وَآتُوا الْيَتَامَى أَمْوَالَهُمْ وَلَا تَتَبَدَّلُوا الْخَبِيثَ بِالطَّيِّبِ وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَهُمْ إِلَى أَمْوَالِكُمْ إِنَّهُ كَانَ حُوبًا كَبِيرًا وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا فِي الْيَتَامَى فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ ذَلِكَ أَدْنَى أَلَّا تَعُولُوا وَآتُوا النِّسَاءَ صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ نَفْسًا فَكُلُوهُ هَنِيئًا مَرِيئًا [النساء:2- 4].
يأمر تعالى بدفع أموال اليتامى إليهم إذا بلغوا الحلم كاملةً مُوفَّرةً، وينهى عن أكلها وضمِّها إلى أموالهم؛ ولهذا قال: وَلَا تَتَبَدَّلُوا الْخَبِيثَ بِالطَّيِّبِ، قال سفيان الثّوري: عن أبي صالح: لا تعجل بالرزق الحرام قبل أن يأتيك الرزقُ الحلال الذي قدّر لك.
وقال سعيدُ بن جبير: لا تتبدلوا الحرامَ من أموال الناس بالحلال من أموالكم، يقول: لا تبذروا أموالكم الحلال وتأكلوا أموالهم الحرام.
وقال سعيدُ بن المسيب والزّهري: لا تُعْطِ مهزولًا وتأخذ سمينًا.
وقال إبراهيمُ النَّخعي والضَّحاك: لا تُعْطِ زائفًا وتأخذ جيدًا.
وقال السُّدي: كان أحدُهم يأخذ الشَّاةَ السَّمينة من غنم اليتيم، ويجعل مكانها الشَّاة المهزولة، ويقول: شاةٌ بشاةٍ. ويأخذ الدِّرهم الجيد ويطرح مكانه الزّيف، ويقول: درهم بدرهمٍ.
وقوله: وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَهُمْ إِلَى أَمْوَالِكُمْ.
قال مجاهد وسعيد بن جبير ومُقاتل بن حيان والسّدي وسفيان بن حسين: أي: لا تخلطوها فتأكلوها جميعًا.
الشيخ: وهذا كلّه تحذيرٌ من الظّلم لليتامى؛ لأنَّ اليتامى ضُعفاء قاصرون، لا يدفعون عن أنفسهم، بل أمورهم بأيدي أوليائهم، واليتيم هو الصَّغير الذي لم يبلغ، وليس له أبٌ، بل قد فقد أباه، ولم يبلغ الحلم، هذا أمواله تكون تحت أيدي الأولياء، أو أيدي أناس لم يولوا، بل تولّوا عليها من غير ولايةٍ شرعيةٍ، والله يُحذِّر عبادَه من التَّسلط على أموال هؤلاء الضُّعفاء، وهكذا أشباههم من الضُّعفاء الذين لا يدفعون عن أنفسهم، يجب الحذر من ظلمهم والتَّعدي عليهم، فإنَّ القويَّ قد يدفع عن نفسه، قد ينتصر، قد لا يستطيعون أخذ ماله، لكن اليتيم وأشباه اليتيم قد يُظلم من وليِّه ومن غير وليِّه، فالله يُحذِّر المسلمين من ذلك.
وَآتُوا الْيَتَامَى أَمْوَالَهُمْ يعني: آتوهم إيَّاها كاملةً غير منقوصةٍ، وَلَا تَتَبَدَّلُوا الْخَبِيثَ بِالطَّيِّبِ ذكر هذا عند الأمر بإتيان الأموال يدل على أنَّ المراد يعني: مع اليتامى، مثلما قال جماعةٌ من السلف، يأخذ الطيبَ من مال اليتيم، ويحطّ ماله بدله، خبيثًا، رديئًا، هذا من الظّلم، هذا من أكل أموالهم بالباطل، يأخذ عنزًا طيبةً، ويحطّ عنزًا ضعيفةً، أو ناقةً طيبةً، ويجعل مكانها ناقةً دونها، وهكذا، هكذا في الملابس، وهكذا في الأطعمة، وهكذا في النّقود، يعني: يأخذ الطَّيبَ لنفسه من أموالهم، ويدع مكانه الرديء، هذا أيضًا من الظلم، هذا من أكل أموالهم بالباطل، ومن التَّحيل على أكلِها.
وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَهُمْ إِلَى أَمْوَالِكُمْ يعني: بضمِّها إلى أموالكم، والتَّعدي عليها، لا بأكلها مُنفردةً، ولا بضمِّها إلى أموالهم واختلاطها بأموالهم، كله تعدٍّ؛ لأنَّ الواجبَ العناية بها، والإصلاح فيها، قال تعالى: وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْيَتَامَى قُلْ إِصْلَاحٌ لَهُمْ خَيْرٌ [البقرة:220]، وقال تعالى: إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْمًا إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَارًا وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيرًا [النساء:10]، المقصود الإصلاح لهم: وَلَا تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ [الأنعام:152] يعني: بالسَّعي له في الإصلاح، هذه هي التي أحسن، السَّعي له فيما يصلح له ماله ويُنمّيه ويحفظه، وما سوى ذلك فهو ظلمٌ وعدوانٌ.
وهكذا أجناسهم من النِّساء، أو غيرهم من الضُّعفاء الذين لك سلطةٌ على أموالهم، احذر، لا تستغلّ سلطانك وقوتك في ظلم الناس الذين دونك من أيتامٍ، أو نساء، أو ضُعفاء، أو عمَّال، أو غيرهم ممن لك سلطةٌ على أخذ شيءٍ من أموالهم.
وقوله: إِنَّهُ كَانَ حُوبًا كَبِيرًا.
قال ابنُ عباسٍ: أي إثمًا كبيرًا عظيمًا.
وروى ابنُ مردويه عن أبي هريرةَ قال: سُئِلَ رسولُ الله ﷺ عن قوله: حُوبًا كَبِيرًا قال: إثمًا كبيرًا. ولكن في إسناده محمد بن يوسف الكديمي.
............
الطالب: محمد بن يونس بن موسى بن سليمان الكديمي، بالتَّصغير، أبو العباس، السامي، بالمهملة، البصري، ضعيف، ولم يثبت أنَّ أبا داود روى عنه، من صغار الحادية عشرة، مات سنة ستٍّ وثمانين. (د).
الشيخ: محمد بن يونس الكديمي، بدل الكندي.
وهو ضعيفٌ.
ورُوِيَ هكذا عن مجاهدٍ وعكرمة وسعيد بن جُبير والحسن وابن سيرين وقتادة ومُقاتل بن حيان والضَّحاك وأبي مالك وزيد بن أسلم وأبي سنان مثل قول ابن عباسٍ.
وفي الحديث المرويِّ في "سنن أبي داود": اغفر لنا حوبنا وخطايانا.
وروى ابنُ مردويه بإسناده إلى واصل مولى أبي عُيينة، عن ابن سيرين، عن ابن عباسٍ: أنَّ أبا أيوب طلَّق امرأته، فقال له النبيُّ ﷺ: يا أبا أيوب، إنَّ طلاقَ أمِّ أيوب كان حوبًا. قال ابنُ سيرين: الحوب: الإثم.
ثم قال ابنُ مردويه: حدَّثنا عبدُالباقي: حدَّثنا بشر بن موسى: حدَّثنا هوذة بن خليفة: حدَّثنا عوف، عن أنسٍ: أنَّ أبا أيوب أراد طلاقَ أم أيوب، فاستأذن النبيَّ ﷺ، فقال: إنَّ طلاقَ أم أيوب لحوبٌ، فأمسكها.
ثم روى ابنُ مردويه والحاكم في "مستدركه" من حديث علي بن عاصم، عن حميدٍ الطَّويل: سمعتُ أنسَ بن مالك أيضًا يقول: أراد أبو طلحة أن يُطلِّق أمَّ سُليم امرأته، فقال النبيُّ ﷺ: إنَّ طلاقَ أمِّ سُليم لحوبٌ فكفَّ.
والمعنى: إنَّ أكلَكم أموالهم مع أموالكم إثمٌ عظيمٌ، وخطأٌ كبيرٌ، فاجتنبوه.
س: هذا مُستثنًى ..... طلاق أمِّ أيوب وأمِّ سُليم؟
ج: لو صحَّ، لو صحَّ، في أسانيده نظر، لو صحَّ له أسبابه.
الطالب: واصل مولى أبي عُيينة -بتحتانيّة مُصغّر- صدوق، عابد، من السادسة. (خ، م، د، س، ق).
الشيخ: ..... مولى أبي عُيينة.
وقوله: وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا فِي الْيَتَامَى فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى أي: إذا كان تحت حجر أحدكم يتيمة، وخاف أن لا يُعطيها مهرَ مثلها فليعدل إلى ما سواها من النِّساء، فإنهنَّ كثيرٌ، ولم يُضيق الله عليه.
وقال البخاريُّ: حدَّثنا إبراهيمُ بن موسى: حدَّثنا هشام، عن ابن جريج: أخبرني هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة: أنَّ رجلًا كانت له يتيمة فنكحها، وكان لها عذقٌ.
الشيخ: "وكان لها عذقٌ" يعني: جماعة من النَّخل، نخلة فأكثر، العَذق: النَّخلة فأكثر، والعِذق .....
وكان يُمسكها عليه، ولم يكن لها من نفسه شيء، فنزلت فيه: وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا. أحسبه قال: كانت شريكته في ذلك العذق وفي ماله.
ثم قال البخاري: حدَّثنا عبدُالعزيز بن عبدالله: حدَّثنا إبراهيمُ بن سعد، عن صالح بن كيسان، عن ابن شهابٍ قال: أخبرني عروةُ بن الزبير أنَّه سأل عائشةَ عن قول الله تعالى: وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا فِي الْيَتَامَى، قالت: يا ابن أختي، هذه اليتيمة تكون في حجر وليِّها، تشركه في ماله، ويُعجبه مالها وجمالها، فيُريد وليُّها أن يتزوجها بغير أن يُقسط في صداقها، فيُعطيها مثلما يُعطيها غيره، فنُهوا أن ينكحوهنَّ إلا أن يُقسِطوا إليهنَّ، ويبلغوا بهنَّ أعلى سنتهنَّ في الصَّداق، وأُمِرُوا أن ينكحوا ما طاب لهم من النِّساء سواهنَّ.
قال عروةُ: قالت عائشةُ: وإنَّ الناسَ استفتوا رسولَ الله ﷺ بعد هذه الآية، فأنزل الله: وَيَسْتَفْتُونَكَ فِي النِّسَاءِ [النساء:127]. قالت عائشةُ: وقول الله في الآية الأخرى: وَتَرْغَبُونَ أَنْ تَنْكِحُوهُنَّ [النساء:127] رغبة أحدكم عن يتيمته إذا كانت قليلةَ المال والجمال، فنُهوا أن ينكحوا مَن رغبوا في ماله وجماله من يتامى النِّساء إلا بالقسط من أجل رغبتهم عنهنَّ إذا كنَّ قليلات المال والجمال.
وقوله: مَثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ ما شئتُم من النِّساء سواهنَّ، إن شاء أحدُكم ثنتين، وإن شاء ثلاثًا، وإن شاء أربعًا، كما قال الله تعالى: جَاعِلِ الْمَلَائِكَةِ رُسُلًا أُولِي أَجْنِحَةٍ مَثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ [فاطر:1] أي: منهم مَن له جناحان، ومنهم مَن له ثلاثة، ومنهم مَن له أربعة، ولا ينفي ما عدا ذلك في الملائكة؛ لدلالة الدَّليل عليه، بخلاف قصر الرِّجال على أربعٍ، فمن هذه الآية كما قاله ابنُ عباسٍ وجمهور العُلماء.
الشيخ: أمَّا الملائكة فقد يكون لهم أكثر من ذلك، كما في الحديث الصَّحيح: أنَّ جبريلَ له ستّمئة جناح، لكن أخبر عن جنسٍ من الملائكة: منهم مَن له جناحان، ومنهم مَن له ثلاثة، ومنهم مَن له أربعة، ولا ينفي وجود غير ذلك، أما النِّساء فليس له أن يزيد على الأربع، كما جاءت به السّنة، ودلَّ عليه الكتاب العزيز.
وظاهر الآية أنَّه مُستحبٌّ، المستحبّ أن يُعدد؛ لأنَّه قال: فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ، ثم قال: فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً [النساء:3]، دلَّ على أنَّ الواحدةَ هي الأدنى، وأنَّ الأفضل أكثر؛ لأنَّ الثِّنتين والثلاث والأربع أكمل في إعفافه وتكثير النَّسل، وتكثير إعفاف النِّساء أيضًا، حتى لا تتعطل النِّساء، فإن الرجل إذا كان عنده أربعٌ أو ثلاثٌ أو ثنتان صار أكثر لإعفاف النِّساء وإعفاف نفسه، ومن أسباب أيضًا كثرة الولد والنَّسل، فالتَّعدد فيه مصالح، مع العدل والعناية، مصالح للرجال، ومصالح للنِّساء، وكثرة للأُمَّة، أمَّا إذا خاف ولم يستطع العدل فواحدة تكفي.
لأنَّ المقامَ مقامُ امتنانٍ وإباحةٍ، فلو كان يجوز الجمعُ بين أكثر من أربعٍ لذكره.
قال الشَّافعي: وقد دلَّت سنةُ رسول الله ﷺ المبينة عن الله أنَّه لا يجوز لأحدٍ غير رسول الله ﷺ أن يجمع بين أكثر من أربع نسوةٍ.
وهذا الذي قاله الشَّافعي رحمه الله مجمعٌ عليه بين العلماء، إلا ما حُكِيَ عن طائفةٍ من الشِّيعة أنَّه يجوز الجمع بين أكثر من أربعٍ إلى تسعٍ.
وقال بعضُهم: بلا حصرٍ.
وقد يتمسَّك بعضُهم بفعل رسول الله ﷺ في جمعه بين أكثر من أربعٍ إلى تسعٍ، كما ثبت في "الصَّحيحين"، وإمَّا إحدى عشرة كما جاء في بعض ألفاظ البخاري، وقد علَّقه البخاريُّ: وقد رُوينا عن أنسٍ: أنَّ رسولَ الله ﷺ تزوَّج بخمس عشرة امرأة، ودخل منهنَّ بثلاث عشرة، واجتمع عنده إحدى عشرة، ومات عن تسعٍ.
وهذا عند العلماء من خصائصه دون غيره من الأُمَّة؛ لما سنذكره من الأحاديث الدَّالة على الحصر في أربعٍ، ولنذكر الأحاديث في ذلك:
قال الإمامُ أحمد: حدَّثنا إسماعيلُ ومحمد بن جعفر، قالا: حدَّثنا معمر، عن الزهري. قال ابنُ جعفر في حديثه: أنبأنا ابنُ شهابٍ، عن سالم، عن أبيه: أنَّ غيلانَ بن سلمة الثَّقفيَّ أسلم وتحته عشر نسوةٍ، فقال له النبيُّ ﷺ: اختر منهن أربعًا، فلمَّا كان في عهد عمر طلَّق نساءه، وقسم مالَه بين بنيه، فبلغ ذلك عمر، فقال: إني لأظنّ الشيطان فيما يسترق من السَّمع سمع بموتِك فقذفه في نفسك، ولعلك لا تمكث إلا قليلًا، وايم الله، لتراجعنَّ نساءك، ولترجعنَّ في مالك، أو لأورثهنَّ منك، ولآمرنَّ بقبرك فيُرجم كما رُجِمَ قبر أبي رغال.
وهكذا رواه الشَّافعي والترمذي وابنُ ماجه والدَّارقطني والبيهقي وغيرهم من طرقٍ عن إسماعيل بن عُلية، وغندر، ويزيد بن زريع، وسعيد ابن أبي عروبة، وسفيان الثَّوري، وعيسى بن يونس، وعبدالرحمن بن محمد المحاربي، والفضل بن موسى، وغيرهم من الحفَّاظ عن معمر بإسناده مثله، إلى قوله: اختر منهنَّ أربعًا، وباقي الحديث في قصة عمر من أفراد أحمد، وهي زيادة حسنة، وهي مُضعفة لما علل به البخاري هذا الحديث فيما حكاه عنه الترمذي، حيث قال بعد روايته له: سمعتُ البخاريَّ يقول: هذا الحديثُ غير محفوظٍ.
الشيخ: أما السَّند فهو سندٌ صحيحٌ عظيمٌ، دالٌّ على تحريم ما زاد على الأربع، أمَّا إن كان أراد .....، أثر عمر هذا محل نظرٍ، تُراجع رواية عمر.
الشيخ: وهي مُضعِّفة، ضعَّف –بالتَّشديد- يعني: أثر عمر يُقوي ما رواه الجماعة عن الزهري، عن سعد ..... في قصة غيلان.
وهي زيادةٌ حسنةٌ، وهي مُضعفة لما علل به البخاري هذا الحديث فيما حكاه عنه الترمذي، حيث قال بعد روايته له: سمعتُ البخاريَّ يقول: هذا الحديثُ غير محفوظٍ.
والصَّحيح ما روى شعيب وغيره عن الزهري: حدّثت عن محمد بن سويد الثَّقفي: أنَّ غيلان بن سلمة. فذكره.
قال البخاريُّ: وإنما حديث الزهري، عن سالم، عن أبيه: أنَّ رجلًا من ثقيفٍ طلَّق نساءَه، فقال له عمرُ: لتراجعنَّ نساءك، أو لأرجمنَّ قبرك كما رُجِمَ قبر أبي رغال. وهذا التَّعليل فيه نظر، والله أعلم.
الشيخ: والمعنى: لا مُنافاة بين رواية الجماعة عن الزهري، عن سالم، وهم أئمّة ثقات، في قصّة الزَّوجات، لا تُنافي رواية الطَّلاق، هذه شيء، ثم هذه رواية الزهري في مسألة الطَّلاق حدثت ما بين مَن حدَّثه، فهي رواية ضعيفة، بخلاف تلك الرِّواية؛ محكمة، واضحة.
وقد رواه عبدُالرزاق، عن معمر، عن الزهري مرسلًا.
وهكذا رواه مالكٌ عن الزهري مرسلًا.
قال أبو زُرعة: وهو أصحّ.
وقال البيهقيُّ: ورواه عقيل عن الزهري: بلغنا عن عثمان بن محمد ابن أبي سويد.
وقال أبو حاتم: وهذا وهمٌ، إنما هو الزهري، عن محمد بن سويد: بلغنا أنَّ رسولَ الله ﷺ. فذكره.
قال البيهقيُّ: ورواه يونسُ وابنُ عُيينة عن الزهري، عن محمد ابن أبي سويد. وهذا كما علله البخاريُّ، وهذا الإسناد الذي قدَّمناه من "مسند الإمام أحمد" رجاله ثقات على شرط الشَّيخين.
الشيخ: تقدّم من رواية الأئمّة عن معمر، عن الزهري، عن سالم، عن أبيه قصة غيلان، مثلما قال المؤلفُ: على شرط الشَّيخين.
أيش قال عن محمد ابن أبي سويد؟
الطالب: محمد ابن أبي سويد الثَّقفي، الطائفي، مجهول، من الرابعة، وليس هو ابن سويد راوي قصّة غيلان. (ت).
الشيخ: الخلاصة.
الطالب: مُحَمَّد ابن أبي سُوَيْد، الثَّقَفِيّ، الطَّائِفِي، عَن عُثْمَان ابن أبي الْعَاصِ، وَعنهُ إِبْرَاهِيم بن ميسرَة، مَجْهُول.
الشيخ: غير محمد بن سويد.
الطالب: مُحَمَّد بن سُوَيْد بن كُلْثُوم، الفِهري، أَمِير دمشق، قَالَ أَبُو حَاتِم: مَاتَت أمُّه وَهُوَ يَرْكض فِي بَطنِهَا فَأُخْرج. عَن الضَّحَّاك بن قيس، وَعنهُ مَكْحُول، قَالَ الْعِجْلِيُّ: ثِقَةٌ.
الشيخ: ظاهر "التقريب" أنَّه ابن أبي سويد، ممكن، يُراجع .....
الطالب: وليس ابن سويد بدون أبي ..... محمد ابن أبي سويد، الثَّقفي، الطائفي، مجهول، من الرابعة، وليس هو ابن سويد راوي قصة غيلان. (ت).
الشيخ: نعم صريحٌ، هذا مثلما في نسخة الشّعب.
ثم قد رُوِيَ من غير طريقِ معمر، بل والزُّهري:
قال البيهقي: أخبرنا أبو عبدالله الحافظ: حدَّثنا أبو علي الحافظ: حدَّثنا أبو عبدالرحمن النَّسائي: حدَّثنا أبو بريد عمرو بن يزيد الجرمي.
الطالب: الخلاصة: عَمْرو بن يزِيد الْجرْمِي، أَبُو بُريد -بِضَمِّ الْمُوَحَّدَة- الْبَصْرِيّ، عَن غنْدر وبهز بن أَسد، وَعنهُ (س) وَوَثَّقَهُ.
الشيخ: وأنت عندك أيش؟
الطالب: عمرو بن يزيد، أبو بُريد -بمُوحدة وراء مُصغر- الجرمي -بفتح الجيم- صدوق، من الحادية عشرة. (س).
الشيخ: صلح ..... نسخة الشّعب.
أخبرنا سيف بن عبيدالله: حدَّثنا سرار بن مجشر، عن أيوب، عن نافع وسالم، عن ابن عمر: أنَّ غيلان بن سلمة كان عنده عشر نسوةٍ، فأسلم وأسلمنَ معه، فأمره النبيُّ ﷺ أن يختار منهن أربعًا.
هكذا أخرجه النَّسائي في "سننه"، قال أبو علي ابن السَّكن: تفرَّد به سرار بن مجشر، وهو ثقة. وكذا وثَّقه ابنُ معين، قال أبو علي: وكذا رواه السّميدع بن واهب، عن سرار.
قال البيهقي: ورُوينا من حديث قيس بن الحارث -أو الحارث بن قيس- وعروة بن مسعود الثَّقفي، وصفوان بن أمية. يعني: حديث غيلان بن سلمة، فوجه الدَّلالة أنَّه لو كان يجوز الجمعُ بين أكثر من أربعٍ لسوغ له رسولُ الله ﷺ سائرهنَّ في بقاء العشرة وقد أسلمن معه، فلما أمره بإمساك أربعٍ وفراق سائرهنَّ دلَّ على أنَّه لا يجوز الجمعُ بين أكثر من أربعٍ بحال، فإذا كان هذا في الدَّوام، ففي الاستئناف بطريق الأولى والأحرى، والله أعلم بالصَّواب.
الطالب: سرار -بفتح أوله وتشديد الرَّاء- ابن مجشر -بضم الميم وفتح الجيم وتشديد المعجمة المكسورة- أبو عبيدة، البصري، ثقة، من الثامنة، مات سنة خمسٍ وستين. (س).
الشيخ: الذي عنده شين يُصلحها: سين.
الطالب: سيف بن عبيدالله الْجرْمِي، أَبُو الْحسن الْبَصْرِيّ، السّراج، عَن الْأَسود بن شَيبَان، وَعنهُ عَمْرو بن عَليٍّ، وَعَمْرُو بن يزِيد الْجرْمِي، وَوَثَّقَهُ النَّسائي.
الشيخ: يُراعى الأصل.
مُداخلة: في نسخة الشّعب تعليق للمُحشّي على حديث غيلان، يقول: وهذا العملُ من عمر دليلٌ على أنَّ روح القانون وليست نصوصه هي التي ينبغي أن يتحرَّاها الحاكمُ، فإن عمل هذا الثَّقفي مباح، ولكنَّه مُنِعَ منه؛ لأنَّه يُلحق الضَّرر بنسائه.
الشيخ: التَّبرير بالقانون ما له ..... المقصود المعنى ظاهر النصوص لما كانوا زادوا القانون عندهم عبَّر بالقانون، المقصود تنفيذ المعاني التي أرادها الشَّارعُ، فإنَّه إذا أراد بذلك حرمانهم من هذا الإرث؛ لأنَّه أحسَّ بالموت، فهذا ما يجوز هذا؛ لأنَّ هذا منعٌ لهم مما جعل الله لهم من الإرث، إذا طلَّق في مرض موته فهو متَّهمٌ؛ فيَرِثْنَ منه.