المقدم: بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله ربِّ العالمين، والصلاة والسلام على قائد الغُرِّ المحجلين نبينا محمدٍ، وعلى آله وصحبه أجمعين.
أيها الإخوة والأخوات، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، ومرحبًا بحضراتكم إلى درسٍ جديدٍ من دروس "المنتقى من أخبار المصطفى ﷺ".
ضيف اللِّقاء هو سماحة الشيخ عبدالعزيز بن عبدالله بن باز، المفتي العام للمملكة العربية السعودية، ورئيس هيئة كبار العلماء.
مع مطلع هذا اللقاء نُرحب بالشيخ عبدالعزيز فأهلًا ومرحبًا يا سماحة الشيخ.
الشيخ: حيَّاكم الله وبارك فيكم.
المقدم: على بركة الله وقف بنا الحديثُ عند باب السواك وسُنن الفطرة:
- عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا: أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ قَالَ: السِّوَاكُ مَطْهَرَةٌ لِلْفَمِ، مَرْضَاةٌ لِلرَّبِّ. رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَالنَّسَائِيُّ، وَهُوَ لِلْبُخَارِيِّ تَعْلِيقًا.
- وَعَنْ زَيْدِ بْنِ خَالِدٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: لَوْلَا أَنْ أَشُقَّ عَلَى أُمَّتِي لَأَخَّرْتُ صَلَاةَ الْعِشَاءِ إلَى ثُلُثِ اللَّيْلِ، وَلَأَمَرْتُهُمْ بِالسِّوَاكِ عِنْدَ كُلِّ صَلَاةٍ. رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَالتِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ.
- وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ ﷺ قَالَ: لَوْلَا أَنْ أَشُقَّ عَلَى أُمَّتِي لَأَمَرْتُهُمْ بِالسِّوَاكِ عِنْدَ كُلِّ صَلَاةٍ. رَوَاهُ الْجَمَاعَةُ.
وَفِي رِوَايَةٍ لِأَحْمَدَ: لَأَمَرْتُهُمْ بِالسِّوَاكِ مَعَ كُلِّ وُضُوءٍ.
وَلِلْبُخَارِيِّ تَعْلِيقًا: لَأَمَرْتُهُمْ بِالسِّوَاكِ عِنْدَ كُلِّ وُضُوءٍ.
قال: ويُروى نحوه عَنْ جَابِرٍ وَزَيْدِ بْنِ خَالِدٍ، عَنِ النَّبِيِّ ﷺ.
- وَعَنِ الْمِقْدَامِ بْنِ شُرَيْحٍ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: قُلْتُ لِعَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا: بِأَيِّ شَيْءٍ كَانَ يَبْدَأُ النَّبِيُّ ﷺ إذَا دَخَلَ بَيْتَهُ؟ قَالَتْ: بِالسِّوَاكِ. رَوَاهُ الْجَمَاعَةُ إلَّا الْبُخَارِيَّ وَالتِّرْمِذِيَّ.
- وَعَنْ حُذَيْفَةَ قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ إذَا قَامَ مِنَ اللَّيْلِ يَشُوصُ فَاهُ بِالسِّوَاكِ. رَوَاهُ الْجَمَاعَةُ إلَّا التِّرْمِذِيَّ.
وَالشَّوْصُ: الدَّلْكُ.
وَلِلنَّسَائِيِّ عَنْ حُذَيْفَةَ قَالَ: كُنَّا نُؤْمَرُ بِالسِّوَاكِ إذَا قُمْنَا مِنَ اللَّيْلِ.
- وَعَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا: أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ كَانَ لَا يَرْقُدُ لَيْلًا وَلَا نَهَارًا فَيَسْتَيْقِظُ إلَّا تَسَوَّكَ. رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَأَبُو دَاوُد.
الشيخ: بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله، وصلى الله وسلم على رسول الله، وعلى آله وأصحابه ومَن اهتدى بهداه.
أما بعد: فهذا الباب في سُنن الفطرة، والسِّواك من أخصِّها ومن أفضلها؛ ولهذا جاءت الأحاديثُ الكثيرة في الحثِّ عليه والترغيب فيه، وهو دلك الأسنان بالعود المناسب: كالأراك ونحوه مما يُزيل الوسخ ويُنظف الأسنان.
وفي حديث عائشة يقول النبيُّ ﷺ: السواك مطهرة للفم، مرضاة للرب أخرجه الإمامُ أحمد، والنَّسائي بإسنادٍ صحيحٍ، وعلَّقه البخاريُّ رحمه الله، وهو حديث جيد صحيح يدل على شرعية السِّواك دائمًا، فالمستحب أن يستاك دائمًا: السواك مطهرة للفم، مرضاة للرب؛ ولهذا كان النبيُّ يستاك في غير الصلاة، يستاك إذا دخل المنزل، يستاك في مجلسه عليه الصلاة والسلام، فالسواك سنة؛ ولهذا قالت عائشةُ: كان النبيُّ إذا دخل المنزلَ بدأ بالسِّواك.
فالسنة أن يستاك إذا دخل المنزل، وإذا قام إلى الصلاة، وإذا بدأ الوضوء، كله سنة، وإذا أكثر منه فهو سنة، وهكذا إذا استيقظ من نومه يستاك.
فالسواك سنة عند بدء الصلاة؛ يقول ﷺ: لولا أن أشقَّ على أمتي لأمرتهم بالسواك مع كل صلاةٍ، وفي اللفظ الآخر: عند كل صلاةٍ.
والنبي كان إذا قام من الليل يستاك بالسواك، ويشوص فاه بالسواك، كما في حديث حذيفة، ولا يستيقظ من نوم ليلٍ أو نهارٍ إلا استاك.
كل هذا يدل على شرعية السواك عند الاستيقاظ من النوم، وعند الصلاة، وعند الوضوء، وفي جميع الأوقات، هو سنة مشروعة مطلقًا؛ لما فيه من المصلحة العظيمة، فإنه يطرد النعاس ويُنظف الأسنان.
المقدم: إذًا لو أردنا أن نُكرر المواضع التي يتأكَّد فيها استحباب السِّواك؟
الشيخ: عند الصلاة، وعند الوضوء، وعند دخول المنزل، وعند تغير الفم، يستاك في هذا كله، وعند القيام من الليل، الاستيقاظ من النوم.
المقدم: اختلف العلماءُ في سواك الصائم بعد الزوال، ما توجيهكم؟
الشيخ: الصواب: يستاك مطلقًا، في أول النهار، وفي آخره، سواء كان صائمًا أو مُفطرًا، الصائم يستاك ولو كان صائمًا، النبي عليه الصلاة والسلام قال: لولا أن أشقَّ على أمتي لأمرتهم بالسواك مع كل صلاةٍ، يدخل فيها صلاة الظهر والعصر للصائم، وكان النبي يستاك عند الوضوء في الظهر والعصر، في الصيام وغير الصيام.
المقدم: حديث: رأيتُ النبيَّ ما لا أُحصي يستاك وهو صائم؟
الشيخ: الحديث لا بأس به، حديث عامر بن ربيعة لا بأس به، جيد، ويدل على شرعية السِّواك حتى للصائم مطلقًا، في أول النَّهار وآخره.
المقدم: السِّواك أثناء خطبة الجمعة؟
الشيخ: لا ينبغي؛ لأنه نوع من العبث، فالسنة أن يُصغي للخطبة، ولا يشتغل بشيءٍ: لا بالسِّواك، ولا بغيره.
المقدم: هل هناك مواضع يُكره فيها السِّواك؟
الشيخ: السِّواك بعد دخوله في الصلاة لا ينبغي، نوع من العبث، وعند استماع الخطبة كذلك لا ينبغي؛ لأنه نوع من العبث، والمشروع للمؤمن عند الخطبة أن يستمع ويُنصت، وهكذا في الصلاة الخشوع، والسواك يُخالف ذلك، فهو مشروع عند الدخول فيها، وبعد الدخول لا يُشرع، وهكذا بعد الدخول في الصلاة -صلاة الجمعة- أما حال الخطبة لا يُشرع؛ لأنَّ المطلوب في وقت الخطبة الإنصات والإصغاء والخشوع.
المقدم: إذا استاك الشخصُ بخرقةٍ ونحوها، هل يحصل له الأجر كما في السِّواك؟
الشيخ: إذا ما تيسر السواك المناسب ولو بإصبعه، ولو بخرقةٍ، إذا ما تيسر السواك المناسب، إن تيسر السواك من الأراك أو غيره فهو أطيب وأحسن، وإن لم يتيسر لو بأصبعه كما يُروى عن عليٍّ .
المقدم: ما الأفضل: الاستياك باليد اليمنى أم باليُسرى؟
الشيخ: الاستياك باليُسرى، يستاك باليسرى؛ لأنه إزالة أذى، واليسرى للأذى، لكن يبدأ بالشقِّ الأيمن، في حديث عائشة رضي الله عنها: كان النبي ﷺ يُعجبه التَّيمن في تنعله وترجله وسواكه وطهوره وفي شأنه كله، فيبدأ بالشقِّ الأيمن في السِّواك.
المقدم: ظهرت بعض المعجونات التي فيها خلاصة السواك، هل تُجزئ؟ وما رأيكم فيها؟
الشيخ: قد يحصل بها شيء من التَّلويث المعجونات، لكن كونه بالسواك أولى، المعجونات قد يحصل بها تلويث في الفم، وقد تُؤذي الإنسان، تذهب إلى حلقه وتُؤذيه، لكن بالسواك ليس فيه أذى، يحصل به المطلوب من دون أذًى.
المقدم: أخيرًا يا سماحة الشيخ، إذا استاك المسلمُ وهو صائم وبلع بعض القطع الصغيرة هل يفسد صومه؟
الشيخ: لا، ما يفسد صومه إذا ما تعمَّد ذلك، إنما هو تبع الريق، ما يضرّ، مثل الريق، تبع الرِّيق.
بَابُ تَسَوُّكِ الْمُتَوَضِّئِ بِأُصْبُعِهِ عِنْدَ الْمَضْمَضَةِ
124- عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ أَنَّهُ دَعَا بِكُوزٍ مِنْ مَاءٍ فَغَسَلَ وَجْهَهُ وَكَفَّيْهِ ثَلَاثًا، وَتَمَضْمَضَ ثَلَاثًا، فَأَدْخَلَ بَعْضَ أَصَابِعِهِ فِي فِيهِ، وَاسْتَنْشَقَ ثَلَاثًا، وَغَسَلَ ذِرَاعَيْهِ ثَلَاثًا، وَمَسَحَ رَأْسَهُ وَاحِدَةً. وَذَكَرَ بَاقِيَ الْحَدِيثِ، وَقَالَ: هَكَذَا كَانَ وُضُوءُ نَبِيِّ اللَّهِ ﷺ. رَوَاهُ أَحْمَدُ.
الشيخ: هذا الحديث دلَّ على معناه الأحاديث الصَّحيحة الكثيرة عن النبي ﷺ: من حديث عبدالله بن زيد، ومن حديث عثمان، ومن غيرهما أيضًا: أنه عليه الصلاة والسلام كان إذا توضأ غسل كفَّيه ثلاثًا، ثم يتمضمض ثلاثًا، ويستنشق بثلاث غرفات، ثم يغسل يديه ثلاثًا، وربما غسلهما مرتين كما في حديث عبدالله بن زيد، ثم يمسح رأسه مرةً مع أذنيه، ثم يغسل رجليه ثلاث مرات، هذا هو الكمال، ولو غاير بين ذلك فلا بأس؛ لو غسل بعض الأعضاء مرة، وبعض الأعضاء مرتين، وبعض الأعضاء ثلاثًا لا حرج في ذلك، لكن الأفضل أن يتوضأ ثلاثًا ثلاثًا، إلا الرأس؛ فإنه يمسحه مرة واحدة، الرأس يمسحه مرة واحدة، أما الأعضاء الأخرى فالأفضل ثلاثًا: يتمضمض ثلاثًا، ويستنشق ثلاثًا، ويغسل وجهه ثلاثًا، ويغسل يديه ثلاثًا، ورجليه ثلاثًا، ولو غسل مرتين مرتين، أو مرة مرة، كفى، والحمد لله، لكن الثِّنتين أفضل من الواحدة، والثلاث أفضل من الثِّنتين.
- عَنْ عَامِرِ بْنِ رَبِيعَةَ قَالَ: رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ مَا لَا أُحْصِي يَتَسَوَّكُ وَهُوَ صَائِمٌ. رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَأَبُو دَاوُد، وَالتِّرْمِذِيُّ وَقَالَ: حَدِيثٌ حَسَنٌ.
- وَعَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: مِنْ خَيْرِ خِصَالِ الصَّائِمِ السِّوَاكُ. رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ، قَالَ الْبُخَارِيُّ: وَقَالَ ابْنُ عُمَرَ: يَسْتَاكُ أَوَّلَ النَّهَارِ وَآخِرَهُ.
- وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ ﷺ قَالَ: لَخُلُوفُ فَمِ الصَّائِمِ أَطْيَبُ عِنْدَ اللَّهِ مِنْ رِيحِ الْمِسْكِ. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
الشيخ: كل هذه الأحاديث كالتي قبلها تدل على شرعية السواك حتى للصائم مطلقًا، وحديث عامر بن ربيعة صحيح في ذلك: رأى النبيَّ يستاك ما لا يُحصي وهو صائم. والأحاديث عامَّة.
وقوله ﷺ: لولا أن أشقَّ على أمتي لأمرتهم بالسِّواك مع كل وضوءٍ يشمل الصائم وغير الصائم، فالسنة أن يتسوك وإن كان صائمًا، في جميع الأوقات، حتى في آخر النهار: الظهر والعصر، هذا هو السنة.
ومَن قال من بعض الفقهاء: "أنه يُكره للصَّائم بعد الزوال" لا دليلَ عليه، قوله مرجوح، والصواب أنَّ السنة [أنه] مشروع للصائم وغير الصائم في جميع الأوقات، وخلوف فم الصائم لا يُزيله السِّواك، الخلوف باقٍ، خلوف فم الصائم أطيب عند الله من ريح المسك، يظن بعضُ الناس أنَّ السِّواك يُزيله، هو لا يُزيله، ولكن يُخففه؛ لأنَّ الخلوف يصدر من الجوف، فالسواك يُطيب النَّكهة، ويُحسن الرائحة، والخلوف لا يزال يصدر ويخرج من الجوف، لا يمنعه السِّواك.
بَابُ سُنَنِ الْفِطْرَةِ
- عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: خَمْسٌ مِنَ الْفِطْرَةِ: الِاسْتِحْدَادُ، وَالْخِتَانُ، وَقَصُّ الشَّارِبِ، وَنَتْفُ الْإِبْطِ، وَتَقْلِيمُ الْأَظْفَارِ. رَوَاهُ الْجَمَاعَةُ.
- وَعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: وُقِّتَ لَنَا فِي قَصِّ الشَّارِبِ، وَتَقْلِيمِ الْأَظْفَارِ، وَنَتْفِ الْإِبْطِ، وَحَلْقِ الْعَانَةِ أَنْ لَا نَتْرُكَ أَكْثَرَ مِنْ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً. رَوَاهُ مُسْلِمٌ، وَابْنُ مَاجَهْ.
وَرَوَاهُ أَحْمَدُ، وَالتِّرْمِذِيُّ، وَالنَّسَائِيُّ، وَأَبُو دَاوُد وَقَالُوا: وَقَّتَ لَنَا رَسُولُ اللَّهِ ﷺ.
- وَعَنْ زَكَرِيَّا بْنِ أَبِي زَائِدَةَ، عَنْ مُصْعَبِ بْنِ شَيْبَةَ، عَنْ طَلْقِ بْنِ حَبِيبٍ، عَنِ ابْنِ الزُّبَيْرِ، عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: عَشْرٌ مِنَ الْفِطْرَةِ: قَصُّ الشَّارِبِ، وَإِعْفَاءُ اللِّحْيَةِ، وَالسِّوَاكُ، وَاسْتِنْشَاقُ الْمَاءِ، وَقَصُّ الْأَظْفَارِ، وَغَسْلُ الْبَرَاجِمِ، وَنَتْفُ الْإِبْطِ، وَحَلْقُ الْعَانَةِ، وَانْتِقَاصُ الْمَاءِ يَعْنِي: الِاسْتِنْجَاءَ. قَالَ زَكَرِيَّا: قَالَ مُصْعَبٌ: وَنَسِيتُ الْعَاشِرَةَ إلَّا أَنْ تَكُونَ الْمَضْمَضَةَ. رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَمُسْلِمٌ، وَالنَّسَائِيُّ، وَالتِّرْمِذِيُّ.
الشيخ: هذه الأحاديث تدل على سنن الفطرة، وأنَّ من الفطرة خمس كما في حديث عائشة: خمس من الفطرة، يقول ﷺ: خمس من الفطرة: الختان، والاستحداد، وقص الشارب، وقلم الأظفار، ونتف الآباط كلها سنة، فينبغي لأهل الإسلام ألا يدعوها، فإنَّ الختان وقصَّ الشارب وقلم الظفر ونتف الإبط وحلق العانة كل هذا أمر مشروع.
وذهب بعضُ أهل العلم إلى وجوب الختان، وهو قول قوي، كما قال ابن عباسٍ وجماعة: أنه يجب الختان.
وقال آخرون -وهم الجمهور- على السنية: أنه سنة الختان، فينبغي ألا يُترك، وهكذا للنساء، سنة للجميع، ولكنه في حقِّ الرجال آكد، فينبغي ألا يُترك الختان.
والسنة أن يختن قبل البلوغ في حال الصِّغر؛ لأنه أيسر وأسهل في حال الصِّغر.
وقال في الحديث الآخر -حديث أنس- وقّت لنا في قصِّ الشارب وقلم الظفر ونتف الإبط وحلق العانة ألا ندع ذلك أكثر من أربعين ليلة.
وفي اللفظ الآخر: وقَّت لنا رسولُ الله ﷺ.
وقول الصَّحابي: "وقَّت لنا" معناه أنه وقَّته النبيُّ ﷺ؛ لأنه هو الموقِّت عليه الصلاة والسلام، فدلَّ ذلك على أنه ينبغي على المؤمن أن يُحافظ على ذلك قبل الأربعين: قصّ الشارب، وقلم الظفر، ونتف الإبط، وحلق العانة، السنة أن يتعاهدها المؤمنُ قبل الأربعين، وهكذا المؤمنة من جهة: قلم الظفر، ونتف الإبط، وحلق العانة، هذا للرجل والمرأة، وقصّ الشارب يتعلق بالرجل، أما اللحية لا؛ اللحية يجب توفيرها والعناية بها وعدم التَّعرض لها؛ لقوله ﷺ: قصُّوا الشَّوارب، ووفروا اللِّحى؛ خالفوا المشركين، فاللحية يجب توفيرها والعناية بها، والحذر من قصِّها وأخذ شيءٍ منها، أما الشَّارب فالسنة قصُّه وإحفاؤه، وهكذا نتف الإبط، وحلق العانة، وقلم الأظفار، هذا سنة للجميع، للرجل والمرأة: نتف الإبط، وحلق العانة، وقلم الأظفار للجميع.
المقدم: بالنسبة إلى حلق الشارب كله؟
الشيخ: السنة قصُّه، لكن إحفاؤه، قصُّه بإحفائه، ولا يُحلق، السنة القصّ كما أمر به النبيُّ ﷺ.
المقدم: إذا أسلم الكافرُ هل يلزمه الختان؟
الشيخ: يُشرع له الختان إذا لم يخف على نفسه، إذا كان ما في خطر يُشرع له، لكن لا يُقال له أول ما يُدعا للإسلام ويُرغَّب في الإسلام، ولا يُكلم في الختان إلا بعد ذلك؛ لئلا ينفر من الإسلام، يُدعا إلى الإسلام، ويُترك الختان إذا تيسر بعد هذا، وإلا فالأمر سهل، المهم دخوله في الإسلام، فإذا استقرَّ في الإسلام وتيسر أنه يختن بدون مشقةٍ فلا بأس.
المقدم: بالنسبة لختان المرأة؟
الشيخ: مستحبٌّ؛ لأنَّ ختانها فيه مصالح للمرأة ولزوجها، لكن إذا تيسر مَن يعرف هذا من النساء؛ لأنَّ الختان ما الكل يعرفه، فإذا تيسرت امرأة تُحسن ذلك، أو رجل يُحسِن ذلك في حال صغر المرأة فلا بأس يُستحب، وإذا ما تيسر يُترك.
المقدم: ما الحكمة من الختان؟
الشيخ: فيه مصالح كثيرة: منها أنَّ الفرج يكون أسلم من وجود بقية النَّجاسات فيه من البول، قد يحتقن في القلفة، وقد يبقى في القلفة بعض النَّجاسة وبعض الوسخ، فإزالة القلفة فيه نظافة للفرج.
المقدم: استعمال بعض الأدهان في إزالة الشعر بالنسبة للرجل هل يُغني عن النَّتف؟
الشيخ: نعم، إذا أُزيل بغير النَّتف كفى، كونه يجعل شيئًا يُزيله من إبطه، أو من عانته، ولو بغير الحلق، ولو بغير النتف: نتف الإبط، وحلق العانة، المهم زواله، فإذا تيسر زواله من الإبط بشيءٍ آخر، أو من العانة بشيءٍ آخر، فالحمد لله.
المقدم: اعتادت بعضُ النساء أن تُطيل أظفارها مع طلائها ببعض الألوان، هل لكم توجيه؟ وما حكم ذلك؟
الشيخ: إذا كان الطولُ أقلَّ من أربعين فلا بأس، أما بعد الأربعين لا، يجب قصُّها؛ لأنَّ أنسًا قال: "وقّت لنا" يعني: وقَّت الرسولُ ﷺ، فإذا بلغت الأربعين وجب قصُّها للرجل والمرأة، أما في أقلّ من أربعين فلا بأس.
المقدم: إذا مضى أربعون يومًا ولم تطل شعورُ الإنسان وأظفاره، هل له أن يُزيل أو يزيد عن ذلك؟
الشيخ: على كل حالٍ، إذا كان فيها شيء يُزيله، وإذا كان ما ظهر شيء ما يحتاج، لكن إذا وُجد فيها طولٌ، يعني: رجعت على حالها الأولى يقلبها، أما إذا ما رجع فيها شيء؛ قد يكون يعرض له شيء يمنع طول الأظفار، فلا حرج، المقصود منع طولها، فإذا لم تطل بعد ذلك فلا يلزمه قصها ولا قلمها، إنما ذلك إذا بلغت أربعين، قبل أن تبلغ الأربعين يقصّها، لكن لو قدر أنه أصابه مرضٌ أو شيءٌ منع من طلوعها فلا حرج، المقصود عدم طولها، فإذا كانت على حالها كلما أزالها عادت يقصّها قبل الأربعين.
المقدم: إذا ظهر للمرأة شعرٌ في وجهها، هل لها أن تُزيل ذلك؟
الشيخ: نعم، إذا كان يُشوه الخلقة يُزال: كاللحية، والشارب، أو شعر يُشوه الخلقة يُزال، أما الشعر العادي تتركه، الشعر العادي لا تتعرض له؛ لأنَّ بعض أهل العلم جعله من النَّمص، وإن كان النَّمص المشهور أنه في الحاجبين، لكن بعض أهل العلم جعل شعر الوجه من النَّمص إذا كان عاديًا، أما إذا كان فيه مُثلة، فيه تشويه، مثل: اللحية، ومثل: الشارب للمرأة، الشيء الطويل الكثير في الوجه يُزال في حقِّ المرأة يعني.
المقدم: ما الفرق بين قصِّ الشَّارب وحفِّه؟ وأيّهما أفضل؟
الشيخ: حفُّه أفضل؛ لأنَّ قصَّه مع المبالغة فيه، يعني: يقصّه قصًّا تامًّا، لكن من دون حلقه.
بَابٌ في الْخِتَانِ
- عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ: أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ قَالَ: اخْتَتَنَ إبْرَاهِيمُ خَلِيلُ الرَّحْمَنِ بَعْدَمَا أَتَتْ عَلَيْهِ ثَمَانُونَ سَنَةً، وَاخْتَتَنَ بِالْقَدُومِ. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ، إلَّا أَنَّ مُسْلِمًا لَمْ يَذْكُر السِّنِينَ.
- وَعَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ قَالَ: سُئِلَ ابْنُ عَبَّاسٍ: مِثْلُ مَنْ أَنْتَ حِينَ قُبِضَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ؟ قَالَ: أَنَا يَوْمَئِذٍ مَخْتُونٌ، وَكَانُوا لَا يَخْتِنُونَ الرَّجُلَ حَتَّى يُدْرِكَ. رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ.
- وَعَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ قَالَ: أُخْبِرْتُ عَنْ عُثَيْمِ بْنِ كُلَيْبٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ: أَنَّهُ جَاءَ إلَى النَّبِيِّ ﷺ فَقَالَ: قَدْ أَسْلَمْتُ، قَالَ: أَلْقِ عَنْكَ شَعْرَ الْكُفْرِ، يَقُولُ: احْلِقْ. قَالَ: وَأَخْبَرَنِي آخَرُ مَعَهُ أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ قَالَ لِآخَرَ: أَلْقِ عَنْكَ شَعْرَ الْكُفْرِ وَاخْتَتِنْ. رَوَاهُما أَحْمَدُ، وَأَبُو دَاوُد.
الشيخ: هذه الأحاديث تدل على شرعية الختان، والختان سنة كما تقدم في قوله ﷺ: الفطرة خمس: الختان، والاستحداد .. في "الصحيحين"، فالختان سنة مُؤكدة للرجال والنساء.
وذهب بعضُ أهل العلم إلى وجوبه كما تقدم في حقِّ الرجال.
وفي الحديث المذكور أنَّ إبراهيم اختتن وهو ابن ثمانين بالقدوم، يقال: القدوم بالتَّخفيف، ويُروى بالتَّشديد، يعني: موضع معروف، دلَّ على أنَّ الكبير يُسنّ له الختان، إذا لم يختتن وهو صغير سُنَّ له الاختتان من دون خطرٍ ولا خوفٍ على نفسه، فلا بأس يختتن؛ ولهذا اختنن إبراهيمُ عليه الصلاة والسلام وهو ابن ثمانين.
وأمر النبيُّ ﷺ بعض مَن أسلم كما هنا أن يختتن، وأن يُلقي عنه شعر الكفر، فدلَّ على أن الاختتان مطلوب إذا تيسر ذلك، ولو أنه كبير بعد الإسلام.
وهكذا حلق الشعر إذا تيسر فهو أفضل، ولكن لا يجب ذلك؛ لأنه ﷺ لم يأمر الذين أسلموا يوم الفتح وهم كثيرون بذلك، فدلَّ على أن كونه يختتن وهو كبير ويُلقي عنه شعر الكفر أنَّ هذا هو الأفضل، وهو السنة، كما فعل إبراهيمُ عليه الصلاة والسلام.
وهكذا السنة أن الطفل يختتن قبل أن يحتلم، وكانوا في الجاهلية يُؤخرون ختانه إلى أن يُناهز الاحتلام، ولكن الأفضل أن يُراعى ما هو الأسهل.
وكان ابن عباسٍ رضي الله عنهما حين قُبض النبيُّ ﷺ قد ناهز الاحتلام، كما جاء في الحديث الصحيح عنه: أنه قال لما مرَّ على الحمار والنبي يُصلي بالناس في منًى قال: وكنتُ قد ناهزت الاحتلام. في السنة العاشرة في حجَّة الوداع في آخر حياة النبي عليه الصلاة والسلام، فإذا ختن وهو كبير فلا بأس، ولكن إذا تيسر ختنه وهو صغير يكون أسهل وأسلم؛ ولأنَّ أهل الطبِّ ذكروا أنَّ ختن الصغر أيسر، فإذا خُتن وهو صغير في أيام الرضاع كان ذلك أفضل وأيسر وأسرع للبُرء، وقد ذكر كثيرٌ من الأطباء أنه كلما كان الختانُ في حال الصغر فهو أولى وأيسر وأسهل على الطفل.
المقدم: الحقيقة هناك بعض الأسئلة المتعلقة بباب الختان سماحة الشيخ، وهو أن بعض مَن يُدعون إلى الإسلام قد يُذكر لهم الختان فيحصل منهم نفور من الدُّخول في ذلك، هل من توجيه في ذلك؟
الشيخ: الأفضل ألا يُقال له شيء عند دخوله الإسلام، الأفضل عدم ذكر الاختتان له، بل يحرص على إسلامه؛ لأنَّ المقصود الأعظم هو الإسلام، وإذا أسلم فالحمد لله، إن ختن فالحمد لله، وإن لم يختن فالحمد لله، لكن قد يُقال له ذكر الختان فيجبن عن الإسلام ويضعف، فلا يُذكر له الختان؛ لئلا يتأخَّر عن الإسلام، وإذا استقر في الإسلام وزال الخوفُ لا بأس أن يبلغ؛ لعله يختتن إذا تيسر ذلك، لكن في أول الأمر لا يُذكر له شيء حتى لا يجبن عن الإسلام؛ لأنَّ الإسلام هو المهم الأول، هو الأعظم، وإنقاذه من النار، يُدعا إلى الإسلام ويُرغَّب في الإسلام، ولا يتعرض للختان، فإذا استقرَّ في الإسلام وحسن إسلامه يُقال له بعد ذلك؛ لعله يختتن إذا تيسر طبيب حاذق يعرف ذلك، ويقول له: إنه لا خطر فيه، فلا بأس.
المقدم: بعض الأطفال يُولد مختونًا، هل يُشرع إمرار الموس على موضع الختان؛ تطبيقًا للسنة؟
الشيخ: لا، إذا وُلد مختونًا فلا حاجةَ إلى إمرار الموس؛ لأنه عبث، إذا وُلد مختونًا فالحمد لله، ولا حاجة إلى إمرار الموس على محلِّ الختان.
المقدم: إذًا هل وقت الصِّغر هو الوقت المناسب للختان؟
الشيخ: نعم، هو الوقت المناسب حسبما ذكر بعضُ الأطباء، يقولون أنه أسهل وأيسر للطفل.
المقدم: بمناسبة ذكر الختان بالنسبة للأطفال: ما حكم الأذان والإقامة وتحنيك الطِّفل؟
الشيخ: سنة: الأذان والإقامة، جاء في حديثٍ لا بأس فيه، وإن كان فيه بعض اللِّين، لكن لا بأس به، وهكذا الإقامة، والأفضل أن يُؤذن في اليمنى، ويُقيم في اليُسرى، وإن لم يفعل فلا حرج؛ لأنَّ النبي ﷺ فعله وتركه، جيء إليه بعبدالله بن أبي طلحة فسمَّاه وحنَّكه، ولم يُذكر عنه أنه أذَّن وأقام، فدلَّ على أنَّ الأمر واسع، فإذا أذَّن وأقام فهو أفضل، وإن سمَّى ولم يُؤذن ولم يُقم فلا حرج والحمد لله.
وهكذا التَّحنيك يُستحب؛ يرفع حنكه بأصبعه، النبي ﷺ لما جاء له أبو طلحة بابنه عبدالله جاء معه بتمرةٍ، فمضغها النبيُّ ﷺ وبصق في فمه، ثم حنَّكه بأصبعه عليه الصلاة والسلام، فهذا أفضل، وإذا حنَّكه أبوه أو أمه فالحمد لله.
المقدم: صحّة حديث: الختان سنة للرجال، مكرمة للنساء؟
الشيخ: هذا الحديث رواه الإمامُ أحمد رحمه الله من حديث أبي المليح ابن أسامة، عن أبيه، ورواه أيضًا الطبراني عن شداد بن أوس، وابن عباس، كما ذكره السيوطي في "الجامع" وحسَّنه رحمه الله، وهذا يدل على أنه يتأكد في حقِّ الرجال، ولكنه أفضل في حقِّ النساء، ويتأكد في حقِّ الرجال أكثر.
المقدم: هل يُعتبر الختان من سُنن إبراهيم عليه السلام؟
الشيخ: نعم، من سُنن نبينا وسنة إبراهيم عليه الصلاة والسلام، والنبي أمر باتباع إبراهيم: ثُمَّ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ أَنِ اتَّبِعْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ [النحل:123].
المقدم: المراد بقول الرسول ﷺ: ألقِ عنك شعر الكفر؟
الشيخ: يعني: الشعر الذي أسلم وهو عليه أفضل له [أن] يحلقه ويختتن إذا كان ما اختتن، إذا تيسر ذلك، ولم يكن في ختانه خطر.
المقدم: إذًا الاغتسال للكافر إذا أسلم؟
الشيخ: سنة مؤكدة، قد أوجبه بعضُ أهل العلم، ولكنه سنة، الصواب أنه سنة؛ لأنَّ الرسول ﷺ ما أمر به الذين أسلموا عام الفتح، ولو كان واجبًا لأمرهم، وإنما أمر به قيس بن عاصم، فدلَّ على أنه مستحب فقط، وهكذا فعله ثمامة؛ لما أراد أن يُسلم اغتسل ثم جاء وأسلم.
المقدم: شكر الله لكم يا سماحة الشيخ، وبارك الله فيكم وفي علمكم، ونفع بكم الإسلام والمسلمين.