَهَا حَتَّى تَمُوتَ فَيَرِثُهَا.

وَرَوَى الْعَوْفِيُّ عَنْهُ: كَانَ الرَّجُلُ مِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ إِذَا مَاتَ حَمِيمُ أَحَدِهِمْ أَلْقَى ثَوْبَهُ عَلَى امْرَأَتِهِ، فَوَرِثَ نِكَاحَهَا، وَلَمْ يَنْكِحْهَا أَحَدٌ غَيْرُهُ، وَحَبَسَهَا عِنْدَهُ حَتَّى تَفْتَدِيَ مِنْهُ بِفِدْيَةٍ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَرِثُوا النِّسَاءَ كَرْهًا.

وَقَالَ زَيْدُ بْنُ أَسْلَمَ فِي الْآيَةِ: كَانَ أَهْلُ يَثْرِبَ إِذَا مَاتَ الرَّجُلُ مِنْهُمْ فِي الْجَاهِلِيَّةِ وَرِثَ امْرَأَتَهُ مَنْ يَرِثُ مَالَهُ، وَكَانَ يَعْضُلُهَا حَتَّى يَرِثَهَا، أَوْ يُزَوِّجَهَا مَنْ أَرَادَ، وَكَانَ أَهْلُ تِهَامَةَ يُسِيءُ الرَّجُلُ صُحْبَةَ الْمَرْأَةِ حَتَّى يُطَلِّقَهَا، وَيَشْتَرِطَ عَلَيْهَا أَنْ لَا تَنْكِحَ إِلَّا مَنْ أَرَادَ، حَتَّى تَفْتَدِيَ مِنْهُ بِبَعْضِ مَا أَعْطَاهَا، فَنَهَى اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ عَنْ ذَلِكَ. رَوَاهُ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ.

الشيخ: وهذا المعنى الثاني قد يقع فيه كثيرٌ من الناس اليوم، وهو أنَّه يُؤذيها ويعضلها ويُسيء عِشرتها حتى تفتدي بغير ذنبٍ، فقط لأنَّه لم يرغب فيها، وهذا من الظُّلم، ومن عمل الجاهلية، إذا ناسبته فالحمد لله، فليُحْسِن صُحبتها، وليقم بالواجب، وإلَّا فليُطلِّقها والحمد لله، أمَّا أن يسيء صُحبتها ويُسيء عِشرتها حتى تفتدي؛ هذا من عمل الجاهلية، إلا إذا أتت بفاحشةٍ، إذا ظلمت هي: زنت، أو خانتهم بلسانها وأعمالها القبيحة، فله حينئذٍ أن يطلب منها الفِدَاء.

وَقَالَ أَبُو بَكْرِ ابْنُ مَرْدَوَيْهِ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ: حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْحَاقَ: حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ الْمُنْذِرِ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ فُضَيْلٍ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ مُحَمَّدِ ابْنِ أَبِي أُمَامَةَ ابْنِ سَهْلِ بْنِ حُنَيْفٍ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: لَمَّا تُوُفِّيَ أَبُو قَيْسِ ابْنِ الْأَسْلَتِ أَرَادَ ابْنُهُ أَنْ يَتَزَوَّجَ امْرَأَتَهُ، وَكَانَ لَهُمْ ذَلِكَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ: لَا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَرِثُوا النِّسَاءَ كَرْهًا.

وَرَوَاهُ ابْنُ جَرِيرٍ مِنْ حَدِيثِ مُحَمَّدِ بْنِ فُضَيْلٍ بِهِ.

ثُمَّ رُوِيَ مِنْ طَرِيقِ ابْنِ جُرَيْجٍ قَالَ: أَخْبَرَنِي عَطَاءٌ: أَنَّ أَهْلَ الْجَاهِلِيَّةِ كَانُوا إِذَا هَلَكَ الرَّجُلُ وَتَرَكَ امْرَأَةً حَبَسَهَا أَهْلُهُ عَلَى الصَّبِيِّ يَكُونُ فِيهِمْ، فَنَزَلَتْ: لَا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَرِثُوا النِّسَاءَ كَرْهًا الآية.

وقال ابنُ جُريج: قال مُجَاهِدٌ: كَانَ الرَّجُلُ إِذَا تُوُفِّيَ، كَانَ ابْنُهُ أَحَقَّ بِامْرَأَتِهِ يَنْكِحُهَا إِنْ شَاءَ إِذَا لَمْ يَكُنِ ابْنَهَا، أَوْ يُنْكِحُهَا مَنْ شَاءَ: أَخَاهُ، أو ابنَ أخيه.

وقال ابنُ جُريج: قال عِكْرِمَةُ: نَزَلَتْ فِي كُبَيْشَةَ بِنْتِ مَعْنِ بْنِ عاصم من الْأَوْسِ، تُوُفِّيَ عَنْهَا أَبُو قَيْسِ ابْنِ الْأَسْلَتِ، فَجَنَحَ عَلَيْهَا ابْنُهُ، فَجَاءَتْ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ، فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، لَا أَنَا وَرِثْتُ زَوْجِي، وَلَا أَنَا تُرِكْتُ فأنكح. فأنزل اللهُ هَذِهِ الْآيَةَ.

وَقَالَ السُّدِّيُّ: عَنْ أَبِي مَالِكٍ: كَانَتِ الْمَرْأَةُ فِي الْجَاهِلِيَّةِ إِذَا مَاتَ زَوْجُهَا جَاءَ وَلِيُّهُ فَأَلْقَى عَلَيْهَا ثَوْبًا، فَإِنْ كَانَ لَهُ ابْنٌ صَغِيرٌ أَوْ أَخٌ حَبَسَهَا حَتَّى يَشِبَّ، أَوْ تَمُوتَ فَيَرِثَهَا، فَإِنْ هِيَ انْفَلَتَتْ فَأَتَتْ أَهْلَهَا وَلَمْ يُلْقِ عَلَيْهَا ثَوْبًا نَجَتْ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ: لَا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَرِثُوا النِّسَاءَ كَرْهًا.

وقال مجاهدٌ في هذه الْآيَةِ: كَانَ الرَّجُلُ يَكُونُ فِي حِجْرِهِ الْيَتِيمَةُ، هو يلي أمرها، فيحبسها رَجَاءَ أَنْ تَمُوتَ امْرَأَتُهُ فَيَتَزَوَّجُهَا، أَوْ يُزَوِّجُهَا ابْنَهُ. رَوَاهُ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ.

ثُمَّ قَالَ: وَرُوِيَ عَنِ الشَّعْبِيِّ وَعَطَاءِ ابْنِ أَبِي رَبَاحٍ وَأَبِي مِجْلَزٍ وَالضَّحَّاكِ وَالزُّهْرِيِّ وَعَطَاءٍ الْخُرَاسَانِيِّ وَمُقَاتِلِ بْنِ حَيَّانَ نَحْوُ ذَلِكَ.

قُلْتُ: فَالْآيَةُ تَعُمُّ مَا كَانَ يَفْعَلُهُ أَهْلُ الْجَاهِلِيَّةِ، وَمَا ذَكَرَهُ مُجَاهِدٌ وَمَنْ وَافَقَهُ، وَكُلَّ مَا كَانَ فِيهِ نوعٌ من ذلك، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

الشيخ: مثلما قال المؤلفُ كلامٌ طيبٌ يعمّ كلَّ أخبار الجاهلية وعاداتهم السَّيئة التي هي ظُلمٌ للنِّساء، الآيات تنهى عن ذلك، إذا مات زوجُها اعتدَّت ثم تزوَّجت مَن شاءت، وليس لهم سلطانٌ عليها: لا أولاده، ولا غيرهم، هذا من رحمة الله وإحسانه إلى النِّساء، وتخليصه لهنَّ من ظُلم الجاهلية، نعم.

س: فألقى عليها ثوبًا، دراهم؟

ج: على ظاهره، أيّ ثوبٍ، معناه أنَّه سبق إليها، نعم.

وَقَوْلُهُ: وَلَا تَعْضُلُوهُنَّ لِتَذْهَبُوا بِبَعْضِ مَا آتَيْتُمُوهُنَّ أَيْ: لَا تُضَارُّوهُنَّ فِي الْعِشْرَةِ؛ لِتَتْرُكَ لَكَ مَا أَصْدَقْتَهَا أَوْ بَعْضَهُ أَوْ حَقًّا مِنْ حُقُوقِهَا عَلَيْكَ، أَوْ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ عَلَى وَجْهِ الْقَهْرِ لَهَا وَالإِضْرَارِ.

وَقَالَ عَلِيُّ ابْنُ أَبِي طَلْحَةَ: عَنِ ابْنِ عباسٍ في قَوْلِهِ: وَلَا تَعْضُلُوهُنَّ يَقُولُ: وَلَا تَقْهَرُوهُنَّ لِتَذْهَبُوا بِبَعْضِ مَا آتَيْتُمُوهُنَّ يَعْنِي: الرَّجُل تَكُونُ لَهُ امْرَأَةٌ، وَهُوَ كَارِهٌ لِصُحْبَتِهَا، وَلَهَا عَلَيْهِ مَهْرٌ، فيضرّها لتفتدي. وكذا قال الضَّحاك وقتادة، وَاخْتَارَهُ ابْنُ جَرِيرٍ.

الشيخ: الآية واضحة، تفسيرها واضحٌ، وهي ظُلم النِّساء حتى يفتدين بما عليهنَّ من المال أو بعضه، نسأل الله العافية.

وَقَالَ ابْنُ الْمُبَارَكِ وَعَبْدُالرَّزَّاقِ: أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، قَالَ: أَخْبَرَنِي سِمَاكُ بْنُ الفضل، عن ابن البيلمانيِّ، قَالَ: نَزَلَتْ هَاتَانِ الْآيَتَانِ؛ إِحْدَاهُمَا فِي أَمْرِ الْجَاهِلِيَّةِ، وَالْأُخْرَى فِي أَمْرِ الْإِسْلَامِ. قَالَ عَبْدُاللَّهِ بْنُ الْمُبَارَكِ: يَعْنِي قَوْلَهُ: لَا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَرِثُوا النِّسَاءَ كَرْهًا فِي الْجَاهِلِيَّةِ، وَلَا تَعْضُلُوهُنَّ فِي الْإِسْلَامِ.

وَقَوْلُهُ: إِلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ.

قَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ وَابْنُ عَبَّاسٍ وَسَعِيدُ بْنُ الْمُسَيَّبِ وَالشَّعْبِيُّ وَالْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ وَمُحَمَّدُ بْنُ سِيرِينَ وَسَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ وَمُجَاهِدٌ وعِكْرِمَةُ وَعَطَاءٌ الْخُرَاسَانِيُّ وَالضَّحَّاكُ وَأَبُو قِلَابَةَ وَأَبُو صَالِحٍ وَالسُّدِّيُّ وَزَيْدُ بْنُ أَسْلَمَ وَسَعِيدُ ابْنُ أَبِي هِلَالٍ: يَعْنِي بِذَلِكَ الزِّنَا، يَعْنِي إِذَا زَنَتْ فَلَكَ أَنْ تَسْتَرْجِعَ مِنْهَا الصَّدَاقَ الَّذِي أَعْطَيْتَهَا، وتُضَاجِرَهَا حَتَّى تَتْرُكَهُ لَكَ، وَتُخَالِعَهَا، كَمَا قَالَ تَعَالَى فِي سُورَةِ الْبَقَرَةِ: وَلَا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَأْخُذُوا مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئًا إِلَّا أَنْ يَخَافَا أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ [البقرة:229].

الشيخ: وفي هذا المعنى قصّة ثابت بن قيس لما أبغضته زوجته ولم تُطق البقاء معه؛ أذن اللهُ له أن يأخذ منها الحديقة، بل أمره بذلك، إذا ساءت الحالُ بينهما: إمَّا لزناها، وإما لسُوء عِشرتها، وإمَّا لأسبابٍ أخرى؛ فلا بأس أن يأخذ منها الفداء، ولا بأس أن يعضلها إذا كان الظلمُ منها، إذا كانت هي الظَّالمة لا بأس أن يعضلها ويُمسكها حتى تُؤدِّي المهر.

وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَعِكْرِمَةُ وَالضَّحَّاكُ: الْفَاحِشَةُ الْمُبَيِّنَةُ: النُّشُوزُ وَالْعِصْيَانُ. وَاخْتَارَ ابْنُ جَرِيرٍ أَنَّهُ يَعُمُّ ذَلِكَ كُلَّهُ: الزِّنَا، وَالْعِصْيَانَ، وَالنُّشُوزَ، وَبَذَاءَ اللِّسَانِ، وَغَيْرَ ذَلِكَ. يَعْنِي: أَنَّ هَذَا كُلَّهُ يُبِيحُ مُضَاجَرَتَهَا حَتَّى تُبْرِئَهُ مِنْ حَقِّهَا أَوْ بَعْضِهِ وَيُفَارِقَهَا، وَهَذَا جَيِّدٌ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

الشيخ: وهو داخلٌ في قوله: إِلَّا أَنْ يَخَافَا أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ [البقرة:229].

س: إذا أراد أن يخالعها هل تجوز الزِّيادة بما أعطاها؟

ج: لا، الزِّيادة فيها نظر، ينبغي ترك الزيادة، يأخذ ما أعطاها فقط أو أقلّ.

س: التي ما عندها مالٌ؟

ج: يمكن أن يُخالعها على سبيل المؤجّل، إذا تزوَّجت وجاءها مالٌ يمكن أن يكون مُؤجَّلًا، دَينًا.

وَقَدْ تَقَدَّمَ فِيمَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ مُنْفَرِدًا بِهِ مِنْ طَرِيقِ يَزِيدَ النَّحْوِيِّ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ: لَا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَرِثُوا النِّسَاءَ كَرْهًا وَلَا تَعْضُلُوهُنَّ لِتَذْهَبُوا بِبَعْضِ مَا آتَيْتُمُوهُنَّ إِلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ قَالَ: وَذَلِكَ أَنَّ الرَّجُلَ كَانَ يَرِثُ امْرَأَةَ ذِي قَرَابَتِهِ فَيَعْضُلُهَا حَتَّى تَمُوتَ، أَوْ تَرُدَّ إِلَيْهِ صَدَاقَهَا، فَأَحْكَمَ اللَّهُ عَنْ ذَلِكَ، أَيْ: نَهَى عَنْ ذَلِكَ.

قَالَ عِكْرِمَةُ وَالْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ: وَهَذَا يَقْتَضِي أَنْ يَكُونَ السِّيَاقُ كُلُّهُ كَانَ فِي أَمْرِ الْجَاهِلِيَّةِ، وَلَكِنْ نُهِيَ الْمُسْلِمُونَ عَنْ فِعْلِهِ في الإسلام.

وقال عَبْدُالرَّحْمَنِ بْنُ زَيْدٍ: كَانَ الْعَضْلُ فِي قُرَيْشٍ بِمَكَّةَ؛ يَنْكِحُ الرَّجُلُ الْمَرْأَةَ الشَّرِيفَةَ، فَلَعَلَّهَا لا تُوافقه فيُفارقها على أن لا تتزوج إِلَّا بِإِذْنِهِ، فَيَأْتِي بِالشُّهُودِ فَيَكْتُبُ ذَلِكَ عَلَيْهَا وَيُشْهِدُ، فَإِذَا خَطَبَهَا الْخَاطِبُ، فَإِنْ أَعْطَتْهُ وَأَرْضَتْهُ أَذِنَ لَهَا، وَإِلَّا عَضَلَهَا. قَالَ: فَهَذَا قَوْلُهُ: وَلَا تَعْضُلُوهُنَّ لِتَذْهَبُوا بِبَعْضِ مَا آتَيْتُمُوهُنَّ.

وَقَالَ مُجَاهِدٌ فِي قَوْلِهِ: وَلَا تَعْضُلُوهُنَّ لِتَذْهَبُوا بِبَعْضِ مَا آتَيْتُمُوهُنَّ هُوَ كَالْعَضْلِ فِي سُورَةِ البقرة.

وقوله تعالى: وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ أَيْ: طَيِّبُوا أَقْوَالَكُمْ لَهُنَّ، وَحَسِّنُوا أَفْعَالَكُمْ وَهَيْئَاتِكُمْ بِحَسَبِ قُدْرَتِكُمْ، كَمَا تُحِبُّ ذَلِكَ مِنْهَا، فَافْعَلْ أَنْتَ بِهَا مِثْلَهُ. كَمَا قَالَ تَعَالَى: وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ [البقرة:228]، وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: خَيْرُكُمْ خَيْرُكُمْ لِأَهْلِهِ، وَأَنَا خَيْرُكُمْ لِأَهْلِي، وَكَانَ مِنْ أَخْلَاقِهِ ﷺ أَنَّهُ جَمِيلُ الْعِشْرَةِ، دَائِمُ الْبِشْرِ، يُدَاعِبُ أَهْلَهُ، وَيَتَلَطَّفُ بِهِمْ، ويُوسِعُهُمْ نَفَقَتَهُ، وَيُضَاحِكُ نِسَاءَهُ، حَتَّى إِنَّهُ كان يُسابق عائشةَ أمَّ المؤمنين رضي الله عنها، يَتَوَدَّدُ إِلَيْهَا بِذَلِكَ، قَالَتْ: سَابَقَنِي رَسُولُ اللَّهِ ﷺ فَسَبَقْتُهُ، وَذَلِكَ قَبْلَ أَنْ أَحْمِلَ اللَّحْمَ، ثُمَّ سَابَقْتُهُ بَعْدَمَا حَمَلْتُ اللَّحْمَ فَسَبَقَنِي، فَقَالَ: هَذِهِ بِتِلْكَ، وَيَجْتَمِعُ نِسَاؤُهُ كُلَّ لَيْلَةٍ فِي بَيْتِ الَّتِي يَبِيتُ عِنْدَهَا رَسُولُ اللَّهِ ﷺ، فَيَأْكُلُ مَعَهُنَّ الْعَشَاءَ فِي بَعْضِ الْأَحْيَانِ، ثُمَّ تَنْصَرِفُ كُلُّ وَاحِدَةٍ إِلَى مَنْزِلِهَا، وَكَانَ يَنَامُ مَعَ الْمَرْأَةِ مِنْ نِسَائِهِ فِي شِعَارٍ وَاحِدٍ، يَضَعُ عَنْ كَتِفَيْهِ الرِّدَاءَ، وَيَنَامُ بِالْإِزَارِ، وَكَانَ إِذَا صَلَّى الْعِشَاءَ يَدْخُلُ مَنْزِلَهُ يَسْمُرُ مَعَ أَهْلِهِ قَلِيلًا قَبْلَ أَنْ يَنَامَ، يُؤَانِسُهُمْ بِذَلِكَ ﷺ.

الشيخ: وهذا هو الذي ينبغي للمؤمن: أن يتأسَّى بنبيِّه ﷺ، ويكون حسنَ الخلق مع أهله، طيب العشرة، طليق الوجه، طيب الكلام، كثيرٌ من الناس كأنَّه سبعٌ مع أهله، ليس عنده رحمة، ولا عطف، ولا كلامٌ طيِّبٌ، هذا غلطٌ كبيرٌ، فالواجب مثلما قال ربنا: وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا [النساء:19].

المقصود أنَّ الواجبَ على المؤمن أن يكون عنده خلقٌ كريمٌ، وتأسٍّ بنبيِّه عليه الصلاة والسلام، كان ربما أخذت عائشةُ العرقَ تعرقه، فأخذه منها وتعرقه أيضًا، وربما أخذت الماءَ وشربت، ثم أخذ وشرب، المقصود التَّودد إلى الأهل وحُسن الخلق وعدم التَّكبر، ويجمع هذا كلّه: وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ، وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ [البقرة:228].

س: قوله: أنَّ النبيَّ ﷺ كان يجمع نساءَه كل ليلةٍ في العشاء، صحيحٌ هذا؟

ج: ما أذكر هذا، الصَّواب في الحديث الصَّحيح أنَّه كان يزور كلَّ واحدةٍ في العصر، يدور عليهنَّ العصر حتى ينتهي للتي هي يومها، كما في مسلم، أمَّا كونه يجتمع بهنَّ ليلةً في الأسبوع، أو كل ليلةٍ، ما أتذكر هذا، لعله الشيخ ..... أو بعضكم يدوره .....

وأيش عبارة المؤلف؟ أعدها.

وَيَجْتَمِعُ نِسَاؤُهُ كُلَّ لَيْلَةٍ فِي بَيْتِ الَّتِي يَبِيتُ عِنْدَهَا رَسُولُ اللَّهِ ﷺ، فَيَأْكُلُ مَعَهُنَّ الْعَشَاءَ فِي بَعْضِ الْأَحْيَانِ.

الشيخ: في بعض الأحيان، المقصود: واحدٌ منكم أو اثنان منكم يعتني بهذا، سواء الشيخ عمر، أو الشيخ سلطان، أو غيرهما. أنا لا أذكر هذا بشيءٍ من الأحاديث المعروفة، وكم خفي علينا.

يُؤَانِسُهُمْ بِذَلِكَ ﷺ.

وَقَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ [الأحزاب:21].

وَأَحْكَامُ عِشْرَةِ النِّسَاءِ وَمَا يتعلَّق بتفصيل ذلك موضعه كتب الْأَحْكَامِ، وَلِلَّهِ الْحَمْدُ.

وَقَوْلُهُ تَعَالَى: فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا أَيْ: فَعَسَى أَنْ يَكُونَ صَبْرُكُمْ مَعَ إِمْسَاكِكُمْ لَهُنَّ وَكَرَاهَتِهِنَّ فِيهِ خَيْرٌ كَثِيرٌ لَكُمْ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ. كَمَا قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ فِي هَذِهِ الْآيَةِ: هُوَ أَنْ يَعْطِفَ عَلَيْهَا فَيُرْزَقَ مِنْهَا وَلَدًا، وَيَكُونُ فِي ذَلِكَ الْوَلَدِ خَيْرٌ كَثِيرٌ.

وَفِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ: لَا يَفْرَكُ مُؤْمِنٌ مُؤْمِنَةً؛ إِنْ سَخِطَ مِنْهَا خُلُقًا، رَضِيَ مِنْهَا آخَرَ.