أَقْوَالُ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي ذَلِكَ:
رَوَى ابْنُ جَرِيرٍ مِنْ حَدِيثِ الْمُعْتَمِرِ بْنِ سُلَيْمَانَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ طَاوُسٍ قَالَ: ذَكَرُوا عِنْدَ ابْنِ عَبَّاسٍ الْكَبَائِرَ فَقَالُوا: هِيَ سَبْعٌ. فَقَالَ: هِيَ أكثر من سبعٍ وسبعٍ. قال: فلا أَدْرِي كَمْ قَالَهَا مِنْ مَرَّةٍ.
الشيخ: وهذا سندٌ صحيحٌ، هذا سندٌ صحيحٌ عن ابن عباسٍ، نعم.
وَقَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: حَدَّثَنَا أَبِي: حَدَّثَنَا قَبِيصَةُ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ لَيْثٍ، عَنْ طَاوُسٍ قَالَ: قُلْتُ لِابْنِ عَبَّاسٍ: مَا السَّبْعُ الْكَبَائِرُ؟ قَالَ: هِيَ إِلَى السَّبْعِينَ أَقْرَبُ مِنْهَا إِلَى السَّبْعِ.
وَرَوَاهُ ابْنُ جَرِيرٍ عَنِ ابْنِ حُمَيْدٍ، عَنْ جَرِيرٍ، عَنْ لَيْثٍ، عَنْ طَاوُسٍ قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى ابْنِ عَبَّاسٍ فَقَالَ: أَرَأَيْتَ الْكَبَائِرَ السَّبْعَ التي ذكرهنَّ الله؟ قَالَ: هُنَّ إِلَى السَّبْعِينَ أَدْنَى مِنْهُنَّ إِلَى سَبْعٍ.
الشيخ: وهذا فيه ليث ابن أبي سليم، يضعف في الحديث، لكن شواهده كثيرة، نعم.
الشيخ: الظَّاهر أنَّ: "ابن" ساقطة، ما نعرف أنَّ طاوس يرويه عن أبيه: عن ابن طاوس، عن أبيه. عن معمر، عن ابن طاوس، عن أبيه. يُراجع الأصل، لعله: عن ابن طاوس، عن أبيه.
مُداخلة: لعله: قابوس، عن أبيه.
الشيخ: محتمل، قابوس محتمل، لكن طاوس لا، يُراجع الأصل، يُراجع عبدالرزاق.
قَالَ: قِيلَ لِابْنِ عَبَّاسٍ: الْكَبَائِرُ سَبْعٌ؟ قَالَ: هُنَّ إِلَى السَّبْعِينَ أَقْرَبُ.
وَكَذَا قَالَ أَبُو الْعَالِيَةِ الرِّيَاحِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ.
وَقَالَ ابْنُ جَرِيرٍ: حَدَّثَنَا الْمُثَنَّى: حَدَّثَنَا أَبُو حُذيفة: حدَّثنا شبل، عن قيس بن سَعْدٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ: أَنَّ رَجُلًا قَالَ لِابْنِ عَبَّاسٍ: كَمِ الْكَبَائِرُ؟ سَبْعٌ؟ قَالَ: هُنَّ إِلَى سَبْعِمِئَةٍ أَقْرَبُ مِنْهَا إِلَى سَبْعٍ، غَيْرَ أَنَّهُ لَا كَبِيرَةَ مَعَ اسْتِغْفَارٍ، وَلَا صَغِيرَةَ مَعَ إِصْرَارٍ.
الشيخ: انظر أبو حذيفة وشبل.
وَكَذَا رَوَاهُ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ مِنْ حَدِيثِ شِبْلٍ بِهِ.
وَقَالَ عَلِيُّ ابْنُ أَبِي طَلْحَةَ: عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ: إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ [النساء:31]، قَالَ: الْكَبَائِرُ: كُلُّ ذَنْبٍ خَتَمَهُ اللَّهُ بِنَارٍ أو غضبٍ أو لعنةٍ أو عذابٍ. رَوَاهُ ابْنُ جَرِيرٍ.
وَقَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ حَرْبٍ الْمَوصِلِيُّ: حَدَّثَنَا ابْنُ فُضَيْلٍ: حَدَّثَنَا شَبِيبٌ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: الْكَبَائِرُ: كُلُّ مَا وَعَدَ اللَّهُ عَلَيْهِ النَّارَ كَبِيرَةٌ.
وَكَذَا قَالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ، وَالْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ.
وَقَالَ ابْنُ جَرِيرٍ: حَدَّثَنِي يَعْقُوبُ: حَدَّثَنَا ابْنُ عُلَيَّةَ: أَخْبَرَنَا أَيُّوبُ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ قَالَ: نُبِّئْتُ أَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ كَانَ يَقُولُ: كُلُّ مَا نَهَى اللَّهُ عنه كبيرة، وقد ذكرت الطرفة. قَالَ: هِيَ النَّظْرَةُ.
الشيخ: هذا ضعيفٌ؛ لأنَّ ابن سيرين ما بيَّن مَن حدَّثه، الصواب أنَّ فيها كبائر وصغائر؛ ولهذا قال: إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ.
وهذا المرويّ عن ابن عباسٍ قريبٌ: "كل ذنبٍ ختمه اللهُ بنارٍ أو غضبٍ أو لعنةٍ أو عذابٍ" قريبٌ من حدِّ الكبيرة، قال بعضُهم أيضًا: يُزاد على هذا كل ذنبٍ نُفِيَ الإيمانُ عن صاحبه، أو قيل فيه: ليس منا، أو أنا بريءٌ ممن فعل كذا. هذا قولٌ وجيهٌ: ليس منا مَن ضرب الخدود، لا يزني الزَّاني حين يزني وهو مؤمن، أنا بريءٌ من الصَّالقة إلى غير ذلك، قولٌ قويٌّ جيدٌ.
ولكن مثلما تقدّم ينبغي للمؤمن الحذر من جميع ما نهى الله عنه، ولا يُسهّل لنفسه يقول: هذه ليست كبيرة، أو لعلها ما هي بكبيرة. فإنَّ هذا من تزيين الشَّيطان وتجرئته على معاصي الله.
فالواجب الحذر، وأن يحذر كلَّ ما نهى اللهُ عنه، ولو كان غير كبيرةٍ، الله ما نهى عنه إلا لمصلحتك ونجاتك، وهو أعلم بمصالحك، فاحذر ما نهى الله عنه مطلقًا؛ ولهذا يقول ﷺ: ما نهيتُكم عنه فاجتنبوه، هكذا في "الصحيحين": ما نهيتُكم عنه فاجتنبوه عامٌّ، ويقول جلَّ وعلا في كتابه العظيم: وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا [الحشر:7].
الواجب الحذر من كلِّ ما نهى الله عنه مطلقًا، وإن كنا قد نُسمّي بعضها: صغيرًا، وبعضها: كبيرًا، وإن اعتقد أنَّ هذا الشَّيء صغيرٌ فالواجب الحذر؛ لأنَّ التَّساهل بالصَّغير يجرّ إلى الكبير، والتَّساهل بالمعصية يُفضي إلى الإصرار عليها، ولا حول ولا قوةَ إلا بالله.
س: ..............؟
ج: يُروى عن ابن عباسٍ أنَّه قال: "لا صغيرةَ مع الإصرار"، وليس بالبعيد، نسأل الله السَّلامة.
مُداخلة: ذكر شبل:
الأول: شبل بن حامد، أو ابن خليد، المزني، مقبول، من الثالثة، وأخطأ مَن قال: هو شبل بن معبد. (س).
الثاني: شبل بن عبّاد المكي القارئ، ثقة، رُمِيَ بالقدر، من الخامسة، قيل: مات سنة ثمانٍ وأربعين. وقيل بعد ذلك. (خ، د، س، فق).
الشيخ: محتمل أنَّه هذا .......
الطالب: أبو حُذيفة ورد اثنان:
الأول: أبو حذيفة الأرحبي، اسمه: سلمة بن صُهيب، ويُقال: ابن صهيبة، ويقال غير ذلك، أبو حذيفة الأرحبي -بحاء مهملة- ثقة، من الثالثة. (م، د، ت، س).
الثاني: موسى بن مسعود النَّهدي -بفتح النون- أبو حُذيفة البصري، صدوق، سيئ الحفظ، وكان يُصحّف، من صغار التاسعة، مات سنة عشرين أو بعدها، وقد جاز التِّسعين، وحديثه عند البخاري في المتابعات، وأبو داود، والترمذي، وابن ماجه.
الشيخ: هو هذا الثَّاني.
وَقَالَ أَيْضًا: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ حَازِمٍ: أَخْبَرَنَا أَبُو نُعَيْمٍ: حَدَّثَنَا عَبْدُاللَّهِ بْنُ مَعْدَانَ، عَنْ أَبِي الْوَلِيدِ قَالَ: سألتُ ابنَ عباسٍ عن الكبائر، فقال: كُلُّ شَيْءٍ عُصِيَ اللَّهُ فِيهِ فَهُوَ كَبِيرَةٌ.
أَقْوَالُ التَّابِعِينَ:
قَالَ ابْنُ جَرِيرٍ: حَدَّثَنِي يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ: حَدَّثَنَا ابْنُ عُلَيَّةَ، عَنِ ابْنِ عَوْنٍ، عَنْ مُحَمَّدٍ قَالَ: سَأَلَتُ عُبَيْدَةَ عَنِ الْكَبَائِرِ، فَقَالَ: الْإِشْرَاكُ بِاللَّهِ، وَقَتْلُ النَّفْسِ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ بِغَيْرِ حَقِّهَا، وَفِرَارُ يَوْمِ الزَّحْفِ، وَأَكْلُ مَالِ الْيَتِيمِ بِغَيْرِ حَقِّهِ، وَأَكْلُ الرِّبَا، وَالْبُهْتَانُ. قَالَ: وَيَقُولُونَ: أَعْرَابِيَّةٌ بَعْدَ هِجْرَةٍ. قَالَ ابْنُ عَوْنٍ: فَقُلْتُ لِمُحَمَّدٍ: فَالسِّحْرُ؟ قَالَ: إِنَّ الْبُهْتَانَ يَجْمَعُ شَرًّا كثيرًا.
وَقَالَ ابْنُ جَرِيرٍ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عُبَيْدٍ الْمُحَارِبِيُّ: حَدَّثَنَا أَبُو الْأَحْوَصِ سَلَّامُ بْنُ سُلَيْمٍ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ عُبَيْدِ بْنِ عُمَيْرٍ قَالَ: الْكَبَائِرُ سَبْعٌ، لَيْسَ مِنْهُنَّ كَبِيرَةٌ إِلَّا وَفِيهَا آيَةٌ مِنْ كِتَابِ اللَّهِ: الْإِشْرَاكُ بِاللَّهِ مِنْهُنَّ: وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَكَأَنَّما خَرَّ مِنَ السَّمَاءِ فَتَخْطَفُهُ الطَّيْرُ أَوْ تَهْوِي بِهِ الرِّيحُ [الحج:31]، وإِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْمًا إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَارًا [النساء:10]، والَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا لَا يَقُومُونَ إِلَّا كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ [البقرة:275]، والَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ الْغَافِلَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ [النور:23]، وَالْفِرَارُ مِنَ الزَّحْفِ: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا زَحْفًا [الأنفال:15]، وَالتَّعَرُّبُ بَعْدَ الْهِجْرَةِ: إِنَّ الَّذِينَ ارْتَدُّوا عَلَى أَدْبَارِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْهُدَى [محمد:25]، وَقَتْلُ الْمُؤْمِنِ: وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا [النساء:93].
وكذا رواه ابنُ أبي حاتم أيضًا في حديث أبي إسحاق، عن عُبيد بن عمير بِنَحْوِهِ.
الشيخ: في حديث، أو: من حديث؟
الطالب: في نسخة الشّعب: من حديث.
الشيخ: هو الأحسن، قوله: "في التَّعرُّب"، في الآية الكريمة: إِنَّ الَّذِينَ ارْتَدُّوا عَلَى أَدْبَارِهِمْ [محمد:25]، ليس بجيدٍ، فهم عبيدٍ في هذا ليس بجيدٍ، هذه في المرتدّين، ما هي في التَّعرُّب.
وَقَالَ ابْنُ جَرِيرٍ: حَدَّثَنَا الْمُثَنَّى: حَدَّثَنَا أَبُو حُذَيْفَةَ: حَدَّثَنَا شِبْلٌ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ عَطَاءٍ –يَعْنِي: ابْنَ أَبِي رَبَاحٍ- قال: الكبائر سبعٌ: قتلُ النَّفس، وأكلُ مال اليتيم، وأكلُ الرِّبا، وَرَمْيُ الْمُحْصَنَةِ، وَشَهَادَةُ الزُّورِ، وَعُقُوقُ الْوَالِدَيْنِ، وَالْفِرَارُ مِنَ الزَّحْفِ.
وَقَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: حَدَّثَنَا أَبُو زُرْعَةَ: حَدَّثَنَا عُثْمَانُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ: حَدَّثَنَا جَرِيرٌ، عَنْ مُغِيرَةَ قَالَ: كَانَ يُقَالُ: شَتْمُ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا مِنَ الْكَبَائِرِ.
قُلْتُ: وَقَدْ ذَهَبَ طَائِفَةٌ مِنَ الْعُلَمَاءِ إِلَى تَكْفِيرِ مَنْ سَبَّ الصَّحَابَةَ، وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ مَالِكِ بْنِ أَنَسٍ رَحِمَهُ اللَّهُ.
الشيخ: سبُّ المؤمن كبيرةٌ، فكيف بسبِّ الصِّديق وعمر؟! من أكبر الكبائر، أما سبّ الصَّحابة عمومًا فهذا ما يقع من مسلمٍ، هذا ردّة؛ لأنَّ هذا يدل على بُغضه للصحابة، الذي يسبّ عامَّتهم هذا لا شكَّ أنَّه لا إيمانَ له، بل هو من أكفر الناس، ولا يسبّهم إلا خبيثٌ مخبثٌ، ليس عنده إيمانٌ.
س: سبّ أكثرهم؟
ج: على كل حالٍ كبيرة عظيمة، لكن سبّ الصحابة على العموم ردّة، كفرٌ أكبر.
س: قول ابن عباس: كل شيءٍ عُصِيَ اللهُ به فهو كبيرةٌ؟
ج: لا، هذا ضعيفٌ، لا يصحّ عنه، لا يصحّ عنه.
الشيخ: وهو كما قال : ما أظنّ أحدًا يبغض الصِّديق وعمر وفي قلبه إيمانٌ، الصديق وعمر هما أفضل الصحابة، وهما صاحباه الخاصَّان عليه الصلاة والسلام، فبُغضهما لا شكَّ أنَّه من أقبح القبيح، ومن أكبر الكبائر، والغالب أنَّه لا يكون عند صاحبه إيمانٌ؛ وبهذا يُعلم خُبث الرَّافضة الذين يسبّون الصَّحابة، وأنَّ سبَّهم لهم دليلٌ على عدم إيمانهم، ولا سيّما الصِّديق وعمر رضي الله عنهما.
وَقَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ أَيْضًا: حَدَّثَنَا يُونُسُ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ: أَخْبَرَنِي عَبْدُاللَّهِ بْنُ عَيَّاشٍ، قَالَ زَيْدُ بْنُ أَسْلَمَ فِي قَوْلِ اللَّهِ : إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ من الكبائر: الشِّرك بالله، والكفر بآيات الله ورسله، والسِّحر، وقتل الأولاد، ومَن دعا لِلَّهِ وَلَدًا أَوْ صَاحِبَةً، وَمِثْلُ ذَلِكَ مِنَ الْأَعْمَالِ، وَالْقَوْلُ الَّذِي لَا يَصْلُحُ مَعَهُ عَمَلٌ، وَأَمَّا كُلُّ ذَنْبٍ يَصْلُحُ مَعَهُ دِينٌ، وَيُقْبَلُ مَعَهُ عَمَلٌ؛ فَإِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ السَّيِّئَاتِ بِالْحَسَنَاتِ.
وَقَالَ ابْنُ جَرِيرٍ: حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ مُعَاذٍ: حَدَّثَنَا يَزِيدُ: حَدَّثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ: إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ الْآيَةَ: إِنَّمَا وَعَدَ اللَّهُ الْمَغْفِرَةَ لِمَنِ اجْتَنَبَ الْكَبَائِرَ، وَذُكِرَ لَنَا أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ قَالَ: اجتنبوا الكبائرَ، وسدِّدوا، وَأَبْشِرُوا.
وَقَدْ رَوَى ابْنُ مَرْدَوَيْهِ مِنْ طُرُقٍ عَنْ أَنَسٍ، وَعَنْ جَابِرٍ مَرْفُوعًا: شَفَاعَتِي لِأَهْلِ الْكَبَائِرِ مِنْ أُمَّتِي، وَلَكِنْ فِي إِسْنَادِهِ مِنْ جَمِيعِ طُرُقِهِ ضَعْفٌ، إِلَّا مَا رَوَاهُ عَبْدُالرَّزَّاقِ: أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ ثَابِتٍ، عَنْ أَنَسٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: شَفَاعَتِي لِأَهْلِ الْكَبَائِرِ مِنْ أُمَّتِي. فَإِنَّهُ إِسْنَادٌ صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ.
الشيخ: مثلما قال المؤلفُ، وهذا الواقع شاهدٌ به، الأحاديث الصَّحيحة دالَّةٌ على هذا المعنى؛ لأنه يشفع عدّة شفاعات ..... قوم في النَّار، قد أُدخلوا النار، وما أُدخلوها إلا بفعلهم الكبائر، فالشَّفاعة لأهل الكبائر الذين دخلوا النار بكبائرهم، فيشفع الشَّفاعة الأولى، فيحدّ اللهُ له حدًّا فيُخرجهم من النار، ثم يشفع الثانية، فيحدّ اللهُ له حدًّا، ثم الثالثة، فيحدّ اللهُ له حدًّا، ثم الرابعة، هذا كله في أهل الكبائر إذا دخلوا النار بمعاصيهم، نسأل الله العافية.
س: بالنسبة للرَّافضة عوامّهم وعُلماؤهم؟
ج: الرافضة أقسام كثيرة، الرافضة أقسام وفرقٌ كثيرةٌ، لكن مَن كان يعبد أهلَ البيت: يدعوهم، ويستغيث بهم، وينذر لهم؛ هذا كافرٌ، أو يرى أنَّهم يعلمون الغيبَ يكون كافرًا، نسأل الله العافية؛ لأنهم أقسام كثيرةٌ، قال الشَّهرستاني: إنهم اثنان وعشرون فرقةً.
س: العُلماء والعامَّة واحدٌ؟
ج: العامَّة غير، لا بدَّ أن يُعرف أنَّه يعتقد هذا الاعتقاد، وإلا فالأصل أنَّهم أهل بدعٍ، وإنما يكفر منهم مَن عُرف بإلحاده: باستغاثته بغير الله، بصرفه شيئًا من العبادة لغير الله، باعتقاده في أهل البيت أنَّهم يعلمون الغيبَ، هذا مَن عُرف منه ناقضٌ من نواقض الإسلام، وإلا فالأصل أن يُقال لهم: أهل بدعٍ.
س: مَن سبَّ الصَّحابة يكفر على الإطلاق؟
ج: سبّ الصَّحابة من نواقض الإسلام، نعم.
س: قول النبي ﷺ عن أبي طالب: إنَّه لأهونهم عذابًا هذا يقتضي أنه أهون وأخفّ من الموحدين؟
ج: محتمل؛ لأنَّه شفع فيه ﷺ فجعله الله في ضحضاحٍ من النار، لكنه مخلَّدٌ في النار، أما أهل الكبائر فما يُخلَّدون، هم خيرٌ منه؛ لأنَّه مات على الكفر، ولو كان في ضحضاحٍ من النار، نسأل الله العافية، وفي روايةٍ: على قدمه جمرتان من نارٍ -نسأل الله العافية- يغلي منهما دماغُه. هذا عذابٌ مُؤبَّدٌ، وهو أشدّ ممن يُعذَّب ثم يخرج.
وَقَدْ رَوَاهُ أَبُو عِيسَى التِّرْمِذِيُّ مُنْفَرِدًا بِهِ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ عَنْ عَبَّاسٍ الْعَنْبَرِيِّ، عَنْ عَبْدِالرَّزَّاقِ، ثُمَّ قَالَ: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ.
وَفِي الصَّحِيحِ شَاهِدٌ لِمَعْنَاهُ، وَهُوَ قَوْلُهُ ﷺ بَعْدَ ذِكْرِ الشَّفَاعَةِ: أَتَرَوْنَهَا لِلْمُؤْمِنِينَ المتَّقين؟ لا، ولكنَّها للخاطئين المتلوّثين.