الْجَوَابُ الثَّالِثُ: أَنَّ الْآيَةَ دَلَّتْ عَلَى أَنَّ الْأَمَةَ الْمُحْصَنَةَ تُحَدُّ نِصْفَ حَدِّ الْحُرَّةِ، فَأَمَّا قَبْلَ الْإِحْصَانِ فَعُمُومَاتُ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ شَامِلَةٌ لَهَا فِي جَلْدِهَا مِئَةً؛ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِئَةَ جَلْدَةٍ [النور:2]، وَكَحَدِيثِ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ: خُذُوا عَنِّي، خُذُوا عَنِّي، قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لَهُنَّ سَبِيلًا، الْبِكْرُ بِالْبِكْرِ جَلْدُ مِئَةٍ وَتَغْرِيبُ عَامٍ، وَالثَّيِّبُ بِالثَّيِّبِ جَلْدُ مِئَةٍ وَرَجْمُهَا بِالْحِجَارَةِ، وَالْحَدِيثُ فِي "صَحِيحِ مُسْلِمٍ"، وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الْأَحَادِيثِ.
وَهَذَا الْقَوْلُ هُوَ الْمَشْهُورُ عَنْ دَاوُدَ بْنِ عَلِيٍّ الظَّاهِرِيِّ، وَهُوَ فِي غَايَةِ الضَّعْفِ؛ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى إِذَا كَانَ أَمَرَ بِجَلْدِ الْمُحْصَنَةِ مِنَ الْإِمَاءِ بِنِصْفِ مَا عَلَى الْحُرَّةِ مِنَ الْعَذَابِ، وَهُوَ خَمْسُونَ جَلْدَةً، فَكَيْفَ يَكُونُ حُكْمُهَا قَبْلَ الْإِحْصَانِ أَشَدَّ مِنْهُ بَعْدَ الْإِحْصَانِ، وَقَاعِدَةُ الشَّرِيعَةِ فِي ذَلِكَ عَكْسُ مَا قَالَ؟!
وَهَذَا الشَّارِعُ عَلَيْهِ السَّلَامُ سأله أَصْحَابُهُ عَنِ الْأَمَةِ إِذَا زَنَتْ وَلَمْ تُحْصَنْ، فَقَالَ: اجْلِدُوهَا، وَلَمْ يَقُلْ: مِئَةً، فَلَوْ كَانَ حكمُها كما زعم دَاوُدُ لَوَجَبَ بَيَانُ ذَلِكَ لَهُمْ؛ لِأَنَّهُمْ إِنَّمَا سَأَلُوا عَنْ ذَلِكَ لِعَدَمِ بَيَانِ حُكْمِ جَلْدِ الْمِئَةِ بَعْدَ الْإِحْصَانِ فِي الْإِمَاءِ، وَإِلَّا فَمَا الْفَائِدَةُ فِي قَوْلِهِمْ: وَلَمْ تُحْصَنْ لِعَدَمِ الْفَرْقِ بَيْنَهُمَا لَوْ لَمْ تَكُنِ الْآيَةُ نَزَلَتْ، لَكِنْ لَمَّا عَلِمُوا حُكْمَ أَحَدِ الْحُكْمَيْنِ سَأَلُوا عَنْ حكم الآخر فبيَّنه لهم، كما فِي "الصَّحِيحَيْنِ": أَنَّهُمْ لَمَّا سَأَلُوهُ عَنِ الصَّلَاةِ عَلَيْهِ فَذَكَرَهَا لَهُمْ، ثُمَّ قَالَ: وَالسَّلَامُ مَا قَدْ عَلِمْتُمْ، وَفِي لَفْظٍ: لَمَّا أَنْزَلَ اللَّهُ قَوْلَهُ: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا [الأحزاب:56]، قَالُوا: هَذَا السَّلَامُ عَلَيْكَ قَدْ عَرَفْنَاهُ، فَكَيْفَ الصَّلَاةُ عَلَيْكَ؟ وَذَكَرَ الْحَدِيثَ، وَهَكَذَا هَذَا السُّؤَالُ.
الشيخ: والمعنى والخلاصة أنَّه لما نصَّ في القرآن على أنَّ على المحصنة النصف سألوه عمَّن لم تُحصن، فبيّن أنها تُجلد الحد الذي هو نصف الذي بيَّنه القرآنُ، وأنها أخفّ من الحرّة، فالحرّة تُجلد مئة إذا لم تُحصن، وتُرجم إذا أُحْصِنَتْ، حدّها أكبر وأعظم، والأَمَة عند الإحصان نصف ذلك، وهكذا قبل الإحصان النِّصف، وليس فيها رجمٌ؛ تخفيفًا من الله جلَّ وعلا، فلما كان حالُها بعد الإحصان أشدّ إشكالًا نبَّه الله عليه: فَإِذَا أُحْصِنَّ فَإِنْ أَتَيْنَ بِفَاحِشَةٍ فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ مَا عَلَى الْمُحْصَنَاتِ مِنَ الْعَذَابِ [النساء:25] يعني: خمسين جلدة.
الْجَوَابُ الرَّابِعُ عَنْ مَفْهُومِ الآية جواب أبي ثورٍ، وهو أغرب من قول داود من وجوهٍ؛ وذلك أَنَّهُ يَقُولُ: فَإِذَا أُحْصِنَّ فَإِنَّ عَلَيْهِنَّ نِصْفُ مَا عَلَى الْمُحْصَنَاتِ الْمُزَوَّجَاتِ، وَهُوَ الرَّجْمُ، وَهُوَ لا ينصف، فَيَجِبُ أَنْ تُرْجَمَ الْأَمَّةُ الْمُحْصَنَةُ إِذَا زَنَتْ، وَأَمَّا قَبْلَ الْإِحْصَانِ فَيَجِبُ جَلْدُهَا خَمْسِينَ. فَأَخْطَأَ فِي فَهْمِ الْآيَةِ، وَخَالَفَ الْجُمْهُورَ فِي الْحُكْمِ، بَلْ قَدْ قَالَ أَبُو عَبْدِاللَّهِ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ: وَلَمْ يَخْتَلِفِ الْمُسْلِمُونَ فِي أَنْ لَا رَجْمَ عَلَى مَمْلُوكٍ فِي الزِّنَا؛ وَذَلِكَ لِأَنَّ الْآيَةَ دَلَّتْ عَلَى أَنَّ عَلَيْهِنَّ نِصْفَ مَا عَلَى الْمُحْصَنَاتِ مِنَ الْعَذَابِ، وَالْأَلِفُ وَاللَّامُ فِي الْمُحْصَنَاتِ لِلْعَهْدِ، وَهُنَّ الْمُحْصَنَاتُ الْمَذْكُورَاتُ فِي أَوَّلِ الْآيَةِ: وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ مِنْكُمْ طَوْلًا أَنْ يَنْكِحَ الْمُحْصَنَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ [النساء:25]، وَالْمُرَادُ بِهِنَّ الْحَرَائِرُ فَقَطْ، مِنْ غَيْرِ تَعَرُّضٍ لِتَزْوِيجِ غَيْرِهِ.
وَقَوْله: فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ مَا عَلَى الْمُحْصَنَاتِ مِنَ الْعَذَابِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ مِنَ الْعَذَابِ الَّذِي يُمْكِنُ تَنْصِيفُهُ، وَهُوَ الْجَلْدُ، لَا الرَّجم، والله أعلم.
وقد روى أحمدُ نَصًّا فِي رَدِّ مَذْهَبِ أَبِي ثَوْرٍ مِنْ رِوَايَةِ الْحَسَنِ بْنِ سَعْدٍ، عَنْ أَبِيهِ: أَنَّ صيفة كَانَتْ قَدْ زَنَتْ بِرَجُلٍ مِنَ الْحُمْسِ، فَوَلَدَتْ غلامًا، فادَّعاه الزَّاني، فاختصما إلى عثمان، فَرَفَعَهُمَا إِلَى عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ، فَقَالَ عَلِيٌّ: أَقْضِي فِيهِمَا بِقَضَاءِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ: الْوَلَدُ لِلْفِرَاشِ، وَلِلْعَاهِرِ الْحَجَرُ. وَجَلَدَهُمَا خَمْسِينَ خَمْسِينَ.
وَقِيلَ: بَلِ الْمُرَادُ مِنَ الْمَفْهُومِ التَّنْبِيهُ بِالْأَعْلَى عَلَى الْأَدْنَى، أَيْ: أَنَّ الْإِمَاءَ عَلَى النِّصْفِ مِنَ الْحَرَائِرِ فِي الْحَدِّ وَإِنْ كُنَّ مُحْصَنَاتٍ، وَلَيْسَ عَلَيْهِنَّ رَجْمٌ أَصْلًا؛ لَا قَبْلَ النِّكَاحِ، وَلَا بَعْدَهُ، وَإِنَّمَا عَلَيْهِنَّ الْجَلْدُ فِي الْحَالَتَيْنِ بِالسُّنَّةِ. قَالَ ذَلِكَ صَاحِبُ "الإفصاح"، وذكر هذا عَنِ الشَّافِعِيِّ فِيمَا رَوَاهُ ابْنُ عَبْدِالْحَكَمِ عَنْهُ، وَقَدْ ذَكَرَهُ الْبَيْهَقِيُّ فِي كِتَابِ "السُّنَنِ والآثار"، وهو بعيدٌ من لَفْظِ الْآيَةِ؛ لِأَنَّا إِنَّمَا اسْتَفَدْنَا تَنْصِيفَ الْحَدِّ مِنَ الْآيَةِ، لَا مِنْ سِوَاهَا، فَكَيْفَ يُفْهَمُ مِنْهَا التَّنْصِيفُ فِيمَا عَدَاهَا؟!
وَقَالَ: بَلْ أُرِيدُ بِأَنَّهَا فِي حَالِ الْإِحْصَانِ لَا يُقِيمُ الْحَدَّ عَلَيْهَا إِلَّا الْإِمَامُ، وَلَا يَجُوزُ لِسَيِّدِهَا إِقَامَةُ الْحَدِّ عَلَيْهَا وَالْحَالَةُ هَذِهِ.
وَهُوَ قَوْلٌ فِي مذهبِ أَحْمَدَ رَحِمَهُ اللَّهُ، فَأَمَّا قَبْلَ الْإِحْصَانِ فَلَهُ ذَلِكَ، وَالْحَدُّ فِي كِلَا الْمَوْضِعَيْنِ نِصْفُ حَدِّ الْحُرَّةِ، وَهَذَا أَيْضًا بَعِيدٌ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِي لَفْظِ الْآيَةِ مَا يَدُلُّ عَلَيْهِ، وَلَوْلَا هَذِهِ لم ندرِ ما حكم الإماء فِي التَّنْصِيفِ، وَلَوَجَبَ دُخُولُهُنَّ فِي عُمُومِ الْآيَةِ فِي تَكْمِيلِ الْحَدِّ مِئَةً، أَوْ رَجْمهنَّ كَمَا ثبت فِي الدَّلِيلِ عَلَيْهِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ عَنْ عَلِيٍّ أنَّه قال: أيُّها الناس، أقيموا الحدَّ على أرقَّائكم، مَنْ أُحْصِنَ مِنْهُمْ وَمَنْ لَمْ يُحْصَنْ.
وَعُمُومُ الْأَحَادِيثِ الْمُتَقَدِّمَةِ لَيْسَ فِيهَا تَفْصِيلٌ بَيْنَ الْمُزَوَّجَةِ وَغَيْرِهَا؛ لِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ الَّذِي احْتَجَّ بِهِ الْجُمْهُورُ: إِذَا زَنَتْ أَمَةُ أَحَدِكُمْ فَتَبَيَّنَ زِنَاهَا فَلْيَجْلِدْهَا الْحَدَّ، وَلَا يُثَرِّبْ عَلَيْهَا.
مُلَخَّصُ الْآيَةِ: أنها إذا زنت أقوال:
أحدها: تُجْلَدُ خَمْسِينَ قَبْلَ الْإِحْصَانِ وَبَعْدَهُ.
وَهَلْ تُنْفَى؟ فِيهِ ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ:
أَحَدُهَا أَنَّهَا تُنْفَى عَنْهُ.
والثاني: لا تُنْفَى عنه مطلقًا.
والثالث: أنها تُنْفَى نصف سنةٍ، وهو نصف نفي الْحُرَّةِ.
وَهَذَا الْخِلَافُ فِي مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ، وَأَمَّا أبو حنيفة فعنده أنَّ النَّفْيَ تَعْزِيرٌ، لَيْسَ مِنْ تَمَامِ الْحَدِّ، وَإِنَّمَا هُوَ رَأْيُ الْإِمَامِ إِنْ شَاءَ فَعَلَهُ، وَإِنْ شَاءَ تَرَكَهُ فِي حَقِّ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ.
وَعِنْدَ مَالِكٍ أَنَّ النَّفْيَ إِنَّمَا هُوَ عَلَى الرِّجَالِ، وَأَمَّا النِّسَاءُ فَلَا؛ لِأَنَّ ذَلِكَ مُضَادٌّ لِصِيَانَتِهِنَّ، وَمَا وَرَدَ شَيْءٌ مِنَ النَّفْيِ فِي الرِّجال ولا النِّسَاءِ، نَعَمْ حَدِيثُ عُبَادَةَ وَحَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَضَى فِيمَنْ زَنَى وَلَمْ يُحْصَنْ بِنَفْيِ عَامٍ، وبإقامة الحدِّ عليه، رواه البخاري، وذلك مَخْصُوصٌ بِالْمَعْنَى، وَهُوَ أَنَّ الْمَقْصُودَ مِنَ النَّفْيِ الصَّوْنُ، وَذَلِكَ مَفْقُودٌ فِي نَفْيِ النِّسَاءِ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
وَالثَّانِي: أَنَّ الْأَمَةَ إِذَا زَنَتْ تُجْلَدُ خمسين بعد الإحصان، وتُضرب تَأْدِيبًا غَيْرَ مَحْدُودٍ بِعَدَدٍ مَحْصُورٍ. وَقَدْ تَقَدَّمَ مَا رَوَاهُ ابْنُ جَرِيرٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ: أَنَّهَا لَا تُضْرَبُ قَبْلَ الْإِحْصَانِ، وَإِنْ أَرَادَ نَفْيَهُ فَيَكُونُ مَذْهَبًا بِالتَّأْوِيلِ، وَإِلَّا فَهُوَ كَالْقَوْلِ الثَّانِي.
الْقَوْلُ الْآخرُ: أَنَّهَا تُجْلَدُ قَبْلَ الْإِحْصَانِ مِئَةً، وَبَعْدَهُ خَمْسِينَ، كَمَا هُوَ الْمَشْهُورُ عن داود، وهو أضعف الْأَقْوَالِ.
الشيخ: لعلَّ "هو" زائدة: وأضعف الأقوال .....، لعلَّ "هو" زيادة: وأضعف الأقوال ..... يصير مبتدأً؛ لأنَّ كلام داود تقدَّم تضعيفه، "هو" زائدة: وأضعف الأقوال أنَّها.
الشيخ: ساقط، وقيل: أنها تُجلد .....، ثم قال: وقيل. حطّ عليه إشارة، لعله: وقيل ..... بسط الكلام في هذا، والأمر واضحٌ، الله يغفر لنا وله.
الشيخ: والمقصود أنَّ الحقَّ في هذا مثلما بيَّنت الأدلةُ: أنَّ الحرَّة تُجلد مئةً وتُغرَّب عامًا كالحرِّ إذا كانت بكرًا، وإن كانت محصنةً تُرجم بالحجارة كالرَّجل، وهكذا فعل النبيُّ ﷺ باليهودي واليهودية محصنين، رجمهما، أمَّا إن كانت أمةً فإنَّها تُجلد النِّصف فقط، سواء كانت محصنةً أو غير محصنةٍ، بكرًا أو ثيِّبًا تُجلد فقط خمسين جلدةً، النصف؛ لأنَّ الله قال: فَإِذَا أُحْصِنَّ فَإِنْ أَتَيْنَ بِفَاحِشَةٍ فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ مَا عَلَى الْمُحْصَنَاتِ مِنَ الْعَذَابِ [النساء:25]، وهو الجلد، وهكذا ..... النصف ..... الحدّ، يعني: النصف.
س: وهل تُنْفَى؟
ج: لا، لا تُنْفَى؛ لأنَّ الرسولَ ما أمر بنفيها، ضررٌ على سيدها؛ لأنَّ سيدها ما زنا، هو يُعطِّله، والنبي ما قال: انفوها، قال: اجلدها الحدّ .....، ولم يقل: ولتُنفى، لا تُنفى، تُجلد ولا تُنْفَى. النَّفي على الحرَّة فقط.
س: يوجد عند بعض الناس أنَّه إذا زنا بامرأةٍ وحملت عقدوا له عليها؟
ج: هذا غلطٌ، إذا زنت لا يُعقد له عليها، الولد ولدها، لا يُنسَب إليه، ولا يصحّ العقد، لكن بعد الولادة إذا تابت جاز تزوجها، إذا تابا، أمَّا الحمل فهو منسوبٌ إليها، ولا يصحّ العقدُ عليها: لا له، ولا لغيره.
س: باطل العقد؟
ج: نعم.
س: .............؟
ج: لا، ما تُنْفَى، النبي ما أمر بنفيها؛ لأنَّ نفيَها تعذيبٌ للسيد.
س: نفي الحرَّة؟
ج: في الحديث الصَّحيح، حديث عُبادة.
س: وإذا خشي الضَّرر؟
ج: على كل حالٍ الحاكم ينظر في الأمر، ينفيها نفيًا لا خطرَ فيه، كالشَّباب، كالولد، نفيًا يُراعى فيه عدم الخطر؛ أن تكون في محلٍّ تُلاحظ فيه، ويُعتنى بها في البلد التي تُنفى إليها، لا تُهْمَل.
س: السّجن يقوم مقام النَّفي؟
ج: هذا قول أبي حنيفة، والجمهور لا، الجمهور على أنَّ النَّفي غير السجن؛ لأنَّ النفي ..... للمُحاربين، أما هنا فصريحٌ نفي سنةٍ عن البلد يعني.
الشيخ: يعني: إذا لم يجد طول الحرّة، ولم يستطع الصَّبر، وخاف العنت: الزنا، بهذين الشَّرطين يتزوج الأَمَة: عجزه عن طول الحرّة، وخوفه على نفسه من الوقوع في الفاحشة: خَشِيَ الْعَنَتَ، والصَّبر خيرٌ مع هذا كلّه إذا استطاع الصبر؛ لأنَّ زواج الأمة وسيلة إلى رقِّ أولاده، فإذا شرط حريةَ أولاده صار الأمرُ أسهل.
مُداخلة: في نسخة: عربيًّا.
الشيخ: ما هو بصحيحٍ: لا عربيًّا، ولا غريبًا، كلّها، إلا أن يكون مغرورًا، قيل له: أنها حرّة، تزوَّجها على أنها حُرَّة، فبانت أمةً، يصير مغرورًا، أولاده أحرار ..... حطّ على غريب، حطّ عليه إشارة، لعله: إلا أن يكون زوجُها مغرورًا، يعني: مخدوعًا بأنها حرّة، وهي ليست حرةً، بان أنَّها أمةٌ.
س: الزوج يفدي أولاده إن كان مغرورًا؟
ج: يفدي أولاده، ويرجع على مَن غرَّه، الذي أوقعه في الغرور يرجع عليه بالفداء، سواء سيده أو غيره، إذا كان سيدها سقط في الغرامة؛ لأنَّه ضارّ، وإن كان الضَّارُّ غيرَه يرجع عليه.
الشيخ: يعني: وأن تصبروا عن الزَّواج خيرٌ لكم -الزَّواج بالإماء- لكن إن شرط أنَّ أولاده أحرار صار الأمرُ أسهل.
وَمِنْ هَذِهِ الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ اسْتَدَلَّ جُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ فِي جَوَازِ نِكَاحِ الْإِمَاءِ عَلَى أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ عَدَمِ الطَّوْلِ لِنِكَاحِ الْحَرَائِرِ، وَمِنْ خَوْفِ الْعَنَتِ؛ لِمَا فِي نِكَاحِهِنَّ مِنْ مَفْسَدَةِ رِقِّ الْأَوْلَادِ، وَلِمَا فِيهِنَّ مِنَ الدَّنَاءَةِ فِي الْعُدُولِ عَنِ الْحَرَائِرِ إليهنَّ.
وخالف الجمهورَ أبو حَنِيفَةَ وَأَصْحَابُهُ فِي اشْتِرَاطِ الْأَمْرَيْنِ، فَقَالُوا: مَتَى لَمْ يَكُنِ الرَّجُلُ مُزَوَّجًا بِحُرَّةٍ جَازَ لَهُ نِكَاحُ الْأَمَةِ الْمُؤْمِنَةِ وَالْكِتَابِيَّةِ أَيْضًا، سَوَاءٌ كَانَ واجدًا لطول حرّةٍ أَمْ لَا، وَسَوَاءٌ خَافَ الْعَنَتَ أَمْ لَا. وعُمدتهم فيما ذهبوا إليه قَوْلُهُ تَعَالَى: وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ [المائدة:5] أَيِ: الْعَفَائِفُ، وَهُوَ يَعُمُّ الْحَرَائِرَ وَالْإِمَاءَ، وَهَذِهِ الْآيَةُ عَامَّةٌ، وَهَذِهِ أَيْضًا ظَاهِرَةٌ فِي الدَّلَالَةِ عَلَى مَا قَالَهُ الْجُمْهُورُ، والله أعلم.
الشيخ: قول أبي حنيفة في هذا وأصحابه غلطٌ؛ لأنَّ الآية صريحةٌ في الشَّرطين، وآية المائدة عامَّة، والخاصُّ يقضي على العام، قاعدةٌ في الشرع: أنَّ الخاصَّ يخصّ العام ويقضي عليه ويُقيده. فقول الجمهور هنا أصحّ، ولا يتزوّج الأمة إلا بالشَّرطين: العجز عن طول الحرّة، وخوف العنت، ومع هذا فالصَّبر خيرٌ له إذا استطاع.
س: إذا اشترط أن يكون أولاده أحرارًا؟
ج: يكون أسهل، وإلا فالشَّرطان لا بدَّ منهما.
يُرِيدُ اللَّهُ لِيُبَيِّنَ لَكُمْ وَيَهْدِيَكُمْ سُنَنَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَيَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ وَاللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَنْ تَمِيلُوا مَيْلًا عَظِيمًا يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُخَفِّفَ عَنْكُمْ وَخُلِقَ الْإِنْسَانُ ضَعِيفًا [النساء:26- 28].
يُخْبِرُ تَعَالَى أَنَّهُ يُرِيدُ أَنْ يُبَيِّنَ لَكُمْ أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ مَا أَحَلَّ لَكُمْ وَحَرَّمَ عَلَيْكُمْ مِمَّا تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ فِي هَذِهِ السُّورَةِ وَغَيْرِهَا.
الشيخ: هذه الإرادة الشَّرعية، وقد فعل سبحانه؛ أنزل الكتبَ، وأرسل الرسل، وبيَّن أحكامهم، هذه الإرادة قد وقعت وحصلت، ولكن من الناس مَن فهم وتفقَّه، ومنهم مَن لم يفهم ولم يتفقَّه، وإلا فقد بيَّن لهم سبحانه وأوضح.
وَيَهْدِيَكُمْ سُنَنَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ يَعْنِي: طَرَائِقَهُمُ الْحَمِيدَةَ، وَاتِّبَاعَ شَرَائِعِهِ الَّتِي يُحِبُّهَا وَيَرْضَاهَا، {وَيَتُوبَ عَلَيْكُمْ} أَيْ: مِنَ الْإِثْمِ وَالْمَحَارِمِ، وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ أَيْ: فِي شَرْعِهِ وقدره، وأفعاله وأقواله.
وقوله: وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَنْ تَمِيلُوا مَيْلًا عَظِيمًا أَيْ: يُرِيدُ أَتْبَاعُ الشَّيَاطِينِ مِنَ الْيَهُودِ والنَّصارى والزُّناة أن تميلوا عَنِ الْحَقِّ إِلَى الْبَاطِلِ مَيْلًا عَظِيمًا.
يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُخَفِّفَ عَنْكُمْ أَيْ: فِي شَرَائِعِهِ، وَأَوَامِرِهِ، وَنَوَاهِيهِ، وَمَا يُقَدِّرُهُ لَكُمْ؛ وَلِهَذَا أَبَاحَ الإماءَ بشروطٍ، كما قال مجاهدٌ وغيره.
وَخُلِقَ الْإِنْسَانُ ضَعِيفًا فَنَاسَبَهُ التَّخْفِيفُ لِضَعْفِهِ فِي نَفْسِهِ، وَضَعْفِ عَزْمِهِ وَهِمَّتِه.
الشيخ: وهذا من لطفه جلَّ وعلا، من لطفه سبحانه أنْ مَنَّ بالتوبة والتَّخفيف والتَّيسير؛ لضعف الإنسان، فهو ضعيفٌ يقع في المعاصي، ويقع في الشّرور، يحتاج للزَّواج بالأمة عند عجزه عن الحرّة، فمن رحمة الله أن أباح له ذلك ليتزوج؛ حتى يعفَّ نفسه، ومن رحمته أن شرع له التوبة: وَاللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْكُمْ [النساء:27]؛ لأنَّه كثيرًا ما يغلبه هواه ويقع في المعصية، فمن رحمة الله أن شرع له التّوبة ورحمه، ولم يكن الذنبُ أسرًا عليه، بل جعل له فرجًا ومخرجًا بالتوبة والرجوع إليه، وجعل المصائبَ والأمراض كفَّارة للسّيئات، فجمع له سبحانه بين أشياء كثيرة من أنواع التَّخفيف والتَّيسير، ومن التوبة، فلله الحمدُ والمنّة ، له الشكر، وله الحمد.
الشيخ: يعني في السِّياق هذا، وإلا فهو ضعيفٌ في كل شيءٍ، عند أقلّ شيءٍ يضعف، وعند أقلّ مرضٍ، وعند أقلّ علةٍ، ولكن في أمر النِّساء أشدّ.
الشيخ: الحمد لله، اللهم لك الحمد، لله الحمد والمنَّة.